المهذب في فقة الإمام الشافعي

كتاب الزكاة
مدخل
...
كتاب الزكاة
الزكاة ركن من أركان الإسلام وفرض من فروضه والأصل فيه قوله عز وجل {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43] وروى أبو هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم جالساً فأتاه رجل فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الإسلام؟ قال "الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم شهر رمضان" ثم أدبر الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ردوا علي الرجل" فلم يروا شيئاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم1".
فصل: ولا تجب الزكاة إلا على حر مسلم فأما المكاتب والعبد إذا ملكه المولى مالاً فلا زكاة عليه لأنه لا يملك في قوله الجديد ويملك في قوله القديم إلا أنه ملك ضعيف لا يحتمل المواساة ولهذا لا تجب عليه نفقة الأقارب ولا يعتق عليه أبوه إذا اشتراه فلم تجب عليه الزكاة وفيمن نصفه حر ونصفه عبد وجهان: أحدهما أنه لا تجب عليه الزكاة لأنه ناقص بالرق فهو كالعبد القن. والثاني أنها تجب فيما ملكه بنصفه الحر لأنه يملك بنصفه الحر ملكاً تاماً فوجبت الزكاة عليه كالحر وأما الكافر فإنه إن كان أصلياً لم تجب عليه الزكاة لأنه حق لم يلتزمه فلم يلزمه كغرامات المتلفات وإن كان مرتداً لم يسقط عنه ما وجب في حال الإسلام لأنه ثبت وجوبه فلم يسقط بردته كغرامات
__________
1 رواه البخاري في كتاب الزكاة باب 1. مسلم في كتاب الإيمان حديث 15 ابن ماجه في كتاب المقدمة باب 9. أحمد في مسنده "2/343" "6/383".

(1/260)


المتلفات وأما في حال الردة فزكاته مبنية على ملكه وفي ملكه ثلاثة أقوال: أحدهما أنه يزول بالردة فلا تجب عليه الزكاة والثاني لا يزول فتجب عليه الزكاة لأنه حق التزمته بالإسلام فلم يسقط عنه بالردة كحقوق الآدميين والثالث أنه موقوف فإن رجع إلى الإسلام حكمنا بأنه لم يزل ملكه فتجب عليه الزكاة وإن لم يرجع حكمنا بأنه قد زال ملكه فلا تجب عليه الزكاة وتجب في مال الصبي والمجنون لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة1" ولأن الزكاة تراد لثواب المزكي ومواساة الفقير والصبي والمجنون من أهل الثواب ومن أهل المواساة ولهذا تجب عليهما نفقة الأقارب ويعتق عليهما الأب إذا ملكاه فوجبت الزكاة في مالهما.
فصل: ومن وجبت عليه الزكاة وقدر على إخراجها لم يجز له تأخيرها لأنه حق يجب صرفه إلى الآدمي توجهت المطالبة بالدفع إليه فلم يجز له التأخير كالوديعة إذا طالب بها صاحبها فإن أخرها وهو قادر على أدائها ضمنها لأنه أخر ما وجب عليه مع إمكان الإداء فضمنه كالوديعة ومن وجبت عليه الزكاة وامتنع من أدائها نظرت فإن كان جاحداً لوجوبها فقد كفر وقتل بكفره كما يقتل المرتد لأن وجوب الزكاة معلوم من دين الله عز وجل ضرورة فمن جحد وجوبها فقد كذب الله تعالى وكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحكم بكفره وإن منعها بخلاً بها أخذت منه وعزر وقال في القديم: تؤخذ الزكاة وشطر ماله عقوبة له لما روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ومن منعها فأنا آخذها وشطر ماله من عزمة من عزمات ربنا ليس لآل محمد فيها شيء والصحيح هو الأول لقوله صلى الله عليه وسلم "ليس في المال حق سوى الزكاة2" ولأنها عبادة فلا يجب بالامتناع منها أخذ
__________
1رواه الترمذي في كتاب الزكاة باب 15. الموطأ في كتاب الزكاة حديث 12.
2 رواه ابن ماجه في كتاب الزكاة 3.

(1/261)


شطر ماله كسائر العبادات وحديث بهز بن حكيم منسوخ فإن ذلك كان حين كانت العقوبات في المال ثم نسخت وإن امتنع بمنعة قاتله الإمام لأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قاتل مانعي الزكاة.

(1/262)


باب صدقة المواشي
تجب زكاة السوم في الإبل والبقر والغنم لأن الأخبار وردت بإيجاب الزكاة فيها ونحن نذكرها في مسائلها إن شاء الله تعالى ولأن الإبل والبقر والغنم يكثر منافعها ويطلب نماؤها بالدر والنسل فاحتملت المواساة بالزكاة.
فصل: ولا تجب فيما سوى ذلك من المواشي كالخيل والبغال والحمير لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة1" ولأن هذا
__________
1 رواه مسلم في كتاب الزكاة حديث 9. أبو داود في كتاب الزكاة باب 11 النسائي في كتاب الزكاة باب 16. الموطأ في كتاب الزكاة حديث 37. أحمد في مسنده "2/249".

(1/262)


يقتنى للزينة والاستعمال لا للنماء فلم يحتمل الزكاة كالعقار والأثاث ولا تجب فيما تولد بين الغنم والظباء ولا فيما تولد بين بقر الأهل وبقر الوحش لأنه لا يدخل في إطلاق اسم الغنم والبقر فلا تجب فيه زكاة الغنم والبقر.
فصل: ولا تجب فيما لا يملكه ملكاً تاماً كالمال الذي في يد مكاتبه لأنه لا يملك التصرف فيه فهو كمال الأجنبي ومال الماشية الموقوفة عليه فإنه يبنى على أن الملك في الموقوف إلى من ينتقل بالوقف وفيه قولان: أحدهما ينتقل إلى الله عز وجل فلا تجب زكاته والثاني ينتقل إلى الموقوف عليه وفي زكاته وجهان: أحدهما تجب عليه لأنه يملكه ملكاً تاماً مستقراً فأشبه غير الوقف والثاني لا تجب لأنه ملك ضعيف بدليل أنه لا يملك التصرف في رقبته فلم تجب الزكاة فيه كالمكاتب وما في يده.
فصل: وأما المال المغصوب والضال فلا تلزمه زكاته قبل أن يرجع إليه من غير نماء ففيه قولان: قال في القديم: لا تجب لأنه خرج عن يده وتصرفه فلم تجب عليه زكاته كالمال الذي في يد مكاتبه وقال في الجديد: تجب عليه لأنه مال له يملك المطالبة به ويجبر على التسليم إليه فوجبت فيه الزكاة كالمال الذي في وكيله فإن رجع إليه مع النماء ففيه طريقان: قال أبو العباس تلزمه زكاته قولاً واحداً لأن الزكاة إنما سقطت في أحد القولين لعدم النماء وقد حصل له النماء فوجب أن تجب والصحيح أنه على القولين لأن الزكاة لم تسقط لعدم النماء فإن الذكور من الماشية لا نماء فيها وتجب فيها الزكاة وإنما سقطت لنقصان الملك بالخروج عن يده وتصرفه بالرجوع لم يعد ما فات من اليد والتصرف وإن أسر رب المال وحيل بينه وبين المال ففيه طريقان: من أصحابنا من قال هو كالمغضوب لأن الحيلولة موجودة بينه وبين المال وفيه قولان ومنهم من قال تجب الزكاة قولاً واحداً لأنه يملك بيعه ممن شاء فكان كالمودع وإن وقع الضال بيد ملتقط وعرفه حولاً كاملاً ولم يختر التملك وقلنا إنه لا يملك حتى يختار التملك على الصحيح من المذهب ففيه طريقان: من أصحابنا من قال هو كما لو لم يقع بيد الملتقط فيكون على قولين ومنهم من قال لا تجب الزكاة قولاً واحداً لأن ملكه غير مستقر بعد التعريف لأن الملتقط يملك أن يزيله باختيار التملك فصار كالمال الذي في

(1/263)


يد المكاتب وإن كان له ماشية أو غيرها من أموال الزكاة وعليه دين يستغرقه أو ينقص المال على النصاب ففيه قولان: قال في القديم: لا تجب الزكاة فيه لأن ملكه غير مستقر لأنه ربما أخذه الحاكم بحق الغرماء فيه وقال في الجديد: تجب فيه الزكاة لأن الزكاة تتعلق بالعين والدين يتعلق بالذمة فلا يمنع أحدهما الآخر كالدين وأرش الجناية وإن حجر عليه في المال ففيه ثلاثة طرق: أحدهما إن كان المال ماشية وجبت فيه الزكاة لأنه قد حصل له النماء وإن كان غير الماشية فعلى قولين كالمغضوب والثاني أنه تجب فيه الزكاة قولاً واحداً لأن الحجر لا يمنع وجوب الزكاة كالحجر على السفيه والمجنون والثالث وهو الصحيح أنه على قولين كالمغضوب لأنه حيل بينه وبينه فهو كالمغضوب وأما القول الأول أنه قد حصل له النماء في الماشية فلا يصح لأنه وإن حصله له النماء إلا أنه ممنوع من التصرف فيه ومحول دونه والقول الثاني لا يصح لأن حجر السفيه والمجنون لا يمنع التصرف لأن وليهما ينوب عنهما في التصرف وحجر المفلس يمنع التصرف فافترقا.
فصل: ولا تجب الزكاة إلا في السائمة من الإبل والبقر والغنم لما روي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كتب كتاب الصدقة وفيه صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين فيها الصدقة وروى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الإبل السائمة في كل أربعين بنت لبون ولأن العوامل والمعلوفة لا تقتني للنماء فلم تجب فيها الزكاة كثياب البدن وأثاث الدار وإن كان عنده سائمة فعلفها نظرت فإن كان قدراً يبقى الحيوان دونه لم يؤثر لأن وجوده كعدمه وإن كان قدراً لا يبقى الحيوان دونه سقطت الزكاة لأنه لم يوجد تكامل النماء بالسوم وإن كان عنده نصاب من السائمة فغصبه غاصب وعلفه ففيه طريقان: أحدهما أنه كالمغضوب الذي لم يعلفه الغاصب فيكون على قولين لأن فعل الغاصب لا حكم له بدليل أنه لو كان له ذهب فصاغه الغاصب حلياً لم تسقط الزكاة عنه والثاني أنه تسقط الزكاة قولاً واحداً وهو الصحيح لأنه لم يوجد شرط الزكاة وهو السوم في جميع الحول فصار كما لو ذبح الغاصب شيئاً من النصاب ويخالف الصياغة فإن صياغة الغاصب محرمة فلم يكن لها حكم وعلفه غير محرم فثبت حكمه

(1/264)


كعلف المالك وإن كان عنده نصاب من المعلوفة فأسامها الغاصب ففيه طريقان: أحدهما أنها كالسائمة وفيها قولان لأن السوم قد وجد في حول كامل ولم يفقد إلا قصد المالك وقصده غير معتبر بدليل أنه لو كان له طعام فزرعه الغاصب وجب فيه العشر وإن لم يقصد المالك إلى زراعته والثاني لا تجب فيه الزكاة قولاً واحداً لأنه لم يقصد إلى إسامته فلم تجب فيه الزكاة كما لو رتعت الماشية لنفسها ويخالف الطعام فإنه لا يعتبر في زراعته القصد ولهذا لو تبدد له طعام فنبت وجب فيه العشر والسوم يعتبر فيه القصد ولهذا لو رتعت الماشية لنفسها لم تجب فيها الزكاة.
فصل: ولا تجب إلا في نصاب لأن الأخبار وردت بإيجاب الزكاة في النصب على ما نذكرها في مواضعها إن شاء الله فدل على أنها لا تجب فيما دونها ولأن ما دون النصاب لا يحتمل المواساة فلم تجب فيه الزكاة وإن كان عنده نصاب فهلك منه واحد أو باعه انقطع الحول فإن نتج له واحد أو رجع إليه ما باعه استأنف الحول وإن نتجت واحدة ثم هلكت واحدة لم ينقطع الحول لأن الحول لم يخل من نصاب وإن خرج بعض الحمل من الجوف ثم هلك واحد من النصاب قبل أن ينفصل الباقي انقطع الحول لأنه ما لم يخرج الجميع لا حكم له فيصير كما لو هلك واحد ثم نتج واحد.
فصل: ولا تجب الزكاة فيه حتى يحول عليه الحول لأنه روي ذلك عن أبي بكر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وهو مذهب فقهاء المدينة وعلماء الأمصار ولأنه لا يتكامل نماؤه قبل الحول فلا تجب فيه الزكاة فإن باع النصاب في أثناء الحول أو بادل به نصاباً آخر انقطع الحول فيما باعه وإن مات في أثناء الحول ففيه قولان: أحدهما أنه ينقطع الحول لأنه زال ملكه عنه فصار كما لو باعه والثاني لا ينقطع بل يبني الوارث على حوله لأن ملك الوارث مبني على ملك الموروث ولهذا لو ابتاع شيئاً معيباً فلم يرد حتى مات رب المال قام وارثه مقامه في الرد بالعيب وإن كان عنده نصاب من الماشية ثم استفاد شيئاً آخر من جنسه ببيع أو هبة أو إرث نظرت فإن لم يكن المستفاد نصاباً في نفسه ولا يكمل به النصاب الثاني لم يكن له حكم لأنه لا يمكن أن يجعل تابعاً للنصاب الثاني فيجعل له قسط من فرضه لأنه لم يوجد النصاب الثاني بعد ولا يمكن أن يجعل تابعاً للنصاب الذي عنده فإن ذلك انفرد بالحول ووجب فيه الفرض قبل أن يمضي

(1/265)


الحول على المستفاد فلا يمكن أن يجعل له قسط من فرضه فسقط حكمه وإن كان يكمل به النصاب الثاني بأن يكون عنده ثلاثون من البقر ثم اشترى في أثناء الحول عشراً وحال الحول على النصاب وجب فيه تبيع وإذا حال الحول على المستفاد وجب فيه ربع مسنة لأنه تم بها نصاب المسنة ولم يمكن إيجاب المسنة لأن الثلاثين لم يثبت لها حكم الخلطة مع العشرة في حول كامل فانفردت بحكمها ووجب فيها فرضها والعشرة قد ثبت لها حكم الخلطة في حول كامل فوجب فيها بقسطها ربع مسنة وإن كان المستفاد نصاباً ولا يبلغ النصاب الثاني وذلك يكون في صدقة الغنم بأن يكون عنده أربعون شاة ثم اشترى في أثناء الحول أربعين شاة فإن الأربعين الأولى يجب فيها شاة لحولها وفي الأربعين الثانية ثلاثة أوجه: أحدهما أنه يجب عليه فيها لحولها شاة لأنه نصاب منفرد بالحول فوجب فيه فرضه كالأربعين الأولى والثاني أنه يجب فيها نصف شاة لأنها لم تنفك من خلطة الربعين الأولى في حول كامل فوجب فيها بقسطها من الفرض وهو نصف شاة والثالث أنه لا يجب فيها شيء وهو الصحيح لأنه انفرد الأول عنه بالحول ولم يبلغ النصاب الثاني فجعل وقصاً بين نصابين فلم يتعلق به فرض وأما إذا كان عنده نصاب من الماشية فتوالدت في أثناء الحول حتى بلغ النصاب الثاني ضمت إلى الأمهات في الحول وعدت معها إذا تم حول الأمهات وأخرج عنها وعن الأمهات زكاة المال الواحد لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: اعتد عليهم بالسخلة التي يروح بها الراعي على يديه وعن علي كرم الله وجهه أنه قال: عد الصغار مع الكبار ولأنه من نماء النصاب وفوائده فلم ينفرد عنه بالحول فإن تماوتت الأمهات وبقيت الأولاد وهي نصاب لم ينقطع الحول فيها فإذا تم حول الأمهات وجبت الزكاة فيها وقال أبو القاسم بن بكار الأنماطي رحمه الله: إذا لم يبق نصاب من الأمهات انقطع الحول لأن السخال تجري في حول الأمهات بشرط أن تكون الأمهات نصاباً وقد زال هذا الشرط لوجب أن ينقطع الحول والمذهب

(1/266)


الأول لأنها جملة جارية في الحول هلك بعضها ولم ينقص الباقي عن النصاب فلم ينقطع الحول كما لو بقي نصاب من الأمهات وما قال أبو القاسم ينكسر بولد أم الولد فإنه ثبت له حق الحرية بثبوته للأم ثم يسقط حق الأم بالموت ولا يسقط حق الولد وإن ملك رجل في أول المحرم أربعين شاة وفي أول صفر أربعين وفي أول شهر ربيع الأول أربعين وحال الحول على الجميع ففيه قولان: قال في القديم: تجب في الجميع شاة في كل أربعين ثلثها لأن كل واحدة من الأربعينات مخالطة للثمانين في حال الوجوب فكان حصتها ثلث شاة وقال في الجديد: تجب في الأولى شاة لأنه ثبت لها حكم الانفراد في شهر وفي الثانية وجهان: أحدهما يجب فيها شاة لأن الأولى لم ترتفق بخلطتها فلم ترتفق هي والثاني أنه تجب فيها نصف شاة لأنها خليطة الأربعين من حين ملكها وفي الثالثة وجهان: أحدهما أنه تجب فيها شاة لأن الأولى والثانية لم ترتفقا بخلطتها فلم ترتفق هي والثاني تجب فيها ثلث شاة لأنها خليطة الثمانين من حين ملكها فكان حصتها ثلث شاة.
فصل: إذا ملك النصاب وحال عليه الحول ولم يمكنه الأداء فيه قولان: قال في القديم: لا تجب الزكاة قبل إمكان الأداء فعلى هذا تجب الزكاة بثلاثة شروط: الحول والنصاب وإمكان الأداء والدليل عليه أنه لو هلك المال لم يضمن زكاته فلم تكن الزكاة واجبة فيه كما قبل الحول وقال في الإملاء: تجب وهو الصحيح فعلى هذا تجب الزكاة بشرطين الحول والنصاب وإمكان الأداء شرط في الضمان لا في الوجوب والدليل عليه أنه لو كانت الزكاة غير واجبة لما ضمنها بالإتلاف كما قبل الحول فلما ضمن الزكاة بالإتلاف بعد الحول دل على أنها واجبة فإن كان معه خمس من الإبل وهلك منها واحدة بعد الحول وقبل إمكان الأداء فإن قلنا إن إمكان الأداء شرط في الوجوب سقطت الزكاة لأنه نقص المال عن النصاب قبل الوجوب فصار كما لو هلك قبل الحول وإن قلنا إنه ليس بشرط في الوجوب وإنما هو شرط في الضمان سقط من الفرض خمسة ووجب أربعة أخماسه وإن كان عنده نصاب فتوالدت بعد الحول وقبل إمكان الأداء ففيه طريقان: أحدهما أنه يبنى على القولين فإن قلنا إن إمكان الأداء شرط في الوجوب ضم الأولاد إلى الأمهات فإذا أمكنه الأداء زكى الجميع وإن قلنا إنه شرط في الضمان لم يضم لأنه فصل الأولاد بعد الوجوب ومن أصحابنا من قال في المسألة قولان من غير بناء على القولين: أحدهما يضم المستفاد إلى ما عنده لقول عمر رضي الله عنه إعتد عليهم بالسخلة التي يروح بها الراعي على يديه والسخلة التي يروح بها الراعي على يديه لا تكون إلا بعد الحول فيما ما توالد قبل الحول فإنه بعد الحول يمشي بنفسه والقول الثاني وهو

(1/267)


الصحيح أنه لا يضم إلى ما عنده لأن الزكاة قد وجبت في الأمهات والزكاة لا تسري إلى الولد لأنها لو سرت بعد الوجوب لسرت بعد الإمكان لأن الوجوب فيه مستقر وحال استقرار الوجوب آكد من حال الوجوب فإذا لم تسر الزكاة إليه في حال الاستقرار فلأن لا تسري قبل الاستقرار أولى.
فصل: وهل تجب الزكاة في العين أو في الذمة؟ فيه قولان: قال في القديم: تجب في الذمة والعين مرتهنة بها ووجهه أنها لو كانت واجبة في العين لم يجز أن يعطى حق الفقراء من غيرها كحق المضارب والشريك وقال في الجديد: تجب في العين وهو الصحيح لأنه حق يتعلق بالمال فيسقط بهلاكه فيتعلق بعينه كحق المضارب فإن قلنا إنها تجب في العين وعنده نصاب وجبت فيه الزكاة فلم تؤد حتى حال عليه حول آخر لم تجب في الحول الثاني زكاة لأن الفقراء ملكوا من النصاب قدر الفرض فلا تجب في الحول الثاني زكاة لأن الباقي دون النصاب وإن قلنا تجب في الذمة وجب في الحول الثاني وفي كل حول لأن النصاب باق على ملكه.

(1/268)


باب صدقة الإبل
أول نصاب الإبل خمس وفرضه شاة وفي عشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث شياه وفي عشرين أربع شياه وفي خمس وعشرين بنت مخاض وهي التي لها سنة ودخلت في الثانية وفي ست وثلاثين بنت لبون وهي التي لها سنتان ودخلت في الثالثة وفي ست وأربعين حقة وهي التي لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة وفي إحدى وستين جذعة وهي التي لها أربع سنين ودخلت في الخامسة وفي ست وسبعين بنتا لبون وفي إحدى وتسعين حقتان وفي مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون ثم في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة والأصل فيه ما روى أنس رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرض الله عز وجل على المسلمين التي أمر الله بها

(1/268)


رسوله صلى الله عليه وسلم فمن سألها على وجهها فليعطها ومن سأل فوقها فلا يعطه في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم في كل خمس شاة فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى فإن لم يكن فيها بنت مخاض فابن لبون ذكر وليس معه شيء فإذا بلغت ستاً وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون فإذا بلغت ستاً وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الفحل فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة فإذا بلغت ستاً وسبعين إلى تسعين ففيها ابنتا لبون فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الفحل فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة.
فصل: فإن زاد على عشرين ومائة أقل من واحد لم يتغير الفرض وقال أبو سعيد الاصطخري: يتغير فيجب ثلاث بنات لبون لقوله: فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون ولم يفرق والمنصوص هو الأول لما روى الزهري قال: أقرأني سالم نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه: فإذا كان إحدى وتسعين ففيها حقتان حتى تبلغ عشرين ومائة فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون ولأنه وقص محدود في الشرع فلم يتغير الفرض بعده بأقل من واحدة كسائر الأوقاص.
فصل: وفي الأوقاص التي بين النصب قولان: قال في القديم والجديد: يتعلق الفرض بالنصب وما بينهما من الأوقاص عفو لأنه وقص قبل النصاب فلم يتعلق به حق كالأربعة الأولى وقال في البويطي يتعلق بالجميع لحديث أنس في أربع وعشرين من الإبل فما دونها الغنم في كل خمس شاة فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض فجعل الفرض في النصاب وما زاد ولأنه زيادة على نصاب فلم يكن عفواً كالزيادة على نصاب القطع في السرقة فإذا قلنا بالأول فملك تسعاً من الإبل ثم

(1/269)


هلك بعد الحول وقبل إمكان الأداء أربعة لم يسقط من الفرض شيء لأن الذي تعلق به الفرض باق وإذا قلنا بالثاني سقط من الفرض أربعة أتساعه لأن الفرض تعلق بالجميع فسقط من الفرض بقسط الهالك.
فصل: من ملك من الإبل دون الخمس والعشرين فالواجب في صدقته الغنم وهو مخير بين أن يخرج الغنم وبين أن يخرج بعيراً فإن أخرج الغنم جاز له لأنه هو الفرض المنصوص عليه وإن أخرج البعير جاز لأن الأصل في صدقة الحيوان أن يخرج من جنس الفرض وإنما عدل إلى الغنم ههنا رفقاً برب المال فإذا اختار أصل الفرض قبل منه كمن ترك المسح على الخف وغسل الرجل وإن امتنع من إخراج الزكاة لم يطالب إلا بالغنم لأنه هو الفرض المنصوص عليه وإن اختار إخراج البعير قبل منه أي بعير كان ولو أخرج بعيراً قيمته أقل من قيمة الشاة أجزأه لأنه أفضل من الشاة لأنه يجزئ عن خمس وعشرين فلأن يجزئ عما دونها أولى وهل يكون الجميع فرضه أو بعضه؟ فيه وجهان: أحدهما الجميع فرضه لأنا خيرناه بين الفرضين فأيهما فعل كان هو الفرض كمن خير بين غسل الرجل والمسح على الخف والثاني أن الفرض بعضه لأن البعير يجزيء عن الخمس والعشرين فدل على أن خمساً من الإبل يقال خمس بعير وإن اختار إخراج الغنم لم يقبل دون الجذع والثني في السن لما روى سويد بن غفلة قال: أتانا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال نهينا عن الأخذ من راضع لبن وإنما حقنا في الجذعة والثنية وهل يجزئ فيه الذكر؟ فيه وجهان: من أصحابنا من قال لا يجزئه للخبر ولأنه أصل في صدقة الإبل فلم يجز فيها الذكر كالفرض من جنسه وقال أبو إسحاق يجزئه لأنه حق الله تعالى لا يعتبر فيه صفة ماله فجاز فيه الذكر والأنثى كالأضحية وتجب عليه من غنم البلد إن كان ضأناً فمن الضأن وإن كان معزاً فمن المعز وإن كان منهما فمن الغالب وإن كانا سواء جاز من أيهما شاء لأن كل مال وجب في الذمة بالشرع اعتبر فيه عرف البلد كالطعام في الكفارة وإن كانت الإبل مراضاً ففي شأنها وجهان: أحدهما لا تجب فيه إلا ما تجب في الصحاح وهو ظاهر المذهب لأنه لا يعتبر فيه صفة المال فلم يختلف بصحة المال ومرضه كالأضحية وقال أبو علي بن خيران تجب عليه شاة بالقسط فتقوم الإبل الصحاح والشاة التي تجب فيها ثم تقوم الإبل المراض فيجب فيها شاة بالقسط لأنه لو كان الواجب

(1/270)


من جنسه فرق بين الصحاح والمراض فكذلك إذا كان من غير جنسه وجب أن يفرق بين الصحاح والمراض.
فصل: ومن وجبت عليه بنت مخاض فإن كانت في ماله لزمه إخراجها وإن لم تكن في ماله وعنده ابن لبون قبل منه ولا يرد معه شيئاً لما روى أنس رضي الله عنه في الكتاب الذي كتبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه فمن لم تكن عنده بنت مخاض وعنده ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه وليس معه شيء ولأن في بنت مخاض فضيلة بالأنوثية وفي ابن لبون فضيلة بالسن فاستويا وإن لم تكن عنده بنت مخاض ولا ابن لبون فله أن يشتري بنت مخاض ويخرج لأنه أصل فرضه وله أن يشتري ابن لبون ويخرج لأن ليس في ملكه بنت مخاض وإن كانت إبله مهازيل وفيها بنت مخاض سمينة لم يلزمه إخراجها فإن أراد إخراج ابن لبون فالمنصوص أنه يجوز لأنه لا يلزمه إخراج ما عنده فكان وجوده كعدمه كما لو كانت إبله سماناً وعنده بنت مخاض مهزولة ومن أصحابنا من قال لا يجوز لأن عنده بنت مخاض تجزئ ومن وجب عليه بنت لبون وليست عنده وعنده حق لم يؤخذ منه لأن بنت اللبون تساوي الحق في ورود الماء والشجر وتفضل عليه بالأنوثية.
فصل: ومن وجبت عليه جذعة أو حقة أو بنت لبون وليس عنده إلا ما هو أسفل منه بسنة أخذ منه مع شاتين أو عشرين درهماً وإن وجب عليه بنت مخاض أو بنت لبون أو حقة وليس عنده إلا ما هو أعلى منه بسنة أخذ منه ودفع إليه المصدق شاتين أو عشرين درهماً لما روى أنس رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كتب له لما وجهه إلى البحرين كتاباً وفيه: ومن بلغت صدقته من الإبل الجذعة وليست عنده وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين أو عشرين درهماً ومن بلغت عنده صدقته الحقة وليس عنده إلا بنت لبون فإنها تقبل منه بنت لبون ويعطى معها شاتين أو عشرين درهماً ومن بلغت صدقته بنت لبون وليست عنده وعنده بنت مخاض فإنها تقبل منه بنت مخاض ويعطى معها عشرين درهماً أو شاتين ومن بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده وعنده بنت لبون فإنها تقبل منه بنت لبون ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين فأما إذا وجبت عليه جذعة وليست عنده وعنده ثنية فإن أعطاها ولم يطلب جبراناً قبلت لأنها أعلى من الفرض بسنة وإن طلب الجبران فالمنصوص أنه يدفع إليه لأنها أعلى من الفرض بسنة فهي كالجذعة مع الحقة ومن أصحابنا من قال لا يدفع الجبران لأن الجذعة

(1/271)


تساوي الثنية في القوة والمنفعة فلا معنى لدفع الجبران وإن وجبت عليه بنت مخاض وليس عنده إلا فصيل وأراد أن يعطي ويعطي معه الجبران لم يجز لأن الفصيل ليس بفرض مقدر وإن كان معه نصاب مراض ولم يكن عنده الفرض فأراد أن يصعد إلى فرض مريض ويأخذ معه الجبران لم يجز لأن الشاتين أو العشرين درهماً جعل جبراناً لما بين الصحيحين فإذا كانا مريضين كان الجبران أقل من الشاتين أو العشرين درهم فإن أراد أن ينزل إلى فرض دونه ويعطى معه شاتين أو عشرين درهماً جاز لأنه متطوع بالزيادة ومن وجبت عليه الشاتان أو العشرين درهماً كان الخيار إليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الخيار فيه إلى من يعطي في حديث أنس فإن اختار أن يعطي شاة وعشرة دراهم لم يجز لأن النبي صلى الله عليه وسلم خيره بين شيئين فلو جوزنا أن يعطي شاة وعشرة دراهم خيرناه بين ثلاثة أشياء من وجب عليه فرض ووجد فوقه فرضاً وأسفل منه فرضاً فالخيار في الصعود والنزول إلى رب المال لأنه هو الذي يعطي فكان الخيار له كالخيار في الشاتين والعشرين الدرهم ومن أصحابنا من قال الخيار إلى المصدق وهو المنصوص لأنه يلزمه أن يختار ما هو أنفع للمساكين ولهذا إذا اجتمع الصحاح والمراض لم يأخذ المراض فلو جعلنا الخيار إلى رب المال أعطى ما ليس بنافع ويخالف الخيار في الشاتين والعشرين الدرهم فإن ذلك جعل جبراناً على سبيل التخفيف فكان ذلك إلى من يعطي وهذا تخير في الفرض فكان إلى المصدق ومن وجب عليه فرض ولم يجد إلا ما هو أعلى منه بسنتين أخذ منه وأعطي أربع شياه أو أربعين درهماً وإن لم يجد إلا ما هو أسفل منه بسنتين أخذ منه أربع شياه أو أربعون درهماً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدر ما بين السنين بشاتين أو عشرين درهماً فدل على أن كل ما زاد في السن زاد في الجيران بقدرها فإن أراد من وجب عليه أربعون درهماً أو أربع شياه أن يعطى شاتين عن أحد الجبرانين وعشرين درهماً عن الجبران الآخر جاز لأنهما جبرانان فجاز أن يختار في أحدهما شيئاً وفي الآخر غيره ككفارتي يمينين يجوز أن يخرج في إحداهما الطعام وفي الأخرى الكسوة وإن وجب عليه الفرض ووجد سناً أعلى منه بسنة وسناً أعلى منه بسنتين فترك الأقرب وانتقل إلى الأبعد ففيه وجهان: أحدهما أنه يجوز لأنه قد عرف ما بينهما من الجبران والثاني لا يجوز وهو الصحيح لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام الأقرب مقام الفرض ثم لو وجد الفرض لم ينتقل إلى الأقرب فكذلك إذا وجد الأقرب لم ينتقل إلى الأبعد.
فصل: وإن اتفق في نصاب فرضان كالمائتين هي نصاب خمس بنات لبون ونصاب أربع حقاق فقد قال في الجديد: تجب أربع حقاق وخمس بنات لبون وقال في القديم:

(1/272)


تجب أربع حقاق فمن أصحابنا من قال يجب أحد الفرضين قولاً واحداً ومنهم من قال فيه قولان: أحدهما تجب الحقاق لأنه إذا أمكن تغير الفرض بالسن لم يغير بالعدد كما قلنا فبما قبل المائتين والثاني يجب أبعد الفرضين لما روى سالم في نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون فعلى هذا إن وجد أحدهما تعين إخراجه لأن المخير في الشيئين إذا تعذر عليه أحدهما تعين عليه الآخر كالمكفر عن اليمين إذا تعذر عليه العتق والكسوة تعين عليه الإطعام وإن وجدهما اختار المصدق أنفعهما للمساكين وقال أبو العباس: يختار صاحب المال ما شاء منهما وقد مضى دليل المذهبين في الصعود والنزول فإن اختار المصدق الأدنى نظرت فإن كان ذلك بتفريط من رب المال بأن لم يظهر أحد الفرضين أو من الساعي بأن لم يجتهد وجب رد المأخوذ أو بدله إن كان تالفاً فإن لم يفرط واحد منهما أخرج رب المال الفضل وهو ما بين قيمة الصنفين وهل يجب ذلك أم لا؟ فيه وجهان: أحدهما يستحب لأن المخرج يجزئ عن الفرض فكان الفضل مستحباً والثاني أنه واجب وهو ظاهر النص لأنه لم يؤد الفرض بكامله فلزمه إخراج الفضل فإن كان الفضل يسيراً لا يمكن أن يشتري به جزء من الفرض تصدق به وإن كان يمكن ففيه وجهان: أحدهما يجب لأنه يمكن الوصول إلى جزء من الفرض فلم تجز فيه القيمة والثاني لا يجب لأنه يتعذر ذلك في العادة فإن عدم الفرضان في المال نزل إلى بنات مخاض أو صعد إلى الجذع مع الجبران وإن وجد أحد الفرضين وبعض الآخر أخذ الموجود فإن أراد أن يأخذ بعض الآخر مع الجبران لم يجز لأن أحد الفرضين كامل فلم يجز العدول إلى الجبران وإن وجد من كل واحد منهما بعضه بأن كان في المال ثلاث حقاق وأربع بنات لبون فأعطى الثلاث الحقاق وبنت لبون مع الجبران جازه وإن أعطى أربع بنات لبون وحقة وأخذ الجبران جاز وإن أعطى حقة وثلاث بنات لبون مع كل بنت لبون جبران ففيه وجهان: أحدهما يجوز كما يجوز في ثلاث حقاق وبنت لبون والثاني لا يجوز لأنه يمكنه أن يعطي ثلاث حقاق وبنت لبون وجبراناً واحداً فلا يجوز ثلاث جبرانات ولأنه إذا أعطى ثلاث بنات لبون مع الجبران ترك بعض الفرض وعد إلى الجبران فلم يجز كما لا يجوز أخذ الجبران إذا وجد أحدهما كاملاً وإن وجد الفرضين معيبين لم يأخذ بل يقال له إما أن تشتري الفرض الصحيح وإما أن تصعد مع الجبران أو تنزل مع الجبران وإن كانت الإبل أربعمائة وقلنا إن الواجب أحد الفرضين جاز أن يأخذ عشر بنات لبون أو ثماني حقاق فإن أراد أن يأخذ عن مائتين أربع حقاق وعن مائتين خمس بنات لبون جاز وقال أبو سعيد الأصطخري: لا يجوز

(1/273)


كما لا يجوز ذلك في المائتين والمذهب الأول لأنهما فريضتان فجاز أن يأخذ في إحداهما جنساً وفي الأخرى جنساً آخر كما لو كان عليه كفارتا يمين فأخرج في إحداهما الكسوة وفي الأخرى الطعام.

(1/274)


باب صدقة البقر
وأول نصاب البقر ثلاثون وفرضه تبيع وهو الذي له سنة وفي أربعين مسنة وهي التي لها سنتان وعلى هذا أبدأ في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة والدليل عليه ما روى معاذ رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فأمرني أن آخذ من كل أربعين بقرة بقرة ومن كل ثلاثين تبيعاً أو تبيعة فإن كان فرضه التبيع فلم يجد لم يصعد إلى المسنة مع الجبران وإن كان فرضه المسنة فلم يجد لم ينزل إلى التبيع مع الجبران فإن ذلك غير منصوص عليه والعدول إلى غير المنصوص عليه في الزكاة لا يجوز.

(1/274)


باب صدقة الغنم
وأول نصاب الغنم أربعون وفرضه شاة إلى مائة وإحدى وعشرين فتجب شاتان إلى مائتين وواحدة فتجب ثلاث شياه ثم تجب في كل مائة شاة لما روى ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب كتاب الصدقة وفيه في الغنم في كل أربعين شاة شاة إلى عشرين ومائة فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين فإذا زادت على المائتين شاة ففيها ثلاث شياه إلى ثلثمائة فإن كانت الغنم أكثر من ذلك ففي كل مائة شاة والشاة الواجبة في الغنم الجذعة من الضأن والثنية من المعز والجذعة هي التي لها سنة وقيل لها ستة أشهر والثنية هي التي لها سنتان.
فصل: إذا كانت الماشية صحاحاً لم يؤخذ في فرضها مريضة لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤخذ في الزكاة هرمة ولا ذات عوار" وروي "لا ذات عيب" وإن كانت مراضاً أخذت مريضة ولا يجب إخراج صحيحة لأن في ذلك إضراراً برب المال وإن كان بعضها صحاحاً وبعضها مراضاً أخذ عنها صحيحة ببعض قيمة فرض صحيح وبعض قيمة فرض

(1/274)


مريض لأنا لو أخذنا مريضة لتيممنا الخبيث وقد قال الله تعالى {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة:267] .
وإن كانت الماشية كبار الأسنان كالثنايا والبزل في الإبل لم يؤخذ غير الفرض المنصوص عليه لأنا لو أخذنا كبار الأسنان أخذنا عن خمس وعشرين جذعة ثم نأخذها في إحدى وستين فيؤدي إلى التسوية بين القليل والكثير وإن كانت الماشية صغاراً نظرت فإن كانت من الغنم أخذ منها صغيرة لقول أبي بكر رضي الله عنه: لو منعوني عناقاً مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه ولأنا لو أوجبنا فيها كبيرة أجحفنا برب المال وإن كانت من الإبل أو البقر ففيه وجهان: قال أبو إسحاق تؤخذ الفرائض المنصوص عليها بالقسط فيقوم النصاب من الكبار ثم يقوم فرضه ثم يقوم النصاب من الصغار ويؤخذ كبيرة بالقسط ومن أصحابنا من قال: إن كان المال مما يتغير الفرض فيه بالسن لم يجز لأنه يؤدي إلى أن يؤخذ من القليل ما يؤخذ عن الكثير وإن كان مما يتغير الفرض فيه بالعدد أخذ صغيره لأنه لا يؤدي إلى أن يؤخذ من القليل ما يؤخذ من الكثير

(1/275)


فأخذ الصغير من الصغار كالغنم والصحيح هو الأول لأن هذا يؤدي إلى أن يؤخذ من ست وسبعين فصيلان ومن إحدى وتسعين فصيلان وإن كانت الماشية إناثاً أو ذكوراً وإناثاً نظرت فإن كانت من الإبل والغنم لم يؤخذ في فرضها إلا الإناث لأن النص ورد فيها بالإناث على ما مضى ولأن في أخذ الذكر من الإناث تيمم الخبيث وقد قال الله تعالى {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة:267] وإن كانت من البقر نظرت فإن كانت في فرض الأربعين لم يجز إلا الإناث لما ذكرناه وإن كانت في فرض الثلاثين جاز فيه الذكر والأنثى لحديث معاذ "في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة" وإن كانت كلها ذكوراً نظرت فإن كانت من الغنم أخذ واحداً منها وإن كانت من الإبل أو من الأربعين من البقر ففيه وجهان: قال أبو إسحاق لا يجوز إلا الأنثى فيقوم النصاب من الإناث والفرض الذي فيها ثم يقوم النصاب من الذكور ويؤخذ أنثى بالقسط حتى لا يؤدي إلى التسوية بين الذكور والإناث والدليل عليه أنه لا يؤخذ إلا الأنثى لأن الفرائض كلها إناث إلا في موضع الضرورة ولا ضرورة ها هنا فوجبت الأنثى وقال أبو علي بن خيران: يجوز فيه الذكور وهو المنصوص في الأم والدليل عليه أن الزكاة وضعت على الرفق والمؤاساة فلو أوجبنا الإناث من الذكور أجحفنا برب المال قال أبو إسحاق: إلا أنه يؤخذ من ست وثلاثين ابن لبون أكثر قيمة من ابن لبون يؤخذ في خمس وعشرين حتى لا يؤدي إلى التسمية بين القليل والكثير في الفرض وإن كانت الماشية صنفاً واحداً أخذ الفرض منه وإن كانت أنواعاً كالضأن والمعز والجواميس والبقر والبخاتي والعراب ففيه قولان: أحدهما أنه يؤخذ الفرض من الغالب منهما وإن كانوا سواء أخذ الساعي أنفع النوعين للمساكين لأنا لو ألزمناه الفرض من كل نوع شق فاعتبر الغالب والقول الثاني أنه يؤخذ من كل نوع بقسطه لأنها أنواع من جنس واحد فأخذ من كل نوع بقسطه كالثمار فعلى هذا إذا كان عشرون من الضأن وعشرون من المعز قوم النصاب من الضأن فيقال قيمته مثلاً مائة ثم يقوم فرضه فيقال قيمته عشرة ويقوم نصاب المعز فيقال قيمته خمسون ثم يقوم فرضه فيقال قيمته خمسة فيقال له اشتر شاة من أي النوعين شئت بسبعة ونصف وأخرج.

(1/276)


فصل: ولا يؤخذ في الفرائض الربى وهي التي ولدت ومعها ولدها ولا الماخض وهي الحامل ولا ما طرقها الفحل لأن البهيمة لا يكاد يطرقها الفحل إلا وهي تحبل ولا الأكولة وهي السمينة التي أعدت للأكل ولا فحل الغنم الذي أعد للضراب ولا حزرات المال وهي خيارها التي تحزرها العين لحسنها لما روى ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن فقال له: إياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم وعن عمر رضي الله عنه أنه قال لعامله سفيان: قل لقومك إنا ندع لكم الربى والماخض وذات اللحم وفحل الغنم ونأخذ الجذع والثني وذلك وسط بيننا وبينكم في المال ولأن الزكاة تجب على وجه الرفق فلو أخذنا خيار المال خرج عن حد الرفق فإن رضي صاحب المال بإخراج ذلك قبل منه لما روى أبي بن كعب رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقاً فمررت برجل فلما جمع لي ماله فلم أجد فيها إلا بنت مخاض فقلت له: أد بنت مخاض فإنها صدقتك فقال: ذلك ما لا لبن فيه ولا ظهر وما كنت لأقرض الله من مالي ما لا لبن فيه ولا ظهر ولكن هذه ناقة فتية سمينة فخذها فقلت ما أنا بآخذ ما لم أومر به وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم منك قريب فإن أحببت أن تعرض عليه ما عرضت علي فافعل فإن قبله منك قبلته فخرج معي وخرج بالناقة حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:

(1/277)


"ذاك الذي عليك فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك" فقال فهاهي ذي فخذها فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبضها ودعا له بالبركة ولأن المنع من أخذ الخيار لحق رب المال فإذا رضي قبل منه
فصل: ولا يجوز أخذ القيمة في شيء من الزكاة لأن الحق لله تعالى وقد علقه على ما نص عليه فلا يجوز نقل ذلك إلى غيره كالأضحية لما علقها على الأنعام لم يجز نقلها إلى غيرها فإن أخرج عن المنصوص عليه سناً أعلى منه مثل أن يخرج عن بنت مخاض بنت لبون أجزأه لأنها تجزئ عن ست وثلاثين فلأن تجزئ عن خمس وعشرين أولى كالبدنة لما أجزأت عن سبعة في الأضحية فلأن تجزئ عن واحد أولى وكذلك لو وجب عليه مسنة فأخرج تبيعين أجزأه لأنه إذا أجزأه ذلك عن ستين فلأن تجزئ عن أربعين أولى.

(1/278)


باب صدقة الخلطاء
للخلطة تأثير في إيجاب الزكاة وهو أن يجعل مال الرجلين والجماعة كمال الرجل الواحد فيجب فيه ما يجب في مال الرجل الواحد فإذا كان بين نفسين وهما من أهل الزكاة نصاب مشاع من الماشية في حول كامل وجب عليهما زكاة الرجل الواحد وكذلك إن كان لكل واحد منهما مال منفرد ولم ينفرد أحدهما عن الآخر بالحول مثل أن يكون لكل واحد منهما عشرون من الغنم فخلطاها أو لكل واحد منهما أربعون ملكاها معاً فخلطاها صارا كمال الرجل الواحد في إيجاب الزكاة بشروط: أحدهما أن يكون الشريكان من أهل الزكاة والثاني أن يكون المال المختلط نصاباً والثالث أن يمضي عليهما حول كامل والرابع أن لا يتميز أحدهما عن الآخر في المراح والخامس أن لا يتميز أحدهما عن الآخر في المسرح والسادس أن لا يتميز أحدهما عن الآخر في المشرب والسابع أن لا يتميز أحدهما عن الآخر في الراعي والثامن أن لا يتميز أحدهما عن الآخر في الفحل والتاسع أن لا يتميز أحدهما عن الآخر في المحلب والأصل فيه لما روى ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب كتاب الصدقة فقرنه بسيفه فعمل به أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وكان فيه: لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق مخافة الصدقة

(1/278)


وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية ولأن المالين صارا كمال الواحد في المؤن فوجب أن تكون زكاته زكاة المال الواحد فأما إذا لم يكن أحدهما من أهل الزكاة بأن كان أحدهما كافراً أو مكاتباً لم يضم ماله إلى مال الحر المسلم في إيجاب الزكاة لأن مال الكافر والمكاتب ليس بزكائي فلا يتم به النصاب كالمعلوفة لا يتمم بها نصاب السائمة وإن كان المشترك بينهما دون النصاب بأن كان لكل واحد منهما عشرون من الغنم فخالط صاحبه بتسعة عشر وتركا شاتين منفردتين لم تجب الزكاة لأن المجتمع دون النصاب فلم تجب فيه الزكاة وإن تميز أحدهما عن الآخر في المراح أو المسرح أو المشرب أو الراعي أو الفحل أو المحلب لم يضم مال أحدهما إلى الآخر لما روى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والخليطان ما اجتمعا على الفحل والراعي والحوض" فنص على هذه الثلاثة ونبه على ما سواها ولأنه إذا تم تميز كل واحد منهما بشيء مما ذكرناه لم يصير إكمال الرجل الواحد والواحد في المؤن وفي الاشتراك في الحلب وجهان: أحدهما أن من شرطه أن يحلب لبن أحدهما فوق لبن الآخر ثم يقسم كما يخلط المسافرون أزوادهم ثم يأكلون وقال أبو إسحاق: لا يجوز شرط حلب أحدهما فوق الآخر لأن لبن أحدهما قد يكون أكثر من لبن الآخر فإذا قسما بالسوية كان ذلك رباً لأن القسمة بيع وهل يشترط فيه نية الخلط؟ فيه وجهان: أحدهما أنه يشترط لأنه يتغير به الفرض فلا بد فيه من النية والثاني أنها ليست بشرط لأن الخلطة إنما أثرت في الزكاة للاقتصار على مؤنة واحدة وذلك يحصل من غير نية.
فصل: فأما إذا أثبت لكل واحد من الخليطين حكم الانفراد بالحول مثل أن يكون لكل واحد منهما نصاب من الغنم مضى عليه الحول ثم خلطاه نظرت فإن كان حولهما متفقاً بأن ملك كل واحد منهما نصابه في المحرم ثم خلطاه في صفر ففيه قولان: قال في القديم: يبنى حول الخلطة على حول الانفراد فإذا حال الحول على ماليهما لزمهما شاة واحدة لأن الاعتبار في قدر الزكاة بآخر الحول بدليل أنه لو كان معه مائة وإحدى وعشرون شاة ثم تلفت واحدة منها قبل الحول بيوم لم تجب إلا شاة ولو كانت مائة وعشرون ثم ولدت واحدة قبل الحول بيوم وجبت شاتان وقد وجدت الخلطة ههنا في آخر الحول فوجبت زكاة الخلطة وقال في الجديد: لا يبني على حول الانفراد فيجب على كل واحد منهما شاة لأنه قد انفرد كل واحد منهما في بعض الحول فكان زكاتهما زكاة الانفراد كما لو كانت الخلطة قبل الحول بيوم أو بيومين وهذا يخالف ما ذكروه فإن هناك لو وجدت زيادة شاة أو هلاك شاة قبل الحول بيوم أو بيومين تغيرت الزكاة

(1/279)


ولو وجدت الخلطة قبل الحول بيوم أو يومين لم يزكيا زكاة الخلطة وأما في السنة الثانية وما بعدها فإنها يزكيان زكاة الخلطة وإن كان حولهما مختلفان بأن ملك أحدهما في أول المحرم والآخر في أول صفر ثم خلطا في أول ربيع الأول فإنه يجب في قوله القديم على كل واحد منهما عند تمام حوله نصف شاة وعلى قوله الجديد تجب على كل واحد منهما شاة وأما في السنة الثانية وما بعدها فإنه يجب عليهما زكاة الخلطة وقال أبو العباس: يزكيان أبداً زكاة الانفراد لأنهما مختلفان في الحول فزكيا زكاة الانفراد كالسنة الأولى والأول هو المذهب لأنهما ارتفقا بالخلطة في حول كامل فصار كما لو اتفق حولهما وإن ثبت لمال أحدهما حكم الانفراد دون الآخر وذلك مثل أن يشتري أحدهما في أول المحرم أربعين شاة واشترى آخر أربعين شاة وخلطها بغنمه ثم باعها في أول صفر من رجل آخر فإن الثاني ملك الأربعين مختلطة لم يثبت لها حكم الانفراد والأول قد ثبت لغنمه حكم الانفراد فإن قلنا بقوله القديم وجب على المالك في أول المحرم نصف شاة وإن قلنا بقوله الجديد وجب عليه شاة وفي المشتري في صفر وجهان: أحدهما تجب عليه شاة لأن المالك في المحرم لم يرتفق بالخلطة فلا يرتفق المالك في صفر والثاني تجب عليه نصف شاة لأن غنمه لم تنفك عن الخلطة في جميع السنة بخلاف المشتري في المحرم وإن ملك رجل أربعين شاة ومضى عليها نصف حول ثم باع نصفها مشاعاً فإذا تم حول البائع وجب عليه نصف شاة على المنصوص وقال أبو علي بن خيران المسألة على قولين: إن قلنا بقوله الجديد إن حول الخلطة لا يبنى على حول الانفراد انقطع حول البائع فيما لم يبع وإن قلنا بقوله القديم إن حول الخلطة يبنى على حول الانفراد لم ينقطع حوله وهذا خطأ لأن الانتقال من الانفراد إلى الخلطة لا يقطع الحول وإنما القولان في نقصان الزكاة وزيادتها دون قطع الحول وأما المبتاع فإنا إن قلنا إن الزكاة تتعلق بالذمة وجب على المبتاع الزكاة وإن قلنا إنها تجب في العين لم يجب عليه زكاة لأنه بحول الحول زال ملكه عن قدر الزكاة فينقص النصاب وقال أبو إسحاق: فيه قول آخر إن الزكاة تجب فيه ووجهه أنه إذا أخرجها من غيرها تبينا أن الزكاة لم تتعلق بالعين ولهذا قال في أحد القولين إنه إذا باع ما وجبت فيه الزكاة وأخرج الزكاة من غيره صح البيع والصحيح هو الأول لأن الملك قد زال وإنما يعود بالإخراج من غيره وأما إذا باع عشرين منها بعينها نظرت فإن أفردها وسلمها انقطع الحول فإن سلمها

(1/280)


وهي مختلطة بما لم يبع بأن ساق الجميع حتى حصل في قبض المشتري لم ينقطع الحول وحكمه حكم ما لو باع نصفها مشاعاً ومن أصحابنا من قال ينقطع الحول لأنه لما أفردها بالبيع صار كما لو أفردها عن الذي لم يبع والأول هو الصحيح لأنه لم يزل الاختلاط فلم يزل حكمه فإن كان بين رجلين أربعون شاة لكل واحد منهما عشرون ولأحدهما أربعون منفردة وتم الحول ففيه أربعة أوجه: أحدها وهو المنصوص أنه تجب شاة ربعها على صاحب العشرين والباقي على صاحب الستين لأن مال الرجل الواحد يضم بعضه إلى بعض بحكم الملك فيضم الأربعون المنفردة إلى العشرين المختلطة فإذا انضمت إلى العشرين المختلطة انضمت أيضاً إلى العشرين التي لخليطه فيصير الجميع كأنهما في مكان واحد فوجب فيه ما ذكرناه والثاني أنه يجب على صاحب الستين ثلاثة أرباع شاة وعلى صاحب العشرين نصف شاة لأن الأربعين المنفردة تضم إلى العشرين بحكم الملك فيصير ستين فيصير مخالطاً بجميعها لصاحب العشرين فتجب عليه ثلاثة أرباع شاة وصاحب العشرين مخالط بالعشرين التي له العشرين التي لصاحبه فوجب عليه نصف شاة فأما الأربعون المنفردة فلا خلطة له بها فلم يرتفق بها في زكاته والثالث أنه تجب على صاحب الستين شاة وعلى صاحب العشرين نصف شاة لأن صاحب العشرين مخالط بعشرين فلزمه نصف شاة وصاحب الستين له مال منفرد ومال مختلط وزكاة المنفرد أقوى فغلب حكمها والرابع أنه تجب على صاحب الستين شاة إلا نصف سدس شاة وعلى صاحب العشرين شاة لأن لصاحب الستين أربعين منفردة فتزكى زكاة الانفراد فكأنه منفرد بستين شاة فيجب عليه فيها شاة يخص الأربعين منها ثلثا شاة وله عشرون مختلطة فتزكى زكاة الخلطة فكأن جميع الثمانين مختلطة فيخض العشرين منها ربع شاة فتجب عليه شاة إلا نصف سدس شاة ثلثا شاة في الأربعين المنفردة وربع شاة في العشرين المختلطة وأقل عدد يخرج منه ربع وثلثان اثنا عشر الثلثان منها ثمانية والربع منها ثلاثة فذلك أحد عشر سهماً فيجب عليه أحد عشر سهماً من اثني عشر سهماً من شاة ويجب على صاحب العشرين نصف شاة لأن الخلطة تثبت في حقه في الأربعين الحاضرة.
"فرع" وإن كان لرجل ستون شاة فخالط بكل عشرين رجلاً له عشرون شاة ففيه ثلاثة أوجه على منصوص الشافعي رحمه الله في المسألة قبلها يجعل بضم الغنم بعضها إلى بعض وهل كان جميعها مختلطة فيجب فيها شاة على صاحب الستين نصفها وعلى الشركاء نصفها على كل واحد سدس شاة ومن قال في المسألة قبلها إن على صاحب

(1/281)


الستين شاة وعلى صاحب العشرين نصف شاة يجب ها هنا على صاحب الستين شاة لأن غنمه يضم بعضها إلى بعض وتجعل كأنها منفردة فتجب فيها شاة ويجب على كل واحد من الثلاثة نصف شاة لأن الخلطة في حق كل واحد منهم ثابتة في العشرين التي له وفي العشرين التي لخليطه ومن قال في المسألة قبلها إنه يجب على صاحب الستين ثلاثة أرباع شاة وعلى صاحب العشرين نصف شاة يجب ها هنا على صاحب الستين ثلاثة أرباع شاة وعلى كل واحد من الشركاء نصف شاة لأنه لا يمكن ضم الأملاك الثلاثة بعضها إلى بعض لأنها متميزة في شروط الخلطة وأما الستون فإنه يضم بعضها إلى بعض بحكم الملك ولا يمكن ضم كل عشرين منها إلى واحد من الثلاثة فيقال لصاحب الستين قد انضم غنمك بعضها إلى بعض فضم الستين إلى غنم من شئت منهم فتصير ثمانين فتجب فيها شاة ثلاثة أرباعها على صاحب الستين وعلى كل واحد من الثلاثة نصف شاة لأن الخلطة ثابتة في حق كل واحد منهم في الأربعين.
فصل: فأما أخذ الزكاة من مال الخلطة ففيه وجهان: قال أبو إسحاق: إذا وجد ما يجب على كل واحد منهما في ماله لم يأخذه من مال الآخر وإن لم يجد الفرض إلا في مال أحدهما أو كان بينهما نصاب والواجب شاة جاز أن يأخذ من أي النصيبين شاء وقال أبو علي بن أبي هريرة: يجوز أن يأخذ من أي المالين شاء سواء وجد الفرض في نصيبهما أو في نصيب أحدهما لأنا جعلنا المالين كالمال الواحد فوجب أن يجوز الأخذ منهما فإن أخذ الفرض من نصب أحدهما رجع على خليطه بالقيمة فإن اختلفا في قيمة الفرض فالقول قول المرجوع عليه لأنه غارم فكان القول قوله كالغاصب وإن أخذ المصدق أكثر من الفرض بغير تأويل لم يرجع بالزيادة لأنه ظلمه فلا يرجع به على غير الظالم وإن أخذ أكثر من الحق بتأويل بأن أخذ الكبيرة من السخال على قول مالك فإنه يرجع عليه بنصف ما أخذ منه لأنه سلطان فلا ينقص عليه ما فعله باجتهاده وإن أخذ منه قيمة الفرض ففيه وجهان: من أصحابنا من قال لا يرجع عليه بشيء لأن القيمة لا تجزي في الزكاة بخلاف الكبيرة فإنها تجزئ عن الصغار ولهذا لو تطوع بالكبيرة قبلت منه والثاني يرجع وهو الصحيح لأنه أخذه باجتهاده فأشبه إذا أخذ الكبير عن السخال.
فصل: فأما الخلطة في غير المواشي وهي الأثمان والحبوب والثمار ففيها قولان: قال في القديم: لا تأثير للخلطة في زكاتها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والخليطان ما اجتمعا على الحوض والفحل والرعي" ولأن الخلطة إنما تصح في المواشي لأن فيها منفعة بإزاء

(1/282)


الضرر وفي غيرها لا يتصور غير الضرر لأنه لا وقص فيها بعد النصاب وقال في الجديد: تؤثر الخلطة لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع"1 ولأنه مال تجب فيه الزكاة فأثرت الخلطة في زكاتها كالماشية ولأن المالين كالمال الواحد في المؤن فهي كالمواشي.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الزكاة باب 34. الترمذي في كتاب الزكاة باب 4. النسائي في كتاب الزكاة 5. ابن ماجه في كتاب الزكاة باب 11؟ الدارمي في كتاب الزكاة باب 8. الموطأ في كتاب الزكاة حديث 23.

(1/283)


باب زكاة الثمار
وتجب الزكاة في ثمرة النخل والكرم لما روى عتاب بن أسيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الكرم إنها تخرص كما يخرص النخل فتؤدى زكاته زبيباً كما تؤدى زكاة النخل تمراً ولأن ثمرة النخل والكرم يعظم منفعتهما لأنهما من الأقوات والأموال المدخرة فهي كالأنعام في المواشي.
فصل: ولا تجب فيما سوى ذلك من الثمار كالتين والتفاح والسفرجل والرمان لأنه ليس من الأقوات ولا من الأموال المدخرة المقتاتة ولا تجب في طلع الفحال لأنه لا يجيء منه الثمار واختلف قوله في الزيتون فقال في القديم تجب فيه الزكاة لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه جعل في الزيت العشر وعن ابن عباس أنه قال في الزيتون الزكاة وعلى هذا القول إن أخرج الزيت عنه جاز لقول عمر رضي الله عنه ولأن الزيت أنفع من الزيتون فكان أولى بالجواز وقال في الجديد: لا زكاة فيه لأنه ليس بقوت فلا يجب فيه العشر كالخضراوات واختلف قوله في الورس وقال في الجديد لا زكاة فيه لأنه نبت لا يقتات به فأشبه الخضراوات قال الشافعي رحمه الله: من قال لا عشر في الورس لم يوجب في الزعفران ومن قال يجب في الورس فيحتمل أن يوجب في

(1/283)


الزعفران لأنهما طيبان ويحتمل أن لا يوجب في الزعفران ويفرق بينهما بأن الورس شجر له ساق والزعفران نبات واختلف قوله في العسل فقال في القديم: يحتمل أن يجب فيه ووجهه ما روي أن بني شبابة بطناً من فهم كانوا يؤدون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحل كان عندهم العشر من عشر قرب قربة وقال في الجديد لا تجب لأنه ليس بقوت فلا يجب فيه العشر كالبيض واختلف قولهم في القرطم وهو حب العصفر فقال في القديم: تجب إن صح فيه حديث أبي بكر رضي الله عنه وقال في الجديد لا تجب لأنه ليس بقوت فأشبه الخضراوات
فصل: ولا تجب الزكاة في ثمر النخل والكرم إلا أن يكون نصاباً ونصابه خمسة أوسق لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة1" والخمسة الأوسق ثلثمائة صاع وهو ألف وستمائة رطل بالبغدادي وهل ذلك تقريب أو تحديد؟ فيه وجهان: أحدهما أنه قريب فلو نقص منه شيء يسير لم تسقط الزكاة والدليل عليه أن الوسق حمل البعير قال النابغة:
أين الشظاظان وأين المربعه ... وأين وسق الناقة المطبعه
وحمل البعير يزيد وينقص والثاني أنه تحديد فإن نقص منه شيء قليل لم تجب الزكاة لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الوسق ستون صاعا"
__________
1 رواه البخاري في كتاب الزكاة باب 4، 32. مسلم في كتاب الزكاة حديث 1، 3 أبو داود في كتاب الزكاة باب 2. الترمذي في كتاب الزكاة باب 7. ابن ماجه في كتاب الزكاة باب 6. الموطأ في كتاب الزكاة حديث 1، 2. أحمد في مسنده "2/92".

(1/284)


ولا تجب حتى يكون يابسه خمسة أوسق لحديث أبي سعيد "ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة" فإن كان رطباً لا يجيء منه ثمر أو عنباً لا يجيء منه زبيب ففيه وجهان: أحدهما يعتبر نصابه بنفسه وهو أن يبلغ يابسه خمسة أوسق لأن الزكاة تجب فيه فاعتبر النصاب من يابسه والثاني أنه يعتبر بغيره لأنه لا يمكن اعتباره بنفسه فاعتبره بغيره كالجناية التي ليس لها أرش مقدر في الحر فإنه يعتبر بالعبد وتضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض في إكمال النصاب وإن اختلفت أوقاته بأن كان له نخيل بتهامة ونخيل بنجد فأدرك ثمر التي بتهامة فجذها وحملت التي بنجد وأطلعت التي بتهامة وأدركت قبل أن يجذ التي بنجد لم يضم أحدهما إلى الآخر لأن ذلك ثمرة عام آخر وإن حملت نخل حملاً فجذها ثم حملت حملاً آخر لم يضم ذلك إلى الأول لأن النخل لا يحمل في عام مرتين فيعتبر كل واحد منهما بنفسه فإن بلغ نصاباً وجب فيه العشر وإن لم يبلغ لم يجب.
فصل: وزكاته العشر فيما سقى بغير مؤنة ثقيلة كماء السماء والأنهار وما يشرب بالعروق ونصف العشر فيما سقى بمؤنة ثقيلة كالنواضح والدواليب وما أشبههما لما روى ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض فيما سقت السماء والأنهار والعيون أو كان بعلاً وروى عثرياً العشر وفيما سقى بالنضح نصف العشر والبعل الشجر الذي يشرب بعروقه والعثري الشجر الذي يشرب من الماء الذي يجتمع في موضع فيجري كالساقية ولأن المؤنة في أحدهما تخف وفي الآخر تثقل ففرق بينهما في الزكاة وإن كان يسقي نصفه بالناضح ونصفه بالسيح ففيه ثلاثة أرباع العشر اعتباراً باليقين وإن سقى بأحدهما أكثر ففيه

(1/285)


قولان: أحدهما يعتبر فيه الغالب فإن كان الغالب السقي بماء السماء أو السيح وجب العشر وإن كان الغالب السقي بالناضح وجب فيه نصف العشر لأنه اجتمع الأمران ولأحدهما قوة بالغلبة فكان الحكم له كالماء إذا خالطه مائع والقول الثاني يقسط على عدد السقيات لأن ما وجب فيه الزكاة بالقسط عند التماثل وجب فيه بالقسط عند التفاضل كزكاة الفطر في العبد المشترك وإن جهل القدر الذي سقى بكل واحد منهما جعلا نصفين لأنه ليس أحدهما بأولى من الآخر فوجب التسوية بينهما كالدار في يد اثنين وإذا زادت الثمرة على خمسة أوسق وجب الفرض فيه بحسابه لأنه يتجزأ من غير ضرر فوجب فيه بحسابه كزكاة الأثمان.
فصل: ولا يجب العشر حتى يبدو الصلاح في الثمار وبدو الصلاح أن يحمر البسر أو يصفر ويتموه العنب لأن قبل بدو الصلاح لا يقصد أكله فهو كالرطبة وبعده يقتات ويؤكل فهو كالحبوب فإن أراد أن يبيع الثمرة قبل بدو الصلاح نظرت فإن كان لحاجة لم يكره وإن كان يبيع للفرار من الزكاة كره لأنه فرار من القربة ومواساة المساكين فإن باع صح البيع لأنه باع ولا حق لأحد فيه وإن باع بعد بدو الصلاح ففي البيع في قدر الفرض قولان: أحدهما أنه باطل لأن في أحد القولين تجب الزكاة في العين وقدر الفرض للمساكين فلا يجوز بيعه بغير إذنهم وفي الآخر تجب في الذمة والعين مرهونة به وبيع المرهون لا يجوز من غير إذن المرتهن والثاني أنه يصح لأنا إن قلنا إن الزكاة تتعلق بالعين إلا أن أحكام الملك كلها ثابتة والبيع من أحكام الملك وإن قلنا إنها تجب في الذمة والعين مرتهنة به إلا أنه رهن يثبت بغير اختياره فلم يمنع البيع كالجناية في رقبة العبد فإن قلنا يصح في قدر الفرض ففيما سواه أولى وإن قلنا لا يصح في قدر الفرض ففيما سواه قولان بناء على تفريق الصفقة فإن أكل شيئاً من الثمار أو استهلكه وهو عالم عزر وغرم وإن كان جاهلاً غرم ولم يعزر وإن أصاب النخل عطش بعد بدو الصلاح وخاف أن يهلك جاز أن يقطع الثمار لأن الزكاة تجب على سبيل المواساة فلو ألزمناه تركها لحق المساكين صار ذلك سبباً لهلاك ماله فيخرج عن حد المواساة ولأن حفظ النخيل أنفع للمساكين في مستقبل الأحوال ولا يجوز أن يقطع إلا بحضرة المصدق ولأن الثمرة مشتركة بينه وبين المساكين فلا يجوز إلا بمحضر من النائب عنهم ولا يقطع إلا ما تدعو الحاجة إليه فإن قطع من غير حضور المصدق وهو عالم عزره إن رأى ذلك ولا يغرمه ما نقص لأنه لو حضر لوجب عليه أن يأذن له في قطعه وإن نقص به الثمرة.
فصل: والمستحب إذا بدا الصلاح في النخل والكرم أن يبعث الإمام من يخرص

(1/286)


لحديث عتاب بن أسيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الكرم يخرص كما يخرص النخل ويؤدى زكاته زبيباً كما يؤدى زكاة النخل تمراً ولأن في الخرص احتياطاً لرب المال والمساكين فإن رب المال يملك التصرف بالحرص ويعرف المصدق حق المساكين فيطالب به وهل يجوز خارص واحد أم لا؟ فيه قولان أحدهما يجوز وهو الصحيح كما يجوز حاكم واحد والثاني لا يجوز أقل من خارصين كما لا يجوز أقل من مقومين فإن كانت أنواعاً مختلفة خرص عليه نخلة نخلة وإن كانت نوعاً واحداً فهو بالخيار بين أن يخرص نخلة نخلة وبين أن يخرص الجميع دفعة فإذا عرف مبلغ الجميع ضمن رب المال حق الفقر فإن ضم حقهم جاز له أن يتصرف فيه بالبيع والأكل وغير ذلك فإن ادعى رب المال بعد الخرص هلاك الثمرة فإن كان ذلك لجائحة ظاهرة لم يقبل حتى يقيم البينة فإذا أقام البينة أخذ بما قال وإن لم يصدقه حلفه وهل اليمن مستحبة أو واجبة؟ فيه وجهان: أحدهما أنها واجبة فإن حلف سقطت الزكاة وإن نكل لزمته الزكاة والثاني أنها مستحبة فإن حلف سقطت الزكاة وإن نكل سقطت الزكاة وإن ادعى الهلاك بسبب يخفى كالسرقة وغيرها فالقول قوله مع يمينه وهل اليمين واجبة أو مستحبة على الوجهين فإن تصرف رب المال في الثمار وادعى أن الخارص قد أخطأ في الخرص نظرت فإن كان في قدر لا يخطئ فيه كالربع والثلث لم يقبل قوله وإن كان في قدر يجوز أن يخطئ فيه قبل قوله مع يمينه وهل تجب اليمين أو تستحب على الوجهين.
فصل: ولا تؤخذ زكاة الثمار إلا بعد أن تجفف لحديث عتاب بن أسيد في الكرم يخرص كما يخرص النخل ثم تؤدى زكاته زبيباً كما تؤدى زكاة النخل تمراً فإن أخذ الرطب وجب رده وإن فات وجب رد قيمته ومن أصحابنا من قال يجب رد مثله والمذهب الأول لأنه لا مثل له لأنه يتفاوت ولهذا لا يجوز بيع بعضه ببعض فإن كانت الثمار نوعاً واحداً أخذ الواجب منه لقوله عز وجل {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة:267] وإن كانت أنواعاً قليلة أخذ الزكاة من كل نوع بقسطه وإن كانت أنواعاً كثيرة أخرج من أوسطها لا من النوع الجيد ولا من النوع الرديء لأن أخذها من كل صنف بقسطه يشق فأخذ الوسط وإن كان رطباً لا يجيء منه التمر كالهلياث والسكر أو عنباً لا يجيء منه الزبيب أو أصاب النخل عطش فخاف عليها من ترك الثمار ففي القسمة قولان: إن قلنا إن القسمة فرز النصيبين جازت المقسمة فيجعل العشر في نخلات ثم المصدق ينظر فإن رأى أن يفرق عليهم فعل وإن رأى البيع

(1/287)


وقسمة الثمن فعل وإن قلنا إن القسمة بيع لم يجز لأنه يكون بيع رطب برطب وذلك ربا فعلى هذا يقبض المصدق عشرها مشاعاً بالتخلية بينه وبينها ويستقر عليه ملك المساكين ثم يبيعه ويأخذ ثمنه ويفرق عليهم وإن قطعت الثمار فإن قلنا إن القسمة تمييز الحقين تقاسموا كيلاً أو وزناً وإن قلنا إنها بيع لم تجز المقاسمة بل يسلم العشر إلى المصدق ثم يبيعه ويفرق ثمنه وقال أبو إسحاق وأبو علي بن أبي هريرة: تجوز المقاسمة كيلاً ووزناً على الأرض لأنه يمكنه أن يخلص حقوق المساكين بالكيل والوزن ولا يمكن ذلك في النخل والصحيح أنه لا فرق بين أن تكون على الشجر وبين أن تكون على الأرض لأنه بيع رطب برطب على هذا القول.

(1/288)


باب زكاة الزروع
وتجب الزكاة في كل ما تخرجه الأرض مما يقتات ويدخر وينبته الآدميون كالحنطة والشعير والدخن والذرة والجاورس والأرز وما أشبه ذلك لما روى معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "فيما سقت السماء والبعل والسيل والعين العشر وفيما سقى بالنضح نصف العشر1" يكون ذلك في الثمر والحنطة والحبوب فأما القثاء والبطيخ والرمان والقصب والخضراوات فعفا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن الأقوات تعظم منفعتها فهي كالأنعام في الماشية كذلك تجب الزكاة في القطنية وهي العدس والحمص والماش واللوبيا والباقلا
__________
1 رواه البخاري في كتاب الزكاة باب 55. أبو داود في كتاب الزكاة باب 12. الترمذي في كتاب الزكاة باب 14. النسائي في كتاب الزكاة باب 25. الموطأ في كتاب الزكاة حديث 33.

(1/288)


والهرطمان لأنه يصلح للإقتيات ويدخر للأكل فهو كالحنطة والشعير.
فصل: ولا تجب الزكاة إلا في نصاب لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس فيما دون خمسة أوسق من تمر ولا حب صدقة1" ونصابه خمسة أوسق إلا الأرز والعلس فإن نصابها عشرة أوسق لأنهما يدخران في القشر ويجيء من كل وسقين وسق وزكاته العشر ونصف العشر على ما ذكرناه في الثمار فإن زاد على خمسة أوسق شيء وجب فيه بحسابه لأنه يتجزأ من غير ضرر فوجب فيما زاد على النصاب بحسابه كالأثمان وتضم النواع من جنس واحد بعضها إلى بعض في إكمال النصاب فيضم العلس إلى الحنطة لأنه صنف منه ولا يضم السلت إلى الشعير والسلت حب يشبه الحنطة في الملامسة ويشبه الشعير في طوله وبرودته وقال أبو علي الطبري: يضم السلت إلى الشعير كما يضم العلس إلى الحنطة والمنصوص في البويطي أنه لا يضم لأنهما جنسان بخلاف الحنطة والعلس.
فصل: وإن اختلفت أوقات الزرع ففي ضم بعضه إلى بعض أربعة أقوال: أحدهما أن الاعتبار بوقت الزراعة فكل زرعين زرعا في فصل واحد من صيف أو شتاء أو ربيع أو خريف ضم بعضه إلى بعض لأن الزراعة هي الأصل والحصاد فرع فكان اعتبار الأصل أولى والثاني أن الاعتبار بوقت الحصاد فإذا اتفق حصادهما في فصل ضم أحدهما إلى الآخر لأنه حالة الوجوب فكان اعتباره أولى والثالث يعتبر أن تكون زراعتهما في فصل وحصادهما في فصل لأن في زكاة المواشي والأثمان يعتبر الطرفان فكذلك ههنا والرابع يعتبر أن يكونا من زراعة عام واحد كما قلنا في الثمار.
فصل: ولا يجب العشر قبل أن ينعقد الحب فإذا انعقد الحب وجب لأنه قبل أن ينعقد الحب كالخضراوات وبعد الانعقاد صار قوتاً يصلح للإدخار فإن زرع الذرة فأدرك وحصد ثم سنبل مرة أخرى فهل يضم الثاني إلى الأول؟ فيه وجهان: أحدهما لا
__________
1 تقدم

(1/289)


يضم كما لو حملت النخل ثمرة فجذها ثم حملت حملاً آخر والثاني يضم ويخالف النخل لأنه يراد للتأبيد فجعل لكل حمل حكم والزرع لا يراد للتأبيد فكان الحملان لعام واحد.
فصل: ولا تؤخذ زكاة الحبوب إلا بعد التصفية كما لا تؤخذ زكاة الثمار إلا بعد الجفاف.
فصل: وإن كان الزرع لواحد والأرض لآخر وجب العشر على مالك الزرع عند الوجوب لأن الزكاة تجب في الزرع فوجبت على مالكه كزكاة التجارة تجب على مالك المال دون مالك الدكان.
فصل: فإن كان على أرض خراج وجب الخراج في وقته ويجب العشر في وقته ولا يمنع وجوب أحدهما وجوب الآخر لأن الخراج يجب للأرض والعشر يجب للزرع فلا يمنع أحدهما الآخر كأجرة المتجر وزكاة التجارة.

(1/290)


باب زكاة الذهب والفضة
وتجب الزكاة في الذهب والفضة لقوله عز وجل {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة:34] ولأن الذهب والفضة معدان للنماء فهو كالإبل والبقر السائمة ولا تجب فيما سواهما من الجواهر كالياقوت والفيروزج والؤلؤ والمرجان لأن ذلك معد للاستعمال فهو كالإبل والبقر العوامل ولا تجب فيما دون النصاب من الذهب والفضة ونصاب الذهب عشرون مثقالاً لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "ولا يجب في اقل من عشرين مثقالاً من الذهب شيء" ونصاب الفضة مائتا درهم والدليل عليه ما روى ابن عمر رضي الله

(1/290)


عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا بلغ مال أحدكم خمس أواق مائتي درهم ففيه خمسة دراهم1" والاعتبار بالمثقال الذي كان بمكة ودراهم الإسلام التي كانت كل عشرة بوزن سبعة مثاقيل وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الميزان ميزان أهل مكة والمكيال مكيال أهل المدينة2" ولا يضم أحدهما إلى الآخر في إكمال النصاب لأنهما جنسان فلم يضم أحدهما إلى الآخر كالإبل والبقر وزكاتهما ربع العشر نصف مثقال عن عشرين مثقالاً من الذهب وخمسة دراهم من مائتي درهم والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في كتاب الصدقات "في الرقة ربع العشر3" وروى عاصم بن ضمرة عن علي كرم الله وجهه أنه قال: ليس في أقل من عشرين ديناراً شيء وفي عشرين نصف دينار وتجب فيما زاد على النصاب بحسابه لأنه يتجزأ من غير ضرر فوجب فيما زاد بحسابه ويجب في الجيد الجيد وفي الرديء الرديء وإن كانت أنواعاً قليلة وجب في كل نوع بقسطه وإن كثرت الأنواع أخرج من الأوسط كما قلنا في الثمار وإن لم يعرف قدر ما فيه من الذهب أو الفضة فهو بالخيار إن شاء سبك الجميع ليعرف الواجب فيخرجه وإن شاء أخرج واستظهر ليسقط الفرض بيقين.
فصل: وإن كان له دين نظرت فإن كان ديناً غير لازم كمال الكتابة لم يلزمه زكاته لأن ملكه غير تام عليه فإن العبد يقدر أن يسقطه وإن كان لازماً نظرت فإن كان على مقر مليء لزمه زكاته لأنه مقدور على قبضه فهو كالوديعة وإن كان على مليء جاحد أو مقر معسر فهو كالمال المغصوب وفيه قولان وقد بيناه في الزكاة وإن كان له دين مؤجل
__________
1رواه البخاري في كتاب الزكاة باب 32. ابن ماجه في كتاب الزكاة باب 6. مسلم في كتاب الزكاة حديث 7. الموطأ في كتاب الزكاة باب 1.
2 رواه أبو داود في كتاب البيوع باب 8. النسائي في كتاب الزكاة باب 44.
3 رواه أحمد في مسنده "1/12".

(1/291)


ففيه وجهان: قال أبو إسحاق هو كالدين الحال على فقير أو مليء جاحد فيكون على قولين وقال أبو علي بن أبي هريرة: لا تجب فيه الزكاة فإذا قبضه استقبل به الحول لأنه لا يستحقه ولو حلف أنه لا يستحقه كان باراً والأول أصح لأنه لو لم يستحقه لم ينفذ فيه إبراؤه وإن كان له مال غائب فإن كان مقدوراً على قبضه وجبت فيه الزكاة إلا أنه لا يلزمه إخراجها حتى يرجع إليه وإن لم يقدر عليه فهو كالمغصوب وإن كان معه أجرة دار لم يستوف المستأجر منفعتها وحال عليها الحول وجبت فيه الزكاة لأنه يملكها ملكاً تاماً وفي وجوب الإخراج قولان قال في البويطي يجب لأنه يملكه ملكاً تاماً فأشبه مهر المرأة وقال في الأم لا يجب لأن ملكه قبل استيفاء المنفعة غير مستقر لأنه قد تنهدم الدار فتسقط الأجرة فلم تجب الزكاة فيه كدين الكتابة والأول أصح لأن هذا يبطل بالصداق قبل الدخول فإنه يجوز أن يسقط بالردة ويسقط نصفه بالطلاق ثم يجب إخراج زكاته.
فصل: ومن ملك مصوغاً من الذهب والفضة فإن كان معداً للقنية وجبت فيه الزكاة لأنه مرصد للنماء فهو كغير المصوغ وإن كان معداً للاستعمال نظرت فإن كان لاستعمال محرم كأواني الذهب والفضة وما يتخذه الرجل لنفسه من سوار أو طوق أو خاتم ذهب أو ما يحلى به المصحف أو يؤزر به المسجد أو يموه به السقف أو كان مكروهاً كالتضبيب القليل للزينة وجبت فيه الزكاة لأنه عدل به عن أصله بفعل غير مباح فسقط كحلي النساء وما أعدلهن وخاتم الفضة للرجال ففيه قولان: أحدهما لا تجب فيه الزكاة لما روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ليس في الحلى زكاة" ولأنه معد لاستعمال مباح فلم تجب فيه الزكاة كالعوامل من الإبل والبقر والثاني تجب فيه الزكاة واستخار الله فيه الشافعي واختاره لما روي أن امرأة من اليمن جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنتها في يدها

(1/292)


مسكتان غليظتان من الذهب فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتعطين زكاة هذا؟ فقالت لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار؟ " فخلعتهما وألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله ولرسوله ولأنه من جنس الأثمان فأشبه الدراهم والدنانير وفيما لطخ به اللجام وجهان: قال أبو الطيب بن سلمة أنه مباح كالذي حلى به المنطقة والسيف فيكون على قولين وقال أبو إسحاق لا يحل وهو المنصوص لأن هذا حلية للدابة بخلاف السيف والمنطقة فإن ذلك حلية للرجل في الحرب فحل وإن كان للمرأة حلي فانكسر بحيث لا يمكن لبسه فوجبت فيه الزكاة كما لو تفتت والثاني لا تجب لأنه للإصلاح واللبس أقرب وإن كان لها حلي معد للإجارة ففيه طريقان: أحدهما أنه تجب فيه الزكاة قولاً واحداً لأنه معد لطلب النماء فأشبه إذا اشتراه للتجارة والثاني أنه على قولين لأن النماء المقصود قد فقد لأن ما يحصل من الأجرة قليل فلم يؤثر في إيجاب الزكاة كأجرة العوامل من الإبل والبقر وإذا وجبت الزكاة في حلى تنقص قيمته بالكسر ملك الفقراء ربع العشر منه ويسلمه إليهم بتسليم مثله ليستقر ملكهم عليه كما قلنا في الرطب الذي لا يجيء منه تمر وقال أبو العباس: يخرج زكاته لأنه يشق تسليم بعضه والأول أظهر.

(1/293)


باب زكاة التجارة
تجب الزكاة في عروض التجارة لما روى أبو ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "في الإبل صدقتها وفي البقر صدقتها وفي الغنم صدقتها وفي البز صدقته" ولأن التجارة يطلب بها نماء المال فتعلقت بها الزكاة كالسوم في الماشية.
فصل: ولا يصير العرض للتجارة إلا بشرطين: أحدهما أن يملكه بعقد يجب فيه العوض كالبيع والإجارة والنكاح والخلع والثاني أن ينوي عند العقد أنه يتملكه للتجارة

(1/293)


فأما إذا ملكه بإرث أو وصية أوهبة من غير شرط الثواب لم يصر للتجارة بالنية وإن ملكه بالبيع والإجارة ولم ينو عند العقد أنه للتجارة لم يصر للتجارة وقال الكرابيسي من أصحابنا: إذا ملك عرضاً ثم نوى به التجارة صار للتجارة كما إذا كان عنده متاع للتجارة ثم نوى القنية صار للقنية بالنية والمذهب الأول لأن ما لا يكون الزكاة من أصله لم يصر للزكاة بمجرد النية كالمعلوفة إذا نوى إسامتها ويفارق إذا نوى القنية بمال التجارة لأن القنية هي الإمساك بنية القنية وقد وجد الإمساك والنية والتجارة هي التصرف بنية التجارة وقد وجدت النية ولم يوجد التصرف فلم يصر للتجارة.
فصل: إذا اشترى للتجارة ما تجب الزكاة في عينه كنصاب السائمة والكرم والنخل نظرت فإن وجد فيه نصاب إحدى الزكاتين دون الأخرى كخمس من الإبل لا تساوي مائتي درهم أو أربع من الإبل تساوي مائتي درهم وجبت فيه زكاة ما وجد نصابه لأنه وجد سببها ولم يوجد ما يعارضه فوجبت وإن وجد نصابهما ففيه طريقان: قال أبو إسحاق: إن سبق حول التجارة بأن يكون عنده نصاب من الأثمان مدة ثم اشترى به نصاباً من السائمة وجبت زكاة التجارة فيه وإن سبق وجوب زكاة العين بأن اشترى نخلاً للتجارة فبدا فيها الصلاح قبل أن يحول حول التجارة وجبت زكاة العين لأن السابق منهما قد وجد سبب وجوب زكاته وليس هناك زكاة تعارضها فوجبت كما قلنا في ما وجد فيه نصاب إحدى الزكاتين دون الأخرى وإن وجد سببهما في وقت واحد مثل أن يشتري بما تجب فيه الزكاة نصاباً من السائمة للتجارة ففيه قولان: قال في القديم: تجب زكاة التجارة لأنها أنفع للمساكين لأنها تزداد القيمة فكان إيجابها أولى وقال في الجديد تجب زكاة العين لأنها أقوى لأنها مجمع عليها وزكاة التجارة مختلف في وجوبها ولأن نصاب العين يعرف قطعاً ونصاب التجارة يعرف بالظن فكانت زكاة العين أولى وقال القاضي أبو حامد في المسألة قولان: سواء اتفق حولهما أو سبق حول أحدهما والأول أصح فإن كان المشتري نخيلاً وقلنا بقوله القديم قوم النخيل والثمرة وأخرج الزكاة عن قيمتهما وإن قلنا بقوله الجديد لزمه عشر الثمرة وهل يقوم النخيل؟ فيه قولان: أحدهما لا يقوم لأن

(1/294)


المقصود هو الثمار وقد أخرجنا عنها العشر والثاني يقوم ويخرج الزكاة من قيمتها لأن العشر زكاة الثمار فأما الأصول فلم يخرج زكاتها فوجب أن تقوم وتخرج عنها الزكاة وإن اشترى عبداً للتجارة وجبت عليه فطرته لوقتها وزكاة التجارة لحولها لأنهما حقان يجبان بسببين مختلفين فلم يمنع أحدهما الآخر كالجزاء والقيمة وحد الزنا والشرب وإن اشترى للتجارة عرضاً لا تجب فيه الزكاة لم يخل إما أن يشتري بعرض أو نقد فإن اشتراه بنقد نظرت فإن كان نصاباً جعل ابتداء الحول من حين ملك النصاب من النقد ويبني حول العرض الذي اشتراه عليه لأن النصاب هو الثمن وكان ظاهراً فصار في ثمن السلعة كامناً فبنى حوله عليه كما لو كان عيناً فأقرضه فصار ديناً وإن اشتراه بدون النصاب انعقد الحول عليه من حين الشراء سواء كانت قيمة العرض نصاباً أو أقل وقال أبو العباس: لا ينعقد الحول إلا أن يكون قيمته من أول الحول إلى آخره نصاباً كسائر الزكوات والمنصوص في الأم هو الأول لأن نصاب زكاة التجارة يتعلق بالقيمة وتقويم العرض في كل ساعة يشق فلم يعتبر إلا في حال الوجوب ويخالف سائر الزكوات فإن نصابها في عينها فلم يشق اعتباره في جميع الحول وإن اشتراه بعرض للقنية نظرت فإن كان من غير أموال الزكاة انعقد الحول عليه من يوم الشراء وإن اشتراه بنصاب من السائمة ففيه وجهان: قال أبو سعيد الاصطخري: يبني حول التجارة على حول السائمة لأن الشافعي رحمه الله قال في المختصر: ولو اشترى عرضاً للتجارة بدراهم أو دنانير أو بشيء تجب فيه الصدقة لم يقوم عليه حتى يحول الحول من يوم ملك ثمن العرض والدليل عليه أنه ملكه بما يجزي في الحول فبنى حوله على حوله كما لو اشتراه بنصاب من الأثمان وقال أكثر أصحابنا: لا يبني على حول السائمة وتأولوا قوله في المختصر والدليل عليه أن الزكاة تتعلق بقيمة العرض والماشية ليست بقيمة فلم يبن حوله على حولها ويخالف الأثمان لأنها قيمة وإنما كانت عيناً ظاهرة فخفيت كالعين إذا صارت ديناً.
فصل: إذا باع عرضاً للتجارة في أثناء الحول بعرض للتجارة لم ينقطع الحول لأن زكاة التجارة تتعلق بالقيمة وقيمة الثاني وقيمة الأول واحدة وإنما انتقلت من سلعة إلى سلعة فلم ينقطع الحول كمائتي درهم من بيت إلى بيت وإن باع العرض بالدراهم أو الدنانير نظرت فإن باعه بقدر قيمته بنى حول الثمن على حول العرض كما يبني حول العرض على حول الثمن وإن باعه بزيادة مثل أن يشتري العرض بمائتين فباعه في أثناء الحول بثلثمائة ففيه طريقان: من أصحابنا من قال يزكي المائتين لحولها ويستأنف الحول

(1/295)


للزيادة قولاً واحداً وقال أبو إسحاق في الزيادة قولان: أحدهما يزكيها لحول الأصل لأنه نماء الأصل فزكى لحول الأصل كالسخال والثاني يستأنف الحول لأنها فائدة غير متولدة مما عنده فلا يزكي لحوله كما لو استفاد الزيادة بإرث أو هبة فإذا قلنا يستأنف الحول الزيادة ففي حولها وجهان: أحدهما من حين ينض لأنه لا يتحقق وجودها قبل أن ينض والثاني من حين يظهر وهو الأظهر لأنه قد ظهر فإذا نض علمنا أنه قد ملكه من ذلك الوقت وإن كان عنده نصاب من الدراهم فباعه بالدراهم أو الدنانير فإن فعل ذلك لغير تجارة انقطع الحول فيما باع واستقبل الحول فيما اشترى وإن فعله للتجارة كما يفعل الصيارف ففيه وجهان: أحدهما أنه ينقطع الحول لأنه مال تجب الزكاة في عينه فانقطع الحول فيه بالمبادلة كالماشية والثاني لا ينقطع الحول لأنه باع مال التجارة بمال للتجارة فلم ينقطع الحول كما لو باع عرضاً بعرض.
فصل: إذا حال الحول على عرض التجارة وجب تقويمه لإخراج الزكاة فإن اشتراه بنصاب من الأثمان قوم به لأنه فرع لما اشترى به فوجب التقويم به وإن اشتراه بعرض للقنية قوم بنقد البلد لأنه لا يمكن تقويمه بأصله فوجب تقويمه بنقد البلد فإن كان في البلد نقدان قوم بأكثرهما معاملة وإن كانا متساويين نظرت فإن كان بأحدهما يبلغ نصاباً وبالآخر لا يبلغ نصاباً قوم بما يبلغ به لأنه قد وجد نصاب تتعلق به الزكاة فوجب التقويم به وإن كان يبلغ بكل واحد منهما نصاباً ففيه أربعة أوجه: أحدها أنه يقوم بما شاء منهما وهو قول أبي إسحاق وهو الأظهر لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر فخير بينهما والثاني يقوم بما هو أنفع للمساكين كما إذا اجتمع في النصاب فرضان أخذ ما هو أنفع للمساكين والثالث يقوم بالدراهم لأنها أكثر استعمالاً والرابع يقوم بنقد أقرب البلاد إليه لأن النقدين تساويا فجعلا كالمعدومين فإن قومه ثم باعه بزيادة على قيمته قبل إخراج الزكاة ففيه وجهان: أحدهما لا يلزمه زكاة تلك الزيادة لأنها زيادة حدثت بعد الوجوب فلم تلزمه زكاتها كالسخال الحادثة بعد الحول والثاني تلزمه لأن الزيادة حصلت في نفس القيمة التي تعلق بها الوجوب فهو بمنزلة الماشية إذا سمنت بعد الحول فإنه يلزمه إخراج فرض سمين وإن اشتراه بما دون النصاب من الأثمان ففيه وجهان: أحدهما يقوم بنقد البلد لأنه ملكه بما لا تجب فيه الزكاة فأشبه إذا ملكه بعرض للقنية والثاني أنه يقوم بالنقد الذي اشتراه به لأنه أصل يمكن أن يقوم به فيقوم به كما لو كان نصاباً فإن حال الحول على

(1/296)


العرض فقوم فلم يبلغ النصاب لم تجب فيه الزكاة فإن زادت قيمته بعد الحول بشهر فبلغت نصاباً ففيه وجهان: قال أبو إسحاق لا تجب الزكاة حتى يحول عليه الحول والثاني من حين حال الحول الأول لأن الحول يبتدأ من حين الشراء وقد تم الحول وهو ناقص عن النصاب فلم تتعلق به الزكاة وقال أبو علي ابن أبي هريرة: إذا بلغت قيمته نصاباً بعد شهر وجبت فيه الزكاة لأنه مضى عليه حول بعد الشراء بشهر وهو نصاب فوجبت فيه الزكاة.
فصل: إذا قوم العرض فقد قال في الأم تخرج الزكاة مما قوم به وقال في القديم فيه قولان: أحدهما يخرج ربع عشر قيمته والثاني يخرج ربع عشر العرض وقال في موضع آخر لا يخرج إلا العين أو الورق أو العرض فمن أصحابنا من قال فيه ثلاثة أقوال: أحدها أنه يخرج مما قوم به لأن الوجوب تعلق به والثاني يخرج من العرض لأن الزكاة تجب لأجله والثالث يخير بينهما لأن الزكاة تتعلق بهما فخير بينهما وقال أبو إسحاق: فيه قولان: أحدهما أنه يخرج مما قوم به والثاني أنه بالخيار وقال أبو علي ابن أبي هريرة: فيه قولان: أحدهما أنه يخرج مما قوم به والثاني يخرج العرض.
فصل: إذا دفع إلى رجل ألف درهم قراضاً على أن الربح بينهما نصفان فحال الحول وقد صارت ألفين بنيت على أن المضارب متى يملك الربح وفيه قولان: أحدهما يملكه بالمقاسمة والثاني يملكه بالظهور فإن قلنا بالأول كانت زكاة الجميع على رب المال فإن أخرجها من عين المال فمن أين تحسب؟ فيه ثلاثة أوجه: أحدها أنه تحسب من الربح لأنها من رأس المال فتحسب من الربح كأجرة النقال والوزان والكيال والثاني تحسب من رأس المال لأن الزكاة دين عليه في الذمة في أحد القولين فإذا قضاه من المال حسب من رأس المال كسائر الديون والثالث أنها تحسب من رأس المال والربح جميعاً لأن الزكاة تجب في رأس المال والربح فحسب المخرج منهما وإن قلنا إن العامل يملك حصته من الربح بالظهور وجب على رب المال زكاة ألف وخمسمائة وإخراجها على ما ذكرناه وتجب على العامل زكاة خمسمائة غير أنه لا يلزمه إخراجها لأنه لا يدري هل يسلم له أم لا فلم يلزمه إخراج زكاته كالمال الغائب فإن أخرج زكاته من غير المال جاز وإن أراد إخراجه من المال ففيه وجهان: أحدهما ليس له لأن الربح وقاية لرأس المال فلا يخرج منه الزكاة والثاني أن له ذلك لأنهما دخلا على حكم الإسلام ووجوب الزكاة.

(1/297)


باب زكاة المعدن والركاز
إذا استخرج حر مسلم من معدن في موات أوفي أرض يملكها نصاباً من الذهب أو الفضة وجب عليه الزكاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المزني المعادن القبلية وأخذ منه الزكاة فإن استخرجه مكاتب أو ذمي لم يجب عليه شيء لأنه زكاة والزكاة لا تجب على المكاتب والذمي وإن وجده في أرض مملوكة لغيره فهو لصاحب الأرض ويجب دفعه إليه فإذا أخذه مالكه وجب عليه زكاته وإن وجد شيئاً غير الذهب والفضة كالحديد والرصاص والفيروزج والبلور وغيرها لم تجب فيها الزكاة لأنها ليست من أموال الزكاة فلم يجب فيها حق المعدن وإن وجده دون النصاب لم تلزمه الزكاة لأنا بينا أن ذلك زكاة فلم تجب في غير النصاب ولأنه حق يتعلق بالمستفاد من الأرض فاعتبر فيه النصاب كالعشر وإن وجد النصاب في دفعات نظرت فإن لم ينقطع العمل ولا النيل ضم بعضه إلى بعض في إكمال النصاب وإن انقطع العمل لعذر كالاستراحة أو إصلاح الأداة ضم ما وجده بعد زوال العذر إلى ما وجده قبله فإن ترك العمل لغير عذر لم يضم ما وجده بعد الترك إلى ما وجده قبله وإن اتصل العمل وانقطع النيل ثم عاد ففيه قولان: قال في القديم لا يضم الثاني إلى الأول لأنه إذا لم يضم ما وجده بعد قطع العمل إلى ما وجده قبله فلأن لا يضم ما وجده بعد انقطاع النيل وهو المقصود أولى وقال في الجديد يضم لأن انقطاع النيل بغير اختياره وانقطاع العمل باختياره.
فصل: ويجب حق المعدن بالوجود ولا يعتبر فيه الحول في أظهر القولين لأن الحول يراد لتكامل النماء وبالوجود يصل إلى النماء فلو يعتبر فيه الحول كالعشر وقال في البويطي: لا يجب حتى يحول عليه الحول لأنه زكاة في مال تتكرر فيه الزكاة فاعتبر فيها الحول كسائر الزكوات.
فصل: وفي زكاته ثلاثة أقوال: أحدها يجب ربع العشر لأنا قد بينا أنه زكاة وزكاة الذهب والفضة ربع العشر والثاني يجب فيه الخمس لأنه مال تجب الزكاة فيه بالوجود

(1/298)


فتقدرت زكاته بالخمس كالركاز والثالث أنه إن أصابه من غير تعب وجب فيه الخمس وإن أصابه بتعب وجب فيه بربع العشر لأنه حق يتعلق بالمستفاد من الأرض فاختلف قدره باختلاف المؤن كزكاة الزرع ويجب إخراج الحق بعد التمييز كما قلنا في العشر إنه يجب بعد التصفية والتجفيف.
فصل: ويجب في الركاز الخمس لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وفي الركاز الخمس1" ولأنه يصل إليه من غير تعب ولا مؤنة فاحتمل الخمس ولا يجب ذلك إلا على من تجب عليه الزكاة لأنه زكاة ولا تجب إلا فيما وجده في موات أو مملوك لا يعرف مالكه لأن الموات لا مالك له وما لا يعرف مالكه بمنزلة ما لا مالك له فأما إذا وجده في أرض يعرف مالكها فإن كان ذلك لحربي فهو غنيمة وإن كان لمسلم أو لمعاهد فهو لمالك الأرض فإن لم يدعه مالك الأرض فهو لمن انتقلت الأرض منه إليه ولا يجب إلا في مال جاهلي يعلم أن مثله لا يضرب في الإسلام لأن الظاهر أنه لم يملكه مسلم إلى أن وجده وإن كان من ضرب الإسلام كالدراهم الأحدية وما عليها اسم المسلمين فهو لقطة وإن كان يمكن أن يكون من مال المسلمين ويمكن أن يكون من مال الجاهلية بأن لا يكون عليه علامة أحد فالمنصوص أنه لقطة لأنه يحتمل الأمرين فغلب حكم الإسلام ومن أصحابنا من قال هو ركاز لأن الموضع الذي وجد فيه موات يشهد بأنه ركاز ويجب حق الركاز في الأثمان وفي غير الأثمان قولان: قال في القديم يجب في الجميع لأنه حق مقدر بالخمس فلم يختص بالأثمان كخمس الغنيمة وقال في الجديد لا يجب لأنه حق يتعلق بالمستفاد من الأرض فاختص بالأثمان كحق المعدن ولا يعتبر فيه الحول لأن الحول يعتبر لتكامل النماء وهذا لا يوجد الركاز وهل يعتبر فيه النصاب؟ فيه قولان: قال في القديم يخمس قليله وكثيره لأن ما خمس كثيره خمس قليله كالغنيمة وقال في الجديد لا يخمس ما دون النصاب لأنه حق يتعلق بالمستفاد من الأرض فاعتبر
__________
1 رواه البخاري في كتاب الزكاة باب 66. مسلم في كتاب الحدود حديث 45. الترمذي في كتاب الأحكام باب 37. ابن ماجه في كتاب اللقطة باب 4. الموطأ في كتاب الزكاة حديث 9ز أحمد في مسنده "1/314".

(1/299)


فيه النصاب كحق المعدن فعلى هذا إذا وجد مائة درهم ثم وجد مائة أخرى لم يجب الخمس في واحد منهما وإن وجد دون النصاب وعنده نصاب من جنسه نظرت فإن وجد الركاز مع تمام الحول في النصاب الذي عنده ضمه إلى ما عنده وأخرج الخمس من الركاز وربع العشر من النصاب لأن الحول لا يعتبر في الركاز فيصير الركاز مع النصاب كالزيادة مع نصاب حال الحول عليهما وإن وجده بعد الحول على النصاب ضمه إليه لأن الحول قد حال على ما معه الركاز كالزيادة التي حال عليها الحول وإن وجده قبل الحول على النصاب لم يخمس لأن الركاز كبعض نصاب حال عليه الحول وإذا تم حول البعض ولم يتم حول الباقي لم تجب الزكاة فإذا تم حول النصاب أخرج زكاته وإذا تم حول الركاز من حين وجده أخرج عنه ربع العشر وسقط الخمس فأما إذا كان الذي معه أقل من النصاب فإن كان وجد الركاز قبل تمام الحول على ما معه لم يضم إليه بل يستأنف الحول عليهما من حين تم النصاب فإذا تم الحول أخرج الزكاة وإن وافق وجود الركاز حال حول الحول فالمنصوص في الأم أنه يضم إلى ما عنده فإذا بلغ النصاب أخرج من الركاز الخمس ومن الذي معه ربع العشر لأن الركاز لا يعتبر فيه حول فيجعل كالموجود معه في جميع الحول ومن أصحابنا من قال لا يضم بل يستأنف الحول عليهما من حين تم النصاب فإذا حال الحول أخرج عنهما ربع العشرة.

(1/300)


باب زكاة الفطر
زكاة الفطر واجبة لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر من رمضان على الناس صاعاً من قمح أو صاعاً شعير على كل ذكر وأنثى حر وعبد من المسلمين1" ولا يجب ذلك إلا على مسلم فأما الكافر فإنه إن كان أصلياً لم تجب عليه للخبر الوارد وإن كان مرتداً فعلى ما ذكرناه في أول الكتاب من الأقوال الثلاثة وأما المكاتب فالمذهب أنها لا تجب عليه لأنه لا يلزمه زكاة المال فلا يلزمه زكاة الفطر كالكافر ومن أصحابنا من قال يلزمه لأن زكاة الفطر تابعة للنفقة ونفقته على نفسه فكذلك فطرته وهذا يبطل بالذمي فإن نفقته على نفسه ولا تلزمه الفطرة ولا تجب إلا
__________
1 رواه البخاري في كتاب الزكاة باب 70، 71. مسلم في كتاب الزكاة حديث 12 – 16. أبو داود في كتاب الزكاة باب 20، 21. الترمذي في كتاب الزكاة باب 35. الموطأ في كتاب الزكاة حديث 51.

(1/300)


على من فضل عن قوته وقوت من تلزمه نفقته وقت الوجوب ما يؤدي في الفطرة فإن لم يفضل عن نفقته شيء لم تلزمه لأنه غير قادر فإن فضل بعض ما يؤديه ففيه وجهان: أحدهما لا يلزمه لأنه عدم بعض ما يؤدي به الفرض فلم يلزمه كما لو وجبت عليه كفارة وهو يملك نصف رقبة والثاني تلزمه لأنه لو ملك نصف عبد لزمه نصف فطرته فإذا ملك نصف الفرض لزمه إخراجه في فطرته.
فصل: ومن وجبت عليه فطرته وجبت عليه فطرة من تلزمه نفقته إذا كانوا مسلمين ووجد ما يؤدي عنهم فاضلاً عن نفقته فتجب على الأب والأم وعلى أبيهما أمهما وإن علوا فطرة ولدهما وولد ولدهما وإن سفلوا وعلى الولد وولد الولد وإن سفلوا فطرة الأب والأم وأبيهما وأمهما وإن علوا إذا وجبت عليهم نفقتهم لما روى ابن عمر قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون فإن كان للولد أو الوالد عبد يحتاج إليه للخدمة وجبت عليه فطرته لأنه تجب عليه نفقته وتجب على السيد فطرة عبده وأمته لحديث ابن عمر وإن كان له عبد أبق ففيه طريقان: أحدهما أنه تجب فطرته قولاً واحداً لأن فطرته تجب بحق الملك والملك لا يزول بالإباق ومنهم من قال فيه قولان كالزكاة في المال المغصوب وإن كان عبد بين نفسين وجبت الفطرة عليهما لأن نفقته عليهما وإن كان نصفه حراً ونصفه عبداً وجب على السيد نصف فطرته وعلى العبد نصف فطرته لأن النفقة عليهما نصفان فكذلك الفطرة وإن كان له مكاتب لم تجب عليه فطرته لأنه لا تجب عليه نفقته وروى أبو ثور عن الشافعي رحمه الله أنه قال: تجب فطرته لأنه باق على ملكه ويجب على الزوج فطرة زوجته إذا وجبت عليه نفقتها لحديث ابن عمر رضي الله عنهما ولأنه ملك يستحق به النفقة فجاز أن يستحق به الفطرة كمالك اليمين في العبد والأمة فإن كانت ممن تخدم ولها مملوك يخدمها وجبت عليه فطرته لأنه يجب عليه نفقته فلزمته فطرته فإن نشزت الزوجة لم يلزمه فطرتها لأنه لا يلزمه نفقتها ولا تجب عليه إلا فطرة مسلم فأما إذا كان المؤدي عنه كافراً لم تجب عليه فطرته لحديث ابن عمر على كل ذكر وأنثى حر وعبد من المسلمين ولأن القصد من

(1/301)


الفطرة تطهير المؤدي عنه لأن المؤدي قد طهر نفسه بالفطرة والكافر لا يلحقه التطهير ولا تجب حتى تفضل الفطرة على نفقته ونفقتة من تلزمه نفقته لأن النفقة أهم فوجبت في البداية بها ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول1" فإن فضل ما يؤدي عن فطرة بعضهم ففيه أربعة أوجه: أحدها أنه يبدأ بمن يبدأ بنفقته فإن فضل صاع آخر أخرجه عن نفسه فإن فضل صاعاً آخر أخرجه عن زوجته فإن فضل صاع آخر أخرجه عن ولده الصغير فإن فضل صاع آخر أخرجه عن أبيه فإن فضل صاع آخر أخرجه عن أمه فإن فضل صاع آخر أخرجه عن ولده الكبير لأنا بينا أن الفطرة تابعة للنفقة وترتيبهم للنفقة على ما ذكرناه فكذلك في الفطرة والثاني يقدم فطرة الزوجة على فطرة نفسه لأنها تجب بحكم المعاوضة والثالث يبدأ بنفسه ثم بمن شاء والرابع أنه بالخيار في حقه وحق غيره لأن كل واحد منهم لو انفرد لزمته فطرته فإذا اجتمعوا تساووا ومن وجبت فطرته على غيره فهل يجب ذلك على المؤدي ابتداء أو يجب على المؤدي عنه ثم يتحمل المؤدي؟ فيه وجهان: أحدهما تجب على المؤدى ابتداء لأنها تجب في ماله والثاني تجب على المؤدي عنه لأنها تجب لتطهيره فإن تطوع المؤدي عنه وأخرج بغير إذن المؤدي ففيه وجهان: فإن قلنا إنها تجب على المؤدي ابتداء لم يجزه كما لو أخرج زكاة ماله عنه بغير إذنه وإن قلنا يتحمل جاز لأنه أخرج ما وجبت عليه وإن كان من يمونه مسلماً وهو كافر فعلى الوجهين فإن قلنا إنها تجب عليه ابتداء لم تجب لأنه إيجاب زكاة على كافر وإن قلنا إنه يتحمل وجب عليه لأن الفطرة وجبت على مسلم وإنما هو متحمل وإن كانت له زوجة موسرة وهو معسر فالمنصوص أنه لا يجب عليها وقال فيمن زوج أمته من معسر إن على المولى فطرتها فمن أصحابنا من نقل جواب كل واحدة من المسألتين إلى الأخرى وخرجها على قولين: أحدهما لا تجب لأنها زكاة تجب عليه مع القدرة فسقطت بالإعسار كفطرة نفسه والثاني تجب لأنه إذا كان معسراً جعل كالمعدوم ولو عدم الزوج وجبت فطرة الحرة على نفسها الأمة على مولاها وكذلك ههنا ومن أصحابنا من قال إن قلنا يتحمل وجب على الحرة وعلى مولى الأمة لأن الوجوب عليهما والزوج متحمل فإذا عجز عن التحمل بقي الوجوب في محله وإن قلنا تجب عليه ابتداء لم
__________
1 رواه مسلم في كتاب الزكاة حديث 95،97. أحمد في مسنده "2/94".

(1/302)


تجب على الحرة لا على مولى الأمة لأنه لا حق عليهما وقال أبو إسحاق: تجب على مولى الأمة ولا تجب على الحرة لأن فطرتها على المولى لأن المولى عليه التبوئة التامة فإذا سلم كان متبرعاً فلا يسقط بذلك ما وجب عليه من الزكاة والحرة غير متبرعة بالتسليم لأنه يجب عليها تسليم نفسها وإن لم يقدر على فطرتها سقطت عنها الفطرة.
فصل: ومتى تجب الفطرة؟ فيه قولان: قال في القديم تجب بطلوع الفجر من يوم الفطر لأنها قربة تتعلق بالعيد فلا يتقدم وقتها على يومه كالصلاة والأضحية وقال في الجديد تجب بغروب الشمس من ليلة الفطر لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر من رمضان والفطر من رمضان لا يكون إلا بعد غروب الشمس من ليلة العيد ولأن الفطر جعلت طهرة للصائم بدليل أن ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر طهرة للصائم من الرفث واللغو وطعمة للمساكين وانقضاء الصوم بغروب الشمس فإن رزق ولداً أو تزوج امرأة أو اشترى عبداً ودخل عليه الوقت وهم عنده وجبت عليه فطرتهم وإن رزق الولد أو تزوج امرأة أو اشترى العبد بعد دخول الوقت أو ماتوا قبل دخول الوقت لم تجب فطرتهم وإن دخل وقت الوجوب وهم عنده ثم ماتوا قبل إمكان الأداء ففيه وجهان: أحدهما تسقط كما تسقط زكاة المال والثاني لا تسقط لأنها تجب في الذمة فلم تسقط بموت المرأة ككفارة الظهار ويجوز تقديم الفطرة من أول شهر رمضان لأنها تجب بسببين: صوم شهر رمضان والفطر منه فإذا وجد أحدهما جاز تقديمها على الآخر كزكاة المال بعد ملك النصاب وقبل الحول ولا يجوز تقديمهما على شهر رمضان لأنه تقديم على السببين فهو كإخراج زكاة المال قبل الحول والنصاب والمستحب أن تخرج قبل صلاة العيد لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر أن يؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة ولا يجوز تأخيرها عن يومه لقوله صلى الله عليه وسلم: "أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم" فإن أخره حتى خرج اليوم أثم وعليه القضاء لأنه حق مال وجب عليه وتمكن من أدائه فلا يسقط عنه بفوات الوقت.
فصل: والواجب صاع بصاع رسول الله صلى الله عليه وسلم لحديث ابن عمر رضي الله عنهما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير والصاع خمسة أرطال وثلث

(1/303)


لما روى عمرو بن حبيب القاضي قال: حججت مع أبي جعفر فلما قدم المدينة قال ائتوني بصاع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعايره فوجده خمسة أرطال وثلثاً برطل أهل العراق.
فصل: وفي الحب الذي يخرجه ثلاثة أوجه: أحدها أنه يجوز من كل قوت لما روى أبو سعيد الخدري قال: كنا نخرج صاعاً من طعام أو صاعاً من أقط أو صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر أو صاعاً من زبيب ومعلوم أن ذلك كله لم يكن قوت أهل المدينة فدل على أنه مخير بين الجميع وقال أبو عبيد بن حرب: تجب من غالب قوته وهو ظاهر النص لأنه لما وجب أداء ما فضل عن قوته وجب أن تكون من قوته وقال أبو العباس وأبو إسحاق: تجب من غالب قوت البلد لأنه حق يجب في الذمة تعلق بالطعام فوجب من غالب قوت البلد كالطعام في الكفارة فإن عدل عن قوت البلد إلى قوت بلد آخر نظرت فإن كان الذي انتقل إليه أجود أجزأه وإن كان دونه لم يجزه فإن كان أهل البلد يقتاتون أجناساً مختلفة ليس بعضها بأغلب من بعض فالأفضل أن يخرج من أفضلها لقوله عز وجل {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92] ومن أيها أخرج أجزأه وإن كان في موضع قوتهم الأقط ففيه طريقان: قال أبو إسحاق يجزئه قولاً واحداً لحديث أبي سعيد وقال القاضي أبو حامد فيه قولان: أظهرهما أنه يجزئه للخبر والثاني لا يجزئه لأنه لا تجب فيه الزكاة فأشبه اللحم فإذا قلنا يجزئه فأخرج اللبن أجزأه لأنه أكمل منه ولأنه يجيء منه الأقط وغيره وإن أخرج الجبن جاز لأنه مثله وإن أخرج المصل لم يجزه لأنه أنقص من الأقط لأنه لبن منزوع الزبد وإن كان في موضع لا قوت فيه أخرج من قوت أقرب البلاد إليه فإن كان بقربه بلدان متساويان في القوت أخرج من قوت أيهما شاء ولا يجوز في فطرة واحدة أن يخرج من جنسين لأن ما خير فيه بين جنسين لم يجز أن يخرج من كل واحد منهما بعضه ككفارة اليمين لا يجوز أن يطعم خمسة ويكسو خمسة فإن كان عبد بين نفسين في بلدين قوتهما مختلف ففيه ثلاثة أوجه: أحدها لا يجوز أن يخرج كل واحد منهما من قوته بل يخرجان من أدنى القوتين وقال أبو إسحاق يجوز أن يخرج كل واحد منهما نصف صاع من قوته لأن كل واحد

(1/304)


منهما لم يبعض ما وجب عليه ومن أصحابنا من قال يعتبر فيه قوت العبد أو البلد الذي فيه العبد لأنها تجب لحقه فاعتبر فيه قوته أو قوت بلده كالحر في حق نفسه ولا يجوز إخراج حب مسوس لأن السوس أكل جوفه فيكون الصاع منه أقل من صاع ولا يجوز إحراج الدقيق وقال أبو القاسم الأنماطي: يجوز لأنه منصوص عليه في حديث أبي سعيد الخدري والمذهب أنه لا يجوز لأنه ناقص المنفعة عن الحب فلم يجز كالخبز وأما حديث أبي سعيد فقد قال أبو داود: روى سفيان الدقيق ووهم فيه ثم رجع عنه.

(1/305)


أحدهما لا يجزأه لأنه عجل الزكاة عن غير السخال فلا يجزئه عن زكاة السخال والثاني يجزئه لأنه لما كان حول الأمهات حول السخال كانت زكاة الأمهات زكاة عن السخال وإن اشترى بمائتي درهم عرضاً للتجارة فأخرج عنها زكاة أربعمائة درهم ثم حال الحول والعرض يساوي أربعمائة أجزأه لأن الاعتبار في زكاة التجارة بآخر الحول والدليل عليه أنه لو ملك سلعة تساوي مائة فحال الحول وهي تساوي مائتين وجبت فيه الزكاة وإن ملك مائة وعشرين شاة فعجل عنها شاة ثم نتجت شاة سخلة قبل الحول لزمته شاة أخرى وكذلك لو ملك مائتي شاة فأخرج شاتين ثم نتجت شاة سخلة أخرى قبل الحول لزمه شاة أخرى لأن المخرج كالباقي على ملكه ولهذا سقط به الفرض عند الحول فجعل كالباقي على ملكه في إيجاب الفرض.
فصل: إذا عجل زكاة ماله ثم هلك النصاب أو هلك بعضه قبل الحول خرج المدفوع عن أن يكون زكاة وهل يثبت له الرجوع فيما دفع؟ ينظر فيه فإن لم يبين أنها زكاة معجلة لم يجز له الرجوع فإن الظاهر أن ذلك زكاة واجبة أو صدقة تطوع وقد لزمت بالقبض فلم يملك الرجوع وإن بين أنها زكاة معجلة ثبت له الرجوع لأنه دفع عما يستقر في الثاني فإذا طرأ ما يمنع الاستقرار ثبت له الرجوع كما لو عجل أجرة دار ثم انهدمت الدار قبل انقضاء المدة وإن كان الذي عجل هو السلطان أو المصدق من قبله ثبت له الرجوع بين أو لم يبين لأن السلطان لا يسترجعه لنفسه فلم يلحقه تهمة وإن عجل الزكاة عن نصاب ثم ذبح شاة أو أتلفها فهل له أن يرجع؟ فيه وجهان أحدهما يرجع لأنه زال شرط الوجوب قبل الحول فثبت له الرجوع كما لو هلك بغير فعله والثاني لا يرجع لأنه مفرط وربما أتلف ليسترجع ما دفع فلم يجز له أن يرجع وإذا رجع فيما دفع وقد نقص في يد الفقير لم يلزمه ضمان ما نقص في أصح الوجهين لأنه نقص في ملكه فلم يلزمه ضمانه ومن أصحابنا من قال يلزمه لأن ما ضمن عينه إذا هلك ضمن نقصانه إذا نقص كالمغصوب فإن زاد المدفوع نظرت فإن كانت الزيادة لا تتميز كالسمن رجع فيه مع الزيادة لأن السمن يتبع الأصل في الرد كما نقول في الرد بالعيب وإن زادت زيادة تتميز كالولد واللبن لم يجب رد الزيادة لأنها زيادة حدثت في ملكه فلا يجب ردها مع الأصل كولد المبيعة في الرد بالعيب وإن هلك المدفوع في يد الفقير لزمته قيمته وفي القيمة وجهان: أحدهما يلزمه يوم التلف كالعارية والثاني يلزمه قيمته يوم الدفع لأن ما حصل فيه من زيادة حدثت في ملكه فلم يلزمه ضمانها.

(1/306)


فصل: وإن عجل الزكاة فدفعها إلى فقير فمات الفقير أو ارتد قبل الحول لم يجزه المدفوع عن الزكاة وعليه أن يخرج الزكاة ثانياً فإن لم يبين عند الدفع أنها زكاة معجلة لم يرجع وإن بين رجع فإذا رجع فيما دفع نظرت فإن كان من الذهب أو الفضة وإذا ضمه إلى ما عنده بلغ النصاب وجبت فيه الزكاة لأنه قبل أن يموت الفقير كان كالباقي على حكم ملكه ولهذا لو عجله عن نصاب سقط به الفرض عند الحول فلو لم يكن كالباقي على حكم ملكه لم يسقط به الفرض وقد نقص المال عن النصاب ولما مات صار كالدين في ذمته والذهب والفضة إذا صارا ديناً لم ينقطع الحول فيه فضم إلى ما عنده وزكاه وإن كان الذي عجل شاة ففيه وجهان: أحدهما يضم إلى ما عنده كما يضم الذهب والفضة والثاني لا يضم لأنه لما مات صار كالدين والحيوان إذا كان دين لا تجب فيه الزكاة.
فصل: وإن عجل الزكاة ودفعها إلى فقير واستغنى قبل الحول نظرت فإن استغنى بما دفع إليه أجزأه لأنه دفع إليه ليستغني به فلا يجوز أن يكون غناه به مانعاً من الإجزاء ولأنه زال شرط الزكاة من جهة الزكاة فلا يمنع الإجزاء كما لو كان عنده نصاب فعجل عنه شاة فإن المال قد نقص عن النصاب ولم يمنع الإجزاء عن الزكاة وإن استغنى من غيره لم يجزه عن الزكاة وعليه أن يخرج الزكاة ثانياً وهل يرجع على ما بيناه وإن دفع إلى فقير ثم استغنى ثم افتقر قبل الحول وحال الحول وهو فقير ففيه وجهان: أحدهما لا يجزئه كما لو عجل زكاة ماله ثم تلف ماله ثم استفاد غيره قبل الحول والثاني أنه يجزئه لأنه دفع إليه وهو فقير وحال الحول عليه وهو فقير.
فصل: وإن تسلف الوالي الزكاة وهلكت في يده نظرت فإن تسلف بغير مسألة ضمنها لأن الفقراء أهل رشد لا يولى عليهم فإذا قبض مالهم قبل محله بغير إذنهم وجب عليه الضمان كالوكيل إذا قبض مال موكله قبل محله بغير إذنه وإن تسلف بمسألة رب المال تلف من ضمان رب المال لأنه وكيل رب المال فكان الهلاك من ضمان الموكل كما لو وكل رجلاً في حمل شيء إلى موضع فهلك في يده وإن تسلف بمسألة الفقراء هلك من ضمانهم لأنه قبض بإذنهم فصار كالوكيل إذا قبض دين موكله بإذنه فهلك في يده وإن تسلف بمسألة الفقراء ورب المال ففيه وجهان: أحدهما أنه يتلف من ضمان رب المال لأن جنبته أقوى لأنه يملك المنع والدفع والثاني أنه ضمان الفقراء لأن

(1/307)


الضمان يجب على من له المنفعة ولهذا يجب ضمان العارية على المستعير والمنفعة ههنا للفقراء فكان الضمان عليهم.
فصل: فأما ما تجب الزكاة فيه من غير حول كالعشر وزكاة المعدن والركاز فلا يجوز فيه تعجيل الزكاة وقال أبو علي بن أبي هريرة: يجوز تعجيل العشر والصحيح أنه لا يجوز لأن العشر يجب بسبب واحد وهو إدراك الثمرة وانعقاد الحب فإذا عجله قدمه على سببه فلم يجز كما لو قدم زكاة المال على النصاب.

(1/308)


باب تعجيل الصدقة
كل مال وجبت فيه الزكاة الحول والنصاب لم يجز تقديم زكاته قبل أن يملك النصاب لأنه لم يوجد سبب وجوبها فلم يجز تقديمها كأداء الثمن قبل البيع والدية قبل القتل وإن ملك النصاب جاز تقديم زكاته قبل الحول لما روى علي كرم الله وجهه أن العباس رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجعل زكاة ماله قبل محلها فرخص له في ذلك ولأنه حق مال أجل للرفق فجاز تعجيله قبل محله كالدين المؤجل ودية الخطأ وفي تعجيل زكاة عامين وجهان: قال أبو إسحاق يجوز لما روى علي كرم الله وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم تسلف من العباس رضي الله عنه صدقة عامين ولأن ما جاز فيه تعجيل حق العام منه جاز تعجيل حق العامين كدية الخطأ ومن أصحابنا من قال لا يجوز لأنها زكاة لم ينعقد حولها فلم يجز تقديمها كالزكاة قبل أن يملك النصاب فإن ملك مائتي شاة فعجل عنها وعما يتولد من سخالها أربع شياه فتوالدت وصارت أربعمائة أجزأه زكاة المائتين وفي زكاة السخال وجهان: أحدهما لا يجوز لأنه تقديم زكاة على النصاب والثاني يجوز لأن السخال جعلت كالموجودة في الحول في وجوب زكاتها فجعلت كالموجودة في تعجيل زكاتها وإن ملك أربعين شاة فعجل عنها شاة ثم توالدت أربعين سخلة وماتت الأمهات وبقيت السخال فهل يجزئه ما أخرج عن الأمهات عن زكاة السخال؟ فيه وجهان:

(1/305)


باب قسم الصدقات
يجوز لرب المال أن يفرق زكاة الأموال الباطنة بنفسه وهي: الذهب والفضة وعروض التجارة والركاز لما روي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال في المحرم: هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليقض دينه أو ليزك بقية ماله ويجوز أن يوكل من يفرق لأنه حق مال فجاز أن يوكل في أدائه كديون الآدميين ويجوز أن يدفع إلى الإمام لأنه نائب عن الفقر فجاز الدفع إليه كولي اليتيم وفي الأفضل ثلاثة أوجه: أحدها أن الأفضل أن يفرق بنفسه وهو ظاهر النص لأنه على ثقة من أدائه وليس على ثقة من أداء غيره والثاني أن الأفضل أن يدفع إلى الإمام عادلاً كان أو جائراً لما روي أن المغيرة بن شعبة قال لمولى له وهو على أمواله بالطائف: كيف تصنع في صدقة مالي؟ قال: منها ما أتصدق به ومنها ما أدفع إلى السلطان فقال: وفيم أنت من ذلك قال: إنهم يشترون بها الأراضي ويتزوجون بها النساء فقال: إن كان عادلاً فالدفع إليه أفضل وإن كان جائراً فإن تفرقته بنفسه أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم "فمن سألها على وجهها فليعطها ومن سأل فوقها فلا يعطه1" ولأنه على ثقة من أدائه إلى العادل وليس على ثقة من أدائه إلى الجائر لأنه ربما
__________
1 رواه البخاري في كتاب الزكاة باب 38. النسائي في كتاب الزكاة باب 5.

(1/308)


يصرفه في شهواته وأما الأموال الظاهرة وهي المواشي والزروع والثمار والمعادن ففي زكاتها قولان: قال في القديم يجب دفعها إلى الإمام فإن فرقها بنفسه لزمه الضمان لقوله عز وجل {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:103] ولأنه مال للإمام فيه حق المطالبة فوجب الدفع إليه كالخراج والجزية وقال في الجديد يجوز أن يفرقها بنفسه لأنها زكاة فجاز أن يفرقها بنفسه كزكاة المال الباطن.
فصل: ويجب على الإمام أن يبعث السعاة لأخذ الصدقة لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده كانوا يبعثون السعاة ولأن في الناس من يملك المال ولا يعرف ما يجب عليه وفيهم من يبخل فوجب أن يبعث من يأخذ ولا يبعث إلا حراً عدلاً ثقة لأن هذا ولاية وأمانة والعبد والفاسق ليسا من أهل الأمانة والولاية ولا يبعث إلا فقيهاً لأنه يحتاج إلى معرفة ما يؤخذ وما لا يؤخذ ويحتاج إلى الاجتهاد فيما يعرض من مسائل الزكاة وأحكامها ولا يبعث هاشمياً أو مطالبياً ومن أصحابنا من قال يجوز لأن ما يأخذه على وجه العوض والمذهب الأول لما روي أن الفضل بن عباس رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوليه العمالة على الصدقة فلم يوله وقال: "أليس في خمس الخمس ما يغنيكم عن أوساخ الناس1" وفي مواليهم وجهان: أحدهما لا يجوز لما روى أبو رافع قال: ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من بني مخزوم على الصدقة فقال: إتبعني تصب منها فقلت: حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته فقال: "إن موالي القوم من أنفسهم وإنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة2" والثاني أنه يجوز لأن الصدقة إنما حرمت على بني هاشم وبني المطلب للشرف بالنسب وهذا لا يوجد في مواليهم وهو بالخيار أن يستأجر العامل بأجرة معلومة ثم يعطيه ذلك من الزكاة وبين أن يبعثه من غير شرط ثم يعطيه أجرة المثل من الزكاة.
__________
1 رواه مسلم في كتاب الزكاة حديث 167، 168. أبو داود في كتاب الإمارة باب 20. النسائي في كتاب الزكاة باب 95. الموطأ في كتاب الصدقة حديث 13، 15.
2 رواه مسلم في كتاب الزكاة حديث 161، 168. النسائي في كتاب الزكاة باب 95، 97. الموطأ في كتاب الصدقة حديث 13. أحمد في مسنده "1/200".

(1/309)


ويبعث لقبض ما سوى زكاة الزرع والثمار في المحرم لما روي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال في شهر المحرم: هذا شهر زكاتكم ولأنه أول السنة فكان البعث فيه أولى والمستحب للساعي أن يعد الماشية على أهلها على الماء إذا كانت الماشية ترد الماء وفي أفنيتهم إن لم ترد الماء لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تؤخذ صدقات المسلمين عند مياههم وعند أفنيتهم" فإن أخبره صاحب المال بالعدد وهو ثقة عدل قبل منه وإن بذل له الزكاة أخذها ويستحب أن يدعو لقوله عز وجل {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة:103] والمستحب أن يقول اللهم صل على آل فلان لما روى عبد الله بن أبي أوفى قال: جاء أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة ماله فقال له صلى الله عليه وسلم "اللهم صل على آل أبي أوفى" وبأي شيء دعا له جاز قال الشافعي: وأحب أن يقول آجرك الله فيما أعطيت وجعله لك طهوراً وبارك لك فيما أبقيت وإن ترك الدعاء جاز لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم ولم يأمره بالدعاء وإن منع الزكاة أو غل أخذ منه الفرض وعزره على المنع والغلول وقال في القديم: يأخذ منه الزكاة وشطر ماله وقد مضى توجيه القولين في أول الزكاة وإن وصل الساعي قبل وجوب الزكاة ورأى أن يتسلف فعل وإن لم يسلفه رب المال لم يجبره على ذلك لأنها لم تجب بعد فلا يجبر على أدائه وإن رأى أن يوكل من يقبض إذا حال الحول فعل وإن رأى أن يتركه حتى يأخذه مع زكاة القابل فعل وإن قال رب المال لم يحل الحول على المال فالقول قوله فإن رأى أن يحلفه حلفه احتياطاً وإن قال بعته ثم اشتريته ولم يحل عليه الحول أو قال أخرجت الزكاة عنه وقلنا إنه يجوز أن يفرق بنفسه ففيه وجهان: أحدهما يجب تحليفه لأنه

(1/310)


يدعى خلاف الظاهر فإن نكل عن اليمين أخذت منه الزكاة والثاني أنه يستحب تحليفه ولا تجب لأن الزكاة موضوعة على الرفق فلو أوجبنا اليمين خرجت عن باب الرفق ويبعث الساعي لزكاة الثمار والزروع في الوقت الذي يصادف فيه الإدراك ويبعث معه من يخرص الثمار فإن وصل قبل وقت الإدراك ورأى أن يخرص الثمار ويضمن رب المال زكاتها فعل وإن وصل وقد وجبت الزكاة وبذلها له أخذه ودعا له فإن كان الإمام أذن للساعي في تفرقتها فرقها وإن لم يأذن له حملها إلى الإمام والمستحب أن يسم الماشية التي يأخذها في الزكاة لما روى أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسم إبل الصدقة ولأن بالوسم تتميز عن غيره وإذا شردت ردت إلى موضعها ويستحب أن يسم التي يأخذها في زكاة الإبل والبقر في أفخاذها لأنه موضع صلب فيقل الألم بوسمه ويخف الشعر فيه فيظهر ويسم الغنم في أذنها ويستحب أن يكتب في ماشية الزكاة لله أو زكاة وفي ماشية الجزية جزيةً أو صغاراً لأن ذلك أسهل ما يمكن ولا يجوز للساعي وللإمام أن يتصرف فيما يحصل عنده من الفرائض حتى يوصلها إلى أهلها لأن الفقراء أهل رشد لا يولى عليهم فلا يجوز التصرف في مالهم بغير إذنهم فإن أخذ نصف شاة أو وقف عليه شيء من المواشي وخاف هلاكه أو خاف أن يؤخذ في الطريق جاز له بيعه لأنه موضع ضرورة وإن لم يبعث الإمام الساعي وجب على رب المال أن يفرق الزكاة بنفسه على المنصوص لأنه حق للفقراء والإمام نائب وإذا ترك النائب لم يترك من عليه أداءه ومن أصحابنا من قال: إن قلنا إن الأموال الظاهر يجب دفع زكاتها إلى الأمام لم يجز أن يفرق بنفسه لأنه مال توجه حق القبض فيه إلى الأمام فإذا لم يطلب الإمام لم يفرق كالخراج والجزية.
فصل: ولا يصح أداء الزكاة إلا بالنية لقوله صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى1" ولأنها عبادة محضة فلم تصح من غير نية كالصلاة وفي وقت النية وجهان:
__________
1 رواه البخاري في كتاب بدء الوحي باب 1. مسلم في كتاب الإمارة حديث 155. أبو داود في كتاب الطلاق باب 11. ابن ماجه في كتاب الزهد باب 29.

(1/311)


أحدهما يجب أن ينوي حال الدفع لأنه عبادة يدخل فيها بفعله فوجبت النية في ابتدائها كالصلاة والثاني يجوز تقديم النية عليها لأنه يجوز التوكيل فيها ونيته غير مقارنة لأداء الوكيل فجاز تقديم النية عليها بخلاف الصلاة ويجب أن ينوي الزكاة أو الصدقة الواجبة أو صدقة المال فإن نوى صدقة مطلقة لم تجزه لأن الصدقة قد تكون نفلاً فلا تنصرف إلى الفرض إلا بالتعيين ولا يلزمه تعيين المال المزكى عنه وإن كان له نصاب حاضر ونصاب غائب فأخرج الفرض فقال هذا عن الحاضر أو الغائب أجزأه لأنه لو أطلق النية لكانت عن أحدهما فلم يضر تقييده بذلك فإن قال إن كان مالي الغائب سالماً فهذا عن زكاته وإن لم يكن سالماً فهو عن الحاضر فإن كان الغائب هالكاً أجزأه لأنه لو أطلق وكان الغائب هالكاً لكان هذا عن الحاضر وإن قال إن كان مالي الغائب سالماً فهذا عن زكاته أو تطوع لم يجزه لأنه لم يخلص النية للفرض ولأنه لو أطلق النية لكان هذا مقتضاه فلم يضر التقييد وإن كان له من يرثه فأخرج مالاً وقال إذا كان قد مات مورثي فهذا عن زكاة ما ورثته منه وكان قد مات لم يجزه لأنه لم يبن النية على أصل لأن الأصل بقاؤه وإن وكل من يؤدي الزكاة ونوى عند الدفع إلى الوكيل ونوى الوكيل عند الدفع إلى الفقراء أجزأه وإن نوى الوكيل ولم ينو الموكل لم يجزه لأن الزكاة فرض على رب المال فلم تصح من غير نية وإن نوى رب المال ولم ينو الوكيل ففيه طريقان: من أصحابنا من قال يجوز قولاً واحداً لأن الذي عليه الفرض قد نوى في وقت الدفع إلى الوكيل فتعين المدفوع للزكاة فلا يحتاج بعد ذلك إلى النية ومن أصحابنا من قال يبني على جواز تقديم النية فإن قلنا يجوز أجزأه وإن قلنا لا يجوز لم يجزه وإن دفعها إلى الإمام ولم ينو ففيه وجهان: أحدهما يجزئه وهو ظاهر النص لأن الإمام لا يدفع إليه إلا الفرض فاكتفى بهذا الظاهر عن النية ومن أصحابنا من قال لا يجزئه وهو الأظهر لأن الإمام وكيل للفقراء ولو دفع إلى الفقراء لم يجز إلا بالنية عند الدفع فكذلك إذا دفع إلى وكيلهم وتأول هذا القائل قول الشافعي رحمه الله من امتنع من أداء الزكاة فأخذها الإمام منه قهراً فإنه يجزئه لأنه تعذرت النية من جهته فقامت نية الإمام مقام نيته.
فصل: ويجب صرف جميع الصدقات إلى ثمانية أصناف وهم: الفقراء والمساكين

(1/312)


والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمون وفي سبيل الله وابن السبيل وقال المزني وأبو حفص الباب شامي: يصرف خمس الركاز إلى من يصرف إليه خمس الفيء والغنيمة لأنه حق مقدر بالخمس فأشبه خمس الفيء والغنيمة وقال أبو سعيد الأصطخري: تصرف زكاة الفطر إلى ثلاثة من الفقراء لأنه قدر قليل فإذا قسم على ثمانية أصناف لم يقع إلى ما يدفع إلى كل واحد منهم موقعاً من الكفاية والمذهب الأول والدليل عليه قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة:60] فأضاف جميع الصدقات إليهم بلام التمليك وأشرك بينهم بواو التشريك فدل على أنه مملوك لهم مشترك بينهم فإن كان الذي يفرق كالزكاة هو الإمام قسمها على ثمانية أسهم: سهم للعامل وهو أول ما يبدأ به لأنه يأخذه على وجه العوض وغيره يأخذه على وجه المواساة فإن كان السهم قدر أجرته دفعه إليه وإن كان أكثر من أجرته رد الفضل على الأصناف وقسمه على سهامهم وإن كان أقل من أجرته تمم ومن أين يتمم؟ قال الشافعي: يتمم من سهم المصالح ولو قيل يتمم من حق سائر الأصناف لم يكن به بأس فمن أصحابنا من قال فيه قولان: أحدهما يتمم من سهم سائر الأصناف لأنه يعمل لهم فكانت أجرته عليهم والثاني يتمم من سهم المصالح لأن الله تعالى جعل لكل صنف سهماً فلو قسمنا ذلك على الأصناف نقصنا حقهم وفضلنا العامل عليهم ومن أصحابنا

(1/313)


من قال: الإمام بالخيار إن شاء تمم من سهم المصالح وإن شاء تمم من سهامهم لأنه يشبه الحاكم لأنه يستوفي به حق الغير على وجه الأمانة ويشبه الوكيل فخير بين حقيهما ومنهم من قال: إن كان قد بدأ بنصيبه فوجده ينقص تمم من سهامهم وإن كان قد بدأ بسهام الأصناف فأعطاهم ثم وجد سهم العامل ينقص تممه من سهم المصالح لأنه يشق استرجاع ما دفع إليهم ومنهم من قال إن فضل عن قدر حاجة الأصناف شيء تمم من الفضل وإن لم يفضل عنهم شيء تمم من سهم المصالح والصحيح هو الطريق الأول ويعطي الحاشر والعريف من سهم العامل لأنهم من جملة العمال وفي أجرة الكيال وجهان: قال أبو علي بن أبي هريرة: على رب المال لأنها تجب للإيفاء والإيفاء حق على رب المال فكانت أجرته عليه وقال أبو إسحاق: تكون من الصدقة لأنا لو أوجبنا ذلك على رب المال زدنا على الفرض الذي وجب عليه في الزكاة.
فصل: وسهم للفقراء والفقير هو الذي لا يجد ما يقع موقعاً من كفايته فيدفع إليه ما تزول به حاجته من أداة يعمل بها إن كان فيه قوة أو بضاعة يتجر فيها حتى لو احتاج إلى مال كثير للبضاعة التي تصلح له ويحسن التجارة فيها وجب أن يدفع إليه فإن عرف لرجل مال وادعى أنه افتقر لم يقبل قوله إلا ببينة لأنه ثبت غناه فلا يقبل دعوى الفقر إلا بينة كما لو وجب عليه دين آدمي وعرف له مال فادعى الإعسار فإن كان قوياً فادعى أنه لا كسب له أعطي لما روى عبيد الله بن عبيد الله بن عدي بن الخيار أن رجلين سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة فصعد بصره إليهما وصوب ثم قال "أعطيكما بعد أن أعلمكما أنه لا حظ فيهما لغني ولا قوي مكتسب1" وهل يحلف؟ فيه وجهان أحدهما لا يحلف لأن
__________
1 رواه أبو داود في كتاب الزكاة باب 24. النسائي في كتاب الزكاة باب 91. أحمد في مسنده "4/224".

(1/314)


النبي صلى الله عليه وسلم لم يحلف الرجلين والثاني يحلف لأن الظاهر أنه يقدر على الكسب مع القوة
فصل: وسهم للمساكين والمسكين هو الذي يقدر على ما يقع موقعاً من كفايته إلا أنه لا يكفيه وقال أبو إسحاق: المسكين هو الذي لا يجد ما يقع موقعاً من كفايته فأما الذي يجد ما يقع موقعاً من كفايته فهو الفقير والأول أظهر لأن الله تعالى بدأ بالفقراء والعرب لا تبدأ إلا بالأهم فالأهم فدل على أن الفقير أمس حاجة ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً" وكان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الفقر فدل على أن الفقر أشد.
فصل: ويدفع إلى المسكين تمام الكفاية فإن ادعى عيالاً لم يقبل إلا ببينة لأنه يدعي خلاف الظاهر.
فصل: وسهم للمؤلفة وهم ضربان: مسلمون وكفار فأما الكفار فضربان: ضرب يرجى خيره وضرب يخاف شره وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم وهل يعطون بعده؟ فيه قولان: أحدهما يعطون لأن المعنى الذي أعطاهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم قد يوجد بعده والثاني لا يعطون لأن الخلفاء رضي الله عنهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعطوهم قال عمر رضي الله عنه: إنا لا نعطي على الإسلام شيئاً فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر فإذا قلنا إنهم يعطون فإنهم لا يعطون من الزكاة لأن الزكاة لا حق فيها لكافر وإنما يعطون من سهم المصالح وأما المسلمون فهم أربعة أضرب: أحدها قوم لهم شرف فيعطون ليرغب نظراؤهم في الإسلام لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن لكل واحد منهم مائة من الإبل وهل يعطي هذان الفريقان بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيه قولان: أحدهما لا يعطون لأن الله تعالى أعز الإسلام فأغنى من التألف بالمال والثاني يعطون لأن المعنى الذي به أعطوا قد يوجد بعد النبي صلى الله عليه وسلم ومن أين يعطون؟ فيه قولان: أحدهما من الصدقات للآية والثاني من خمس الخمس لأن ذلك مصلحة فكان من سهم المصالح والضرب الثالث قوم يليهم قوم من الكفار إن أعطوا قاتلوهم والضرب الرابع قوم يليهم قوم من أهل الصدقات إن أعطوا جلبوا الصدقات وفي هذين الضربين أربعة أقوال: أحدها يعطون من سهم المصالح لأن ذلك مصلحة والثاني من سهم المؤلفة من الصدقات للآية والثالث من سهم الغزاة لأنهم يغزون والرابع وهو الصحيح أنهم يعطون من سهم الغزاة ومن سهم المؤلفة لأنهم جمعوا معنى الفريقين.
فصل: وسهم للرقاب وهم المكاتبون فإذا لم يكن مع المكاتب ما يؤدي في الكتابة

(1/315)


وقد حل عليه نجم أعطى ما يؤديه وإن كان معه ما يؤديه لم يعط لأنه غير محتاج إليه فإن لم يكن معه شيء ولا حل عليه نجم ففيه وجهان: أحدهما لا يعطى لأنه لا حاجة به إليه قبل حلول النجم والثاني يعطى لأنه يحل عليه النجم والأصل أنه ليس معه ما يؤدي فإن دفع إليه ثم أعتقه المولى أو أبرأه من المال أو عجز نفسه قبل أن يؤدي المال إلى المولى رجع عليه لأنه دفع إليه ليصرفه في دينه ولم يفعل فإن سلمه إلى المولى وبقيت عليه بقية فعجزه المولى ففيه وجهان: أحدهما لا يسترجع من المولى لأنه صرفه فيما عليه والثاني يسترجع لأنه إنما دفع إليه ذلك إقراراً على نفسه والثاني لا يقيل لأنه متهم لأنه ربما واطأه حتى يأخذ الزكاة.
فصل: وسهم للغارمين وهم ضربان: غرم لإصلاح ذات البين وضرب غرم لمصلحة نفسه فأما الأول فضربان: أحدهما من تحمل دية مقتول فيعطى مع الفقر والغنى لقوله صلى الله عليه وسلم "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة الغازي في سبيل الله أو العامل عليها أو الغارم أو لرجل اشتراها بماله أو لرجل له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهدى المسكين إليه1" والثاني من حمل مالاً في غير قتل لتسكين فتنة ففيه وجهان: أحدهما يعطى مع الغنى لأنه غرم لإصلاح ذات البين فأشبه إذا غرم دية مقتول والثاني لا يعطي مع الغنى لأنه مال حمله في غير قتل فأشبه إذا ضمر ثمناً في بيع وأما من غرم لمصلحة نفسه فإن كان قد أنفق في غير معصية دفع إليه مع الفقر وهل يعطى مع الغنى فيه قولان: قال في الأم: لا يعطى لأنه يأخذ لحاجته إلينا فلم يعط مع الغني كغير الغارم وقال في القديم والصدقات من الأم: يعطى لأنه غارم في غير معصية فأشبه إذا غرم لإصلاح ذات البين فإن غرم في معصية لم يعط مع الغنى وهل يعطى مع الفقر؟ ينظر فيه فإن كان مقيماً على المعصية لم يعط لأنه يستعين به على المعصية وإن تاب ففيه وجهان: أحدهما يعطى لأن المعصية قد زالت والثاني لا يعطى لأنه لا يؤمن أن يرجع إلى المعصية ولا يعطى الغارم إلا ما يقضي به الدين فإن أخذ ولم يقض به الدين أو أبرئ منه أو قضي عنه قبل تسليم المال استرجع منه وإن ادعى أنه غارم لم يقبل إلا ببينة فإن صدقه غريمه فعلى الوجهين كما ذكرنا في المكاتب إذا ادعى الكتابة وصدقة المولى.
فصل: وسهم في سبيل الله وهم الغزاة الذين إذا انشطوا غزوا فأما من كان مرتبا
__________
1 رواه ابن ماجه في كتاب الزكاة باب 27. الموطأ في كتاب الزكاة حديث 29.

(1/316)


في ديوان السلطان من جيوش المسلمين فإنهم لا يعطون من الصدقة بسهم الغزاة لأنهم يأخذون أرزاقهم وكفايتهم من الفيء ويعطى الغازي مع الفقر والغنى للخبر الذي ذكرناه في الغارم ويعطى ما يستعين به على الغزو من نفقة الطريق وما يشتري به السلاح والفرس إن كان فارساً وما يعطى السائس وحمولة تحمله إن كان راجلاً والمسافة مما يقصر فيها الصلاة فإن أخذ ولم يغز استرجع منه.
فصل: وسهم لابن السبيل وهو المسافر أو من ينشئ السفر وهو محتاج في سفره فإن كان سفره في طاعة أعطي ما يبلغ به مقصده وإن كان في معصية لم يعط لأن ذلك إعانة على معصية وإن كان سفره في مباح ففيه وجهان: أحدهما لا يعطى لأنه غير محتاج إلى هذا السفر والثاني يعطى لأن ما جعل رفقاً بالمسافر في طاعة الله جعل رفقاً بالمسافر في مباح كالفطر والقصر.
فصل: ويجب أن يسوى بين الأصناف في السهام ولا يفضل صنفاً على صنف لأن الله تعالى سوى بينهم والمستحب أن يعم كل صنف إن أمكن وأقل ما يجزى أن يدفع إلى ثلاثة من كل صنف لأن الله تعالى أضاف إليهم بلفظ الجمع وأقل الجمع ثلاثة فإن دفع لاثنين ضمن نصيب الثالث وفي قدر الضمان قولان: أحدهما القدر المستحب وهو الثلث والثاني أقل جزء من السهم لأنه هذا القدر هو الواجب فلا يلزمه ضمان ما زاد وإن اجتمع في شخص واحد سببان ففيه ثلاثة طرق: من أصحابنا من قال لا يعطى بالسببين بل يقال له اختر أيهما شئت فنعطيك به ومنهم من قال إن كانا سببين متجانسين مثل أن يستحق بكل واحد منهما إلا بسبب واحد وإن كانا سببين مختلفين مثل أن يكون بأحدهما يستحق لحاجتنا إليه وبالآخر يستحق لحاجته إلينا أعطي بالسببين كما قلنا في الميراث إذا اجتمع في شخص واحد جهتا فرض لم يعط بهما وإن اجتمع فيه جهة فرض وجهة تعصيب أعطي بهما ومنهم من قال فيه قولان أحدهما يعطى بالسببين لأن الله تعالى جعل للفقير سهماً وللغارم سهماً وهذا فقير غارم والثاني يعطى بسبب واحد لأنه شخص واحد فلا يأخذ سهمين كما لو انفرد بمعنى واحد.
فصل: وإن كان الذي يفرق الزكاة رب المال سقط سهم العامل لأنه لا عمل له فيقسم الصدقة على سبعة أصناف لكل صنف سهم على ما بيناه وإن كان في الأصناف

(1/317)


أقارب له لا تلزمه نفقتهم فالمستحب أن يخص الأقارب لما روت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الصدقة على المسلم صدقة وهي على ذي القرابة صدقة وصلة".
فصل: ويجب صرف الزكاة إلى الأصناف في البلد الذي فيه المال لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن فقال: أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم فإن نقل إلى الأصناف في بلد آخر ففيه قولان: أحدهما يجزئه لأنهم من أهل الصدقة فأشبه أصناف البلد الذي فيه المال والثاني لا يجزئه لأنه حق واجب لأصناف بلد ومن أصحابنا من قال القولان في جواز النقل ففي أحدهما يجوز وفي الثاني لا يجوز فأما إذا نقل فإنه يجزئه قولاً واحداً والأول هو الصحيح فإن كان له أربعون شاة عشرون في بلد وعشرون في بلد آخر قال الشافعي: إذا أخرج الشاة في أحد البلدين كرهت وأجزأه فمن أصحابنا من قال إنما أجاز ذلك على القول الذي يقول يجوز نقل الصدقة فأما على القول الآخر فلا يجوز حتى يخرج في كل بلد نصف شاة ومنهم من قال يجزئه ذلك قولاً واحداً لأن في إخراج نصف الشاة في كل بلد ضرراً في التشريك بينه وبين الفقراء والصحيح هو الأول لأنه قال كرهت وأجزأه فدل على أنه أحد القولين ولو كان قولاً واحداً لم يقل كرهت وفي الموضع الذي تنقل إليه طريقان: من أصحابنا من قال القولان فيه إذا نقل إلى مسافة تقصر فيها الصلاة فأما إذا نقل إلى مسافة لا تقصر فيها الصلاة فإنه يجوز قولاً واحداً لأن ذلك في حكم البلد بدليل أنه لا يجوز فيه القصر والفطر والمسح على الخفين ومنهم من قال القولان في الجميع وهو الأظهر وإن وجبت عليه الزكاة وهو من أهل الخيم الذين ينتجعون لطلب الماء والكلأ فإنه ينظر فيه فإن كانوا متفرقين كان موضع الصدقة من عند المال إلى حيث تقصر فيه الصلاة فإذا بلغ حداً تقصر فيه الصلاة لم يكن ذلك موضع

(1/318)


الصدقة وإن كان في حال مجتمعة ففيه وجهان: أحدهما أنه كالقسم قبله والثاني أن كل حلة كالبلد وإن وجبت الزكاة وليس في البلد الذي فيه المال أحد من الأصناف نقلها إلى أقرب البلاد إليه لأنهم أقرب إلى المال وإن وجد فيه بعض الأصناف فيدفع إلى من في بلد المال من الأصناف سهمهم وينقل الباقي إلى بقية الأصناف في غير بلد المال وهو الصحيح لأن استحقاق الأصناف أقوى لأنه ثبت بنص الكتاب واعتبار البلد ثبت بخير الواحد فقدم من ثبت حقه بنص الكتاب.
فصل: فإن قسم الصدقة على الأصناف فنقص نصيب بعضهم عن كفايتهم ونصيب الباقين على قدر كفايتهم دفع إلى كل واحد منهم ما قسم له ولا يدفع إلى من نقص سهمه عن كفايته من نصيب الباقين شيء لأن كل صنف منهم ملك سهمه فلا ينقص حقه لحاجة غيره وإن كان نصيب بعضهم ينقص عن كفايته ونصيب البعض يفضل عن كفايته فإن قلنا إن المغلب اعتبار البلد الذي فيه المال صرف ما فضل إلى بقية الأصناف في البلد وإن قلنا إن المغلب اعتبار الأصناف صرف الفاضل إلى ذلك الصنف الذي فضل عنهم بأقرب البلاد.
فصل: وإن وجبت عليه الفطرة وهو في بلد وماله فيه وجب إخراجها إلى الأصناف في البلد وإن مصرفها مصرف سائر الزكوات وإن كل ماله في بلد وهو في بلد آخر ففيه وجهان: أحدهما أن الاعتبار بالبلد الذي فيه المال والثاني أن الاعتبار بالبلد الذي هو فيه لأن الزكاة تتعلق بعينه فاعتبر الموضع الذي هو فيه كالمال في سائر الزكوات.
فصل: وإذا وجبت الزكاة لقوم معينين في بلد فلم يدفع إليهم حتى مات بعضهم انتقل حقه إلى ورثته لأنه تعين حقه في حال الحياة فانتقل بالموت إلى ورثته.
فصل: ولا يجوز دفع الزكاة إلى هاشمي لقوله صلى الله عليه وسلم "نحن أهل بيت لا تحل لنا الصدقة1" ولا يجوز دفعها إلى مطلبي لقوله صلى الله عليه وسلم "إن بني هاشم وبني المطلب شيء
__________
1 رواه مسلم في كتاب الزكاة حديث 161، 168. النسائي في كتاب الزكاة باب 95، 97. الموطأ في كتاب الصدقة حديث 13. أحمد في مسنده "1/200".

(1/319)


واحد" وشبك بين أصابعه ولأنه حكم متعلق بذوي القربى فاستوى فيه الهاشمي والمطلبي كاستحقاق الخمس وقال أبو سعيد الاصطخري: إن منعوا حقهم من الخمس جاز الدفع إليهم لأنهم إنما حرموا الزكاة لحقهم في خمس الخمس فإذا منعوا الخمس وجب أن يدفع إليهم والمذهب الأول لأن الزكاة حرمت عليهم لشرفهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا المعنى لا يزول بمنع الخمس وفي مواليهم وجهان: أحدهما يدفع إليهم والثاني لا يدفع وقد بينا وجه المذهبين في سهم العامل.
فصل: ولا يجوز دفعها إلى كافر لقوله عليه الصلاة والسلام "أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها في فقرائكم".
فصل: ولا يجوز دفعها إلى غني من سهم الفقراء لقوله صلى الله عليه وسلم "لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب".
فصل: ولا يجوز دفعها إلى من يقدر على كفايته بالكسب للخبر ولأن غناه بالكسب كغناه بالمال.
فصل: ولا يجوز دفعها إلى من تلزمه نفقته من الأقارب والزوجات من سهم الفقراء لأن ذلك إنما جعل للحاجة ولا حاجة بهم مع وجوب النفقة.
فصل: فإن دفع الإمام الزكاة إلى من ظاهره الفقر ثم بان أنه غني لم يجزه ذلك عن الفرض فإن كان باقياً استرجع منه ودفع إلى فقير وإن كان فائتاً أخذ للبدل وصرف إلى فقير فإن لم يكن للمدفوع إليه مال لم يجب على رب المال ضمانه لأنه قد سقط الفرض عنه بالدفع إلى الإمام ولا يجب على الإمام لأنه أمين غير مفرط فهو كالمال الذي يتلف في يد الوكيل وإن كان الذي دفع إليه رب المال فإن لم يبين عند الدفع أنه زكاة واجبة لم يكن له أن يرجع لأنه قد يدفع عن زكاة واجبة وعن تطوع فإذا ادعى الزكاة كان متهماً فلم يقبل قوله ويخالف الإمام فإن الظاهر من حاله أنه لا يدفع إلا الزكاة

(1/320)


فثبت له الرجوع وإن كان قد بين أنها زكاة رجع فيها إن كانت باقية وفي بدلها إن كانت فائتة فإن لم يكن له للمدفوع إليه مال فهل يضمن رب المال الزكاة؟ فيه قولان: أحدهما لا يضمن لأنه دفع إليه بالاجتهاد كالإمام والثاني يضمن لأنه كان يمكنه أن يسقط الفرض بيقين بأن يدفعها إلى الإمام فإذا فرط بنفسه فقد فرط فلزمه الضمان بخلاف الإمام وإن دفع الزكاة إلى رجل ظنه مسلماً وكان كافراً أو إلى رجل ظنه حراً فكان عبداً فالمذهب أن حكمه حكم ما لو دفع إلى رجل ظنه فقيراً فكان غنياً ومن أصحابنا من قال يجب الضمان ههنا قولاً واحداً لأن حال الكافر والعبد الكافر لا يخفى فكان مفرطاً في الدفع إليهما وحال الغني قد يخفى فلم يكن مفرطاً.
فصل: ومن وجبت عليه الزكاة وتمكن من أدائها فلم يفعل حتى مات وجب قضاء ذلك من تركته لأنه حق مال لزمه في حال الحياة فلم يسقط بالموت كدين الآدمي فإن اجتمع مع الزكاة دين آدمي ولم يتسع المال للجميع ففيه ثلاثة أقوال: أحدها يقدم دين الآدمي لأنه مبناه على التشديد والتأكيد وحق الله تعالى مبني على التخفيف ولهذا لو وجب عليه قتل قصاص وقتل ردة فدم قتل القصاص والثاني تقدم الزكاة لقوله صلى الله عليه وسلم في الحج "فدين الله عز وجل أحق أن يقضى" والثالث أنه يقسم بينهما لأنهما تساويا في الوجوب فتساويا في القضاء وبالله التوفيق.

(1/321)


باب صدقة التطوع
لا يجوز أن يتصدق بصدقة تطوع وهو محتاج إلى ما يتصدق به لنفقته أو نفقة عياله لما روى أبو هريرة رضي الله عنه "أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: عندي دينار قال: أنفقه على نفسك قال: عندي آخر قال أنفقه على ولدك قال: عندي آخر قال أنفقه على أهلك قال: عندي آخر قال أنفقه على خادمك قال عندي آخر قال أنت أعلم به1"
وقال صلى الله عليه وسلم "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت2" ولا يجوز لمن عليه دين وهو محتاج إلى ما يتصدق لقوله صلى الله عليه وسلم "وليتصدق الرجل من ديناره وليتصدق من درهمه وليتصدق من صاع بره وليتصدق من صاع تمره3" وروى أبو سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
__________
1 رواه أبو داود في كتاب الزكاة باب 24. النسائي في كتاب الزكاة باب 91. أحمد في مسنده "4/ 224".
2 رواه النسائي في كتاب الزكاة باب 54. أحمد في مسنده "2/ 251، 471".
3 رواه أبو داود في كتاب الزكاة باب 45. أحمد في مسنده "2/160، 193".

(1/321)


"من أطعم مؤمناً جائعاً أطعمه الله من ثمار الجنة ومن سقى مؤمناً على ظمأ أسقاه الله تعالى من الرحيق المختوم يوم القيامة ومن كسى مؤمناً عارياً كساه الله تعالى من خضر الجنة" ويستحب الإكثار منه في شهر رمضان لما روى ابن عباس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في شهر رمضان فإن كان ممن يصبر على الإضاقة استحب له التصدق بجميع ماله لما روى عمر رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق فوافق ذلك مالاً عندي فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً فجئت بنصف مالي فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أبقيت لأهلك؟ " فقلت: أبقيت لهم مثله وأتى أبو بكر رضي الله عنه بجميع ماله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أبقيت لأهلك" فقال: أبقيت لهم الله ورسوله فقلت لا أسابقك إلى شيء أبداً وإن كان ممن لا يصبر على الإضافة كره له ذلك لما روى جابر قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل بمثل البيضة من الذهب أصابها من بعض المغازي فأتاه من ركنه الأيسر فقال: يا رسول الله خذها صدقة فوالله ما أصبحت أملك مالاً غيرها فأعرض عنه ثم جاءه من ركنه الأيمن فقال له مثل ذلك فأعرض عنه ثم جاءه من بين يديه فقال له مثل ذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "هاتها مغضباً فحذفه بها حذفة لو أصابه لأوجعه أو عقره ثم قال يأتي أحدكم بماله كله فيتصدق به ثم يجلس بعد ذلك يتكفف الناس إنما الصدقة عن ظهر غنى".
فصل: والأفضل أن يخص بالصدقة الأقارب لقوله صلى الله عليه وسلم لزينب امرأة عبد الله بن مسعود: "زوجك وولدك أحق من تصدقت عليهم" وفعلها في السر أفضل لقوله عز وجل: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:271] ولما روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلة الرحم تزيد

(1/322)


في العمر وصدقة السر تطفيء غضب الرب وصنائع المعروف تقي مصارع السوء1" وتحل صدقة التطوع للأغنياء ولبني هاشم ولبني المطلب لما روي عن جعفر بن محمد عن أبيه رضي الله عنهما انه كان يشرب من سقايا بين مكة والمدينة فقيل له: أتشرب من الصدقة؟ فقال: إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة.
__________
1 رواه الترمذي في كتاب البر باب 36.

(1/323)