المهذب في فقة الإمام الشافعي

كتاب الصداق
مدخل
...
كتاب الصداق
المستحب أن لا يعقد النكاح إلا بصداق لما روى سعد بن سهل رضي الله عنه أن امرأة قالت: قد وهبت نفسي لك يا رسول الله صلى الله عليك قر في رأيك فقال رجل: زوجنيها قال: "أطلب ولو خاتماً من حديد" فذهب فلم يجئ بشيء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هل معك من القرآن شيء" فقال: نعم فزوجه بما معه من القرآن ولأن ذلك أقطع للخصومة ويجوز من غير صداق لقوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236] فأثبت الطلاق مع عدم الرفض وروى عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل: "إني أزوجك فلانة" قال: نعم قال للمرأة: "أترضين أن أزوجك فلاناً؟ " قالت: نعم فزوج أحدهما من صاحبه فدخل عليها ولم يفرض لها به صداق فلما حضرته الوفاة قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني فلانة ولم أفرض لها صداقاً ولم أعطها شيئاً وإني قد أعطيتها عن صداقها سهمي بخيبر فأخذت سهمه فباعته بمائة ألف ولأن القصد بالنكاح الوصلة والاستمتاع دون الصداق فصح من غير صداق.
فصل: ويجوز أن يكون الصداق قليلا لقوله صلى الله عليه وسلم: "اطلب ولو خاتماً من حديد" ولأنه بدل منفعتها فكان تقدير العوض إليها كأجرة منافعها ويجوز أن يكون كبيراً لقوله عز وجل: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً} [النساء: 20] قال معاذ رضي الله عنه: القنطار ألف ومائتا أوقية وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: ملء مسك ثور ذهباً والمستحب أن يخفف لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة1" ولأنه إذا كبر أجحف وأضر ودعا إلى المقت والمستحب أن لا يزيد على خمسمائة درهم لما روى روت عائشة رضي الله عنها قالت: كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه اثنتي عشر أوقية ونشا أتدرون ما النش نصف أوقية وذلك خمسمائة درهم والمستحق الاقتداء به والتبرك بمتابعته فإن ذكر صداق في السر وصداق في العلانية فالواجب ما عقد به العقد لأن الصداق يجب بالعقد فوجب ما عقد به وإن قال: زوجتك
__________
1 رواه أحمد في مسنده "6/82، 145".

(2/462)


ابنتي بألف وقال الزوج: قبلت نكاحها بخمسمائة وجب مهر المثل لأن الزوج لم يقبل بألف والوالي لم يوجب بخمسمائة فسقط الجميع ووجب مهر المثل.
فصل: ويجوز أن يكون الصداق ديناً وعيناً وحالاً ومؤجلاً لأنه عقد على المنفعة فجاز بما ذكرناه كالإجازة.
فصل: ويجوز أن يكون منفعة كالخدمة وتعليم القرآن وغيرهما من المنافع المباحة لقوله عز وجل: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] فجعل الرعي صداقا وزوج النبي صلى الله عليه وسلم الواهبة من الذي خطبها بما معه من القرآن ولا يجوز أن يكون محرماً كالخمر وتعليم التوراة وتعليم القرآن للذمية لا تتعلمه للرغبة في الإسلام ولا ما فيه غرر كالمعدوم والمجهول وما لم يتم ملكه عليه كالمبيع فبل القبض ولا ما لا يقدر على تسليمه كالعبد الآبق والطير الطائر لأنه عوض في عقد فلا يجوز بما ذكرناه كالعوض في البيع والإجارة فإن تزوج على شيء من ذلك لم يبطل النكاح لأن فساده ليس أكثر من عدمه فإذا صح النكاح مع عدمه صح مع فساده ويجب مهر المثل لأنها لم ترضى من غير بدل ولم يسلم لها البدل وتعذر رد المعوض فوجب رد بدله كما لو باع سلعة بمحرم وتلفت بيد المشتري.
فصل: فإن تزوج كافر بكافرة على محرم كالخمر والخنزير ثم أسلما أو تحاكما إلينا قبل الإسلام نظرت فإن كان قبل القبض سقط المسمى ووجب مهر المثل لأنه لا يمكن إجباره على تسليم المحرم وإن كان بعد القبض برئت ذمته منه كما لو تبايعا بيعاً فاسداً وتقابضا وإن قبض البعض برئت ذمته من المقبوض ووجب بقدر ما بقي من مهر المثل فإن كان الصداق عشرة أزقاق خمر فقبضت منها خمسة ففيه وجهان: أحدهما يعتبر بالعدد فيبرأ من النصف ويجب لها نصف مهر المثل لأنه لا قيمة لها فكان الجميع واحداً فيها فسقط نصف الصداق ويجب نصف مهر المثل والثاني يعتبر بالكيل لأنه أحصر وإن أصدقها عشرة من الخنازير وقبضت منها خمسة ففيه وجهان: أحدهما يعتبر بالعدد فتبرأ من النصف ويجب لها نصف مهر المثل لأنه لا قيمة لها فكان الجميع واحداً والثاني يعتبر بما له قيمة وهو الغنم لو كانت غنماً كم كانت قيمة ما قبض منها فيبرأ منه بقدره ويجب بحصة ما بقي من مهر المثل لأنه لما لم تكن له قيمة اعتبر بما له قيمة كما يعتبر الحر بالعبد فيما ليس له أرش مقدر من الجنايات.

(2/463)


فصل: وإن أعتق رجل على أن تتزوج به ويكون عتقها صداقها وقبلت لم يلزمها أن تتزوج به لأنه سلف في عقد فلم يلزم كما لو قال لامرأة خذي هذا الألف على أن تتزوجي بي وتعتق الأمة لأنه أعتقها على شرط باطل فسقط الشرط وثبت العتق كما لو قال لعبده: إن ضمنت لي خمراً فأنت حر فضمن ويرجع عليها بقيمتها لأنه لم يرض في عتقها إلا بعوض ولم يسلم له فتعذر الرجوع إليها فوجبت قيمتها كما لو باع عبداً بعوض محرم وتلف العبد في يد المشتري وإن تزوجها بعد العتق على قيمتها وهما لا يعلمان قدرها فالمهر فاسد وقال أبو علي بن خيران: يصح كما لو تزوجها على عبد لا يعلمان قيمته وهذا خطأ لأن المهر هناك هو العبد وهو معلوم والمهر ههنا هو القيمة وهي مجهولة فلم يجز وإن أراد حياة يقع بها العتق وتتزوج به ففيه وجهان: أحدهما وهو قول أبي علي بن خيران أنه يملك ذلك بأن يقول إن كان في معلوم الله تعالى إني إذا أعتقتك تزوجت بي فأنت حرة فإذا تزوجت به علمنا أنه قد وجد شرط العتق وإن لم تتزوج به علمنا أنه لم يوجد شرط العتق والثاني هو قول أكثر أصحابنا أنه لا يصح ذلك ولا يقع العتق ولا يصح النكاح لأنه حال ما تتزوج به نشك أنها حرة أو أمة والنكاح مع الشك لا يصح فإذا لم يصح النكاح لم تعتق لأنه لم يوجد شرط العتق وإن أعتقت امرأة عبداً على أن يتزوج بها وقبل العبد ولا يلزمه أن يتزوج بها لما ذكرناه في الأمة ولا يلزمه قيمته لأن النكاح حق للعبد فيصير كما لو أعتقته بشرط أن تعطيه مع العتق شيئاً آخر ويخاف الأمة فإن نكاحها حق للمولى فإذا لم يسلم له رجع عليها بقيمتها وإن قال رجل لآخر أعتق عبدك عن نفسك على أن أزوجك ابنتي فأعتقه لم يلزمه التزويج لما ذكرناه وهل تلزمه قيمة العبد فيه وجهان بناء على القولين فيمن قال لغيره أعتق عبدك عن نفسك وعلى ألف فأعتقه لم يلزمه التزويج لما ذكرناه وهل تلزمه قيمة العبد فيه وجهان بناء على القولين فيمن قال لغيره أعتق عبدك عن نفسك وعلى ألف فأعتقه أحدهما يلزمه كما لو قال أعتق عبدك عني على ألف والثاني لا يلزمه لأنه بذل العوض على ما لا منفعة له فيه.
فصل: ويثبت بالصداق خيار الرد بالعيب لأن إطلاق العقد يقتضي السلامة من العيب فثبت فيه خيار الرد كالعوض في البيع ولا يثبت فيه خيار الشرط ولا خيار المجلس لأنه أحد عوضي النكاح فلم يثبت فيه خيار الشرط وخيار المجلس كالبضع ولأن خيار الشرط وخيار المجلس جعلا لدفع الغبن والصداق لم يبن على المغابنة فإن شرط فيه خيار الشرط فقد قال الشافعي رحمه الله: يبطل النكاح فمن أصحابنا من جعله قولاً لأنه أحد عوضي النكاح فبطل النكاح بشرط الخيار فيه كالبضع ومنهم من قال: لا يبطل وهو

(2/464)


الصحيح كما لا يبطل إذا جعل المهر خمراً أو خنزيراً وما قال الشافعي رحمه الله محمول على ما إذا شرط في المهر والنكاح ويجب مهر المثل لأن شرط الخيار لا يكون إلا بزيادة جزء أو نقصان جزء فإذا سقط الشرط وجب إسقاط ما في مقابلته فيصير الباقي مجهولاً فوجب مهر المثل وإن تزوجها بألف على أن لا يتسرى عليها أو لا يتزوج عليها بطل الصداق لأنه شرط باطل أضيف إلى الصداق فأبطله ويجب مهر المثل لما ذكرناه في شرط الخيار.
فصل: وتملك المرأة المسمى بالعقد إن كان صحيحاً ومهر المثل إن كان فاسداً لأنه عقد يملك المعوض فيه بالعقد فملك العوض فيه بالعقد كالبيع وإن كانت المنكوحة صغيرة أو غير رشيدة سلم المهر إلى من ينظر في مالها وإن كانت بالغة رشيدة وجب تسليمه إليها ومن أصحابنا من خرج في البكر البالغة قولاً آخر أنه يجوز أن يدفع إليها أو إلى أبيها وجدها لأنه يجوز إجبارها على النكاح فجاز للولي قبض صداقها بغير إذنها كالصغيرة فإن قال الزوج لا أسلم الصداق حتى تسلم نفسها فقال المرأة لا أسلم نفسي حتى أقبض الصداق ففيه قولان: أحدهما لا يجبر واحد منهما بل يقال: من سلم منكما أجبرنا الآخر والثاني يؤمر الزوج بتسليم الصداق إلى عدل وتؤمر المرأة بتسليم نفسها فإذا سلمت نفسها أمر العدل بدفع الصداق إليها كالقولين فيمن باع سلعة بثمن معين وقد بينا القولين في البيوع فإذا قلنا بالقول الأول لم تجب لها النفقة في حال امتناعها لأنها ممتنعة بغير حق وإن قلنا بالقول الثاني وجبت لها النفقة لأنها ممتنعة بحق وإن تبرعت وسلمت نفسها ووطئها الزوج أجبر على دفع الصداق وسقط حقها من الامتناع لأن الوطء استقر لها جميع البدل فسقط حق المنع كالبائع إذا سلم المبيع قبل قبض الثمن.
فصل: فإن كان الصداق عيناً لم تملك التصرف فيه قبل القبض كالمبيع وإن كان ديناً فعلى القولين في الثمن وإن كان عيناً فهلكت قبل القبض هلك من ضمان الزوج كما يهلك المبيع قبل القبض من ضمان البائع وهل ترجع إلى مهر المثل أو إلى بدل العين ففيه قولان قال في القديم ترجع إلى بدل العين لأنه عين يجب تسليمها لا يسقط الحق بتلفها فوجب الرجوع إلى بدلها كالمغصوب فعلى هذا إن كان مما له مثل وجب مثله وإن لم يكن له مثل وجبت قيمته أكثر ما كانت من حين العقد إلى أن تلف كالمغصوب ومن أصحابنا من قال: تجب قيمته يوم التلف لأنه وقت الفوات والصحيح هو الأول لأن هذا يبطل بالمغصوب وقال في الجديد: ترجع إلى مهر المثل لأنه عوض معين تلف قبل

(2/465)


القبض وتعذر الرجوع إلى المعوض فوجب الرجوع إلى بدل المعوض كما لو اشترى ثوباً بعبد فقبض الثوب ولم يسلم العبد وتلف عنده فإنه يجب قيمة الثوب وإن قبضت الصداق ووجدت به عيباً فردته أو خرج مستحقاً رجعت في قوله القديم إلى بدله وفي قوله الجديد إلى مهر المثل وإن كان الصداق تعليم سورة من القرآن فتعلمت من غيره أو لم تتعلم لسوء حفظها فهو كالعين إذا تلفت فترجع في قوله القديم إلى أجرة المثل وفي قوله الجديد إلى مهر المثل.
فصل: ويستقر الصداق بالوطء في الفرج لقوله عز وجل: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} وفسر الإفضاء بالجماع وهل يستقر بالوطء في الدبر فيه وجهان: أحدهما يستقر لأنه موضعي يجب بالإيلاح فيه الحد فأشبه الفرج والثاني لا يستقر لأن المهر في مقابلة ما يملك بالعقد والوطء في الدبر غير مملوك فلم يستقر به المهر ويستقر بالموت قبل الدخول وقال أبو سعيد الإصطخري: إن كانت أمة لا يستقر بموتها لأنها كالسلعة تباع وتبتاع والسلعة المبيعة إذا تلفت قبل التسليم سقط الثمن فكذلك إذا ماتت الأمة وجب أن يسقط المهر والمذهب أن يستقر لأن النكاح إلى الموات فإذا ماتت انتهى النكاح فاستقر البدل كالإجارة إذا انقضت مدتها واختلف قوله في الخلوة فقال في القديم تقرر المهر لأنه عقد على المنفعة فكان التمكين فيه كالاستيفاء في تقرر البدل كالإجارة وقال في الجديد: لا تقرر لأنها خلوة فلا تقرر المهر كالخلوة في غير النكاح.
فصل: وإن وقعت فرقة بعد الدخول لم يسقط من الصداق شيء لأنه استقر فلم يسقط فإن أصدقها سورة من القرآن وطلقها بعد الدخول وقبل أن يعلمها ففيه وجهان: أحدهما يعلمها من وراء حجاب كما يستمع منها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والثاني لا يجوز أن يعلمها لأنه لا يؤمن الافتتان بها ويخالف الحديث فإنه ليس له بدل فلو منعناه من سماعه منها أدى إلى إضاعته وفي الصداق لا يؤدي إلى إبطاله لأن في قوله الجديد ترجع إلى مهر المثل وفي قوله القديم ترجع إلى أجرة التعليم وإن وقعت الفرقة قبل الدخول نظرت فإن كانت بسبب من جهة المرأة بأن أسلمت أو ارتدت أو أرضعت من ينفسخ النكاح برضاعه سقط مهرها لأنها أتلفت المعوض قبل التسليم فسقط البد كالبائع إذا أتلف المبيع قبل التسليم وإن كانت بسبب من جهته نظرت فإن كانت بطلاق سقط نصف

(2/466)


المسمى لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] وإن بإسلامه أو بردته سقط نصفه لأنه فرق انفرد الزوج بسببها قبل الدخول فتنصف بها المهر كالطلاق وإن كان بسبب منها نظرت فإن بخلع سقط نصفه لأن المغلب في الخلع جهة الزوج بدليل أنه يصح الخلع به دونهما وهو إذا خالع مع أجنبي فسار كما لو انفرد به وإن كان بردة منها ففيه وجهان: أحدهما يسقط نصفه لأن حال الزوج في النكاح أقوى فسقط نسفه كما لو ارتد وحده والثاني يسقط الجميع لأن المغلب في المهر جهة المرأة لأن المهر لها فسقط جميعه كما لو انفردت بالردة فإن اشترت المرأة زوجها قبل الدخول ففيه وجهان: أحدهما يسقط النصف لأنه البيع تم بالزوجة والسيد وهو قائم مقام الزوج فصار كالفرقة الواقعة بالخلع والثاني يسقط جميع المهر لأن البيع تم بها دون الزوج فسقط جميع المهر كما لو أرضعت من يفسخ النكاح برضاعه.
فصل: وإن قتلت المرأة نفسها فالمنصوص أنه لا يسقط مهرها وقال في الأمة: إذا قتلت نفسها أو قتلها مولاها أنه يسقط مهرها فنقل أبو العباس جوابه في كل واحدة منهما إلى الأخرى وجعلها على قولين: أحدهما يسقط المهر لأنها فرقة حصلت من جهتها قبل الدخول فسقط بها المهر كما لو ارتدت والثاني لا يسقط وهو اختير المزني وهو الصحيح لأنها فرقة حصلت بانقضاء الأجل وانتهاء النكاح فلا يسقط بها المهر كما لو ماتت وقال أبو إسحاق: لا يسقط في الحرة ويسقط في الأمة على ما نص عليه لأن الحرة كالمسلمة نفسها بالعقد ولهذا يملك منعها من السفر والأمة لا تصير كالمسلمة نفسها بالعقد ولهذا لا يملك منعها من السفر مع المولى وإن قتلها الزوج استقر مهرها لأن إتلاف الزوج كالقبض كما أن إتلاف المشتري للمبيع في يد البائع كالقبض في تقرير الثمن.
فصل: ومتى ثبت الرجوع في النصف لم يخل إما أن يكون الصداق تالفاً أو باقياً فإن كان تالفاً فإن كان مما له مثل رجع بنصف مثله وإن لم يكن له مثل رجع بقيمة نصفه أقل ما كانت من يوم العقد إلى يوم القبض لأنه إن كانت قيمته يوم العقد أقل ثم زادت كانت الزيادة في ملكها فلم يرجع بنصفها وإن كانت قيمته يوم العقد أكثر ثم نقص كان النقصان مضموناً عليه فلم يرجع بما هو مضمون عليه وإن كان باقياً لم يخل إما أن يكون باقياً على حالته أو زائداً أو ناقصاً أو زائداً من وجه ناقصاً من وجه فإن كان على حالته رجع في نصفه ومتى يملك فيه وجهان: أحدهما وهو قول أبي إسحاق أنه لا يملك

(2/467)


إلا باختيار التملك لأن الإنسان لا يملك شيئاً بغير اختياره إلا الميراث فعلى هذا إن حدثت منه زيادة قبل الاختيار كانت لها الثاني وهو المنصوص أنه يملك بنفس الفرقة لقوله عز وجل: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} فعلق استحقاق النصف بالطلاق فعلى هذا إن حدثت منه زيادة كانت بينهما وإن طلقها والصداق زائد نظرت فإن كانت زيادة متميزة كالثمرة والنتاج واللبن رجع بنصف الأصل وكانت الزيادة لها لأنها زيادة متميزة حدثت في ملكها فلم تتبع الأصل في الرد كما قلنا في الرد بالعيب في البيع وإن كانت الزيادة غير متميزة كالسمن وتعليم الصنعة فالمرأة بالخيار بين أن تدفع النصف بزيادته وبين أن تدفع قيمة النصف فإن دفعت النصف أجبر الزوج على أخذه لأنه نصف المفروض مع زيادة لا تتميز وإن دفعت قيمة النصف أجبر على أخذها لأن حقه في نصف المفروض والزائد غير المفروض فوجب أخذ البدل وإن كانت المرأة مفلسة ففيه وجهان: أحدهما وهو قول أبي إسحاق أنه يجوز للزوج أن يرجع بنصف العين مع الزيادة لأنه لا يصل إلى حقه من البدل فرجع بالعين مع الزيادة كما يرجع البائع في المبيع مع الزيادة عند إفلاس المشتري والثاني وهو قول أكثر أصحابنا أنه لا يرجع لأنه ليس من جهة المرأة تفريط فلا يؤخذ منها ما زاد في ملكها بغير رضاها ويخالف إذا أفلس المشتري فإن المشتري فرط في حبس الثمن إلى إن أفلس فرجع البائع في العين مع الزيادة فإن كان الصداق نخلاً وعليها طلع غير مؤبر فبذلت المرأة نصفها مع الطلع ففيه وجهان: أحدهما لا يجبر الزوج على أخذها لأنها هبة فلا يجبر على قبولها والثاني يجبر وهو المنصوص لأنه نماء غير متميز فأجبر على أخذها كالسمن وإن بذلت نصف النخل دون الثمرة لم يجبر الزوج على أخذها وقال المزني يلزمنه أن يرجع فيه وعليه ترك الثمرة إلى أوان الجذاذ كما يلزم المشتري ترك الثمرة إلى أوان الجذاذ وهذا خطأ لأنه قد صار حقه في القيمة فلا يجبر على أخذ العين ولأن عليه ضرراً في ترك الثمرة على نخله فلم يجبر ويخالف المشتري فإن دخل في العقد عن تراض فأقرا على ما تراضيا عليه فإن طلب الزوج الرجوع بنصف النخل وترك الثمرة إلى أوان الجذاذ ففيه وجهان: أحدهما لا تجبر المرأة لأنه صار حقه في القيمة والثاني تجبر عليه لأن الضرر زال عنها ورضي الزوج بما يدخل عليه من الضرر وإن طلقا والصداق ناقص بأن كان عبداً فعمي أو مرض فالزوج بالخيار بين أن يرجع بنصفه ناقصاً وبين أن يأخذ قيمة النصف فإن رجع في النصف أجبرت المرأة على دفعه لأنه رضي بأخذ حقه ناقصاً وإن طلب القيمة أجبرت على الدفع لأن الناقص دون حقه وإن طلقها والصداق زائد من

(2/468)


وجه ناقص من وجه بأن كان عبداً فتعلم صنعة ومرض فإن تراضيا على أخذ نصفه جاز لأن الحق لهما وإن امتنع الزوج من أخذه لم يجبر عليه لنقصانه وإن امتنعت المرأة من دفعه لم تجبر عليه لزيادته وإن كان الصداق جارية فحبلت فهي كالعبد إذا تعلم صنعة ومرض لأن الحمل زيادة من وجه ونقصان من وجه آخر لأنه يخاف منه عليها فكان حكمه حكم العبد وإن كان بهيمة فحملت ففيه وجهان: أحدهما أن المرأة بالخيار بين أن تسلم النصف مع الحمل وبين أن تدفع القيمة لأنه زيادة من غير نقص لأن الحمل لا يخاف منه على البهيمة والثاني وهو ظاهر النص أنه كالجارية لأنه زيادة من وجه ونقصان من وجه فإن ينقص به اللحم فيما يؤكل ويمنع من الحمل عليه فيما يحمل فكان كالجارية وإن باعته ثم رجع إليها ثم طلقها الزوج رجع بنصفه لأنه يمكن الرجوع إلى عين ماله فلم يرجع إلى القيمة وإن وصت به أو وهبته ولم يقبض ثم طلقها رجع بنصفه لأنه باق على ملكها وتصرفها وإن كاتبته أو وهبته وأقبضته ثم طلقها رجع بنصفه لأنه باق على ملكها وتصرفها وإن كاتبته أو وهبته وأقبضته ثم طلقها فقد روى المزني أنه يرجع فمن أصحابنا من قال يرجع لأنه باق على ملكها ومنهم من قال أنه لا يرجع لأنه لا يملك نقض تصرفها ومنهم من قال فيه قولان: إن قلنا أن التدبير وصية فله الرجوع وإن قلنا أنه عتق بصفة رجع بنصف قيمته.
فصل: وإن كان الصداق عيناً فوهبته من الزوج ثم طلقها قبل الدخول ففيه قولان: أحدهما لا يرجع عليها وهو اختير المزني لأن النصف تعجل له بالهبة والثاني يرجع وهو الصحيح لأنه عاد إليه بغير الطلاق فلم يسقط حقه من النصف بالطلاق كما لو وهبته لأجنبي ثم وهبه الأجنبي منه وإن كان ديناً فأبرأته منه ثم طلقها قبل الدخول فإن قلنا أنه لا يرجع في الهبة لم يرجع في الإبراء وإن قلنا يرجع في الهبة ففي الإبراء وجهان: أحدهما يرجع كما يرجع في الهبة والثاني لا يرجع لأن الإبراء إسقاط لا يفتقر إلى القبول والهبة تمليك تفتقر إلى القبول فإن أصدقها عيناً فوهبتها منه ثم ارتدت قبل الدخول فهل يرجع بالجميع فيه قولان لأن الرجوع بالجميع في الردة كالرجوع بالنصف في الطلاق وإن اشترى سلعة بثمن وسلم الثمن ووهب البائع الثمن منه ثم وجد بالسلعة عيباً ففي ردها والرجوع بالثمن وجهان بناء على القولين فإن وجد به عيباً وحدث به عند عيب آخر فهل يرجع بالأرش فيه وجهان بناء على القولين: وإن اشترى سلعة ووهبها من البائع ثم أفلس المشتري فللبائع أن يضرب مع الغرماء بالثمن قولاً واحداً لأن حقه في الثمن ولم يرجع إليه الثمن.

(2/469)


فصل: إذا طلقت المرأة قبل الدخول ووجب لها نصف المهر جاز للذي بيده عقدة النكاح أن يعفو عن النصف لقوله عز وجل: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] وفيمن بيده عقد النكاح قولان قال في القديم: هو الولي فيعفو عن النصف الذي لها لأن الله تعالى خاطب الأزواج فقال سبحانه وتعالى: {وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] ولو كان الزوج لقال: إلا أن يعفون أو تعفو لأنه تقدم ذكر الأزواج وخاطبهم بخطاب الحاضر فلما عدل عن خطابهم دل على أن الذي بيده عقدة النكاح غير الزوج فوجب أن يكون هو الولي وقال في الجديد: هو الزوج فيعفو عن النصف الذي وجب له بالطلاق فأما الولي فلا يملك العفو لأنه حق لها فلا يمللك العفو عنه كسائر ديونها وأما الآية فتحتمل أن يكون المراد به هو الأزواج فخاطبهم بخطاب الحاضر ثم خاطبهم بخطاب الغائب كما قال الله عز وجل: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس: 22] فإذا قلنا إن الذي بيده عقدة النكاح هو الولي لم يصح العفو منه إلا بخمسة شروط: أحدهما أن يكون أباً أو جداً لأنهما لا يتهمان فيما يريان من حظ الولد ومن سواهما متهم والثاني أن تكون المنكوحة بكراً فأما الثيب لا يجوز العفو عن مالها لأنه لا يملك الولي تزويجها والثالث أن يكون العفو بعد الطلاق وأما قبله فلا يجوز لأنه لا حظ لها في العفو قبل الطلاق لأن البضع معرض للتلف فإذا عفا ربما دخل بها فتلفت منفعة بضعها من غير بدل والرابع أن يكون قبل الدخول فأما بعد الدخول فقد أتلف بضعها فلم يجز إسقاط بدله والخامس أن تكون صغيرة أو مجنونة فأما البالغة الرشيدة فلا يملك العفو عن مهرها لأنه لا ولاية عليها في المال.
فصل: وإن فوضت بضعها بأن تزوجت وسكت عن المهر أو تزوجت على أن لا مهر لها ففيه قولان: أحدهما لا يجب لها مهر بالعقد وهو الصحيح لأنه لو وجب لها المهر بالعقد لتنصف بالطلاق والثاني يجب لأنه لو لم يجب لم استقر بالدخول ولها أن تطالب بالفرض لأن إخلاء العقد عن المهر خالص لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قلنا يجب بالعقد فرض لها مهر المثل لأن البضع كالمستهلك فضمن بقيمته كالسلعة المستهلكة في يد المشتري ببيع فاسد وإن قلنا لا يجب لها المهر بالعقد فرض لها ما يتفقان عليه لأنه ابتداء إيجاب فكان إليهما كالفرض في العقد ومتى فرض لها مهر المثل أو ما يتفقان عليه صار ذلك كالمسمى في الاستقرار بالدخول والموت والتنصف بالطلاق لأنه مهر مفروض

(2/470)


فصار كالمفروض في العقد وإن لم يفرض لها حتى طلقها لم يجب لها شئ من المهر لقوله عز وجل: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [النساء: 238] فدل على أنه إذا لم يفرض يجب النصف وإن لم يفرض لها حتى وطئها استقر لها مهر المثل لأن الوطء في النكاح من غير مهر خالص لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإن ماتا أو أحدهم قبل الفرض ففيه قولان: أحدهما لا يجب لها المهر لأنه مفوضة فارقت زوجها قبل الفرض والمسيس فلم يجب لها مهر كما لو طلقت والثاني يجب لها المهر لما روى علقمة قال أتى عبد الله في رجل تزوج امرأة فمات عنها ولم يكن فرض لها شيئاً ولم يدخل بها فقال أقول فيها برأيي لها صداق نسائها وعليها العدة ولها بمثل ما قضيت ففرج بذلك ولأن الموت معنى يستقر به المسمى فاستقر به مهر المفوضة كالوطء وإن تزوجت على أن لا مهر لها في الحال ولا في الثاني ففيه وجهان: أحدهما أن النكاح باطل لأن النكاح من غير مهر لم يكن إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتصير كما لو نكح نكاحاً ليس له والثاني يصح لأنه يلغي قولها لا مهر لي في الثاني لأنه شرط باطل في الصداق فسقط وبقي العقد فعلى هذا يكون حكمه حكم القسم قبله.
فصل: ويعتبر مهر المثل بمهر نساء العصبات لحديث علقمة عن عبد الله وتعتبر بالأقرب فالأقرب منهن وأقربهن الأخوات وبنات الإخوة والعمات وبنات الأعمام فإن لم يكن لها نساء عصبات اعتبر بأقرب النساء إليها من الأمهات والخالات لأنهن أقرب إليها فإن لم يكن لها أقارب اعتبر بنساء بلدها ثم بأقرب النساء شبهاً بها ويعتبر بمهر من هي على صفتها في الحسن والعقل والعفة واليسار لأنه قيمة متلف فاعتبر فيها الصفات التي يختلف بها العوض والمهر يختلف بهذه الصفات ويجب من نقد البلد كقيم المتلفات.
فصل: وإذا أعسر الرجل بالمهر ففيه طريقان: من أصحابنا من قال: إن كان بعد الدخول لم يجز الفسخ لأن البضع صار كالمستهلك بالوطء فلم تفسخ بالإفلاس كالبيع بعد هلاك السلعة ومن أصحابنا من قال: إن كان قبل الدخول ثبت الفسخ وإن كان بعد الدخول ففيه قولان: أحدهما لا يثبت لها الفسخ لما ذكرناه والثاني يثبت لها الفسخ وهو الصحيح لأن البضع لا يتلف بوطء واحد فجاز الفسخ والرجوع إليه ولا يجوز الفسخ إلا بالحاكم لأنه مختلف فيه فافتقر إلى الحاكم كفسخ النكاح بالعيب.

(2/471)


فصل: إذا زوج الرجل أبنه الصغير وهو معسر ففيه قولان: قال في القديم يجب المهر على الأب لأنه لما زوجه مع العلم بوجوب المهر والإعسار كان ذلك رضا بالتزامه وقال في الجديد يجب على الابن وهو الصحيح لأن البضع له فكان المهر عليه.
فصل: وإن تزوج العبد بإذن المولى فإن كان مكتسباً وجب المهر والنفقة في كسبه لأنه لا يمكن إيجاب ذلك على المولى لأنه لم يضمن ولا في رقبة العبد لأنه وجب برضا من له الحق ولا يمكن إيجابه في ذمته لأنه في مقابلة الاستمتاع فلا يجوز تأخيره عنه فلم يبق إلا الكسب فتعلق به ولا يتعلق إلا بالكسب الحادث بعد العقد فإن كان المهر مؤجلاً تعلق بالكسب الحادث بعد حلوله لأن ما كسبه قبله للمولى ويلزم المولى تمكينه من الكسب بالنهار ومن الاستمتاع بالليل لأن إذنه في النكاح يقتضي ذلك فإن لم يكن مكتسباً وكان مأذوناً له بالتجارة فقد قال في الأم: يتعلق بما في يده فمن أصحابنا من حمله على ظاهره لأنه دين لزمه بعقد أذن فيه المولى فقضى مما في يده كدين التجارة ومن أصحابنا من قال: يتعلق بما يحصل من فضل المال لأن ما في يده للمولى فلا يتعلق به كما لا يتعلق بما في يده من الكسب وإنما يتعلق بما يحدث وحمل كلام الشافعي رحمه الله على ذلك وإن لم يكن مكتسباً ولا مأذوناً له بالتجارة ففيه قولان: أحدهما يتعلق بالمهر والنفقة بذمته يتبع به إذا أعتق لأنه دين لزمه برضا من له الحق فتعلق بذمته كدين القرض فعلى هذا للمرأة أن تفسخ إذا أرادت والثاني يجب في ذمة السيد لأنه لما أذن له في النكاح مع العلم بالحال صار ضامناً للمهر والنفقة وإن تزوج بغير إذن المولى ووطئ فقد قال في الجديد: يجب في ذمته يتبع به إذا أعتق لأنه حق وجب برضا من له الحق فتعلق بذمته كدين القرض وقال في القديم يتعلق برقبته لأن الوطء كالجناية وإن أذن له بالنكاح فنكح نكاحاً فاسداً ففيه قولان: أحدهما أن الإذن يتضمن الصحيح والفاسد لأن الفاسد كالصحيح في المهر والعدة والنسب فعلى هذا حكمه حكم الصحيح وقد بيناه والثاني وهو الصحيح أنه لا يتضمن الفاسد لأن الإذن يقتضي عقداً يملك به فعلى هذا حكمه حكم ما لو تزوج بغير إذنه وقد بيناه.

(2/472)


باب اختلاف الزوجين في الصداق
إذا اختلف الزوجان في قدر المهر أو في أجله تحالفا لأنه عقد معاوضة فجاز أن يثبت التحالف في قدر عوضه وأجله كالبيع وإذا تحالفا لم ينفسخ النكح لأن التحالف

(2/472)


يوجب الجهل بالعوض والنكاح لا يبطل بجهالة العوض ويجب مهر المثل لأن المسمى سقط وتعذر الرجوع إلى المعوض فوجب بدله كما لو تحالفا في الثمن بعد هلاك المبيع في يد المشتري وقال أبو على بن خيران: إن زاد مهر المثل على ما تدعيه المرأة لم تجب الزيادة لأنها لم تدعيها وقد بينا فساد قوله في البيع وإن ماتا أو أحدهما قام الوارث مقام الميت لما ذكرناه في البيع فإن اختلف الزوج وولى الصغيرة في قدر المهر ففيه وجهان: أحدهما يحلف الزوج ويوقف يمين المنكوحة إلى أن تبلغ ولا يحلف الولي لأن الإنسان لا يحلف لإثبات الحق لغيره والثاني أنه يحلف وهو الصحيح لأنه باشر العقد فحلف كالوكيل في البيع فإن بلغت المنكوحة قبل التحالف لم يحلف الولي لأنه لا يقبل إقراره عليها فلم يحلف وهذا فيه نظر لأن الوكيل يحلف وإن لم يقبل إقراره وإن ادعت المرأة أنها تزوجت به يوم السبت بعشرين ويوم الأحد بثلاثين وأنكر الزوج أحد العقدين وأقامت المرأة البينة على العقدين وادعت المهرين قضى لها لأنه يجوز أن يكون تزوجها يوم السبت ثم خالعها ثم تزوجها يوم الأحد فلزمه المهران.
فصل: وإن اختلفا في قبض المهر فادعاه الزوج وأنكرت المرأة فالقول قولها لأن الأصل عدم القبض وبقاء المهر وإن كان الصداق تعليم سورة فادعى الزوج أنه علمها وأنكرت المرأة فإن كانت لا تحفظ السورة فالقول قولها لأن الأصل عدم التعليم وإن كانت تحفظها ففيه وجهان: أحدهما أن القول قولها لأن الأصل أنه لم يعلمها والثاني أن القول قوله لأن الظاهر أنه لم يعلمها غيره وإن دفع لها شيئاً وادعى أنه دفعه عن الصداق وادعت المرأة أنه هدية فإن اتفقا على أنه لم يتلفظ بشيء فالقول قوله من غير يمين لأن الهدية لم تصح بغير قول وإن اختلفا في اللفظ فادعى الزوج أنه قال هذا عن صداقك وادعت المرأة أنه قال هو هدية فالقول قول الزوج لأن الملك له فإذا اختلفا في انتقاله كان القول في الانتقال قوله كما لو دفع إلى رجل ثوباً فادعى أنه باعه وادعى القابض أنه وهبه له.
فصل: وإن اختلفا في الوطء فادعته المرأة وأنكر الزوج فالقول قوله لأن الأصل عدم الوطء فإن أتت بولد يلحقه نسبه ففي المهر قولان: أحدهما يجب لأن إلحاق النسب يقتضي وجود الوطء والثاني لا يجب لأن الولد يلحق بالإمكان والمهر لا يجب إلا بالوطء والأصل عدم الوطء.
فصل: وإن أسلم الزوجان قبل الدخول فادعت المرأة أنه سبقها بالإسلام فعليه نصف المهر وادعى الزوج أنها سبقته فلا مهر لها فالقول قول المرأة لأن الأصل بقاء

(2/473)


المهر وإن اتفقا على أن أحدهما سبق ولا يعلم عين السابق منهما فإن كان المهر في يد الزوج لم يجز للمرأة أن تأخذ منه شيئاً لأنها تشك في الاستحقاق وإن كان في يد الزوجة رجع الزوج بنصفه لأنه يتيقن استحقاقه ولا يأخذ من النصف الآخر شيئاً لأنه شك في استحقاقه.
فصل: وإن أصدقها عيناً ثم طلقها قبل الدخول وقد حدث بالصداق عيب فقال الزوج حدث بعد ما إلي فعليك أرشه وقالت المرأة بل حدث قبل عوده إليك فلا يلزمني أرشه فالقول قول المرأة لأن الزوج يدعي وقوع الطلاق قبل النقص والأصل عدم الطلاق والمرأة تدعي حدوث النقص قبل الطلاق والأصل عدم النقص فتقابل الأمران فسقطا والأصل براءة ذمتها.
فصل: وإذا وطئ امرأة بشبهة أو في نكاح فاسد لزمه المهر لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل" فإن مسها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن أكرهها على الزنا وجب عليه المهر لأنه وطء سقط فيه الحد عن الموطوءة بشبه والواطئ من أهل الضمان في حقها فوجب عليه المهر كما لو وطئها في نكاح فاسد فإن طاوعته على الزنا نظرت فإن كانت حرة لم يجب لها المهر لما روى أبو مسعود البدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن وإن كانت أمة لم يجب لها المهر على المنصوص للخبر ومن أصحابنا من قال: يجب لأن المهر حق للسيد فلم يسقط بإذنها كأرش الجناية.
فصل: وإن وطئ المرأة وادعت المرأة أنه استكرهها وادعى الواطئ أنها طاوعته ففيه قولان: أحدهما القول قول الواطيء لأن الأصل براءة ذمته والثاني قول الموطوءة لأن الواطئ متلف ويشبه أن يكون القولان مثبتين على القولين في اختلاف رب الدابة وراكبها ورب الأرض وزارعها.
فصل: وإن وطئ المرتهن الجارية المرهونة بإذن الراهن وهو جاهل بالتحريم ففيه قولان: أحدهما لا يجب المهر لأن البضع للسيد وقد أذن له ائتلافه فسقط بدله كما لو أذن له في قطع عضو منها والثاني يجب لأنه وطء سقط عنه الحد للشبه فوجب عليه المهر كما لو وطئ في نكاح فاسد فإن أتت منه بولد ففيه طريقان: من أصحابنا من قال فيه قولان كالمهر لأنه متولد من مأذون فيه فإذا كان في بدل المأذون فيه قولان كذلك

(2/474)


وجب أن يكون في بدل ما تولد منه قولان وقال أبو إسحاق: تجب قيمة الولد يوم سقط قولاً واحداً لأنها تجب بالإحبال ولم يوجد الإذن في الإحبال والطريق الأول أظهر لأنه وإن لم يأذن في الإحبال إلا أنه أذن في سببه إذا طلقت المرأة لم يخل إما أن يكون قبل الدخول أو بعده فإن كان قبل الدخول نظرت فإن لم يفرض لها مهر وجب لها المتعة لقوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] ولأنه لحقها بالنكاح ابتذال وقلت الرغبة فيها بالطلاق فوجب لها المتعة وإن فرض لها المهر لم تجب لها المتعة لأنه لما أوجب بالآية لمن لم يفرض لها دل على أنه لا يجب لمن فرض لها ولأنه حصل لها في مقابلة الابتذال نصف المسمى فقام ذلك مقام المتعة وإن كان بعد الدخول ففيه قولان: قال في القديم: لا تجب لها المتعة لأنها مطلقة من نكاح لم يخل من عوض فلم تجب لها المتعة كالمسمى لها قبل الدخول وقال في الجديد: تجب لقوله تعالى: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} [الأحزاب: 28] وكان ذلك في نساء دخل بهن ولأن ما حصل من المهر لها بدل عن الوطء وبقي الابتذال بغير بدل فوجب لها المتعة كالمفوضة قبل الدخول وإن وقعت الفرقة بغير الطلاق نظرت فإن كانت بالموت لم تجب لها المتعة لأن النكاح قد تم بالموت وبلغ منها فلم تجب لها متعة وإن كانت بسبب من جهة أجنبي كالرضاع فحكمه حكم الطلاق في الأقسام الثلاثة لأنه بمنزلة الطلاق في تصنيف المهر فكانت كالطلاق في المتعة وإن كانت بسبب من جهة الزوج كالإسلام والردة والعيان فحكمه حكم الطلاق في الأقسام الثلاثة لأنها فرقة حصلت من جهته فأشبهت الطلاق وإن كانت بسبب من جهة الزوجة كالإسلام والردة والرضاع والفسخ بالإعسار والعيب بالزوجين جميعاً لم تجب لها المتعة لأن المتعة وجت لها لما يلحقها من الابتذال بالعقد وقلة الرغبة فيها بالطلاق وقد حصل ذلك بسبب من جهتها فلم تجب وإن كانت بسبب منها نظرت فإن كانت بخلع أو جعل الطلاق إليها فطلقت كان حكمها حكم المطلقة في الأقسام الثلاثة لأن المغلب فيها جهة الزوج لأنه يمكنه أن يخالعها مع غيرها ويجعل الطلاق إلى غيرها فجعل كالمفرد به وإن كانت الزوجة أمة فاشتراها الزوج فقد قال في موضع لا

(2/475)


متعة لها وقال في موضع لها المتعة فمن أصحابنا من قال هي على قولين: أحدهما لا متعة لها لأن المغلب جهة السيد لأنه يمكنه أن يبيعها من غيره فكان حكمه في سقوط المتعة حكم الزوج في الخلع في وجوب المتعة ولأنه يملك بيعها من غير الزوج فصار اختياره للزوج اختياراً للفرقة والثاني أن لها المتعة لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر في العقد فسقط حكمها كما لو وقعت الفرقة من جهة الأجنبي وقال أبو إسحاق: وإن كان مولاها طلب البيع لم تجب لأنه هو الذي اختار الفرقة وإن كان الزوج طلب وجبت لأنه هو الذي اختار الفرقة وحمل القولين على هذه الحالين.
فصل: والمستحب أن تكون المتعة خادماً أو مقنعة أو ثلاثين درهماً لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: يستحب أن يمتعها بخادم فإن لم يفعل فبثياب وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: يمتعها بثلاثين درهماً وروي عنه أنه قال: يمتعها بجارية وفي الوجوب وجهان: أحدهما ما يقع عليه اسم المال والثاني وهو المذهب أنه يقدرها الحاكم لقوله تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] وهل يعتبر بالزوج أو الزوجة فيه وجهان: أحدهما يعتبر بحال الزوج للآية والثاني يعتبر بحالها لأنه بدل عن المهر فاعتبر بها.

(2/476)


باب الوليمة والنثر
الطعام الذي يدعى إليه الناس ستة: الوليمة للعرس والخرس للولادة والإعذار للختان والوكيرة للبناء والنقيعة لقدوم المسافر والمأدبة لغير سبب ويستحب ما سوى الوليمة لما فيها من إظهار لنعم الله والشكر عليها واكتساب الأجر والمحبة ولا تجب لأن الإيجاب بالشرع ولم يرد الشرع بإيجابه وأما وليمة العرس فقد اختلف أصحابنا فيها فمنهم من قال هي واجبة وهو المنصوص لما روى أنس رضي الله عنه قال: تزوج عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أولم ولو بشاة1" ومنهم من
__________
1 رواه البخاري في كتاب النكاح باب 7، 54. مسلم في كتاب النكاح حديث 79، 80. أبو داود في كتاب النكاح 29. الترمذي في كتاب النكاح باب 10. ابن ماجة في كتاب النكاح باب 24. الموطأ في كتاب النكاح حديث 47. أحمد في مسنده "3/165".

(2/476)


قال هي مستحبة لأنه طعام لحادث سرور فلم تجب كسائر الولائم ويكره النثر لأن التقاطه دناءة وسخف ولأنه يأخذ قوم دون قوم ويأخذه من غيره أحب.
فصل: ومن دعي إلى وليمة وجب عليه الإجابة لما روي عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليأتها1" ومن أصحابنا من قال هي فرض على الكفاية لأن القصد إظهارها وذلك يحصل بحضور البعض وإن دعي مسلم إلى وليمة ذمي ففيه وجهان: أحدهما تجب الإجابة للخبر والثاني لا تجب لأن الإجابة للتواصل واختلاف الدين يمنع التواصل وإن كانت الوليمة ثلاثة أيام أجاب في اليوم الأول والثاني ويكره الإجابة في اليوم الثالث لما روي أن سعيد بن المسيب رحمه الله دعي مرتين فأجاب ثم دعي الثالثة فحصب الرسول وعن الحسن رحمه الله أنه قال: الدعوى أول يوم حسن والثاني حسن والثالث رياء وسمعة وإن دعاه اثنان ولا يمكنه الجمع بينهما أجاب أسبقها لحق السبق فإن استويا في السبق أجاب أقربهما رحما فإن
__________
1 رواه البخاري في كتاب النكاح باب 71. مسلم في كتتتاب النكاح حديث 96 - 98. أبو داود في كتاب الأطعمة باب 1. الموطأ في كتاب النكاح حديث 49.

(2/477)


استويا في الرحم أجاب أقربهما داراً لأنه من أبواب البر فكان التقديم فيه على ما ذكرناه كصدقة التطوع فإن استويا في ذلك أقرع بينهما لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر فقدم بالقرعة.
فصل: وإن دعي موضع فيه دف أجاب لأن الدف يجوز في الوليمة لما روى محمد بن حاطب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فصل بين الحلال والحرام الدف1" فإن دعي إلى موضع فيه منكر من زمر أو خمر فإن قدر على إزالته لزمه أن يحضر لوجوب الإجابة ولإزالة المنكر وإن لم يقدر على إزالته لم يحضر لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يجلس على مائدة تدار فيها الخمر وروى نافع قال: كنت أسير مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فسمع زمارة راع فوضع إصبعيه في أذنيه ثم عدل عن الطريق فلم يزل يقول يا نافع أتسمع حتى قلت لا فأخرج أصبعيه من أذنيه ثم رجع إلى الطريق ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع وإن حضر في موضع فيه تماثيل فإن كانت كالشجر جلس وإن كانت على صورة حيوان فإن كانت على بساط يداس أو مخدة يتكأ عليها جلس وإن كانت على حائط أو ستر معلق لم يجلس لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل عليه السلام فقال أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل2" وكان في البيت قرام فيه تمثيل وكان في البيت كلب فمر برأس التماثيل التي كانت البيت يقطع فتصير كهيئة الشجر ومر بالستر فليقطع منه وسادتان منبوذتان توطآن ومر بالكلب فليخرج ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ولأن ما كان كالشجرة فهو كالكتابة والنقوش وما كان على صورة الحيوان على حائط أو ستر فهو كالصنم وما يوطأ فليس كالصنم لأنه غير معظم.
__________
1 رواه الترمذي في كتاب النكاح باب 6. النسائي في كتاب النكاح باب 72. ابن ماجة في كتاب النكاح باب 20.
2 رواه مسلم في كتاب اللنكاح حديث 106. أبو داود في كتاب الأطعمة باب 1. أحمد في مسنده "2/507".

(2/478)


فصل: ومن حضر الطعام فإن كان مفطراً ففيه وجهان: أحدهما يلزمه أن يأكل لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطراً فليأكل وأن كان صائماً فليصل1" والثاني لا يجب لما روى جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك2" وإن دعي وهو صائم لم تسقط عنه الإجابة للخبر ولأن القصد التكثير والتبرك بحضوره وذلك يحصل مع الصوم فإن كان الصوم فرضاً لم يفطر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وإن كان صائماً فليصل" وإن كان تطوعاً فالمستحب أن يفطر لأنه يدخل السرور على من دعاه وإن لم يفطر جاز لأنه قربة فلم يلمه تركها والمستحب لمن فرغ من الطعام أن يدعو لصاحب الطعام لما روى عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال: أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سعد بن معاذ رضي الله عنه فقال: "أفطر عندكم الصائمون وصلت عليكم الملائكة وأكل طعامكم الأبرار3".
__________
1 رواه مسلم في كتاب النكاح حديث 150، 106. أبو داود في كتاب الطعمة باب 1. ابن ماجة في كتاب الصيام باب 47.
2 رواه أبو داود في كتاب الأطعمة باب 54. أحمد في مسنده"3/138".
3 رواه البخاري في كتاب الإستعراض باب 12. مسلم في كتاب المساقاة حديث 33. الموطأ في كتاب البيوع حديث 84. ابن ماجة في كتاب الصدقات باب 8.

(2/479)


باب عشرة النساء والقسم
إذا تزوج امرأة فإن كانت ممن يجامع مثلها وجب تسليمها بالعقد إذا طلب ويجب عليه تسليمها إذا عرضت عليه فإن طالب بها الزوج فسألت الإنظار أنظرت ثلاثة أيام لأنه قريب ولا تنظر أكثر منه لأنه كثير وإن كانت لا يجامع مثلها لصغر أو مرض يرجى زواله لم يجب التسليم إذا طلب الزوج ولا التسلم إذا عرضت عليه لأنها لا تصلح للاستمتاع وإن كانت لا يجامع مثلها لمعنى لا يرجى زواله بأن كانت نضوة الخلق أو بها مرض لا

(2/479)


يرجى زواله وجب التسليم إذا طلب والتسلم إذا عرضت عليه لأن المقصود من مثلها الاستمتاع بها في غير جماع.
فصل: وإن كانت الزوجة حرة وجب تسليمها ليلاً ونهاراً لأنه لا حق لغيرها عليها وللزوج أن يسافر بها لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر بنسائه ولا يجوز لها أن تسافر بغير إذن الزوج لأن الاستمتاع مستحق له فلا يجوز تفويته عليه وإن كانت أمة وجب تسليمها بالليل دون النهار لأنها مملوكة عقد على إحدى منفعتيها فلم يجب التسليم في وقتها كما لو لأجرها لخدمة النهار وقال أبو إسحاق لو كان بيدها صنعة كالغزل والنسج وجب تسليمها بالليل والنهار لأنه يمكنها العمل في بيت الزوج والمذهب الأول لأنه قد يحتاج إليه في خدمة غير الصنعة ويجوز للمولى أن يبيعها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لذن لعائشة رضي الله عنها في شراء بريرة وكان لها زوج ويجوز له أن يسافر بها لأنه يملك بيعها فملك السفر بها كغير الزوجة.
فصل: ويجوز للزوج أن يجبر امرأته على الغسل من الحيض والنفاس لأن الوطء يقف عليه في غسل الجنابة قولان: أحدهما له أن يجبرها عليه لأن كمال الاستمتاع يقف عليه لأن النفس تعاف من وطء الجنب الثاني ليس له أن يجبرها لأن الوطء لا يقف عليه وفي التنظيف والاستحداد وجهان: أحدهما يملك إجبارها عليه لأن كمال الاستمتاع يقف عليه والثاني لا يملك إجبارها عليه لأن الوطء لا يقف عليه وهل له أن يمنعها من أكل ما يتأذى برائحته ففيه وجهان: أحدهما له منعها لأنه يمنع كمال الاستمتاع والثاني ليس له منعها لأنه لا يمنع الوطء فإن كانت ذمية فله منعها من السكر لأنه يمنع الاستمتاع لأنها تصير كالزق المنفوخ ولأنه لا يأمن أن تجني عليه وهل له أن يمنعها من أكل لحم الخنزير وشرب القليل من الخمر فيه ثلاثة أوجه: أحدها يجوز له منعها لأنه يمنع كمال الاستمتاع والثاني ليس له منعها لأنه لا يمنع الوطء والثالث وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أنه ليس له منعها من لحم الخنزير لأنه لا يمنع الوطء وله منعها من قليل الخمر لأن السكر يمنع الاستمتاع ولا يمكن التمييز بين ما يسكر وبين ما لا يسكر مع اختلاف الطباع فمنع من الجميع.
فصل: وللزوج منع الزوجة من الخروج إلى المساجد وغيرها لما روى ابن عمر رضي الله عنه قال: رأيت امرأة أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله ما حق الزوج على زوجته؟ قال: "حقه عليها أن لا تخرج من بيتها إلى بإذنه فإن فعلت لعنها الله وملائكة الرحمن وملائكة الغضب حتى تئوب أو ترجع" قالت: يا رسول الله وإن كان لها ظالماً

(2/480)


قال: "وإن كان لها ظالماً" ولأن حق الزوج واجب فلا يجوز تركه بما ليس بواجب ويكره منعها من عيادة أبيها إذا أثقل وحضور مواراته إذا مات لأن منعها من ذلك يؤدي إلى النفور ويغريها بالعقوق.
فصل: ويجب على الزوج معاشرتها بالمعروف مع كف الأذى لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] ويجب عليه بذل ما يجب من حقها من غير مطل لقوله عز وجل: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} ومن العشرة بالمعروف بذل الحق من غير مطل ولقوله صلى الله عليه وسلم: "مطل الغني ظلم" ولا يجب عليه الاستمتاع لأنه حق له فجاز تركه كسكنى الدار المستأجرة ولأن الداعي إلى الاستمتاع الشهوة فلا يمكن إيجابه والمستحب أن لا يعطلها لما روى عبد الله بن عمر بن العاص رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتصوم النهار؟ " قلت: نعم وقال: "تقوم الليل" قلت: نعم قال: "لكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام وأمس النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني1" ولأنه إذا عطلها لا يأمن الفساد ووقوع الشقاق ولا يجمع بين امرأتين في مسكن إلا برضاهما لأن ذلك ليس من العشرة بالمعروف ولأنه يؤدي إلى الخصومة ولا يطأ إحداهما بحضرة الأخرى لأنه دناءة وسوء عشرة ولا يستمتع بها إلا بالمعروف فإن كانت نضو الخلق ولم تحتمل الوطء لم يجز وطؤها لما فيه من الأضرار.
فصل: ولا يجوز وطؤها في الدبر لما روى خزيمة بن ثابت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ملعون من أتى امرأته في دبرها2" ويجوز الاستمتاع بها فيما بين الإليتين لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، ِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 5] ويجوز وطؤها في الفرج مدبرة لما روى جابر رضي الله عنه قال: قالت اليهود: إذا جامع الرجل امرأته من ورائها جاء ولدها أحول فأنزل الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 323] قال: يقول يأتيها من حيث شاء مقبلة أو مدبرة إذا كان ذلك في الفرج.
__________
1 رواه البخاري في كتاب النكاح باب 1. مسلم في كتاب النكاح حديث 5. النسائي في كتاب النكاح باب 4. أحمد في مسنده "2/158".
2 رواه أبو داود في كتاب النكاح باب 45. أحمد في مسنده "2/444"

(2/481)


فصل: ويكره العزل لما روت جذامه بنت وهب قالت: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عن العزل فقال: "ذلك الوأد الخفي" {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ} فإن كان ذلك في وطء أمته لم يحرم لأن الاستمتاع بها حق له لا حق لها فيه وإن كان في وطء زوجته فإن كانت مملوكة لم يحرم لأنه يلحقه العار باسترقاق ولده منها وإن كانت حرة فإن كان بإذنها جاز لأن الحق لهما وإن لم تأذن ففيه وجهان: أحدهما لا يحرم لأن حقها في الاستمتاع دون الإنزال والثاني يحرم لنه يقطع النسل من غير ضرر يلحقه.
فصل: وتجب على المرأة معاشرة الزوج بالمعروف من كف الأذى كما يجب عليه معاشرتها ويجب عليها بذل ما يجب له من غير مطل لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا أحدكم امرأته إلى فراشه فأبت فبات وهو علها ساخط لعنتها الملائكة حتى تصبح1".
فصل: ولا يجب عليها خدمته في الخبز والطحن والطبخ والغسل وغيرها من الخدم لأن المعقود عليها من جهتها هو الاستمتاع فلا يلزمها ما سواه.
فصل: وإن كان له امرأتان أو أكثر فله أن يقسم لهن لأن النبي صلى الله عليه وسلم قسم لنسائه ولا يجب عليه ذلك لأن القسم لحقه فجاز له تركه وإذا أراد أن يقسم لم يجز أن يبدأ بواحدة منهن من غير رضى البواقي إلى بقرعة لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانت له امرأتان يميل إلى إحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط2" ولأن البداءة بإحداهما من غير قرعة تدعو إلى النفور وإذا قسم الواحدة بالقرعة أو من غير قرعة لزمه القضاء للبواقي لأنه إذا لم يقضي مال فدخل في الوعيد.
فصل: ويقسم المريض والمجبوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم في مرضه لأن القسم يراد للأنس وذلك يحصل مع المرض والجب وإذا كان مجبوباً لا يخاف منه طاف به الولي على نسائه لأنه يحصل لها به الأنس ويقسم للحائض والمريضة والنفساء والمحرمة والمظاهر منها والمولى منها لأن القصد من القسم الإيواء والأنس وذلك يحصل مع هؤلاء وإن كانت مجنونة لا يخاف منها قسم لها لأنه يحصل لها الأنس وإن كان يخاف منها لم يقسم لها لأنها لا تصلح للأنس.
__________
1 رواه البخاري في كتاب النكاح باب 85. مسلم في كتاب النكاح حديث 121. أبو داود في كتاب النكاح باب 40.أحمد في مسنده "2/439".
2 رواه النسائي في كتاب عشرة النساء باب 2. ابن ماجة في كتاب النكاح باب 47. أحمد في مسنده "2/295، 347".

(2/482)


فصل: وإن سافرت المرأة بغير إذن الزوج سقط حقها من القسم والنفقة لأن القسم للأنس والنفقة للتمكين من الاستمتاع وقد منعت ذلك بالسفر وإن سافرت بإذنه ففيه قولان: أحدهما لا يسقط لأنها سافرت بإذنه فأشبه إذا سافرت معه والثاني لا يسقط لأن القسم للأنس والنفقة للتمكين من الاستمتاع وقد عدم الجميع فسقط ما تعلق به كالثمن لما وجب في مقابلة المبيع سقط بعدمه.
فصل: وإن اجتمع عنده وأمة قسم للحرة ليلتين وللأمة ليلة لما روي عن علي كرم الله وجهه أنه قال: من نكح حرة على أمة فللحرة ليلتان وللأمة ليلة والحق في قسم الأمة لها دون المولى لأنه يراد لحظها فلم يكن للمولى فيه حق فإن قسم للحرة ليلتين ثم أعتق الأمة فإن كان بعدها أوفاها حقها استأنف القسم لها لأنهما تساويا بعد انقضاء القسم وإن كان قبل أن يوفيها حقها أقام عندها ليلتين لأنه لم يوفها حقها حتى صارت مساوية للحرة فوجب التسوي بينهما وإن قسم للأمة ثم أعتقت فإن كان بعدما أوفى للحرة حقها سوى بينهما وإن كان قبل أن يوفي الحرة حقها لم يزد على ليلة لأنهما تساويا فوجب التسوية بينهما.
فصل: وعماد القسم الليل لقوله عز وجل: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً} [النبأ: 10] قيل في التفسير الإيواء إلى المساكن ولأن النهار للمعيشة والليل للسكون ولهذا قال الله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ} [النمل: 86] فإن كانت معيشته بالليل فعماد قسمه النهار لأن نهاره كليل غيره والأولى أن يقسم ليله ليله اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن ذلك أقرب إلى التسوية في إيفاء الحقوق فإن قسم ليلتين أو ثلاثة جاز لأنه في حد القليل وإن زاد على الثلاث لا يجوز من غير رضاهن لأن فيه تغريراً بحقوقهن فإن فعل ذلك لزمه القضاء للبواقي لأنه إذا قضى ما قسم بحق فلأن يقضي ما قسم بغير حق أولى وإذا قسم لها ليلة كان لها الليلة وما يليها من النهار لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لكل امرأة يومها وليلتها غير أن سودة وهبت ليلتها لعائشة تبتغي بذلك رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عن عائشة رضي الله عنها قالت: توفي رسول الله في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري وجمع الله بين ريقي وريقه.
فصل: والأولى أن يطوف إلى نسائه في منازلهن اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن ذلك أحسن في العشرة وأصون لهن وله أن يقيم في موضع ويستدعي واحدة واحدة لأن

(2/483)


المرأة تابعة للزوج في المكان ولهذا يجوز أن ينقلها إلى حيث شاء وإن كان محبوساً في موضع فإن أمكن حضورها فيه لم يسقط حقها من القسم لأنه يصلح للقسم فصار كالمنزل وإن لم يمكن حضورها فيه سقط القسم لأنه تعذر الاجتماع لعذر وإن كانت له امرأتان في بلدين فأقام في بلد إحداهما فإن لم يقم معها في منزل لم يلزمه القضاء بالمقام في بلد الأخرى لأن المقام في البلد معها ليس بقسم وإن أقام معها في منزلها لزمه القضاء للأخرى لأن القسم لا يسقط باختلاف البلاد كما لا يسقط باختلاف المحال.
فصل: ويستحب لمن قسم أن يسوي بينهن في الاستمتاع لأنه أكمل في العدل فإن لم يفعل جاز لأن الداعي إلى الاستمتاع الشهوة والمحبة ويمكن التسوية بينهن في ذلك ولهذا قال الله عز وجل: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء: 129] قال ابن عباس رضي الله عنه: تعني في الحب والجماع وقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه ثم يقول: "اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملكه ولا أملكه".
فصل: ولا يجوز أن يخرج في ليلتها من عندها فإن مرض غيرها من النساء وخاف أن يموت وأكرهه السلطان جاز أن يخرج لأنه موضع ضرورة وعليه القضاء كما يترك الصلاة إذا أكره إلى تركها وعليه القضاء والأولى أن يقضيها في الوقت الذي خرج لأنه أعدل وإن خرج في آخر الليل وقضاه في أوله جاز لأن الجميع مقصود في القسم فإن دخل على غيرها بالليل فوطئها ثم عاد ففيه ثلاثة أوجه: أحدها يلزمه القضاء بليلة لأن الجماع معظم المقصود والثاني يدخل عليها في ليلة الموطوءة فيطؤها لأنه أقرب إلى التسوية والثالث أنه لا يقضيها بشيء لأن الوطء غير مستحق في القسم وقدره من الزمان لا ينضبط فسقط ويجوز أن يخرج في نهارها للمعيشة ويدخل إلى غيرها ليأخذ شيئاً أو يترك شيئاً ولا يطيل فإن أطال لزمه القضاء لأنه ترك الإيواء المقصود وإن دخل إلى غيرها في حاجه فقبلها جاز لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: ما كان يوم أو أقل يوم إلا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف علينا جميعاً ويقبل ويلمس فإذا جاء إلى التي هو يومها أقام عندها ولا يجوز أن يطأها لأنه معظم المقصود فلا يجوز في قسم غيرها فإن وطئها وانصرف ففيه وجهان: أحدهما أنه يلزمه أن يخرج في نهار الموطوءة ويطأها لأنه هو العدل والثاني لا يلزمه شيء لأن الوطء غير مستحق وقدره من الزمان لا ينضبط فسقط وإن كان عنده امرأتان فقسم لإحداهما مدة ثم طلق الأخرى قبل أن يقضيها ثم تزوجها لزمه قضاء حقه لأنه حق تأخر القضاء لعذر وقد زال فوجب كما لو كان عليه دين فأعسر ثم أيسر.

(2/484)


فصل: وإن تزوج امرأة وعنده امرأتان أو ثلاث قطع الدور للجديدة فإن كانت بكراً أقام عندها سبعاً لما روى أبو قلابة عن أنس رضي الله عنه قال: من السنة أن يقيم عند البكر مع الثيب سبعاً قال أنس: ولو شئت أن أرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لرفعت وإن كانت ثيباً أقام عندها ثلاثاً أو سبعا لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم سلمة رضي الله عنها وقال: "إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن وإن شئت ثلثت عندك ودرت" فإن أقام عند البكر سبعاً لم يقض للباقيات شيئاً وإن أقام عند الثيب ثلاثاً لم يقض فإن أقام سبعاً ففيه وجهان: أحدهما يقضي السبع لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن" والثاني يقضي ما زاد على الثلاث لأن الثلاث مستحقة لها فلا يلزمه قضاؤها وإن تزوج العبد أمة وعنده امرأة قضى للجديدة حق العقد وفي قدره وجهان: قال أبو علي بن أبي هريرة: هي على النصف كما قلنا في القسم الدائم وقال أبو إسحاق هي كالحرة لأن قسم العقد للزوج فلم يختلف برقها وحريتها بخلاف القسم الدائم لأنه حق لها فاختلف برقها وحريتها وإن تزوج رجل امرأتين وزفتا إليه في وقت واحد أقرع بينهما لتقديم حق العقد كما يقرع للتقديم في القسم الدائم.
فصل: وإن أراد السفر بامرأة أو امرأتين أو ثلاث أقرع بينهن فمن خرجت عليها القرعة سافر بها لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج أقرع بين نسائه فصارت القرعة على عائشة رضي الله عنها وحفصة رضي الله عنها فخرجتا معه جميعاً ولا يجوز أن يسافر بواحدة من غير قرعه لأن ذلك ميل وترك للعدل وإن سافر بامرأتين بالقرعة سوى بينهما في القسم كما يسوي بينهما في الحضر فإن كان في سفر طويل لم يلزمه القضاء للمقيمات لأن عائشة رضي الله عنها لم تذكر القضاء ولأن المسافرة اختصت بمشاقة السفر فاختصت بالقسم وإن كان في سفر قصير ففيه وجهان: أحدهما لا يلزمه القضاء كما لا يلزمه في السفر الطويل والثاني يلزمه لأنه في حكم الحضر وإن سافر ببعضهن بغير قرعة لزمه القضاء للمقيمات لأنه قسم بغير قرعة فلزمه القضاء كما لو سافر ببعضهن بغير قرعة لزمه القضاء للمقيمات لأنه قسم بغير قرعة فلزمه القضاء كما لو قسم لها في الحضر وإن سافر بامرأة بقرعة إلى بلد ثم عن له سفر إلى بلد أبعد يلزمه القضاء لأنه سفر واحدة وقد أقرع له وإن سافر بامرأة بالقرعة وانقضى سفره ثم أقام معها مدة لزمه أن يقضي المدة التي أقام معها بعد انقضاء السفر لأن القرعة إنما تسقط القضاء في قسم السفر وإن كان عنده امرأتان ثم تزوج بامرأتين وزفتا إليه في وقت واحد لزمه أن يقسم لهما حق العقد ولا يقدم إحداهما بغير القرعة فإن أراد السفر قبل أن يقسم لهما أقرع بين الجميع فإن خرجت القرعة لإحدى القديمتين سافر بها فإذا قدم قضى حق العقد للجديدتين وإن خرجت القرعة لإحدى الجديدتين سافر بها ويدخل حق العقد في

(2/485)


قسم السفر لأن القصد من قسم العقد الألفة والاستمتاع وقد حصل ذلك وهل يلزمه أن يقضي للجديدة الأخرى حق العقد فيه وجهان: أحدهما لا يلزمه كما لا يلزمه في القسم الدائم والثاني وهو قول أبي إسحاق لأنه سافر بها بعد ما استحقت الأخرى حق العقد فلزمه القضاء كما لو كان عنده أربع نسوة فقسم للثلاث ثم سافر بغير الرابعة بالقرعة قبل قضاء حق الرابعة.
فصل: ويجوز للمرأة أن تهب ليلتها لبعض ضرائرها لما روت عائشة رضي الله عنها أن سودة وهبت يومها وليلتها لعائشة رضي الله عنها تبتغي بذلك مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز ذلك إلا برضا الزوج لأن حقه ثابت في استمتاعها فلا تملك نقله إلى غيرها من غير رضاه ويجوز من غير رضى الموهوب لأنه زيادة في حقها ومتى تقسم لها الليلة الموهوبة وجهان: أحدهما تضم إلى ليلتها لأنه اجتمع لها ليلتان فلم يفرق بينهما والثاني تقسم لها في الليلة التي كانت للواهبة لأنها قائمة مقامها فقسم لها في ليلتها ويجوز أن تهب ليلتها للزوج لأن الحق بينهما فإن تركت حقها صار للزوج ثم يجعلها الزوج لمن شاء من نسائه ويجوز أن تهب ليليها لجميع ضرائرها فإن كن ثلاث صار القسم أثلاثاً بين الثلاث وإن وهبت ليلتها ثم رجعت لا يصح الرجوع فيما مضى لأنه هبة اتصل بها القبض ويصح في المستقبل لأنها هبه لم يتصل بها القبض.
فصل: وإن كان له إماء لم يكن لهن حق القسم فإن بات عند بعضهن لم يلمه أن يقضي للباقيات لأنه لا حق لهن في استمتاع السيد ولهذا يجوز لهن مطالبته بالفيئة إذا حلف ألا يطأهن ولا خيار له بحبه وتعنينه والمستحب أن لا يعطلهن لأنه إذا عطلهن لم يأمن أن يفجرن وإن كان عنده زوجات وإماء فأقام عند الإماء لم يلزمه القضاء للزوجات لأن القضاء يجب بقسم مستحق وقسم الإماء غير مستحق فلم يجب قضاؤه كما لو بات عند صديق له.

(2/486)


باب النشوز
إذا ظهرت من المرأة أمارات النشوز وعظها لقوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} ولا يضربها لأنه يجوز أن يكون ما ظهر منه لضيق صدر من غير جهة الزوج وإن تكرر منها النشوز فله أن يضربها لقوله عز وجل: {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34]

(2/486)


وإن نشزت مرة فيه قولان: أحدهما أنه يهجرها ولا يضربها لأن العقوبات تختلف باختلاف الجرائم ولهذا ما يستحق بالنشوز لا يستحق بخوف النشوز فكذلك ما يستحق بتكرر النشوز لا يستحق بنشوز مرة والثاني وهو صحيح أن يهجرها وبضربها لأنه يجوز أن يهجرها للنشوز فجاز أن يضربها كما لو تكرر منها فأما الوعظ فهو أن يخوفها بالله عز وجل وبما يلحقها من الضرر بسقوط نفقتها وأما الهجران فهو أن يهجرها في الفراش لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال في قوله عز وجل: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء: 34] قال لا تضاجعها في فراشك وأما الهجران بالكلام فلا يجوز أكثر من ثلاثة أيام لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام1" وأما الضرب فهو أن يضربها ضرباً غير مبرح ويتجنب المواضع المخوفة والمواضع المستحسنة لما روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بكتاب الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرب غير مبرح2" ولأن القصد التأديب دون الإتلاف والتشويه.
فصل: وإن ظهرت من الرجل أمارات النشوز لمرض بها أو كبر سن ورأت أن تصالحه بترك بعض حقوقها من قسم وغيره جاز لقوله عز وجل: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً} [النساء: 128] وقالت عائشة رضي الله عنها: أنزل الله عز وجل هذه الآية في المرأة إذا دخلت في السن فتعجل يومها لامرأة أخرى فإن ادعى كل واحد منهما النشوز على الآخر أسكنهما الحاكم إلى جنب ثقة ليعرف الظالم منهما فيمنع من الظلم فإن بلغا إلى الشتم والضرب بعث الحاكم
__________
1 رواه البخاري في كتاب الأدب باب 57، 62. مسلم في كتاب البر حديث 23، 25. الترمذي في كتاب البر باب 21، 24. أحمد في مسنده "1/176، 183".
2 رواه مسلم في كتاب الحج حديث 147. أبو داود في كتاب المناسك باب 56. ابن ماجة في كتاب المناسك باب 84. أحمد في مسنده "5/73".

(2/487)


حكمين للإصلاح أو التفريق لقوله عز وجل: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35] واختلف قوله في الحكمين فقال في أحد القولين: هما وكيلان فلا يملكان التفريق إلا بإذنهما لأن الطلاق إلى الزوج وبذل المال إلى الزوجة فلا يجوز إلى بإذنهما وقال في القول الآخر هما حاكمان فلهما أن يفعلا ما يريان من الجمع والتفريق بعوض وغير عوض لقوله عز وجل: {فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا} فسماهما حكمين ولم يعتبر رضا الزوجين وروى عبيدة أن علياً رضي الله عنه بعث رجلين فقال لهما: أتريان ما عليكما إن رأيتما أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما فقال الرجل: أما هذا فلا فقال: كذبت لا والله ولا تبرح حتى ترضى بكتاب الله عز وجل لك وعليك فقالت المرأة: رضيت بكتاب الله لي وعلي ولأنه وقع الشقاق وأشتبه الظالم منهما فجاز التفريق بينهما من غير رضاهما كما لو قذفها وتلاعنا والمستحب أن يكون حكماً من أهله وحكماً من أهله للآية ولأنه روي أنه وقع بين عقيل بن أبي طالب وبين زوجته شقاق وكانت من بني أمية فبعث عثمان رضي الله عنه حكماً من أهله وهو ابن عباس رضي الله عنه وحكماً من أهلها وهو معاوية رضي الله عنه ولأن الحكمين من أهلهما أعرف بالحال وإن كان من غير أهلهما جاز لأنهما في أحد القولين وكيلان وفي الآخر حاكمان وفي الجميع يجوز أن يكونا من غير أهلهما ويجب أن يكونا ذكرين عدلين لأنهما في أحد القولين حاكمان وفي الآخر وكيلان إلا أنه يحتاج فيه إلى الرأي والنظر في الجمع والتفريق ولا يكمل لذلك إلا ذكران عدلان فإن قلنا إنهما حاكمان لا يجوز أن يكونا إلا فقيهين وإن قلنا إنهما وكيلين جاز أن يكونا من العامة وإن غاب الزوجان فقلنا إنهما وكيلان نفذ تصرفهما كما ينفذ تصرف الوكيل مع غيبة الموكل وإن قلنا أنهما حاكمان لم ينفذ حكمهما لأن الحكم للغائب لا يجوز وإن جنا لم ينفذ حكم الحكمين لأنهما في أحد القولين وكيلان والوكالة تبطل بجنون الموكل وفي القول الآخر حاكمان إلا أنهما يحكمان للشقاق وبالجنون زال الشقاق.

(2/488)