الوسيط في المذهب

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي الْأَحْدَاث وَفِيه فصلان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الْفَصْل الأول فِي أَسبَابهَا وَهِي أَرْبَعَة
السَّبَب الأول خُرُوج الْخَارِج من أحد السَّبِيلَيْنِ
ريحًا كَانَ أَو عينا نَادرا أَو مُعْتَادا طَاهِرا أَو نجسا وَقد تخرج الرّيح من

(1/311)


الإحليل لاسترخاء الْأسر فَكل ذَلِك ينْقض الْوضُوء

(1/312)


وَالْخَارِج من غير السَّبِيلَيْنِ بالفصد والحجامة والقيء والقهقهة فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا كل ذَلِك لَا ينْقض الْوضُوء خلافًا لأبي حنيفَة وَلَا وضوء مِمَّا مسته النَّار خلافًا لِأَحْمَد
فرع

لَو انفتحت ثقبة تَحت الْمعدة وانسد المسلك الْمُعْتَاد وَخرجت مِنْهَا النَّجَاسَة

(1/313)


الْمُعْتَادَة انْتقض الطُّهْر لِأَنَّهُ فِي معنى الْمَنْصُوص
وَلَو كَانَ السَّبِيل الْمُعْتَاد منفتحا أَو كَانَ السَّبِيل منسدا وَلَكِن الثقبة فَوق الْمعدة فَقَوْلَانِ منشؤهما التَّرَدُّد فِي أَنه هَل هُوَ فِي مَعْنَاهُ أم لَا
التَّفْرِيع

حَيْثُ حكمنَا بانتقاض الطُّهْر فَلَو كَانَ الْخَارِج نَادرا فَقَوْلَانِ فَمحل الْقطع عِنْد اجْتِمَاع ثَلَاثَة أُمُور أَن يكون السَّبِيل الْمُعْتَاد منسدا وَأَن تكون الثقبة تَحت الْمعدة وَأَن يكون الْخَارِج مُعْتَادا فَعِنْدَ فقد بعض هَذِه الْمعَانِي يثور التَّرَدُّد
وَحَيْثُ حكم بالانتقاض فَفِي جَوَاز الِاقْتِصَار على الْحجر ثَلَاثَة أوجه يفرق فِي الثَّالِث بَين الْمُعْتَاد وَغَيره وكأنا نرى الِاقْتِصَار على الْحجر أبعد من الْقيَاس من انْتِقَاض الطُّهْر
وَفِي انْتِقَاض الطُّهْر بمسه وَوُجُوب الْغسْل بالإيلاج فِيهِ وَحل النّظر إِلَيْهِ تردد وَلَا يتَعَدَّى التَّرَدُّد من أَحْكَام الْأَحْدَاث إِلَى خَصَائِص أَحْكَام الْوَطْء

(1/314)


السَّبَب الثَّانِي زَوَال الْعقل

فَإِن حصل بغشية أَو إِغْمَاء أَو جُنُون أَو سكر انْتقض الطُّهْر قَائِما كَانَ أَو قَاعِدا وَإِن حصل بِالنَّوْمِ انْتقض إِلَّا إِذا كَانَ قَاعِدا مُمكنا مقعدته من الأَرْض فَلَو تجافى بمقعدته انْتقض وَلَو تمايل وانتبه وَكَانَ التنبه قبل التَّجَافِي لم ينْتَقض وَإِن كَانَ بعده انْتقض إِذْ يَتَيَسَّر بِهِ خُرُوج حدث لَا يشْعر بِهِ
وَقَالَ الْمُزنِيّ النّوم كالإغماء فينتقض الْوضُوء بِكُل حَال وَهُوَ ضَعِيف لما روى أَن طَلْحَة قَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمن هَذَا وضوء وَكَانَ قد نَام قَاعِدا فَقَالَ

(1/315)


لَا أَو تضع جَنْبك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة النّوم على هَيْئَة من هيئات الْمُصَلِّين لَا ينْقض الْوضُوء وَنقل الْبُوَيْطِيّ فى الْقَدِيم وَهُوَ ضَعِيف
السَّبَب الثَّالِث اللَّمْس

قَالَ الله تَعَالَى {أَو لامستم النِّسَاء} فَحَمله أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ على المجامعة وَحمله الشَّافِعِي على الجس بِالْيَدِ

(1/316)


ثمَّ فِيهِ فروع أَرْبَعَة

الأول اللَّمْس وفَاقا من غير قصد نَاقض للْوُضُوء للْعُمُوم خلافًا لمَالِك
وَحكى صَاحب التَّقْرِيب وَجها فِيهِ تشوفا إِلَى رِعَايَة الْمَعْنى
الثَّانِي الملموس وَفِيه قَولَانِ
أَحدهمَا لَا ينْتَقض طهره اقتصارا على الظَّاهِر فَإِنَّهُ مَا لمس
وَالثَّانِي ينْتَقض تشوفا إِلَى الْمَعْنى لِأَن الْمُلَامسَة مفاعلة
وَلَا خلاف أَن الْمَرْأَة إِذا كَانَت هِيَ اللامسة انْتقض طهرهَا لِأَنَّهَا فِي معنى الرجل
الثَّالِث فِي الْمحرم وَالْميتَة وَالصَّغِيرَة الَّتِي لَا تشْتَهى قَولَانِ أصَحهمَا أَنه لَا ينْتَقض تشوفا إِلَى الْمَعْنى والعجوز الهرمة ينْتَقض الْوضُوء بلمسها فَلِكُل سَاقِط لاقط

(1/317)


الرَّابِع فِي الشّعْر وَالظفر خلاف وَكَذَا فِي الْعُضْو المبان مِنْهَا وَالصَّحِيح أَنه لَا ينْتَقض لانْتِفَاء الْمَعْنى وَهُوَ الظَّاهِر إِذْ لَا يُقَال لمس النِّسَاء
السَّبَب الرَّابِع مس الذّكر

قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من مس ذكره فَليَتَوَضَّأ
وَفِي مَعْنَاهُ من مس ذكر غَيره وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة إِذا مست فرجهَا
وَلَو لمس حَلقَة دبره قَالَ فِي الْقَدِيم لَا ينْقض وَفِي الْجَدِيد ألحقهُ بالمنصوص

(1/318)


وَقَالَ فِي فرج الْبَهِيمَة فِي الْجَدِيد لَا ينْتَقض بمسه وَفِي الْقَدِيم ألحقهُ بِهِ
وَأما الصَّغِير وَالْمَيِّت فينتقض الطُّهْر بِمَسّ ذكرهمَا لوُجُود اسْم الذّكر
قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد هَذَا يدل على تَحْرِيم النّظر إِلَى فرج الصَّغِير فَيحمل مَا رُوِيَ من تَقْبِيل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زبيبة الْحسن أَو الْحُسَيْن على جَرَيَانه وَرَاء الثَّوْب

(1/319)


فَأَما الذّكر المبان فَفِيهِ وَجْهَان وَأما مَحل الْجب فينقض الْوضُوء بمسه

(1/320)


ثمَّ هَذَا كُله فِي الْمس بالكف فَإِن كَانَ بِرَأْس الْأَصَابِع فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ خَارج عَن سمت الْكَفّ وَلكنه من جنس بشرة الْكَفّ وَإِن كَانَ بِمَا بَين الْأَصَابِع فَالصَّحِيح أَنه لَا ينْتَقض
فرع

إِذا مس الْخُنْثَى من نَفسه فرجيه انْتقض طهره فَإِن مس أَحدهمَا فَلَا لاحْتِمَال أَنه عُضْو زَائِد وَإِن مس أَحدهمَا وَصلى ثمَّ تَوَضَّأ وَمَسّ الآخر وَصلى فإحدى صلاتيه بَاطِلَة قطعا وَهل يقْضِي فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يقضيهما جيمعا كمن فَاتَتْهُ صَلَاة من صَلَاتَيْنِ
وَالثَّانِي لَا يقضيهما لِأَن لكل صَلَاة حكمهَا فَهُوَ كَمَا لَو صلى صَلَاتَيْنِ إِلَى جِهَتَيْنِ باجتهادين
أما إِذا مس رجل فرج الْخُنْثَى إِن مس ذكره انْتقض وَإِن مس فرجه لم ينْتَقض وَالْمَرْأَة إِن مست فرجه انْتقض وَإِن مست ذكره لم ينْتَقض لاحْتِمَال أَنه عُضْو زَائِد

(1/321)


وَلَو أَن خنثيين مس أَحدهمَا من صَاحبه الْفرج وَمَسّ الآخر الذّكر فقد انتقضت طَهَارَة أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه بِكُل حَال وَلَكِن تصح صلاتهما وَيَأْخُذ كل وَاحِد مِنْهُمَا بِاحْتِمَال الصِّحَّة كَمَا إِذا قَالَ الرجل إِن كَانَ هَذَا الطَّائِر غرابا فامرأتي طَالِق وَقَالَ الآخر إِن لم يكن غرابا فامرأتي طَالِق وأشكل دَامَ الْحل لكل وَاحِد مِنْهَا
فَإِن قيل وَبِمَا يتَبَيَّن حَال الْخُنْثَى قُلْنَا بِثَلَاثَة طرق
أَحدهمَا خُرُوج الْخَارِج من أحد الفرجين فَإِن بَال بفرج الرِّجَال أَو أمنى فَرجل وَإِن بَال بفرج النِّسَاء أَو حَاضَت فإمرأة وَإِن أمنى بفرج الرِّجَال وحاض بفرج النِّسَاء فمشكل وَإِن بَال بفرج الرِّجَال وحاض بفرج النِّسَاء قيل التعويل على المبال لِأَنَّهُ أدوم وَقيل مُشكل
الثَّانِيَة نَبَات اللِّحْيَة ونهود الثدي فِيهِ خلاف وَالْأَظْهَر أَنه لَا عِبْرَة بهما لِأَن ذَلِك لَا يعد نَادرا على خلاف الْمُعْتَاد

(1/322)


وَلَا خلاف أَن عدم نَبَات اللِّحْيَة وَعدم نهود الثدي فى أوانهما لَا نظر إِلَيْهِ وَلَا نظر إِلَى مَا قيل من تفَاوت عدد الأضلاع فَلَا أصل لَهُ فى الشَّرْع والتشريح
الثَّالِثَة أَن يُرَاجع الشَّخْص ليحكم بميله فَإِن أخبر لَا يقبل رُجُوعه إِلَّا أَن

(1/323)


يكذبهُ الْحس بِأَن يَقُول أَنا رجل ثمَّ يلد ولدا
قَاعِدَة

يَقِين الطَّهَارَة لَا يرفع بِالشَّكِّ وَلَا يَقِين الْحَدث يرفع بشك الطَّهَارَة لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِن الشَّيْطَان ليَأْتِي أحدكُم وَهُوَ فِي صلَاته فينفخ بَين أليتيه وَيَقُول أحدثت أحدثت فَلَا ينصرفن حَتَّى يسمع صَوتا أَو يشم ريحًا

(1/324)


فَإِن غلب على ظَنّه الْحَدث فَلَا تعويل عَلَيْهِ لِأَن العلامات تندر فِي الْأَحْدَاث فَلَا مجَال للِاجْتِهَاد فِيهَا بِخِلَاف النَّجَاسَات
وَاسْتثنى صَاحب التَّلْخِيص من هَذَا أَربع مسَائِل

(1/325)


إِحْدَاهَا أَن النَّاس لَو شكوا فى انْقِضَاء وَقت الْجُمُعَة صلوا الظّهْر وَإِن كَانَ الأَصْل بَقَاء الْوَقْت وعلته وَأَن الأَصْل وجوب الْأَرْبَع فَلَا يعدل إِلَى الْجُمُعَة إِلَّا بِيَقِين
الثَّانِيَة إِذا شكّ فى انْقِضَاء مُدَّة الْمسْح لم يمسح وَسَببه أَن الأَصْل غسل الرجل فَلَا عدُول إِلَّا بِيَقِين
الثَّالِثَة إِذا انْتهى الْمُسَافِر إِلَى مَكَان وَشك أَنه وَطنه أم لَا أَخذ بِأَنَّهُ وَطنه

(1/326)


الرَّابِعَة لَو شكّ أَنه نوى الْإِقَامَة أم لَا لم يترخص بِالْقصرِ لِأَن الأَصْل الْإِتْمَام
وَأبْدى بعض الْأَصْحَاب خلافًا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ دون الْأَوليين وَهُوَ بعيد
فرع

(1/327)


إِذا تَيَقّن أَنه بعد طُلُوع الشَّمْس تَوَضَّأ وأحدث وَلم يدر أَيهمَا سبق

(1/328)


قَالَ صَاحب التَّلْخِيص يسند الْوَهم إِلَى مَا قبله فَإِن انْتهى إِلَى الْحَدث فَهُوَ الْآن متطهر لِأَنَّهُ تَيَقّن طهرا بعده وَشك فى الْحَدث بعد الطُّهْر وَإِن انْتهى إِلَى الطُّهْر فَهُوَ الْآن مُحدث لما ذَكرْنَاهُ
وَمِنْهُم من قَالَ إِن انْتهى إِلَى طهر فمتطهر وَإِن انْتهى إِلَى حدث فمحدث والظنان الطارئان يتعارضان وَالصَّحِيح هُوَ الأول

(1/329)


الْفَصْل الثَّانِي فى حكم الْحَدث

وَهُوَ الْمَنْع من الصَّلَاة وَالطّواف وَسُجُود التِّلَاوَة وَمَسّ الْمُصحف وَحمله وَيَسْتَوِي فى الْمس الْجلد والحواشي وَمحل الكتبة
نعم فِي الخريطة والصندوق والغلاف والعلاقة وَجْهَان
وَلَو قلب الأوراق بقضيب فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا الْمَنْع لِأَنَّهُ حَامِل للورقة وَلَو قلب بِطرف الْيَد وَهِي مستورة بالكم فَحَرَام لِأَن التقليب بِالْيَدِ حرَام
وَأما الْحمل فَهُوَ محرم إِلَّا إِذا كَانَ فِي الصندوق وَمَعَهُ أَمْتعَة فَوَجْهَانِ وَوجه

(1/330)


التجويز أَنه غير مَقْصُود
وَلَا يحرم مس كتاب فِيهِ بِسم الله وَلَا كتب التَّفْسِير وَالْفِقْه وَلَا الثَّوْب لطرازه وَلَا الدِّرْهَم لنقشه وَكَذَا كل مَا لم يكْتب للدراسة فَأَما لوح الصّبيان فَلَا وَإِن كتب للدراسة لِأَن فِيهِ مشقة وَالأَصَح أَنه لَا يجب على الْمعلم تَكْلِيف الصَّبِي الْمُمَيز الطَّهَارَة لمس الْمُصحف واللوح فَإِن فِي حفظهَا عَلَيْهِم عسرة
أما الْجَنَابَة فكالحدث ونزيد هَاهُنَا تَحْرِيم قِرَاءَة الْقُرْآن والمكث فِي الْمَسْجِد أما العبور فَلَا
ثمَّ لَا فرق فِي الْقِرَاءَة بَين آيَة أَو بَعْضهَا إِلَّا أَن يَأْتِي بهَا على قصد الذّكر كَقَوْلِه بِسم الله وَالْحَمْد لله
وَالْمذهب أَن الْحَائِض كالجنب وَحكى أَبُو ثَوْر عَن أبي عبد الله أَنه كَانَ لَا يحرم

(1/331)


عَلَيْهَا الْقِرَاءَة إِمَّا لحَاجَة التَّعْلِيم وَإِمَّا خيفة النسْيَان فَقيل أَرَادَ بِأبي عبد الله الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَقيل أَرَادَ بِهِ مَالِكًا رَضِي الله عَنهُ
وَلَا بَأْس للْجنب بِأَن يُجَامع وَيَأْكُل وَيشْرب وَلَكِن يسْتَحبّ لَهُ أَن يتَوَضَّأ

(1/332)


وضوءه للصَّلَاة وَيغسل فرجه عِنْد الْجِمَاع فقد ورد فِيهِ الحَدِيث

(1/333)


وَرُوِيَ أَن رجلا سلم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ جنبا فَضرب يَده على الْجِدَار وَتيَمّم ثمَّ أجَاب تَعْظِيمًا للسلام فعلى هَذَا لَو تيَمّم الْمُحدث لقِرَاءَة الْقُرْآن مَعَ

(1/334)


وجود المَاء كَانَ جَارِيا على وفْق الحَدِيث وَلَا يجوز ذَلِك فِي صَلَاة الْجِنَازَة فَإِن الطَّهَارَة فِيهِ وَاجِبَة
وَفضل مَاء الْجنب طَاهِر وَهُوَ الَّذِي مَسّه الْجنب وَالْحَائِض والمحدث خلافًا لِأَحْمَد رَحمَه الله تَعَالَى

(1/335)