الوسيط في المذهب

= كتاب الْجَنَائِز =

(2/359)


وَالنَّظَر فِيهِ يتَعَلَّق بآداب المحتضر وبعسل الْمَيِّت وتزيينه وتكفينه وَحمل جنَازَته وَالصَّلَاة عَلَيْهِ وَدَفنه والتعزية والبكاء عَلَيْهِ
فتجري فِيهِ على تَرْتِيب الْوُجُود اعتيادا

(2/361)


القَوْل فِي المحتضر

من أشرف على الْمَوْت فليستقبل بِهِ الْقبْلَة وَهُوَ أَن يلقى على قَفاهُ وأخمصاه إِلَى الْقبْلَة
وَقيل إِنَّه يلقى على جنبه الْأَيْمن كَمَا يفعل بِهِ فِي لحده وَيسْتَحب أَن يلقن كلمتي الشَّهَادَة بِرِفْق من غير إضجار وَأَن تتلى بَين يَدَيْهِ سُورَة يس
وَليكن هُوَ فِي نَفسه حسن الظَّن بِاللَّه عز وَجل قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يموتن أحدكُم إِلَّا وَهُوَ يحسن الظَّن بِاللَّه
ثمَّ إِذا فاضت نَفسه تغمض عَيناهُ ويشد لحياه بعصابة كَيْلا يتشوه خلقه وتلين مفاصله كَيْلا يتصلب ويصان عَن الثِّيَاب المدفئة فَإِنَّهَا يسْرع إِلَيْهِ الْفساد فَيسْتر بِثَوْب خَفِيف وَيُوضَع على بَطْنه سيف أَو مرْآة كَيْلا يَرْبُو بَطْنه وَلَا يوضع عَلَيْهِ مصحف

(2/362)


القَوْل فِي الْغسْل

وَالنَّظَر فِي كيفيته وَفِي الْغَاسِل
أما الْكَيْفِيَّة

فأقله إمرار المَاء على جَمِيع الْأَعْضَاء كَمَا فِي الْجَنَابَة
وَفِي النِّيَّة وَجْهَان أَحدهمَا لَا تجب لتعذرها على المغسول وَالثَّانِي أَنَّهَا تجب على الْغَاسِل وَإِنَّمَا الْمَيِّت مَحل الْغسْل وعَلى هَذَا يبتنى غسل الْكَافِر وَمن لَفظه الْبَحْر وانغسلت أعضاؤه
أما الْأَكْمَل فلتقدم عَلَيْهِ ثَلَاثَة أُمُور

الأول أَن ينْقل إِلَى مَوضِع خَال على لوح مُهَيَّأ لذَلِك وَلَا ينْزع قَمِيصه بل يغسل فِيهِ وَإِن مست الْحَاجة إِلَى مس بدنه فتق الْغَاسِل الْقَمِيص وَأدْخل يَده فِيهِ وَإِن نزع الْقَمِيص جَازَ وَلَكِن يستر عَوْرَته إِذْ يحرم النّظر إِلَيْهَا وَيكرهُ النّظر إِلَى جَمِيع بدنه إِلَّا للْحَاجة

(2/363)


الثَّانِي أَن يحضر مَاء بَارِدًا كَيْلا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد وَليكن طَاهِرا طهُورا وَلَو اسْتعْمل السدر فِي بعض الغسلات جَازَ لَكِن الْمُتَغَيّر بالسدر لَا يتَأَدَّى بِهِ الْغَرَض خلافًا لأبي إِسْحَاق الْمروزِي
وَيَنْبَغِي أَن يعد موضعا كَبِيرا للْمَاء وينحيه عَن المغتسل بِحَيْثُ لَا يصل إِلَيْهِ رشاش المَاء الْمُسْتَعْمل
الثَّالِث أَن يبْدَأ بالاستنجاء فليجلس الْمَيِّت وَيمْسَح يَده على بَطْنه متحاملا بقوته لتنتفض الفضلات وَعِنْده تكون المحجرة متقدة فائحة بالطيب ثمَّ يردهُ إِلَى هَيْئَة الاستلقاء ويلف خرقَة على يَده وَيغسل إِحْدَى سوأتيه مبالغا فِيهِ ثمَّ يُبدل الْخِرْقَة وَيغسل الْأُخْرَى وَإِن كَانَ على بدنه نَجَاسَة أزالها ثمَّ يتعهد أَسْنَانه وَمنْخرَيْهِ بِخرقَة نظيفة مبلولة وَيكون ذَلِك كالسواك ثمَّ يوضئه ثَلَاثًا مَعَ الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق فَإِن كَانَت أَسْنَانه متراصة فَلَا يفتحها للمضمضة بل يُوصل المَاء إِلَى أفرة وَإِن كَانَت مَفْتُوحَة فَفِي إِيصَال المَاء إِلَى دَاخل الْفَم تردد خيفة من

(2/364)


تسارع الْفساد ثمَّ يتعهد شعره بِمشْط وَاسع الْأَسْنَان احْتِرَازًا عَن النتف ثمَّ يبتدأ بِالْغسْلِ
وكيفيته أَن يضجعه على جنبه الْأَيْسَر وَيصب المَاء على شقَّه الْأَيْمن مبتدئا من رَأسه إِلَى قدمه ثمَّ يضجعه على الشق الْأَيْمن وَكَذَلِكَ يفعل بالشق الْأَيْسَر وَهِي غسلة وَاحِدَة ثمَّ يفعل ذَلِك ثَلَاثًا ويمر فِي كل نوبَة الْيَد على بَطْنه لخُرُوج الفضلات فَإِن حصل النَّقَاء بِثَلَاث فَذَاك وَإِلَّا فَخمس أَو سبع ثمَّ يُبَالغ فِي نشفه صِيَانة للكفن عَن الرُّطُوبَة وَيسْتَعْمل قدرا من الكافور لدفع الْهَوَام
فرعان

أَحدهمَا لَو خرجت مِنْهُ نَجَاسَة بعد الْغسْل فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أَنه يُعِيد الْكل
الثَّانِي أَنه يُعِيد الْوضُوء دون الْغسْل الثَّالِث يقْتَصر على إِزَالَة النَّجَاسَة
الثَّانِي لَو احْتَرَقَ مُسلم وَكَانَ فِي غسله مَا يهرئه يممناه وَلَو كَانَ عَلَيْهِ قُرُوح وغسله يسْرع إِلَيْهِ الْفساد غسلناه لِأَن مصيره إِلَى البلى

(2/365)


النّظر الثَّانِي فِي الْغَاسِل

وَيجوز للرِّجَال غسل الرِّجَال وللنساء غسل النِّسَاء وَعند اخْتِلَاف الْجِنْس فَلَا يجوز إِلَّا بزوجية أَو محرمية وَيجوز بِملك الْيَمين للسَّيِّد فِي أمته ومستولداته وَهل وَيجوز لَهما غسل السَّيِّد فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا نعم كَالزَّوْجَةِ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُمَا صارتا أجنبيتين بالعنق والانتقال إِلَى الْوَرَثَة
فرعان

الأول لَو مَاتَت امْرَأَة وَلم تَجِد إِلَّا رجلا أَجْنَبِيّا أَو مَاتَ رجل وَلم يجد إِلَّا أَجْنَبِيَّة تولى الْغسْل من حضر مَعَ عض الْبَصَر وَكَذَا الْخُنْثَى يتَوَلَّى غسله إِمَّا الرِّجَال وَإِمَّا النِّسَاء استصحابا لحكم الصغر

(2/366)


وَقيل يتَيَمَّم فِي هَذِه الصُّور وفقد الْغَاسِل كفقد المَاء وَهُوَ بعيد
الثَّانِي إِذا ازْدحم جمع يصلحون للْغسْل على امْرَأَة فالبداية بنساء الْمَحَارِم ثمَّ بعدهن بالأجنبيات ثمَّ بِالزَّوْجِ ثمَّ بِرِجَال الْمَحَارِم وترتيب الْمَحَارِم كترتيبهم فِي الصَّلَاة هَذِه طَريقَة المراوزة
وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجها فِي تَقْدِيم الزَّوْج على نسَاء الْمَحَارِم لِأَنَّهُ ينظر إِلَى مَا لَا ينظرُونَ إِلَيْهِ ووجها فِي تَقْدِيم رجال الْمَحَارِم على الزَّوْج لِأَن النِّكَاح مُنْقَطع بِالْمَوْتِ وَلَا شكّ أَن الْمُسلم الْأَجْنَبِيّ أولى من الْقَرِيب الْمُشرك

(2/367)


هُنَا إِذا تنافسوا فَإِن تواكلوا فللمتأخر أَن يتعاطى الْغسْل
قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد التَّرْتِيب بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء وَاجِب لَا يدْخلهُ الْخيرَة أما التواكل بَين الرِّجَال أَو بَين النِّسَاء فَغير مُمْتَنع

(2/368)


القَوْل فِي التزيين

وَفِي قلم أظفار الْمَيِّت وَحلق شعره الذى كَانَ يحلقه ندبا فِي حَال الْحَيَاة قَولَانِ
أَحدهمَا يسْتَحبّ لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام افعلوا بموتاكم مَا تَفْعَلُونَ بأحيائكم وَالثَّانِي لَا لِأَن حكم الْمَوْت شَامِل لأجزائه فَلَا يفصل مِنْهُ شئ
أما الْمحرم فَلَا يحلق شعره وَلَا يخمر رَأسه إِن كَانَ رجلا وَوَجهه إِن كَانَت امْرَأَة وَلَا يقرب طيبا
وَفِي صِيَانة الْمُعْتَدَّة عَن الطّيب وَجْهَان وَوجه الْفرق أَن امتناعها تحرز عَن الرِّجَال أَو تفجع على الزَّوْج وَقد فَاتَ بِالْمَوْتِ

(2/369)


القَوْل فِي التَّكْفِين

وَأحب الثِّيَاب إِلَى الله الْبيض ولبكن جنسه الْقطن أَو الْكَتَّان أما الْحَرِير فَيحرم على الرِّجَال وَيكرهُ للنِّسَاء لأجل السَّرف
وَأَقل الْكَفَن ثوب وَاحِد سَاتِر لجَمِيع الْبدن فَلَو أوصى بِمَا دون ذَلِك لم ينفذ لِأَنَّهُ حق الشَّرْع
فَأَما الثَّانِي وَالثَّالِث فَهُوَ حق الْمَيِّت ينفذ وَصيته فِي إِسْقَاطهَا وَالصَّحِيح أَن الْوَرَثَة يلْزمهُم الثَّانِي وَالثَّالِث وَهل للْغُرَمَاء الْمُنَازعَة فِيهَا
فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن تبرئه ذمَّته أولى من الزِّيَادَة على وَاحِد وَالثَّانِي لَا لِأَن ذَلِك من تجمله بعد الْمَوْت فَهُوَ كعمايتة ودراعته فِي حَال حَيَاته

(2/370)


فَأَما الْمَرْأَة إِن لم تخلف مَالا فَهَل يجب على زَوجهَا تجهيزها فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا لَا لِأَن النِّكَاح قد انْتهى الثَّانِي نعم لِأَن النِّكَاح قد اسْتَقر وَأوجب الْإِرْث وَهَذِه آخر حاجاتها فِي الْكسْوَة فَإِن لم نوجب على الزَّوْج فتكفين كل فَقير من بَيت المَال وَلَكِن بِثَوْب وَاحِد أَو بِثَلَاثَة فِيهِ وَجْهَان الظَّاهِر أَنه ثوب وَاحِد
أما الْأَكْمَل فَهُوَ الثَّلَاث فِي حق الرِّجَال وَالزِّيَادَة إِلَى الْخمس جَائِز من غير اسْتِحْبَاب وَفِي حق النِّسَاء مُسْتَحبّ وَالزِّيَادَة على الْخمس سرف على الْإِطْلَاق
ثمَّ إِن كفن فِي خمس فعمامة وقميص وَثَلَاث لفائف وَإِن كفن فِي ثَلَاث فَثَلَاث لفائف من غير قَمِيص وَلَا عمائم كلهَا سوابغ

(2/371)


وَإِن كفنت فِي خمس فإزار وخمار وَثَلَاث لفائف وَفِي قَول تبدل لفافة بقميص وَإِن كفنت فِي ثَلَاث فَثَلَاث لفائف وَإِنَّمَا التَّرَدُّد فِي الْقَمِيص إِذا كفنت فِي خمس
أما كَيْفيَّة الإدراج فِي الْكَفَن فَأن يفرش اللفافة الْعليا ويذر عَلَيْهَا الحنوط ويبسط عَلَيْهَا الثَّانِيَة ويذر عَلَيْهَا الحنوط ويبسط الثَّالِثَة وَيُزَاد فِي الحنوط وَيُوضَع الْمَيِّت عَلَيْهَا ثمَّ يَأْخُذ قدرا صَالحا من الْقطن الحليج ويلف قدرا مِنْهُ ويدسه فِي الأليتين ثمَّ يبسط عَلَيْهِ قدرا عريضا من الْقطن ويشد الأليتين ويستوثق كَيْلا يخرج مِنْهُ خَارج ثمَّ يعمد إِلَى المنافذ من الْعين والفم وَالْأنف وَالْأُذن ويلصق بِكُل مَوضِع قطنه عَلَيْهَا كافور ثمَّ يلف الْكَفَن عَلَيْهِ
وَيسْتَحب أَن يبخر الْكَفَن بِالْعودِ وَهُوَ أولى من الْمسك وَفِي كَون الحنوط وَاجِبا أَو مُسْتَحبا وَجْهَان وَالصَّحِيح أَنه مُسْتَحبّ

(2/372)


القَوْل فِي حمل الْجِنَازَة

وَالْأولَى أَن يحملهُ ثَلَاثَة وَيكون السَّابِق بَين العمودين فَإِن لم يسْتَقلّ بِحمْل الخشبتين فرجلان من جانبيه وَهُوَ بَين العمودين فيكونون خَمْسَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْحمل بَين العمودين بِدعَة وَمن أَرَادَ أَن يحمل الْجِنَازَة فليحملها من جَمِيع جوانبها فَيحمل على عَاتِقه الْأَيْمن مُقَدّمَة الْجِنَازَة ثمَّ يرجع إِلَى مُقَابِله من مؤخرتها ثمَّ

(2/373)


يفعل ذَلِك بالشق الآخر
ثمَّ الْمَشْي أَمَام الْجِنَازَة أفضل عندنَا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة خلفهَا أفضل
وَقَالَ أَحْمد إِن كَانَ رَاكِبًا فخلفها وَإِن كَانَ مَاشِيا فأمامها
وَالْمَشْي أفضل من الرّكُوب والإسراع بالجنازة أولى قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن كَانَ خيرا فَإلَى خير تقدمونه وَإِن كَانَ غير ذَلِك فبعدا لأهل النَّار

(2/374)


القَوْل فِي الصَّلَاة على الْمَيِّت

وَالنَّظَر فِي أَرْبَعَة أَطْرَاف
الأول فِيمَن يصلى عَلَيْهِ

وَهُوَ كل ميت مُسلم لَيْسَ بِشَهِيد فهذ ثَلَاثَة قيود
الْقَيْد الأول الْمَيِّت

وَفِيه مَسْأَلَتَانِ الأولى لَو صادفنا عُضْو آدَمِيّ وَاحْتمل كَون صَاحبه حَيا لم نصل عَلَيْهِ وَإِن قطع بِمَوْت صَاحبه غسلناه وصلينا عَلَيْهِ وواريناه بِخرقَة ودفناه وَتَكون هَذِه الصَّلَاة على الْمَيِّت الْغَائِب
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يصلى عَلَيْهِ إِلَّا إِذا وجد النّصْف الْأَكْبَر فَإِنَّهُ لَا تجوز الصَّلَاة على الْغَائِب عِنْده
الثَّانِيَة السقط إِن خرج واستهل فَهُوَ كالكبير وَإِن لم يظْهر عَلَيْهِ التخطيط فيوارى

(2/375)


فِي خرقَة وَلَا يغسل وَلَا يصلى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يتَحَقَّق حَيَاته
وَإِن ظهر شكل الْآدَمِيّ فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه كالكبير اسْتِدْلَالا بالشكل على الرّوح وَالثَّانِي لَا يغسل وَلَا يصلى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم تحقق حَيَاته وَالثَّالِث أَنه يغسل وَلَا يصلى عَلَيْهِ والدفن يجب قولا وَاحِدًا والكفن لَا يجب إكماله إِلَّا إِذا أَوجَبْنَا الصَّلَاة وَإِن اختلج بعد الِانْفِصَال قَلِيلا ثمَّ سكن فَالْخِلَاف هَاهُنَا مُرَتّب وَأولى بِأَن يعْتَقد حَيَاته
الْقَيْد الثَّانِي

الْإِسْلَام فَلَا يصلى قطّ على كَافِر وَلَا على مُبْتَدع يكفر فِي بدعته وَإِن كَانَ الْكَافِر حَرْبِيّا فَلَا يجب دَفنه
وَأما الذِّمِّيّ فَتحرم الصَّلَاة عَلَيْهِ وَلَكِن دَفنه وتكفينه من فروض الكفايات وَفَاء بِالذِّمةِ
وَفِي كَلَام الصيدلاني إِشَارَة إِلَى أَنه كالحربي إِذْ لم يبْق لَهُ ذمَّة بعد الْمَوْت
فرع

إِذا اخْتَلَط موتى الْمُسلمين بالمشركين نغسلهم ونكفنهم تقصيا عَن الْوَاجِب ثمَّ عِنْد الصَّلَاة نميز الْمُسلمين عَن الْكَافرين بِالنِّيَّةِ

(2/376)


الْقَيْد الثَّالِث الشَّهَادَة فَلَا يغسل شَهِيد وَلَا يصلى عَلَيْهِ
والشهيد من مَاتَ بِسَبَب الْقِتَال مَعَ الْكفَّار فِي وَقت قيام الْقِتَال فَهَذِهِ ثَلَاثَة معَان فَإِن كَانَ فِي قتال أهل الْبَغي أَو مَاتَ حتف أَنفه فِي قتال الْكفَّار أَو مَاتَ بعد انْقِضَاء الْقِتَال بجراحة مثخنة أَصَابَته فِي الْقِتَال أَو قَتله الْحَرْبِيّ اغتيالا من غير قتال فَفِي الْكل قَولَانِ
أَحدهمَا يثبت لَهُ حكم الشَّهَادَة للاشتراك فِي الْمَعْنى وَالثَّانِي لَا لِأَن لكل وصف من هَذِه الْأَوْصَاف أثرا
وَلَا خلاف أَن من أَصَابَهُ فِي الْقِتَال سلَاح مُسلم أَو وطأته دَوَاب الْمُسلمين فَمَاتَ فَهُوَ شَهِيد وَلَا خلاف أَن الْمَجْرُوح إِذا كَانَ يتَوَقَّع حَيَاته فَمَاتَ بعد انْقِضَاء الْقِتَال فَلَيْسَ بِشَهِيد وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِيمَن يقطع بِأَنَّهُ يَمُوت إِذا بقيت فِيهِ حَيَاة مُسْتَقِرَّة
فَأَما الْقَتِيل ظلما من مُسلم أَو ذمِّي أَو المبطون أَو الْغَرِيب إِذا مَاتَ فَهَؤُلَاءِ يصلى

(2/377)


عَلَيْهِم وَإِن ورد فيهم لفظ الشَّهَادَة والقتيل بِالْحَقِّ قصاصا أَو حدا لَيْسَ بِشَهِيد
فرعان

أَحدهمَا تَارِك الصَّلَاة إِذا قتل يصلى عَلَيْهِ
قَالَ صَاحب التَّلْخِيص يطمس قَبره وَلَا يُكفن وَلَا يصلى عَلَيْهِ تحقيرا لَهُ وَهُوَ بعيد
الثَّانِي قَاطع الطَّرِيق إِذا صلب قيل لَا يصلى عَلَيْهِ تَغْلِيظًا وَالظَّاهِر أَنه يغسل وَيصلى عَلَيْهِ
وَإِن قُلْنَا إِنَّه يتْرك مصلوبا حَتَّى يتهرى فالطريق أَن نَقْتُلهُ أَولا ونغسله وَنُصَلِّي عَلَيْهِ ونصلبه فِي كَفنه وَكَأن الْهَوَاء قَبره
وَإِن قُلْنَا يقتل مصلوبا فَينزل بعد الْقَتْل وَيصلى عَلَيْهِ ويدفن وَمن يرى أَنه يقتل مصلوبا وَيبقى فَلَا يتَمَكَّن من الصَّلَاة
فَإِن قيل فبماذا يُفَارق الشَّهِيد غَيره

(2/378)


قُلْنَا فِي أَرْبَعَة أُمُور
الأول الْغسْل فَإِنَّهُ حرَام فِي حَقه وَإِن كَانَ جنبا لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام زملوهم بكلومهم وَدِمَائِهِمْ فَإِنَّهُم يحشرون يَوْم الْقِيَامَة وأوداجهم تشخب دَمًا فاللون لون الدَّم وَالرِّيح ريح الْمسك وَخرج ابْن سُرَيج وَجها فِي الْجنب أَنه يغسل
الثَّانِي الصَّلَاة عَلَيْهِ حرَام عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ جَائِز وَلكنه غير وَاجِب
الثَّالِث لَا يزَال دم الشَّهَادَة وَهل يزَال سَائِر النَّجَاسَات فِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا نعم لِأَن المعفو عَنهُ أثر الشَّهَادَة

(2/379)


وَالثَّانِي لَا لِأَن إِزَالَتهَا يُؤَدِّي إِلَى إِزَالَة أثر الشَّهَادَة
وَالثَّالِث أَنه إِن كَانَ يُؤَدِّي إِلَى الْإِزَالَة فَلَا يزَال وَإِلَّا فيزال
الْأَمر الرَّابِع التَّكْفِين فِي حَقه كَهُوَ فِي حق غَيره إِلَّا أَن الثِّيَاب الملطخة بِالدَّمِ لَا ينْزع وَلَو نَزعه الْوَارِث أَو أبدله فَلَا يمْنَع وَأما الدرْع وَالثيَاب الخشنة فَلَا شكّ فِي نَزعهَا
الطّرف الثَّانِي فِيمَن يُصَلِّي

وَالنَّظَر فِي صفة الإِمَام وموقفه
أما الصّفة فَالْأولى بِالصَّلَاةِ الْقَرِيب وَلَا يقدم على الْقَرَابَة إِلَّا الذُّكُورَة حَتَّى يقدم صبي مراهق على امْرَأَة والوالي يقدم على الْقَرِيب فِي الْقَدِيم
ثمَّ تَرْتِيب الْأَقَارِب أَن يبْدَأ بِالْأَبِ ثمَّ الْجد ثمَّ الابْن ثمَّ الْعَصَبَات على ترتيبهم فِي الْولَايَة ثمَّ فِي تَقْدِيم الْأَخ من الْأَب وَالأُم على الْأَخ من الْأَب طَرِيقَانِ
أَحدهمَا أَن فِيهِ قَوْلَيْنِ كَمَا فِي النِّكَاح وَالصَّحِيح التَّقْدِيم لِأَن لقرابة النِّسَاء مدخلًا فِي الصَّلَاة وَكَذَلِكَ إِذا فَقدنَا الْعَصَبَات قدمنَا ذَوي الْأَرْحَام وَالْأولَى تَقْدِيم الْمُعْتق عَلَيْهِم كَمَا فِي الْإِرْث

(2/380)


فرعان

أَحدهمَا أَن السن وَالْفِقْه إِذا تَعَارضا فِي أَخَوَيْنِ قَالَت المراوزة الأفقه أولى كَمَا فِي سَائِر الصَّلَوَات وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ هَاهُنَا يدل على أَن السن أولى وَنَصه فِي سَائِر الصَّلَوَات يدل على أَن الْفِقْه أولى فَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَوجه تَقْدِيم السن هَاهُنَا أَن المُرَاد الدُّعَاء وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله يستحي أَن يرد دَعْوَة ذِي الشيبة الْمُسلم
الثَّانِي عبد فَقِيه وحر غير فَقِيه وَأَخ رَقِيق وَعم حر فَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَجْهَان وَلَعَلَّ التَّسْوِيَة أولى لتعادل الْخِصَال وَعند التَّسْوِيَة لَا مرجع إِلَّا إِلَى الْقرعَة أَو التَّرَاضِي
فَأَما الْموقف فليقف الإِمَام وَرَاء الْجِنَازَة عِنْد صدر الْمَيِّت إِن كَانَ رجلا وَعند عجيزة الْمَرْأَة كَأَنَّهُ يحاول سترهَا عَن الْقَوْم فَلَو تقدم على الْجِنَازَة فَفِيهِ خلاف مُرَتّب على تقدم الْمُقْتَدِي على الإِمَام وَأولى بِالْجَوَازِ لِأَن الْغَائِب قد يصلى عَلَيْهِ وَيكون الْمَيِّت وَرَاء الْمُصَلِّي وَإِن كَانَ ذَلِك بِسَبَب الْحَاجة فَلَا بَأْس بِإِدْخَال الْجِنَازَة الْمَسْجِد خلافًا لأبي حنيفَة

(2/381)


فرعان

الأول إِذا اجْتمع الْجَنَائِز فَيجوز أَن يفرد كل وَاحِدَة بِالصَّلَاةِ وَيجوز أَن يصلى على الْجمع
وَفِي كَيْفيَّة الْوَضع وَجْهَان
الْأَصَح أَنه يوضع الْكل بَين يَدي الإِمَام على هَذِه الصُّورَة
الثَّانِي أَنه يوضع صفا مَادًّا فِي يَمِين الإِمَام على هَذِه الصُّورَة
الثَّانِي أَن قرب الْجِنَازَة من الإِمَام رُتْبَة مَطْلُوبَة مُسْتَحقّ بِالسَّبقِ مرّة وبالتقدم فِي الرُّتْبَة أُخْرَى فَيُوضَع الرجل أَولا ثمَّ الصَّبِي ثمَّ الْخُنْثَى ثمَّ الْمَرْأَة وَلَا يقدم بِالْحُرِّيَّةِ وَالرّق وَلَكِن بِصِفَات دينية تزيد الرَّغْبَة فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ وَلَو سبقت جَنَازَة امْرَأَة فَإِذا ألحق رجل نحيت الْمَرْأَة وَلَو سبق جَنَازَة صبي لَا تنحى بِسَبَب رجل وَذكر صَاحب التَّقْرِيب وَجها أَنه ينحى وَعند تَسَاوِي الصِّفَات فَلَا مرجع إِلَّا إِلَى الْقرعَة أَو التَّرَاضِي
الطّرف الثَّالِث فِي كَيْفيَّة الصَّلَاة

وأقلها تِسْعَة

(2/382)


أَرْكَان النِّيَّة والتكبيرات الْأَرْبَع وَالسَّلَام والفاتحة بعد الأولى وَالصَّلَاة على الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد الثَّانِيَة وَفِي الصَّلَاة على الْآل خلاف وَالدُّعَاء للْمَيت بعد الثَّالِثَة ركن وَهُوَ الْمَقْصُود الأهم وَقيل يَكْفِي الدُّعَاء للْمُؤْمِنين من غير ربط بِالْمَيتِ فَلَو زَاد تَكْبِيرَة خَامِسَة بطلت الصَّلَاة على أحد الْوَجْهَيْنِ تَشْبِيها لكل تَكْبِيرَة بِرَكْعَة
فَأَما الْأَكْمَل فيرفع السَّيِّد فِي التَّكْبِيرَات عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة وَفِي دُعَاء الاستفتاح والتعوذ ثَلَاثَة أوجه
الْأَصَح أَنه لَا يسْتَحبّ الاستفتاح ويتعوذ لِأَنَّهُ من تَوَابِع الْقِرَاءَة وَلَا يجْهر بِالْقِرَاءَةِ لَيْلًا كَانَ أَو نَهَارا
وَقَالَ الصيدلاني يجْهر لَيْلًا
وَفِي اسْتِحْبَاب الدُّعَاء للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات عِنْد الدُّعَاء للْمَيت تردد لِأَنَّهُ مَبْنِيّ على التَّخْفِيف وَالأَصَح الِاسْتِحْبَاب وَلم يتَعَرَّض الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لذكر بَين الرَّابِعَة

(2/383)


وَالسَّلَام
وروى الْبُوَيْطِيّ أَنه يَقُول اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمنَا أجره وَلَا تفتنا بعده وَفِي تعدد السَّلَام خلاف مُرَتّب على سَائِر الصَّلَوَات والاقتصار هَاهُنَا أولى فَيسلم بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة تِلْقَاء وَجهه وَقيل يسلم ملتفتا إِلَى يَمِينه وَيخْتم وَوَجهه مائل إِلَى يسَاره فيدير الْوَجْه فِي تَسْلِيمه وَاحِدَة وَلَا خلاف فِي أَنه لَا يسْجد فِي هَذِه الصَّلَاة لسهو
فروع ثَلَاثَة

الأول إِن صلى شفعوي خلف من يكبر خمْسا إِن قُلْنَا إِن زِيَادَة التَّكْبِير تبطل الصَّلَاة فَهِيَ كالاقتداء بالحنفي وَإِن قُلْنَا لَا تبطل صحت الْقدْوَة وَلَكِن فِي الْمُوَافقَة فِي التَّكْبِير الزَّائِد قَولَانِ جاريان فِي اخْتِلَاف فعل الإِمَام وَالْمَأْمُوم وَفِي الْقُنُوت وتكبيرات الْعِيدَيْنِ أَن الأولى الْمُتَابَعَة أم لَا
الثَّانِي الْمَسْبُوق يكبر كَمَا أدْرك وَإِن كَانَ الإِمَام فِي الْقِرَاءَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يصبر إِلَى أَن يشْتَغل الإِمَام بالتكبيرة الَّتِى يستقبلها ثمَّ لَا بَأْس إِن كَانَ هُوَ يقْرَأ بَقِيَّة الْفَاتِحَة وَالْإِمَام يُصَلِّي على الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن هَذَا هُوَ أول صَلَاة الْمَسْبُوق

(2/384)


وَلَكِن يساوق الإِمَام فِي التَّكْبِيرَات فَإِذا سلم الإِمَام تدارك الْبَقِيَّة وَلَا يُبَالِي وَإِن رفعت الْجِنَازَة
الثَّالِث لَو تخلف عَن الإِمَام قصدا بتكبيرة بطلت صلَاته لِأَنَّهَا كركعة وَإِذا لم يُوَافق فِيمَا بَين التكبيرتين لَا يبْقى للقدوة معنى
الطّرف الرَّابِع فِي شَرَائِط الصَّلَاة

وَهِي كَسَائِر الصَّلَوَات وتتميز بِأُمُور
الأول أَنه لَا يشْتَرط حُضُور ميت بل يصلى على الْغَائِب خلافًا لأبي حنيفَة صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على النَّجَاشِيّ وَقد مَاتَ بِالْحَبَشَةِ
وَإِن كَانَت الْجِنَازَة فِي الْبَلَد فَفِي صَلَاة من لم يحضرها خلاف لتيسر الْحُضُور
الثَّانِي لَا يشْتَرط ظُهُور الْمَيِّت بل تجوز الصَّلَاة عَلَيْهِ بعد الدّفن
صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على المسكينة بعد الدّفن

(2/385)


نعم لَو دفنُوا قبل الصَّلَاة خَرجُوا وَلَكِن تصح صلَاتهم وَصَلَاة الطَّائِفَة الثَّانِيَة صَحِيحَة عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة وَلَيْسَ ذَلِك تَطَوّعا بل هُوَ كَمَا لَو التحقوا بِالْجَمَاعَة الأولى وَإِنَّمَا التَّطَوُّع أَن يُعِيد الْإِنْسَان صَلَاة الْجِنَازَة وَذَلِكَ غير مُسْتَحبّ
ثمَّ فِي مُدَّة جَوَاز الصَّلَاة بعد الدّفن خَمْسَة أوجه
أَحدهَا أَنه إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام
وَالثَّانِي إِلَى شهر
وَالثَّالِث إِلَى انمحاق أَجْزَائِهِ
وَالرَّابِع أَن من كَانَ للصَّلَاة أَهلا يَوْم مَوته يصلى عَلَيْهِ وَمن لَا فَلَا
الْخَامِس أَنه يجوز أبدا
وعَلى هَذَا فَلَا تجوز الصَّلَاة على قبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لعن الله الْيَهُود اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد

(2/386)


الْأَمر الثَّالِث أَن هَذِه الصَّلَاة فرض على الْكِفَايَة وَيسْقط الْفَرْض بِصَلَاة أَرْبَعَة من الرِّجَال صلوا جمَاعَة أَو آحادا
وَهل يسْقط بِجِنْس النِّسَاء فِيهِ خلاف
وَقيل يَكْفِي شخص وَاحِد وَقيل لَا بُد من ثَلَاث وَقيل لَا بُد من أَربع

(2/387)


القَوْل فِي الدّفن

الدّفن من فروض الكفايات وَأقله حُفْرَة توارى بدن الْمَيِّت وتحرسه من السبَاع وتكتم رَائِحَته
وأكمله قبر على قامة رجل ربع
واللحد أولى من الشق قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشق لغيرنا واللحد لنا وَليكن اللَّحْد فِي جِهَة الْقبْلَة ثمَّ تُوضَع الْجِنَازَة على رَأس الْقَبْر بِحَيْثُ يكون رَأس الْمَيِّت عِنْد مُؤخر الْقَبْر فيسل الْوَاقِف دَاخل الْقَبْر الْمَيِّت من قبل رَأسه ويضعه فِي اللَّحْد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة تُوضَع الْجِنَازَة بَين الْقبْلَة والقبر عرضا ثمَّ ترد قهقرى إِلَى الْقَبْر
ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا يدْخل الْمَيِّت قَبره إِلَّا الرجل
فَإِن كَانَ الْمَيِّت امْرَأَة فيتولى ذَلِك زَوجهَا أَو محارمها فَإِن لم يَكُونُوا فعبيدها فَإِن لم يَكُونُوا فخصيان فَإِن لم يَكُونُوا فأرحام فَإِن لم يَكُونُوا فالأجانب وَذَلِكَ لِأَنَّهُنَّ يضعفن عَن مُبَاشرَة هَذَا الْأَمر
ثمَّ إِن كَانَ المدفون صَبيا اسْتَقل بِهِ وَاحِد فَإِن زَاد فَلْيَكُن عَددهمْ وترا

(2/388)


ثمَّ يضجعون الْمَيِّت على جنبه الْأَيْمن فِي اللَّحْد قبالة الْقبْلَة بِحَيْثُ لَا ينكب وَلَا يستلقي وَحسن أَن يُفْضِي بِوَجْهِهِ إِلَى تُرَاب أَو لبنة مَوْضُوعَة تَحت رَأسه وَلَا يوضع رَأسه على مخدة ثمَّ ينصب اللين على فتح اللَّحْد ويسد الْفرج بِمَا يمْنَع انهيار التُّرَاب عَلَيْهِ ثمَّ يحثو كل من دنا ثَلَاث حثيات من التُّرَاب ثمَّ يهال التُّرَاب عَلَيْهِ بِالْمَسَاحِي وَلَا يرفع نعش الْقَبْر إِلَّا بِمِقْدَار شبر وَلَا يجصص وَلَا يطين وَلَو صب الْحَصَى عَلَيْهِ فَلَا بَأْس وَلَو وضع حجر على رَأس الْقَبْر للعلامة فَلَا بَأْس
ثمَّ تَسْتَطِيع الْقُبُور عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أفضل من تسنيمها لَكِن التسنيم الْآن أفضل مُخَالفَة لشعار الروافض حَتَّى ظن ظانون أَن الْقُنُوت إِن صَار شعارا لَهُم كَانَ الأولى تَركه هَذَا بعيد فِي أبعاض الصَّلَاة وَإِنَّمَا نخالفهم فِي هيئات مثل التَّخَتُّم فِي الْيَمين وَأَمْثَاله
ثمَّ الْأَفْضَل أَن يمْكث المشيع للجنازة إِلَى أَن يواري الْمَيِّت قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى على ميت وَانْصَرف فَلهُ قِيرَاط من الْأجر وَمن صلى وَاتبع الْجِنَازَة وَشهد الدّفن فَلهُ قيراطان

(2/389)


فرعان

الأول أَنه لَا يدْفن فِي قبر وَاحِد ميتان مَا أمكن وَإِن اجْتمع موتى فِي قحط وموتان جعلنَا الرجلَيْن وَالثَّلَاثَة فِي قبر وَاحِد وَقدمنَا الْأَفْضَل إِلَى جِدَار اللَّحْد فَيقدم الْأَب على الابْن وَالِابْن على الْأُم لمَكَان الذُّكُورَة وَلِأَنَّهُ الْأَحْسَن فِي هَيْئَة الْوَضع وَلَا يجمع بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء فَإِن ظَهرت الضَّرُورَة جعلنَا بَينهمَا حاجزا من التُّرَاب
الثَّانِي الْقَبْر مُحْتَرم فَيكْرَه الْجُلُوس وَالْمَشْي والاتكاء عَلَيْهِ وليخرج الزائر مِنْهُ إِلَّا حد كَانَ يقرب مِنْهُ لَو كَانَ حَيا وَلَا يحل نبش الْقُبُور إِلَّا إِذا انمحق أثر الْمَيِّت بطول الزَّمَان أَو دفن من غير غسل فَالظَّاهِر أَنه ينبش الْقَبْر وَيغسل أَو دفن فِي أَرض مَغْصُوبَة وَترك الْمَالِك إِخْرَاجه فَإِن حق الْحَيّ أولى بالمراعاة
وَلَو دفن قبل الصَّلَاة صلي عَلَيْهِ فِي الْقَبْر
وَلَو دفن قبل التَّكْفِين فَوَجْهَانِ
أظهرهمَا أَنه لَا ينبش لِأَن الْقَبْر ستره بِخِلَاف الْغسْل فَإِن مَقْصُوده لَا يحصل بالدفن
وَلَو دفن فِي كفن مَغْصُوب فَثَلَاثَة أوجه

(2/390)


أظهرهمَا أَنه ينبش كالأرض الْمَغْصُوبَة وكما لَو ابتلع لؤلؤة فَإِنَّهُ يشق بَطْنه لأجل ملك الْغَيْر
وَالثَّانِي أَنه فِي حكم الْهَالِك فَيغرم الْقيمَة إِن أمكن وَإِلَّا فالنبش عِنْد الْعَجز عَن الْقيمَة لَا بُد مِنْهُ
وَالثَّالِث أَنه إِن تغير الْمَيِّت وَأدّى إِلَى هتك حرمته فَلَا ينبش وَهُوَ الأقيس وَإِلَّا فينبش

(2/391)


القَوْل فِي التَّعْزِيَة والبكاء

والتعزية سنة قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من عزى مصابا فَلهُ مثل أجره
ومقصوده الْحمل على الصَّبْر بوعد الْأجر والتحذير من الْوزر بإفراط الْجزع وتذكير الْمُصَاب رُجُوع الْأَمر كُله إِلَى الله تَعَالَى
ثمَّ يعزى الْكَافِر بقريبه الْمُسلم وَالدُّعَاء للْمَيت ويعزى الْمُسلم بقريبه الْكَافِر وَيكون الدُّعَاء للحي فَيَقُول جبر الله مصيبتك وألهمك الصَّبْر وَيسْتَحب تهيئة طَعَام لأجل أهل الْمَيِّت وَلَا يُؤثر التَّعْزِيَة بعد ثَلَاث لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تحد على ميت فَوق ثَلَاث
أما الْبكاء فَجَائِز من غير ندبة ونياحة وشق جيب وَضرب خد فَكل ذَلِك حرَام لِأَنَّهُ يُخَالف الانقياد لقَضَاء الله تَعَالَى
بَكَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على بعض أَوْلَاده فَقَالَ سعد مَا هَذَا فَقَالَ إِنَّهَا رَحْمَة وَإِن الله

(2/392)


يرحم من عباده الرُّحَمَاء
فَإِن قيل أَلَيْسَ قَالَ إِن الْمَيِّت ليعذب ببكاء أَهله عَلَيْهِ هَكَذَا رَوَاهُ عمر
قُلْنَا قَالَ ابْن عمر مَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا إِنَّمَا قَالَ يُزَاد الْكَافِر عذَابا ببكاء أَهله عَلَيْهِ حسبكم قَوْله تَعَالَى {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى}

(2/393)


وَكَانَ الْكفَّار يوصون بالبكاء والنياحة فَلذَلِك زيد فِي عَذَابهمْ
وَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا مَا كذب عمر وَلكنه أَخطَأ وَنسي إِنَّمَا مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على يَهُودِيَّة مَاتَت ابْنَتهَا وَهِي تبْكي فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنَّهُم يَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا تعذب فِي قبرها

(2/394)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب تَارِك الصَّلَاة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
تَارِك الصَّلَاة يقتل قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من ترك صَلَاة مُتَعَمدا فقد كفر
مَعْنَاهُ عِنْد الشَّافِعِي اسْتوْجبَ عُقُوبَة الْكَافِر وَحكم أَحْمد بِكُفْرِهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة بخلى وَلَا قتل عَلَيْهِ
ثمَّ الصَّحِيح أَنه يقتل بِصَلَاة وَاحِدَة إِذا تَركهَا عمدا وأخرجها عَن وَقت الضَّرُورَة فَلَا يقتل بِصَلَاة الظّهْر إِلَّا إِذا غربت الشَّمْس

(2/395)


وَفِي مهلة الاستتابة ثَلَاثَة أَيَّام خلاف كَمَا فِي اسْتِتَابَة الْمُرْتَد
وَقد قيل إِنَّه لَا يقتل إِلَّا إِذا صَار التّرْك عَادَة لَهُ وَقيل إِذا ترك صَلَاتَيْنِ أَو ثَلَاثَة فَكل ذَلِك تحكم
ثمَّ يقتل بِالسِّين وَيصلى عَلَيْهِ كَمَا يصلى على الْمُسلمين
وَقَالَ صَاحب التَّلْخِيص لَا يرفع نعشه وَلَا يصلى عَلَيْهِ وَهُوَ تحكم لَا أصل لَهُ وَالله أعلم

(2/396)