الوسيط في المذهب

= كتاب الزَّكَاة =

(2/397)


الأَصْل فِيهَا من الْكتاب قَوْله تَعَالَى {وَآتوا الزَّكَاة}
وَمن السّنة قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام بني الْإِسْلَام على خمس الحَدِيث وَقَوله مَانع الزَّكَاة فِي النَّار
وَالْإِجْمَاع مُنْعَقد على وجوب الزَّكَاة وَهِي بِالْإِضَافَة إِلَى متعلقاتها سِتَّة
زَكَاة النعم والنقدين وَالتِّجَارَة والمعشرات والمعادن والفطرة

(2/399)


النَّوْع الأول الزَّكَاة النعم وَالنَّظَر فِي وُجُوبهَا وآدائها
الطّرف الأول فِي الْوُجُوب وَله ثَلَاثَة أَرْكَان
من يجب عَلَيْهِ وَمَا يجب فِيهِ وَهُوَ السَّبَب وَالْوَاجِب
أما من يجب عَلَيْهِ فَلَا يشْتَرط فِيهِ عندنَا إِلَّا الْحُرِّيَّة وَالْإِسْلَام فَتجب الزَّكَاة على الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَلَا تجب على الْكَافِر وَالرَّقِيق أَعنِي الْكَافِر الْأَصْلِيّ
وَأما صفة الْوَاجِب وَقدره فيتبين بِبَيَان مقادير النّصاب
وَإِنَّمَا يطول النّظر فِي الرُّكْن الثَّالِث وَهُوَ مَا يجب فِيهِ وَله سِتَّة شَرَائِط أَن يكون نعما نِصَابا مَمْلُوكا متهيئا لكَمَال التَّصَرُّف سَائِمَة بَاقِيا حولا

(2/400)


الشَّرْط الأول أَن يكون نعما

فَلَا زَكَاة إِلَّا فِي الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم وَلَا زَكَاة فِي البغال وَالْحمير وَالْخَيْل والرقق
وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي كل فرس أُنْثَى سَائِمَة دِينَار
وَلَا زَكَاة فِي المتولدة من الظباء وَالْغنم
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَت الْأُمَّهَات من الْغنم وَجب الزَّكَاة

(2/401)


الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون نِصَابا

أما الْإِبِل فَفِي أَربع وَعشْرين من الْإِبِل فَمَا دونهَا الْغنم فِي كل خمس شَاة
فَإِذا بلغت خمْسا وَعشْرين إِلَى خمس وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بنت مَخَاض فَإِن لم يكن فِيهَا بنت مَخَاض فَابْن لبون ذكر وَلَيْسَ مَعَه شَيْء
فَإِذا بلغت سِتا وَثَلَاثِينَ إِلَى خمس وَأَرْبَعين فَفِيهَا بنت لبون
فَإِذا بلغت سِتا وَأَرْبَعين إِلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حقة
وَإِذا بلغت إِحْدَى وَسِتِّينَ إِلَى خمس وَسبعين فَفِيهَا جَذَعَة

(2/402)


فَإِذا بلغت سِتا وَسبعين إِلَى تسعين فَفِيهَا بنت لبون
فَإِذا بلغت إِحْدَى وَتِسْعين إِلَى مائَة وَعشْرين فَفِيهَا حقتان
فَإِذا زَادَت على عشْرين وَمِائَة فَفِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون وَفِي كل خمسين حقة
كل ذَلِك لفظ أبي بكر رَضِي الله عَنهُ وأرضاه كتبه فِي كتاب الصَّدَقَة لأنس بن مَالك
وَبنت الْمَخَاض لَهَا سنة وَبنت اللَّبُون لَهَا سنتَانِ وللحقة ثَلَاث وللجذعة أَربع
أما الْبَقر فَلَا شَيْء فِيهِ حَتَّى تبلغ ثَلَاثِينَ فَفِيهَا تبيع وَهُوَ الَّذِي لَهُ سنة ثمَّ لَا شَيْء حَتَّى تبلغ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا مُسِنَّة ثمَّ لَا شَيْء حَتَّى تبلغ سِتِّينَ فَفِيهَا تبيعان
ثمَّ اسْتَقر الْحساب فَفِي كل ثَلَاثِينَ تبيع وَفِي كل أَرْبَعِينَ مُسِنَّة وَهِي الَّتِى لَهَا سنتَانِ
وَأما الْغنم فقد روى ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب كتاب الصَّدَقَة وَفِيه فِي الْغنم فِي كل أَرْبَعِينَ شَاة إِلَى عشْرين وَمِائَة فَإِذا

(2/403)


زَادَت وَاحِدَة فَفِيهَا شَاتَان إِلَى مِائَتَيْنِ فَإِذا زَادَت وَاحِدَة على الْمِائَتَيْنِ فَفِيهَا ثَلَاث شِيَاه إِلَى ثَلَاثمِائَة فَإِن كَانَت الْغنم أَكثر من ذَلِك فَفِي كل مائَة شَاة
وَالشَّاة الْوَاجِبَة فِي الْغنم هِيَ الْجَذعَة من الضَّأْن أَو الثَّنية من الْمعز والجذعة هِيَ الَّتِي لَهَا سنة وَاحِدَة وَقيل سِتَّة أشهر والثنية الَّتِى لَهَا سنتَانِ ثمَّ يتَصَدَّى النّظر فِي زَكَاة الْإِبِل فِي

(2/404)


سِتَّة مَوَاضِع
النّظر الأول فِي إِخْرَاج الشَّاة عَن خمس من الْإِبِل وَفِيه ثَلَاث مسَائِل
الأولى أَن الْوَاجِب من حَيْثُ السن جَذَعَة من الضَّأْن أَو الثَّنية من الْمعز وَمن حَيْثُ النَّوْع أَعنِي تعْيين الضَّأْن من الْمعز فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يعْتَبر غَالب غنم الْبَلَد فَإِن كَانَ الْغَالِب الضَّأْن أخرج الضَّأْن كَمَا تعْتَبر زَكَاة الْفطر بغالب الْقُوت على الْأَصَح خلاف الشَّاة الْوَاجِبَة فِي أَرْبَعِينَ فَإِنَّهُ يعْتَبر بالمخرج مِنْهُ لِأَنَّهُ من جنسه
وَالثَّانِي أَنه يخرج مَا شَاءَ فَإِنَّهُ ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الشَّاة وَلم يجب إِلَّا شَاة كَمَا يجْرِي فِي الرَّقَبَة الْمُطلقَة فِي الْكَفَاءَة مَا ينْطَلق الِاسْم عَلَيْهِ وَكَذَا الشَّاة الْمَذْكُورَة فِي الْمَنَاسِك
وَقيل إِنَّه يعْتَبر جنس غنم صَاحب الْإِبِل وَهُوَ بعيد
الثَّانِيَة لَو أخرج جدعا ذكرا أَو ثنيا ذكرا فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يُجزئ اتبَاعا للاسم وَالثَّانِي لَا تَنْزِيلا للمطلق هَاهُنَا على الْمفصل فِي زَكَاة الْغنم وَهِي الْأُنْثَى وَهَذَا الْخلاف جَاءَ فِي شَاة الْجبرَان
الثَّالِثَة لَو أخرج بَعِيرًا عَن الْعشْرين فَمَا دونه يُجزئ لِأَنَّهُ يُجزئ عَن خمس وَعشْرين فَهُوَ بِأَن يُجزئ عَن الْأَقَل أولى وَلَا بَأْس وَإِن كَانَت قِيمَته أقل من الشَّاة

(2/405)


وَقَالَ الْقفال لَا يُؤْخَذ نَاقص الْقيمَة وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ الْتِفَات إِلَى الْبَدَل وَلم يُوجد هَذَا بطرِيق الْبَدَلِيَّة
وَقيل إِنَّه لَا يُجزئ بعير عَن عشرَة بل لَا بُد من حيوانين إِمَّا بعير وشَاة وَإِمَّا بعيران
وَهُوَ أَيْضا بعيد لما ذَكرْنَاهُ من طَرِيق الأولى
وترددوا فِي أَن الْبَعِير الْمخْرج من الْخمس هَل كُله فرض أَو الْفَرْض خمسه
النّظر الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الْعُدُول عَن بنت مَخَاض عِنْد فقدها إِلَى ابْن لبون وَفِيه أَربع مسَائِل
الأولى إِن لم يكن فِي مَاله بنت مَخَاض وَلَا ابْن لبون تخير فِي الشِّرَاء لِأَنَّهُ مهما اشْترى ابْن لبون فقد صَار مَوْجُودا دون بنت مَخَاض وَيلْزم أَخذه وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب يتَعَيَّن شِرَاء بنت مَخَاض لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْفَقْد كاستوائهما فِي الْوُجُود
الثَّانِيَة لَو كَانَ فِي مَاله بنت مَخَاض مَعِيبَة فَهِيَ كالمعدومة فَيُؤْخَذ مِنْهُ ابْن لبون وَإِن كَانَت كَرِيمَة فَلَا يُطَالب بهَا قَالَ الْقفال يلْزمه شِرَاء بنت مَخَاض لِأَنَّهَا مَوْجُودَة فِي مَاله وَإِنَّمَا نزل نظرا لَهُ فَلَا يُؤْخَذ ابْن لبون وَقَالَ غَيره يُؤْخَذ لِأَنَّهَا كالمعدومة إِذْ لَا يجب تَسْلِيمهَا

(2/406)


الثَّالِثَة الْخُنْثَى من بَنَات لبون تُؤْخَذ بَدَلا عَن بنت مَخَاض عِنْد فَقده لِأَنَّهُ بَين أَن يكون ذكرا أَو أُنْثَى وَكِلَاهُمَا مأخوذان وَقيل إِنَّه لَا يُؤْخَذ بَدَلا عَن بنت مَخَاض لتشوه الْخلقَة بِهَذَا النُّقْصَان
الرَّابِعَة لَو أخرج حَقًا بَدَلا عَن بنت لبون عِنْد فقدها أَخذ جبرا لفَوَات الْأُنُوثَة بِزِيَادَة السن وَقِيَاسًا على ابْن لبون بِالنِّسْبَةِ إِلَى بنت مَخَاض وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب يحْتَمل أَنه لَا يُؤْخَذ لِأَنَّهُ بدل وَلَيْسَ مَنْصُوصا عَلَيْهِ
النّظر الثَّالِث فِي الِاسْتِقْرَار فَإِذا زَادَت وَاحِدَة على مائَة وَعشْرين فَفِيهَا ثَلَاث بَنَات

(2/407)


لبون وَفِي انبساط الْوَاجِب على الْوَاحِدَة وَجْهَان أَحدهمَا الْقيَاس أَنه ينبسط وَالثَّانِي أَنه لَا ينبسط حَتَّى يكون فِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون وعَلى هَذَا بنى أَنه لَو زَاد نصف بعير على مائَة وَعشْرين وَجب ثَلَاث بَنَات لبون وَهُوَ بعيد
وَأما أَبُو حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ يسْتَأْنف الْحساب عِنْد ذَلِك فَيجب فِي كل خمس شَاة وَقَالَ ابْن خيران يتَخَيَّر بَين مَذْهَب الشَّافِعِي وَمذهب أبي حنيفَة رَضِي الله عَنْهُمَا

(2/408)


النّظر الرَّابِع فِي اجْتِمَاع بَنَات اللَّبُون والحقاق فَإِذا ملك مِائَتَيْنِ من الْإِبِل فَهِيَ أَربع خمسينيات وَخمْس أربعينيات فَإِن لم يُوجد فِي مَاله إِلَّا أحد السنين أَخذ وَإِن فقد فَلهُ أَن يَشْتَرِي مَا شَاءَ على الصَّحِيح وَإِن وجدا جَمِيعًا فَالْوَاجِب إِخْرَاج الأغبط للْمَسَاكِين لِأَنَّهُمَا متساويان فِي الْوُجُوب والوجود وَلَا بُد من تَرْجِيح فغرض

(2/409)


الْمَسَاكِين أولى مَا يرجح بِهِ بِخِلَاف الشاتين وَالدَّرَاهِم فِي الْجبرَان فَإِن لفظ الْخَبَر دلّ على أَن الْخيرَة للمعطي فِيهِ
وَخرج ابْن سُرَيج قولا أَنه يتَخَيَّر هَاهُنَا كَمَا فِي الْجبرَان وَنقل الْعِرَاقِيُّونَ قولا أَن الحقة تتَعَيَّن لِأَن رَغْبَة الشَّرْع فِي زِيَادَة السن أَكثر مِنْهُ فِي زِيَادَة الْعدَد فَإِنَّهُ لم يزدْ فِي الْعدَد إِلَّا بعد انْقِطَاع الْأَسْنَان الْمُعْتَبرَة
التَّفْرِيع على النَّص إِذا أخرج غير الأغبط فَأخذ السَّاعِي عمدا لم يَقع الْموقع وَإِن أَخذه بِاجْتِهَادِهِ فَوَجْهَانِ

(2/410)


فَإِن قُلْنَا يَقع الْموقع فَفِي وجوب قدر التَّفَاوُت وَجْهَان فَإِن قُلْنَا يجب فَإِن لم يجد بِهِ شِقْصا أَخذنَا الدَّرَاهِم فَإِن وجد فَهَل يجب شِرَاء شقص فَوَجْهَانِ فَإِن قُلْنَا يجب فيشتري من جنس الأغبط أَو من جنس الْمخْرج فَوَجْهَانِ
فروع ثَلَاثَة

الأول لَو أخرج حقتين وبنتي لبون وَنصف وَلم يجز للتشقيص فَلَو ملك أَرْبَعمِائَة فَأخْرج أَربع حقاق وَخمْس بَنَات لبون فَالْأَظْهر الْجَوَاز
وَفِيه وَجه أَنه لَا يجوز التَّفْرِيق فِي جنس الْمخْرج

(2/411)


الثَّانِي لَو جعل الحقاق الْأَرْبَع أصلا وَنزل إِلَى بَنَات الْمَخَاض وَضم ثَمَانِيَة جبرانات وَاتخذ بَنَات اللَّبُون أصلا ورقي إِلَى الجذاع وَطلب عشر جبرانات لَا يجوز لِأَنَّهُ تخطى فِي الصُّورَتَيْنِ سنا وَاجِبا هُوَ أصل فِي نَفسه وتكثير الْجبرَان بِغَيْر حَاجَة لَا يجوز
الثَّالِث لَو كَانَ فِي مَاله حقة وَأَرْبع بَنَات لبون فَجعل بَنَات اللَّبُون أصلا وَأخذ جبرانا للحقة جَازَ وَلَو جعل الحقة أصلا وَأخرج مَعهَا ثَلَاث بَنَات لبون وَثَلَاث جبرانات فَالْمَذْهَب جَوَازه
وَقيل يمْتَنع لِأَنَّهُ يبْقى فِي مَاله بنت لبون وَهُوَ مستغن عَن الْجبرَان فِيهِ
النّظر الْخَامِس فِي الْجبرَان وجبران كل مرتبَة فِي السن عِنْد فقد السن الْوَاجِب شَاتَان أَو عشرُون درهما مَنْصُوص عَلَيْهِ وَإِن رقي بسنين جمع بَين جبرانين

(2/412)


وَلَا مدْخل للجبران فِي زَكَاة الْبَقر وَفِيه أَربع مسَائِل
الأولى أَن الْخيرَة إِلَى الْمُعْطى فِي تعْيين الشَّاة أَو الدَّرَاهِم وَفِي الانخفاض لتسليم الْجبرَان أَو الِارْتفَاع لأخذ الْجبرَان قيل الْخيرَة فِيهِ إِلَى الْمَالِك وَمن أَصْحَابنَا من نقل نصا عَن الْإِمْلَاء أَن المتبع الأغبط للْمَسَاكِين كَمَا فِي اجْتِمَاع الحقاق وَبَنَات اللَّبُون

(2/413)


وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ أثبت ترفيها للْمَالِك كَيْلا يحْتَاج إِلَى الشِّرَاء فَلَا يَلِيق بِهِ إِلَّا التَّخْيِير
نعم لَو كَانَت إبِله مراضا فَوَجَبَ بنت لبون فَأخْرج بنت مَخَاض مَعَ جبران قبل وَلَو ارْتقى إِلَى حقة وَطلب جبرانا لم يجز لِأَنَّهُ رُبمَا يزِيد قيمَة الْجبرَان على الْمَرِيضَة
الثَّانِيَة لَو وَجب بنت مَخَاض فَنزل إِلَى فصيل مَعَ جبران لم يجز لِأَنَّهُ لَيْسَ ذَلِك سنا وَلَو وَجَبت جَذَعَة فَأخْرج ثنية وَطلب جبرانا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَهُ ذَلِك كَسَائِر الْأَسْنَان وَالثَّانِي لَا لِأَن الثَّنية لَيست من أَسْنَان الزَّكَاة

(2/414)


الثَّالِثَة لَو كَانَ عَلَيْهِ بنت لبون فَلم يجد وَفِي مَاله حقة وجذعة فرقي إِلَى الْجَذعَة وَطلب جبرانين فَفِي جَوَازه وَجْهَان وَجه الْمَنْع أَنه مستغن عَن الْجبرَان الثَّانِي بِوُجُود الحقة
وَكَذَا الْخلاف إِذا نزل من الحقة إِلَى بنت الْمَخَاض مَعَ وجود بنت اللَّبُون وَلَو رقي من بنت لبون إِلَى الْجَذعَة مَعَ وجود بنت مَخَاض فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْجَوَازِ لِأَن الْقَرِيب الْمَوْجُود لَيْسَ فِي جِهَة الترقي
الرَّابِعَة لَا يجوز تَفْرِيق الْجبرَان الْوَاحِد بِإِخْرَاج شَاة وَعشرَة دَرَاهِم وَلَو رقي سِنِين

(2/415)


أَو نزل وَجمع بَين عشْرين درهما وشاتين جَازَ كَمَا فِي كفاءة يمينين
النّظر السَّادِس فِي صفة الْمخْرج من حَيْثُ النُّقْصَان والكمال وَالنُّقْصَان خَمْسَة الْمَرَض وَالْعَيْب والذكورة والصغر ورداءة النَّوْع كالمعز بِالنِّسْبَةِ إِلَى الضَّأْن فَإِن كَانَ كل المَال كَامِلا فِي هَذِه الصِّفَات لم يُؤْخَذ إِلَّا الْكَامِل وَإِن كَانَ كل المَال نَاقِصا فَيُؤْخَذ من جنسه إِلَّا فِي نُقْصَان الذُّكُورَة وَالسّن فَإِن فِيهَا وَجْهَيْن أَحدهمَا يُؤْخَذ قِيَاسا على غَيره وَالثَّانِي لَا لِأَن اسْم الشَّاة أَو بنت لبون ينْطَلق على الْمَرِيضَة والمعيبة والرديئة وَلَا ينْطَلق على الذّكر والفصيل وَقد وَجب بِلَفْظ بنت لبون مثلا وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي أَخذ الذّكر وَالصَّغِير إِلَى التَّسْوِيَة بَين الْقَلِيل وَالْكثير فَيُؤْخَذ من إِحْدَى وَسِتِّينَ وَاحِدَة وَمن خمس وَعشْرين وَاحِدَة

(2/416)


وَيُؤْخَذ من سِتّ وَثَلَاثِينَ ابْن لبون وَمن خمس وَعشْرين وَهَذَا محَال
وَفِيه وَجه ثَالِث أَنه حَيْثُ يُؤَدِّي إِلَى التَّسْوِيَة فَلَا يَأْخُذ إِلَّا أُنْثَى وكبيرة وَإِن جَاوز هَذَا الْمِقْدَار وَأخذ من الصغار صَغِيرَة أما إِذا اخْتلف المَال فِي هَذِه الصِّفَات أما فِي صفة الذُّكُورَة والصغر فَلَا يَأْخُذ إِلَّا الْأَكْمَل فَإِذا كَانَ فِي المَال أُنْثَى وكبيرة فَلَا يَأْخُذ إِلَّا الْأُنْثَى والكبيرة لِأَنَّهُ قَالَ فِي خمس وَعشْرين بنت مَخَاض وَالْغَالِب أَن كل المَال لَا يَنْفَكّ عَن الصَّغِير وَالذكر وَلما رُوِيَ أَن عمر قَالَ لمصدقه اعْتد عَلَيْهِم بالسخلة الَّتِي يروح بهَا الرَّاعِي على يَدَيْهِ وَلَا تأخذها وَلَا تَأْخُذ الأكولة وَلَا الربى وَلَا الماخض وَلَا فَحل الْغنم وَخذ الْجَذعَة من الضَّأْن والثنية من الْمعز فَذَلِك عدل بَين غذَاء المَال

(2/417)


المَال وجباره
الأكولة مَا اتخذ للْأَكْل والربى الَّتِى تربي وَلَدهَا والماخض الْحَامِل
وكل ذَلِك لَا يُؤْخَذ نظرا للْمَالِك فَإِن تبرع بِهِ قبل
وَأما صفة الْمَرَض فَإِذا انقسم المَال إِلَى صَحِيح ومريض لم يُؤْخَذ إِلَّا الصَّحِيح نعم يُؤْخَذ صَحِيح فِي أقل الدَّرَجَات حَتَّى بَالغ بعض أَصْحَابنَا وَقَالَ لَو كَانَ الصَّحِيح وَاحِدَة وَالْوَاجِب شَاتَان صَحِيح فأخرجها مَعَ مَرِيضَة لم يجز لِأَن الْمَرِيضَة تزكّى الْمخْرج مَعهَا وَهِي صَحِيحَة وَهَذَا سرف بل يقْضى بِأَنَّهُ إِذا لم يستبق شَيْئا من الصَّحِيح جَازَ ثمَّ يكْتَفى بصحيحة بِقرب قيمتهَا من ربع عشر مَاله إِذا كَانَ الْمَمْلُوك أَرْبَعِينَ من الْغنم كَيْلا يُؤَدِّي إِلَى الإجحاف بِهِ
أما صفة الْعَيْب فَإِذا انقسم المَال إِلَى معيب وصحيح فَليخْرجْ بِاعْتِبَار الْقيمَة مَا يكون مُسَاوِيا ربع عشر مَاله فِي صُورَة الْأَرْبَعين وَإِن كَانَ الْكل معيبا وَبَعضه أردأ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يخرج أَجود مَا عِنْده وَقَالَ الْأَصْحَاب يَأْخُذ الْوسط بَين الدرجتين وَهُوَ الْأَصَح وَأما اخْتِلَاف النَّوْع كالمعز والضأن والأرحبية

(2/418)


والمهرية فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا الْأَخْذ بالأغلب لِأَن تَمْيِيز ذَلِك عسير وَإِن اسْتَويَا فَهُوَ كاجتماع الحقاق وَبَنَات اللَّبُون وَالثَّانِي أَنه يَأْخُذ من كل بِقسْطِهِ حَتَّى لَو ملك عشرَة أرحبية وَعشرَة مجيدية وخمسا مهرية فَإنَّا نَأْخُذ قيمَة خمس ببنت مَخَاض أرحبية وَخمْس مجيدية وَخمْس مهرية ويشترى بِهِ صنفا من هَذِه الْأَصْنَاف
فَخرج من هَذَا أَنه مهما اخْتلف المَال فِي الذُّكُورَة وَالْأُنُوثَة وَالصَّغِيرَة والكبيرة لَا يَأْخُذ إِلَّا الْكَبِيرَة وَالْأُنْثَى وَإِن اخْتلف فِي الْمَرَض وَالْعَيْب والسلامة فَيَأْخُذ بِالنِّسْبَةِ من كل وَاحِد وَإِن اخْتلف فِي النَّوْع فَقَوْلَانِ هَذَا بَيَان النّصاب وَلَا زَكَاة على من لم يملك نِصَابا إِلَّا إِذا تمّ بالخلطة نِصَابا

(2/419)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صَدَقَة الخلطاء - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه خَمْسَة فُصُول
الأول فِي حكم الْخلطَة وَشَرطهَا

وَحكم الْخلطَة تَنْزِيل الْمَالَيْنِ منزلَة ملك وَاحِد فِي وجوب الزَّكَاة وَقدره وَأَخذه
ثمَّ قد يُفِيد ذَلِك تقليلا كمن خلط أَرْبَعِينَ بِأَرْبَعِينَ لغيره فَلَا يلْزمه إِلَّا نصف شَاة وَقد يُفِيد تثقيلا كمن خلط عشْرين بِعشْرين لغيره فَيلْزمهُ نصف شَاة
وَأنكر أَبُو حنيفَة أثر الْخلطَة وَنفى مَالك أَثَره فِيمَا دون النّصاب
وَدَلِيل تَأْثِير الْخلطَة قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا يجمع بَين مفترق وَلَا يفرق بَين مُجْتَمع خشيَة الصَّدَقَة وَمَا كَانَ من خليطين فَإِنَّهُمَا يتراجعان بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ والخليطان مَا اجْتمعَا على الرَّعْي والفحولة والحوض

(2/420)


وللخلطة سِتَّة شُرُوط اتَّفقُوا على اثْنَيْنِ مِنْهَا
الأول أَن يكون الخليط أَهلا لوُجُوب الزَّكَاة فَلَا أثر للخلطة مَعَ الْمكَاتب وَالذِّمِّيّ
الثَّانِي اتِّحَاد المسرح والمراح والمرعى والمشرع فَإِن التَّفْرِيق فِي شئ من ذَلِك يُنَافِي الْخلطَة فِي نفس المَال
الثَّالِث اشْتِرَاك الرَّاعِي والفحل والمحلب وَفِيه وَجْهَان من حَيْثُ إِن الاستبداد بِهِ لَيْسَ تفريقا فِي نفس المَال بل فِي تصرف مُتَعَلق بِالْمَالِ ثمَّ من شَرط الِاشْتِرَاك فِي المحلب لم يشْتَرط على الصَّحِيح خلط اللَّبن بل يَكْتَفِي أَن تكون المحالب بَينهم فوضى

(2/421)


الرَّابِع أَن الِاخْتِلَاط فِي جمع السّنة هَل يشْتَرط فِيهِ قَولَانِ كَمَا سَيَأْتِي ذكرهَا
الْخَامِس أَن الْقَصْد هَل يُرَاعى فِي الْخلطَة حَتَّى لَو اخْتلفت الْمَوَاشِي بِنَفسِهَا أَو تَفَرَّقت بِنَفسِهَا من غير قصد الْمَالِك فَهَل يُؤثر فِيهِ وَجْهَان كَمَا سَيَأْتِي فِي الْعلف والإسامة
السَّادِس أَن يكون مَا فِيهِ الْخلطَة نعما
أما الثِّمَار والزروع فَهَل تقاس الْخلطَة فِيهَا على الْمَوَاشِي فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا نعم لِأَنَّهُ مَال زَكَاة يحصل الرِّفْق فِيهِ بالخلطة كالمواشي وَالثَّانِي لَا لِأَن الْخلطَة فِي الْمَوَاشِي قد تزيد فِي الزَّكَاة وَقد تنقص وَهَاهُنَا لَا يُفِيد إِلَّا مزيدا فَلم يكن فِي مَعْنَاهُ الثَّالِث أَنه يثبت خلْطَة الشُّيُوع دون خلْطَة الْجوَار إِذْ لَا تتحد الْمرَافِق بالتجاور وَغَايَة الْمُمكن فِيهِ اتِّحَاد الناطور وَالنّهر

(2/422)


وَأما الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير فَالْمَذْهَب أَن خلْطَة الْجوَار لَا تُؤثر فِيهَا إِذْ لَا وَقع لِاتِّحَاد الْحَانُوت والحارس وَفِي خلْطَة الشُّيُوع قَولَانِ
الْفَصْل الثَّانِي فِي التراجع

فَإِن كَانَت الْأَمْوَال شائعة فَلَا حَاجَة إِلَيْهِ وَإِن كَانَت متجاورة مختلطة فالساعي يَأْخُذ من عرض المَال مَا ينْفق ثمَّ يرجع الْمَأْخُوذ مِنْهُ بِقِيمَة حِصَّة خليطه فَلَو خلط أَرْبَعِينَ من الْبَقر بِثَلَاثِينَ لغيره فَأخذ السَّاعِي كِلَاهُمَا من صَاحب الْأَرْبَعين رَجَعَ على الآخر بِقِيمَة ثَلَاثَة أَسْبَاع تبيع ومسنة وَإِن أخذهما من صَاحب ثَلَاثِينَ رَجَعَ على الآخر بأَرْبعَة أَسْبَاع مَا أَخذ مِنْهُ وَإِن أَخذ المسنة من صَاحب الْأَرْبَعين والتبيع من صَاحب الثَّلَاثِينَ رَجَعَ باذل المسنة بِثَلَاثَة أسباعها على خليطه وَرجع باذل التبيع بأَرْبعَة أسباعه على خليطه لِأَن جَمِيع الْمَالَيْنِ كَمَال وَاحِد

(2/423)


وَقَالَ أَبُو إِسْحَق الْمروزِي إِذا قدر السَّاعِي على أَن يعنيهما عَن التراجع بِأَن يَأْخُذ من كل وَاحِد واجبه لزمَه ذَلِك
وَمَا ذكره قَادِح فِي فقه الْخلطَة لِأَنَّهُ يبطل حكم اتِّحَاد الْمَالَيْنِ

(2/424)


الْفَصْل الثَّالِث فِي اجْتِمَاع الْخلطَة والانفراد فِي حول وَاحِد

فَإِذا ملك أَرْبَعِينَ من الْغنم غرَّة الْمحرم وَملك غَيره مثله فِي ذَلِك الْوَقْت ثمَّ خلطا غرَّة صفر فَالْقَوْل الْجَدِيد أَن الْوَاجِب فِي الْحول الأول على كل وَاحِد شَاة تَغْلِيبًا للانفراد وعَلى الْقَدِيم يجب نصف شَاة نظرا إِلَى آخر الْحول
فَأَما إِذا ملك الثَّانِي غرَّة صفر وخلط غرَّة ربيع الأول فقد زَاد تفرق أَوَائِل الْحَوْلَيْنِ فعلى الْجَدِيد تجب زَكَاة الِانْفِرَاد فِي السّنة الأولى إِذا تمت على كل وَاحِد ثمَّ زَكَاة الْخلطَة بعْدهَا وعَلى الْقَدِيم تجب زَكَاة الْخلطَة فِي الأولى وَالثَّانيَِة على كل وَاحِد نصف شَاة إِذا تمت سنته
وَخرج ابْن سُرَيج فِي اخْتِلَاف الْحَوْلَيْنِ قولا ثَالِثا وَهُوَ أَن الْوَاجِب أبدا زَكَاة الِانْفِرَاد فَإِن الِاتِّحَاد قد تعذر بتفرق الْأَحْوَال وَكَانَ هَذَا شَرط سَابِع فِي الْخلطَة ثمَّ طرد هَذَا فِي

(2/426)


الْوَاحِد إِذا اشْترى أَرْبَعِينَ ثمَّ اشْترى أَرْبَعِينَ وَجب فِي كل أَرْبَعِينَ شَاة عِنْد تَمام سنته أبدا وَلَا يجْرِي فِيمَا إِذا اشْترى عشْرين ثمَّ اشْترى عشْرين لِأَن الْحول انْعَقَد عَلَيْهِمَا فِي وَقت وَاحِد
فرعان

أَحدهمَا إِذا ملك أَحدهمَا أَرْبَعِينَ وَملك الآخر بعد شهر أَرْبَعِينَ وكما ملك خلط فعلى الْقَدِيم على كل وَاحِد عِنْد كَمَال سنته نصف شَاة وعَلى الْجَدِيد على الأول شَاة وعَلى الثَّانِي نصف شَاة فَإِنَّهُ كَانَ خليطا فِي جَمِيع سنته
وَذكر بعض أَصْحَابنَا أَن عَلَيْهِ شَاة لِأَن خليطه لم ينْتَفع بخلطته فَهُوَ أَيْضا لَا ينْتَفع بتسوية بَينهمَا وَهُوَ بعيد
الثَّانِي إِذا ملك أَرْبَعِينَ من الْغنم وَملك آخر عشْرين بعد شهر وخلطه بِهِ فعلى الْحَدِيد يجب على الأول شَاة عِنْد كَمَال سنته وعَلى الشَّرِيك ثلث شَاة وعَلى الْقَدِيم على الأول ثلثا شَاة وعَلى الثَّانِي ثلث شَاة وعَلى التَّخْرِيج على الأول شَاة وعَلى الثَّانِي لَا يجب شئ أصلا

(2/427)


الْفَصْل الرَّابِع فِي اجْتِمَاع الْمُخْتَلط وَالْمُنْفَرد فِي ملك وَاحِد

فَلَو خلط عشْرين بِعشْرين لغيره وَهُوَ يملك أَرْبَعِينَ ببلدة أُخْرَى فقد اجْتمع فِي حَقه الْخلطَة والانفراد فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَن الْخلطَة خلْطَة ملك على معنى أَن ارتباط الْملك لَا يتقاعد على الْمُجَاورَة فَكَأَنَّهُ خلط جَمِيع ملكه بالعشرين وَالثَّانِي أَن الْخلطَة خلْطَة عين على معنى أَن معنى الْخلطَة لَا يتَعَدَّى إِلَى غير الْمَخْلُوط فَإِن قُلْنَا بخلطة الْعين فعلى صَاحب الْعشْرين نصف شَاة وعَلى القَوْل الآخر عَلَيْهِ ربع شَاة وَكَأَنَّهُ خلط بستين أما صَاحب السِّتين فقد اجْتمع فِي حَقه الْأَمْرَانِ الِانْفِرَاد والخلطة فعلى وَجه تلْزمهُ شَاة تَغْلِيبًا للانفراد وَكَأَنَّهُ انْفَرد بِالْجَمِيعِ وعَلى وَجه ثَلَاثَة أَربَاع شَاة تَغْلِيبًا للخلطة فَكَأَنَّهُ خالط بِالْجَمِيعِ وعَلى وَجه خَمْسَة أَسْدَاس وَنصف سدس جمعا بَين الاعتبارين فَيقدر فِي الْأَرْبَعين كَأَنَّهُ مُنْفَرد بِجَمِيعِ السِّتين فيخص الْأَرْبَعين ثلثا شَاة ونقدر فِي الْعشْرين كَأَنَّهُ مخالط بِالْجَمِيعِ فيخص الْعشْرين ربع شَاة وَالْمَجْمُوع مَا ذَكرْنَاهُ

(2/428)


وَفِيه وَجه رَابِع أَن هَذَا التَّقْدِير فِي الْأَرْبَعين صَحِيح وَلَكِن فِي الْعشْرين يَأْخُذ حكمه من حكم خليطه فَيلْزمهُ نصف شَاة مضموما إِلَى ثلثى شَاة فِي الْأَرْبَعين فالمجموع شَاة وَسدس وَلَو خلط عشْرين بِعشْرين لغيره انْفَرد كل وَاحِد بالأربعين فَالْأَوْجه الْأَرْبَعَة جَارِيَة فِي حق كل وَاحِد مِنْهُمَا لتساويهما

(2/429)


الْفَصْل الْخَامِس فِي تعدد الخليط

إِذا ملك أَرْبَعِينَ فخلط عشْرين بِعشْرين لرجل وَعشْرين بِعشْرين لآخر وهما لَا يملكَانِ غَيره فَإِن قُلْنَا بخلطة الْملك فعلى صَاحب الْأَرْبَعين نصف شَاة ضما إِلَى مَال الخليطين فَإِن الْكل ثَمَانُون وَأما صَاحب الْعشْرين فَيلْزمهُ ثلث شَاة ضما لمَاله إِلَى مَال خليطه فَقَط أَو ربع شَاة ضما إِلَى خليط خليطه حَتَّى يكون الْمَجْمُوع ثَمَانِينَ فِيهِ وَجْهَان
وَإِن فرعنا على خلْطَة الْعين فعلى صَاحب الْعشْرين نصف شَاة وَفِي صَاحب الْأَرْبَعين الْوُجُوه الْأَرْبَعَة فَإِن قُلْنَا بتغليب الِانْفِرَاد فقد انْفَرد عَن كل خليط بِبَعْض مَاله فَكَأَنَّهُ انْفَرد بِالْكُلِّ فَعَلَيهِ شَاة وَهُوَ هَاهُنَا بعيد
وَإِن قُلْنَا بتغلب الْخلطَة فَعَلَيهِ نصف شَاة فَكَأَنَّهُ خلط أَرْبَعِينَ بِأَرْبَعِينَ وَإِن قُلْنَا يجمع بَين الاعتبارين فَإِن أَخذنَا حكمه من حكم خليطه فَعَلَيهِ فِي كل عشْرين نصف شَاة وَإِن عَرفْنَاهُ

(2/430)


بِالنِّسْبَةِ فَنَقُول لَو كَانَ جَمِيع مَاله مَعَ هَذَا لَكَانَ الْكل سِتِّينَ وواجبه ثلثا شَاة وَحِصَّة عشْرين مِنْهُ ثلث وَكَذَا فِي حق الآخر فيجتمع ثلثان
وَلَو ملك خمْسا وَعشْرين من الْإِبِل فخلط كل خَمْسَة بِخَمْسَة لرجل آخر فمجموع المَال خَمْسُونَ فَإِن قُلْنَا بخلطة الْملك فعلى مَالك الْخمس وَالْعِشْرين نصف حقة لِأَن فِي الْخمسين حقة وَفِي حق كل وَاحِد مِنْهُم إِن صممنا مَاله إِلَى خليط خليطه فواجبه عشر حقة لِأَن الْمَجْمُوع خَمْسُونَ وَإِن لم نضم إِلَّا إِلَى خليطه فواجبه سدس بنت مَخَاض لِأَن الْمَجْمُوع ثَلَاثُونَ
وَإِن فرعنا على قَول خلْطَة الْعين فتعود الْأَوْجه الْأَرْبَعَة فعلى تَغْلِيب الِانْفِرَاد يجب بنت مَخَاض وعَلى تَغْلِيب الْخلطَة نصف حقة وعَلى أَخذ حكمه من حكم خليطه خمس شَاة وعَلى النِّسْبَة فِي الاعتبارين خَمْسَة أَسْدَاس بنت مَخَاض إِذْ ينْسب جَمِيع مَاله إِلَى

(2/431)


كل خليط فَيكون ثلثين وواجبه بنت مَخَاض وَحِصَّة الْخمس سدس بنت مَخَاض فيجتمع خَمْسَة أَسْدَاس لأجل كل خليط
فرع

إِذا ملك خمْسا وَسِتِّينَ من الْغنم فخلط خَمْسَة عشر مِنْهَا بِخَمْسَة عشر لرجل لَا يملك غَيرهَا فَإِن قُلْنَا بخلطة الْعين فَلَا أثر لهَذِهِ الْخلطَة لِأَن الْمُخْتَلط لَيْسَ نِصَابا وَإِن قُلْنَا بخلطة الْملك فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه لَا عِبْرَة بِهِ لأَنا نتبع الْمُنْفَرد الْمَخْلُوط إِذا كَانَ نِصَابا
وَالثَّانِي أَنا نعتبره وَكَأن الْكل مخلوط فعلى صَاحب الْخمس وَسِتِّينَ سِتَّة أَثمَان وَنصف ثمن شَاة وَبَاقِي الشَّاة على خليطه

(2/432)


الشَّرْط الثَّالِث أَن يبْقى النّصاب حولا

فَلَا زَكَاة فِي الْغنم حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول إِلَّا السخال الْحَاصِلَة من مَال الزَّكَاة فِي وسط الْحول فَإِنَّهُ تجب الزَّكَاة فِيهَا إِذا أسيمت بحول الْأُمَّهَات فَإِن حصل من غير مَال الزَّكَاة وَكَانَ نِصَابا أفرد بحوله وَلم يضم إِلَى المَال فِي الْحول خلافًا لأبي حنيفَة لَكِن يضم إِلَيْهِ فِي الْعدَد كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الْخلطَة
فروع ثَلَاثَة

الأول إِذا ملك تسعا وَثَلَاثِينَ شَاة فَتجب شَاة سخلة استفتح الْحول من الْوَقْت لِأَن الأَصْل لم يكن نِصَابا وَلم ينْعَقد عَلَيْهِ حول حَتَّى يجْرِي السخال فِي حوله وَلَو ملك مائَة وَعشْرين فنتجت سخلة وَجَبت شَاتَان آخر الْحول لِأَن مَا سبق جَار فِي الْحول
الثَّانِي إِذا حصلت السخال بعد الْحول وَقبل الْإِمْكَان جرت مَعَ الْأُمَّهَات فِي الْحول الثَّانِي وَلم يجب فِيهَا زَكَاة فِي الْحول الأول وَإِن قُلْنَا إِن الْإِمْكَان شَرط وُجُوبه لِأَن

(2/433)


الْحول الثَّانِي ناجز وَهُوَ أولى من المنقضي
الثَّالِث لَو مَاتَت الْأُمَّهَات كلهَا والسخال نِصَاب لم تَنْقَطِع التّبعِيَّة وَقَالَ أَبُو حنيفَة تَنْقَطِع التّبعِيَّة إِلَّا إِذا بَقِي من الْكِبَار وَاحِد وَلَو من الفحول
وَشرط أَبُو الْقَاسِم الْأنمَاطِي بَقَاء نِصَاب من الْأُمَّهَات
الشَّرْط الرَّابِع أَن لَا يَزُول ملكه فِي أثْنَاء الْحول

فَكل مَا تجب الزَّكَاة فِي عينه كالنعم والنقدين فَإِذا أبدله بِمثلِهِ انْقَطع الْحول فَإِذا عَاد إِلَى ملكه وَلَو بِفَسْخ أَو رد بِعَيْب استؤنف الْحول وَلم يبن على مَا مضى

(2/434)


وَكَذَلِكَ إِذا انْقَطع ملكه بِالرّدَّةِ ثمَّ أسلم وَكَذَلِكَ إِذا مَاتَ لَا يبْنى حول وَارثه على حوله
وَفِي الْقَدِيم قَولَانِ أَحدهمَا يبْنى وطرد ذَلِك فِي الِانْقِطَاع بِالرّدَّةِ إِذا عَاد إِلَى الْإِسْلَام وَمن قصد بيع مَاله فِي آخر الْحول دفعا لِلزَّكَاةِ أَثم وَسَقَطت الزَّكَاة
وَقَالَ مَالك لَا يَصح بَيْعه
الشَّرْط الْخَامِس السّوم

وَلَا زَكَاة فِي معلوفة لمَفْهُوم قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَائِمَة الْغنم زَكَاة ثمَّ الْعلف بِمَا لَا يقوم لَا

(2/435)


يُؤثر وَلَو علف مُعظم السّنة أثر وَفِي الضَّبْط بَينهمَا أَرْبَعَة أوجه
أَحدهمَا أَن الزَّكَاة تسْقط بِهِ وَلَو فِي لَحْظَة لِأَنَّهَا لَا تسمى سَائِمَة فِي جَمِيع السّنة
وَالثَّانِي أَن السَّائِمَة فِي مُعظم السّنة تسمى سَائِمَة
وَالثَّالِث أَن الْمسْقط علف فِي مُدَّة تهْلك الدَّابَّة فِيهَا لَو لم تعلف حَتَّى لَو أسامها نَهَارا وعلفها لَيْلًا وَجَبت الزَّكَاة
والأفقه أَن الْمسْقط قدر يعد مؤونة بِالْإِضَافَة إِلَى رفق السَّائِمَة
فرعان

أَحدهمَا أَن الْقَصْد هَل يعْتَبر فِي السّوم والعلف فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا اتبَاعا للاسم وَالثَّانِي نعم لِأَن المُرَاد بالسائمة مَا أعد للسوم قصدا فعلى هَذَا لَو استامت المعلوفة بِنَفسِهَا أَو اعتلفت سَائِمَة لم يُؤثر

(2/436)


قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ معنى الْقَصْد أَنه لَو تراكمت الثلوج وغطت المراعي فعلفها الْمَالِك ترقبا لزوَال الثَّلج لم تسْقط الزَّكَاة لِأَنَّهَا تعد سَائِمَة
الثَّانِي إِذا سَام الْغَاصِب معلوفة الْغَيْر سنة فوجوب الزَّكَاة يبتنى على مُرَاعَاة الْقَصْد وَلَو علف سَائِمَة الْغَيْر سنة فالسقوط أَيْضا كَذَلِك وَهَاهُنَا أولى بِأَن لَا يُؤثر فعل الْغَاصِب لِأَنَّهُ لَا مُؤنَة على الْمَالِك بعلفه وَهُوَ مَطْلُوب السّوم فَإِن قُلْنَا تجب الزَّكَاة فِي معلوفة أسامها الْغَاصِب فَفِي رُجُوعه بِالزَّكَاةِ على الْغَاصِب وَجْهَان أَحدهمَا ينظر فِيهِ إِلَى نسبته بالإسامة وَفِي الثَّانِي إِلَى أَن السَّبَب هُوَ المَال
الشَّرْط السَّادِس كَمَال الْملك

ومثار الضعْف ثَلَاثَة أُمُور
الأول امْتنَاع التَّصَرُّف وَله مَرَاتِب

الأولى الْمَبِيع قبل الْقَبْض إِذا تمّ عَلَيْهِ الْحول قطع صَاحب التَّقْرِيب بِوُجُوب الزَّكَاة لِأَنَّهُ قَادر على التَّصَرُّف بِالْقَبْضِ وَتَسْلِيم الثّمن
وَقَالَ الْقفال لَا تجب لضعف ملكه وَامْتِنَاع تصرفه مَعَ إِذن البَائِع
الثَّانِيَة الْمَرْهُون إِذا تمّ الْحول عَلَيْهِ فِيهِ أَيْضا وَجْهَان لِامْتِنَاع التَّصَرُّف
الثَّالِثَة الْمَغْصُوب والضال والمجحود الَّذِي لَا بَيِّنَة عَلَيْهِ فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال يفرق فِي الثَّالِث بَين أَن يعود إِلَيْهِ بفوائده فَتجب الزَّكَاة أَولا يعود فَلَا تجب وَلَا خلاف فِي أَن التَّعْجِيل قبل رُجُوع

(2/437)


المَال لَيْسَ وَاجِبا وَلَكِن إِذا عَاد إِلَيْهِ فَهَل يزكيها لما مضى من أَحْوَاله فِيهِ الْخلاف
أما من حبس من مَاله وَجَبت الزَّكَاة عَلَيْهِ لنفوذ تصرفه
الرَّابِعَة من لَهُ دين على غَيره إِن كَانَ مليئا وَجَبت الزَّكَاة وَحكى الزَّعْفَرَانِي قولا أَنه لَا زَكَاة فِي الدُّيُون وَإِن كَانَ مُعسرا فَهُوَ كالمغصوب وَإِن كَانَ مُؤَجّلا بسنين فَمنهمْ من ألحقهُ بالمغصوب وَمِنْهُم من ألحقهُ بالغائب الذى لَا يسهل إِحْضَاره
فَإِن أَوْحَينَا فَفِي التَّعْجِيل وَجْهَان وَالأَصَح أَنه لَا يجب لِأَن الْخَمْسَة نَقْدا تَسَاوِي سِتَّة نَسِيئَة فَفِيهِ إجحاف
المثار الثَّانِي تسلط الْغَيْر على ملكه وَله مَرَاتِب

الأولى الْملك فِي زمَان الْخِيَار هَل هُوَ ملك زَكَاة فِيهِ خلاف لضَعْفه بتسلط الْغَيْر فَإِن كَانَ الْمَالِك مُنْفَردا بِالْخِيَارِ لم يتَّجه الْخلاف

(2/438)


الثَّانِيَة اللّقطَة فِي السّنة الثَّانِيَة إِذا لم يتملكها الْمُلْتَقط فِي وجوب زَكَاتهَا خلاف مُرَتّب على السّنة الأولى وَأولى بِأَن لَا تجب لتسلط الْغَيْر على التَّمَلُّك
الثَّالِثَة إِذا اسْتقْرض الْمُفلس مِائَتي دِرْهَم وَبَقِي مَعَه حولا فَفِي زَكَاته قَولَانِ أَحدهمَا تجب لوُجُود الْملك وَالثَّانِي لَا لعلتين إِحْدَاهمَا ضعف الْملك لتسلط مُسْتَحقّ الدّين على إِلْزَامه تَسْلِيم المَال إِلَيْهِ وَالثَّانيَِة لأدائه إِلَى تَثْنِيَة الزَّكَاة إِذْ تجب على الْمُسْتَحق بِاعْتِبَار يسَاره بِهَذَا المَال وعَلى هَذِه الْعلَّة لَا يمْتَنع الْوُجُوب إِن كَانَ الْمُسْتَحق مكَاتبا أَو ذِمِّيا أَو كَانَ المَال سَائِمَة أَو كَانَ قدر الدّين أقل من النّصاب لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إِلَى التَّثْنِيَة وَلَو كَانَ الْمُسْتَقْرض غَنِيا بالعقار لم تمْتَنع الزَّكَاة بِالدّينِ قولا وَاحِدًا

(2/439)


وَذكر الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد أَن عِلّة تَثْنِيَة الزَّكَاة تَقْتَضِي الْإِسْقَاط وَهُوَ بعيد وَزَاد بعض الْأَصْحَاب قولا ثَالِثا وَهُوَ أَن الدّين يمْنَع الزَّكَاة فِي الْأَمْوَال الْبَاطِنَة دون الظَّاهِرَة وَهُوَ بعيد
الرَّابِعَة إِذا ملك نِصَابا زكاتيا فَقَالَ لله عَليّ أَن أَتصدق بِهَذَا المَال فانقضى الْحول قبل التَّصَدُّق فَفِيهِ خلاف مُرَتّب على الدّين وَأولى بالسقوط لتَعلق الْحق بِعَين المَال
وَلَو قَالَ جعلت هَذَا المَال صَدَقَة أَو جعلت هَذِه الأغنام ضحايا فَلَا يبْقى لإِيجَاب الزَّكَاة وَجه مُتَّجه وَلَو قَالَ لله عَليّ التَّصَدُّق بِأَرْبَعِينَ من الْغنم فَهَذَا دين لله تَعَالَى فَهُوَ مُرَتّب على دين الْآدَمِيّين وَأولى بِأَن لَا تسْقط الزَّكَاة وَلَو كَانَ عَلَيْهِ دين الْحَج كَانَ كَدين النّذر
فرع

إِذا اجْتمعت الدُّيُون وَالزَّكَاة فِي مَاله وَمَات فَفِي الْقَدِيم ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا تقدم الزَّكَاة لِأَن لَهَا تعلقا بِعَين المَال وَكَذَلِكَ تسْقط بِفَوَات المَال
وَالثَّانِي يقدم الدّين لِأَن حق الله تَعَالَى على الْمُسَامحَة وَالثَّالِث أَنَّهُمَا يستويان
وَمِنْهُم من قطع بِتَقْدِيم الزَّكَاة لتعلقها بِالدّينِ ورد الْأَقْوَال إِلَى الْكَفَّارَات مَعَ الدُّيُون

(2/440)


المثار الثَّالِث عدم اسْتِقْرَار الْملك وَله مرتبتان

الأولى إِذا انْقَضى على الْمَغَانِم حول قبل الْقِسْمَة فَفِي الزَّكَاة ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا يجب للُزُوم الْملك وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لم يسْتَقرّ إِذْ يسْقط بإسقاطه وَالثَّالِث أَن مَحْض حبس مَال الزَّكَاة وَجب وَإِن كَانَ فِي الْمَغَانِم مَا لَيْسَ زكاتيا فَلَا إِذْ الإِمَام رُبمَا يرد الزكاتي بِالْقِسْمَةِ إِلَى سهم الْخمس وَلَا زَكَاة فِيهِ
الثَّانِيَة إِذا أكرى دَارا أَربع سِنِين بِمِائَة دِينَار نَقْدا فَفِيمَا يجب فِي السّنة الأولى قَولَانِ أَحدهمَا تجب زَكَاة الْمِائَة كَمَا فِي الصَدَاق قبل الْمَسِيس إِذْ لَا فرق بَين توقع رُجُوع الْأُجْرَة بانهدام الدَّار وَبَين توقع رُجُوع الصَدَاق بِالطَّلَاق وَالثَّانِي يجب فِي السّنة الأولى زَكَاة ربع الْمِائَة وَفِي الثَّانِيَة تجب زَكَاة الْخمسين لِسنتَيْنِ ويحط عَنهُ مَا أدّى وَفِي الثَّالِثَة زَكَاة خمس وَسبعين لثلاث سِنِين ويحط عَنهُ مَا أدّى وَفِي الرَّابِعَة زَكَاة الْمِائَة لأَرْبَع سِنِين ويحط عَنهُ مَا أدّى لِأَنَّهُ الْأُجْرَة هَكَذَا تَسْتَقِر بِهِ بِخِلَاف الصَدَاق فَإِن تشطره بِطَلَاق مُبْتَدأ لَا يَقْتَضِيهِ العقد وَالرُّجُوع هَاهُنَا مُقْتَضى الْمُعَاوضَة

(2/441)


الرُّكْن الثَّانِي من أَرْكَان طرف الْوُجُوب النّظر فِيمَن يجب عَلَيْهِ
وَلَا يعْتَبر فِيهِ إِلَّا الْحُرِّيَّة وَالْإِسْلَام فَيجب فِي مَال الصَّبِي وَالْمَجْنُون خلافًا لأبي حنيفَة وَفِيمَا ينْسب إِلَى الْحمل الْمُحَقق تردد وَتجب الزَّكَاة على الْمُرْتَد إِن قُلْنَا يبْقى ملكه مُؤَاخذَة لَهُ بِحكم الْإِسْلَام
وَلَا زَكَاة على مكَاتب ورقيق فَإِن قُلْنَا ملك بالتمليك لِأَنَّهُ ملك ضَعِيف وَلَا يجب على السَّيِّد أَيْضا فِي مَال الْمكَاتب وَالرَّقِيق لعدم الْملك وَمن نصفه عبد وَنصفه حر يجب الزَّكَاة عَلَيْهِ فِي مَا سلم لَهُ بِنصفِهِ الْحر وَيجب عَلَيْهِ كَفَّارَة الموسرين
الطّرف الثَّانِي لِلزَّكَاةِ طرف الْأَدَاء

وَأَدَاء الزَّكَاة مُمكن فِي وقته وَقبل وقته تعجيلا وَبعده تَأْخِيرا فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَقسَام
الْقسم الأول الْأَدَاء فِي الْوَقْت

وَهُوَ وَاجِب على الْفَوْر عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة وَالنَّظَر فِيمَا يجب على الدَّافِع والقابض
وعَلى الدَّافِع وظيفتان

إِحْدَاهمَا النِّيَّة وَالنَّظَر فِي أَصْلهَا وكيفيتها ووقتها
أما أصل النِّيَّة فَلَا بُد مِنْهُ كَمَا فِي سَائِر الْعِبَادَات وَقَالَ الشَّافِعِي إِن قَالَ بِلِسَانِهِ هَذَا زَكَاة

(2/442)


مَالِي أَجزَأَهُ فَمنهمْ من أجراه على الظَّاهِر وَلم يشْتَرط النِّيَّة بِالْقَلْبِ
وَأما الصَّبِي وَالْمَجْنُون فينوى عَنْهُمَا وليهما وَأما الْمُمْتَنع فَيَأْخُذ السُّلْطَان مِنْهُ قهرا
وَهل تَبرأ ذمَّته بَاطِنا فِيهِ خلاف فَإِن قُلْنَا تَبرأ فَفِي وجوب النِّيَّة على الإِمَام وَجْهَان أَحدهمَا لَا تَغْلِيبًا لسد الْخلَّة وَالثَّانِي نعم لِأَن أثر الِامْتِنَاع فِي أَن صَار موليا عَلَيْهِ
أما الْكَيْفِيَّة فَلَو نوى الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة كَفاهُ وَلَو لم يتَعَرَّض للفرضية فَوَجْهَانِ كَمَا فِي الصَّلَاة وَلَا يلْزمه تعْيين المَال وَلَكِن لَو قَالَ هَذَا عَن مَالِي الْغَائِب ثمَّ كَانَ تَالِفا لم ينْصَرف إِلَى الْحَاضِر لتعيينه وخطئه
وَلَو قَالَ هَذَا عَن مَالِي الْغَائِب إِن كَانَ بَاقِيا وَإِن كَانَ تَالِفا فَعَن الْحَاضِر أَو هُوَ صَدَقَة جَازَ لِأَن مُقْتَضى الْإِطْلَاق هَذَا
وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب يَقع عَن الْغَائِب إِن كَانَ بَاقِيا فَإِن كَانَ تَالِفا لم يَقع عَن الْحَاضِر لِأَنَّهُ بناه على فَوَات الْغَائِب وَالْأَصْل عدم الْفَوات

(2/443)


أما وَقت النِّيَّة فَهُوَ عِنْد التَّسْلِيم إِلَى الْمِسْكِين أَو إِلَى نَائِب الْمَسَاكِين وَلَو قدم فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يجوز لِأَن الْفِعْل غير مَقْصُود وَلذَلِك جَازَت الْوكَالَة فِيهِ وَالثَّانِي لَا لِأَن تنقيص الْملك مَقْصُود فليقترن بِهِ وَالثَّالِث أَنه إِن قدم على التنقيص وَلَكِن اقْترن بِفِعْلِهِ عِنْد التَّسْلِيم إِلَى الْوَكِيل جَازَ وَلَو سلم إِلَى الْوَكِيل ووكله بِالنِّيَّةِ عِنْد التَّفْرِيق فَهُوَ جَائِز

(2/444)


الْوَظِيفَة الثَّانِيَة طلب الْقَابِض

فَإِن كَانَت الْأَمْوَال باطنة جَازَ التَّسْلِيم إِلَى الإِمَام أَو إِلَى الْمِسْكِين وَأيهمَا أولى فِيهِ وَجْهَان وَإِن كَانَت ظَاهِرَة فَفِي وجوب تَسْلِيمهَا إِلَى الإِمَام قَولَانِ وَلَا شكّ أَن التَّسْلِيم أولى لِلْخُرُوجِ عَن الْخلاف
أما الْقَابِض إِن كَانَ هُوَ السَّاعِي فَعَلَيهِ وظيفتان

إِحْدَاهمَا أَن يعلم فِي السّنة شهرا يَأْخُذ فِيهِ زَكَاة الْجَمِيع تسهيلا عَلَيْهِم ثمَّ لَا يرد الْمَوَاشِي إِلَى الْبَلَد بل يردهَا إِلَى منهل قريب ويردها إِلَى مضيق ليَكُون أسهل للعد
الثَّانِيَة الدُّعَاء للْمَالِك قَالَ الله تَعَالَى {وصل عَلَيْهِم} أُتِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصَدقَة آل أبي أوفى فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام اللَّهُمَّ صل على آل أبي أوفى

(2/445)


والأحب لغيره أَن يَقُول أجرك الله فِيمَا أَعْطَيْت وَجعله طهُورا وَبَارك لَك فِيمَا أبقيت لِأَن الصَّلَاة على غير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكْرُوه إِذْ فِيهِ مُوَافقَة الروافض وَلِأَن الْعَصْر الأول خصصوا الصَّلَاة وَالسَّلَام بِهِ كَمَا خصصوا عز وَجل بِاللَّه وكما لَا يحسن أَن يُقَال مُحَمَّد عز وَجل وَإِن كَانَ عَزِيزًا جَلِيلًا لَا يحسن أَن يُقَال أَبُو بكر صلوَات الله عَلَيْهِ وَإِن كَانَ الصَّلَاة هُوَ الدُّعَاء
نعم لرَسُول الله أَن يُصَلِّي على غَيره فَإِنَّهُ منصبه الْمَخْصُوص بِهِ وَلنَا أَن نصلي على آله بالتبعية فَيَقُول صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله
الْقسم الثَّانِي فِي التَّعْجِيل وَالنَّظَر فِيهِ فِي ثَلَاثَة أُمُور

الأول فِي وقته

وَيجوز تَعْجِيل الزَّكَاة قبل تَمام الْحول خلافًا لمَالِك لما رُوِيَ أَن الْعَبَّاس استسلف مِنْهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدَقَة عَاميْنِ
وَلَا يجوز تَعْجِيله قبل كَمَال النّصاب وَلَا قبل السّوم لِأَن الْحول فِي حكم أجل ومهلة فَلذَلِك عجل عَلَيْهِ وَلَو ملكه مائَة وَعشْرين شَاة واجبه شَاة وَهُوَ يرتقب حُدُوث سخلة فِي آخر السّنة فَعجل شَاتين فَفِي تَعْجِيل شَاتين وَجْهَان مرتبان على الْوَجْهَيْنِ فِي تَعْجِيل صَدَقَة عَاميْنِ

(2/446)


وَالصَّحِيح بِحكم الْخَبَر جَوَازه وَوجه الْمَنْع أَن النّصاب كَالْمَعْدُومِ فِي حق الْحول الثَّانِي وَمَسْأَلَة السخلة بِالْجَوَازِ أولى لِأَن الْحول مُنْعَقد فِي حق الشَّاة الثَّانِيَة
وَأما زَكَاة الْفطْرَة فوقت وُجُوبهَا استهلال شَوَّال وَيجوز التَّعْجِيل إِلَى أول رَمَضَان
وَأما الرطب وَالْعِنَب فَالصَّحِيح أَنه لَا تعجل زكاتهما قبل الْجَفَاف فَإِن الْوَاجِب هُوَ الزَّبِيب وَالتَّمْر وَالرّطب لَا يصلح للإخراج
وَقيل إِنَّه بعد الزهو وبدو الصّلاح يجوز وَقيل يجوز بعد بَدو الطّلع
وَأما الزَّرْع فوجوب زَكَاته بالفرك والتنقية وَالصَّحِيح جَوَاز أَدَائِهِ عِنْد الْإِدْرَاك وَإِن لم يفرك وَقيل يجوز عِنْد ظُهُور الْحبّ وَإِن لم يشْتَد وَإِذ قُلْنَا بَدو الصّلاح سَبَب الْوُجُوب أردنَا بِهِ الْحجر على الْمَالِك فِي تصرف يدْفع حق الْمَسَاكِين وَلم نرد وجوب الْإِخْرَاج

(2/447)


وَالنَّظَر الثَّانِي فِي الطوارئ الْمَانِعَة من إِخْرَاج الْمُعَجل وَهُوَ ثَلَاثَة

الأول مَا يطْرَأ على الْقَابِض وَشَرطه أَن يبْقى على صفة الِاسْتِحْقَاق إِلَى آخر الْحول فَلَو ارْتَدَّ أَو مَاتَ أَو اسْتغنى بِمَال آخر بَان أَن الزَّكَاة لم تقع موقعها وَلَو طرأت بعض هَذِه الْحَالَات وزالت قبل الْحول فَوَجْهَانِ لَا يخفى توجيههما
الثَّانِي أَحْوَال الْمَالِك وَشَرطه أَن يبْقى عينا بِبَقَاء النّصاب مُسلما حَيا فَلَو تلف نصابه أَو ارْتَدَّ وَقُلْنَا الرِّدَّة تقطع الْملك أَو بَاعَ النّصاب أَو مَاتَ تبين أَن لَا زَكَاة
وَالصَّحِيح أَنه لَا يُجزئ عَن وَارثه فِيمَا سيجب عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبل
وَالثَّالِث مَا يطْرَأ على الزَّكَاة المعجلة فَإِن تلفت فِي يَد الْمِسْكِين فقد بلغت الصَّدَقَة محلهَا وَإِن تلفت فِي يَد الإِمَام وَقد أَخذهَا بسؤال الْمَسَاكِين الْبَالِغين أَو حَاجَة الْأَطْفَال فَلَا ضَمَان على أحد
وَإِن أَخذ لحَاجَة الْبَالِغين لَا لسؤالهم فَفِي تَنْزِيل الْحَاجة منزلَة السُّؤَال وَجْهَان أَحدهمَا

(2/448)


لَا فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْمَسَاكِين أهل رشد لَا يُولى عَلَيْهِم الثَّانِي نعم لِأَنَّهُ نائبهم شرعا
وَلَو أَخذ الإِمَام بسؤال الْمَالِك فَتلف فِي يَده يجب على الْمَالِك الضَّمَان كَمَا لَو تلف فِي يَد وَكيله
وَلَو اجْتمع سُؤال الْمَسَاكِين وَالْمَالِك فَأَي الْحَالَتَيْنِ يرجح فِيهِ وَجْهَان
النّظر الثَّالِث فِي الرُّجُوع عِنْد طريان مَا يسْقط الزَّكَاة

فَإِن قَالَ هَذِه زكاتي المعجلة فَلهُ الرُّجُوع لِأَن التَّعْجِيل مشْعر بِهِ وَقيل شَرطه أَن يُصَرح بِالرُّجُوعِ وعَلى هَذَا لَو نازعه الْمِسْكِين فِي الرُّجُوع أَو التَّعْجِيل فَالْقَوْل قَول من فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا قَول الْمَالِك لِأَنَّهُ الْمُؤَدِّي وَالثَّانِي قَول الْمِسْكِين لِأَن الأَصْل زَوَال الْملك
أما إِذا لم يتَعَرَّض للتعجيل وَلَا علمه الْمِسْكِين فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أَنه يرجع وَيصدق فِي قَوْله {نَوَيْت ذَلِك} وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ خلاف الظَّاهِر وَالثَّالِث أَن الْمَالِك لَا يصدق لِأَن فعله مُتَرَدّد بَين الصَّدَقَة وَالزَّكَاة وَفعل الإِمَام كالمتعين للْفَرض
فروع أَرْبَعَة

الأول لَو أتلف النّصاب بِنَفسِهِ فَفِي الرُّجُوع وَجْهَان أصَحهمَا الرُّجُوع لانْتِفَاء الْوُجُوب وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ يُرِيد نقض الْأَدَاء بِقَصْدِهِ
الثَّانِي إِذا أثبتنا الرُّجُوع لانْتِفَاء الرُّجُوع فَإِن كَانَ عين مَاله تَالِفا فعلى الْقَابِض الضَّمَان وَذكر صَاحب التَّقْرِيب وَجْهَيْن فِي أَن الْعبْرَة فِي قيمَة يَوْم الْقَبْض أَو يَوْم التّلف وَلَو تعيب فِي يَده فَفِي وجوب الْأَرْش وَجْهَان أقيسهما الْوُجُوب قِيَاسا للجزء على الْكل

(2/449)


وَالثَّانِي لَا كَمَا لورد الْعِوَض فِي البيع وَوجد بالمعوض عَيْبا فنع بِهِ وَإِن كَانَ يسْتَحق بدله عِنْد الْفَوات وَفِي هَذَا الاستشهاد أَيْضا نظر
الثَّالِث الزِّيَادَات الْمُنْفَصِلَة هَل ترد مَعَه فِيهِ وَجْهَان ومأخذهما إِن أَدَّاهُ مُتَرَدّد بَين وجود التَّمْلِيك وَعَدَمه أَو هُوَ تمْلِيك لَا محَالة وَلكنه مُتَرَدّد بَين الزَّكَاة وَالْقَرْض وهما احْتِمَالَانِ ظاهران
فَإِن قُلْنَا إِنَّه مُتَرَدّد بَين التَّمْلِيك وَعَدَمه فقد بَان أَنه لَا تمْلِيك فَيرد بزوائده وَإِن رددناه بَين الْقَرْض وَالزَّكَاة الْتفت على أَن الْقَرْض يملك بِالْقَبْضِ أَو بِالتَّصَرُّفِ وعَلى هذَيْن الِاحْتِمَالَيْنِ يَنْبَنِي نقض تصرفه إِن كَانَ قد بَاعَ وَجَوَاز إِبْدَاله عِنْد الرُّجُوع إِن كَانَ عينه قَائِما

(2/450)


الرَّابِع إِذا لم يملك إِلَّا أَرْبَعِينَ فَعجل واحده فاستغنى الْقَابِض أَو مَاتَ فَإِن قُلْنَا خرج الشَّاة عَن ملكه بطرِيق الْقَرْض لم يلْزمه تَجْدِيد الزَّكَاة لِأَن الْحول انْقَضى على تسع وَثَلَاثِينَ بِخِلَاف مَا إِذا وَقع الْمخْرج عَن جِهَة الزَّكَاة لِأَن الْمخْرج لِلزَّكَاةِ كالباقي فِي ملكه
وَإِن قُلْنَا يتَبَيَّن أَن الْملك لم يزل الْتفت على الْمَغْصُوب والمجحود بعض الِالْتِفَات لِأَن الْحَيْلُولَة قد حصلت وَإِن لم يزل الْملك
الْقسم الثَّالِث فِي طرف الْأَدَاء فِي تَأْخِير الزَّكَاة

وَهُوَ سَبَب الضَّمَان والعصيان عِنْد التَّمَكُّن حَتَّى لَو تلف مَاله بعد التَّمَكُّن لم تسْقط الزَّكَاة وَإِن تلف كُله قبل التَّمَكُّن سَقَطت
وَلَو ملك خمْسا من الْإِبِل فَتلفت بعد الْحول وَقبل التَّمَكُّن وَاحِدَة فَفِي مِقْدَار السَّاقِط قَولَانِ أَحدهمَا يسْقط الْكل كَمَا لَو تلف قبل الْحول لِأَن الْإِمْكَان شَرط الْوُجُوب كَمَا فِي الْحَج وَالثَّانِي يسْقط خمس شَاة لِأَن الْإِمْكَان شَرط الضَّمَان وَهُوَ الْأَصَح وَلذَلِك لَا يتراخى ابْتِدَاء الْحول الثَّانِي إِلَى الْإِمْكَان
وَلَو ملك تسعا من الْإِبِل فَتلف قبل الْإِمْكَان أَرْبَعَة فَإِن قُلْنَا الْإِمْكَان شَرط الْوُجُوب وَجب شَاة كَمَا لَو تلف قبل الْحول وَإِن قُلْنَا إِنَّه شَرط الضَّمَان فينبني على أَن الْوُجُوب هَل ينبسط على الوقص وَفِيه قَولَانِ الْجَدِيد أَنه لَا ينبسط فعلى هَذَا لَا يسْقط شئ بِتَلف الوقص وَإِن قُلْنَا ينبسط سقط أَرْبَعَة أتساع شَاة
وَقيل إِنَّه لَا يسْقط لِأَن الوقص وَإِن كَانَ مُتَعَلقا بِالْوُجُوب فَهُوَ وقاية النّصاب

(2/451)


وَإِن ملك تسعا فَتلف خمس قبل الْإِمْكَان فعلى قَول سقط الْكل كَمَا لَو تلف قبل الْحول وعَلى قَول سقط خمس أتساع شَاة وَهُوَ قَول الْبسط وعَلى قَول يسْقط خمس شَاة
فَإِن قيل وبماذا يفوت الْإِمْكَان قُلْنَا بأمرين
أَحدهمَا غيبَة المَال فَإنَّا وَإِن جَوَّزنَا نقل الصَّدَقَة فَلَا نوجب إِخْرَاج الزَّكَاة من مَال آخر مَا لم يتَبَيَّن بَقَاء المَال فَإِن أخرج مَعَ التَّرَدُّد كَانَ كمعجل الزَّكَاة فِي الرُّجُوع عِنْد فَوَات المَال
الثَّانِي غيبَة الْمُسْتَحق وَهُوَ الْمِسْكِين فِي المَال الْبَاطِن وَالسُّلْطَان فِي المَال الظَّاهِر على أحد

(2/452)


الْقَوْلَيْنِ
وَإِن حضر مُسْتَحقّ وَلَكِن غَابَ الْقَرِيب وَالْجَار فقد تمّ التَّمَكُّن وَلَكِن فِي جَوَاز التَّأْخِير بِهَذَا الْعذر وَجْهَان لِأَنَّهُ عَارض هَذِه الْفَضِيلَة فَضِيلَة البدار فَإِن جَوَّزنَا فَتلف مَاله فَفِي وجوب الضَّمَان وَجْهَان وَوجه الْوُجُوب أَنه جوز التَّأْخِير لَحْظَة فِي نيل الْفَضِيلَة فتقيد بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة
فَإِن قيل فَإِذا سَقَطت الزَّكَاة بِتَلف المَال دلّ على تعلقهَا بِالْعينِ فَمَا وَجه تعلقهَا بِالْعينِ
قُلْنَا فِيهِ أَقْوَال مضطربة نعبر عَنْهَا بِأَن الزَّكَاة تتَعَلَّق بِالذِّمةِ أَو بِالْعينِ أما تعلقهَا بِالذِّمةِ فَلَا يُنكر لِأَن الْمَالِك مطَالب وَله الْأَدَاء من مَوضِع آخر بِخِلَاف أرش جَنَابَة العَبْد فَإِن السَّيِّد لَا يُطَالب بِهِ وتعلقها بِالْعينِ لَا يُنكر إِذْ يسْقط بِتَلف الْعين
وَلَو بَاعَ النّصاب قبل إِخْرَاج الزَّكَاة فللساعي أَن يتَعَلَّق بالمشتري وَيَأْخُذ الزَّكَاة من النّصاب وَلَكِن فِي تَحْقِيق هَذَا التَّعَلُّق ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه شركَة وَكَأن الْمِسْكِين شريك بِقدر حَقه وَهَذَا يضعف بِجَوَاز الْأَدَاء من مَوضِع آخر الثَّانِي أَن تلعقه يضاهي استيثاق الْمُرْتَهن
وَالثَّالِث وَهُوَ الْأَصَح أَنه يضاهي تعلق أرش الْجِنَايَة حَتَّى يخرج منع بيع النّصاب على قَوْلَيْنِ أصَحهمَا الْجَوَاز

(2/453)


وَيتَفَرَّع على هَذِه الْأَقْوَال الْأَرْبَعَة النّظر فِي أَرْبَعَة تصرفان

الأول بيع مَال الزَّكَاة

فَإِن قُلْنَا لَا تتَعَلَّق الزَّكَاة بِالْعينِ فَصَحِيح لَكِن السَّاعِي يَأْخُذ شَاة من المُشْتَرِي إِن لم يرد الْمَالِك من مَوضِع آخر فينتقض البيع فِيهِ وَفِي الْبَاقِي يخرج على قولي تَفْرِيق الصَّفْقَة وَهل للْمُشْتَرِي الْخِيَار إِذا عرف ذَلِك قبل أَخذ السَّاعِي فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن الْمَالِك رُبمَا يُؤَدِّي الزَّكَاة وَالثَّانِي نعم لِأَن ملكه مزلزل فِي الْحَال
فَإِن أثبتنا الْخِيَار فَأدى الْمَالِك سقط الْخِيَار كَمَا لَو أدّى أَولا ثمَّ بَاعَ وَقيل لَا يسْقط لِأَن

(2/454)


الْخِيَار مستيقن والمؤدي رُبمَا يخرج مُسْتَحقّا فَيُعَكر السَّاعِي على المَال
وَأما على قَول الشّركَة فَالْبيع بَاطِل فِي قدر الزَّكَاة وَفِي الْبَاقِي قولا تَفْرِيق الصَّفْقَة
وَلَو بَاعَ بعض النّصاب صَحَّ على هَذَا القَوْل لاتساع الْبَاقِي لحق الْمِسْكِين
وَقيل يبطل فِي حَقه لِأَن حَقه غير منحصر فِي الْبَعْض الْبَاقِي
وَإِن فرعنا على استيثاق الرَّهْن بَطل فِي قدر الزَّكَاة وَقيل بَطل فِي الْكل وَكَانَ الْكل مَرْهُونا بِهِ وَهُوَ بعيد
وَإِن فرعنا على استيثاق أرش الْجِنَايَة وَقُلْنَا يجوز بيع العَبْد الْجَانِي فَهُوَ كالتفريع على قَول الذِّمَّة وَإِن قُلْنَا لَا يجوز فَهُوَ كتفريع قَول الرَّهْن
الثَّانِي إِذا اشْترى نِصَابا زكاتيا ثمَّ اطلع على عيب بعد تَمام الْحول فَإِن أدّى الزَّكَاة من مَوضِع أخر فَلهُ الرَّد إِلَّا على خيال من يَقُول لَعَلَّ الْمخْرج يظْهر اسْتِحْقَاقه فَيَعُود السَّاعِي إِلَيْهِ
أَو على قَول الشّركَة إِذا قُلْنَا الزائل الْعَائِد كالذى لم يعد
الثَّالِث إِذا ملك أَرْبَعِينَ وتكرر الْحول وَلم يخرج الزَّكَاة فَلَا زَكَاة فِي الْحول الثَّانِي فَإِن قُلْنَا للمسكين شركَة فِي عينه لنُقْصَان النّصاب لِأَن الْمِسْكِين لَا يتَعَيَّن حَتَّى تَجْعَلهُ خليطا وَإِن قُلْنَا يتَعَلَّق بِالذِّمةِ ابتنى على أَن الدّين هَل يمْنَع الْوُجُوب
الرَّابِع إِذا أصدقهَا أَرْبَعِينَ من الْغنم ثمَّ طَلقهَا بعد الْحول قبل الْمَسِيس فلهَا ثَلَاثَة أَحْوَال

(2/455)


الأولى إِذا كَانَت قد أدَّت الزَّكَاة من غير المَال فَفِيمَا يرجع الزَّوْج بِهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يرجع فِي عشْرين من الْبَاقِي وتنحصر الزَّكَاة فِي نصِيبهَا وَالثَّانِي أَنه يرجع فِي نصف الْبَاقِي وَقِيمَة نصف الْمخْرج وَالثَّالِث أَنه يتَمَيَّز بَين مُوجب الْقَوْلَيْنِ
الثَّانِيَة إِذا أدَّت من مَال آخر رَجَعَ الزَّوْج بِالنِّصْفِ على الْأَقْوَال إِلَّا على قَول الشّركَة إِذا قُلْنَا إِن الزائل الْعَائِد كَالَّذي لم يعد
الثَّالِثَة إِذا طلقت قبل الْأَدَاء فَإِن قُلْنَا للمسكين شركَة فَهُوَ كالمخرج وَإِن قُلْنَا إِن تعلق الزَّكَاة تعلق استيثاق فَالظَّاهِر أَنه يلْزمهَا فك حق الزَّوْج بأَدَاء الزَّكَاة من مَوضِع آخر كَمَا لَو كَانَت قد رهنت وَقيل لَا يجب لِأَنَّهُ بِغَيْر اخْتِيَاره فيضاهي أرش الْجِنَايَة
الْخَامِس رهن مَال الزَّكَاة بعد الْوُجُوب كَبَيْعِهِ وتفريق الصَّفْقَة أولى بِالِاحْتِمَالِ فِيهِ
وَإِن رهن قبل حولان الْحول وَقُلْنَا الدّين وَالرَّهْن يمنعان الزَّكَاة فَهَل يخرج من الْمَرْهُون الصَّحِيح أَنه يخرج لِأَن تعلقه لَا يتقاصر عَن أرش الْجَنَابَة وَقيل لَا يخرج إِذا فرعنا على تشبيهه بِالرَّهْنِ لِأَن الْمَرْهُون لَا يرْهن وَهُوَ بعيد لِأَن هَذَا التَّعَلُّق لَا اخْتِيَار فِيهِ فَإِن قُلْنَا يخرج فَلَو أيسر بعد الْإِخْرَاج فَهَل يلْزمه جبره للْمُرْتَهن بِوَضْع قِيمَته فِي مَوْضِعه رهنا فِيهِ وَجْهَان

(2/456)


النَّوْع الثَّانِي من الزكوات زَكَاة العشرات وَالنَّظَر فِي الْمُوجب وَالْوَاجِب وَوقت الْوُجُوب

الطّرف الأول فِي الْمُوجب وَالنَّظَر فِي جنسه وَقدره

أما جنسه فَكل مقتات فِي حَالَة الِاخْتِيَار أنبتته الأَرْض مَمْلُوكَة أَو مستأجرة خَرَاجِيَّة أَو غير خَرَاجِيَّة فَيجب فِيهِ الْعشْر على الْحر الْمُسلم
واحترزنا بِحَالَة الِاخْتِيَار عَن الثفاء والترمس فَإِن الْعَرَب تقتاته فِي حَالَة الِاضْطِرَار
وَألْحق مَالك بالقوت مَا تشتد إِلَيْهِ الْحَاجة كالقطن
وطرد أَبُو حنيفَة فِي كل مَا يقْصد من ثمار الأَرْض كالفواكه والبقول وَغَيرهَا وَلم يُوجب الْعشْر على الْمُسْتَأْجر وَأوجب على الْمكْرِي وَأوجب على الْمكَاتب وَالذِّمِّيّ وَفِي الضَّيْعَة الْمَوْقُوفَة على الْمَسَاجِد والرباطات وَلم يجمع بَين الْخراج وَالْعشر
وَعِنْدنَا الْخراج أُجْرَة لَا يضْرب على مَالك الأَرْض وَإِنَّمَا يضْرب على الْكفَّار فِي

(2/457)


أراض مَمْلُوكَة للْمُسلمين أَو لبيت المَال فَإِن أَسْلمُوا لم يسْقط لِأَنَّهُ أجره وَمَا يضْرب عَلَيْهِم فِي أراضيهم الْمَمْلُوكَة يسْقط بِإِسْلَامِهِمْ لِأَنَّهُ جِزْيَة
وَأوجب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْقَدِيم الزَّكَاة فِي الزَّيْتُون وَذكر فِي الورس وَالْعَسَل قَوْلَيْنِ وَفِي الزَّعْفَرَان قَوْلَيْنِ مرتبين وَأولى بِأَن لَا يجب
وَاقْتصر فِي الْجَدِيد على الأقوات وَمِنْه الْأرز واللوبيا والباقلى والحمص والذرة والماش وَالْعِنَب وَالرّطب دون السمسم والكتان والجوز والفواكه
أما قدر الْمُوجب فِيهِ فَهُوَ خَمْسَة أوسق كل وسق سِتُّونَ صَاعا كل صَاع أَرْبَعَة أَمْدَاد وَالْمَجْمُوع ثَمَانمِائَة من

(2/458)


فَمنهمْ من قَالَ هُوَ تَحْدِيد لِأَنَّهُ رُوِيَ أَن الوسق سِتُّونَ صَاعا
وَقيل إِنَّه تقريب وعَلى هَذَا إِنَّمَا يضر نُقْصَان قدر لَو وزع على الأوسق الْخَمْسَة لعد الوسق نَاقِصا عَن الِاعْتِدَال
والوسق حمل بعير
وَأَبُو حنيفَة لم يعْتَبر النّصاب
وَفِي النّصاب مسَائِل

الأولى أَنه يعْتَبر هَذَا الْمبلغ زبيبا وَتَمْرًا لَا رطبا وَعِنَبًا وَفِي الْحُبُوب يعْتَبر منقى عَن

(2/459)


القشور كَمَا فِي الْأرز إِلَّا مَا يطحن مَعَ قشره كالذرة فيوسق مَعَ قشرها
فرع

الرطب الذى لَا يتمر يوسق رطبا على الصَّحِيح لِأَنَّهُ مُنْتَهى كَمَاله ثمَّ تَسْلِيم عشر الرطب بِالْقِسْمَةِ سهل إِلَّا إِذا قُلْنَا الْمِسْكِين شريك فِيهِ وَالْقِسْمَة بيع وَهَذَا الرطب لَا يُبَاع بضعه بِبَعْض وَفِي كل ذَلِك خلاف
الثَّانِيَة لَا يكمل نِصَاب حبس الْحُبُوب بِحَبْس آخر وَأما العلس فَإِنَّهُ مضموم إِلَى الْحِنْطَة فَإِنَّهُ حِنْطَة يُوجد بِالشَّام جنتان مِنْهُ فِي كمام وَاحِد وَأما السلت فَهُوَ حب يُسَاوِي الشّعير بصورته وَالْحِنْطَة بطعمه فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه ينظر فِي وَاحِد إِلَى صورته فَيلْحق بِالشَّعِيرِ وَفِي

(2/460)


الآخر إِلَى مَعْنَاهُ فيضم إِلَى الْحِنْطَة وَفِي الثَّالِث يَجْعَل أصلا بِنَفسِهِ وَعَلِيهِ يَنْبَنِي جَوَاز بَيْعه بِالْحِنْطَةِ وَالشعِير مُتَفَاضلا
وَذهب مَالك إِلَى أَن الحمص والباقلي والعدس وَهِي الَّتِي تسمى القطنية يضم بَعْضهَا إِلَى بعض
الثَّالِثَة لَا يكمل ملك رجل بِملك غَيره إِلَّا إِذا كَانَ شَرِيكا أَو جارا وَقُلْنَا إِن الْخلطَة تُؤثر
فَلَو خلف الْمَيِّت نخيلا متمرة على جمَاعَة ومبلغها خَمْسَة أوسق وَجَبت الزَّكَاة عَلَيْهِم فَإِن اقتسموها قبل بَدو الصّلاح زَالَت الشّركَة وَبَقِي الْجوَار
وَإِنَّمَا يتَصَوَّر الْقِسْمَة إِذا جعلناها بيعا بِأَن يَبِيع كل وَاحِد نصِيبه من خَشَبَة نخل معِين بِحِصَّة صَاحبه من ثَمَرَة نخيل آخر وَإِلَّا فتؤدي قسْمَة الرطب إِلَى بيع الرطب بالرطب
الرَّابِعَة إِذا ملك تهامية ونجدية وتفاوت فِي إِدْرَاكهَا فالبعض مضموم إِلَى الْبَعْض إِلَّا إِذا تَأَخّر اطلَاع النجدية عَن جذاذ التهامية وَوقت الْجذاذ هَل هُوَ كَنَفس الْجذاذ فِيهِ خلاف
وَلَو تَأَخّر اطلاعها من زهو التهامية فَفِي الضَّم وَجْهَان أَحدهمَا لَا نظرا إِلَى سَبَب

(2/461)


الْوُجُوب وَالثَّانِي نعم لِأَن ذَلِك يعد إدراكا وَاحِدًا والنخلة الَّتِى تحمل فِي السّنة حملين لَا تضم أَحدهمَا إِلَى الآخر فَهُوَ كحمل سنتَيْن
فرع

لَو كَانَت لَهُ تهامية تثمر فِي السّنة مرَّتَيْنِ فاطلعت نجدية قبل جذاذ التهامية وضممناها إِلَيْهِ فَلَو جذت التهامية ثمَّ اطَّلَعت مرّة أُخْرَى قبل جذاذ النجدية فَلَا نضمها إِلَى النجدية لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الضَّم إِلَى الثَّمَرَة الأولى بِوَاسِطَة النجدية وَذَلِكَ مُمْتَنع وَلَو لم تكن الأولى لَهُ لَكنا نضم الثَّانِيَة إِلَى النجدية لزوَال هَذِه الْمَحْذُور
الْخَامِسَة الذّرة تحصد وتزرع فِي السّنة مرَارًا فالمزروع بعد الحصد هَل يضم إِلَى

(2/462)


المحصود
فِيهِ خَمْسَة أَقْوَال أَحدهَا لَا كحملي شَجَرَة وَاحِدَة وَالثَّانِي نعم مهما وَقع الزرعان والحصادان فِي سنة وَاحِدَة لِأَن ذَلِك مُعْتَاد فيعد ارْتِفَاع سنة وَاحِدَة الثَّالِث أَنه يَكْفِي وُقُوع الزرعين فِي سنة وَاحِدَة لِأَنَّهُ الدَّاخِل تَحت الِاخْتِيَار الرَّابِع أَنه ينظر إِلَى اجْتِمَاع الحصادين فَإِنَّهُ هُوَ الْمَقْصُود الْخَامِس إِن وَقع الزرعان والحصادان أَو زرع الثَّانِي وحصد الأول فِي سنة وَاحِدَة وَقع الِاكْتِفَاء وَوَجَب الضَّم
هَذَا إِذا زرع بعد الْحَصاد فَإِن كَانَ قبله وَلَكِن بعد اشتداد الْحبّ فخلاف مُرَتّب وَأولى بِالضَّمِّ
وَإِن زرع قبل اشتداد الْحبّ وَلَكِن أدْرك الأول وَالثَّانِي بعد بقل مِنْهُم من قطع بِالضَّمِّ وَمِنْهُم من خرج على الْخلاف لِأَن البقل لَا يشْتَمل على جنس مَال الزَّكَاة
فرع

إِذا انزرعت الذّرة الثَّانِيَة بتناثر حبات الأول بنقر العصافير وهبوب الرّيح مِنْهُم من قطع بِالضَّمِّ لِأَنَّهُ لم يفرد بِالْقَصْدِ وَمِنْهُم من خرج على الْخلاف
وَلَو علا بعض طاقات الذّرة فَبَقيت الصغار مخضرة تحتهَا ثمَّ أدْركْت الصغار بعد حصد الأول فَالْكل زرع وَاحِد وَهُوَ المُرَاد يَقُول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الذّرة تزرع مرّة فَتخرج فتحصد ثمَّ يسْتَخْلف فتحصد مرّة أُخْرَى فَهُوَ زرع

(2/463)


وَاحِد وَإِن تَأَخّر حصد الْأَخير وَمِنْهُم من نزل النَّص على تناثر الحبات لهبوب الرّيح

(2/464)


الطّرف الثَّانِي فِي الْوَاجِب وَالنَّظَر فِي قدره وجنسه

أما قدره فَهُوَ الْعشْر فِيمَا سقت السَّمَاء وَنصف الْعشْر فِيمَا سقِِي بنضح أَو دالية للْحَدِيث
وَمَاء القنوات والأنهار كَمَاء السَّمَاء وَإِن كثرت مؤنها والناعور الذى يديرها المَاء بِنَفسِهِ فِي معنى الدواليب
فرع

لَو اجْتمع السَّقْي بالنهر والنضح فَقَوْلَانِ
أَحدهمَا أَنا نعتبرهما جَمِيعًا وَيعرف الْمِقْدَار بِعَدَد السقيات على وَجه وبمقدار النَّفْع والنمو على وَجه إِذْ رب سقية فِي شهر أَنْفَع من سقيات فِي شهر

(2/465)


وَالْقَوْل الثَّانِي أَنا نعتبر الْأَغْلَب فعلى هَذَا لَو اسْتَويَا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الرُّجُوع إِلَى قَول التقسيط وَالثَّانِي إِيجَاب الْعشْر تَرْجِيحا لجَانب الْمَسَاكِين
وَإِذا أشكل الْأَمر فَهُوَ كالاستواء لتقابل الْأَمريْنِ هَذَا فِي الْمُعْتَاد
فَإِن كَانَت الْحَاجة إِلَى النَّضْح نَادرا فَهَل يعْتَبر هَذَا النَّادِر فِيهِ وَجْهَان
أما جنس الْوَاجِب ونوعه فَهُوَ أَن يخرج من جنس مَا ملك فَإِن اخْتلفت أَنْوَاعه فَمن كل نوع بِقسْطِهِ لِأَن التشقيص غير مَحْذُور فِيهِ كالمواشي فَإِن خرجت الْأَنْوَاع عَن الضَّبْط فَلَا يُطَالب بالأجود وَلَا يرضى بالأردئ وَيطْلب الْوسط من ذَلِك

(2/466)


الطّرف الثَّالِث فِي وَقت الْوُجُوب

وَهُوَ فِي الثِّمَار وبدو الصّلاح وَفِي الْحُبُوب باشتدادها فَيجب بهَا إِخْرَاج التَّمْر وَالْحب إِلَى الْمَسَاكِين عِنْد الْجَفَاف والتنقية فَلَو أخرج فِي الْحَال الرطب كَانَ بَدَلا وَلم يَقع الْموقع
وَحكى صَاحب التَّقْرِيب قولا أَن سَبَب الْوُجُوب الْجَفَاف إِذْ يَسْتَحِيل وجوب التَّمْر مَعَ عَدمه وَهَذَا يلْتَفت على أَن الْإِمْكَان شَرط الْوُجُوب وَهُوَ بعيد إِذْ تسليط الْملاك على اسْتِهْلَاك الرطب كُله إجحاف بالمساكين فَالْأولى الْإِيجَاب وَتَأْخِير الْأَدَاء إِلَى الْجَفَاف
وَلَكِن يسْتَحبّ أَن يخرص الثِّمَار على الْمَالِك خلافًا لأبي حنيفَة وَذَلِكَ بِأَن يجْبر الخارص على قدر مَا يحصل مِنْهُ تَمرا
وَهل يَكْتَفِي بخارص وَاحِد تَشْبِيها بالحاكم أَو لَا بُد من اثْنَيْنِ تَشْبِيها بِالشَّهَادَةِ
فِيهِ قَولَانِ يجريان فِي القسام وعَلى الْقَوْلَيْنِ لَا بُد من الْحُرِّيَّة وَالْعَدَالَة ثمَّ يدْخل فِي الْخرص جَمِيع النخيل
وَقَالَ فِي الْقَدِيم يتْرك لرب النخيل نَخْلَة أَو نخلات يَأْكُل ثمارها هُوَ وَأَهله
ويبتني على الْخرص مسَائِل

الأولى إِذا تلف المَال بجائحة سَمَاوِيَّة سَقَطت الزَّكَاة بِكُل حَال للفوات قبل الْإِمْكَان وَإِن فَاتَ بِإِتْلَاف الْمَالِك وَأكله فَعَلَيهِ حِصَّة الْمَسَاكِين وَلَكِن الْوَاجِب عشرَة رطبا

(2/467)


أَو تَمرا
فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه الرطب كَالْأَجْنَبِيِّ إِذا أتلف فَإِنَّهُ يغرم الرطب ويعبر عَن هَذَا القَوْل بِأَن الْخرص عِبْرَة مُجَرّدَة لَا يُؤثر فِي تَغْيِير الحكم وَالثَّانِي أَنه يضمنهَا تَمرا وَكَانَ الْخرص تضمين بتحويل الزَّكَاة إِلَى ذمَّته وَالثَّالِث إِن صرح الخارص بالتضمين ضمنه تَمرا وَإِلَّا ضمن الرطب
ثمَّ وَقت الْخرص هَل يقوم مقَام نفس الْخرص فِي التَّضْمِين فِيهِ خلاف
فرعان

أَحدهمَا لَو ادّعى جَائِحَة صدق إِلَّا إِذا كَذبته الْمُشَاهدَة وَلَو كَانَ يُمكن صَدَقَة وَلَكِن الْغَالِب أَنه لَو وَقع لظهر

(2/468)


قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا بُد من بَيِّنَة على أصل الْوَاقِعَة وَإِن لم يتَعَرَّض للتفصيل
قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد المؤتمن إِذا ادّعى مُمكنا صدق بِيَمِينِهِ كَمَا فِي دَعْوَى رد الْوَدِيعَة
الثَّانِي لَو ادّعى حيف الخارص قصدا لم يقبل وَلَو ادّعى غلطه بِقدر مُمكن صدق مَعَ يَمِينه وَإِن ادّعى الْغَلَط بِالنِّصْفِ أَو الثُّلُث فَهَذَا غير مُمكن وَلَكنَّا نصدقه فِي الْمِقْدَار الْمُمكن من هَذِه الْجُمْلَة وَحَيْثُ يصدق فاليمين فِيهَا مُسْتَحبَّة أَو مُسْتَحقَّة فِيهِ خلاف ذَكرْنَاهُ
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة تَصَرُّفَات الْمَالِك فِي جَمِيع الثِّمَار يبتني على التَّضْمِين فَإِن قُلْنَا قد تحول إِلَى ذمَّته الْعشْر تَمرا بعد تصرفه فِي الْكل وَإِلَّا فَينفذ تصرفه فِي التِّسْعَة الأعشار ونفوذه فِي الْعشْر يبتني على قَول الذِّمَّة وَالْعين كَمَا سبق وَقد ذكرنَا
ثمَّ إِن الْمَنْع يشيع فِي جَمِيع المَال على أحد الْأَقْوَال وَهَاهُنَا لَا خلاف فِي نُفُوذ تصرفه فِي غير قدر الزَّكَاة قبل الْجَفَاف لمسيس الْحَاجة وَشدَّة أثر الْحجر فَأَما بعد الْجَفَاف فيتنزل منزلَة الْمَوَاشِي
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة إِذا أصَاب النخيل عَطش يستضر بالثمار فللمالك قطعهَا وَإِن تضرر بهَا الْمَسَاكِين لأَنهم يَنْتَفِعُونَ بِبَقَاء النخيل فِي السّنة الثَّانِيَة
ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يَأْخُذ السَّاعِي عشر الرطب أَو ثمن عشرهَا وَلَا يلْزمه التَّمْر فَإِنَّهُ فِي الْقطع مَعْذُور

(2/469)


وَاخْتلفُوا فِي قَوْله أَو ثمن عشرهَا فَقيل مَعْنَاهُ ترديد قَول أَي إِذا فرعنا على أَن الْمِسْكِين شريك وَأَن الْقِسْمَة بيع امْتنع تَسْلِيم الرطب بِالْقِسْمَةِ فَيرجع إِلَى الثّمن للضَّرُورَة وَإِن فرعنا على أَنه إِقْرَار حق أَخذ نفس الرطب
وَمِنْهُم من قَالَ هَذَا تَخْيِير لِأَن الْبَدَل إِنَّمَا يُؤْخَذ للْحَاجة فَيجوز أَيْضا أَن يقسم للْحَاجة وَإِن جعلنَا الْقِسْمَة بيعا
وَهَذَا الْقَائِل قد يجوز قسْمَة الْأَوْقَاف للْحَاجة فَلَمَّا لم يكن بُد من احْتِمَال مَحْذُور للْحَاجة إِمَّا الْبَدَل وَإِمَّا بيع الرطب تخير
وَمِنْهُم من قطع بِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا مُمْتَنع إِذْ لَا ضَرُورَة بل الطَّرِيق أَن يسلم النخيل إِلَى السَّاعِي فَيتَعَيَّن حق الْمِسْكِين بِالْقَبْضِ فِيهِ وَتثبت الشّركَة ثمَّ يَبِيع السَّاعِي قدر حق الْمَسَاكِين إِذْ لَهُ أَن يَبِيع مَال الزَّكَاة مهما عظمت الْمُؤْنَة عَلَيْهِ فِي إِِمْسَاكهَا أَو نقلهَا وَقد احْتَاجَ هَاهُنَا إِلَى البيع لتعذر الْقِسْمَة وَلَيْسَ للساعي بيع مَال الزَّكَاة لغَرَض التِّجَارَة فَإِنَّهُ مستغن عَنْهَا
الرَّابِعَة نَص فِي الْكَبِير على أَنه لَو بَاعَ ثمره قبل بَدو الصّلاح لَا يشْتَرط الْقطع فَالْبيع

(2/470)


بَاطِل فَإِذا أتلف المُشْتَرِي الثِّمَار ثمَّ أفلس البَائِع وَحجر عَلَيْهِ وَاجْتمعَ عَلَيْهِ الزَّكَاة والديون فتؤخذ الْقيمَة من المُشْتَرِي وَيقدم الْمَسَاكِين بِعشر الْقيمَة ويضاربون بِقدر التَّفَاوُت بَين قيمَة الرطب وَالتَّمْر إِذا كَانَ قيمَة التَّمْر أَكثر

وَهَذَا تَفْرِيع على خَمْسَة أصُول
فَأخذ الْقيمَة تَفْرِيع على أَن الرطب من ذَوَات الْقيم وَتَقْدِيم الْمَسَاكِين بالعشر تَفْرِيع على تعلق حَقهم بِالْعينِ كَمَا فِي الرَّهْن وَإِثْبَات حق الْمَسَاكِين فِي التَّمْر تَفْرِيع على أَن الْخرص تضمين وَأَن وَقت الْخرص كالخرص وَإِثْبَات الْمُضَاربَة بالتفاوت تَفْرِيع على أَن حق الله تَعَالَى يُسَاوِي حق الْآدَمِيّ عِنْد الازدحام على مَال وَاحِد

(2/471)


النَّوْع الثَّالِث فِي زَكَاة النَّقْدَيْنِ وَالنَّظَر فِي قدر الْمُوجب وجنسه
أما الْقدر
فنصاب الْوَرق مِائَتَا دِرْهَم فِيهِ خَمْسَة دَرَاهِم ونصاب الذَّهَب عشرُون دِينَارا وَفِيه نصف دِينَار وَمَا زَاد فبحسابه يجب فِيهِ ربع الْعشْر وَلَا وقص فِيهِ خلافًا لأبي حنيفَة
وَفِيه مسَائِل

الأولى لَو نقص حَبَّة من هَذَا الْقدر فَلَا زَكَاة وَإِن كَانَ يروج رواج التَّام
وَقَالَ مَالك إِن كَانَ نقد الْبَلَد قراضة وَمَعَهُ مائَة وَخَمْسُونَ يروج بمائتين مكسرة وَجَبت الزَّكَاة
الثَّانِيَة يعْتَبر النّصاب فِي جَمِيع الْحول وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يعْتَبر فِي أَثْنَائِهِ
الثَّالِثَة لَا يكمل نِصَاب أحد النَّقْدَيْنِ بِالْآخرِ خلافًا لأبي حنيفَة وَلَكِن يكمل نِصَاب جيد النقرة برديئها ثمَّ يخرج من كل بِقَدرِهِ وَلَا يكمل بِالنُّحَاسِ فَلَا زَكَاة فِي الدَّرَاهِم المغشوشة إِلَّا إِذا كَانَت النقرة فِيهَا بِقدر النّصاب وَتَصِح على الدَّرَاهِم المغشوشة وَإِن لم يكن قدر النقرة مَعْلُوما على أحد الْوَجْهَيْنِ كالغالية

(2/472)


والمعجونات
الرَّابِعَة إِذا كَانَ لَهُ آنِية من الذَّهَب وَالْفِضَّة مختلطا وَزنه ألف وَوزن أَحدهمَا سِتّمائَة وَلم يدر أَن الستمائة ذهب أَو فضَّة يلْزمه التَّمْيِيز ليعرف الْقدر فَإِن عسر التَّمْيِيز فَالْمَذْهَب أَنه يخرج زَكَاة سِتّمائَة من الذَّهَب وسِتمِائَة من النقرة ليخرج مِمَّا عَلَيْهِ بِيَقِين لِأَنَّهُ إِذا أخرج زَكَاة أَرْبَعمِائَة ذهب وَأَرْبَعمِائَة فضَّة فَيعلم اشْتِغَال ذمَّته بعد ذَلِك يَقِينا وَلَا يبرأ

(2/473)


يَقِينا إِلَّا بِمَا ذَكرْنَاهُ
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَهُ الْأَخْذ بغالب الظَّن إِذا كَانَ يُؤَدِّيه بِنَفسِهِ فَإِن أدّى إِلَى السُّلْطَان فَلَا بُد من الْيَقِين
وَقيل يَأْخُذ بِمَا شَاءَ فَيُؤَدِّي زَكَاة سِتّمائَة من الذَّهَب أَو من الْفضة لِأَن اشْتِغَال ذمَّته لَيْسَ بمستيقن بِمَا سوى ذَلِك
الْخَامِسَة لَو ملك مائَة نَقْدا وَمِائَة مُؤَجّلا على مَلِيء وَقُلْنَا لَا يجب تَعْجِيل الزَّكَاة فِي الْمُؤَجل فمقدار النَّقْد يجب أَدَاؤُهُ على أصح الْوَجْهَيْنِ لِأَن الميسور لَا يسْقط بالمعسور
وَقيل لَا يجب لِأَن النّصاب فِي حكم شئ وَاحِد فَلَا يَتَبَعَّض واجبه

(2/474)


النّظر الثَّانِي فِي جنسه

وَلَا زَكَاة فِي شئ من اللآلئ واليواقيت وَسَائِر نفائس الْأَمْوَال وَإِنَّمَا يجب فِي النَّقْدَيْنِ تبرا كَانَ أَو مَضْرُوبا
وَفِي مناطه قَولَانِ أَحدهمَا أَنه عينهما كَمَا فِي الرِّبَا فَيجب فِي الْحلِيّ وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَمذهب عمر وَابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَعَمْرو بن الْعَاصِ
وَالثَّانِي أَنه مَنُوط بمعناهما وَهُوَ الِاسْتِغْنَاء عَنْهُمَا فِي عينهما إِذْ لَا يرتبط بذاتهما غَرَض فبقاؤهما سنة يدل على الْغناء بِخِلَاف اللآلئ واليواقيت وَالثيَاب والأواني
فعلى هَذَا إِذا قصد بصياغته حليا اسْتِعْمَالا مُبَاحا لم تجب الزَّكَاة كَمَا أَن أَمْوَال الْقنية الَّتِى يرتبط بِأَعْيَانِهَا غَرَض إِذا عزم على ترك اسْتِعْمَالهَا بإرصادها للتِّجَارَة وَجَبت الزَّكَاة وَهَذَا مَذْهَب عَائِشَة وَابْن عمر والجديد من قولي الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ
وعَلى هَذَا فِي الْقَصْد مَرَاتِب

الأولى أَن يصوغ مَا هُوَ مَحْظُور فِي نَفسه كالملاهي والأواني فَلَا تسْقط الزَّكَاة
الثَّانِيَة أَن يصوغ الرجل حلي النِّسَاء ليلبسه بِنَفسِهِ لم تسْقط الزَّكَاة لِأَن الصَّارِف عَن الأَصْل قصد صَحِيح وَلم يُوجد
الثَّالِثَة أَن يقْصد أَن يكنزها حليا وَلَا يسْتَعْمل فَالْمَذْهَب وجوب الزَّكَاة لِأَنَّهُ لم يصر مُحْتَاجا إِلَيْهِ لِأَن المكنوز مُسْتَغْنى عَنهُ كالدراهم وَالدَّنَانِير

(2/475)


الرَّابِعَة أَن لَا يقْصد سَببا أصلا فَفِيهِ وَجْهَان ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى صَنْعَة الْحلِيّ وهيآته وَفِي الثَّانِي إِلَى عدم قصد الصّرْف إِلَى حَاجَة الِاسْتِعْمَال
الْخَامِسَة أَن يقْصد إِجَارَتهَا فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا يجب لِأَن الِانْتِفَاع نوع حَاجَة فِي عينه سَوَاء حصل بِنَفسِهِ أَو بِغَيْرِهِ
فرعان

الأول حَيْثُ شرطنا الْقَصْد فطارئها بعد الصياغة كمقارنتها فِي الْإِسْقَاط والإيجاب وَهُوَ كنية الْقنية إِذا طرأت فِي مَال التِّجَارَة فَإِنَّهُ يقطع الْحول وَمُجَرَّد نِيَّة التِّجَارَة لَا يَكْفِي لانعقاد الْحول إِلَّا إِذا اقْترن بِالشِّرَاءِ لِأَن النِّيَّة دون الْمَنوِي لَا تُؤثر وَنِيَّة الْقنية مَعْنَاهَا الْإِمْسَاك والإمساك مقرون بهَا
الثَّانِي لَو انْكَسَرَ الْحلِيّ بِحَيْثُ يتَعَذَّر اسْتِعْمَاله إِلَّا بإصلاح فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا

(2/476)


أَنه ينْعَقد الْحول بتعذر الِاسْتِعْمَال فَأشبه التبر وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ مرصد للإصلاح والصنعة بَاقِيَة وَالثَّالِث إِن قصد الْمَالِك إِصْلَاحه فَلَا زَكَاة وَإِن قصد أَن لَا يصلحه جرى فِي الْحول
وَإِن لم يشْعر بِهِ إِلَّا بعد سنة فقصد الْإِصْلَاح فَفِي السّنة الْمَاضِيَة وَجْهَان وعَلى هَذَا الْوَجْه الْأَصَح أَنه لَا يجب لِأَن هَذَا الْقَصْد تبين أَنه كَانَ مرْصدًا لَهُ
فَإِن قيل مَا الْمَحْظُور فِي عينه مِمَّا يتَّخذ من الذَّهَب وَالْفِضَّة

قُلْنَا هُوَ ثَلَاثَة أَقسَام
الأول مَا يخْتَص الرِّجَال بِهِ وَالذَّهَب حرَام عَلَيْهِم مُطلقًا إِلَّا فِي اتِّخَاذ أنف لمن جدع أَنفه فَإِنَّهُ لَا يصدأ وَقد أَمر بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا بَأْس بتمويه الْخَاتم بِذَهَب لَا يتَحَصَّل

(2/477)


مِنْهُ وَأما أَسْنَان الْخَاتم من الذَّهَب حرَام وَقَالَ إمامي لَا يبعد أَن يشبه بضبة الْإِنَاء وتجنب ديباج على ثوب وَهَكَذَا حكم الطّراز الْمَذْهَب إِذا حصل مِنْهُ شئ
أما الْفضة فَيحل للرجل التَّخَتُّم بِهِ وتحلية آلَات الْحَرْب من السَّيْف والسنان والمنطقة
وَفِي تَزْيِين السرج واللجم وَجْهَان لِأَنَّهُ يشبه أَن يكون من آلَات الْحَرْب
الْقسم الثَّانِي فِيمَا يخْتَص بِالنسَاء وَهُوَ حَلَال لَهُنَّ أَعنِي الذَّهَب وَالْفِضَّة إِلَّا مَا فِيهِ تشبه بِالرِّجَالِ كتحلية آلَات الْحَرْب والسرج واللجم
الْقسم الثَّالِث مَا لَا يخْتَص بِالرِّجَالِ وَلَا بِالنسَاء وَفِيه مسَائِل
الأولى اتِّخَاذ الْأَوَانِي من الذَّهَب وَالْفِضَّة حرَام مُطلقًا وَفِي المكحلة الصَّغِيرَة تردد
الثَّانِيَة سكاكين المهنة إِذا حليت بِالْفِضَّةِ فاستعمال الرِّجَال لَهَا فِيهِ تردد وَوجه جَوَازهَا تشبيهها بآلات الْحَرْب وَهَذَا يَقْتَضِي أَن لَا يجوز للنِّسَاء

(2/478)


الثَّالِثَة تحلية الْمُصحف بِالْفِضَّةِ فِيهِ وَجْهَان وَوجه التجويز حمله على الْإِكْرَام وَفِي الذَّهَب ثَلَاثَة أوجه فِي الثَّالِث يفرق بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء فَأَما غير الْمُصحف من الْكتب لم يجوز تحليتها بِفِضَّة وَلَا ذهب كَمَا لَا يجوز تحلية الدواة والسرير والمقلمة
وَذكر الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد فِي مُخْتَصر الْمُخْتَصر تَجْوِيز تحلية الدواة وَهَذَا يُوجب الْجَوَاز فِي المقلمة وَسَائِر الْكتب وَهُوَ منقدح فِي الْمَعْنى إِذْ لَا يبعد أَن يُقَال لم يثبت فِي الْفضة تَحْرِيم إِلَّا فِي الْأَوَانِي فأصله على الْإِبَاحَة
الرَّابِعَة تحلية الْكَعْبَة والمساجد والمشاهد بقناديل الذَّهَب وَالْفِضَّة مَمْنُوع هَكَذَا نَقله الْعِرَاقِيُّونَ عَن أبي إِسْحَاق الْمروزِي وَلَا يبعد مُخَالفَته حملا على الْإِكْرَام كَمَا فِي الْمُصحف وَلِأَن الأَصْل فِي الْفضة الْإِبَاحَة إِلَّا فِي الْأَوَانِي وَفِي الذَّهَب الْإِبَاحَة إِلَّا على ذُكُور الْأمة وَلَيْسَ هَذَا من تحلي الذُّكُور

(2/479)


النَّوْع الرَّابِع زَكَاة التِّجَارَة وأركانها أَرْبَعَة
الأول المَال
وَهُوَ كل مَا قصد فِيهِ الاتجار عِنْد اكْتِسَاب الْملك فِيهِ بمعاوضة مَحْضَة
وَفِيه ثَلَاثَة قيود

الأول أَن مُجَرّد النِّيَّة فِي دوَام الْملك لَا يَكْفِي لِأَن الْمَنوِي لم يقْتَرن بِهِ بِخِلَاف نِيَّة الْقنية فَإِنَّهَا تقطع التِّجَارَة لِأَن معنى الْقنية الْإِمْسَاك وَهُوَ مقرون بِهِ
وَقَالَ الْكَرَابِيسِي يَكْفِي مُجَرّد نِيَّة التِّجَارَة
الثَّانِي قصد التِّجَارَة عِنْد حُصُول الْملك بِإِرْث أَو اتهاب أَو رُجُوع برد بِعَيْب لَا يُؤثر وَعند حُصُوله عوضا عَن الْبضْع فِي الْخلْع وَالنِّكَاح وَجْهَان لِأَنَّهُ مُعَاوضَة لَيست بمتمحضة

(2/480)


الثَّالِث إِذا اشْترى عبدا على نِيَّة التِّجَارَة بِثَوْب قنية فَرد عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ انْقَطع حوله لِأَن الثَّوْب الْعَائِد إِلَيْهِ لم يجز فِيهِ النِّيَّة وَلم يعد بِتِجَارَة بِخِلَاف مَا إِذا تبَايع التاجران ثمَّ ترادا لِأَن الْعَائِد كَانَ مَال التِّجَارَة قبل العقد وَلَو بَاعَ ثوب تِجَارَة بِعَبْد الْقنية انْقَطع حول الثَّوْب فَلَو رد إِلَيْهِ بِالْعَيْبِ لم يعد الْحول مَا لم يسْتَأْنف سَببا آخر وَهُوَ بَيْعه على نِيَّة التِّجَارَة
فرع

إِذا اشْترى جَارِيَة للتِّجَارَة فَولدت فَهَل يدْخل الْوَلَد فِي حول التِّجَارَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ لم يحصل بِالتِّجَارَة وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ لَو نقص قيمَة الْأُم بِالْولادَةِ تجبر بِهِ فَإِن ذَلِك لَا يعد خسرانا فَدلَّ على أَنه من فَوَائِد التِّجَارَة قبل العقد
الرُّكْن الثَّانِي النّصاب

وَهُوَ مُعْتَبر وَفِي وَقت اعْتِبَاره أَرْبَعَة أَقْوَال
أَحدهمَا أَنه يعْتَبر فِي جَمِيع الْحول كَسَائِر الزكوات

(2/481)


وَالثَّانِي لَا يعْتَبر إِلَّا فِي آخر الْحول لِأَن اخْتِلَاف الْقيمَة بانخفاض الأسعار فِي لحظات قريبَة لَا يَنْضَبِط
وَالثَّالِث أَنه يعْتَبر فِي أول الْحول وَآخره لِأَنَّهُمَا مضبوطان بِخِلَاف الْوسط
وَالرَّابِع أَن النُّقْصَان بانخفاض الأسعار فِي أثْنَاء الْحول لَا يعْتَبر وَلَكِن إِن صَار محسوسا بِالرَّدِّ إِلَى الناض فَيعْتَبر لِأَن هَذَا منضبط
فَإِن قُلْنَا يعْتَبر آخر الْحول فَلَو لم يكن نِصَابا ثمَّ صَار نِصَابا بعد شهر فعلى وَجْهَيْن أَحدهمَا لَا يجب مَا لم يتم الْحول الثَّانِي لِأَن الأول قد بَطل وَالأَصَح أَنه يجب لِأَنَّهُ ملكه سنة وشهرا فَيقدر كَأَن الزَّائِد لم يكن
فرع

إِذا لم يعْتَبر وسط الْحول فَاشْترى عرضا بِمِائَتي دِرْهَم وَبَاعه بِعشْرين دِينَارا لَا تَسَاوِي مِائَتَيْنِ وَالدَّنَانِير عرض إِذا التَّقْوِيم بِرَأْس المَال
فَلَو انْقَضى عَلَيْهِ سنُون وَلم يبلغ نِصَابا بِاعْتِبَار الدَّرَاهِم فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا تجب

(2/482)


الزَّكَاة لِأَنَّهُ عرض فِي التِّجَارَة وَالثَّانِي أَنا يعدل إِلَى زَكَاة الْعين لعسر زَكَاة التِّجَارَة
وعَلى هَذَا فِي وَقت افْتِتَاح حوله وَجْهَان أَحدهمَا أَنه آخر حول الأول إِذْ عِنْد تعذر زَكَاة التِّجَارَة وَالثَّانِي أَنه من وَقت ملكه إِذْ بَان آخر الْحول أَنه كَانَ لَا يصلح لزكاة التِّجَارَة
الرُّكْن الثَّالِث الْحول

وَهُوَ مُعْتَبر بالِاتِّفَاقِ وَالنَّظَر فِي أَمريْن
أَحدهمَا فِي ابْتِدَائه وَلما يشترى بِهِ سلْعَة التِّجَارَة ثَلَاثَة أَحْوَال
أَحدهَا أَن يكون من النَّقْدَيْنِ نِصَابا كَامِلا ابْتِدَاء الْحول من يَوْم ملك النّصاب من النَّقْد ليبتني حول التِّجَارَة على حول النَّقْدَيْنِ لِأَنَّهُمَا متشابهان فِي قدر الْوَاجِب والموجب فِيهِ ومتعلق الْوُجُوب وَكَذَا إِن كَانَ النّصاب نَاقِصا مهما نَظرنَا إِلَى آخر الْحول

(2/483)


وَإِن نَظرنَا إِلَى أَوله فَيبْدَأ الْحول حَيْثُ بلغت قيمَة السّلْعَة نِصَابا
الثَّانِيَة أَن يكون الْمُشْتَرى بِهِ عرضا لَا من جنس مَال الزَّكَاة فالحول من وَقت نِيَّة التِّجَارَة لَا من وَقت ملك الْعرض
الثَّالِثَة أَن يكون عرضا من جنس من مَال الزَّكَاة كَمَا لَو اشْترى بنصاب من الْغنم السَّائِمَة سلْعَة للتِّجَارَة فَالْمَذْهَب أَن الْحول من وَقت الشِّرَاء
وَقَالَ الْإِصْطَخْرِي هُوَ من وَقت ملك الْمَاشِيَة وَعَلِيهِ دلّ نقل الْمُزنِيّ وَهُوَ ضَعِيف إِذْ لَا مُنَاسبَة بَين الزكاتين حَتَّى يَنْبَنِي أَحدهمَا على الآخر
الْأَمر الثَّانِي الْمُسْتَفَاد فِي أثْنَاء الْحول هَل يضم إِلَى الأَصْل لَهُ أَرْبَعَة أَحْوَال

الأولى أَن يكون بارتفاع قيمَة مَال التِّجَارَة فَتجب الزَّكَاة فِيهِ بحول الأَصْل كَمَا فِي النِّتَاج مَعَ الْأُمَّهَات
الثَّانِيَة أَن يَشْتَرِي شَيْئا بنية التِّجَارَة لَا بِمَال التِّجَارَة فيفرد بحوله وَلَا يضم إِلَى الأَصْل كالمستفاد من الْمَاشِيَة
الثَّالِثَة إِذا ارْتَفَعت قيمَة مَال التِّجَارَة فَيردهُ إِلَى الناض كَمَا إِذا كَانَت سلْعَته تَسَاوِي

(2/484)


عشْرين دِينَارا فارتفعت قيمتهَا وباعها بعد مُضِيّ سِتَّة أشهر بِأَرْبَعِينَ دِينَارا فَفِي الْعشْرين الزَّائِد قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يضم فِي الْحول إِلَى الأَصْل كنتاج الْمَوَاشِي وكما إِذا ارْتَفَعت الْقيمَة من غير تنضيض وَالثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَار ابْن الْحداد أَنه تفرد بحوله لِأَنَّهُ مُسْتَفَاد من كيس المُشْتَرِي لَا من عين السّلْعَة بِخِلَاف النِّتَاج
الرَّابِعَة أَن يكون مَال التِّجَارَة حَيَوَانا أَو شَجرا فنتج وأثمر وَقُلْنَا إِن حكم الزَّكَاة يتَعَدَّى إِلَى الْوَلَد فَالْأَظْهر أَنه يضم فِي الْحول إِلَى الأَصْل وَمَا يحْتَمل أَن يلْتَحق بهما بِالرِّبْحِ الناض
الرُّكْن الرَّابِع فِي مَا يجب إِخْرَاجه

وَهُوَ ربع عشر قيمَة مَال التِّجَارَة وبماذا يقوم بِالدَّرَاهِمِ أَو بِالدَّنَانِيرِ لَهُ ثَلَاثَة أَحْوَال
الأولى أَيْن يكون مشترى بِأحد النَّقْدَيْنِ وَكَانَ نِصَابا كَامِلا فَيقوم بِهِ وَإِن اشْترِي بنقدين فَيقوم بهما على نِسْبَة التقسيط يَوْم الشِّرَاء فَإِن قَومنَا وَلم يبلغ كل وَاحِد مِنْهُمَا نِصَابا فَلَا زَكَاة وَإِن كَانَت بِحَيْثُ لَو قوم بِأحد النَّقْدَيْنِ لَكَانَ نِصَابا
الثَّانِيَة أَن يكون الْمُشْتَرى بِهِ نَقْدا غير نِصَاب وَالأَصَح أَنه مقوم بِهِ فِيهِ وَجه أَنه يقوم بِالنَّقْدِ الْغَالِب
الثَّالِثَة أَن يكون الْمُشْتَرى بِهِ عرضا قوم بِالنَّقْدِ الْغَالِب وَإِن غلب نقدان قوم بِمَا يبلغ بِهِ نِصَابا
فَإِن بلغ كل وَاحِد بهما نِصَابا فَأَرْبَعَة أوجه أَحدهمَا أَن الْمَالِك يتَخَيَّر وَالثَّانِي أَنه يتبع الأنفع للْمَسَاكِين وَالثَّالِث أَنه يعْتَبر بأقرب الْبلدَانِ إِلَى حَيْثُ يغلب أحد النَّقْدَيْنِ

(2/485)


وَالرَّابِع أَنه يقوم بِالدَّرَاهِمِ فَإِنَّهُ أَحْرَى فِي المستحقرات فَيكون أرْفق للْمَسَاكِين
وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَولَانِ قديمان أَحدهمَا أَن الْوَاجِب ربع الْعشْر من جنس المَال وَالثَّانِي أَنه يتَخَيَّر بَينه وَبَين الْقيمَة
فرع

إِذا وَجَبت الزَّكَاة فَيجوز لَهُ أَن يتَخَيَّر قبل الزَّكَاة لِأَنَّهُ لَيْسَ يزِيل الْمَالِيَّة الَّتِي هى مُتَعَلق الزَّكَاة فَأَما إِن أَرَادَ الْإِعْتَاق أَو الْهِبَة فَيخرج على أَن مُتَعَلق الزَّكَاة الْعين أَو الذِّمَّة كَمَا مضى فِي الْمَوَاشِي

(2/486)


واختتام الْبَاب بفصلين

الأول فِي اجْتِمَاع زَكَاة التِّجَارَة مَعَ سَائِر الزكوات

ويفرض ذَلِك فِي الْفطْرَة والمعشرات والمواشي
أما الْفطْرَة

فَلَا تَنْتفِي بِزَكَاة التِّجَارَة بل على التَّاجِر أَن يخرج الْفطْرَة عَن عبيد التِّجَارَة وَإِن تمّ حول التِّجَارَة مثلا عِنْد هِلَال شَوَّال لِأَنَّهُمَا زكاتان يتابعد مأخذهما فَلَا تتنافيان خلافًا لأبي حنيفَة
أما إِذا اشْترى نِصَابا من السَّائِمَة على نِيَّة التِّجَارَة فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال

أَحدهَا أَن الْمُعْتَبر زَكَاة التِّجَارَة لِأَنَّهُ أرْفق بالمساكين وَلِأَن المَال خرج عَن كَونه قنية بنية التِّجَارَة وَلم يخرج عَن كَونه مَال التِّجَارَة بالسوم وَالثَّانِي أَن الْمُغَلب زَكَاة الْعين فَإِنَّهُ مُتَّفق عَلَيْهِ وَالثَّالِث أَنه إِن كَانَ نِصَابا بِأَحَدِهِمَا دون الآخر فَيكون الْغَالِب مَا بلغ بِهِ نِصَابا وَإِن كَانَ بهما جَمِيعًا نِصَابا فعلى التَّرَدُّد السَّابِق
هَذَا إِذا توَافق ابْتِدَاء الْحَوْلَيْنِ أما إِذا اشْترى أَرْبَعِينَ معلوفة ثمَّ أنشأ إسامتها بعد سِتَّة أشهر فَإِن قُلْنَا إِن الْغَالِب زَكَاة التِّجَارَة فَلَا كَلَام وَإِن قُلْنَا الْغَالِب زَكَاة الْعين فَفِي كَيْفيَّة تغليبها هَاهُنَا وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يَنْقَطِع حول التِّجَارَة بطريان السّوم
وَالثَّانِي أَنه تجب زَكَاة التِّجَارَة فِي الْحول الأول كَيْلا يحبط بعضه ويعدل إِلَى زَكَاة الْعين فِي الْحول الثَّانِي
وَأما المعشرات فَإِذا اشْترى ثمارا بنية التِّجَارَة فَبَدَأَ الصّلاح فِي يَده قبل البيع فَإِن غلبنا زَكَاة التِّجَارَة لم يجب الْعشْر وَإِن غلبنا زَكَاة الْعين يخرج الْعشْر ثمَّ يسْتَأْنف حول التِّجَارَة عِنْد الْجذاذ إِذْ بِهِ تَنْقَطِع علائق زَكَاة الْعين فَإِن كَانَ المُشْتَرِي حديقة فإخراج الْعشْر يسْقط زَكَاة الثِّمَار

(2/487)


وَهل تسْقط زَكَاة الْأَشْجَار وَالْأَرْض فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا نعم لِأَن الْعشْر حق الْأَشْجَار ومغارسها فَهِيَ كالتابعة للثمرة وَالثَّانِي لَا لِأَن الْعشْر حق الثِّمَار إِذْ يجب على من لَا يملك الْأَشْجَار الثَّالِث أَن الْأَشْجَار تتبع دون الأَرْض لِأَن الشَّجَرَة لَا ترَاد إِلَّا للثمرة فَإِن قُلْنَا تتبع الأَرْض فَلَا نتبع إِلَّا مَا يدْخل فِي الْمُسَاقَاة من الأرضي المتخللة بَين الْأَشْجَار
فرع

لَو اشْترى أَرضًا للتِّجَارَة وبذرا للْقنية وَزرع فَوَاجِب الزَّرْع الْعشْر الْمَحْض وواجب الأَرْض زَكَاة التِّجَارَة إِذْ لَيْسَ الزَّرْع مَحل التِّجَارَة حَتَّى يستتبع

(2/488)


الْفَصْل الثَّانِي فِي زَكَاة مَال الْقَرَاض

فَإِذا سلم إِلَى رجل ألفا على أَن يكون الرِّبْح نِصْفَيْنِ فَكَانَ آخر الْحول أَلفَيْنِ فَإِن قُلْنَا الْعَامِل لَا يملك إِلَّا بِالْقِسْمَةِ فزكاة الْأَلفَيْنِ على الْمَالِك وَيحْتَمل على نصيب الْعَامِل وجد أَنه لَا يلْزمه لِأَن ملكه فِيهِ ضَعِيف إِذْ يتَعَلَّق بِهِ حق لِلْعَامِلِ لَازم
ثمَّ مَا نؤديه من الزَّكَاة كالمؤن حَتَّى يحْتَسب من الرِّبْح أَو كاسترداد طَائِفَة من المَال فِيهِ وَجْهَان يلتفتان على أَن تعلق الزَّكَاة بِالْعينِ أغلب أَو بِالذِّمةِ فَإِنَّهُ إِن تعلق بِالذِّمةِ فإخراجه من غير هَذَا المَال يشبه الِاسْتِرْدَاد
وَإِن قُلْنَا الْعَامِل يملك بالظهور قَالَ الْقفال لَا زَكَاة عَلَيْهِ لِأَن ملكه يسْتَقرّ بِالْقِسْمَةِ وَقيل يخرج على قولي الْمَغْصُوب فَإِن قُلْنَا يجب فَالصَّحِيح أَن حوله من وَقت الظُّهُور وَقيل إِنَّه يجب بحول الأَصْل لِأَنَّهُ ربح وَفِي استبداد الْعَامِل بِإِخْرَاجِهِ وَجْهَان لِأَنَّهُ مُتَرَدّد بَين المؤونة أَو أَخذ طَائِفَة من المَال

(2/489)


النَّوْع الْخَامِس من الزَّكَاة زَكَاة الْمَعَادِن والركاز
وَفِيه فصلان
الأول فِي الْمَعَادِن

وَالزَّكَاة وَاجِبَة على كل حر مُسلم نَالَ من الْمَعَادِن نِصَابا من النَّقْدَيْنِ وَمَا عدا النَّقْدَيْنِ فَلَا زَكَاة فِيهِ
وَفِيه وَجه آخر أَنه يجب فِي كل مَعْدن
وَأوجب أَبُو حنيفَة فِيمَا ينطبع تَحت المطارق
وَالنَّظَر فِي أُمُور ثَلَاثَة

الأول فِي قدر الْوَاجِب وَفِيه ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا ربع الْعشْر تَشْبِيها بِزَكَاة النَّقْدَيْنِ
وَالثَّانِي أَنه الْخمس تَشْبِيها بالركاز وَالثَّالِث أَن مَا يصادفه قَلِيلا مَعَ كَثْرَة الْعَمَل ربع الْعشْر وَمَا يصادفه مجموعا كثيرا بِالْإِضَافَة إِلَى الْعَمَل فَفِيهِ الْخمس
وَمعنى كَثْرَة الْعَمَل أَن يكون النّيل بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ قَلِيلا فِي الْعَادة فَإِن عد زَائِدا على الْمُعْتَاد فالمقدار اللَّاحِق بالمعتاد فِيهِ ربع الْعشْر وَالزَّائِد عَلَيْهِ يخص

(2/490)


بالخمس
الْأَمر الثَّانِي النّصاب

وَهُوَ مُعْتَبر إِن أَوجَبْنَا ربع الْعشْر وَإِن أَوجَبْنَا الْخمس فَقَوْلَانِ لتردده بَين مشابه الْغَنَائِم فِي قدر الْوَاجِب ومشابه الزكوات فِي الْجِنْس
فَإِن لم نعتبر النّصاب فَلَا حول وَإِن اعْتبر النّصاب فَفِي الْحول قَولَانِ وَاعْتِبَار الْحول مَعَ النّصاب لَا يبقي لإضافة الزَّكَاة إِلَى الْمَعَادِن وَجها
فَإِن اعْتبرنَا النّصاب مِمَّا يتواصل من النّيل بِضَم بعضه إِلَى الْبَعْض كتلا حق الثِّمَار فِي سنة وَاحِدَة وَالْجَامِع هَاهُنَا اتِّصَال الْعَمَل فَلَو أعرض على عزم أَن لَا يعود فقد انْقَطع وَإِن ترك لإِصْلَاح آلَة لم يَنْقَطِع وَإِن كَانَ لعذر سفر أَو مرض فَوَجْهَانِ
فرع

إِذا وجد تِسْعَة عشر دِينَارا فَأَعْرض ثمَّ عَاد بعد مُدَّة وَوجد دِينَارا وَكَانَت التِّسْعَة عشر بَاقِيَة فَعَلَيهِ أَن يخرج وَاجِب هَذَا الدِّينَار لِأَنَّهُ كمل عِنْد النّيل بِمَا فِي ملكه وَأما التِّسْعَة عشر فِيهِ شئ فَلَا لِأَنَّهُ لم يكن نِصَابا كَامِلا ذَلِك الْوَقْت والكمال بعده لَا ينفع
وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ فِي ملكه سلْعَة للتِّجَارَة فيكمل بِهِ نِصَاب الْمَعَادِن ويكمل سلْعَة

(2/491)


التِّجَارَة بِمَال الْمَعَادِن إِذا وجد مَعَ آخر حول التِّجَارَة وَقُلْنَا الْمُعْتَبر آخر الْحول لِأَن زَكَاة النَّقْدَيْنِ وَالتِّجَارَة والمعدن متداخلة فِي الْمَعْنى فينبني بَعْضهَا على الْبَعْض وَإِن كَانَت قد تخْتَلف فِي شَرط النّصاب والحول
وَحكى الشَّيْخ أَبُو عَليّ وَجها أَن دِينَار الْمَعْدن لَا يكمل إِلَّا بِمَا يجب فِيهِ زَكَاة الْمَعْدن مَعَه
الْأَمر الثَّالِث أَنه لَا يجب إِخْرَاج الْوَاجِب قبل التنقية
كَمَا فِي الْحُبُوب ثمَّ لَا يُجزئهُ إِخْرَاج التُّرَاب الْمَخْلُوط فَإِن مَقْصُوده مَجْهُول
فرع

للْمُسلمِ أَن يزعج الذِّمِّيّ من معادن دَار الْإِسْلَام إِذا انْتهى إِلَيْهِ وَلَكِن مَا ناله بالمبادرة ملكه كالصيد والحشيش وَلَا زَكَاة عَلَيْهِ إِلَّا إِذا قُلْنَا على وَجه بعيد أَن مصرف واجبه الْفَيْء على قَول إبجاب الْخمس فَإِنَّهُ يُؤْخَذ مِنْهُ الْخمس

(2/492)


الْفَصْل الثَّانِي فِي الرِّكَاز

وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الرِّكَاز الْخمس وَهُوَ وَاجِب فِي الْحَال من غير اعْتِبَار حول بِخِلَاف الْمَعْدن فَإِن فِيهِ قولا بَعيدا
وَلَكِن للركاز شُرُوط

الأول أَن يكون من جوهري النَّقْدَيْنِ وَفِي الْقَدِيم قَول أَنه يجب فِي كل جنس اعْتِبَارا بالمغانم
الثَّانِي أَن يكون نِصَابا تَشْبِيها بالزكوات وَفِيه قَول قديم أَن الْقَلِيل يُخَمّس كالغنيمة
قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَو كنت أَنا الْوَاجِد لخمست الْقَلِيل وَالْكثير وَلَو وجدت فخارة لخمستها وَهُوَ إِشَارَة إِلَى الِاحْتِيَاط
فرع

إِذا وجد مائَة دِرْهَم لم يجب الْخمس على الْجَدِيد فَلَو وجد مائَة أُخْرَى بعد ذَلِك وَالْمِائَة الأولى بَاقِيَة فِي ملكه أَو ملك مائَة أُخْرَى من مَال تِجَارَة أَو نقد وَجب الْخمس فِي مائَة

(2/493)


الرِّكَاز وكمل نصابه بِمَا لَيْسَ بركاز كَمَا ذكرنَا فِي الْمَعَادِن
وَفِي طَريقَة الْعرَاق أَنه إِن كَانَ فِي ملكه نِصَاب كَامِل فِي النَّقْدَيْنِ سوى الرِّكَاز وَقد تمّ عَلَيْهِ الْحول وَجب الْخمس فِي هَذِه الْمِائَة تكميلا لَهَا بِمَا هُوَ مَحل الْوُجُوب وَإِن وجد قبل حولان الْحول فَلَا يكمل بِهِ وَإِن وجد عِنْد حولان الْحول وَلَكِن كَانَ النّصاب نَاقِصا فالمنصوص فِي الْأُم أَنه يكمل بِهِ الرِّكَاز
وحكوا وَجها آخر أَنه لَا يكمل لنُقْصَان النّصاب وَهَذِه الطَّرِيقَة جَارِيَة فِي الْمَعَادِن وَإِن لم نحكها ثمَّ
الثَّالِث أَن يكون عَلَيْهِ ضرب الْجَاهِلِيَّة فَلَو كَانَ على ضرب الْإِسْلَام فَهُوَ لقطَة
وَقيل إِن الإِمَام يحفظها كحفظ الْأَمْوَال الضائعة لِأَن اللّقطَة مَا هُوَ بصدد الضّيَاع وطرد هَذَا فِي الثَّوْب الذى تلقيه الرّيح فِي دَار إِنْسَان فَإِنَّهُ لَيْسَ معرضًا للضياع
وَلَو انْكَشَفَ الرِّكَاز بسيل جارف ألحق باللقطة على مساق هَذَا الْمَعْنى
فَأَما إِذا احْتمل أَن يكون من ضرب الْإِسْلَام وَالْكفْر جَمِيعًا كالأواني والحلى فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه لقطَة وَالثَّانِي أَنه ركاز

(2/494)


الشَّرْط الرَّابِع أَن يُوجد فِي مَوضِع مُشْتَرك كموات وشارع
فَإِن وجد فِي عمرَان دَار الْحَرْب فَهُوَ غنيمَة أَو فَيْء وعَلى اخْتِلَاف الْحَال فِي إيجَاف خيل وركاب أَو عَدمه
وَإِن وجده فِي ملك نَفسه نظر فَإِن كَانَ يملك بِالْإِحْيَاءِ فَلهُ الْأَخْذ وَلَكِن يملك بِالْإِحْيَاءِ أم بِالْأَخْذِ فِيهِ وَجْهَان فعلى وَجه لَا يملك بِالْإِحْيَاءِ فَإِنَّهُ لَيْسَ من أَجزَاء الأَرْض بِخِلَاف الْمَعَادِن وَإِن كَانَ الْملك قد انْتقل إِلَيْهِ من غَيره
فَإِن قُلْنَا يملك بِالْإِحْيَاءِ فَعَلَيهِ طلب المحيي وَإِلَّا فَهُوَ لقطَة أَو مَال ضائع وَإِن قُلْنَا لَا يملك بِالْإِحْيَاءِ فَلَا شكّ فِي أَن المحيي أولى بِهِ
وَلَا يبطل اخْتِصَاصه بِالْبيعِ فَلَا يملكهُ الْوَاجِد وَهَذَا فِيهِ احْتِمَال فَإِنَّهُ يشبه بِمَا لَو عشش طير فِي دَاره فَأَخذه غير صَاحب الدَّار وَفِي ملكه خلاف
فرع

لَو تنَازع البَائِع وَالْمُشْتَرِي والمعير وَالْمُسْتَعِير وَقَالَ كل وَاحِد أَنا دفنت الرِّكَاز فَالْقَوْل قَول صَاحب الْيَد فِي الْحَال فَإِن قَالَ الْمكْرِي بعد رُجُوع الدَّار إِلَى يَده أَنا كنت دَفَنته قبل الْإِجَارَة

(2/495)


لم يصدق على أحد الْوَجْهَيْنِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ اعْترف بِثُبُوت يَد الْمُسْتَأْجر عَلَيْهِ وَانْفَرَدَ بِدَعْوَى التَّقَدُّم

الشَّرْط الْخَامِس أَن يكون الْوَاجِد أَهلا لِلزَّكَاةِ
فَلَا خمس على الذِّمِّيّ إِذا وجده إِلَّا على قَول بعيد أَن مصرف الْخمس الْفَيْء فَإذْ ذَاك يُؤْخَذ خمسه

(2/496)


النَّوْع السَّادِس زَكَاة الْفطر وَالنَّظَر فِي أَرْبَعَة أَطْرَاف

الأول فِي وَقت الْوُجُوب

وَفِيه ثَلَاثَة أَقْوَال
الْجَدِيد أَنه يجب بِأول جُزْء من لَيْلَة الْعِيد وَهُوَ وَقت الْغُرُوب آخر يَوْم من شهر رَمَضَان فَإِنَّهُ مَنْسُوب إِلَى الْفطر وَهَذَا وقته وعَلى هَذَا لَو مَاتَ عَبده أَو وَلَده قبيل الْغُرُوب أَو ورث عبدا أَو ولد لَهُ بعد الْغُرُوب فَلَا فطْرَة عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ
الثَّانِي أَنه يجب بِأول جُزْء من طُلُوع الْفجْر يَوْم الْعِيد لِأَن أثر الْفطر يظْهر فِي الْوَقْت الْقَابِل للصَّوْم

(2/497)


وَالثَّالِث أَنه لَا بُد من اعْتِبَار الْوَقْتَيْنِ فعلى هَذَا لَو زَالَ ملكه بعد الْغُرُوب وَعَاد قبل الطُّلُوع قبل الزَّوَال فَوَجْهَانِ
الطّرف الثَّانِي فِي الْمُؤَدى عَنهُ

والتحمل جَار فِي الْفطر لقَوْله أَدّوا صَدَقَة الْفطر عَمَّن تمونون
فتبعت الْفطْرَة النَّفَقَة وجهات تحمل النَّفَقَة ثَلَاثَة
الْجِهَة الأولى الْقَرَابَة وكل قريب تجب نَفَقَته تجب فطرته إِلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ

(2/498)


إِحْدَاهمَا ابْن بَالغ لم يملك إِلَّا قوت يَوْمه فَقَط عَلَيْهِ لإعساره وَلَا على الْأَب لسُقُوط نَفَقَته فِي هَذَا الْيَوْم
وَإِن كَانَ الابْن صَغِيرا قَالَ الصيدلاني تجب فطرته فَإِن حق الصَّغِير آكِد وَلذَلِك تتسلط الْأُم على الاستقراض لنفقة الصَّغِير دون الْكَبِير
قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد لَا فرق فِي الْفطْرَة وَلَا فِي الاستقراض بل لَا تستقرض الْأُم دون إِذن السُّلْطَان بِحَال
الثَّانِيَة فطْرَة زَوْجَة الْأَب فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يجب كَالنَّفَقَةِ وَالثَّانِي لَا لِأَن وجوب الإعفاف خَارج عَن الْقيَاس فيقصر على النَّفَقَة الَّتِى هى قدر الضَّرُورَة
وَهَذَا ضَعِيف لِأَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ نَص على أَن الابْن يُؤَدِّي فطْرَة عبد أَبِيه إِذا

(2/499)


كَانَ مُسْتَغْرقا بِخِدْمَة أَبِيه فزوجة الْأَب أولى
الْجِهَة الثَّانِيَة الزَّوْجِيَّة فَيجب على الزَّوْج الْحر الْمُوسر صَدَقَة الْفطر عَن زَوجته الْمسلمَة موسرة كَانَت أَو معسرة
فَإِن كَانَ مُعسرا وَهِي موسرة قَالَ الشَّافِعِي الأولى لَهَا أَن تخرج عَن نَفسهَا وَلَا يتَبَيَّن لي إِيجَابهَا عَلَيْهَا وَنَصّ فِي الْأمة تَحت الزَّوْج الْمُعسر على أَن النَّفَقَة تجب على السَّيِّد
فَقَالَ الْأَصْحَاب قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج منشؤها التَّرَدُّد فِي أَن الزَّوْج أصل فِي الْوُجُوب أَو متحمل
وَمِنْهُم من قرر النصين وَقَالَ مَالك الْيَمين أقوى فِي الْأمة من مالكته الْحرَّة وَلِهَذَا يلْزم الْحرَّة التَّمْكِين مُطلقًا وَلَا يجب على السَّيِّد تَسْلِيم الْأمة إِلَى زَوجهَا إِلَّا لَيْلًا
وَإِن كَانَت موسرة تَحت مكَاتب فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِأَن يجب عَلَيْهَا لِأَن الْمكَاتب لَيْسَ لَهُ أَهْلِيَّة التَّحَمُّل
فرعان

الأول إِذا أخرج الزَّوْج زَكَاتهَا دون إِذْنهَا جَازَ فَإِنَّهُ مُخَاطب أصيلا كَانَ أَو متحملا وَإِن أخرجت هى فطْرَة نَفسهَا بِغَيْر إِذْنه لم يجز إِلَّا على قَوْلنَا إِن الزَّوْج متحمل

(2/500)


وَلَيْسَ بأصيل
الْفَرْع الثَّانِي البائنة الْحَامِل تسْتَحقّ الْفطْرَة كَالنَّفَقَةِ وَقيل إِذا قُلْنَا النَّفَقَة للْحَمْل فَلَا فطْرَة
الْجِهَة الثَّالِثَة ملك الْيَمين فَيجب إِخْرَاج الْفطْرَة عَن كل مَمْلُوك مُسلم بَاقٍ تَحت التَّصَرُّف أما الْكَافِر فَلَا فطْرَة لَهُ عَلَيْهِ خلافًا لأبي حنيفَة
وَأما العَبْد الْمُشْتَرك يجب فطرته على الشَّرِيكَيْنِ خلافًا لأبي حنيفَة وَمن نصفه حر وَنصفه عبد فَالْأَمْر بَينه وَبَين السَّيِّد على الشّركَة
وَلَو جرت مُهَايَأَة واستهل هِلَال شَوَّال فِي نوبَة أَحدهمَا فَفِي اخْتِصَاص الْفطْرَة بِهِ وَجْهَان بِنَاء على أَن الْأُمُور النادرة هَل تدخل فِي الْمُهَايَأَة وَفِيه خلاف
وَلَو اعْتبرنَا مَجْمُوع الْوَقْتَيْنِ فَكَانَ وَقت الْغُرُوب فِي نوبَة أَحدهمَا وَوقت الطُّلُوع فِي نوبَة الآخر فَلَا سَبِيل إِلَّا الشّركَة
وَأما نُفُوذ التَّصَرُّف احترزنا بِهِ عَن الْمكَاتب فَلَا يجب فطرته عَلَيْهِ لنُقْصَان حَاله وَلَا على السَّيِّد لسُقُوط النَّفَقَة
وَحكى أَبُو ثَوْر عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه يجب على السَّيِّد
وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا يجب على الْمكَاتب لِأَن إِسْقَاط فطرته مَعَ قدرته وقدرة السَّيِّد بعيد وَهُوَ أولى بِنَفسِهِ من السَّيِّد كَمَا فِي النَّفَقَة

(2/501)


أما من لَا ينفذ التَّصَرُّف فِيهِ بإباقة أَو كَونه مَغْصُوبًا أَو ضَالًّا فَفِيهِ طَرِيقَانِ
أَحدهمَا كَسَائِر الزكوات فَيخرج على الْقَوْلَيْنِ
وَالثَّانِي أَنه يجب لِأَنَّهُ يتَعَلَّق بِالْملكِ الضَّعِيف فِي الْمُسْتَوْلدَة
وأطلقوا القَوْل بِوُجُوبِهِ فِي العَبْد الْمَرْهُون وَإِن احْتمل إِجْرَاء الْخلاف فِيهِ
فروع ثَلَاثَة

الأول العَبْد الْمُوصى بِهِ إِذا فرعنا على أَنه بعد موت الْمُوصي وَقبل الْقبُول ملك الْمَيِّت فَجرى الإهلال فَلَا زَكَاة
وَذكر الفوراني وَجها أَنه يجب فِي مَال الْمَيِّت وَهَذَا يلْتَفت على تردد ذَكرْنَاهُ فِي مَال الْجَنِين لِأَن الْجَنِين مورده الْحَيَاة وَالْمَيِّت مصدره الْحَيَاة والاستصحاب كالاستعجال
الثَّانِي إِذا غَابَ العَبْد وَانْقطع خَبره نَص على وجوب فطرته وَلَو أعْتقهُ عَن كَفَّارَة ظِهَار نَص على أَن الوقاع لَا يحل لَهُ فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج لتقابل الْأَصْلَيْنِ وَقيل إِن الشَّافِعِي مَال إِلَى الِاحْتِيَاط فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ

(2/502)


وَهَذَا فِيهِ نظر إِذا كَانَ انْقِطَاع الْخَبَر مَعَ تواصل الرفاق فَإِن كَانَ فِي الطَّرِيق عائق فَالْأَصْل بَقَاء العَبْد
الثَّالِث نَفَقَة زَوْجَة العَبْد فِي كَسبه وَلَيْسَ عَلَيْهِ فطرتها لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهلا لالتزام زَكَاة نَفسه فَلَا تحمل عَن غَيره وَالْمكَاتب إِن ألزمناه فطْرَة نَفسه ألزمناه فطْرَة زَوجته
الطّرف الثَّالِث فِي صِفَات الْمُؤَدِّي

وَالصِّفَات الْمَشْرُوطَة ثَلَاث
الأولى الْإِسْلَام فَلَا زَكَاة على كَافِر إِلَّا فِي عَبده الْمُسلم وَزَوجته الْمسلمَة حَيْثُ يتَصَوَّر مسلمة تَحت كَافِر فِي دوَام النِّكَاح عِنْد اخْتِلَاف الدّين وَفِيهِمَا قَولَانِ
أَحدهمَا لَا تجب لِأَن الْمُؤَدِّي أصل وَهُوَ كَافِر وَالثَّانِي تجب لِأَنَّهُ متحمل وعَلى هَذَا تجزي دون النِّيَّة لتعذرها من الْكَافِر
الصّفة الثَّانِيَة الْحُرِّيَّة فَلَا زَكَاة على رَقِيق إِلَّا على الْمكَاتب فِي رَأْي بعيد كَمَا ذَكرْنَاهُ وَمن نصفه حر وَجب عَلَيْهِ نصف صَاع وعَلى سَيّده الْبَاقِي وَيجب على الصَّبِي وَالْمَجْنُون فِي مَالهمَا
الصّفة الثَّالِثَة الْيَسَار وَهُوَ مُعْتَبر فِي وَقت الْوُجُوب فَلَو كَانَ مُعسرا ثمَّ أيسر ضحوة الْعِيد مثلا فَلَا زَكَاة بِخِلَاف الْكَفَّارَة فَإِن الْأَظْهر أَن الْعَاجِز عَن جَمِيع الْخِصَال إِذا جرى عَلَيْهِ سَبَب الْكَفَّارَة اسْتَقر فِي ذمَّته إِلَى الْيَسَار لِأَن الْيَسَار ثمَّ اعْتبر للْأَدَاء وَسبب الْوُجُوب الْجِنَايَة وَهَاهُنَا الْيَسَار أولى بِأَن يَجْعَل سَببا للْوُجُوب من الْوَقْت

(2/503)


وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب الْكَفَّارَة كالفطرة وَيشْهد لَهُ حَدِيث الْأَعرَابِي
والمعني باليسار أَن يفضل عَن قوته وقوت من يقوته فِي يَوْمه ذَلِك صَاع وَاحِد وَذَلِكَ بِعَدَد سِتّ ثوب يَلِيق بِهِ ومسكن يسكن فِيهِ وَعبد يَخْدمه إِن كَانَ مثله مِمَّن يخْدم وَالْعَبْد والمسكن يباعان فِي الدُّيُون للآدميين وَلَكِن الْحَاجة إِلَيْهِ تمنع ابْتِدَاء الْوُجُوب لِأَن الِابْتِدَاء أَضْعَف وَلذَلِك يدْفع ابْتِدَاء الْفطْرَة بِالدّينِ كَمَا يدْفع بِالْحَاجةِ إِلَى نَفَقَة الْأَقَارِب فِي ذَلِك الْيَوْم وَإِن كَانَ لَا يدْفع سَائِر الزكوات فِي ابتدائها بِالدّينِ على قَول
فروع أَرْبَعَة

الأول لَو كَانَ الْفَاضِل صَاعا وَاحِدًا وَله عبد مستغن عَن خدمته صرف الصَّاع إِلَى نَفسه وَهل يلْزمه أَن يَبِيع جُزْءا من العَبْد فِي فطْرَة العَبْد فِيهِ ثَلَاثَة

(2/504)


أوجه
أَحدهَا لَا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى اتِّحَاد الْمخْرج والمخرج عَنهُ وَالثَّانِي أَنه يجب وَلَا بَأْس بالاتحاد
وَالثَّالِث وَهُوَ الأعدل وَإِن لم يكن محكيا على هَذَا الْوَجْه أَنه إِن استغرق الصَّاع قِيمَته فَلَا يخرج وَإِن كَانَ عشرَة مثلا يَشْتَرِي بِتِسْعَة أعشار صَاع فليخرجه عَن الْبَاقِي بعد بيع الْعشْر لِأَن من لَا يملك إِلَّا تِسْعَة أعشار عبد يلْزمه تِسْعَة أعشار صَاع فَلَا يُؤَدِّي إِلَى الِاتِّحَاد الْمَحْذُور
الثَّانِي لَو فضل عَن قوته نصف صَاع فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يجب إِخْرَاجه لِأَن الميسور لَا يسْقط بالمعسور كَمَا إِذا وجد بعض السَّاتِر للعورة
الثَّانِي أَنه لَا يجب كبعض الرَّقَبَة فِي الْكَفَّارَة
وَالأَصَح الْفرق لِأَن الرَّقَبَة لَهَا بدل وَأما بعض الصَّاع فَيُشبه مَا لَو وجد بعض مَا يستر الْعَوْرَة

(2/505)


الثَّالِث إِذا فضل صَاع وَاحِد وَمَعَهُ زَوجته وأقاربه فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه
الْأَصَح أَنه يخرج عَن نَفسه لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام ابدأ بِنَفْسِك ثمَّ بِمن تعول وَالثَّانِي أَنه يبْدَأ بِزَوْجَتِهِ لِأَنَّهُ فِي حكم دين وَالثَّالِث أَنه يتَخَيَّر بَين نَفسه وَبَين غَيره
وعَلى هَذَا لَو وزع وَقُلْنَا إِخْرَاج بعض الصَّاع لَا يجب لم يجز التَّوْزِيع وَإِن قُلْنَا يجب ذَلِك وَيَقَع زَكَاة فهاهنا وَجْهَان وَالْفرق أَن هَاهُنَا لَا ضَرُورَة إِلَى التجزئة بِخِلَاف مَا إِذا لم يجد إِلَّا نصف صَاع
الرَّابِع لَو أخرج فطْرَة نَفسه وَفضل صَاع وازدحم جمع مِمَّن يقوتهم يقدم من يقدم بِالنَّفَقَةِ فَإِن اسْتَويَا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا التَّخْيِير وَالْآخر التقسيط
الطّرف الرَّابِع فِي الْوَاجِب

وَهُوَ صَاع مِمَّا يقتات
والصاع أَرْبَعَة أَمْدَاد وَالْمدّ رَطْل وَثلث بالبغدادي

(2/506)


والقوت كل مَا يجب فِيهِ الْعشْر وَلَو كَانَ الأقط قوت طَائِفَة فَفِي إِخْرَاج صَاع مِنْهُ قَولَانِ مأخذهما التَّرَدُّد فِي صِحَة الحَدِيث الْوَارِد فِيهِ فَإِن صَحَّ فاللبن والجبن فِي مَعْنَاهُ دون المخيض وَالسمن لِأَن الاقتيات باجتماعهما
وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ قَوْلَيْنِ فِي اللَّحْم من حَيْثُ إِن اللَّبن عصارته وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ لَا يقوت
ثمَّ لَا يجْرِي المسوس والمعيب من هَذِه الْأَجْنَاس وَلَا الدَّقِيق فَإِنَّهُ بدل

(2/508)


وَذكر بعض الْأَصْحَاب فِي كَونه أصلا قَوْلَيْنِ
وَهل يتَعَيَّن أحد الْأَجْنَاس فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا أَنه يتَخَيَّر بَينهمَا لوُرُود الْخَبَر بِلَفْظ التَّخْيِير وَهُوَ ضَعِيف لِأَن المُرَاد بِهِ التنويع
وَالثَّانِي أَن الْمُعْتَبر قوته كَمَا يعْتَبر فِي الزَّكَاة مَاشِيَته
وَالثَّالِث وَهُوَ الْأَصَح أَنه يعْتَبر الْغَالِب من قوت الْبَلَد فِي وَقت وجوب الْفطْرَة لَا فِي جَمِيع السّنة
ثمَّ إِذا تعين جنس تفرع عَنهُ ثَلَاثَة فروع

الأول أَنه لَو أخرج جِنْسا أشرف مِمَّا عَلَيْهِ كالبر بدل الشّعير يُجزئهُ وَلَو أخرج الأردأ لَا يُجزئهُ وَالْبر أشرف من التَّمْر فِي غَرَض الاقتيات فَلَا ينظر إِلَى الْقيمَة وَالتَّمْر أشرف من الزَّبِيب وَفِي الزَّبِيب مَعَ الشّعير تردد وَلَو وَجب الشّعير فَأخْرج نصف صَاع من الشّعير وَنصف صَاع من الْبر لم يجز على أحد الْوَجْهَيْنِ لما فِيهِ من التنويع
الثَّانِي لَو كَانَ يَلِيق الْبر بِحَالهِ فَكَانَ يتَنَاوَل الشّعير بخلا لزمَه الْبر وَلَو كَانَ يَلِيق بِهِ الشّعير وَكَانَ يتَنَاوَل الْبر توسعا فَفِي أَخذ الشّعير وَجْهَان أصَحهمَا أَنه يُؤْخَذ نظرا إِلَى اللَّائِق بِهِ
الثَّالِث إِذا اخْتلف قوت السيدين فِي العَبْد الْمُشْتَرك قَالَ ابْن سُرَيج يُكَلف من قوته أردأ أَن يُوَافق الآخر ليتحد النَّوْع فَإِن العَبْد مُتحد
وَقَالَ ابْن الْحداد لَا يُبَالِي بالتنويع لأجل الضَّرُورَة

(2/509)


وَلَا خلاف فِي أَن الْكَفَّارَات لَا يركب آحادها من الصّيام وَالْإِطْعَام إِلَّا كَفَّارَة الصَّيْد فَإِن الْجَمَاعَة إِذا اشْتَركُوا لَزِمَهُم جَزَاء وَاحِد وَلَا يلْزمهُم التوافق فِي الطَّعَام أَو الصّيام نعم لَو اتَّحد الْقَاتِل والمقتول فَفِي جَوَاز التنويع وَجْهَان وَوجه الْجَوَاز أَن هَذِه الْكَفَّارَة متبعضة بِالْجِنَايَةِ على أَطْرَاف الصَّيْد

(2/510)