الوسيط في المذهب

= كتاب الصّيام = وَلَا خَفَاء بِكَوْنِهِ من أَرْكَان الشَّرْع وَالنَّظَر فِيهِ يحصره قِسْمَانِ الأول فِي نفس الصَّوْم وَالثَّانِي فِي مُوجبَات الْإِفْطَار ومبيحاته

(2/511)


الْقسم الأول فِي نفس الصَّوْم وَالنَّظَر فِي سَببه وركنه وَشَرطه وسننه

القَوْل فِي السَّبَب

قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صُومُوا لرُؤْيَته وأفطروا لرُؤْيَته وَإِن غم عَلَيْكُم فاستكملوا الْعدة ثَلَاثِينَ يَوْمًا فرؤية الْهلَال سَبَب الْوُجُوب
وَالنَّظَر فِي ثَلَاثَة أُمُور

الأول فِي طَريقَة مَعْرفَته

وأقصاه بعد العيان شَهَادَة عَدْلَيْنِ سَوَاء كَانَت السَّمَاء مضحية أَو لم تكن

(2/513)


وَهل يقبل قَول وَاحِد فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا أَنه لَا يقبل كَمَا فِي هِلَال شَوَّال
وَالثَّانِي يقبل إِن كَانَ على صِفَات الشُّهُود لما رُوِيَ عَن ابْن عمر أَنه قَالَ ترَاءى النَّاس الْهلَال فرأيته وحدي فَشَهِدت عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمر النَّاس بِالصَّوْمِ
وَلِأَن فِيهِ احْتِيَاطًا لأمر الْعِبَادَة بِخِلَاف شَوَّال وعَلى هَذَا لَو شهد وَاحِد

(2/514)


واستكملنا ثَلَاثِينَ فَلم ير هِلَال شَوَّال فَفِي الْإِفْطَار وَجْهَان وَوجه الْجَوَاز أَن أول الشَّهْر إِذا ثَبت بقوله فالآخر ثَبت ضمنا لَا قصدا فَكَانَ كالنسب الذى يثبت ضمنا للولادة بقول مُجَرّد النِّسَاء
وَلَو شهد عَدْلَانِ وَكَانَت السَّمَاء مضحية لَيْلَة الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ وَلم ير لم نجز الْإِفْطَار على أحد الْوَجْهَيْنِ إِذْ قَول العدلين اجْتِهَاد وَهَذَا يَقِين فَلَا يعْمل مَعَه
وَالثَّالِث أَنه يَكْفِي صفة الروَاة فَلَا يشْتَرط الْحُرِّيَّة وَكَانَ هَذَا من قبيل الْإِخْبَار
فرع

هَل يثبت الْهلَال بِالشَّهَادَةِ على الشَّهَادَة إِن قُلْنَا إِنَّه من قبيل الْإِخْبَار يثبت وَإِن قُلْنَا شَهَادَة تبنى على أَن حق الله هُوَ يثبت بِالشَّهَادَةِ على الشَّهَادَة وَفِيه خلاف
الْأَمر الثَّانِي عُمُوم حكم الْهلَال

فَإِذا رأى فِي مَوضِع فَهَل يتَعَدَّى حكمه إِلَى سَائِر الْبِلَاد فِيهِ وَجْهَان

(2/515)


أَحدهمَا نعم لِأَن منَاط التَّعَبُّد أَن يصير مرئيا ببعده عَن الشَّمْس وَلَو فِي مَوضِع وَاحِد
وَالثَّانِي لَا بل مناطه أَن يصير مرئيا فِي قطر الْمُكَلّفين وَذَلِكَ يخْتَلف بالبلاد
وعَلى هَذَا لَا ضبط إِلَّا مَسَافَة الْقصر فَإِن تحكم المنجم قَبِيح شرعا
فرع

لَو رأى الْهلَال ببلدة وسافر إِلَى بَلْدَة أُخْرَى واستكمل الثَّلَاثِينَ وَلم ير النَّاس الْهلَال

(2/516)


فَإِن قُلْنَا الحكم يعم فَلهُ الْإِفْطَار وعَلى النَّاس مُوَافَقَته إِن ثَبت عِنْدهم عَدَالَته وَإِن قُلْنَا لكل بقْعَة حكمهَا فَعَلَيهِ مُوَافقَة الْقَوْم
وَلَو أصبح معيدا مُفطرا فجرت بِهِ السَّفِينَة إِلَى قطر لم ير بِهِ الْهلَال قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد يلْزمه الِامْتِثَال تشبها إِن لم نعمم الحكم وَفِيه بعد لما فِيهِ من تبعيض الْيَوْم الْوَاحِد
الْأَمر الثَّالِث وَقت تَأْثِير الْهلَال اللَّيْل

فَلَو رأى هِلَال شَوَّال نَهَارا لم يفْطر إِلَى الْغُرُوب سَوَاء رأى قبل الزَّوَال أَو بعده
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن رأى قبل الزَّوَال أفطر

(2/517)


القَوْل فِي ركن الصَّوْم وَهُوَ النِّيَّة والإمساك

الرُّكْن الأول النِّيَّة

فَيجب على الصَّائِم فِي رَمَضَان أَن يَنْوِي لكل يَوْم نِيَّة مُعينَة مبيتة جازمة وَفِي الرابطة قيود فَلْيتَأَمَّل
أما قَوْلنَا يَنْوِي خَالَفنَا فِيهِ زفر
وَقَوْلنَا لكل يَوْم خَالَفنَا فِيهِ مَالك إِذا اكْتفى فِي رَمَضَان بنية وَاحِدَة
وَأما قَوْلنَا مُعينَة خَالَفنَا فِيهِ أَبُو حنيفَة إِذْ قَالَ لَو نرى قَضَاء أَو نذرا أَو تَطَوّعا انْعَقَد عَن رَمَضَان
وَعِنْدنَا يلْزمه أَن يَقُول بِقَلْبِه أؤدي اإذا فرض صَوْم رَمَضَان فالتعرض للْأَدَاء لَا بُد مِنْهُ وَفِي الْفَرْضِيَّة خلاف وَمِنْهُم من زَاد أَن يَقُول رَمَضَان هَذِه السّنة وَهُوَ

(2/518)


فَاسد فَإِن فِي الْأَدَاء غنية عَنهُ وَالْمرَاد من النِّيَّة قصد الْقلب إِلَى الصَّوْم الْمَوْصُوف بِهَذِهِ الصِّفَات بعد كَونه حَاضرا فِي الذِّهْن وَأما اللَّفْظ فَلَا أثر لَهُ
وَأما قَوْلنَا مبيتة خَالَفنَا فِيهِ أَيْضا أَبُو حنيفَة
وَيَعْنِي بِهِ أَنه يَنْوِي لَيْلًا وَلَا يتَعَيَّن لَهُ النّصْف الْأَخير على الْمَذْهَب وَلَا يبطل بِالْأَكْلِ بعده وَلَا يجب تَجْدِيد النِّيَّة إِن تنبه من النّوم على الْمَذْهَب وَلَو بِصُورَة الْقُدْرَة على أَن تقترن النِّيَّة بِأول جُزْء من الْيَوْم وَفِي صِحَّته وَجْهَان لوُرُود لفظ التبييت

(2/519)


أما التَّطَوُّع فَيصح بنية قبل الزَّوَال للْخَبَر وَفِيمَا بعد الزَّوَال قَولَانِ
أَحدهمَا نعم ترغيبا فِي تَكْثِير النَّوَافِل
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ ورد الْخَبَر فِيمَا قبل الزَّوَال والمعظم بَاقٍ فَلَا يكون مَا بعده فِي مَعْنَاهُ وَلَا مرد للتنصيف إِلَّا الزَّوَال وَإِن كَانَ مَا قبل الزَّوَال أَكثر ثمَّ قيل إِن الْعِبَادَة تحصل من وَقت النِّيَّة وَلَكِن الْإِمْسَاك فِيمَا قبله شَرط

(2/520)


وَلَو تقدم الْكفْر وَالْحيض ثمَّ زَالا ففى صِحَة الصَّوْم خلاف لِأَن ذَلِك لَا يبطل مَقْصُود الصَّوْم من الخواء لِأَن مَقْصُوده الخوى والطوى
فرع

لَا يبطل الصَّوْم بِمُجَرَّد نِيَّة الْخُرُوج على أحد الْوَجْهَيْنِ إِذْ لَيْسَ لَهُ عقد وَحل يرتبط بِالْقَصْدِ فَلَو كَانَ صَائِما قَضَاء فَنوى أَن يقبله نذرا وَقُلْنَا إِن نِيَّة الْخُرُوج تُؤثر بَطل الْقَضَاء وَلم يحصل النّذر وَهل يبْقى تَطَوّعا فِيهِ وَجْهَان
أما قَوْلنَا جازمة أردنَا أَن النِّيَّة المرددة بَاطِلَة إِلَّا إِذا كَانَ لَهَا مُسْتَند والمردد أَن يَقُول لَيْلَة الشَّك أَصوم غَدا إِن كَانَ من رَمَضَان وَكَانَ من رَمَضَان لم يعْتد بصومه وَلَو كَانَ لَهُ مُسْتَند وَهُوَ مَعَ ذَلِك شَاك جَازَ والمستندات ثَلَاثَة
الأول عَلامَة صَحِيحَة شرعا كَقَوْل شَاهِدين عَدْلَيْنِ أَو شَاهد وَاحِد إِن حكمنَا بِهِ أَو معرفَة تسيير الْأَهِلّة

(2/521)


وَأما قَول الصبية وَالْعَبْد وَإِن أبان ظنا فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ شرعا
وَإِن كَانَ الْغَيْم مطبقا وَاقْتضى الْحساب الرُّؤْيَة فَفِي وُجُوبه على من عرف الْحساب وَجْهَان
الثَّانِي الِاسْتِصْحَاب وَهُوَ أَن يَنْوِي كَذَلِك لَيْلَة الثَّلَاثِينَ من رَمَضَان صَحَّ لِأَن الأَصْل بَقَاء الشَّهْر واستصحاب الْأُصُول من الْقَوَاعِد
الثَّالِث الِاجْتِهَاد فِي حق الْمَجُوس فِي مطمورة بإجراء الْفِكر فِي التواريخ

(2/522)


الْمَعْلُومَة فَإِذا غلب على ظَنّه نوى وَلم يضرّهُ التَّرَدُّد
ثمَّ إِن وَقع شَوَّال وَمَا بعده لم يلْزمه الْقَضَاء بل أَجزَأَهُ مَا جَاءَ بِهِ وَلَكِن كَانَ أَدَاء لَهُ وَكَأن الشَّهْر بدل فِي حَقه للضَّرُورَة أَو هُوَ قَضَاء فِيهِ قَولَانِ
وَفَائِدَة كَونه أَدَاء أَن ذَلِك الشَّهْر لَو خرج تسعا وَعشْرين وَكَانَ رَمَضَان ثَلَاثِينَ فيكفيه ذَلِك
وَإِن وَقع فِي شعْبَان فَمَا قبله فَإِن قُلْنَا إِن الْمُؤخر أَدَاء فَهَذَا يُجزئهُ
وَإِن قُلْنَا قَضَاء فَلَا يعقل الْقَضَاء قبل الْوَقْت وَهَذَا إِذا لم يدْرك رَمَضَان فَإِن أدْرك وانكشف الْحَال لزمَه مَا أدْرك من رَمَضَان بِكُل حَال

(2/523)


الرُّكْن الثَّانِي الْإِمْسَاك عَن المفطرات

والمفطرات ثَلَاثَة دُخُول دَاخل وَخُرُوج خَارج وجماع
أما الْجِمَاع فحده مَعْلُوم
وَأما الْخَارِج فالاستمناء قصدا والاستقاء قصدا
وَقيل إِن الاستقاء من قبيل دُخُول دَاخل لِأَنَّهُ لَا يخلوا من رُجُوع شئ إِلَى الْبَاطِن وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قاء أفطر أَي استقاء وَمن ذرعه الْقَيْء لم يفْطر
أما دُخُول الدَّاخِل فالضبط فِيهِ أَن كل عين وصل من الظَّاهِر إِلَى الْبَاطِن فِي منفذ مَفْتُوح عَن قصد مَعَ ذكر الصَّوْم فَهُوَ مفطر وَفِي الرابطة قيود
أما قَوْلنَا كل عين جَمعنَا بِهِ مَا يعْتَاد أكله ومالا يعْتَاد أكله كالحصاة وَالْبرد وَخَالف فِي ذَلِك بعض الْعلمَاء

(2/524)


وَقُلْنَا وصل جَمعنَا بِهِ مَا ينْفَصل عَن الظَّاهِر وَمَا يبْقى طرفه باديا كَمَا لَو وجأ بالسكين الْبَطن وإرسال خيط فِي الْحلق مَعَ الاستمساك بطرفه
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يحصل الْإِفْطَار بِهِ
وَأما الْبَاطِن عنينا بِهِ كل مَوضِع مجوف فِيهِ قُوَّة محيلة للدواء والغذاء كداخل القحف والخريطة وداخل الْبَطن والأمعاء والمثانة
والسعوط والحقنة مفطران والاكتحال لَا يفْطر وَفِيمَا يصل إِلَى الإحليل وَجْهَان وَالصَّحِيح أَن تقطير الدّهن فِي الْأذن لَا يضر والاحتجام والفصد والوجاء بالسكين فِي الفخد لَا يفْطر إِذْ لم يصل إِلَى الْجوف
وَأما قَوْلنَا فِي منفذ مَفْتُوح احترزنا بِهِ عَمَّا يصل إِلَى الدِّمَاغ أَو الْبَطن إِذا

(2/525)


طلي بالدهن فَإِن ذَلِك يشرب بالمسام فَلَا يفْطر إِلَّا أَن يكون جِرَاحَة شاقة فَإِذا نزل عين الدَّوَاء إِلَى الْجوف أفطر
أما قَوْلنَا عَن قصد المعني بِهِ أَن من طارت ذُبَابَة إِلَى جَوْفه أَو وجئ بالسكين دون رِضَاهُ أَو ضبطت الْمَرْأَة وجومعت أَو وصل غُبَار الطَّرِيق وغربلة الدَّقِيق إِلَى بَاطِنه أَو أوجر وَهُوَ مكره أَو نَائِم أَو مغمى عَلَيْهِ فَلَا يفْطر إِلَّا أَن يقْصد معالجة الْمغمى عَلَيْهِ فِي إيجاره فَفِيهِ وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه روعي مصلحَة فَنزل منزلَة تعاطيه وَيخرج عَن رِعَايَة الْقَصْد
النّظر فِي الرِّيق وَمَاء الْمَضْمَضَة والنخامة وَبَقِيَّة الطَّعَام فِي خلال الْأَسْنَان وَسبق الْمَنِيّ والقيء

أما الرِّيق فَهُوَ مَعْفُو عَنهُ إِلَّا إِذا أخرج من الْفَم وَأعَاد إِلَيْهِ وَلَو جمع قصدا ثمَّ ابتلعه فَوَجْهَانِ

(2/526)


قَالَ الشَّافِعِي وأكره العلك فَإِنَّهُ يحلب الْفَم فَأَشَارَ إِلَى جمع الرِّيق
والخياط إِذا بَلل الْخَيط ثمَّ رده إِلَى فِيهِ قَالَ الْأَصْحَاب أفطر وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد لَا أثر لذَلِك فَإِنَّهُ ينقص عَمَّا يبْقى فِي الْفَم بعد الْمَضْمَضَة
وَلَو أخرج لسنه من فِيهِ وعَلى طرفه ريق ثمَّ أعَاد فَلَا بَأْس قطعا وَلَو خرج من اللثة دم فابتلع أَو ابتلع سنا يسْقط أفطر
أما النخامة فَإِنَّهَا تبرز من ثقبة نَافِذَة من الدِّمَاغ إِلَى أقْصَى الْفَم فَإِن جرى إِلَى الْبَاطِن بِغَيْر اخْتِيَاره لم يفْطر وَإِن رده إِلَى فضاء الْفَم ثمَّ ازْدَردهُ قصدا أفطر
وَإِن قدر على قِطْعَة من مجْرَاه وَدفعه عَن الجريان وَتَركه حَتَّى جرى بِنَفسِهِ فَفِيهِ وَجْهَان مِنْهُم من لم يكلفه ذَلِك وَمِنْهُم من كلفه لقدرته

(2/527)


وَأما سبق المَاء فِي الْمَضْمَضَة فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا يفْطر كسبق الذُّبَاب عِنْد فتح الْفَم وَالثَّانِي يفْطر لِأَن التحفظ فِيهِ مُمكن
وَلَو بَالغ فَقَوْلَانِ مرتبان وَالظَّاهِر الْإِفْطَار لِأَن وُصُول المَاء فِيهِ لَيْسَ بنادر
أما بَقِيَّة الطَّعَام فِي خلل الْأَسْنَان فَإِن قصر فِي تَخْلِيل الْأَسْنَان فَهُوَ كصورة الْمُبَالغَة وَإِن لم يقصر فَهُوَ كغبار الطَّرِيق
أما الْمَنِيّ فَإِن خرج بالاستمناء فَهُوَ مفطر وَإِن خرج بِمُجَرَّد الْفِكر وَالنَّظَر فَلَا لِأَن الْحجر فِيهِ عسر فَإِن خرج بالقبلة والمعانقة مَعَ حَائِل فَهُوَ كالمضمضة وَإِن كَانَ غير حَائِل وَخرج بالمضاجعة فَهُوَ كالمبالغة
ثمَّ قَالَ الْعلمَاء لَا تكره الْقبْلَة فِي الصَّوْم لمن يملك إربه كالشيخ الْهم وَيكرهُ للشاب كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقبل نِسَاءَهُ وَهُوَ صَائِم

(2/528)


وَأما الْقَيْء وَسَبقه فَهُوَ كالمني إِلَّا إِذا قُلْنَا إِنَّه إِنَّمَا يفْطر لرجوع شَيْء مِنْهُ إِلَى الْبَاطِن فَعِنْدَ ذَلِك لَو يحفظ لم يفْطر
وَلَو اقتلع نحامة من بَاطِنه فَهَل يلْحق بالاستقاء فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ مشبه بِهِ وَالثَّانِي لَا لِأَن الاستقاء إِخْرَاج طَعَام عَن مقرة
ثمَّ أقرب ضبط فِي الْفرق بَين الظَّاهِر وَالْبَاطِن أَن يُقَال المقتلع من مخرج الْخُلُو ظَاهر والمقتلع من مخرج الْحَاء بَاطِن
هَذَا بَيَان فقد الْقَصْد حسا فَإِن فقد شرعا كَمَا فِي الْمُكْره على الْأكل فَقَوْلَانِ

(2/529)


أَحدهمَا لَا يفْطر لسُقُوط قَصده شرعا وَالثَّانِي يفْطر لِأَن أثر الْإِكْرَاه فِي دَرْء المأثم
وَأما قَوْلنَا مَعَ ذكر الصَّوْم احترزنا بِهِ عَن النَّاسِي للصَّوْم فَإِنَّهُ إِذا أكل مرّة أَو مرَارًا كثيرا أَو قَلِيلا لم يفْطر لوُرُود الحَدِيث
وَفِي جماع النَّاسِي خلاف سَيَأْتِي
وَأما الغالط فَيلْزمهُ الْقَضَاء كمن ظن أَن الشَّمْس غاربة وَأَن الصُّبْح غير طالع فَأكل ثمَّ بَان خِلَافه لِأَنَّهُ ذَاكر الصَّوْم
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِذا غلط فِي أول النَّهَار لم يقْض لِأَنَّهُ مَعْذُور فِي اسْتِصْحَاب حكم اللَّيْل
فَإِن قيل فَمَتَى يحل الْأكل قُلْنَا أما فِي آخر النَّهَار فَعِنْدَ الْيَقِين للغروب أَو عِنْد اعْتِقَاد قَطْعِيّ فِي حق الصَّائِم فَإِن ظن الْغُرُوب بأمارة وَهُوَ مَعَ ذَلِك يجوز خِلَافه

(2/530)


قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق لَا يحل لَهُ الْأكل وَلَو أكل وَاسْتمرّ الْإِشْكَال لزمَه الْقَضَاء لِأَن دَرك الْيَقِين مُمكن فَلَا يتَغَيَّر الِاسْتِصْحَاب بِالِاجْتِهَادِ
وَمن أَصْحَابنَا من جوز الْأكل بِالِاجْتِهَادِ أما فِي ابْتِدَاء النَّهَار فَيجوز بِالظَّنِّ وَلَا يجوز هجوما وَلَكِن لَو اسْتمرّ الْإِشْكَال فَلَا قَضَاء لِأَن الأَصْل بَقَاء اللَّيْل

(2/531)


فرع

إِذا طلع الصُّبْح وَهُوَ مجامع فَنزع انْعَقَد صَوْمه خلافًا للمزني وَزفر لِأَنَّهُ بالنزع تَارِك للجماع وَلَو اسْتمرّ فسد الصَّوْم وَلَو أحرم مجامعا ثمَّ نزع فَفِي انْعِقَاد إِحْرَامه وَجْهَان من حَيْثُ إِن الْإِحْرَام دَاخل تَحت اخْتِيَاره فَإِن قيل وَكَيف يتَصَوَّر اتِّصَال النزع بالصبح وَلَا يحسن بالصبح إِلَّا بعد زمَان من طلوعه قُلْنَا مَا قبل إِمْكَان الإحساس لَا يتَعَلَّق بِهِ الحكم كالزوال عِنْد زِيَادَة الظل

(2/532)


القَوْل فِي شَرَائِط الصَّوْم

وَهِي أَرْبَعَة ثَلَاثَة فِي الصَّائِم وَهُوَ

الْإِسْلَام وَالْعقل والنقاء عَن الْحيض
فَلَا يَصح صَوْم كَافِر وَلَا مَجْنُون وَلَا حَائِض فِي بعض النَّهَار أَو كُله
ثمَّ الْعقل زَوَاله بالجنون بانغماره بالإغماء واستتاره بِالنَّوْمِ أما النّوم فَلَا يضر وَإِن استغرق جَمِيع النَّهَار لِأَنَّهُ فِي حكم عقله يَزُول بالتنبه وَفِي إِلْحَاق مُسْتَغْرق النّوم بمستغرق الْإِغْمَاء وَجه بعيد
وَأما الْجُنُون فَيفْسد طارئه ومقارنه وَفِي إِلْحَاق طارئه بطارئ الْإِغْمَاء وَجه بعيد
وَأما الْإِغْمَاء فَفِيهِ طَرِيقَانِ
أَحدهمَا إِجْرَاء خَمْسَة أَقْوَال ثَلَاثَة منصوصة وَاثْنَانِ مخرجان أَحدهَا وَعَلِيهِ نَص هَاهُنَا أَن الْمُسْتَغْرق يفْسد فَإِن أَفَاق فِي جُزْء من النَّهَار لم يفْسد وَالثَّانِي وَعَلِيهِ نَص فِي الظِّهَار أَنه إِن كَانَ فِي أول النَّهَار مفيقا صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَالثَّالِث أَن الْإِغْمَاء كالحيض وَالرَّابِع مَذْهَب الْمُزنِيّ وَهُوَ أَن الْإِغْمَاء كالنوم فَلَا يضر وَإِن

(2/533)


استغرق وَالْخَامِس شَرط الْإِفَاقَة فِي طرفِي النَّهَار مُرَاعَاة لأوّل الْعِبَادَة وَآخِرهَا
الطَّرِيقَة الثَّانِيَة الْقطع بِمَا نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ عَلَيْهِ فِي الصَّوْم وَهُوَ اشْتِرَاط الْإِفَاقَة فِي لَحْظَة كَانَت وَتَأْويل بَقِيَّة النُّصُوص
الشَّرْط الرَّابِع الْوَقْت الْقَابِل للصَّوْم وَهُوَ جَمِيع الدَّهْر إِلَّا يَوْم الْعِيدَيْنِ وَأَيَّام التَّشْرِيق وَفِي الْقَدِيم قَول أَن الْمُتَمَتّع يَصُوم الْأَيَّام الثَّلَاثَة فِي أَيَّام التَّشْرِيق فَقيل إِنَّه لَا يقبل غَيره وَقيل إِنَّه كَيَوْم الشَّك أما يَوْم الشَّك فصومه

(2/534)


صَحِيح إِن وَافق وردا أَو قَضَاء وَإِن لم يكن لَهُ سَبَب فَهُوَ مَنْهِيّ عَنهُ وَفِي صِحَّته وَجْهَان كَالصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة وَيَعْنِي بِيَوْم الشَّك أَن يتحدث النَّاس بِرُؤْيَة الْهلَال وَلَا يثبت عِنْد القَاضِي وَإِن كَانَ على مَحل الْهلَال قزع سَحَاب وَلم يتحدث بِالرُّؤْيَةِ فَلَيْسَ بشك فِي الْبِلَاد الْكَبِيرَة وَأما فِي حق الرّفْقَة فِي السّفر والقرى الصَّغِيرَة فَلَا يبعد أَن يَجْعَل يَوْم الشَّك وَإِن كَانَ الْغَيْم مطبقا فَلَيْسَ بِيَوْم الشَّك

(2/535)


القَوْل فِي السّنَن وَهِي ثَمَانِيَة

الأول تَعْجِيل الْفطر بعد تَيَقّن الْغُرُوب بِتَمْر أَو مَاء مُسْتَحبّ وَيَقُول عِنْد ذَلِك اللَّهُمَّ لَك صمت وعَلى رزقك أفطرت
الثَّانِي تَأْخِير السّحُور مَعَ الِاسْتِظْهَار بِالْيَقِينِ وَقد كَانَ بَين تسحر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصَلَاة الصُّبْح قدر خمسين آيَة
الثَّالِث إكثار الصَّدقَات وَتَقْدِيم الطَّعَام لإفطار الصائمين

(2/536)


الرَّابِع الِاعْتِكَاف لَا سِيمَا فِي الْعشْر الْأَخير لطلب لَيْلَة الْقدر
الْخَامِس كَثْرَة تِلَاوَة الْقُرْآن فِي هَذَا الشَّهْر مَعَ كف اللِّسَان عَن أَنْوَاع الهذيان وَكَذَا كف النَّفس عَن جَمِيع الشَّهَوَات فَهُوَ معنى الصَّوْم قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّوْم جنَّة وحصن حُصَيْن فَإِذا كَانَ يَوْم صَوْم أحدكُم فَلَا يرْفث وَلَا يفسق فَإِذا شاتمه رجل فَلْيقل إِنِّي صَائِم
السَّادِس ترك السِّوَاك بعد الزَّوَال فَإِنَّهُ يزِيل خلوف فَم الصَّائِم وَهُوَ أطيب عِنْد الله من ريح الْمسك
السَّابِع تَقْدِيم غسل الْجَنَابَة على الصُّبْح وَلَو أصبح جنبا فَلَا بَأْس كَانَ رَسُول

(2/537)


الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصبح جنبا من جماع أَهله
الثَّامِن ترك الْوِصَال وَلَا تَزُول الْكَرَاهِيَة إِلَّا بِأَن يَأْكُل شَيْئا بِاللَّيْلِ وَإِن قل فقد نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ وَاصل فِي الْعشْر الْأَخير فواصل عمر وَغَيره فنهاهم وَقَالَ وددت لَو مد لي الشَّهْر مدا ليَدع المتعمقون تعمقهم أيقوى أحدكُم على مَا أقوى عَلَيْهِ إِنِّي أَبيت عِنْد رَبِّي يطعمني ويسقيني

(2/538)


الْقسم الثَّانِي فِي مبيحات الْإِفْطَار وموجباته
أما الْمُبِيح
فالمرض وَالسّفر الطَّوِيل وَقد ذكرنَا حدهما فِي التَّيَمُّم وَالصَّلَاة
ثمَّ الْمَرَض إِن طَرَأَ أَبَاحَ الْفطر وَإِن زَالَ قبل الْإِفْطَار لم يجز الْإِفْطَار بعده وَقيل إِنَّه يجوز
أما السّفر إِذا طَرَأَ فِي أثْنَاء النَّهَار لم يفْطر خلافًا لمزني وَأحمد وَإِن قدم الرجل غير مفطر لم يجز لَهُ الْإِفْطَار وَإِن أصبح الْمُسَافِر على نِيَّة الصَّوْم فَلهُ الْإِفْطَار بِخِلَاف مَا إِذا شرع فِي الْإِتْمَام حَيْثُ لَا يجوز الْقصر
وَالصَّوْم أولى من الْفطر فِي السّفر بِخِلَاف الْإِتْمَام فَإِن فِيهِ خلافًا لِأَن فِي

(2/539)


الْقصر خُرُوجًا عَن الْخلاف مَعَ بَرَاءَة الذِّمَّة وَالْفطر يبقي الذِّمَّة مَشْغُولَة بِالْقضَاءِ
وَأما خلاف دَاوُد فِي إِيجَاب الْفطر فَلَا يعْتد بِهِ
وَمَا ورد من الْأَخْبَار فِي النَّهْي عَن الصّيام فِي السّفر أُرِيد بِهِ من يتَضَرَّر بِالصَّوْمِ

(2/540)


بِدَلِيل مَا رُوِيَ عَن أنس أَنه قَالَ خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فمنا الصَّائِم وَمنا الْمُفطر وَمنا الْقَاصِر وَمنا المتمم وَلم يعب بَعْضًا بَعْضًا

(2/541)


أما مُوجبَات الْإِفْطَار فَأَرْبَعَة

الْقَضَاء والإمساك تشبها وَالْكَفَّارَة والفدية
أما الْقَضَاء فَوَاجِب على كل مفطر وتارك بردة أَو سفر أَو مرض أَو إِغْمَاء أَو حيض وَلَا يجب على من ترك بجنون أَو صبي أَو كفر أُصَلِّي
وَلَا فرق فِي الْجُنُون بَين مَا طبق الشَّهْر وَبَين مَا قصر عَنهُ فَمَا فَاتَ فِي أَيَّام الْجُنُون لَا يقْضى وَلَو أَفَاق فِي أثْنَاء النَّهَار فَفِي قَضَاء ذَلِك الْيَوْم وَجْهَان
وَمن لزمَه قَضَاء الشَّهْر فِي يلْزمه التَّتَابُع خلاف لمَالِك
أما الْإِمْسَاك تشبها بالصائمين فَوَاجِب على كل مُتَعَدٍّ بالإفطار فِي شهر رَمَضَان وَلَا يجب فِي غير رَمَضَان وَلَا على من أُبِيح لَهُ الْفطر إِبَاحَة حَقِيقِيَّة

(2/542)


كالمسافر وَالْمَرِيض وَإِن زَالَ عُذْرهمَا فِي بَقِيَّة النَّهَار خلافًا لأبي حنيفَة لِأَن الْإِمْسَاك نوع مُؤَاخذَة
وَإِن أصبحا من غير نِيَّة فَزَالَ الْعذر قبل اتِّفَاق الْأكل فَفِي وجوب الْإِمْسَاك وَجْهَان فَالظَّاهِر أَنه لَا يجب إِذْ لَا فرق بَين الْأكل وَترك النِّيَّة كَمَا فِي الْحَائِض
فَأَما من أصبح يَوْم الشَّك مُفطرا ثمَّ بَان أَنه من رَمَضَان فَالْمَذْهَب وجوب الْإِمْسَاك لِأَنَّهُ مُخطئ وَالْكَفَّارَة تتَعَلَّق بِالْقَتْلِ الْخَطَأ
وَحكى الْبُوَيْطِيّ قولا أَنه لَا إمْسَاك وَكَأن الْإِمْسَاك نتيجة المأثم أما الصَّبِي وَالْجُنُون وَالْكفْر إِذا زَالَ فِي أثْنَاء النَّهَار فَفِي وجوب الْإِمْسَاك بَقِيَّة النَّهَار أَرْبَعَة أوجه
أَحدهَا أَنه يلْزمهُم لأَنهم أدركوا وَقت التَّشَبُّه إِن لم يدركوا وَقت الصَّوْم

(2/543)


لَا كالمسافر فَإِنَّهُ مترخص مَعَ كَمَال حَاله على بَصِيرَة
وَالثَّانِي لَا يلْزم لِأَن وجوب الْإِمْسَاك يَنْفِي لُزُوم الصَّوْم وهولاء لم يلتزموا إِذْ لم يدركوا وَقت الْأَدَاء
وَالثَّالِث أَن الْكَافِر يلْزمه دون الصَّبِي وَالْمَجْنُون فَإِنَّهُ مُعْتَد بترك الصَّوْم مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ بتقدم الْإِسْلَام
وَالرَّابِع أَن الصَّبِي مَعَ الْكَافِر يلْزمهُمَا لِأَن الصَّبِي مَأْمُور بِالصَّوْمِ وَهُوَ ابْن سبع ومضروب عَلَيْهِ وَهُوَ ابْن عشر
ثمَّ قَالَ الْأَصْحَاب قَضَاء هَذَا الْيَوْم فِي حَقهم يبتنى على الْإِمْسَاك فَمن ألزم الْإِمْسَاك ألزم الْقَضَاء وَمن لَا فَلَا
قَالَ الصيدلاني من أوجب الْإِمْسَاك اكْتفى بِهِ وَمن لَا يُوجب أوجب الْقَضَاء
فرع

من نوى التَّطَوُّع فِي رَمَضَان لم ينْعَقد تطوعه وَإِن كَانَ مُسَافِرًا أَو كَانَ قد أصبح لَيْلَة الشَّك غير ناو لِأَن الْوَقْت مُتَعَيّن للإمساك الْمَفْرُوض فِي حق من لَيْسَ مترخصا وَفِيه وَجه أَنه ينْعَقد
أما الْكَفَّارَة فواجبة على كل من أفسد صَوْم يَوْم من رَمَضَان بجماع تَامّ أَثم بِهِ لأجل الصَّوْم وَفِي الْحَد قيود
أما قَوْلنَا أفسد احترزنا بِهِ عَن النَّاسِي إِذا جَامع فَإِنَّهُ لَا يفْطر على الْمَذْهَب الظَّاهِر فَلَا يكفر وَمِنْهُم من خرج الْفطر على الْقَوْلَيْنِ فِي فَسَاد الْإِحْرَام بجماع النَّاسِي وَهُوَ

(2/544)


بعيد إِذْ إِلْحَاق الْجِمَاع بِالْأَكْلِ أولى من إِلْحَاقه باستهلاكات الْحَج
ثمَّ إِن قُلْنَا الْفطر حَاصِل فَالظَّاهِر أَن الْكَفَّارَة لَا تجب لانْتِفَاء الْإِثْم وَفِيه وَجه لانتسابه إِلَى التَّقْصِير
أما تقييدنا بِصَوْم رَمَضَان احترزنا عَن التَّطَوُّع وَالْقَضَاء وَالنّذر فَلَا كَفَّارَة فِيهَا أَثم الْمُفطر أَو لم يَأْثَم
أما إضافتنا الْإِفْطَار إِلَى الْجِمَاع احترزنا بِهِ عَن الْمَرْأَة إِذا جومعت فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهَا خلافًا لأبي حنيفَة لِأَنَّهَا أفطرت قبل الْجِمَاع بوصول أول جُزْء من الْحَشَفَة إِلَى بَاطِنهَا ولقصة الْأَعرَابِي وَنَصّ فِي الْإِمْلَاء على وجوب الْكَفَّارَة عَلَيْهَا
ثمَّ اخْتلفُوا على قَول سُقُوط الْكَفَّارَة وَقيل إِن الْوُجُوب لَا يلاقيها أصلا

(2/545)


وَقيل يلاقيها وَلَكِن تندرج تَحت كَفَّارَة الزَّوْج فعلى هَذَا لَا ينْدَرج تَحت كَفَّارَة الزَّانِي لِأَن رابطة التَّحَمُّل الزَّوْجِيَّة فَيجب الْكَفَّارَة على الزَّانِيَة
وَلَو كَانَ الزَّوْج مَجْنُونا لزمتها الْكَفَّارَة إِذْ لَا كَفَّارَة على الزَّوْج وَقيل يجب على الْمَجْنُون لِأَن مَاله يصلح للتحمل وَلَو كَانَت معسرة وواجبها الصَّوْم فَلَا سَبِيل للتحمل فيلزمها إِذْ الصَّوْم عبَادَة مَحْضَة وَلَو لَزِمَهَا الْإِطْعَام وَلزِمَ الزَّوْج الْإِعْتَاق فَفِي تَقْدِير الإدراج وَجْهَان لما بَينهمَا من اخْتِلَاف النَّوْع مَعَ اتِّحَاد جنس الْمَالِيَّة وَالْأمة إِذا وَطئهَا السَّيِّد فواجبها الصَّوْم فَهِيَ كالمعسرة وَالزَّوْج إِذا كَانَ مُسَافِرًا وَالْمَرْأَة حَاضِرَة فَلَا إدراج إِذْ لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ مهما قصد التَّرَخُّص بالإفطار فَإِن لم يقْصد فَفِي وجوب

(2/546)


الْكَفَّارَة وَجْهَان الْأَصَح أَنَّهَا لَا تلْزم
أما تقييدنا بِالْجِمَاعِ احترزنا بِهِ عَن الْأكل وَالشرب والاستمناء والإنزال بالتقبيل ومقدمات الْجِمَاع فَلَا كَفَّارَة فِيهَا
وَقَالَ مَالك تجب بِكُل مفطر
وَقَالَ أَبُو حنيفَة بِكُل مَقْصُود فِي جنسه
وَقد أدرجنا تَحْتَهُ الزِّنَا وجماع الْأمة أما وَطْء الْبَهِيمَة والإتيان فِي غير المأتى فَالظَّاهِر تعلق الْكَفَّارَة بِهِ لِأَنَّهُ فِي معنى الْجِمَاع
أما قَوْلنَا أَثم بِهِ لأجل الصَّوْم احترزنا بِهِ عَن الزَّانِي نَاسِيا إِذا قُلْنَا يفْطر وَمن أصبح مجامعا أَهله على ظن أَن الصُّبْح غير طالع إِذْ لَا كَفَّارَة إِلَّا على وَجه إِيجَابه على النَّاسِي وَكَذَا لَو أكل نَاسِيا فَظن فَسَاد صَوْمه فجامع لزمَه الْقَضَاء وَلَا كَفَّارَة للظن
وَقد جَمعنَا بِهَذَا الْحَد مَا إِذا جَامع الْمُنْفَرد الْهلَال بعد رد شَهَادَته وَمَا إِذا جَامع فِي أَيَّام مرَارًا وَمَا إِذا جَامع ثمَّ أنشأ السّفر فالكفارة تجب فِي هَذِه الصُّور خلافًا لأبي حنيفَة
فَأَما إِذا طَرَأَ بعد الْجِمَاع مرض أَو جُنُون أَو حيض فَفِي الْكَفَّارَة ثَلَاثَة أَقْوَال

(2/547)


أَحدهَا أَنه يسْقط إِذْ بَان بِالآخِرَة أَن الصَّوْم لم يكن وَاجِبا
وَالثَّانِي يجب لِأَنَّهَا طرأت بعد فَسَاد الصَّوْم بِالْجِمَاعِ
وَالثَّالِث أَنه يسْقط بطريان الْجُنُون وَالْحيض لِأَنَّهُمَا ينافيان الصِّحَّة وَفِي مَعْنَاهُمَا الْمَوْت بِخِلَاف الْمَرَض فَإِنَّهُ لَا يُنَافِي الصِّحَّة وَقد حُكيَ طرد هَذِه الْأَقْوَال فِي طريان السّفر وَهُوَ بعيد فَإِنَّهُ غير مُبِيح
أما كَيْفيَّة هَذِه الْكَفَّارَة فَهِيَ مرتبَة ككفارة الظِّهَار على مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ الْقُرْآن
وَفِي وجوب قَضَاء الصَّوْم مَعَ الْكَفَّارَة ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا يجب وَهُوَ الْقيَاس
وَالثَّانِي لَا لقصة الْأَعرَابِي فَلَيْسَ فِيهَا أَمر بِالْقضَاءِ
وَالثَّالِث إِن كفر بِالصَّوْمِ اندرج وَإِلَّا لزمَه الْقَضَاء
وعمدة الْكَفَّارَة حَدِيث الْأَعرَابِي إِذْ جَاءَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ينتف شعره وَيضْرب نَحره وَيَقُول هَلَكت وأهلكت واقعت أَهلِي فِي نَهَار رَمَضَان فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام أعتق رَقَبَة فَوضع يَده على سالفتيه وَقَالَ لَا أملك رَقَبَة غير هَذِه

(2/548)


فَقَالَ صم شَهْرَيْن مُتَتَابعين فَقَالَ وَهل أتيت هَذَا إِلَّا من الصَّوْم فَقَالَ أطْعم سِتِّينَ مِسْكينا فَقَالَ وَالله مَا بَين لابتيها أفقر مني فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعرق من التَّمْر يسع خَمْسَة عشر صَاعا وَقَالَ تصدق بِهِ على الْفُقَرَاء قَالَ على أهل بَيت أفقر من أهل بَيْتِي فَأخذ الْأَعرَابِي التَّمْر وَولى وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يبتسم

(2/549)


وَفِي الحَدِيث إشكالات
أَحدهَا أَنه مهد عذره فِي ترك الصّيام بالغلمة المفرطة وَقد اخْتلف الْأَصْحَاب فِيهِ
وَالثَّانِي أَنه أَخذ لينفق على أهل بَيته فَاخْتَلَفُوا فِي جَوَاز التَّفْرِقَة فِي الْكَفَّارَة على أهل الْبَيْت عِنْد الْفقر
الثَّالِث أَنه لم يبين لَهُ اسْتِقْرَار الْكَفَّارَة فِي ذمَّته وَكَانَ عَاجِزا عَن جَمِيع الْخِصَال لَدَى الْجِمَاع
وَاخْتلف الْأَصْحَاب فِيهِ وَقَالُوا مَا يجب لله تَعَالَى يَنْقَسِم إِلَى مَا يجب لَا بطرِيق الْعقُوبَة والغرامة كَزَكَاة الْفطر فَإِذا اقْترن الْإِعْسَار بالاستهلال لم يسْتَقرّ فِي الذِّمَّة وَمَا فِيهِ معنى الغرامة لَا ينْدَفع بِالْعَجزِ بل يثبت فِي الذِّمَّة كجزاء الصَّيْد وَأما الْكَفَّارَة فَفِيهَا وَجْهَان لترددها بَين الْقسمَيْنِ
ثمَّ قَالَ صَاحب التَّلْخِيص لَا يجوز للمظاهر أَن يُجَامع وَإِن كَانَ عَاجِزا فِي حَال الظِّهَار عَن جَمِيع الْخِصَال مَا لم يكفر فاستثنى كَفَّارَة الظِّهَار

(2/550)


وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ لَا فرق بَينهمَا
فَإِن قيل وَمَا عذر من يُخَالف الحَدِيث قُلْنَا يرى أَن تَنْزِيل ذَلِك على تَخْصِيص الْأَعرَابِي أقرب من تشويش قَاعِدَة الْقيَاس
أما الْفِدْيَة فَهِيَ مد من الطَّعَام مصرفها مصرف الصَّدقَات ولوجوبها ثَلَاثَة طرق فقد يجب بَدَلا عَن نفس الصَّوْم وَقد يجب لفَوَات فَضِيلَة الْأَدَاء وَقد يجب لتأخير الْقَضَاء
فَأَما الْوَاجِب عَن نفس الصَّوْم فَمن تعدى بترك الصَّوْم وَمَات قبل الْقَضَاء أخرج عَن تركته مد لكل يَوْم وَفِي الْقَدِيم قَول أَنه يَصُوم عَنهُ وليه

(2/551)


فَأَما من فَاتَهُ بِالْمرضِ وَلم يتَمَكَّن من الْقَضَاء حَتَّى مَاتَ فَلَا شئ عَلَيْهِ
أما الشَّيْخ الْهَرم فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا لَا يلْزمه الْفِدْيَة كَالْمَرِيضِ الدَّائِم الْمَرَض إِلَى الْمَوْت
وَالثَّانِي يلْزمه لِأَنَّهُ لَيْسَ يتَوَقَّع زَوَال عذره بِخِلَاف الْمَرِيض فَإِنَّهُ عازم على الْقَضَاء

(2/552)


أما مَا يجب لفضيلة الْوَقْت فَهُوَ فِي حق الْحَامِل والمرضع إِذا أفطرتا خوفًا على ولديهما قضتا وأفدتا عَن كل يَوْم مدا كَذَلِك ورد الْخَبَر
وَفِيه قَول آخر أَنه لَا يلْزمهُمَا كَالْمَرِيضِ
وَفِيه قَول ثَالِث أَنه يجب على الْمُرضعَة لِأَنَّهَا لَا تخَاف على نَفسهَا بِخِلَاف الْحَامِل
فرعان

أَحدهمَا العَاصِي بالإفطار هَل يلْزمه الْفِدْيَة مَعَ الْقَضَاء
فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ لَيْسَ خَائفًا على نَفسه كالمرضعة بل حَاله أَسْوَأ مِنْهَا الثَّانِي لَا لِأَن الْفِدْيَة لَا تكفر عدوانه

(2/553)


الثَّانِي من رأى غَيره مشرفا على الْغَرق وَكَانَ لَا يتَوَصَّل إِلَى إنقاذه إِلَّا بِالْفطرِ فَلهُ الْفطر وَفِي لُزُوم الْفِدْيَة وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه أفطر خوفًا على غَيره كالمرضعة وَوجه الْفرق أَن هَذَا نَادِر
وَأما مَا يجب لتأخير الْقَضَاء فَمن فَاتَهُ صَوْم فَلَا يجوز لَهُ تَأْخِير الْقَضَاء إِلَى السّنة الثَّانِيَة إِلَّا بِمَرَض دَائِم وَعذر مُسْتَمر فَلَو أخر مَعَ الْإِمْكَان عصى وَقضى وَأخرج لكل يَوْم مدا للْخَبَر وَلَو أخر سِنِين فَفِي تكَرر الْمَدّ بِعَدَد كل سنة وَجْهَان وَالشَّيْخ الْهم إِذا أخر الْمَدّ عَن السّنة الأولى فَفِي لُزُوم مد آخر للتأخير

(2/554)


وَجْهَان
هَذَا حكم صَوْم الْفَرْض فَأَما صَوْم التَّطَوُّع فالإفطار فِيهِ جَائِز بِغَيْر عذر خلافًا لأبي حنيفَة وَهل يكره دون عذر فِيهِ وَجْهَان
أما صَوْم الْقَضَاء فَمَا يجب على الْفَوْر يلْزمه إِتْمَامه عِنْد الشُّرُوع وَمَا هُوَ على التَّرَاخِي فَيجوز الْإِفْطَار فِيهِ
وَصَوْم التَّطَوُّع فِي السّنة صَوْم عَرَفَة وعاشوراء وتاسوعاء وَسِتَّة أَيَّام بعد عيد رَمَضَان وَفِي الشَّهْر الْأَيَّام الْبيض وَفِي الْأُسْبُوع الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس وَفِي الْجُمْلَة صَوْم الدَّهْر مسنون بِشَرْط الْإِفْطَار يَوْم الْعِيدَيْنِ وَأَيَّام التَّشْرِيق

(2/555)