الوسيط في المذهب

= كتاب الِاعْتِكَاف = وَفِيه تمهيد وَثَلَاثَة فُصُول الْفَصْل الأول فِي أَرْكَانه الْفَصْل الثَّانِي فِي مُوجب أَلْفَاظ النّذر الْفَصْل الثَّالِث فِي قواطع التَّتَابُع

(2/557)


الِاعْتِكَاف قربَة مسنونة وَلَا يلْزم إِلَّا بِالنذرِ وَأَحْرَى الْمَوَاقِيت بِهِ الْعشْر الْأَخير من رَمَضَان تأسيا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وابتداؤه عِنْد غرُوب الشَّمْس يَوْم الْعشْرين وَآخر هِلَال شَوَّال وَلَو اعْتكف لَيْلَة الْعِيد وأحياها تعرض لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام من أَحْيَا لَيْلَتي الْعِيد لم يمت قلبه يَوْم تَمُوت الْقُلُوب
وَالْغَرَض من الْعشْر الْأَخير طلب لَيْلَة الْقدر قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعشْر أطلبوها فِي الْأَخير واطلبوها فِي كل وتر
وميل الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِلَى لَيْلَة الْحَادِي وَالْعِشْرين لحَدِيث ورد فِيهِ

(2/559)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة هى فِي جَمِيع الشَّهْر
وَقيل إِنَّهَا فِي جَمِيع السّنة وَقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَو قَالَ

(2/560)


فِي نصف رَمَضَان امْرَأَتي طَالِق لَيْلَة الْقدر لم تطلق مَا لم تنقض سنة لِأَن كَونهَا فِي جَمِيع الشَّهْر مُحْتَمل وَالطَّلَاق لَا يَقع بِالشَّكِّ وَلَيْسَ على انحصاره فِي الْعشْر الْأَخير دَلِيل ظَاهر هَذَا تمهيد الْكتاب ومقصوده ينْحَصر فِي ثَلَاثَة فُصُول

(2/561)


الْفَصْل الأول فِي أَرْكَانه

وَهِي أَرْبَعَة الِاعْتِكَاف وَالنِّيَّة والمعتكف والمعتكف
الرُّكْن الأول نفس الِاعْتِكَاف

وَهُوَ عبارَة عَن اللّّبْث فِي الْمَسْجِد مَعَ الْكَفّ عَن قَضَاء شَهْوَة الْفرج
أما اللّّبْث فأقله مَا ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم العكوف وَهُوَ زَائِد على طمأنينة السُّجُود وَلَو نذر اعتكافا مُطلقًا يَكْفِيهِ اعْتِكَاف سَاعَة كَمَا تكفيه فِي نذر الصَّدَقَة التَّصَدُّق بِحَبَّة وَقيل إِنَّه يَكْفِي الْمُرُور بِالْمَسْجِدِ كالمرور بِعَرَفَة وَقيل لَا بُد من يَوْم أَو مَا يدنو مِنْهُ وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة
وَأما الْكَفّ عَن قَضَاء الشَّهْوَة فنعني بِهِ ترك الْجِمَاع فالاعتكاف يفْسد بِهِ وَلَا يفْسد بملامسة من غير شَهْوَة إِذْ كَانَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا ترجل رَأس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(2/562)


وَفِي مُقَدمَات الْجِمَاع كالقبلة والمعانقة قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يحرم وَيفْسد كَمَا فِي الْحَد وَالثَّانِي لَا كَمَا فِي الصَّوْم
وَالصَّحِيح أَنه إِن أفْضى إِلَى الْإِنْزَال فسد وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ

(2/563)


وَلَا يشْتَرط الْكَفّ عَن ثَلَاثَة أُمُور
أَحدهَا التَّطَيُّب والتزين بالثياب
وَالثَّانِي البيع وَالشِّرَاء والأحب أَن لَا يكثر مِنْهُ فَإِن أَكثر لم يفْسد اعْتِكَافه
وَقَالَ مَالك تَركه يشرط أَعنِي تَركه الحرفة وَقد عزى ذَلِك إِلَى الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَوَجهه أَنه يُنَاقض الْإِخْلَاص فِي الِاعْتِكَاف
الثَّالِث الْكَفّ عَن الْأكل وَالشرب لَيْسَ بِشَرْط
وَقَالَ أَبُو حنيفَة الصَّوْم شَرط فِي صِحَّته حَتَّى لَا يَصح اعْتِكَاف لَيْلَة مُفْردَة مَا لم يتَّصل بِالنَّهَارِ وَهُوَ قَول قديم للشَّافِعِيّ نعم لَو نذر أَن يعْتَكف يَوْمًا صَائِما لزمَه الِاعْتِكَاف وَالصَّوْم جَمِيعًا وَفِي لُزُوم الْجمع قَولَانِ أَحدهمَا لَا كَمَا لَو قَالَ أعتكف مُصَليا وَالثَّانِي نعم لتقارب العبادتين كَمَا فِي الْحَج وَالْعمْرَة

(2/564)


وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم معتكفا فَالصَّحِيح أَنه لَا يلْزمه الْجمع لِأَن الِاعْتِكَاف لَا يصلح أَن يكون وَصفا للصَّوْم وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أُصَلِّي صَلَاة أَقرَأ فِيهَا السُّورَة الْفُلَانِيَّة فَيلْزمهُ الْقِرَاءَة وَالصَّلَاة وَفِي لُزُوم الْجمع قَولَانِ
الرُّكْن الثَّانِي النِّيَّة

وَلَا بُد مِنْهَا فِي الِابْتِدَاء ثمَّ إِذا نوى الِاعْتِكَاف مُطلقًا وَهِي سنة تكفيه تِلْكَ النِّيَّة فَإِن خرج من الْمَسْجِد وَلَو لقَضَاء حَاجَة فَإِذا عَاد لزمَه اسْتِئْنَاف النِّيَّة فَأَما إِذا نوى اعْتِكَاف يَوْم أَو شهر ثمَّ خرج وَعَاد فَفِي تَجْدِيد النِّيَّة ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا لَا يلْزم لِأَن النِّيَّة شملت جَمِيع الْمدَّة الَّتِى عينهَا

(2/565)


وَالثَّانِي أَنه إِن قرب الزَّمَان لم يلْزم وَإِن بعد وَجب التَّجْدِيد
وَالثَّالِث إِن خرج لقَضَاء الْحَاجة لم يلْزم وَإِن خرج لأمر آخر لزم التَّجْدِيد
وَمهما نوى الْخُرُوج عَن الِاعْتِكَاف وَهُوَ فِي الْمَسْجِد فَفِي بُطْلَانه مَا فِي بطلَان الصَّوْم
الرُّكْن الثَّالِث الْمُعْتَكف

وَهُوَ كل مُسلم عَاقل لَيْسَ بِجنب وَلَا حَائِض وَلَا يشْتَرط الْحُرِّيَّة فَيصح اعْتِكَاف الرَّقِيق وَلَكِن للسَّيِّد أَن يُخرجهُ مهما شَاءَ وَيصِح اعْتِكَاف الْمكَاتب وَمن نصفه حر وَنصفه رَقِيق لَهُ أَن يسْتَقلّ بالاعتكاف فِي نوبَته
أما الرِّدَّة وَالشُّكْر إِذا قاربا الِابْتِدَاء منعا الصِّحَّة لتعذر النِّيَّة وَإِن طرآ فقد نَص على أَنه لَا يفْسد بِالرّدَّةِ وَيفْسد بالسكر
وَاخْتلف الْأَصْحَاب على ثَلَاثَة أوجه فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ
أَحدهَا أَنه لَا يفْسد بهما وَتَأْويل نَصه فِي السكر مَا إِذا خرج لإِقَامَة الْحَد
وَالثَّانِي أَنه يفْسد بهما وَتَأْويل نَصه فِي الرِّدَّة أَنَّهَا لَا تحبط مَا مضى

(2/566)


وَالثَّالِث وَهُوَ الْأَصَح أَنه يفْسد بِالرّدَّةِ لفَوَات شَرط الْعِبَادَة وَلَا يفْسد بالسكر كَمَا لَا يفْسد بِالنَّوْمِ وَالْإِغْمَاء
وَأما الْحيض مهما طَرَأَ قطع الِاعْتِكَاف والجنابة إِن طرأت باحتلام فَعَلَيهِ أَن يُبَادر إِلَى الْغسْل وَيكون خُرُوجه كخروجه للْوُضُوء وَقَضَاء الْحَاجة والجنابة فِي مُدَّة العبور لَا تفْسد الِاعْتِكَاف ثمَّ لَو قدر على الْغسْل فِي الْمَسْجِد جَازَ لَهُ الْخُرُوج للْغسْل وَلم يَنْقَطِع تتابعه صِيَانة لِلْمَسْجِدِ عَن أَن يتَّخذ محطا للجنابة
الرُّكْن الرَّابِع الْمُعْتَكف

وَهُوَ الْمَسْجِد وَيَسْتَوِي فِيهِ عندنَا سَائِر الْمَسَاجِد وَالْجَامِع أولى لِكَثْرَة الْجَمَاعَة
وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَول قديم أَن اعْتِكَاف الْمَرْأَة فِي مَسْجِد بَيتهَا

(2/567)


يَصح وَذكر فِي الرجل خلاف مُرَتّب وَهُوَ بعيد
وَلَو عين مَسْجِدا بنذره فَالظَّاهِر أَن الْمَسْجِد الْحَرَام يتَعَيَّن وَسَائِر الْمَسَاجِد لَا تتَعَيَّن وَفِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَمَسْجِد الْمَدِينَة قَولَانِ وَقيل إِن الْكل لَا يتَعَيَّن وَقيل الْكل يتَعَيَّن فَإِذا قُلْنَا إِن الْكل لَا يتَعَيَّن فَلَو انْتقل فِي خرجاته لقَضَاء حَاجَة إِلَى مَسَاجِد مُتَقَارِبَة وَكَانَ اعْتِكَافه مُتَتَابِعًا جَازَ
وَأما الزَّمَان فَالْمَذْهَب أَنه يتَعَيَّن كَمَا فِي الصَّوْم فَإِذا نذر اعْتِكَاف رَجَب مثلا لزمَه فَلَو فَاتَ فَالظَّاهِر وجوب الْقَضَاء وَقيل لَا يجب لِأَنَّهُ تعذر الْمُلْتَزم وَهُوَ بَاطِل بِالصَّوْمِ

(2/568)


الْفَصْل الثَّانِي فِي مُوجب أَلْفَاظ النّذر

وَالنَّظَر فِي ثَلَاثَة أُمُور

الأول فِي التَّتَابُع

فَإِذا قَالَ لله عَليّ أَن أعتكف شهرا مُتَتَابِعًا لم يجز التَّفَرُّق وَإِن قَالَ مُتَفَرقًا جَازَ مُتَتَابِعًا لِأَنَّهُ زَاد خيرا
وَلَو أطلق فَالْمَذْهَب أَن التَّتَابُع لَا يلْزم كَمَا فِي الصَّوْم
وَقَالَ ابْن سُرَيج يلْزم لِأَن اللَّيَالِي فِي الصَّوْم تقطع التَّتَابُع بِخِلَاف الِاعْتِكَاف وَهُوَ بعيد
فَأَما إِذا نذر يَوْمًا فَفِي جَوَاز الْتِقَاط سَاعَات أَيَّام وَجْهَان أصَحهمَا الْمَنْع بِخِلَاف الشَّهْر فَإِن الْيَوْم عبارَة عَن سَاعَات محصورة بَين الطُّلُوع والغروب على اتِّصَال فعلى هَذَا لَو ابْتَدَأَ من وَقت الزَّوَال وصبر إِلَى الزَّوَال فِي الْيَوْم الثَّانِي فَإِن خرج لَيْلًا لم يجزه للتقطع وَإِن اعْتكف لَيْلًا قيل أَنه يُجزئ لحُصُول الِاتِّصَال
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي لَا يُجزئ لِأَن اللَّيْل لَيْسَ محسوبا من النَّهَار
هَذَا إِذا أطلق الشَّهْر فَلَو عين شهرا أَو الْعشْر الْأَخير من رَمَضَان كَانَ التَّتَابُع لَازِما

(2/569)


ضَرُورَة لَا قصدا حَتَّى لَو فسد آخِره لم يلْزم قَضَاء مَا مضى وَلَو ترك الْكل لم يجب التَّتَابُع فِي الْقَضَاء وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أعتكف الْعشْر الْأَخير مُتَتَابِعًا فَفِي لُزُوم التَّتَابُع وَجْهَان وَوجه قَوْلنَا إِنَّه لَا يلْزم أَن تتَابع هَذَا يَقع ضَرُورَة فالتصريح بِهِ كالسكوت عَنهُ
النّظر الثَّانِي فِي استتباع اللَّيَالِي

فَإِذا نذر اعْتِكَاف شهر دخل اللَّيَالِي فِيهِ ويكفيه شهر بِالْأَهِلَّةِ وَلَو نذر اعْتِكَاف يَوْم لم يدْخل اللَّيْلَة فِيهِ وَلَو نذر ثَلَاثَة أَيَّام أَو ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَفِي دُخُول اللَّيَالِي المتخللة ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا يجب كَمَا فِي الشَّهْر
وَالثَّانِي لَا وَهُوَ الْأَصَح اتبَاعا للفظ
وَالثَّالِث أَنه إِن نذر التَّتَابُع لزمَه اللَّيَالِي وَإِلَّا فَلَا
وَلَو نذر ثَلَاث لَيَال فَفِي دُخُول الْيَوْمَيْنِ المتخللين هَذِه الْأَوْجه الثَّلَاثَة

(2/570)


وَإِذا نذر الْعشْر الْأَخير فنقص الْهلَال كَفاهُ التسع وَلَو نذر عشرَة أَيَّام من آخر الشَّهْر فنقص لزمَه قَضَاء يَوْم
النّظر الثَّالِث فِي اسْتثِْنَاء الْأَغْرَاض

فَإِذا قَالَ أعتكف شهرا مُتَتَابِعًا لَا أخرج إِلَّا لعيادة زيد جَازَ الْخُرُوج لَهُ وَلم يجز لعبادة عَمْرو وَلَا لشغل أهم مِنْهُ وَلَو قَالَ لَا أخرج إِلَّا لشغل يعن لي جَازَ الْخُرُوج لكل شغل ديني أَو دُنْيَوِيّ يُبَاح السّفر بِمثلِهِ وَلَا يجوز لأجل النظارة والتنزه
وَحكى صَاحب التَّقْرِيب قولا قَدِيما أَن هَذَا الِاسْتِثْنَاء مُنَاقض للتتابع فَيلْغُو وَيجب التَّتَابُع ثمَّ قَالَ إِذا فرعنا على الصَّحِيح فَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أَتصدق بِعشْرَة دَرَاهِم إِلَّا أَن أحتاج إِلَيْهِ قبل التَّصَدُّق صَحَّ ذَلِك وَلَو قَالَ إِلَّا أَن تبدو لي فَهَذَا مُحْتَمل
وَأبي الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد هَذَا الْأَخير لِأَنَّهُ خيرة مُطلقَة يضاد اللُّزُوم

(2/571)


وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَو نذر صوما وَشرط التَّحَلُّل لغَرَض لَا يُبِيح الْفطر صَحَّ الشَّرْط وَلَو جرى ذَلِك فِي الْحَج فَوَجْهَانِ
وَعكس الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد هَذَا التَّرْتِيب وَقَالَ الْحَج أولى بِاحْتِمَال ذَلِك إِذْ ورد فِيهِ شَرط التَّحَلُّل
فرع

إِذا اسْتثْنى غَرضا فالزمان المصروف إِلَيْهِ يجب قَضَاؤُهُ إِذا نذر اعْتِكَاف شهر مُطلقًا وَإِن نذر اعْتِكَاف شهر معِين لم يلْزم قَضَاؤُهُ إِذْ يُمكن حمله فِي الْمُطلق على نفي انْقِطَاع التَّتَابُع فَقَط فَينزل على الْأَقَل وَفِي الافتقار إِلَى تَجْدِيد النِّيَّة خلاق وَعند وجوب التَّتَابُع الْأَظْهر الِاسْتِغْنَاء عَن التَّجْدِيد لِأَن التَّتَابُع كالرابطة للْجَمِيع

(2/572)


الْفَصْل الثَّالِث فِي قواطع التَّتَابُع

وَهُوَ الْخُرُوج بِكُل الْبدن عَن كل الْمَسْجِد بِغَيْر عذر
احترزنا بِكُل الْبدن عَمَّا إِذا أخرج رَأسه أَو رجله من الْمَسْجِد فَإِنَّهُ لَا يبطل اعْتِكَافه
واحترزنا عَن كل مَسْجِد عَمَّا إِذا صعد المنارة للأذان فَإِن كَانَت المنارة مُنْقَطِعَة عَن الْمَسْجِد انْقَطع التَّتَابُع وَإِن كَانَت مُتَّصِلَة وَكَأَنَّهَا فِي الْمَسْجِد لم تَنْقَطِع وَإِن كَانَت مُتَّصِلَة بحائط الْمَسْجِد فِي حريمه وَكَانَ بَابهَا خَارِجا عَن الْمَسْجِد فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا يَنْقَطِع لِخُرُوجِهِ عَن الْمَسْجِد
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ من حَرِيم الْمَسْجِد وَالْأَذَان من حُقُوق الْمَسْجِد خأخرأخر فَكَأَنَّهُ لم يعرض عَن الْمَسْجِد
وَالثَّالِث أَنه إِن كَانَ مُؤذنًا راتبا لم يَنْقَطِع لِأَنَّهُ عذر فِي حَقه وَإِلَّا فَيَنْقَطِع

(2/573)


وَأما قَوْلنَا من غير عذر فالعذر على مَرَاتِب
الرُّتْبَة الأولى وَهِي الْعليا الْخُرُوج لقَضَاء الْحَاجة وَهُوَ مُسْتَثْنى لتكرره بِحكم الجلبة فَلَا يَنْقَطِع التَّتَابُع بِهِ وَلَا يجب قَضَاء تِلْكَ الْأَوْقَات وَلَا يجب عِنْد الْعود تَجْدِيد النِّيَّة بِخِلَاف الِاعْتِكَاف الْمُطلق الذى لَا تتَابع فِيهِ فَإِنَّهُ يجب التَّجْدِيد هَذَا إِذا كَانَ دَاره قَرِيبا وَلم يكن بِهِ عِلّة يكثر خُرُوجه بِسَبَبِهَا فَإِن بَعدت دَاره أَو كَانَ بِهِ عِلّة فَوَجْهَانِ مِنْهُم من عمم حسما للباب وَلَو كَانَ لَهُ داران كِلَاهُمَا على حد الْقرب فَفِي جَوَاز خُرُوجه إِلَى الْأَبْعَد وَجْهَان وحد الْقرب فِي الزَّمَان وَالْمَكَان لَا يَنْضَبِط إِلَّا بِالْعَادَةِ
فرع

لَا بَأْس بِأَكْل لقم فِي الطَّرِيق وَلَا بعيادة الْمَرِيض فِي الْمُرُور من غير ازورار وَلَا

(2/574)


بَأْس بوقفة يسيرَة بِقدر صَلَاة الْجِنَازَة فَذَلِك جَائِز فِي الطَّرِيق وَكَذَلِكَ لَا بَأْس بِالسَّلَامِ وَالسُّؤَال فَإِنَّهُ لَا يزِيد على قدر صَلَاة الْجِنَازَة كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يسْأَل عَن الْمَرِيض إِلَّا مارا فِي اعْتِكَافه لَا يعرج عَلَيْهِ وَلَو جَامع فِي وَقت قَضَاء الْحَاجة من غير صرف زمَان إِلَيْهِ فسد اعْتِكَافه على الْأَصَح لِأَن وقعه عَظِيم فالاشتغال بِهِ أوقع من الْجُلُوس سَاعَة من غير حَاجَة وَمِنْهُم من قَالَ لَا يفْسد لِأَنَّهُ لَيْسَ معتكفا فِي هَذِه

(2/575)


الْحَالة وَإِن كَانَ الزَّمَان محسوبا فِي مُدَّة الِاعْتِكَاف
الرُّتْبَة الثَّانِيَة الْخُرُوج بِعُذْر الْحيض غير قَاطع التَّتَابُع إِن كَانَ مُدَّة الِاعْتِكَاف بِحَيْثُ لَا يَتَّسِع لَهَا أَيَّام الطُّهْر غَالِبا فَإِن قصرت الْمدَّة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الْقطع للإمكان وَالثَّانِي الْمُسَامحَة نظرا إِلَى جنس الْحيض فَإِنَّهُ متكرر بالجبلة لقَضَاء الْحَاجة
الرُّتْبَة الثَّالِثَة الْمَرَض الذى يشق مَعَه الْمقَام فِي الْمَسْجِد وَفِيه قَولَانِ أَحدهمَا أَنه كالحيض وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَا يتَكَرَّر طبعا
وَهَكَذَا الْخلاف فِي انْقِطَاع تتَابع الصَّوْم بِهِ وَهَذَا إِذا لم يضْطَر إِلَى

(2/576)


الْخُرُوج خيفة التلويث فَإِن خيف فَهُوَ كالحيض وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ فِيهِ أَيْضا
الرُّتْبَة الرَّابِعَة أَن يخرج مَحْمُولا أَو يخرج نَاسِيا وَفِيه قَولَانِ مرتبان على الْمَرَض وَأولى بِأَن لَا يَنْقَطِع لِأَن الصَّوْم لَا يَنْقَطِع بِمثلِهِ وَإِن أكره فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِأَن يَنْقَطِع لِأَن لَهُ قصدا فِي الْخُرُوج
الرُّتْبَة الْخَامِسَة أَن يلْزمه الْخُرُوج شرعا لأَدَاء شَهَادَة متعينة أَو إِقَامَة حد أَو قَضَاء عدَّة طَلَاق فَقَوْلَانِ مرتبان على الْمَرَض وَأولى بالانقطاع لِأَن مبادئ هَذِه الْأُمُور مندرجة تَحت اخْتِيَاره
ثمَّ حَيْثُ قُلْنَا لَا يَنْقَطِع فَيجب قَضَاء الْأَوْقَات الْفَائِتَة بِهَذِهِ الْأَعْذَار وَفِي اسْتِئْنَاف النِّيَّة عِنْد الْعود خلاف كَمَا فِي تَفْرِيق الْوضُوء

(2/577)