الوسيط في المذهب

= كتاب الْحَج = وَهُوَ ركن من أَرْكَان الْإِسْلَام وَلَا يجب فِي الْعُمر إِلَّا مرّة وَاحِد وَالنَّظَر فِي الْمُقدمَات والمقاصد واللواحق

(2/579)


الْقسم الأول فِي الْمُقدمَات وَهُوَ الشَّرَائِط والمواقيت

القَوْل فِي الشَّرَائِط

وشرائط وُجُوبه خَمْسَة الْإِسْلَام وَالْعقل وَالْحريَّة وَالْبُلُوغ والاستطاعة
وشرائط وُقُوعه عَن فرض الْإِسْلَام أَرْبَعَة وَهِي مَا ذَكرنَاهَا إِلَّا الِاسْتِطَاعَة
وشرائط صِحَّته دون الْوُقُوع عَن حج الْإِسْلَام عل سَبِيل الْمُبَاشرَة الْإِسْلَام والتمييز إِذْ يَصح من الصَّبِي الْمُمَيز أَن يحجّ بِإِذن الْوَلِيّ
وَشرط صِحَّته لَا بطرِيق الِاسْتِقْلَال الْإِسْلَام الْمُجَرّد إِذْ يجوز للْوَلِيّ أَن يحرم عَن الصَّبِي الذى لَا يُمَيّز كَمَا سَيَأْتِي

(2/581)


الْمَقْصُود بَيَان الِاسْتِطَاعَة وَهِي نَوْعَانِ
النَّوْع الأول استطاعة الْمُبَاشرَة
قَالَ الله تَعَالَى {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي تَفْسِير الِاسْتِطَاعَة إِنَّهَا زَاد وراحلة
والاستطاعة تتَعَلَّق بأَرْبعَة أُمُور الرَّاحِلَة والزاد وَالطَّرِيق وَالْبدن
أما الرَّاحِلَة فالقدرة عَلَيْهَا شَرط فَلَا حج على الْقَادِر على الْمَشْي لما فِيهِ من الْمَشَقَّة خلافًا لمَالِك
نعم لَو كَانَ على مَسَافَة دوم مَسَافَة الْقصر وَجب الْمَشْي على الْقوي وَلَا يجب على من يتَضَرَّر بِهِ وَالْمَشْي فِي هَذَا الْقدر كالركوب فِي السّفر الطَّوِيل
وَمن لَا يسْتَمْسك على الرَّاحِلَة فَلَا يلْزمه مَا لم يقدر على محمل فَإِن قدر على

(2/582)


شقّ محمل وَوجد شَرِيكا يلْزمه وَإِن لم يجد وَكَانَ يَتَّسِع مَاله لمحمل تَامّ لكنه يَكْتَفِي بشق فَلَا يلْزمه لِأَن الزِّيَادَة خسران لَا مُقَابل لَهُ
أما الزَّاد فَهُوَ أَن يملك فَاضلا عَن قدر حَاجته مَا يبلغهُ إِلَى الْحَج وَالْمرَاد بالمبلغ نَفَقَة الذّهاب والإياب فِي حق من لَهُ أهل ومسكن أَو قريب وَإِن بعد
وَهل يعْتَبر نَفَقَة الإياب فِي حق الْقَرِيب فِيهِ وَجْهَان وَوجه الِاعْتِبَار حنين النَّفس إِلَى الأوطان
وَالْمرَاد بالفاضل عَن قدر الْحَاجة أَن يكون وَرَاء الْمسكن وَالْعَبْد الذى يَخْدمه ودست ثوب يلْبسهُ وديونه الَّتِي يفْتَقر إِلَى قَضَائهَا وَمَا يخلفه على أَهله من النَّفَقَة وَمَا يحْتَاج إِلَى صرفه إِلَى نِكَاح إِن لم يكن متأهلا وَخَافَ على نَفسه الْعَنَت
وَهل يجب أَن يكون وَرَاء رَأس مَاله الذى لَا يقدر على التِّجَارَة إِلَّا بِهِ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا وَهُوَ اخْتِيَار ابْن سُرَيج أَن رَأس مَاله كمسكنه وَعَبده وَالثَّانِي أَن رَأس المَال يصرف فِي أهبة الْحَج بِخِلَاف الْمسكن وَالْعَبْد فَإِنَّهُ يحْتَاج إِلَيْهِمَا فِي الْوَقْت

(2/583)


فرعان

أَحدهمَا أَن من لَا يملك نَفَقَة الذّهاب وَهُوَ كسوب لم يلْزمه الْحَج لِأَن ضَرَر الْكسْب مَعَ السّفر يزِيد عل ضَرَر الْمَشْي إِلَّا أَن تكون الْمسَافَة دون سفر الْقصر
الثَّانِي إِذا كَانَت الأسعار غَالِيَة وَلَكِن وجد بِثمن الْمثل وَجب الْحَج كَمَا يجب شِرَاء المَال بِثمن الْمثل وَإِن غلا بِحكم الْحَال وَلَو كَانَ لَا يُبَاع الزَّاد إِلَّا بِغَبن لم يجب
أما الطَّرِيق فشرطه أَن يكون خَالِيا عَمَّا يُوجب خوفًا فِي النَّفس والبضع وَالْمَال
أما النَّفس فَإِن كَانَ فِي الطَّرِيق سبع لم يجز الْخُرُوج وَلَو كَانَ فِي الطَّرِيق بَحر اخْتلف فِيهِ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وللأصحاب أَرْبَعَة طرق
أَحدهَا إِجْرَاء الْقَوْلَيْنِ لما فِيهِ من الْخطر الظَّاهِر مَعَ غَلَبَة السَّلامَة
وَالثَّانِي لَا يجب على المستشعر لِأَن الجبان قد يخلع قلبه فِي الْبَحْر وَيجب

(2/584)


على غير المستشعر فَينزل النصين على حَالين
وَالثَّالِث أَنه لَا يجب على المستشعر وَفِي غَيره قَولَانِ
وَالرَّابِع أَنه يجب على غير المستشعر وَفِي المستشعر قَولَانِ وَهَذَا إِذا كَانَت السَّلامَة غالبة فَإِن كَانَ الْهَلَاك غَالِبا حرم الرّكُوب
فرع

لَو توَسط الْبَحْر واستوت الْجِهَات فِي التَّوَجُّه إِلَى مَكَّة والانصراف عَنْهَا فَفِي الْوُجُوب الْآن وَجْهَان على قَوْلنَا لَا يجب ركون الْبَحْر أَحدهمَا يجب لِأَن الرّكُوب لَا بُد مِنْهُ فِي كل جِهَة وَالثَّانِي لَا لِأَن الشَّرْع لَيْسَ يكلفه ذَلِك فِي طَرِيق الْحَج وَله أَن يتَكَلَّف ذَلِك فِي غَرَضه وَهُوَ قريب منن الْمحصر إِذا أحَاط بِهِ الْعَدو وَفِيه خلاف
أما الْبضْع فالمرأة كَالرّجلِ فِي الِاسْتِطَاعَة لَكِنَّهَا عَورَة مَقْصُودَة تحْتَاج إِلَى محرم يبذرقها فَإِن لم تَجِد لم يلْزمهَا الْخُرُوج إِلَّا إِذا كَانَ الطَّرِيق آمنا وَوجدت نسْوَة ثِقَات

(2/585)


وَقَالَ الْقفال لَا يلْزم مَا لم يكن مَعَ كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ محرم فقد ينوبهن أَمر يفْتَرق إِلَى الِاسْتِعَانَة بِذَات الْمحرم
وَأما المَال فَلَو كَانَ على المراصد من يطْلب مَالا لم يلْزمه الْحَج لِأَنَّهُ خسران لَا مُقَابل لَهُ وَلَو وجد بذرقة بأجره فَفِي لُزُوم الْأُجْرَة وَجْهَان
أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ خسران لدفع الظُّلم فَصَارَ كالتسليم إِلَى الظَّالِم
وَالثَّانِي يجب لِأَنَّهُ من جملَة أهبة الطَّرِيق فأجرة البذرقة ككراء الدَّابَّة وَإِذا لم يخرج محرم الْمَرْأَة إِلَّا بِالْأُجْرَةِ فَفِي وُجُوبهَا عَلَيْهَا وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن يجب لِأَنَّهَا لَا تنفك عَن هَذِه الْحَاجة فَكَانَت من أهب سفرها
أما الْمُتَعَلّق الرَّابِع للاستطاعة فَهُوَ الْبدن وَلَا يعْتَبر فِيهِ إِلَّا قُوَّة يسْتَمْسك بهَا على الرَّاحِلَة وَالْأَعْمَى يجب عَلَيْهِ الْحَج وَلَكِن يحْتَاج إِلَى قَائِد احْتِيَاج الْمَرْأَة إِلَى محرم وَالْمَجْنُون لَا حج عَلَيْهِ وَلَو حج بِهِ الْوَلِيّ فَطَافَ بِهِ صَحَّ حجه وَلَكِن مُؤَن السّفر من مَال الْوَلِيّ وَأما الْمَحْجُور عَلَيْهِ بالتبذير فَيلْزمهُ الْحَج وللولي أَن ينْفق عَلَيْهِ وَينصب عَلَيْهِ قواما إِلَى الْحَج هَذِه أَرْكَان الِاسْتِطَاعَة أما أَحْكَامهَا فَثَلَاثَة

(2/586)


الأول أَن وجوب الْحَج يسْتَقرّ فِي الذِّمَّة إِذا دَامَت الِاسْتِطَاعَة مُدَّة تتسع لِلْحَجِّ لَو اشْتغل بِهِ وَلَو افْتقر أَو جن قبل مُضِيّ مُدَّة الْإِمْكَان تبين أَنه لم يكن وَاجِبا وَلَو تخلف بعد الِاسْتِطَاعَة فَمَاتَ بعد حج النَّاس وَقبل رجوعهم فالحج مُسْتَقر فِي ذمَّته يخرج من تركته لِأَنَّهُ لَو خرج لَكَانَ مَوته بعد الْحَج وَكَذَلِكَ لَو طَرَأَ الْغَضَب فِي هَذَا الْوَقْت وَلَو هلك مَاله بعد حج النَّاس حَيْثُ تعْتَبر نَفَقَة الإباب
قَالَ الصيدلاني تبين أَنه لم يكن لَازِما لأَنا لَو علمنَا هَذَا فِي الِابْتِدَاء لم يلْزمه الْخُرُوج بِخِلَاف مَا لَو علمنَا مثلا أَنه يَمُوت بعد يَوْم النَّحْر فَإِنَّهُ كَانَ يلْزمه الْخُرُوج
الثَّانِي أَن وجوب الْحَج على التَّرَاخِي عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة فَلَا يَعْصِي بِالتَّأْخِيرِ من السّنة الأولى وَلكنه لَو مَاتَ يخرج من تركته وَالظَّاهِر أَنه يلقى الله عَاصِيا إِذا جَازَ لَهُ التَّأْخِير بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة وَكَانَ على غرر فِي التَّأْخِير وَمِنْهُم من قَالَ لَا يعْصى إِذْ أخر عَازِمًا على الِامْتِثَال وَمَات فَجْأَة نعم إِن استشعر من نَفسه العضب عصى

(2/587)


بِالتَّأْخِيرِ
فرع

إِذا أخر مَعَ الْقُدْرَة وطرأ العضب عصى لتعذر الْمُبَاشرَة وَيلْزمهُ الِاسْتِنَابَة على التَّضْيِيق بِخِلَاف مَا لَو بلغ معضوبا فَإِن الِاسْتِنَابَة فِي حَقه على التَّرَاخِي كالمباشرة فِي حق الْقَادِر
وَذكر الفوراني وَجها أَنه لَا تتضيق الِاسْتِنَابَة فِي العضب الطَّارِئ ثمَّ قَالَ إِن ضيقنا فَهَل للْقَاضِي أَن يسْتَأْجر عَلَيْهِ عِنْد امْتِنَاعه إجبارا فِيهِ وَجْهَان وَوجه التجويز تشبيهه بِالزَّكَاةِ لتطرق النِّيَابَة إِلَيْهِ
الثَّالِث أَن من لم يؤد حج الْإِسْلَام لَا يجوز لَهُ أَن يحجّ أَجِيرا عَن غَيره

(2/588)


أَو يتَطَوَّع قبل الْفَرْض أَو يُؤَدِّي قَضَاء أَو نذرا قبله لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام رأى رجلا يُلَبِّي عَن شبْرمَة فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من شبْرمَة فَقَالَ صديق لي فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة والسام أحججت عَن نَفسك فَقَالَ لَا
فَقَالَ هَذِه عَنْك ثمَّ حج عَن شبْرمَة فَبِهَذَا عرف أَن غير حجَّة الْإِسْلَام لَا تقدم عَلَيْهَا وَيَسْتَوِي فِي هَذَا الْعَاجِز والمستطيع لِأَن الْعَاجِز إِذا حضر وَقع حجه عَن حجَّة الْإِسْلَام وكما لَا يقدم التَّطَوُّع عَن حجَّة الْإِسْلَام لَا يقدم على الْقَضَاء وَالنّذر وَفِي التَّرْتِيب بَين الْقَضَاء وَالنّذر تردد وَالْأولَى تَقْدِيم الْقَضَاء
أما الْأَجِير إِذا انْتهى إِلَى الْمِيقَات فَنوى التَّطَوُّع عَن نَفسه قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد ينْصَرف إِلَى الْمُسْتَأْجر لِأَنَّهَا حجَّة وَاجِبَة فَتقدم وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ وجوب تَقْتَضِيه الْإِجَارَة دون وضع الْحَج

(2/589)


النَّوْع الثَّانِي استطاعة الِاسْتِنَابَة

وَالنَّظَر فِي ثَلَاثَة أَطْرَاف
الطّرف الأول فِي حَالَة جَوَاز الِاسْتِنَابَة وَله شَرْطَانِ

الأول الْعَجز عَن الْمُبَاشرَة بِالْمَوْتِ أَو بزمانة لَا يُرْجَى زَوَالهَا
وَقَالَ مَالك تخْتَص الِاسْتِنَابَة بِحَالَة الْمَوْت لوُرُود الحَدِيث فِيهِ لَكنا نقُول الْحَيّ الْعَاجِز المئيوس عَنهُ أولى بالاستنابة لقدرته على النِّيَّة
ثمَّ لَو ظهر الْيَأْس وَفرغ الْأَجِير من الْحَج فَزَالَ العضب فَفِي وجوب الْإِعَادَة قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يجب لِأَنَّهُ بَان زَوَال الْعَجز وَالثَّانِي أَن حج الْأَجِير وَقع موقعه فَلَا ينْقض

(2/590)


فَإِن قُلْنَا لم يَقع فَيَقَع عَن الْأَجِير أَو عَن تطوع الْمُسْتَأْجر فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا عَن الْأَجِير لِأَنَّهُ لَو وَقع عَن الْمُسْتَأْجر لسبق النَّفْل الْفَرْض وَالأَصَح أَنه يَقع عَن الْمُسْتَأْجر لَان هَذَا عذر فِي التَّقْدِيم كعذر الصَّبِي وَالرّق
فَإِن أوقعنا عَن الْأَجِير فَفِي أجرته ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا يسْتَحق لوُقُوعه عَنهُ وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ عمل مَا عَلَيْهِ وَالثَّالِث أَنه يسْتَحق أجر الْمثل دون الْمُسَمّى لتبين فَسَاد الْإِجَارَة
وَلَو كَانَ العضب يُرْجَى زَوَاله فاستناب واتصل العضب بِالْمَوْتِ فَفِي وُقُوع حج النَّائِب عَنهُ قَولَانِ كَمَا سبق
الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون المستناب فِيهِ حجا مَفْرُوضًا أما التَّطَوُّع فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا الْمَنْع لِأَنَّهُ خَارج عَن الْقيَاس وَقد ورد الحَدِيث فِي حجَّة الْإِسْلَام
وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ إِذا تطرق النِّيَابَة إِلَيْهِ كَانَ التَّطَوُّع فِي معنى الْفَرْض
أما إِذا لم يكن على الْمَيِّت حجَّة الْإِسْلَام لعدم الِاسْتِطَاعَة فَفِي اسْتِئْجَار الْوَارِث عَنهُ طَرِيقَانِ أَحدهمَا طرد قَول التَّطَوُّع لِأَنَّهُ تبرع وَالثَّانِي الْقطع بِالْجَوَازِ لِأَن

(2/591)


حج غير المستطيع يَقع عَن حجَّة الْإِسْلَام وَلِأَن الحَدِيث ورد فِيهِ
رُوِيَ أَن امْرَأَة قَالَت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن فَرِيضَة الْحَج أدْركْت أبي شَيخا زَمنا لَا يَسْتَطِيع أَن يحجّ أفأحج عَنهُ فَقَالَ نعم
فرع

لَا يجوز الْحَج عَن المعضوب بِغَيْر إِذْنه وَيجوز عَن الْمَيِّت من غير وَصيته يَسْتَوِي فِيهِ الْوَارِث وَالْأَجْنَبِيّ كَمَا فِي قَضَاء دينه وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن لم يوص لم يحجّ عَنهُ وَإِن أوصى نفذت وَصيته بِالْحَجِّ من ثلث مَاله
الطّرف الثَّانِي فِي حَالَة وجوب الِاسْتِنَابَة

وَهُوَ أَن يسْتَقرّ فِي ذمَّته ثمَّ يطْرَأ العضب أَو يبلغ معضوبا قَادِرًا على الِاسْتِنَابَة وَالْقُدْرَة عَلَيْهَا بِمَال يملكهُ أَو بِمَال يبْذل لَهُ أَو بِطَاعَة تبذل لَهُ فَأَما مَا يملكهُ فَهُوَ قدر أُجْرَة الْأَجِير فضلا عَن حَاجته يَوْم الِاسْتِئْجَار وَلَا يعْتَبر أَن يفضل عَن نَفَقَة أَهله لما بعد فرَاغ الْأَجِير من الْحَج فِي مُدَّة إيابه
وَهل يعْتَبر لما بَين يَوْم الْإِجَارَة إِلَى الْفَرَاغ من الْحَج فِيهِ تردد من حَيْثُ إِن

(2/592)


هَذِه مُدَّة فِيهَا يتم الْأَدَاء وَفِي زَكَاة الْفطر لم يعْتَبر إِلَّا قوت الْيَوْم لِأَن الْفَرْض يتَأَدَّى فِي الْحَال
وَلَو ملك أُجْرَة ماش فَفِي لُزُومه وَجْهَان وَجه الْمَنْع أَن الْمَاشِي على خطر فَيُؤَدِّي إِلَى التَّغْرِير بِمَالِه
أما الْقُدْرَة ببذل الْغَيْر فَإِن كَانَ المبذول مَالا والباذل أَجْنَبِي لم يجب لما فِيهِ من الْمِنَّة وَإِن كَانَ المبذول طَاعَة والباذل هُوَ الابْن وَجب الْقبُول إِذْ لَا منَّة وَإِن بذل الْأَجْنَبِيّ الطَّاعَة أَو الابْن المَال فَوَجْهَانِ للتردد فِي الْمِنَّة وَالْأَب كالابن فِي بذل المَال وكالأجنبي فِي بذل الطَّاعَة هَذَا إِذا بذل الابْن الطَّاعَة رَاكِبًا فَإِن كَانَ مَاشِيا فَوَجْهَانِ إِذْ

(2/593)


يعز على الْأَب التَّغْرِير بولده فَإِن كَانَ مَعَ الْمَشْي يعول فِي زَاده على الْكسْب أَو السُّؤَال فَفِيهِ خلاف مُرَتّب وَأولى بِأَن لَا يجب وَإِن لم يكن كسب وَلَا سُؤال فَلَا يحل لَهُ الْخُرُوج وَمهما تحقق وجوب الْحَج فالعمرة تجب أَيْضا لقَوْله تَعَالَى {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ تردد فِي الْقَدِيم فِي وجوب الْعمرَة
الطّرف الثَّالِث فِي الِاسْتِئْجَار على 1 الْحَج وَالنَّظَر فِي شَرَائِطه وَأَحْكَامه

أما الشَّرَائِط فَتذكر فِي الْإِجَارَة وَنَذْكُر هَاهُنَا أَربع شَرَائِط
الأول أَن يكون الْأَجِير قَادِرًا على الْحَج فَإِن كَانَ مَرِيضا أَو كَانَ الطَّرِيق مخوفا أَو ضاف الْوَقْت وطالت الْمسَافَة لم تَنْعَقِد الْإِجَارَة وَلَو جرى فِي وَقت هجوم الأنداء والثلوج وَلَكِن كَانَ زَوَاله مَعْلُوما فَالْأَظْهر الصِّحَّة وَقيل لَا يجوز لتعذر النهوض فِي الْحَال وَمهما صحت الْإِجَارَة وَجب على الْأَجِير الْخُرُوج مَعَ أول رفْقَة وَلَا يجوز التَّأْخِير إِلَّا بعد انْتِظَار الرّفْقَة فَلَا عذر بعد وجودهَا

(2/594)


الثَّانِي أَن لَا يضيف الْإِجَارَة الْوَارِدَة على الْعين إِلَى حجَّة فِي السّنة الْقَابِلَة إِلَّا إِذا كَانَت الْمسَافَة بِحَيْثُ لَا تقطع فِي سنة فَيجوز لَهُ ذَلِك لِإِمْكَان التشاغل بِالسَّفرِ فِي الْحَال وَإِن وَردت الْإِجَارَة على الذِّمَّة فَلهُ أَن يعين أَيَّة سنة شَاءَ فَإِن أطلق نزل على السّنة الأولى
الثَّالِث كَون الْحَج مَعْلُوما بِأَعْمَالِهِ للْأَجِير وَلَا يحْتَاج إِلَى التَّعْرِيف فِي العقد فَإِنَّهُ مشهر فِي الْعرف فَإِنَّهُ فرض جهل على الندور من أَحدهمَا لم يَصح العقد
وَأما تعْيين مِيقَات الْإِحْرَام فِيهِ اخْتِلَاف نَص فَقيل قَولَانِ أَحدهمَا يشْتَرط لِأَن غَرَض الْأَجِير يتَفَاوَت بِهِ وَالثَّانِي لَا لِأَن غَرَض الْمُسْتَأْجر لَا يتَفَاوَت
وَقيل بل هُوَ على حَالين فَإِن كَانَ الْمُسْتَأْجر لَهُ مَيتا فَلَا غَرَض إِلَّا تبرئة ذمَّته فَأَما الْحَيّ فَلهُ غَرَض فِي تعْيين الْمَوَاقِيت فَيلْزمهُ ذَلِك

(2/595)


وَقيل إِن كَانَ على طَرِيقه مِيقَات تعين بِالْعرْفِ وَإِن كَانَ طَرِيقه يقْضِي إِلَى مسلكين يقْضِي كل وَاحِد إِلَى مِيقَات آخر فَلَا بُد من التَّعْيِين
الرَّابِع أَن لَا يعْقد بِصِيغَة الْجعَالَة فَلَو قَالَ المعضوب من حج عني فَلهُ مائَة فحج عَنهُ إِنْسَان نقل الْمُزنِيّ أَنه وَقع عَنهُ وَاسْتحق الْمِائَة وخر ج الْأَصْحَاب مِنْهُ تَصْحِيح صِيغَة الْجعَالَة فِي كل مَا يقبل الْإِجَارَة
وَذهب بعض الْأَصْحَاب إِلَى تزييفه فَإِن ذَلِك يحْتَمل من ضَرُورَة الْجعَالَة فعلى هَذَا بطلت التَّسْمِيَة وَصَحَّ الْإِذْن وَاسْتحق الْمَأْذُون أُجْرَة الْمثل لوُقُوع الْحَج عَن الْإِذْن
وَمهما فَسدتْ الْإِجَارَة بِفساد الْعِوَض بَقِي الْإِذْن صَحِيحا وَوَجَب أُجْرَة الْمثل لوُقُوع الْحَج عَن الْإِذْن وَقيل إِن الْإِذْن يفْسد بِهَذَا الْعُمُوم فَإِن من قَالَ وكلت كل من أَرَادَ بيع دَاري لم تصح الْوكَالَة لعدم تعين الْوَكِيل فَكَذَلِك هَاهُنَا

(2/596)


النّظر الثَّانِي فِي أَحْكَام الْإِجَارَة عِنْد اخْتِلَاف أَحْوَال الْأَجِير وأحواله سَبْعَة

الأولى إِذا فَاتَهُ الْحَج فِي السّنة الأولى بامتناعه عَن الْخُرُوج انْفَسَخت الْإِجَارَة إِن كَانَت وَارِدَة على الْعين فَإِن كَانَت وَارِدَة على الذِّمَّة قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لم يَنْفَسِخ وللمستأجر الْخِيَار كَمَا لَو أفلس المُشْتَرِي بِالثّمن وَقَالَ المراوزة فِيهِ قَولَانِ كَمَا فِي انْقِطَاع جنس الْمُسلم فِيهِ على قَول يَنْفَسِخ وعَلى قَول يثبت الْخِيَار
فَإِن أثبتنا الْخِيَار وَإِن كَانَ الْمُسْتَأْجر مَيتا فَلَا خِيَار للْوَرَثَة لِأَنَّهُ يجب

(2/597)


عَلَيْهِم صرف الْأُجْرَة إِلَى أجِير آخر لتبرئة ذمَّته والأجير الذى عينه الْمَيِّت أولى وَفِيه احْتِمَال إِذْ قد يكون للْمَيت فِيهِ مصلحَة فِي إِبْدَال الْأَجِير بِمن هُوَ أَرغب مِنْهُ
الثَّانِيَة إِذا خَالف فِي الْمِيقَات فَأحْرم بِعُمْرَة عَن نَفسه ثمَّ أحرم بِحَجّ الْمُسْتَأْجر فِي جَوف مَكَّة فيحط شَيْء من أجرته وَفِي الْقدر المحطوط قَولَانِ
أَحدهمَا أَن يُقَال حجَّة من الْمِيقَات كم أجرتهَا وَحجَّة من جَوف مَكَّة كم أجرتهَا وَيعرف نِسْبَة التَّفَاوُت فَإِن كَانَ عشرا فيحط الْعشْر على الْمُسَمّى
وَحَقِيقَة هَذَا القَوْل ترجع إِلَى أَن الْأُجْرَة تقَابل الْحَج الْمَقْصُود أبدا دون السّفر الذى هُوَ ذَرِيعَة فَلذَلِك لم يدْخلهُ فِي الِاعْتِبَار
وَالثَّانِي أَنه يعرف التَّفَاوُت بَين حجَّة من الْبَلَد الذى اُسْتُؤْجِرَ فِيهَا وَحجَّة من جَوف مَكَّة فيكثر التَّفَاوُت فيحط عَن أجرته وَحَاصِل هَذَا أَن السّفر إِن كَانَ تقابله الْأُجْرَة فَلَا يحْسب لَهُ فِي هَذَا القَوْل لِأَنَّهُ صرفه إِلَى عمْرَة نَفسه
الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا لَو عَاد إِلَى الْمِيقَات وَأَنْشَأَ الْإِحْرَام بِالْحَجِّ عَنهُ فَإِن لم نقابل السّفر

(2/598)


بِأُجْرَة أصلا اسْتحق تَمام الْأُجْرَة وَإِن قابلنا أحبطنا مَا قَابل الْمسَافَة الَّتِى صرفهَا إِلَى عمرته فَإِن حَسبنَا لَهُ السّفر اسْتحق تَمام الْأُجْرَة فَإِن أحبطنا الْمسَافَة هَاهُنَا لصرفها إِلَى عمرته فيضبط التَّفَاوُت بَين أُجْرَة حجَّة من بَلْدَة نهضتها وَمن الْمِيقَات إحرامها وَبَين حجَّة أنشئت من الْمِيقَات من غير سبق سفر ويحط من الْمُسَمّى بنسبته
الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا لم يعْتَمر أصلا لَكِن أحرم من جَوف مَكَّة فَمَا صرف السّفر إِلَى نَفسه لَكِن لزمَه دم الْإِسَاءَة فَهَل ينجبر بِالدَّمِ مَا يحط من الْأُجْرَة فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا ينجبر فَلَا يحط شئ وَالثَّانِي يحط لِأَن الدَّم وَجب حَقًا لله تَعَالَى ومقصود الْمُسْتَأْجر لَا ينجبر فعلى هَذَا يعود الْخلاف فِي أَن السّفر هَل يحْسب لَهُ فِي توزيع الْأُجْرَة وَهَاهُنَا أولى بِأَن يحْسب وَإِن قُلْنَا إِنَّه ينجبر بِالدَّمِ فَلَو كَانَ قيمَة الدَّم تنقص عَمَّا يَقْتَضِيهِ الْحَط فَقدر التَّفَاوُت هَل يحط فِيهِ وَجْهَان

(2/599)


الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا عين لَهُ الْكُوفَة ليحرم بهَا فجاوزها فَفِي لُزُوم دم الْإِسَاءَة وَجْهَان مأخذهما التَّرَدُّد فِي أَن تَعْيِينه هَل يلْتَحق بِتَعْيِين الشَّرْع فَإِن قُلْنَا يجب الدَّم عَاد الْخلاف فِي أَنه هَل يجْبر النُّقْصَان وَإِن قُلْنَا لَا يجب عَاد الْخلاف فِي أَن الْمُسَافِر هَل يحْسب لَهُ وَلَا خلاف أَنه لَو ارْتكب مَحْظُورًا غير مُفسد لزمَه الدَّم وَلَا حط لِأَنَّهُ أَتَى بِتمَام الْعَمَل
الثَّالِثَة إِذا خَالف فِي الْجِهَة بِأَن اسْتَأْجرهُ على الْقرَان فأفرد فقد زَاد خيرا وَلَو قرن بِإِذْنِهِ فأصح الْوَجْهَيْنِ أَن دم الْقرَان على الْمُسْتَأْجر وَكَأَنَّهُ قرن بِنَفسِهِ وَالثَّانِي على الْأَجِير لِأَنَّهُ الْتزم تَحْصِيل الْحَج وَالْعمْرَة بطرِيق الْقرَان وتتمة الْقرَان بِالدَّمِ فليف بِهِ وَلَو اسْتَأْجرهُ على الْإِفْرَاد فقرن فالدم على الْأَجِير قطعا وَالْحج وَالْعمْرَة واقعان عَن الْمُسْتَأْجر لِأَن الشَّرْع جعل الْقرَان كالإفراد وَهل يحط شئ من الْأُجْرَة

(2/600)


مَعَ جبره بِالدَّمِ فِيهِ الْخلاف السَّابِق
وَإِن أمره بالقران فتمتع فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه كالقرآن لِأَنَّهُ إِن نقص فِي إِحْرَام الْحَج من الْمِيقَات فقد زَاد فِي الْعَمَل وَالثَّانِي أَن زِيَادَته غير محسوبة فَإِنَّهُ غير مَأْمُور بِهِ وعَلى هَذَا فالدم عَلَيْهِ لأَنا جَعَلْنَاهُ مُخَالفا وَإِن جَعَلْنَاهُ مُوَافقا فالوجهان فِي الدَّم عائدان
الرَّابِعَة إِذا جَامع الْأَجِير فسد حجه وانفسخت الْإِجَارَة إِن كَانَت

(2/601)


وَردت على عينه لفَوَات الْوَقْت وَلَزِمَه الْقَضَاء لنَفسِهِ ورد الْأُجْرَة وَإِن وَردت على ذمَّته لم تَنْفَسِخ وَعَلِيهِ الْقَضَاء فِي السّنة الثَّانِيَة
فَإِذا قضى فَهَل يَقع عَن الْمُسْتَأْجر فعلى وَجْهَيْن أَحدهمَا لَا لِأَن الْقَضَاء يَقع عَمَّن انْصَرف الْفَاسِد إِلَيْهِ فعلى هَذَا عَلَيْهِ أَن يحجّ عَن الْمُسْتَأْجر حجَّة أُخْرَى سوى الْقَضَاء
وَالثَّانِي أَنه يَقع عَنهُ فَإِنَّهُ لَو تمم الأول لوقع عَنهُ وَهَذَا قَضَاء الأول
الْخَامِسَة لَو أحرم عَن مستأجره ثمَّ صرف إِلَى نَفسه على ظن أَنه ينْصَرف إِلَيْهِ وَأتم الْحَج فالحج عَن الْمُسْتَأْجر وَفِي اسْتِحْقَاقه الْأُجْرَة قَولَانِ وَوجه السُّقُوط أَنه قصد أَن يعْمل لنَفسِهِ وهما جاريان فِي الصّباغ إِذا جحد الثَّوْب وصبغه لنَفسِهِ فِي أَنه هَل يسْتَحق الْأُجْرَة
السَّادِسَة إِذا مَاتَ الْأَجِير فِي أثْنَاء الْحَج يقدم على هَذَا أَن من مَاتَ فِي أثْنَاء حجه فَهَل لوريثه أَن يسْتَأْجر من يَبْنِي على حجه وَيَأْتِي بالبقية فِيهِ قَولَانِ

(2/602)


أَحدهمَا نعم لِأَن الِاسْتِنَابَة فِي بعضه كالاستنابه فِي كُله وَالثَّانِي لَا إِذْ يبعد أَدَاء عبَادَة وَاحِدَة من شَخْصَيْنِ
فَإِن جَوَّزنَا فَمَاتَ قبل الْوُقُوف أحرم الْأَجِير من حَيْثُ انْتهى إِلَيْهِ الْمُسْتَأْجر عَنهُ وَلَا ضَرَر فِي وُقُوعه وَرَاء الْمِيقَات
وَإِن مَاتَ بعد الْوُقُوف وَبعد طُلُوع الْفجْر من يَوْم النَّحْر قَالَ المراوزة يحرم الْأَجِير وَإِن لم يكن فِي أشهر الْحَج لِأَن هَذَا بِنَاء على مَا سبق فِي الْأَشْهر وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يحرم بِعُمْرَة وَيَأْتِي بِبَقِيَّة أَعمال الْحَج وَلَا يَأْتِي بمناسك مني وَهُوَ بعيد

(2/603)


وَإِن مَاتَ بَين التحللين فَقِيَاس المراوزة أَن يَأْتِي بِإِحْرَام حكمه أَن لَا يمْنَع اللّبْس والقلم وَإِن مَاتَ بعد التحللين فَلَا يبْقى للْإِحْرَام وَجه فَيتَعَيَّن الرُّجُوع إِلَى إِبْدَال الْمَنَاسِك الْوَاقِعَة بعد التحللين رَجعْنَا إِلَى الْأَجِير فَإِن جَوَّزنَا الْبناء فالمستأجر مُتَمَكن مِنْهُ فَيسْتَحق وَرَثَة الْأَجِير قسطا من الْأُجْرَة لِأَن مَا سبق لم يحبط وَإِن قُلْنَا لَا يُمكن الْبناء فقد حَبط مَا سبق فَفِي اسْتِحْقَاق قسط من الْأُجْرَة وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ لم يحصل لَهُ غَرَض وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ أَتَى بِالْبَعْضِ وَلم يقصر فِي الْبَعْض
فَإِن قُلْنَا يسْتَحق قسطا فَفِي التَّوْزِيع وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهَا لَا تحسب الْمسَافَة بل يَبْتَدِئ التَّقْدِير من وَقت الْإِحْرَام فَمَا يُقَابله يسْتَحق وَالثَّانِي تحسب الْمسَافَة لِأَنَّهُ من عمله وعَلى هَذَا يسْتَحق الْأَكْثَر لَا محَالة
وَإِن مَاتَ قبل الْإِحْرَام فَفِي احتساب السّفر خلاف مُرَتّب وَأولى بِأَن لَا يحْسب لِأَن الذريعة إِذا لم تتصل بِالْمَقْصُودِ لَا يبْقى لَهَا حكم وَإِن كَانَت الْإِجَارَة وَارِدَة على الذِّمَّة فَلَا تَنْفَسِخ بل يبْقى الْحَج دينا فِي تَركه الْأَجِير فيستأجر وَارثه من

(2/604)


تركته من يتم على قَول تَجْوِيز الْبناء أَو من يبتدىء حجا على قَول الْمَنْع
السَّابِعَة لَو أحْصر الْأَجِير فتحلل فَهُوَ كالموت وَإِن فَاتَهُ الْحَج بعد الْإِحْرَام فَهُوَ كالإفساد لِأَنَّهُ يجب الْقَضَاء وَلَا يسْتَحق شَيْئا فِي مُقَابلَة عمله وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجها أَنه يسْتَحق قسطا

(2/605)


الْمُقدمَة الثَّانِيَة لِلْحَجِّ

النّظر فِي الْمَوَاقِيت

وَيُرَاد بالميقات الزَّمَان وَالْمَكَان
أما الْمِيقَات الزماني لِلْحَجِّ فشهر شَوَّال وَذُو الْقعدَة وتسع من ذِي الْحجَّة وَفِي لَيْلَة الْعِيد إِلَى طُلُوع الْفجْر وَجْهَان أَحدهمَا الصِّحَّة لبَقَاء وَقت الْوُقُوف وَالثَّانِي لَا يَصح وَلَكِن يَدُوم فِي حق الْوُقُوف
وَقَالَ أَبُو حنيفَة جَمِيع السّنة وَقت إِحْرَام الْحَج
أما الْعمرَة فَجَمِيع السّنة وَقتهَا وَلَا يكره فِي وَقت كَرَاهِيَة الصَّلَاة وَلَا فِي سَائِر الْأَوْقَات إِذا كَانَ متخليا عَن النّسك
أما الْحَاج العاكف بمنى فالمعرج على الرَّمْي وَالْمَبِيت لَا تَنْعَقِد عمرته فِي هَذَا الْوَقْت لِأَنَّهُ يحرم عَلَيْهِ الِاشْتِغَال بِعَمَل الْعمرَة فِي هَذَا الْوَقْت لوُجُوب الرَّمْي وَالْمَبِيت
فرع

إِذا أحرم قبل أشهر الْحَج انْعَقَد إِحْرَامه وَلم يكن حجا ويتحلل بِعَمَل عمْرَة وَهل تقع عمرته صَحِيحَة حَتَّى يتَأَدَّى بهَا عمْرَة الْإِسْلَام فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ إِذا بَطل الْحَج بَقِي إِحْرَام مطبق وينصرف إِلَى الْعمرَة

(2/606)


وَالثَّانِي أَنه لَا يَقع عمْرَة بل هُوَ كمن فَاتَهُ الْحَج يتَحَلَّل بِعَمَل عمرته عَن إِحْرَامه وَلَا تتأدى عمرته بِهِ وَقيل إِن صرفه إِلَى الْعمرَة انصراف إِلَيْهِ
أما الْمِيقَات المكاني فالحاج أَرْبَعَة أَصْنَاف

الأول الآفاقي المتوجه إِلَى مَكَّة على قصد النّسك عمْرَة كَانَ أَو حجا فَعَلَيهِ أَن يحرم من الْمِيقَات وميقات أهل الْمَدِينَة ذُو الحليفة وميقات أهل الشَّام الْجحْفَة وَلأَهل الْيمن يَلَمْلَم وَلأَهل نجد الْيمن ونجد الْحجاز قرن وَلأَهل الْمشرق ذَات عرق لتعيين عمر رَضِي الله عَنهُ ذَلِك وَاسْتمرّ النَّاس عَلَيْهِ وَاسْتحبَّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن يحرم من الْعَتِيق قبل ذَات عرق لوُرُود خبر مُرْسل فِيهِ

(2/607)


ثمَّ هَذِه الْمَوَاقِيت لأَهْلهَا وَلكُل من مر بهَا من سَائِر الْبِلَاد ويكفيه أَن يحرم من مَوضِع بِإِزَاءِ مِيقَاته فَإِن الْمَقْصُود مِقْدَار بعده عَن مَكَّة وَالْأولَى أَن يحرم من أول الْمِيقَات وَإِن أحرم من آخِره فَلَا بَأْس
فروع أَرْبَعَة

الأول رَاكب التعاسيف إِذا لم ينْتَه إِلَى مِيقَات أحرم من حَيْثُ يوازي أول

(2/608)


الْمِيقَات فَهُوَ مِيقَاته وَلَو حَاذَى ميقاتين نسبنا إِحْرَامه إِلَى أَي الميقاتين أردنَا فَإِن كَانَ أَحدهمَا أبعد من مَكَّة وَكَانَ أقرب من موقفه من الآخر نسبنا إِحْرَامه إِلَيْهِ وَإِن كَانَ بَينهمَا على سَوَاء فَوَجْهَانِ أَحدهمَا النِّسْبَة إِلَى الْأَبْعَد وَالثَّانِي إِلَى الْأَقْرَب وتتبين فَائِدَته فِيمَن جَاوز غير محرم وَلَزِمَه الْعود وعسر الرُّجُوع إِلَى موقفه بالضلال فَإلَى أَي الميقاتين يرجع وَلَو رَجَعَ إِلَى موقفه كَفاهُ بل يَكْفِي كل مجاوز أَن يعود إِلَى مثل تِلْكَ الْمسَافَة وَإِن لم يعد إِلَى ذَلِك الْموقف بِعَيْنِه
الثَّانِي الْغَرِيب إِذا أَتَى من جَانب وَلم يمر بميقات وَلَا حاذاه فَيحرم على مرحلَتَيْنِ من مَكَّة نزولا على قَضَاء عمر رَضِي الله عَنهُ فِي تأقيت ذَات عرق لأهل الْمشرق والتفاتا إِلَى حد الْمَذْهَب فِي حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام
الثَّالِث مهما جَاوز الْموضع الذى هُوَ مِيقَات فِي حَقه فقد أَسَاءَ فَعَلَيهِ الدَّم فَإِن عَاد وَلَكِن بعد دُخُول مَكَّة لم يَنْفَعهُ الْعود وَإِن قبل دُخُول مَكَّة وَقبل مُجَاوزَة الْمِيقَات من مَسَافَة الْقصر سقط دم الْإِسَاءَة وَصَارَ متداركا بإحرامه من الْمِيقَات وَإِن جَاوز مَسَافَة الْقصر فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ إِذا بعد انْقَطع طَرِيق التَّدَارُك هَذَا إِذا عَاد وَأَنْشَأَ الْإِحْرَام من الْمِيقَات فَإِن أنشأ الْإِحْرَام حَيْثُ انْتهى وَعَاد إِلَى الْمِيقَات محرما فَفِي

(2/609)


كَونه متداركا وَجْهَان فَإِن جَعَلْنَاهُ متداركا فَلَا يلْزمه أَن يعود ملبيا خلافًا لأبي حنيفَة
الرَّابِع لَو أحرم قبل الْمِيقَات فَهُوَ أفضل قطع بِهِ فِي الْقَدِيم وَقَالَ فِي الْجَدِيد يكره وَهُوَ متأول وَمَعْنَاهُ أَن يتوقى الْمخيط وَالطّيب من غير إِحْرَام وَإِذا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من تَمام الْحَج وَالْعمْرَة أَن يحرم بهما من دويرة أَهله

(2/610)


الصِّنْف الثَّانِي من يتَوَجَّه إِلَى مَكَّة لتِجَارَة لَا للنسك فَهَل يلْزمه أَن يدْخل مَكَّة محرما من الْمِيقَات فِيهِ قَولَانِ فَإِن قُلْنَا لَا يلْزمه فليجاوزه وَلَا إساءة فَإِن سنح لَهُ بعد ذَلِك أَن يحرم فميقاته عِنْد ظُهُور قصد النّسك فَإِن جاوزه فَهُوَ كَمَا لَو جَاوز الْمِيقَات
الصِّنْف الثَّالِث من مَسْكَنه بَين الْمِيقَات وَبَين مَكَّة فميقاته مَسْكَنه فَلَا يُجَاوِزهُ
الصِّنْف الرَّابِع الْمُقِيم بِمَكَّة مكيا كَانَ أَو آفافيا فميقاته مَكَّة وَالْأَفْضَل أَن يحرم من بَاب دَاره أَو فِي الْمَسْجِد قَرِيبا من الْبَيْت فِيهِ اخْتِلَاف نَص فَإِن خرج الْمَكِّيّ

(2/611)


إِلَى الْحل وَأحرم بِالْحَجِّ فَهُوَ مسيء يلْزمه الدَّم أَو الْعود
إِن أحرم بعد مُفَارقَة الْعمرَان وَقبل الِانْتِهَاء إِلَى الْحل وَأحرم بِالْحَجِّ
فَوَجْهَانِ منشؤهما أَن الْمِيقَات فِي حَقهم هُوَ الْحرم أَو خطة مَكَّة
أما الْعمرَة فميقاتها كميقات الْحَج إِلَّا فِي حق الْمَكِّيّ والمستوطن بهَا فَإِن عَلَيْهِم الْخُرُوج إِلَى أَطْرَاف الْحل وَلَو بخطوة فِي ابْتِدَاء الْإِحْرَام أَو دَوَامه على رَأْي وَأفضل أَطْرَاف بقاع الْحل الْجِعِرَّانَة وَهِي الَّتِي أحرم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بهَا وَبعده التَّنْعِيم وَهُوَ أقرب إِلَى الْحرم وَقد اعْتَمَرت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا مِنْهُ وَبعده الْحُدَيْبِيَة

(2/612)


فرع

وَلَو أحرم من مَكَّة فِي الْحرم وَلم يخرج إِلَى الْحل فَفِي الِاعْتِدَاد بعمرته قَولَانِ
أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ إساءة فِي الْمِيقَات فَلَا تمنع الِاعْتِدَاد كَالْحَجِّ
وَالثَّانِي لَا لِأَن الْجمع بَين الْحل وَالْحرم ركن فِي الْحَج فَإِن عَرَفَة من الْحل فَكَذَلِك فِي الْعمرَة فعلى هَذَا إِن خرج إِلَى الْحل ثمَّ أعَاد الطّواف وَالسَّعْي كَفاهُ

(2/613)


الْقسم الثَّانِي من الْكتاب فِي الْمَقَاصِد
وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي وُجُوه أَدَاء النُّسُكَيْنِ وَله ثَلَاثَة أوجه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الأول الْإِفْرَاد

وَهُوَ أَن يحرم بِالْحَجِّ من مِيقَاته أَولا فَإِذا فرغ خرج إِلَى طرف الْحل وَأحرم بِالْعُمْرَةِ وَكَذَا لَو قدم الْعمرَة فِي غير أشهر الْحَج ثمَّ حج من الْمِيقَات فَهُوَ مُفْرد
الْوَجْه الثَّانِي الْقرَان

وَهُوَ أَن يحرم بهما جَمِيعًا فتندرج الْعمرَة تَحت الْحَج وَيكون حَاله حَال الْحَج الْمُفْرد وَكَذَا لَو أحرم بِالْعُمْرَةِ ثمَّ أَدخل الْحَج عَلَيْهِ قبل الشُّرُوع فِي أَعمال الْعمرَة فَإِن خَاضَ فِي الطّواف فَأدْخل عَلَيْهِ الْحَج لَغَا إِدْخَاله لِأَن أَعمال الْعمرَة من أَسبَاب التَّحَلُّل فَلَا يُمكن الْقُرْآن مَعَ اخْتِلَاف الْإِحْرَام وَفِي إِدْخَال الْعمرَة على الْحَج قَولَانِ أَحدهمَا الْجَوَاز كَعَكْسِهِ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَا يتَغَيَّر حكم الْحَج بِدُخُول الْعمرَة عَلَيْهِ بِخِلَاف الْعمرَة فَإِنَّهَا تَتَغَيَّر بِزِيَادَة دُخُول الْحَج فَإِن جَوَّزنَا فَفِي وقته أَرْبَعَة أوجه

(2/614)


أَحدهَا أَنه لَا يجوز مَا لم يستغل بِعَمَل وَلَو بِطواف الْقدوم
وَالثَّانِي أَنه يجوز مَا لم يشْتَغل بِرُكْن وَلَو بالسعي بعد طواف الْقدوم
وَالثَّالِث يجوز مَا لم يخرج وَقت الْوُقُوف وَإِن سعى من قبل لِأَن الْحَج عَرَفَة
وَالرَّابِع يجوز وَإِن فَاتَ وَقت الْوُقُوف مَا لم يشْتَغل بِأَسْبَاب التَّحَلُّل
وعَلى هَذَا لَو كَانَ قد سعى فَالصَّحِيح أَنه لَا يلْزمه إِعَادَة السَّعْي لِأَنَّهُ إِذا صَار قَارنا حصل الاندراج وَقيل لَا يَكْتَفِي بالسعي السَّابِق
ثمَّ إِذا جَعَلْنَاهُ قَارنا لم يُخرجهُ إِلَى نِيَّة الْقرَان بل يَكْفِيهِ إِحْرَامه بالنسك الثَّانِي وَيجب على الْقَارِن الآفاقي دم كَمَا على الْمُتَمَتّع
الْوَجْه الثَّالِث التَّمَتُّع

والمتمتع هُوَ كل آفاقي زاحم إِحْرَام الْحَج لنَفسِهِ بِعُمْرَة فِي أشهر الْحَج مَعَ نِيَّة التَّمَتُّع فَيلْزمهُ الدَّم لأمرين أَحدهمَا ربحه أحد الميقاتين إِذا أحرم بِالْحَجِّ من مَكَّة من غير عود إِلَى الْمِيقَات وَالثَّانِي زحمة الْحَج فِي أشهره بِالْعُمْرَةِ

(2/615)


وَقد اشْتَمَلت الرابطة على قيود

الأول الآفاقي فَمن كَانَ من حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام فَلَيْسَ عَلَيْهِ دم لِأَن مِيقَاته لِلْحَجِّ نفس مَكَّة

(2/616)


وحاضروا الْمَسْجِد الْحَرَام كل من كَانَ بَينه وَبَين مَكَّة مَا دون مَسَافَة الْقصر سَوَاء كَانَ مستوطنا أَو مُسَافِرًا حَتَّى إِن الآفاقي إِذا جَاوز الْمِيقَات غير مُرِيد نسكا فَلَمَّا دخل مَكَّة عَن لَهُ أَن يعْتَمر ثمَّ يحجّ لم يلْزمه الدَّم وَإِن عَن لَهُ ذَلِك قبل دُخُول مَكَّة على أقل من مَسَافَة الْقصر فَأحْرم بِالْعُمْرَةِ من مَوْضِعه ثمَّ حج فِي تِلْكَ السّنة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يلْزمه كَمَا لَو كَانَ وَطنه ذَلِك الْموضع وَالثَّانِي يلْزمه لِأَن اسْم الْحَاضِر لَا يتَنَاوَلهُ إِلَّا إِذا كَانَ فِي نفس مَكَّة أَو كَانَ متسوطنا حواليها
فرع

لَو كَانَ لَهُ مسكنان أَحدهمَا خَارج عَن مَسَافَة الْقصر فَحكمه حكم الْمسكن الَّذِي أنشأ الْإِحْرَام مِنْهُ إِلَّا إِذا كَانَ سكونه بِأَحَدِهِمَا أَكثر أَو كَانَ أَهله بِأَحَدِهِمَا فَالْعِبْرَة بِهِ
الْقَيْد الثَّانِي أَن يحرم بِالْعُمْرَةِ فِي أشهر الْحَج فَلَو تقدّمت ثمَّ أحرم بِالْحَجِّ

(2/617)


من جَوف مَكَّة كَانَ مُفردا لَا مُتَمَتِّعا وَهل يلْزمه دم الْإِسَاءَة بترك مِيقَات الْحَج فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ لم يُجَاوز الْمِيقَات غير محرم وَالثَّانِي نعم لِأَن مَكَّة لَيْسَ مِيقَات الْحَج فِي حق الآفاقي فعلى هَذَا عَلَيْهِ الْعود إِلَى الْمِيقَات فَإِن لم يفعل لزمَه الدَّم
فَأَما إِذا وَقع بعض الْعمرَة فِي أشهر الْحَج فَإِن لم يسْبق إِلَّا الْإِحْرَام فَفِي كَونه مُتَمَتِّعا وَجْهَان وَإِن سبق بعض الْأَفْعَال فَوَجْهَانِ مرتبان منشؤهما أَن النّظر إِلَى أول الْإِحْرَام أَو آخِره
وَقطع ابْن سُرَيج بِأَنَّهُ لَو دخل شَوَّال وَهُوَ محرم بِالْعُمْرَةِ لم يُفَارق الْمِيقَات بعد فَهُوَ متمتع
الْقَيْد الثَّالِث أَن تقع الْعمرَة وَالْحج فِي سنة وَاحِدَة فَلَو فرغ من الْعمرَة فَأخر الْحَج إِلَى السّنة الثَّانِيَة وَأحرم بِهِ من مَكَّة فَلَا دم عَلَيْهِ إِذْ صَارَت مَكَّة ميقاتا لَهُ وَلَو عزم على الْإِقَامَة ثمَّ حج فِي السّنة الأولى لم يسْقط دم الْمُتَمَتّع فَإِنَّهُ بِالْعُمْرَةِ فِي الْمِيقَات الْتزم الْعود إِلَى الْمِيقَات أَو الدَّم
الرَّابِع أَن لَا يعود إِلَى الْمِيقَات لِلْحَجِّ فَلَو عَاد إِلَيْهِ أَو إِلَى مثل مسافته كَانَ مُفردا وَلَو عَاد إِلَى مِيقَات قرب من ذَلِك الْمِيقَات فَفِي سُقُوط الدَّم وَجْهَان

(2/618)


وَلَو أحرم من مَكَّة ثمَّ عَاد إِلَى الْمِيقَات الأول محرما فَفِي سُقُوط الدَّم قَولَانِ كَمَا فِي دم الْإِسَاءَة
الْخَامِس وُقُوع النُّسُكَيْنِ عَن شخص وَاحِد فالأجير إِذا اعْتَمر من الْمِيقَات لنَفسِهِ وَحج من جَوف مَكَّة لمستأجره فَلَيْسَ بمتمتع لِأَنَّهُ لم يزحم حجا وَاجِبا بِالشَّرْعِ بل بِالْإِجَارَة وَهَذَا الشَّرْط زَاده الخضرى وَمن الْأَصْحَاب من خَالفه وعَلى مذْهبه يعود التَّرَدُّد فِي لُزُوم دم الْإِسَاءَة كَمَا فِي الْمُتَمَتّع إِذا أحرم بِالْعُمْرَةِ قبل شَوَّال وَدم الْإِسَاءَة يُخَالف دم الْمُتَمَتّع فِي صفه الْبَدَل وَفِي أَنه يَعْصِي ملتزمه وَيجب عَلَيْهِ تَدَارُكه عِنْد الْإِمْكَان
السَّادِس نِيَّة التَّمَتُّع وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا تعْتَبر كَمَا فِي الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ حَتَّى لَو كَانَ عِنْد الْإِحْرَام بِالْعُمْرَةِ على عزم أَن لَا يحجّ فِي هَذِه السّنة أَو على عزم أَن يعود إِلَى الْمِيقَات لم يكن نَاوِيا وَالثَّانِي لَا تعْتَبر هَذِه النِّيَّة كَمَا فِي الْقرَان

(2/619)


فَإِن اعْتبرنَا النِّيَّة فَفِي وقته وَجْهَان أَحدهمَا فِي أول إِحْرَام الْعمرَة
وَالثَّانِي أَنه يتمادى إِلَى آخر إِحْرَام الْعمرَة كَمَا فِي الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ
هَذِه شَرَائِط التَّمَتُّع فَلَو جَاوز الْمُتَمَتّع مَكَّة فِي الْإِحْرَام بِالْحَجِّ كَانَ مسيئا ومتمتعا فَيلْزمهُ دمان كَمَا يجب دم الْإِسَاءَة على الْمَكِّيّ إِذا فَارق مَكَّة وَلَا يَكْفِيهِ دم التَّمَتُّع بل ذَلِك لزحمة إِحْرَام الْحَج عَن الْمِيقَات وَدم الْإِسَاءَة لمفارقة مَكَّة فِي إِحْرَام الْحَج مَعَ أَنَّهَا مِيقَاته
فَإِن قيل فَأَي الْجِهَات أفضل قُلْنَا الْإِفْرَاد فَإِنَّهُ يَتَعَدَّد فِيهِ الْمِيقَات وَالْعَمَل وَالْقرَان فِي آخر الرتب إِذْ يتحد فِيهِ الْمِيقَات وَالْعَمَل والتمتع يتحد فِيهِ الْمِيقَات وَلَكِن يَتَعَدَّد الْعَمَل فَهُوَ بَينهمَا وَفِيه قَول أَن التَّمَتُّع أفضل من الْإِفْرَاد لاشْتِمَاله على الدَّم وَحكي قَول آخر أَن الْقرَان أفضل من التَّمَتُّع

(2/620)


ولنذكر الْآن مُوجب الْقرَان والتمتع وَهَذَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب مَا على الْمُتَمَتّع والقارن فِي مَعْنَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
والمتمتع إِن كَانَ مُوسِرًا فَعَلَيهِ إِرَاقَة دم وَقت وُجُوبه الْإِحْرَام بِالْحَجِّ وَله إراقته قبل يَوْم النَّحْر لِأَنَّهُ دم جبران
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يخْتَص بِهِ لِأَنَّهُ دم نسك وقربان وَفِي جَوَاز إراقته قبل الْحَج وَبعد الْعمرَة قَولَانِ أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ كَفَّارَة مَالِيَّة فَيقدم على أحد سببيه ككفارة الْيَمين وَالثَّانِي لَا لِأَن اسْم الْيَمين مُتَحَقق قبل الْحِنْث وَاسم التَّمَتُّع إِلَى الْحَج لَا يتَحَقَّق إِلَّا بعد الْحَج

(2/621)


فَإِن جَوَّزنَا ذَلِك فَفِي جَوَازه قبل التَّحَلُّل عَن الْعمرَة وَجْهَان ومنشؤه أَن السَّبَب الأول يتم بِإِحْرَام الْعمرَة أَو بِتَمَامِهَا
أما الْعَاجِز فَعَلَيهِ صِيَام عشرَة أَيَّام ثَلَاثَة فِي الْحَج وَسَبْعَة فِي الرُّجُوع وَيدخل وَقت الثَّلَاث بِإِحْرَام الْحَج وَلَا يجوز قبله لِأَنَّهَا عبَادَة بدنية فَلَا يجوز تَقْدِيمهَا وَالْأولَى أَن تقدم على يَوْم عَرَفَة إِذْ الصَّوْم مَكْرُوه فِيهِ وَإِن أخر عَن النَّحْر فأيام التَّشْرِيق لَا تقبله كَيَوْم النَّحْر وَفِي الْقَدِيم قَوْله أَنه يقبل فَإِن تَأَخّر عَن أَيَّام التَّشْرِيق صَار قَضَاء وَيلْزمهُ الْقَضَاء خلافًا لأبي حنيفَة وَحكى ابْن سُرَيج قولا يُوَافق مَذْهَب أبي حنيفَة

(2/622)


وَأما السَّبْعَة فَأول وَقتهَا بِالرُّجُوعِ إِلَى الوطن وَهل يجوز فِي الطَّرِيق بعد التَّوَجُّه إِلَى الوطن فِيهِ وَجْهَان وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَول أَن المُرَاد بِالرُّجُوعِ هُوَ الرُّجُوع إِلَى مَكَّة وَقَول آخر أَن المُرَاد بِالرُّجُوعِ الْفَرَاغ من الْحَج وعَلى هَذَا لَا يجوز فِي أَيَّام التَّشْرِيق وَإِن قُلْنَا تقبل الْأَيَّام الثَّلَاثَة لِأَنَّهُ لم يفرغ بعد من الْحَج
وَالْأَيَّام السَّبْعَة لَا آخر لَهَا فَلَا تصير قَضَاء وَإِن فَاتَت الْأَيَّام الثَّلَاثَة حَتَّى رَجَعَ إِلَى الوطن فَعَلَيهِ عشرَة أَيَّام

(2/623)


وَهل يجب التَّفْرِيق بَين الثَّلَاثَة والسبعة فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا نعم كَمَا فِي الْأَدَاء
وَالثَّانِي لَا كَمَا أَن قَضَاء رَمَضَان لَا يجب فِيهِ الْوَلَاء وَإِن كَانَ أَدَاؤُهُ متواليا
فَإِن قُلْنَا يجب فَهَل يَكْفِي يَوْم وَاحِد أم يتَقَدَّر التَّفْرِيق بِالْقدرِ المتخلل فِي الْأَدَاء فِيهِ وَجْهَان

(2/624)


فَإِن قَدرنَا بِهِ فيبتني الْمِقْدَار المتخلل على معرفَة معنى الرُّجُوع وَأَن أَيَّام التَّشْرِيق هَل تقبل الصَّوْم
فَإِن قُلْنَا تقبل وَالْمرَاد بِالرُّجُوعِ الْفَرَاغ فَلَا يَتَخَلَّل بَينهمَا فطر فَهَل يجب التَّفْرِيق فِي الْقَضَاء بِيَوْم فَوَجْهَانِ وَوجه الْإِيجَاب أَن الْحَال قد افترق فِي الْأَدَاء بِوَقع الثَّلَاثَة فِي الْحَج والسبعة بعْدهَا فَلَا بُد فِي الْقَضَاء أَيْضا من فرق بِالزَّمَانِ بَدَلا عَنهُ
ثمَّ الصَّحِيح أَنه إِذا صَامَ أحد عشر يَوْمًا كَفاهُ وَالْيَوْم الرَّابِع لَا يَقع عَن هَذِه الْجِهَة وَوَقع تَطَوّعا وَفِيه وَجه آخر أَنه لَا بُد من الْإِفْطَار فِي الْيَوْم الرَّابِع
فرعان

أَحدهمَا إِن وجد الْهَدْي بعد الشُّرُوع فِي الصَّوْم لم يلْزمه خلافًا للمزني
وَإِن وجد قبله وَبعد إِحْرَام الْحَج ابتنى على أَقْوَال الْكَفَّارَة فِي أَن الِاعْتِبَار بِحَالَة الْأَدَاء أم بِحَالَة الْوُجُوب
الثَّانِي إِذا مَاتَ الْمُتَمَتّع قبل الْفَرَاغ من الْحَج فَهَل نتبين أَنه لم يحصل

(2/625)


التَّمَتُّع قَولَانِ أَحدهمَا نعم لِأَن الْحَج لم يتم وَكَأَنَّهُ لم يحجّ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ بِالشُّرُوعِ يُحَقّق التَّمَتُّع
وَلَو مَاتَ بعد الْفَرَاغ من الْحَج وَقبل الرُّجُوع إِلَى الوطن أخرج الدَّم من تركته فَإِن كَانَ عَاجِزا وَمَات بَرِئت الذِّمَّة لِأَنَّهُ لم يتَمَكَّن فِي السّفر فَهُوَ كَمَا إِذا دَامَ السّفر وَالْمَرَض فِي صَوْم رَمَضَان إِلَى الْمَوْت وَإِن مَاتَ بعد التَّمَكُّن فِي الوطن فَحكم هَذِه الْأَيَّام حكم أَيَّام رَمَضَان حَتَّى يَصُوم عَنهُ وليه أَو يفْدي كل يَوْم بِمد
وَذكر صَاحب التَّقْرِيب قَوْلَيْنِ آخَرين
أَحدهمَا أَنه لَا يُقَاس هَذَا على رَمَضَان فِي الْفِدْيَة وَصَوْم الْوَلِيّ لِأَنَّهُ غير مَعْقُول فِي نَفسه فَلم يرد إِلَّا فِي رَمَضَان
وَالثَّانِي أَنه يرجح إِلَى الدَّم إِن أمكن لِأَن صَوْم رَمَضَان لَيْسَ لَهُ أصل يرجع إِلَيْهِ فعلى هَذَا لَو بَقِي يَوْم وَاحِد أَو يَوْمَانِ فَهُوَ كَمَا لَو حلق شَعْرَة وَاحِدَة أَو شعرتين وَسَيَأْتِي

(2/626)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي أَعمال الْحَج - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
ولنقدم عَلَيْهِ جملها

فالآفاقي إِذا انْتهى إِلَى الْمِيقَات يحرم ويتزيا بزِي المحرمين فَإِذا دخل مَكَّة لم يعزم على شئ حَتَّى يطوف طواف الْقدوم وَلَيْسَ هَذَا الطّواف بِرُكْن ثمَّ إِن شَاءَ يسْعَى بعده فَيَقَع السَّعْي ركنا إِذْ لَيْسَ تَأْخِيره عَن الْوُقُوف شرطا فِي كَونه ركنا بِخِلَاف الطّواف ثمَّ يصبر إِلَى الْيَوْم السَّابِع من ذِي الْحجَّة فيخطب بهم الإِمَام ويوصيهم بالبكور يَوْم التَّرويَة إِلَى مني وبالنهوض إِلَى عَرَفَة فيمتدون يَوْم التَّرويَة إِلَى مني ويبيتون لَيْلَة عَرَفَة بهَا وَذَلِكَ مبيت منزل وَعَادَة لَا مبيت نسك ثمَّ يُصْبِحُونَ يَوْم عَرَفَة متوجهين إِلَيْهَا فيوافونها قبل الزَّوَال ويشتغلون بِالدُّعَاءِ ويقبضون مِنْهَا عِنْد الْغُرُوب إِلَى مُزْدَلِفَة وَيصلونَ الْمغرب مَعَ الْعشَاء ويبيتون بهَا وَهَذَا الْمبيت نسك ثمَّ يصلونَ الصُّبْح يَوْم النَّحْر مغلسين ويتوجهون إِلَى منى وعَلى طريقهم الْمشعر الْحَرَام فَإِذا انْتَهوا إِلَيْهِ وقفُوا إِلَى الْإِسْفَار ثمَّ يجاوزونه إِلَى وَادي محسر فيسرعون فِيهَا عدوا وركضا ثمَّ يوافون منى عِنْد طُلُوع الشَّمْس ويرمون

(2/627)


ويحلقون ويذبحون ثمَّ يقبضون إِلَى مَكَّة ويطوفون طواف الرُّكْن وَيُسمى طواف الْإِفَاضَة والزيارة ثمَّ ينطلقون إِلَى منى للمبيت وَالرَّمْي فِي أَيَّام التَّشْرِيق فَإِذا فرغوا عَادوا إِلَى مَكَّة وطافوا طواف الْوَدَاع وَانْصَرفُوا
وَفِي الْحَج أَربع خطب يَوْم السَّابِع من ذِي الْحجَّة وَيَوْم عَرَفَة وَيَوْم النَّحْر وَيَوْم النَّفر الأول وكل ذَلِك بعد صَلَاة الظّهْر وإفراد إِلَّا يَوْم عَرَفَة فَإِنَّهُ يخْطب خطبتين بعد الزَّوَال وَقبل الظّهْر
هَذِه جملها أما التَّفْصِيل فَفِيهِ اثْنَا عشر فصلا

(2/628)


الْفَصْل الأول فِي الْإِحْرَام

وَهُوَ عندنَا مُجَرّد النِّيَّة من غير حَاجَة إِلَى تَلْبِيَة خلافًا لأبي حنيفَة وَحكي قَول قديم مثل مذْهبه
ثمَّ النِّيَّة لَهَا ثَلَاثَة أوجه

الأول التَّفْصِيل فَإِذا نوى حجا أَو عمْرَة أَو قرانا قَضَاء كَانَ أَو نذرا أَو تَطَوّعا كَانَ كَمَا نوى إِلَّا إِذا غير التَّرْتِيب بِتَأْخِير فرض الْإِسْلَام أَو تَأْخِير الْفَرْض عَن النَّفْل
وَلَو أهل بحجتين أَو عمرتين مَعًا أَو متلاحقا لَغَا أَحدهمَا وَلم تلْزمهُ الزِّيَادَة على الْوَاحِد وَقَالَ أَبُو حنيفَة ينعقدان ثمَّ ينْتَقل أَحدهمَا عِنْد الِاشْتِغَال بِالْعَمَلِ إِلَى الذِّمَّة
الْوَجْه الثَّانِي الْإِطْلَاق فَإِذا نوى إحراما مُطلقًا مهما شَاءَ جعله حجا أَو عمْرَة أَو قرانا وَلَا يتَعَيَّن بِمُجَرَّد الِاشْتِغَال بِالطّوافِ للْعُمْرَة وَلَا بِالْوُقُوفِ لِلْحَجِّ بل لَا بُد من نِيَّة الصّرْف خلافًا لأبي حنيفَة
وَلَو أحرم مُطلقًا قبل الْأَشْهر ثمَّ عين لِلْحَجِّ بعد الْأَشْهر لم يجز على الْمَذْهَب

(2/629)


وَلَو أحرم بِالْعُمْرَةِ قبل الْأَشْهر ثمَّ أَدخل الْحَج عَلَيْهَا بعد الْأَشْهر للقران فَوَجْهَانِ وَوجه الْمَنْع أَن الْإِحْرَام للقران كالمتحد فَلَا يَنْبَغِي أَن يقدم على الْأَشْهر
الْوَجْه الثَّالِث الْإِبْهَام فَإِذا قَالَ أَهلَلْت بإهلال كإهلال زيد صَحَّ إِذا أهل عَليّ بإهلال كإهلال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثمَّ إِن لم يكن زيد محرما انْعَقَد لَهُ إِحْرَام مُطلق وَإِن عرف أَنه لَيْسَ محرما بِأَن كَانَ مَيتا فَفِي انْعِقَاد أصل الْإِحْرَام وَجْهَان وَجه الِانْعِقَاد إِلْغَاء الْإِضَافَة وإبقاء الأَصْل
وَقد نَص فِي الْأُم على أَنه لَو أحرم عَن مستأجرين تَعَارضا وتساقطا وانعقد عَن الْأَجِير وَلَو أحرم عَن نَفسه وَعَن الْمُسْتَأْجر فَكَذَلِك إِذْ بَطل التَّفْصِيل وَبَقِي أصل الْإِحْرَام

(2/630)


أما إِذا كَانَ زيد محرما فَلهُ ثَلَاثَة أَحْوَال
إِحْدَاهَا أَن يكون إِحْرَامه مفصلا فَينزل إِحْرَام الْمُعَلق عَلَيْهِ قرانا كَانَ أَو إفرادا
الثَّانِيَة أَن يكون إِحْرَام زيد مُطلقًا فإحرام الْمُعَلق أَيْضا مُطلق وَإِلَيْهِ الْخيرَة فِي التَّعْيِين وَلَا يلْزمه اتِّبَاع زيد فِيمَا يستأنفه من التَّعْيِين فَأَما مَا فَصله قبل تَعْيِينه فَفِي لُزُومه وَجْهَان ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى أول الْإِحْرَام وَكَانَ مُطلقًا وَفِي الثَّانِي إِلَى الْحَالة الْمَوْجُودَة عِنْد التَّعْلِيق وَكَانَ مفصلا وَكَذَا إِذا كَانَ أحرم أَولا بِعُمْرَة ثمَّ أَدخل الْحَج عَلَيْهِ
الثَّالِثَة أَن يُصَادف زيدا مَيتا بعد الْإِحْرَام وَتعذر مُرَاجعَته فهم كَمَا لَو نسي الرجل مَا أحرم بِهِ وَكَانَ قد أحرم مفصلا وَفِيه قَولَانِ
الْقَدِيم أَن يجْتَهد وَيَأْخُذ بغالب الظَّن كَمَا فِي الْقبْلَة إِن كَانَ لَهُ ظن غَالب
والجديد الصَّحِيح أَنه يلْزمه الْبناء على الْيَقِين وَطَرِيقه أَن يَجْعَل نَفسه قَارنا فَإِذا فرغ من الْحَج بَرِئت ذمَّته من الْحَج بِيَقِين لِأَنَّهُ إِن كَانَ مُعْتَمِرًا أَولا فقد أَدخل الْحَج عَلَيْهِ وتبرأ ذمَّته عَن الْعمرَة أَيْضا بِيَقِين إِلَّا إِذا منعنَا إِدْخَال الْعمرَة على الْحَج فَيحْتَمل أَن يكون إِحْرَامه أَولا بِالْحَجِّ

(2/631)


وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق إِنَّه يبرأ عَن الْعمرَة وَيكون هَذَا عذرا فِي جَوَاز إِدْخَال الْعمرَة فِي الْحَج كَمَا أَن التَّرَدُّد فِي النِّيَّة عِنْد نِسْيَان صَلَاة من الصَّلَوَات الْخمس عذر فِي إِجْزَاء الصَّلَاة فَإِن قُلْنَا تَبرأ عَن الْعمرَة لزمَه دم الْقرَان وَإِلَّا فَلَا يلْزمه لِأَن الْقرَان مَشْكُوك فِيهِ فَأَما إِذا طَاف أَولا ثمَّ شكّ فَيمْنَع إِدْخَال الْحَج لَو كَانَ مُعْتَمِرًا فِي علم الله فَلَا يَكْفِيهِ الْقرَان بل طَرِيقه أَن يسعي ويحلق ويبتدأ إحراما بِالْحَجِّ من جَوف مَكَّة ويتممه فتبرأ ذمَّته عَن الْحَج بِيَقِين لِأَنَّهُ إِن كَانَ حَاجا فغايته حلق فِي غير أَوَانه وَفِيه دم وَإِن كَانَ مُعْتَمِرًا فقد تحلل بِالْحلقِ وَالسَّعْي وَأَنْشَأَ بعده حجا فَصَارَ مُتَمَتِّعا وَفِيه دم وَلَا تَبرأ ذمَّته عَن الْعمرَة لاحْتِمَال أَن الأول كَانَ حجا وَالدَّم لَا بُد مِنْهُ وَلكنه لَا يدْرِي أهوَ دم حلق أم دم تمتّع وَتَعْيِين جِهَة الْكَفَّارَات فِي النِّيَّة لَيْسَ شرطا فَلَا يضر التَّرَدُّد نعم لَو كَانَ مُعسرا فبدل الْفِدْيَة ثَلَاثَة أَيَّام وَبدل التَّمَتُّع عشرَة أَيَّام فَإِن أَتَى بِالثلَاثِ فَهَل تَبرأ ذمَّته فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا نعم لِأَن الزَّائِد غير مستيقن فَلَا يُوجِبهُ
وَالثَّانِي لَا لِأَن شغل الذِّمَّة بِالصَّوْمِ مستيقن والبراءة بِهَذَا الْقدر غير مستيقن
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ الْحلق لَا نأمره بِهِ لاحْتِمَال أَنه حَاج وَالْحلق فِي غير

(2/632)


أَوَانه محرم إِلَّا بأذى من نفس الشّعْر والأذى هَاهُنَا من النسْيَان نعم لَو بَادر فحلق كَانَ حكمه مَا ذَكرْنَاهُ وَالْأَظْهَر أَنه يُؤمر بِهِ لِأَن هَذَا الضَّرَر أعظم من أَذَى الشّعْر إِذْ يُؤدى إِلَى فَوَات الْحَج لَو لم يفعل ذَلِك

(2/633)


الْفَصْل الثَّانِي فِي سنَن الْإِحْرَام وَهِي خمس

الأولى الْغسْل للْإِحْرَام تنظيفا حَتَّى يسن للحائض وَالنُّفَسَاء فَإِن لم يجد المَاء يتَيَمَّم كَسَائِر أَنْوَاع الْغسْل
قَالَ فِي الْأُم يغْتَسل الْحَاج لسبعة مَوَاطِن للْإِحْرَام وَدخُول مَكَّة وَالْوُقُوف بِعَرَفَة وَالْوُقُوف بِمُزْدَلِفَة ولرمي الْجمار الثَّلَاث لِأَن هَذِه الْمَوَاضِع يجْتَمع لَهَا النَّاس فَيُسْتَحَب لَهَا الِاغْتِسَال كَالْجُمُعَةِ وَلَا يغْتَسل لرمي جَمْرَة الْعقبَة لِأَن وقته من نصف اللَّيْل إِلَى آخر النَّهَار فَلَا يجْتَمع لَهَا النَّاس فِي وَقت وَاحِد وأضاف إِلَيْهَا فِي الْقَدِيم الْغسْل لطواف الزِّيَارَة وَطواف الْوَدَاع لِأَن النَّاس يَجْتَمعُونَ لَهما وَلم يسْتَحبّ فِي الْجَدِيد لِأَن وقتهما يَتَّسِع فَلَا يتَّفق الِاجْتِمَاع
الثَّانِيَة التَّطَيُّب للْإِحْرَام مُسْتَحبّ قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا طيبت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لإحرامه قبل أَن يحرم ولحله قبل أَن يطوف وَرَأَيْت وبيص الْمسك فِي مفارقه بعد الْإِحْرَام

(2/634)


وَذَلِكَ يدل على أَن التَّطَيُّب مِمَّا يبقي جرمه جَائِز خلافًا لأبي حنيفَة
أما تطييب ثوب الْإِحْرَام قصدا فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا الْجَوَاز قِيَاسا على الْبدن
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ رُبمَا ينْزع الثَّوْب فِي وَقت الْغسْل ثمَّ يُعِيدهُ إِلَى الْبدن فَيكون تطييبا مستأنفا
وَالثَّالِث أَنه يجوز تطييبه مِمَّا لَا يبْقى لَهُ جرم مشَاهد
فَإِن قُلْنَا يجوز فَلَو نزع بعد الْإِحْرَام وَأعَاد فَفِي لُزُوم الْفِدْيَة وَجْهَان وَلَو تنحى جرم الطّيب بالعرق من بدنه فَلَا فديَة على أظهر الْوَجْهَيْنِ لِأَن ذَلِك لَا يُمكن الِاحْتِرَاز عَنهُ وَمِنْهُم من قَالَ يجب إِن لم يُبَادر إِلَى إِزَالَته
وَيسْتَحب الاختضاب للْمَرْأَة تعميما لليد لَا تطريفا وتزينا

(2/635)


وَيسْتَحب لَهَا ذَلِك فِي كل حَال ليستر بَشرَتهَا عَن الْأَعْين
الثَّالِثَة أَن يتجرد عَن الْمخيط فِي إِزَار ورداء أبيضين ونعلين لِأَن أحب الثِّيَاب إِلَى الله الْبيض
الرَّابِعَة أَن يُصَلِّي رَكْعَتي الْإِحْرَام ثمَّ يحرم فِي مُصَلَّاهُ بعد السَّلَام قَاعِدا
وَقَالَ فِي الْجَدِيد لَا يهل حَتَّى تنبعث بِهِ دَابَّته ليَكُون الْعَمَل مَقْرُونا بالْقَوْل
الْخَامِسَة أَن لَا يقْتَصر على مُجَرّد النِّيَّة وَلكنه يُلَبِّي عِنْد النِّيَّة بِلِسَانِهِ فَيَقُول لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك لَا شريك لَك لبيْك إِن الْحَمد وَالنعْمَة لَك وَالْملك لَا شريك

(2/636)


لَك وَيُصلي على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعده وَإِذا رأى شَيْئا فأعجبه قَالَ لبيْك إِن الْعَيْش عَيْش الْآخِرَة ويجدد التَّلْبِيَة فِي طريان التغايير وَفِي كل صعُود وهبوط وَفِي أدبار الصَّلَوَات وإقبال اللَّيْل وَالنَّهَار وَيسْتَحب فِي مَسْجِد مَكَّة منى وعرفات وَفِيمَا عَداهَا قَولَانِ الْجَدِيد أَنه يُلَبِّي فِي كل مَسْجِد
وَفِي حَال الطّواف قَولَانِ وَالْقَدِيم أَنه يُلَبِّي ويخفض صَوته
وَقَالَ فِي الْأُم لَا يُلَبِّي لِأَن للطَّواف ذكرا يخْتَص بِهِ وَيسْتَحب رفع الصَّوْت بِالتَّلْبِيَةِ لكل أحد إِلَّا النِّسَاء وَفِي كل مَكَان إِلَّا فِي الْمَسَاجِد وَقيل إِنَّه يسْتَحبّ الرّفْع أَيْضا وَإِنَّمَا يجْتَنب فِي الْمَسْجِد رفع الصَّوْت بِغَيْر الْأَذْكَار

(2/637)


الْفَصْل الثَّالِث فِي سنَن دُخُول مَكَّة وَهِي أَرْبَعَة

الأولى أَن يغْتَسل بِذِي طوى وَلَا يقنع بِمَا سبق من غسل الْإِحْرَام
الثَّانِيَة أَن يدْخل مَكَّة من ثنية كداء بِفَتْح الْكَاف وَهِي ثنية فِي أَعلَى مَكَّة وَيخرج مِنْهُ ثنية كدى بِضَم الْكَاف وَهِي فِي أَسْفَلهَا
وَقيل إِنَّه لَا نسك فِيهِ لِأَنَّهُ وَقع على طَرِيق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يقْصد الْعُدُول إِلَيْهِ
الثَّالِثَة إِذا وَقع بَصَره على الْكَعْبَة عِنْد رَأس الرَّدْم فليقف وَليقل اللَّهُمَّ زد هَذَا

(2/638)


الْبَيْت تَشْرِيفًا وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من شرفه أَو عظمه مِمَّن حجه أَو اعتمره تَعْظِيمًا وتشريفا وتكريما وَبرا وَيَقُول بعد هَذِه اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام ومنك السَّلَام فحينا رَبنَا بِالسَّلَامِ ثمَّ يَدْعُو بِمَا أحب
الرَّابِعَة أَن يدْخل الْمَسْجِد من بَاب بني شيبَة فيؤم الرُّكْن الْأسود من الْبَيْت وَقد عدل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بَاب بني شيبَة وَلم يكن على طَرِيقه فَدلَّ على كَونه سنة
فَإِن قيل من دخل مَكَّة غير محرم هَل يَعْصِي قُلْنَا إِن كَانَ مرِيدا نسكا فَلَا بُد من إِحْرَامه فِي الْمِيقَات وَإِن دخل لتِجَارَة اسْتحبَّ وَفِي الْوُجُوب قَولَانِ أَحدهمَا يجب

(2/639)


لِاتِّفَاق الْخلق عَلَيْهِ عملا وَالثَّانِي لَا لِأَن سَبيله سَبِيل تَحِيَّة الْمَسْجِد
وَهَذَا فِي الْغَرِيب أما الحطابون وَأَصْحَاب الروايا والمترددون إِلَى مَكَّة فِي مصالحهم لَا يلْزمهُم للْحَاجة وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ وَقيل يلْزمهُم فِي السّنة مرّة وَاحِدَة وَهُوَ بعيد
فَإِن ألزمنا الْغَرِيب فَترك فَفِي وجوب الْقَضَاء قَولَانِ أَحدهمَا لَا يجب لِأَن عوده يَقْتَضِي إحراما آخر أَدَاء وَالثَّانِي يجب وَيجب فِي الْعود إِحْرَام مَقْصُود لَهُ وَفِي الِابْتِدَاء كَانَ يلقِي إِحْرَام عَن نذر أَو قَضَاء أَو غَيره

(2/640)


هَذَا فِي الْأَحْرَار أما العبيد فَلَا إِحْرَام عَلَيْهِم سَوَاء دخلوها بِإِذن السَّادة أَو بِغَيْر إذْنهمْ فَإِن أذن السَّيِّد فِي الدُّخُول بِالْإِحْرَامِ لم يلْزم على أحد الْوَجْهَيْنِ كَمَا إِذا أذن فِي حُضُور الْجُمُعَة

(2/641)


الْفَصْل الرَّابِع فِي الطّواف

فَإِذا دخل من بَاب بني شيبَة فليتوجه إِلَى الرُّكْن الْأسود وليستلمه وليجعل الْبَيْت على يسَاره وَيَطوف إِلَى أَن يعود إِلَى الْحجر سبع مَرَّات وَهَذَا طواف الْقدوم
وَالنَّظَر فِي الطّواف فِي واجباته وسننه وأقسامه
أما الْوَاجِبَات فثمانية

الأول شَرَائِط الصَّلَاة من طَهَارَة الْحَدث والخبث وَستر الْعَوْرَة والقرب من الْبَيْت بدل عَن الِاسْتِقْبَال قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة إِلَّا أَن الله أَبَاحَ فِيهِ الْكَلَام وطهارة المطاف الذى يمشى عَلَيْهِ كطهارة مَكَان الصَّلَاة
الثَّانِي التَّرْتِيب وَهُوَ أَن يبتدي بِالْحجرِ الْأسود وَيجْعَل الْبَيْت على يسَاره فَلَو

(2/642)


جعل الْبَيْت على يَمِينه لم يحْسب وَإِن استقبله تردد فِيهِ الْقفال وَلَو ابْتَدَأَ بِغَيْر الْحجر الْأسود لم يعْتد بطوافه إِلَى أَن يَنْتَهِي إِلَى الْحجر فَمِنْهُ يسْتَأْنف الإحتساب وبنبغي أَن يبتدأ بِحَيْثُ يمر بِجَمِيعِ بدنه على جَمِيع الْحجر الْأسود فَإِن حاذاه بِبَعْض بدنه ثمَّ اجتاز فَوَجْهَانِ يقربان مِمَّا إِذا اسْتقْبل بِبَعْض بدنه طرف الْبَيْت وَصلى
الثَّالِث أَن يكون بِجَمِيعِ بدنه خَارِجا عَن كل الْبَيْت فَلَا يطوف فِي الْبَيْت فَلَو مَشى على شاذروان الْبَيْت وَهُوَ عرض أساسه كَانَ طَائِفًا بِالْبَيْتِ لِأَنَّهُ بِالْبَيْتِ وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ الْمُزنِيّ التأزير بِمَعْنى التأسيس فَقيل التأزير مَأْخُوذ من الإزر

(2/643)


وَلَو مشي على الأَرْض وَأدْخل يَده فِي موازاة الشاذوران بِحَيْثُ كَانَ يمس الْجِدَار فيده فِي الْبَيْت وَلَكِن مُعظم بدنه خَارج فَيصح على الْأَظْهر
وَلَو دخل فَتْحة الْحجر من جَانب وَخرج من الْجَانِب الآخر لم يعْتد بِهَذَا الشوط إِلَى أَن يعود إِلَى الفتحة الأولى فيدور على محوط الْحجر لِأَن سِتَّة أَذْرع من محوط الْحجر كَانَ من الْبَيْت فَأخْرج مِنْهُ لما قصرت النَّفَقَة عِنْد الْعِمَارَة

(2/644)


الرَّابِع أَن يطوف دَاخل الْمَسْجِد فَلَو طَاف خَارج الْمَسْجِد لم يجز وَلَو وسع الْمَسْجِد يجوز الطّواف فِي أقصي الْمَسْجِد لِأَن الْقرب مُسْتَحبّ لَا وَاجِب وَيصِح الطّواف على سطوح الْمَسْجِد وَفِي أروقته
الْخَامِس الْمُوَالَاة وَالصَّحِيح أَنه لَا يشْتَرط بل هُوَ من السّنَن وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ كَمَا فِي الطَّهَارَة وَلَو أحدث فِي خلله فجدد الْوضُوء وَبنى فحاصل الْمَذْهَب ثَلَاثَة أَقْوَال أَصَحهَا الْجَوَاز وَالثَّانِي لَا لاشْتِرَاط الْمُوَالَاة وَالثَّالِث أَنه إِن تعمد لم يجز وَإِن كَانَ سَهوا جَازَ
السَّادِس رِعَايَة الْعدَد فَلَو اقْتصر على سِتَّة أَشْوَاط لم يجز وَقَالَ أَبُو حنيفَة تقوم الْأَرْبَعَة مقَام الْكل
السَّابِع رَكْعَتَانِ عِنْد الْمقَام عقيب الطّواف وَيقْرَأ فِي إِحْدَاهمَا قل يَا أَيهَا

(2/645)


الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّانِيَة الْإِخْلَاص فهما مشروعتان وليستا من الْأَذْكَار كالأشواط وَفِي وجوبهما قَولَانِ وَالصَّحِيح أَنه لَيْسَ بِشَرْط فِي الطّواف الْمسنون ومأخذ الْوُجُوب تطابق النَّاس على فعله وَتَركه لَا يجْبر بِالدَّمِ فَإِنَّهُ لَا يفوت إِذْ يجوز أداؤهما بعد الرُّجُوع إِلَى الوطن نعم لَو مَاتَ فينقدح أَن يجْبر بِالدَّمِ كَسَائِر الْوَاجِبَات
الثَّامِن النِّيَّة وَفِيه ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه تشْتَرط لِأَنَّهَا فِي حكم عبَادَة وَإِن كَانَ ركنا فِي الْحَج
وَالثَّانِي لَا يشْتَرط لِأَن وُقُوعه ركنا بعد الْوُقُوف مُتَعَيّن حَتَّى لَو طَاف بِهِ

(2/646)


دَابَّته وَهُوَ غافل أَو طَاف فِي طلب غَرِيم أَجزَأَهُ
وَالثَّالِث أَنه يُجزئ إِلَّا إِذا صرفه إِلَى طلب غَرِيم أَو غَرَض آخر وَهَذَا فِي ركن الْحَج أما الطّواف ابْتِدَاء فعبادة مفتقرة إِلَى النِّيَّة
أما السّنَن فَهِيَ خَمْسَة

الأولى أَن يطوف مَاشِيا لَا رَاكِبًا وَإِنَّمَا ركب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليظْهر فيستفتى فَلَا بَأْس فِي الرّكُوب لمن هُوَ فِي مثل هَذَا الْحَال
الثَّانِيَة الاستلام وَهُوَ أَن يقبل الْحجر فِي أول الطّواف وَفِي آخِره بل فِي

(2/647)


كل نوبَة فَإِن عجز فَفِي كل وتر فَإِن عجز بالزحمة مَسّه بِالْيَدِ ثمَّ قبل الْيَد أَو قبل الْيَد ثمَّ مَسّه فَإِن بعد بالزحمة أَشَارَ بِالْيَدِ فَإِذا انْتهى إِلَى الرُّكْن الْيَمَانِيّ خصصه بالمس وَقَبله لِأَنَّهُ الْبَاقِي على قَوَاعِد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام من جملَة الْأَركان وَقد قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِن الْحجر الْأسود ليَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة وَله لِسَان ذلق يشْهد لمن قبله
الثَّالِثَة الدُّعَاء وَهُوَ أَن يَقُول عِنْد ابْتِدَاء الطّواف بِسم الله وَالله أكبر اللَّهُمَّ إِيمَانًا بك وَتَصْدِيقًا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ
الرَّابِعَة الاضطباع وَصورته أَن يَجْعَل وسط إزَاره فِي إبطه الْيُمْنَى

(2/648)


ويعري عَنهُ مَنْكِبه الْأَيْمن وَيجمع طرفِي الْإِزَار على عَاتِقه الْأَيْسَر كدأب أهل الشطارة وَذَلِكَ فِي طواف فِيهِ رمل ثمَّ قيل إِنَّه يديم هَذِه الْهَيْئَة إِلَى آخر الطّواف وَقيل إِلَى آخر السَّعْي
الْخَامِسَة الرمل وَهُوَ السرعة فِي الْمَشْي مثل الخبب أَو دونه فِي ثَلَاثَة أَشْوَاط فِي أول الطّواف والسكينة مُسْتَحبَّة فِي الْأَرْبَعَة الْأَخِيرَة يسْتَحبّ الرمل على جَمِيع أَرْكَان الْبَيْت إِذْ نقل أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يرمل من الْحجر إِلَى الْحجر

(2/649)


وَقيل بترك الرمل بَين الرُّكْن الْيَمَانِيّ وَالْحجر فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام هَكَذَا فعل إِذْ كَانَت الْكَعْبَة حائلة بَينه وَبَين الْكفَّار فَإِنَّهُ كَانَ يرمل ليظْهر الجلادة للْكفَّار وَيدْفَع طمعهم عَن استلانة جانبهم وَكَانَ يسكن حِين يغيب من أَبْصَارهم
وَهَذَا وَإِن كَانَ على سَبَب فقد بَقِي مَعَ زَوَال السَّبَب تبركا بالتشبه بِهِ كَمَا قيل إِن سَبَب رمي الْجمار رمي إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام الْحِجَارَة إِلَى ذبيح استعصى عَلَيْهِ فَصَارَ ذَلِك شرعا ومبنى الْعِبَادَات التأسي

(2/650)


فرعان

أَحدهمَا الْقرب من الْبَيْت مُسْتَحبّ فِي الطّواف مَعَ الرمل فَإِن عجز عَن الرمل من الْقرب للزحمة فالرمل فِي الْبعد أولى وَإِن وَقع فِيمَا بَين النِّسَاء فالسكينة أولى من الرمل احْتِرَازًا عَن مصادمتهن
الثَّانِي لَو ترك الرمل فِي الأشواط الأول فَلَا قَضَاء فِي الْأَخير لِأَن السكينَة مَشْرُوعَة فِي الْأَخير فَهُوَ كَمَا لَو ترك الْجَهْر فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين فَلَا يقْضِي فِي الْأَخير وَلَو ترك سُورَة الْجُمُعَة فِي الرَّكْعَة الأولى قَضَاهَا فِي الثَّانِيَة مَعَ سُورَة الْمُنَافِقين لِأَن الْجمع مُمكن
وَلَو لم يتَمَكَّن من الرمل للزحمة فَحسن أَن يُشِير بمحاولة الرمل متشبها
وَيسْتَحب أَن يَقُول فِي الرمل اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا
ثمَّ لَا خلاف أَن الرمل لَا يسْتَحبّ فِي كل طواف بل فِي قَول لَا يسْتَحبّ إِلَّا

(2/651)


فِي طواف الْقدوم وَفِي قَول لَا يسْتَحبّ إِلَّا فِي طواف بعد سعي
فرع

إِذا أحرم عَن الصَّبِي وليه وَحمله وَطَاف بِهِ أَجْزَأَ عَنهُ إِلَّا إِذا كَانَ الْوَلِيّ محرما وَلم يطف عَن نَفسه طواف الرُّكْن فَإِنَّهُ ينْصَرف إِلَى الْحَامِل نعم لَو قصد بِهِ الْمَحْمُول فَهُوَ كَمَا لَو قصد بطوافه طلب الْغَرِيم وَلَو حمل صبيين وَطَاف بهما حصل لَهما الطّواف جَمِيعًا كَمَا إِذا ركب محرمان دَابَّة وَاحِدَة فالحركة الْوَاحِدَة تَكْفِي للمحمولين وَلَا تَكْفِي للحامل والمحمول

(2/652)


الْفَصْل الْخَامِس فِي السَّعْي

فَإذْ فرغ عَن رَكْعَتي الطّواف اسْتَلم الْحجر وَخرج من بَاب الصَّفَا ورقي الصَّفَا بِمِقْدَار قامة الرجل وَيسْتَقْبل الْكَعْبَة حَتَّى يَقع بَصَره عَلَيْهَا وَيَقُول الله أكبر الله أكبر لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد يحيى وَيُمِيت وَهُوَ حَيّ لَا يَمُوت بِيَدِهِ الْخَيْر وَهُوَ على كل شئ قدير لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده أنْجز وعده وَنصر عَبده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده لَا إِلَه إِلَّا الله وَلَا نعْبد إِلَّا إِيَّاه مُخلصين لَهُ الدّين وَلَو كره الْكَافِرُونَ
فَإذْ فرغ من الدُّعَاء نزل من الصَّفَا وَمَشى حَتَّى يكون بَينه وَبَين الْميل الْأَخْضَر الْمُعَلق بِفنَاء الْمَسْجِد نَحْو سِتَّة أَذْرع فيسعى سعيا شَدِيدا حَتَّى يُحَاذِي الميلين الأخضرين اللَّذين هما بِفنَاء الْمَسْجِد وحذاء دَار الْعَبَّاس

(2/653)


ثمَّ مَشى حَتَّى يصعد الْمَرْوَة وصعدها ودعا كَمَا دَعَا على الصَّفَا فيفعل ذَلِك سبع مَرَّات وَيَقُول فِي أثْنَاء السَّعْي رب اغْفِر وَارْحَمْ وَتجَاوز عَمَّا تعلم إِنَّك أَنْت الْأَعَز الأكرم كل ذَلِك مأثور عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قولا وفعلا وَالْوَاجِب من هَذِه الْجُمْلَة السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة سبع مَرَّات
وَقَالَ أَبُو بكر الصَّيْرَفِي الذّهاب والمجيء مرّة وَاحِدَة فَيحْتَاج إِلَى التَّرَدُّد أَربع عشرَة مرّة والبداية بالصفا وَاجِب وَوُقُوع السَّعْي بعد طواف مَا وَاجِب ثمَّ إِن سعى بعد طواف الْقدوم وَقع ركنا عَن الْحَج وَلَا يسْتَحبّ لَهُ الْإِعَادَة عقيب طواف الْإِفَاضَة لِأَن السَّعْي لَيْسَ عبَادَة بِنَفسِهِ فَلَا يُكَرر كالوقوف بِخِلَاف الطّواف

(2/654)


وَلَو تخَلّل بَين طواف الْقدوم وَالسَّعْي زمَان فَلَا بَأْس وَيَقَع ركنا وَإِن تخَلّل الْوُقُوف بِعَرَفَة فَفِيهِ تردد لِأَن الْوُقُوف كالحاجز وَلَا يشْتَرط فِي السَّعْي الطَّهَارَة وشروط الصَّلَاة بِخِلَاف الطّواف وَالرُّكُوب فِيهِ كالركوب فِي الطّواف

(2/655)


الْفَصْل السَّادِس فِي الْوُقُوف بِعَرَفَة

فَإِذا فرغ من طواف الْقدوم صَبر إِلَى السَّابِع من ذِي الْحجَّة فيخطب الإِمَام بعد الظّهْر بِمَكَّة وَيَأْمُرهُمْ بِالْغُدُوِّ إِلَى منى ويخبرهم بمناسكهم ثمَّ يخرج إِلَى منى فِي الْيَوْم الثَّامِن ويبيت بهَا تِلْكَ اللَّيْلَة وَلَا نسك فِي هَذَا الْمبيت فَإِذا طلعت الشَّمْس سَار إِلَى الْموقف وخطب بعد الزَّوَال خطْبَة خَفِيفَة وَيجْلس ثمَّ يقوم إِلَى الثَّانِيَة وَيبدأ الْمُؤَذّن بِالْأَذَانِ حَتَّى يكون فرَاغ الإِمَام بعد فرَاغ الْمُؤَذّن ثمَّ يُصَلِّي الظّهْر وَالْعصر جمعا ثمَّ يروح إِلَى عَرَفَة وَيقف عِنْد الصخرات ويستقبلون الْقبْلَة ويكثرون فِي الدُّعَاء
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام أفضل مَا دَعوته ودعا الْأَنْبِيَاء قبلي يَوْم عَرَفَة لَا إِلَه إِلَّا الله

(2/656)


وَحده لَا شريك لَهُ وَيسْتَحب رفع الْيَد فِي الدُّعَاء وَقَالَ فِي الْقَدِيم وَالْوُقُوف رَاكِبًا أفضل تأسيا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وليكون أقوى على الدُّعَاء كَمَا أَن الْإِفْطَار أفضل
وَقَالَ فِي الْأُم النَّازِل والراكب سَوَاء
ثمَّ إِذا غربت عَلَيْهِم الشَّمْس أفاضوا مِنْهَا إِلَى مُزْدَلِفَة وَيصلونَ بهَا الْمغرب وَالْعشَاء وَالْوَاجِب من جَمِيع ذَلِك الْحُضُور فِي طرف من أَطْرَاف عَرَفَة وَلَو مَعَ الْغَفْلَة وَفِي النّوم إِذا سَارَتْ بِهِ دَابَّته وَلَا يَكْفِي حُضُور الْمغمى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهلا

(2/657)


لِلْعِبَادَةِ
وَوقت الْوُقُوف بعد زَوَال يَوْم عَرَفَة إِلَى طُلُوع الْفجْر يَوْم النَّحْر وَمن فَاتَهُ ذَلِك فقد فَاتَهُ الْحَج فَإِن الْحَج عَرَفَة وَقيل إِن اللَّيْل لَيْسَ وقتا وَقيل إِنَّه وَقت إِلَّا أَنه لَو أخر الْإِحْرَام إِلَى اللَّيْل لم يحز وَلَو أحرم نَهَارا ووقف لَيْلًا جَازَ وَالصَّحِيح أَن وَقت الْإِحْرَام وَالْوُقُوف بَاقٍ إِلَى طُلُوع الْفجْر
فروع ثَلَاثَة

الأول فِي وجوب الْجمع بَين اللَّيْل وَالنَّهَار قَولَانِ ومستند وُجُوبه الْعَادة
فَإِن قُلْنَا بِهِ فَلَو فَارق عَرَفَة نَهَارا وَعَاد قبل غرُوب الشَّمْس فقد تدارك وَإِن عَاد لَيْلًا وَلم يكن عِنْد الْغُرُوب حَاضرا فَوَجْهَانِ وَيرجع الْخلاف إِلَى أَن الْحُضُور عِنْد الْغُرُوب هَل هُوَ وَاجِب وَمهما رَأَيْنَاهُ وَاجِبا جبر تَركه بِالدَّمِ بِخِلَاف أصل الْوُقُوف
الثَّانِي الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَة ومزدلفة فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه بعلة

(2/658)


النّسك فَيجوز للعرفي والمكي أَيْضا وَالثَّانِي أَنه بعلة السّفر الطَّوِيل فَلَا يجوز لَهما جَمِيعًا وَالثَّالِث أَنه بعلة أصل السَّعْي فَيجوز للمكي دون الْعرفِيّ
الثَّالِث لَو وقفُوا يَوْم الْعَاشِر غَلطا فِي الْهلَال فَلَا قَضَاء إِذْ لَا يُؤمن وُقُوع مثله فِي الْقَابِل وَإِن وقفُوا يَوْم الثَّامِن فَوَجْهَانِ وَوجه الْفرق أَن ذَلِك نَادِر لَا يتَّفق إِلَّا بتوارد شهادتين كاذبتين فِي شَهْرَيْن

(2/659)


الْفَصْل السَّابِع فِي جمل أَسبَاب التَّحَلُّل

فَإِذا جمعُوا بَين الصَّلَاتَيْنِ بِمُزْدَلِفَة باتوا بهَا وَهَذَا الْمبيت نسك وَفِي كَونه وَاجِبا مجبورا بِالدَّمِ قَولَانِ
ثمَّ إِذا طلع الْفجْر ارتحلوا وَبينهمْ وَبَين منى الْمشعر الْحَرَام فَإِذا انْتَهوا إِلَيْهِ وقفُوا ودعوا وَهَذِه سنة غير مجبورة بِالدَّمِ ثمَّ يجاوزونه إِلَى وَادي محسر وَكَانَت الْعَرَب تقف ثمَّ وأمرنا بمخالفتهم فيؤثر تَحْرِيك الدَّابَّة والإسراع بِالْمَشْيِ
فَإِذا وافى منى بعد طُلُوع الشَّمْس رمى جَمْرَة الْعقبَة وَهِي الْجَمْرَة الثَّالِثَة سبع حَصَيَات وَيسْتَحب أَن يكبر مَعَ كل حَصَاة وَيرْفَع يَدَيْهِ حَتَّى يرى بَيَاض إبطه وَيتْرك التَّلْبِيَة لِأَن التَّلْبِيَة للْإِحْرَام وَالرَّمْي تحلل عَن الْإِحْرَام
ثمَّ يحلق بعد الرَّمْي ثمَّ يعود إِلَى مَكَّة وَيَطوف طواف الزِّيَارَة وَهُوَ طواف

(2/660)


الرُّكْن وَيسْعَى بعده وَإِن لم يكن سعى عقيب طواف الْقدوم ثمَّ يعود إِلَى منى فِي بَقِيَّة يَوْم النَّحْر وَيُقِيم بهَا أَيَّام التَّشْرِيق للرمي
فَهَذِهِ أَسبَاب التَّحَلُّل وللحج تحللان فَيحصل أَحدهمَا بِطواف الزِّيَارَة وَالْآخر بِالرَّمْي وَأيهمَا قدم أَو أخر فَلَا بَأْس
وَالطّواف وَإِن كَانَ ركنا فَهُوَ من أَسبَاب التَّحَلُّل أَيْضا وَلَا يحصل أحد التحللين إِلَّا بِاثْنَيْنِ من هَذِه الْأَسْبَاب الثَّلَاث أَي اثْنَيْنِ كَانَ
وَيحل بَين التحللين اللّبْس والقلم إِن لم يَجعله نسكا وَلَا يدْخل الْوَطْء إِلَّا بعد التَّحَلُّل الثَّانِي وَفِي التَّطَيُّب وَعقد النِّكَاح والمباشرة دون الْجِمَاع قَولَانِ لِأَنَّهَا من مُقَدمَات الْجِمَاع ومحركات داعيته وَفِي قتل الصَّيْد أَيْضا خلاف
ثمَّ وَقت الْفَضِيلَة للتحلل طُلُوع الْفجْر يَوْم النَّحْر وَيدخل وَقت الْجَوَاز بِمُضِيِّ نصف اللَّيْل من لَيْلَة الْعِيد إِذْ قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضعفة أَهله من مُزْدَلِفَة ليطوفوا

(2/661)


بِاللَّيْلِ فِي خلْوَة ويرجعوا إِلَى منى وَقت الطُّلُوع
وَمهما فَاتَ الرَّمْي بِفَوَات وقته وَوَجَب الدَّم فَفِي وقُوف التَّحَلُّل على إِرَاقَة الدَّم وَجْهَان وَمِنْهُم من قَالَ يقف لِأَنَّهُ بدل فضاهى الْمُبدل وَمِنْهُم من قَالَ إِن كَانَ دَمًا وقف عَلَيْهِ وَإِن كَانَ صوما فَلَا لطول الزَّمَان

(2/662)


الْفَصْل الثَّامِن فِي الْحلق

وَوَقته فِي الْعمرَة بعد الْفَرَاغ من السَّعْي وَفِي الْحَج عِنْد طُلُوع الْفجْر يَوْم النَّحْر فَضِيلَة وَبعد منتصف لَيْلَة النَّحْر جَوَازًا
وَفِي كَونه نسكا قَولَانِ أَحدهمَا لَا كالقلم واللبس وَالثَّانِي وَهُوَ نسك إِذْ لَا خلاف فِي أَنه مُسْتَحبّ يلْزم بِالنذرِ فِي الْحَج
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام رحم الله المحلقين فَقيل والمقصرين قَالَ رحم الله المحلقين فأعيد عَلَيْهِ ثَلَاثًا حَتَّى قَالَ فِي الرَّابِع والمقصرين

(2/663)


وَيتَفَرَّع على الْقَوْلَيْنِ أُمُور

الأول أَن الْمُعْتَمِر إِذا جَامع بعد السَّعْي فَسدتْ عمرته وَإِن قُلْنَا الْحلق نسك إِذْ لم يتم تحلله بعد وَلَو أَرَادَ أَن يحلق فِي الْحَج قبل الطّواف وَالرَّمْي لم يجز إِن قُلْنَا إِنَّه مَحْظُور نسك
وَذكر صَاحب التَّقْرِيب وَجها أَن أحد التحللين يحصل بِطُلُوع الْفجْر يَوْم النَّحْر فَيجوز الْحلق عِنْده لكنه بعيد
وعَلى كل حَال فَالْأولى أَن لَا يبْدَأ الْحلق خُرُوجًا من الْخلاف وَلكنه يَرْمِي ثمَّ ينْحَر الْهَدْي ثمَّ يحلق وَلَو نحر بعد الْحلق جَازَ خلافًا لأبي حنيفَة
الثَّانِي أَنه إِذا جعل نسكا فَهُوَ ركن كالسعي لَا يجْبر فائته بِالدَّمِ فَإِنَّهُ لَا يفوت فَإِن لم يكن على رَأسه شعر فَيُسْتَحَب إمرار الموسى على الرَّأْس وَلَا يجب إِذْ فَاتَ الْوُجُوب بِفَوَات مَحَله
الثَّالِث أَنه إِذا جعل نسكا وَالْتزم بِالنذرِ فَلَا يَنْقَضِي إِلَّا بحلق ثَلَاث شَعرَات من الرَّأْس وَلَا يُجزئ شعر غير الرَّأْس وَلَا حلق شعره وَاحِدَة إِذْ قُلْنَا لَا يكمل فِيهِ الْفِدْيَة وَيقوم مقَام الْحلق التَّقْصِير والنتف والإحراق وكل مَا هُوَ مَحْظُور الْإِحْرَام فِي شعر الرَّأْس إِلَّا إِذا نذر الْحلق فَلَا يُجزئ إِلَّا الْحلق وَالْمَرْأَة لَا يسْتَحبّ لَهَا الْخلق وَلَا يلْزمهَا بِالنذرِ وَيسْتَحب لَهَا التَّقْصِير

(2/664)


الْفَصْل التَّاسِع فِي الْمبيت

والنسك فِي الْمبيت أَربع لَيَال لَيْلَة بِالْمُزْدَلِفَةِ وَثَلَاث بمنى ومبيت اللَّيْلَة الْأَخِيرَة غير وَاجِب على من نفر فِي النَّفر الأول وَإِن بَقِي إِلَى غرُوب الشَّمْس لزمَه الْمبيت لَيْلَة النَّفر الثَّانِي
وَفِي مِقْدَار الْوَاجِب من الْمبيت قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يشْتَرط الْمبيت مُعظم اللَّيْل وَالثَّانِي أَن الْمَقْصُود مِنْهُ انْتِظَار الرَّمْي فِي الْيَوْم الْقَابِل فَيَكْفِي الْحُضُور قبل طُلُوع الْفجْر وَهَذَا لَا ينقدح فِي لَيْلَة الْمزْدَلِفَة فَإِنَّهُم يرحلون غَالِبا قبل الطُّلُوع
وَفِي وجوب الْمبيت فِي هَذِه اللَّيَالِي قَولَانِ فَإِن قُلْنَا إِنَّه وَاجِب فَهُوَ مجبور بِالدَّمِ
ووظائف الْحَج ثَلَاثَة السّنَن وَلَا حَاجَة إِلَى جبرها والأركان كالوقوف وَالطّواف وَالسَّعْي وَالْحلق إِن جعل نسكا وَلَا يَكْفِي جبرها والواجبات كالرمي وَالْإِحْرَام فِي الْمِيقَات وهما مجبوران بِالدَّمِ قولا وَاحِدًا
وَفِي الْمبيت وَالْجمع بَين اللَّيْل وَالنَّهَار بِعَرَفَة وَطواف الْوَدَاع قَولَانِ فِي الْوُجُوب
فَإِن جعل وَاجِبا فَلَا بُد من الْجَبْر فَإِن قُلْنَا يجْبر فَلَو ترك الْمبيت فِي اللَّيَالِي الْأَرْبَع فَفِي قدر الْوَاجِب قَولَانِ أَحدهمَا أَنه دم وَاحِد للْجَمِيع لِأَنَّهُ جنس وَاحِد وَهُوَ كحلق جَمِيع الشّعْر وَالثَّانِي يلْزمه دمان بِمُزْدَلِفَة وَدم لليالي منى فَإِنَّهُمَا جِنْسَانِ

(2/665)


فَإِن قُلْنَا تفرد ليَالِي منى بِدَم فَمن نفر فِي النَّفر الأول فَفِي لَيْلَتي منى فِي حَقه وَجْهَان أَحدهمَا دم لِأَنَّهُ جنس بِرَأْسِهِ وَالثَّانِي يجب مدان أَو دِرْهَمَانِ أَو ثلثا دم كَمَا فِي شعرتين وَحكي قَول أَنه يجب لكل لَيْلَة دم كَمَا سيحكيه فِي رمي كل يَوْم
وَلَا خلاف فِي أَن الْمَعْذُور لَا يلْزمه دم وَهُوَ الذى لم يدْرك عَرَفَة إِلَّا لَيْلَة النَّحْر فَلم يبت بِمُزْدَلِفَة وَكَذَا رعاه الْإِبِل فَإِنَّهُم يغيبون عَن منى لَيْلًا لتستريح الْإِبِل وَكَذَلِكَ أهل سِقَايَة الْعَبَّاس فَإِنَّهُم يقومُونَ بتعهد المَاء وَلَا يخْتَص ذَلِك ببني الْعَبَّاس عندنَا بل كل من يتعهد السِّقَايَة خلافًا لمَالِك وَهل تلتحق غير هَذِه الْأَعْذَار من تمريض أَو غَيره برعاية الْإِبِل وتعهد المَاء فِيهِ وَجْهَان

(2/666)


الْفَصْل الْعَاشِر فِي الرَّمْي

وَهُوَ من الأبعاض الْوَاجِبَة المجبورة بِالدَّمِ قولا وَاحِدًا وَالْوَاجِب رمي سبعين حَصَاة سَبْعَة ترمى يَوْم النَّحْر إِلَى جَمْرَة الْعقبَة فَقَط وَإِحْدَى وَعشْرين حَصَاة ترمى كل يَوْم القر وَهُوَ أول يَوْم من أَيَّام التَّشْرِيق إِلَى الجمرات الثَّلَاثَة إِلَى كل جَمْرَة سَبْعَة فَيبْدَأ بالجمرة الأولى من جَانب الْمزْدَلِفَة وَيخْتم بجمرة الْعقبَة وَهِي تلِي مَكَّة وَكَذَلِكَ يفعل فِي الْيَوْم الثَّانِي وَالثَّالِث إِلَّا إِذا نفر من النَّفر الأول قبل غرُوب الشَّمْس فَيسْقط عَنهُ الرَّمْي فِي الْيَوْم الْأَخير
وَوقت رمي جَمْرَة الْعقبَة يدْخل بمنتصف اللَّيْل ويدوم إِلَى غرُوب الشَّمْس يَوْم النَّحْر وَهل يتمادى إِلَى طُلُوع يَوْم القر فِيهِ وَجْهَان وَوجه التَّمَادِي تشبيهه بِبَقَاء وَقت الْوُقُوف بعد غرُوب الشَّمْس
وَأما رمي أَيَّام التَّشْرِيق يدْخل وقته بالزوال إِلَى غرُوب الشَّمْس يَوْم النَّحْر

(2/667)


وَفِي تماديه لَيْلًا الْخلاف الْمَذْكُور
ثمَّ النّظر فِي الرَّمْي يتَعَلَّق بأطراف

الأول فِي الرَّمْي

وَليكن حِجَارَة على قدر الباقلاء وَلَا يُجزئ غير الْحجر من الإثمد والزرنيخ والجواهر المنطبعة وَيُجزئ حجر النورة قبل الطَّبْخ وَكَذَا حجر الْحَدِيد فِي الظَّاهِر وَفِي الفيروزج والياقوت والعقيق تردد والحصاة الْوَاحِدَة إِذا رَمَاهَا سبع مَرَّات فَفِي إجزائها وَجْهَان وَمِنْهُم من رَاعى عدد الرَّمْي وَمِنْهُم من ضم إِلَيْهِ عدد المرمي وَلَو تعدد الزَّمَان أَو الشَّخْص أَو الْجَمْرَة أَجْزَأَ كَمَا إِذا رمى حَصَاة وَاحِدَة فِي يَوْمَيْنِ أَو إِلَى جمرتين أَو رَمَاهَا شخصان

(2/668)


الطّرف الثَّانِي فِي الْكَيْفِيَّة

وَيتبع فِيهِ اسْم الرَّمْي وَلَا يَكْفِي الْوَضع على الْجَمْرَة وَإِن أصَاب فِي رميه محملًا فَارْتَد بصدمته أَجْزَأَ وَإِن نفضه صَاحب الْمحمل فَلَا وَإِن تدحرج من الْمحمل إِلَى الْجَمْرَة بِنَفسِهِ فَهُوَ مُتَرَدّد بَين النفض والصدمة وَلَو وقف فِي الْجَمْرَة وَرمى إِلَى الْجَمْرَة فَلَا بَأْس وَلَو رمى حجرين دفْعَة وَاحِدَة فَلَا يجْزِيه إِلَّا وَاحِدَة وَإِن تلاحقا فِي الْوُقُوع وَلَو أتبع حجرَة حجرَة فيجزئه عَن رميتين وَإِن تساوقا فِي الْوُقُوع وَالْعَاجِز عَن الرَّمْي يَسْتَنِيب إِذا كَانَ عَجزه لَا يَزُول فِي وَقت الرَّمْي كَمَا فِي أصل الْحَج وَلَو أُغمي على المستنيب لم يَنْعَزِل النَّائِب بِخِلَاف الْوَكِيل فِي التَّصَرُّفَات لِأَن عِلّة هَذِه النِّيَابَة الْعَجز فَلَا تضادها زِيَادَة الْعَجز
الطّرف الثَّالِث فِي تدارك الْفَائِت

فَإِن انْقَضى أَيَّام التَّشْرِيق فَلَا قَضَاء إِذْ انْقَطع وَقت الْمَنَاسِك فإذه فَاتَهُ يَوْم النَّفر فَأَرَادَ أَن يقْضِي فِي الْيَوْمَيْنِ بعده فعلى قَوْلَيْنِ أَحدهمَا لَا لِأَن هَذِه عبَادَة غير معقولة فَلَا يتَعَدَّى بهَا عَن موردها وَالثَّانِي يقْضى بِدَلِيل أَن رُعَاة الْإِبِل يقضون فِي

(2/669)


النَّفر الأول مَا فاتهم فِي يَوْم النَّفر
ثمَّ هَذَا قَضَاء أَو أَدَاء فِيهِ قَولَانِ فَمن جعله أَدَاء زعم أَن جَمِيع الْأَيَّام وَقت وَإِنَّمَا التَّوْزِيع على الْأَيَّام مُسْتَحبّ وعَلى هَذَا لَا يجوز التَّدَارُك إِلَّا بعد الزَّوَال وَإِن جعل قَضَاء جَازَ قبل الزَّوَال لِأَن الْقَضَاء لَا يتأقت
وَقيل إِنَّه لَا يبعد تأقيته ثمَّ يلْزمه رِعَايَة التَّرْتِيب فِي الْمَكَان فَلَو ابْتَدَأَ بالجمرة الْأَخِيرَة فِي الْقَضَاء لم يجزه
وَهل يجب تَقْدِيم الْقَضَاء على الْأَدَاء بِالزَّمَانِ فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا يجب كَمَا فِي الْمَكَان وَالثَّانِي لَا يجب كَمَا فِي الصَّلَوَات
فَإِن أَوجَبْنَا فَلَو رمى أَربع عشرَة حَصَاة إِلَى الْجَمْرَة الأولى عَن الْيَوْمَيْنِ لم يجزه إِلَّا سَبْعَة عَن الْقَضَاء وَهَذَا فِي أَيَّام التَّشْرِيق
أما رمي الْجَمْرَة يَوْم النَّحْر فَفِي قَضَائِهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من منع وَجعل أَيَّام التَّشْرِيق فِيهَا كَغَيْر أَيَّام التَّشْرِيق فِي رمي أَيَّام التَّشْرِيق لِأَنَّهُ جنس

(2/670)


مُنْقَطع عَمَّا بعده فِي الْوَقْت والمقدار
ثمَّ مهما ترك الْجَمِيع لزمَه الدَّم وَفِي مِقْدَاره ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا دم وَاحِد للْكُلّ وَالثَّانِي دمان وَاحِد ليَوْم النَّحْر وَوَاحِد لأيام منى وَالثَّالِث أَرْبَعَة دِمَاء لأربعة أَيَّام
فَإِن اكتفينا بِدَم وَاحِد كمل الدَّم بوظيفة يَوْم وَاحِد كَمَا لَا يكمل فِي حلق ثَلَاث شَعرَات وَهل يكمل فِيمَا دونه من ترك ثَلَاث حَصَيَات أَو ترك جَمْرَة وَاحِدَة
وَفِيه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يكمل فِي الثَّلَاث وَالثَّانِي لَا يكمل إِلَّا بوظيفة جَمْرَة وَاحِدَة وَالثَّالِث أَنه لَا يكمل فِي أقل من وَظِيفَة يَوْم

(2/671)


الْفَصْل الْحَادِي عشر فِي طواف الْوَدَاع

إِذا فرغ الْحَاج من الرَّمْي أَيَّام منى وَلم يبْق عَلَيْهِم طواف وَلَا سعي وَتمّ تحللهم وعزموا على الِانْصِرَاف طافوا طواف الْوَدَاع وَفِي كَونه وَاجِبا مجبورا بِالدَّمِ قَولَانِ أَحدهمَا يجب لتطابق الْحلق عَلَيْهِ وَالثَّانِي لَا كطواف الْقدوم
وَلَا خلاف فِي أَن من خرج من مَكَّة لَا يلْزمه طواف الْوَدَاع إِلَّا إِذا كَانَ حَاجا وَطواف الْوَدَاع من تَوَابِع الْحَج ثمَّ شَرط إجزائه أَن لَا يعرج على شغل بعده فَلَو اشْتغل بشد الرّحال بعده فَفِيهِ وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه من أَسبَاب الرحيل فَلَا يبعد أَن يكون بعد الْوَدَاع

(2/672)


فرع

لَو ترك طواف الْوَدَاع وَتجَاوز مَسَافَة الْقصر يسْتَقرّ الدَّم وَلَا يُغْنِيه الْعود وَلَو عَاد قبل مَسَافَة الْقصر صَار متداركا وَالْمَرْأَة إِذا حَاضَت فَهِيَ مأذونة فِي النَّفر قبل الْوَدَاع وَلَا دم عَلَيْهَا فَلَو طهرت قبل مَسَافَة الْقصر لم يلْزمهَا الْعود نَص عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لم تكن من أهل الْوُجُوب فِي الِابْتِدَاء بِخِلَاف من قصر فِي الْخُرُوج فَإِنَّهُ يلْزمه الْعود قبل مَسَافَة الْقصر وَمِنْهُم من نقل وَخرج وَجعل فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَوْلَيْنِ مثارهما أَنه يفوت الْوَدَاع بمجاوزة خطة الْحرم أَو بمجاوزة مَسَافَة الْقصر

(2/673)


الْفَصْل الثَّانِي عشر فِي حكم الصَّبِي وَالنَّظَر فِي إِحْرَامه وأعماله ولوازمه

أما الْإِحْرَام فَإِن لم يكن الصَّبِي مُمَيّزا أحرم عَنهُ وليه وَهل للمقيم ذَلِك فِيهِ وَجْهَان وَفِي ثُبُوته للْأُم طَرِيقَانِ وَالأَصَح الْجَوَاز لما رُوِيَ أَن امْرَأَة رفعت صَبيا من محفته وَقَالَت يَا رَسُول الله أَلِهَذَا حج فَقَالَ نعم وَلَك أجر وَإِن كَانَ مُمَيّزا وَأحرم بِإِذن الْوَلِيّ صَحَّ وَإِن اسْتَقل فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا ينْعَقد لِأَنَّهُ عقد خطير وَالثَّانِي ينْعَقد كَسَائِر الْعِبَادَات وَلَكِن الْوَلِيّ يحلله إِن رأى الْمصلحَة فِيهِ

(2/674)


فَإِن قُلْنَا لَا يسْتَقلّ فَفِي اسْتِقْلَال الْوَلِيّ دونه وَجْهَان وَوجه الْجَوَاز اسْتِصْحَاب ولَايَته الثَّابِتَة قبل التَّمْيِيز
وَأما أَعماله فيتعاطى الصَّبِي بِنَفسِهِ إِن قدر عَلَيْهِ وَإِلَّا طَاف بِهِ الْوَلِيّ وسعى بِهِ وأحضره عَرَفَة وَرمى عَنهُ
وَأما اللوازم الْمَالِيَّة فَمَا يزِيد من نَفَقَة السّفر فَهُوَ على الْوَلِيّ فِي وَجه لِأَنَّهُ الذى ورطه فِيهِ وعَلى الصَّبِي فِي وَجه كَأُجْرَة تَعْلِيم الْقُرْآن فَإِن فِيهِ نظرا لَهُ
وَأما فديَة اللّبْس وَالْحلق وَسَائِر الْمَحْظُورَات فَفِي وُجُوبهَا وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن عقد الصَّبِي لَا يصلح للالتزام وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ مُقْتَضى الْإِحْرَام

(2/675)


فَإِن قُلْنَا يجب فَفِي مَال الصَّبِي أوفي مَال الْوَلِيّ فِيهِ وَجْهَان
وَلَو جَامع الصَّبِي فَإِن قُلْنَا إِن جماع النَّاسِي لَا يفْسد وَعمد الصَّبِي لَيْسَ بعمد لم يفْسد حجه وَإِلَّا فسد وَهُوَ الْأَصَح لِأَن عمده فِي الْعِبَادَات مُعْتَبر كَمَا إِذا أفطر عمدا وَلَكِن هَل يلْزمه الْقَضَاء فِيهِ وَجْهَان مرتبان على الْفِدْيَة وَأولى بِأَن لَا يجب لِأَن هَذِه عبَادَة بدنية فيبعد وُجُوبهَا على الصَّبِي فَإِن أَوجَبْنَا فَهَل يَصح فِي الصَّبِي فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن الصَّبِي يُنَافِي وُقُوع الْحَج فرضا وَقد صَار هَذَا الْقَضَاء فرضا فَإِن قُلْنَا لَا يقْضِي فِي الصَّبِي فَإِذا بلغ لزمَه تَقْدِيم فرض الْإِسْلَام أَولا حَتَّى يَتَأَتَّى مِنْهُ الْقَضَاء
فرعان

أَحدهمَا لَو طيبه الْوَلِيّ من غير مَنْفَعَة للصَّبِيّ فالفدية على الْوَلِيّ وَكَذَا كل أَجْنَبِي طيب محرما أَو حلق شعره بِغَيْر إِذْنه وَلَو طيبه للمداواة فَهَل ينزل منزلَة تطييب الْوَلِيّ الصَّبِي نَفسه فِيهِ وَجْهَان

(2/676)


الثَّانِي إِذا أحرم فِي الصَّبِي وَبلغ قبل مُفَارقَة عَرَفَة وَقع حجه عَن فرض الْإِسْلَام لِأَن الْحَج عَرَفَة
وَإِن كَانَ قد سعى من قبل هَل يلْزمه إِعَادَة السَّعْي فِيهِ وَجْهَان وَالأَصَح وُجُوبه إِذْ لَا يُسمى بالوقوع فِي حَالَة الصبى إِلَّا فِي الْإِحْرَام فَإِن دَوَامه كَاف فِي حجَّة الْفَرْض
وَالنُّقْصَان الذى وَقع فِي ابْتِدَائه هَل يجْبر بِالدَّمِ فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ أحرم من الْمِيقَات وَلم يجر إساءة وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ وَقع من نُقْصَان الصبى وَكَانَ هَذَا تردد فِي أَن الْإِحْرَام انْقَلب فرضا أَو تبين أَنه انْعَقَد فرضا فِي الِابْتِدَاء
وَالْعَبْد أعتق إِذا قبل الْوُقُوف كَانَ كَالصَّبِيِّ إِذا بلغ
وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيّمَا أَعْرَابِي حج ثمَّ هَاجر فَعَلَيهِ حجَّة الْإِسْلَام وَأَيّمَا صبي حج ثمَّ بلغ فَعَلَيهِ حجَّة الْإِسْلَام وَأَيّمَا عبد حج ثمَّ أعتق فَعَلَيهِ حجَّة الْإِسْلَام

(2/677)


قيل أَرَادَ بالأعرابي الْكَافِر وَقيل أَرَادَ بِهِ فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام إِذْ كَانَ حجَّة الْأَعرَابِي قبل الْهِجْرَة نفلا لَا فرضا

(2/678)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي قسم الْمَقَاصِد فِي بَيَان مَحْظُورَات الْحَج وَالْعمْرَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
مَحْظُورَات الْحَج وَالْإِحْرَام سَبْعَة أَنْوَاع

النَّوْع الأول اللّبْس

وَالنَّظَر فِيهِ يتَعَلَّق بِالرَّأْسِ وَالْبدن
أما الرَّأْس فَيحرم ستره بِكُل مَا سمي ساترا مُعْتَادا كَانَ أَو لم يكن فَلَو وضع على رَأسه خرقَة أَو إزارا أَو عِمَامَة لزمَه الْفِدْيَة وَلَو توسد بوسادة أَو عِمَامَة أَو استظل بسقف أَو مظلة الْمحمل أَو انغمس فِي مَاء حَتَّى اسْتَوَى المَاء على رَأسه لم يلْزمه شئ لِأَن مَا لَيْسَ مَحْمُولا على الرَّأْس لَا يعد ساترا
وَخَالف مَالك فِي الاستظلال بالمظلة والخيمة
وَلَو وضع زنبيلا أَو حملا على رَأسه فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا يحرم لِأَنَّهُ لَا يعد ساترا وَالثَّانِي يحرم لِأَن الْكَشْف قد زَالَ بِهِ وَهُوَ الْمَقْصُود
أما إِذا طين رَأسه فَفِيهِ احْتِمَال

(2/679)


وَتجب الْفِدْيَة بستر مِقْدَار يتَصَوَّر أَن يقْصد ستره بِوُقُوع شجة أَو غَيره وَلَو شدّ خيطا على رَأسه لم يضر بِخِلَاف الْعِصَابَة الَّتِى لَهَا عرض هَذَا فِي حق الرجل
أما الْمَرْأَة فَالْوَجْه فِي حَقّهَا كالرأس فِي حق الرجل فلهَا أَن تستر سَائِر بدنهَا سوى الْوَجْه فَلَو أرْسلت ثوبا بحذاء وَجههَا متجافيا فَلَا بَأْس وَأما سَائِر الْبدن فَلَا وَظِيفَة على الْمَرْأَة فِيهِ أما الرجل فَلهُ ستره وَلَكِن بِثَوْب لَيْسَ مخيطا إخاطة الْخياطَة
كالقميص والقباء والجبة أَو مَا فِي مَعْنَاهَا كالدرع وجبة اللبد وَلَو لبس القباء لزمَه الْفِدْيَة أَدخل يَده فِي الكمين أَو لم يدْخل
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يلْزم مَا لم يدْخل يَده
وَلَو ارتدى بقميص أوجبه فَلَا بَأْس لِأَنَّهُ لَا يُحِيط بِهِ وَكَذَلِكَ إِذا التحف بِهِ نَائِما وَلَا بَأْس بالهميان والمنطقة وَإِن أحاطت وَلَا بإزار عقد أَطْرَافه بِالْعقدِ وَلَو جعل لردائه شرجا وعرى منظومة فَفِيهِ تردد لقُرْبه من الْخياطَة وَلَو اتخذ إزارا

(2/680)


ذَا حجرَة وَجعل فِيهَا تكة فَلَا بَأْس لِأَن اسْم الْإِزَار بَاقٍ فَلَو شقّ الْإِزَار من وَرَائه وَجعل لَهُ ذيلين ولف كل ذيل على سَاق قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يمْتَنع ذَلِك
هَذَا كُله فِي غير الْمَعْذُور فَإِن كَانَ مَعْذُورًا بِسَبَب حر أَو برد حل اللّبْس وَلَكِن لزم الْفِدْيَة فَإِن كَانَ بِسَبَب من جِهَة الشَّرْع فَلَا فديَة فِيهِ كَمَا إِذا لم يجد إِلَّا سَرَاوِيل وَلَو فتقه لم يَأْتِ مِنْهُ إزارا ولبسه فَلَا فديَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لم يجد إزارا فليلبس السَّرَاوِيل وَمن لم يجد النَّعْل فليقطع الْخُفَّيْنِ أَسف من الْكَعْبَيْنِ
والتعويل على الْخَبَر لِأَنَّهُ لَو كَانَ لأجل ستر الْعَوْرَة لجَاز لبس السَّرَاوِيل مَعَ الْقُدْرَة

(2/681)


على الْإِزَار كَمَا فِي الْمَرْأَة وَلذَلِك لَا يكلفه أَن يرفع السَّرَاوِيل إِلَى الرّكْبَة
وَأما الْخُف فساتر مَحْظُور والنعل جَائِز وإحاطة الشرَاك للاستمساك لَا يعد ساترا وَفِي الجمشتك خلاف مِنْهُم من حمل ذَلِك الْقدر على الاستمساك كالنعل وَيشْهد لَهُ بِسُقُوط الْفِدْيَة إِذا قطع الْخُف أَسْفَل من الْكَعْبَيْنِ
أما القفازان فقد ورد النَّهْي عَن لبسهما فِي الْيَدَيْنِ وَهُوَ محرم على الرجل وَفِي الْمَرْأَة قَولَانِ أصَحهمَا الْجَوَاز فَإِن لَهَا ستر سَائِر بدنهَا سوى الْوَجْه وَوجه الْمَنْع عُمُوم النَّهْي
وَلَو اتخذ للحية خريطة أَو لعضو مُفْرد غلافا محيطا فَفِي إِلْحَاقه بالقفازين تردد لِأَنَّهُ غير مُعْتَاد
النَّوْع الثَّانِي التَّطَيُّب

وَيحرم اسْتِعْمَال الطّيب قصدا فلنذكر الِاسْتِعْمَال وَالطّيب وَالْقَصْد
أما الطّيب فَكل مَا يقْصد رَائِحَته وَإِن كَانَ مِنْهُ يقْصد غَيره فالزعفران طيب وَفِي مَعْنَاهُ الورس وَهُوَ أشهر طيب الْيمن والفواكه الطّيبَة لَيْسَ بِطيب كالأترج والسفرجل وَكَذَا الْأَدْوِيَة كالقرنفل والدارصيني إِذْ لَا يظْهر مِنْهُ قصد الرَّائِحَة

(2/682)


وَأما النَّبَات فالقيصوم والأزهار الطّيبَة فِي الْوَادي لَيْسَ طيبا إِذْ لَو ظهر ذَلِك لَا ستنبت قصدا
والورد والبنفسج والنرجس والضيمران وَهُوَ الريحان الْفَارِسِي طيب وَإِنَّمَا تردد نَص الشَّافِعِي فِي الريحان لِأَنَّهُ لَا يعد طيبا فِي بِلَاده وَفِي البنفسج وَجه أَنه لَيْسَ بِطيب وَهُوَ بعيد
وَأما دهن الْورْد ودهن البنفسج فِيهِ وَجْهَان وَأما البان ودهنه فليسا طيبين
وَقد قيل إِنَّه يعْتَبر عَادَة كل نَاحيَة فِي طيبه وَذَلِكَ غير بعيد
فرع

إِذا تنَاول الخبيص المزعفر قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِن انصبغ لِسَانه فَعَلَيهِ الْفِدْيَة فعول على اللَّوْن
وَمِنْهُم من قَالَ اسْتدلَّ بِهِ على بَقَاء الرَّائِحَة وَمِنْهُم من قَالَ اكْتفى بِبَقَاء اللَّوْن لدلالته على بَقَاء جرم الطّيب وَإِن سَقَطت رَائِحَته
ويبتنى على هَذَا تردد فِي جرم الطّيب إِذا بقى على الثَّوْب دون رَائِحَته بِأَن كَانَ بِحَيْثُ لَو أَصَابَهُ المَاء لفاحت الرَّائِحَة فالرائحة غير سَاقِطَة بل هى راكدة وَعَلِيهِ يخرج مَاء الْورْد إِذا مزج بِالْمَاءِ حَتَّى ذهبت رَائِحَته

(2/683)


أما الِاسْتِعْمَال فَهُوَ إلصاق الطّيب بِالْبدنِ أَو الثَّوْب فَلَو ألصق الطّيب بعقبه مثلا لَزِمته الْفِدْيَة وَلَزِمتهُ الْمُبَادرَة إِلَى الْإِزَالَة كالنجاسات
وَإِن عبق بِهِ الرَّائِحَة دون الْعين بجلوسه على حَانُوت عطار أَو فِي بَيت يجمر ساكنوه فَلَا فديَة لِأَن التَّطَيُّب لَا يقْصد كَذَلِك وَلَو احتوى على مجمرة لَزِمته الْفِدْيَة لِأَنَّهُ قصد إِلَيْهِ
وَلَو مس جرم الْعود والمسك وَلم يعبق رَائِحَة فَلَا فديَة وَإِن عبق بِهِ فَقَوْلَانِ أَحدهمَا لَا يلْزم لِأَنَّهُ غير مُعْتَاد وَالثَّانِي يلْزم لحُصُول الرَّائِحَة مَعَ الْمَسِيس
وَلَا خلاف أَنه لَو استروح إِلَى رَائِحَة طيب مَوْضُوع بَين يَدَيْهِ لم يلْزمه فديَة وَلَو طيب فرَاشه ونام عَلَيْهِ لزمَه وَكَذَلِكَ إِذا شدّ مسكا على طرف إزَاره وَلَو حمل مسكا فِي قَارُورَة مصممة الرَّأْس فَلَا فديَة وَإِن حمله فِي فَأْرَة غير مشقوقة فَفِيهِ وَجْهَان
وَأما الْقَصْد فبيانه بصور

إحدها أَن النَّاسِي للْإِحْرَام لَا فديَة عَلَيْهِ كالناسي للصَّوْم وَكَذَا إِذا لبس نَاسِيا وَأما الاستهلاكات كَقَتل الصَّيْد والقلم وَالْحلق

(2/684)


فَالظَّاهِر أَن النَّاسِي فِيهَا كالعامد كَمَا فِي إِتْلَاف الْأَمْوَال وَقيل فِيهِ قَولَانِ وَدلّ عَلَيْهِ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن الْمغمى عَلَيْهِ لَو انْقَلب على جَراد فَقتله فَلَا شئ عَلَيْهِ
الثَّانِيَة إِذا جهل كَون الطّيب محرما فَهُوَ مَعْذُور كالناسي وَلَو علم بِحرْمَة وَلم يعلم وجوب الْفِدْيَة لَزِمته وَلَو لم يعلم كَونه طيبا فمسه فَفِيهِ وَجْهَان وَلَو علم أَنه طيب وَلم يعلم أَنه رَقِيق مغبق بِهِ فَالْأَصَحّ وجوب الْفِدْيَة
الثَّالِثَة إِذا أَلْقَت الرّيح عَلَيْهِ فلينفض ثَوْبه أَو ليغسله وَلَا شئ عَلَيْهِ وَلَو توانى لَزِمته الْفِدْيَة وَلَو لطخه غَيره فالفدية على الملطخ وَهَكَذَا قَالَه الْأَصْحَاب
فرع

لَو وجد مَاء لَا يَكْفِيهِ إِلَّا لإِزَالَة الطّيب أَو الْوضُوء قدم إِزَالَة الطّيب كَمَا يقدم إِزَالَة النَّجَاسَة لِأَن للْوُضُوء بَدَلا وَهُوَ التَّيَمُّم
النَّوْع الثَّالِث

ترجيل شعر الرَّأْس واللحية بالدهن محرم لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الْحَاج أَشْعَث أغبر تفل

(2/685)


وَأما غسيل الشّعْر بالسدر والخطمي وَغَيره فَجَائِز لِأَن ذَلِك لإِزَالَة الأنتان والترجيل تنمية للشعر وتزيين لَهُ فِي عَادَة الْعَرَب
وَلَو دهن الْأَقْرَع رَأسه فَلَا بَأْس إِذْ لَا تَزْيِين فِيهِ وَلَو كَانَ الشّعْر محلوقا فَوَجْهَانِ لِأَن فِيهِ إصْلَاح المنبت وَإِن لم يكن تزيينا
والاكتحال فَلَا بَأْس بِهِ إِذا لم يكن فِيهِ طيب وَالْغسْل جَائِز وَقَالَ فِي الْقَدِيم إِنَّه مَكْرُوه وَهُوَ بعيد إِذْ دخل ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ حمام الْجحْفَة محرما وَقَالَ إِن الله لَا يعبأ بأوساخكم شَيْئا
أما الخصاب فِي الشّعْر تردد فِيهِ قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فَقيل إِنَّه تردد فِي أَنه هَل يلْحق بالترجيل أم لَا لما فِيهِ من التزيين وَقيل هُوَ تردد فِي أَن الْحِنَّاء طيب أم لَا وَهُوَ بعيد وَقيل هُوَ تردد فِي أَن الخريطة المحيطة باللحية هَل يحرم اتخاذها أم لَا لِأَن الخضاب يحوج إِلَيْهِ
النَّوْع الرَّابِع التنظف بِالْحلقِ وَفِي مَعْنَاهُ الْقَلَم

وَهُوَ حرَام وَيجب فِيهِ الْفِدْيَة ويكمل الدَّم فِي ثَلَاث شَعرَات فَصَاعِدا مهما أبين بإحراق أَو نتف أَو حلق

(2/686)


وَفِي الشعرة الْوَاحِدَة أَرْبَعَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه مد وَفِي الشعرتين مدان لِأَن الْمَدّ مرجوع إِلَيْهِ فِي الشَّرِيعَة حَتَّى فِي صَوْم رَمَضَان وَالثَّانِي فِي الْوَاحِدَة دِرْهَم وَفِي الاثنتين دِرْهَمَانِ واستأنس فِيهِ مَذْهَب عَطاء
وَالثَّالِث فِي الْوَاحِدَة ثلث دم وَفِي الاثنتين ثلثان وَالرَّابِع فِي الْوَاحِد يكمل الدَّم وَلَا تزيد بِزِيَادَتِهِ
وَهَذَا فِي شعر الْمحرم فَأَما إِذا حلق الْمحرم شعر الْحَلَال فَلَا فديَة فِيهِ خلافًا لأبي حنيفَة وَلَو قطع يَد نَفسه وَعَلَيْهَا شعيرات فَلَا فديَة عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يقْصد إبانتها
وَلَو امتشط لحيته فَسَقَطت شعيرات فَإِن انتتفت بامتشاطه لَزِمته الْفِدْيَة
وَإِن انسلت وَكَانَت قد انفصلت بِنَفسِهَا فَلَا فديَة وَإِن شكّ فِي ذَلِك قَولَانِ أَحدهمَا لَا شئ عَلَيْهِ لِأَن الأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة وَالثَّانِي يجب إِحَالَة على سَبَب ظَاهر كَمَا يحِيل موت الْجَنِين على ضرب بطن الْأُم
هَذَا إِذا حلق بِغَيْر عذر فَإِن كَانَ يُؤْذِيه هوَام رَأسه جَازَ لَهُ الْحلق وَلَزِمتهُ الْفِدْيَة وَإِن كَانَ الْأَذَى من نفس الشّعْر كَمَا إِذا نَبتَت شَعْرَة فِي دَاخل الجفن أَو انْكَسَرَ ظفر وَظهر مِنْهُ التأذي فَلهُ أَخذهَا وَلَا فديَة عَلَيْهِ كَمَا إِذا صال الصَّيْد بِنَفسِهِ

(2/687)


وَقيل فِيهِ وَجْهَان يبتنيان على مَا إِذا عَم الْبِلَاد الْجَرَاد وتخطاها المحرمون فَهَل يضمنُون فِيهِ قَولَانِ ومسألتنا أولى بِسُقُوط الدَّم لِأَن أَذَى الشّعْر لَازم
فرع

إِذا حلق الْحَلَال شعر الْحَرَام بِإِذْنِهِ فالفدية على الْحَرَام وَإِن كَانَ مكْرها أَو نَائِما فالفدية لَازِمَة وقراره على الْحَلَال وَفِي ملاقاة الْوُجُوب للْمحرمِ قَولَانِ فَإِن قُلْنَا يلاقيه فَتحمل الصَّوْم غير مُمكن وَهُوَ أحد خِصَال الْفِدْيَة فَإِن بَادر الْحَرَام وَصَامَ بَرِئت ذمَّة الْحَلَال وَإِن بَادر الْحَلَال وفدى بِالْمَالِ فَلَا شئ على الْحَرَام وعَلى كل قَول فللحرام مُطَالبَة الْحَلَال بِإِخْرَاج الْفِدْيَة وَكَأَنَّهُ ذُو حق فِي أصل الْأَدَاء وَإِن كَانَ الْحَرَام ساكتا فحلق بِغَيْر إِذْنه مِنْهُم من ألحق السُّكُوت بِالْإِذْنِ وَمِنْهُم من ألحقهُ بِالْإِكْرَاهِ
النَّوْع الْخَامِس من الْمَحْظُورَات الْجِمَاع

ونتيجته الْفساد وَالْقَضَاء وَالْكَفَّارَة
أما الْفساد فَإِن جرى قبل التحللين بعد الْوُقُوف أَو قبله فسد وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يفْسد بعد الْوُقُوف
وَإِن جرى فِي الْعمرَة بعد السَّعْي وَقُلْنَا الْحلق نسك فسد
وَإِن قُلْنَا الْحلق لَيْسَ بنسك فقد حصل التَّحَلُّل بالسعي وَلَيْسَ للْعُمْرَة

(2/688)


إِلَّا تحلل وَاحِد وَإِن جَامع فِي الْحَج بَين التحللين لم يفْسد حجه لِأَن تَحْرِيم اللّبْس وَالطّيب قد ارْتَفع فَلم يُصَادف الْجِمَاع إحراما مُطلقًا وَفِيه وَجه أَنه يفْسد
وَإِن قُلْنَا لَا يفْسد فَفِي واجبه وَجْهَان أَحدهمَا الْبَدنَة كَمَا قبل التَّحَلُّل وَالثَّانِي شَاة لِأَنَّهُ مَحْظُور لم يفْسد فَأشبه سَائِر الْمَحْظُورَات
وَفِيه وَجه أَنه لَا يجب شئ وَهُوَ بعيد
ثمَّ مهما فسد لزمَه الْمُضِيّ فِي فاسده وَهُوَ أَن يَأْتِي بِكُل عمل كَانَ يَأْتِي بِهِ لَوْلَا الْإِفْسَاد وَيكون فِي عقد لَازم يلْزمه الْفِدْيَة فِيهِ بارتكاب الْمَحْظُورَات على الْمَذْهَب فَلَو جَامع ثَانِيًا فَالْوَاجِب بدنه أَو شَاة فِيهِ قَولَانِ كَمَا فِي الْجِمَاع بَين التحللين وَفِيه قَول إِنَّه لَا يجب شئ بالتداخل
وواجب الْجِمَاع فِي الْعمرَة واجبها فِي الْحَج من غير فرق
أما الْكَفَّارَة فواجبة على الرجل وَفِي الْمَرْأَة قَولَانِ كَمَا فِي الصَّوْم مَعَ الْخلاف الْمَذْكُور فِي ملاقاة الْوُجُوب لَهَا والتحمل عَنْهَا فَإِن قُلْنَا بالتحمل فَإِذا لَزِمَهَا الْقَضَاء فَهَل عَلَيْهِ مُؤنَة تَحْصِيل الْقَضَاء لَهَا ببذل المَال فِيهِ وَجْهَان
أما الْقَضَاء فَفِيهِ أَربع مسَائِل

الأولى قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا عَاد فِي الْقَضَاء إِلَى ذَلِك الْمَكَان فرق بَينهمَا وَاخْتلفُوا فِي أَنه مُسْتَحقّ أَو مُسْتَحبّ فَالظَّاهِر الِاسْتِحْبَاب حذارا من أَن يكون تذكر تِلْكَ الْوَاقِعَة مهيجا لشَهْوَة الْعود إِلَيْهَا
الثَّانِيَة إِذا أحرم فِي الْأَدَاء من مَسَافَة شاسعة يلْزمه فِي الْقَضَاء الْإِحْرَام من ذَلِك الْمَكَان لِأَن تَأْخِير الْمَكَان نُقْصَان فِي الْإِحْرَام

(2/689)


بِخِلَاف مَا لَو أحرم فِي أول الشَّهْر من أشهر الْحَج فَإِنَّهُ لَا يلْزمه فِي الْقَضَاء الْإِحْرَام فِي ذَلِك الْوَقْت
الثَّالِثَة إِنَّمَا يجب الْقَضَاء على المتطوع بِالْحَجِّ فَإِن كَانَ من فروض فَمَا يَأْتِي بِهِ قَضَاء يتَأَدَّى بِهِ ذَلِك الْفَرْض الْوَاجِب إِذْ يقوم الْقَضَاء مقَام الْأَدَاء الرَّابِعَة قَضَاء الْحَج على الْفَوْر أم على التَّرَاخِي فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا على الْفَوْر كقضاء صَلَاة عصى بِتَرْكِهَا وَالثَّانِي لَا لِأَن قَضَاء الْحَج لَا يزِيد على الْأَدَاء

وَأما الصَّلَاة فَيتَعَيَّن الْقَتْل بِتَرْكِهَا فَلَا بُد من التَّضْيِيق فَيجْرِي هَذَا الْخلاف فِي قَضَاء صَوْم تعدى بِتَرْكِهِ وَفِي كَفَّارَة لَزِمت بِسَبَب مَحْظُور فَأَما مَا لَا عدوان بِسَبَبِهِ فَلَا تضييق فِي واجبه
فرع

الْقَارِن إِذا جَامع هَل يلْزمه دم الْقرَان فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ لم ينْتَفع بالقران وَالثَّانِي بلَى لِأَن حكم الْفَاسِد فِي لوازمه كَحكم الصَّحِيح ثمَّ الْعمرَة تفْسد بِفساد الْقرَان قولا وَاحِدًا وَهل يفوت بِفَوَات الْحَج فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْفرق أَن فِي الْفَوات يتَحَلَّل بأعمال الْعمرَة فَلَا معنى لتفويت عمرته
هَذَا كُله فِي الْعَامِد وَأما النَّاسِي فَفِيهِ قَولَانِ يبتنيان على أَنه من قبيل الاستمتاعات فَيكون النسْيَان عذرا فِيهِ

(2/690)


فَإِن قيل وَهل يفْسد بشئ سوى الْجِمَاع قُلْنَا يبطل بِالرّدَّةِ طَالَتْ أم قصرت
فَلَو عَاد إِلَى الْإِسْلَام فَهَل يُخَاطب بالمضي فِي فاسده فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم كالجماع وَالثَّانِي لَا لِأَن الرِّدَّة تحبط مَا سبق
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يفْسد بتخلل الرِّدَّة وَلَكِن لَا يعْتد بِمَا جرى فِي حَال الرِّدَّة وَذكر هَذَا فِي الْوضُوء وَالِاعْتِكَاف وَهُوَ هَاهُنَا أبعد
النَّوْع السَّادِس مُقَدمَات الْجِمَاع كالقبلة والمماسة

وَذَلِكَ حرم مُوجب للفدية والضبط فِيهِ كل ملاسة تنقض الطَّهَارَة وجد الْإِنْزَال أَو لم يُوجد
وَقَالَ مَالك لَا يجب الدَّم إِلَّا عِنْد الْإِنْزَال
ثمَّ لَا تجب الْبَدنَة بمقدمات الْجِمَاع وَإِنَّمَا تجب الشَّاة
وَفِي وجوب الْفِدْيَة بالاستمناء فِي الصَّوْم وَجْهَان
وَمن مُقَدمَات الْجِمَاع النِّكَاح والإنكاح وهما محرمان على الْمحرم وَلكنه لَا فديَة لِأَنَّهُ لَا ينْعَقد وَفِي رَجْعَة الْمحرم وشهادته كَلَام
فَإِن قيل لَو بَاشر جَمِيع هَذِه الْمَحْظُورَات هَل يتداخل الْوَاجِب أم لَا قُلْنَا إِن اخْتلف الْجِنْس لم يتداخل كالاستهلاك مَعَ الِاسْتِمْتَاع وَإِن اخْتلف النَّوْع فِي الاستهلاكات لم يتداخل أَيْضا كالقلم وَالْحلق لِأَن الِاسْتِهْلَاك بعيد عَن التَّدَاخُل وَلَا خلاف فِي أَن جَزَاء الصيور لَا يتداخل وَأما الاستمتاعات إِن اتَّحد النَّوْع وَالزَّمَان وَالْمَكَان تداخلا كَمَا إِذا لبس الْعِمَامَة والقميص والسراويل والخف على التَّوَاتُر الْمُعْتَاد فيكفيه دم وَاحِد وَإِن استدام جَمِيع الْإِحْرَام

(2/691)


وَلَو تخَلّل بَينهمَا زمَان فاصل فَقَوْلَانِ أَحدهمَا لَا يتداخل للمنقطع وَالثَّانِي نعم لِاتِّحَاد النَّوْع واتحاد الْعِبَادَة مَعَ أَنه وَاجِب يفرق فِيهِ بَين الساهي والعامد فَيُشبه الْحُدُود بِخِلَاف الْجِمَاع فِي يَوْمَيْنِ من رَمَضَان لِأَنَّهُ يلاقي عبادتين
فَأَما إِذا اخْتلف النَّوْع فِي الِاسْتِمْتَاع كالتطيب واللبس فَالظَّاهِر التَّعَدُّد وَفِيه وَجه أَنه يلْحق اخْتِلَاف النَّوْع باخْتلَاف الزَّمَان
فروع ثَلَاثَة

الأول حَيْثُ حكمنَا بالتداخل فَلَو تخَلّل تَكْفِير منع التَّدَاخُل كَمَا إِذا تخَلّل حد بَين زنيتين إِلَّا إِذا قصد بالتكفير الْمَاضِي والمستقبل جَمِيعًا وَقُلْنَا يجوز تَقْدِيم الْكَفَّارَة على مَحْظُورَات الْإِحْرَام فَفِي امْتنَاع التَّدَاخُل بِهِ وَجْهَان
الثَّانِي إِذا حكمنَا بِتَعَدُّد الْوَاجِب عِنْد اخْتِلَاف نوع وَاخْتِلَاف زمَان واتحد الْعذر الشَّامِل كَمَا إِذا تداوى لمَرض وَاحِد مرَارًا أَو شج رَأسه فَاحْتَاجَ إِلَى حلق وَستر ومداواة بالطيب فَهَل يتحد الْوَاجِب لِاتِّحَاد الْعذر فِيهِ وَجْهَان
الثَّالِث لَو حلق ثَلَاث شَعرَات فِي ثَلَاثَة أَوْقَات مُتَفَرِّقَة فَإِن قُلْنَا متفرق الْأَزْمِنَة كالمجموع فَالْوَاجِب دم وَإِن قُلْنَا لَا يجمع فَثَلَاثَة دَرَاهِم أَو ثَلَاثَة أَمْدَاد
وَأما الْوَطْء إِذا تكَرر فِي زمانين فَهُوَ كالحلق فِي زمانين وَإِن قُلْنَا إِنَّه اسْتِهْلَاك
والتطيب فِي زمانين إِن قُلْنَا إِنَّه استمتاع وَأما كَثْرَة الإيلاجات فِي وطر

(2/692)


وَاحِد لَا يُوجب تعدد الْكَفَّارَة بِحَال
النَّوْع السَّابِع من الْمَحْظُورَات إِتْلَاف الصَّيْد

وَالصَّيْد محرم بشيئين أَحدهمَا الْإِحْرَام وَالْآخر الْحرم
وَالنَّظَر فِي الْإِحْرَام يتَعَلَّق بأطراف

الأول فِي الصَّيْد وَهُوَ عبارَة عَن كل متوحش مَأْكُول لَيْسَ مائيا فَهَذِهِ ثَلَاثَة قيود أما الأول فقد دخل فِيهِ الصَّيْد الْمَمْلُوك وَغَيره والمستأنس لِأَنَّهُ من جنس المتوحش وَقَالَ مَالك لَا جَزَاء فِي المستأنس وَقَالَ الْمُزنِيّ لَا جَزَاء فِي الْمَمْلُوك ويلتحق بِهَذَا الصَّيْد أجزاؤه وبيضه فِي التَّحْرِيم وَالْجَزَاء
وَأما الْمَأْكُول احْتِرَازًا عَن السبَاع والحشرات وكل مَا لَا يُؤْكَل وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خمس من الفواسق يقتلن فِي الْحل وَالْحرم الْحَيَّة والحدأة والغراب وَالْعَقْرَب وَالْكَلب الْعَقُور ويلتحق بِهِ كل مَا فِي مَعْنَاهُ
وَعند أبي حنيفَة يجب الْجَزَاء فِي الْأسد والنمر وأشباههما

(2/693)


والمتولد عَن الْمَأْكُول وَغير الْمَأْكُول لما تعَارض فِيهِ الْأَمر أوجب الشَّافِعِي فِيهِ الْجَزَاء احْتِيَاطًا
واحترزنا بِغَيْر المائي عَن صيد الْبَحْر فَإِنَّهُ حَلَال للْمحرمِ وَالْجَرَاد من صيد الْبر وَإِن كَانَ نشوءه من رَوْث السّمك على مَا قيل
والطرف الثَّانِي فِي الْأَفْعَال الْمُوجبَة للضَّمَان
وَهِي ثَلَاثَة الْمُبَاشرَة والتسبب وَالْيَد
وَلَا تخفى الْمُبَاشرَة وَكَذَا كل سَبَب يضمن بِهِ الْآدَمِيّ وَيزِيد فِي الصَّيْد أَسبَاب ثَلَاثَة
الأول لَو حفر الْمحرم بِئْرا فِي ملكه فتردى فِيهِ صيد لم يضمن وَلَو كَانَ فِي مَحل الْعدوان ضمن وَسَاكن الْحرم إِذا حفر بِئْرا فِي ملكه فَفِيهِ وَجْهَان وَوجه التَّضْمِين أَن الْملك من الْحرم أَيْضا وَلَو نصب شبكه فِي غير ملكه ضمن وَفِي ملكه وَجْهَان أظهرهمَا الْوُجُوب لِأَن الشبكة لَا تنصب إِلَّا للصَّيْد وَهَذَا جَار فِي الْمحرم
الثَّانِي لَو نفر صيدا فَتطلق وتعثر بتطلقه ضمن إِلَّا أَن يَقع ذَلِك بعد سكونه وَلَو مَاتَ بِآفَة سَمَاوِيَّة فِي وَقت النفار فَفِيهِ وَجْهَان وَوجه إِيجَاب الْجَزَاء تَنْزِيل النفار منزلَة إِثْبَات الْيَد وَلَو دلّ الْمحرم حَلَالا على الصَّيْد عصى وَلَا جَزَاء لِأَن مُبَاشرَة غَيره قطع أثر دلَالَته
الثَّالِث لَو أرسل كَلْبا ضمن مَا يصطاده وَلَو حل الرِّبَاط وَلَا صيد ثمَّ ظهر

(2/694)


صيد فَفِيهِ تردد وَلَو انحل الرِّبَاط فِي صُورَة نسب إِلَيْهَا إِلَى التَّفْرِيط فَهُوَ كحله وَأما الْيَد فَإِذا أثبت على صيد فَتلف ضمن إِلَّا إِذا أحرم وَفِي يَده صيد فَفِي لُزُوم رفع الْيَد قَولَانِ أَحدهمَا لَا يلْزمه كَمَا لَا يَنْقَطِع دوَام نِكَاحه وَإِن امْتنع ابتداؤه وَالثَّانِي يلْزمه لِأَن النَّهْي مُطلق
فَإِن قُلْنَا لَا يلْزمه فَلَو قَتله ضمن لِأَنَّهُ ابْتِدَاء فعل وَإِن مَاتَ فَلَا وَإِن قُلْنَا يجب إرْسَاله فِي زَوَال ملكه ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يَزُول بِمُجَرَّد الْإِحْرَام وَالثَّانِي أَنه لَا يَزُول إِلَّا بِالْإِرْسَال وَالثَّالِث أَنه لَا يَزُول إِلَّا بِالْإِرْسَال وَقصد التَّحْرِيم
ثمَّ لَو أخر الْإِرْسَال حَتَّى تحلل فَالْأَمْر مُسْتَمر بِالْإِرْسَال وَفِيه وَجه أَنه يَنْقَطِع
وَأما أَسبَاب الْملك فَمَا هُوَ قهري كَالْإِرْثِ لَا يمْنَع الْملك على الصَّحِيح لَكِن يجب الْإِرْسَال وَمَا هُوَ قصدي كالاصطياد فَلَا يُفِيد الْملك
وَفِي الشِّرَاء قَولَانِ كَمَا فِي شِرَاء الْكَافِر عبدا مُسلما إِلَّا إِذا قُلْنَا إِن الْإِحْرَام بِقطع دوَام الْملك فَلَا يَصح الشِّرَاء بِحَال
فَإِن صححنا الشِّرَاء فَبَاعَهُ حرم البيع وَلَكِن انْعَقَد وَوَجَب على المُشْتَرِي الْإِرْسَال وَإِذا أرسل فَهَل يكون من ضَمَان البَائِع فِيهِ من الْخلاف مَا فِي العَبْد الْمُرْتَد هَذَا كُله من الْعَامِد والمخطئ وَالنَّاسِي كالعامد فِي الْجَزَاء إِلَّا فِي الْإِثْم لِأَن هَذَا من قبيل الغرامات

(2/695)


نعم لَو صال عَلَيْهِ صيد فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي دَفعه وَلَو أكله فِي مَخْمَصَة ضمن وَلَو عَم الْجَرَاد المسالك فوطئه الْمحرم فَفِيهِ وَجْهَان وَإِذا قصد الْمحرم لص على حمَار وَحش وَلم يتأت دَفعه إِلَّا بقتل الْحمار فَفِي الضَّمَان وَجْهَان
فرعان

الأول لَو وجد صيدا مجروحا فَأَخذه ليداويه فَمَاتَ فَالصَّحِيح أَنه لَا يضمن لِأَن يَده يَد أَمَانَة
الثَّانِي لَو أمسك محرم صيدا فَقتله مَحل فَالضَّمَان على الْمحرم وَإِن قَتله محرم فقرار الْجَزَاء على الْقَاتِل وكل وَاحِد مطَالب شرعا
الطّرف الثَّالِث فِي الْأكل وَيحل للْمحرمِ أكل صيد ذبحه مَحل إِذا لم يصد لَهُ بِإِذْنِهِ وَلَا بدلالته وَلَا بإعانته فَإِن جرى شئ من ذَلِك فَهُوَ حرَام لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام للمحرمين لحم الصَّيْد حَلَال لكم مَا لم تصطادوه أَو يصاد لكم وذبيحة الْمحرم من الصَّيْد حرَام عَلَيْهِ وَهل هُوَ ميتَة فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا نعم كذبيحة الْمَجُوس وَالثَّانِي أَنه مُبَاح وَلَا تَحْرِيم على غَيره

(2/696)


وَفِي صيد الْحرم طَرِيقَانِ فَهُوَ أولى بِأَن يَجْعَل ميتَة لِأَن الْمَانِع فِي نفس الذَّبِيح ثمَّ مهما أكل الْمحرم من صيد لزمَه جَزَاء وَلَو ذبحه لم يتَكَرَّر الْجَزَاء بِالْأَكْلِ خلافًا لأبي حنيفَة وَلَو أكل من صيد دلّ عَلَيْهِ لزمَه الْجَزَاء على أحد الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ لم يضمن أَصله
الطّرف الرَّابِع فِي بَيَان الْجَزَاء وَله ثَلَاث خِصَال الْمثل من النعم أَو بِقدر قيمَة النعم من الطَّعَام أَو بِقدر كل مد من الطَّعَام يَوْم من الصَّوْم فَإِن انْكَسَرَ مد كمل وَهُوَ يتَخَيَّر بَين هَذِه الثَّلَاثَة فَإِن لم يكن الصَّيْد مثلِيا فَالْوَاجِب طَعَام بِقدر قِيمَته أَو عدل ذَلِك صياما
وَالْعبْرَة فِي قيمَة الصَّيْد مَحل الْإِتْلَاف وَفِي قيمَة النعم بِمَكَّة لِأَنَّهُ مَحل ذبحه
فَإِن قيل وَكَيف يجب الْمثل من النعم قُلْنَا يرْعَى فِي الْمُمَاثلَة فِي الْخلقَة وَالْكبر والصغر وَمَا وجد للصحابة فِيهِ قَضِيَّة اتبعت فقد حكمُوا فِي النعامة ببدنة وَفِي حمَار الْوَحْش ببقرة وَفِي الضبع بكبش وَفِي الأرنب عنَاق وَفِي أم حبين وَهُوَ من صغَار الضَّب جدي صَغِير وَفِي الظبي عنز وَفِي الْكَبِير كَبِير وَفِي الصَّغِير صَغِير فَإِن لم يجد نَص الصَّحَابَة حكم بِالِاجْتِهَادِ ذَوا عدل من الْمُسلمين
فَإِن كَانَ الْقَاتِل أحد العدلين وَكَانَ مخطئا فِي الْقَتْل كَيْلا يفسق فِيهِ وَجْهَان

(2/697)


أقيسهما الْمَنْع إِذْ لَا يكون الْوَاحِد حَاكما ومحكوما عَلَيْهِ لَكِن رُوِيَ أَن عمر رَضِي الله عَنهُ شاور أحد الصَّحَابَة فِي صيد قَتله فتوافقا على التَّعْدِيل بِشَاة فَأَما مَا لَيْسَ مثلِيا كالعصافير وَمَا دون الْحمام وكالجراد والبيص فَفِيهَا الطَّعَام بِقدر قيمتهَا أَو الصّيام وَفِي الْحمام شَاة لقَضَاء الصَّحَابَة وَفِي مَعْنَاهُ كل مَا عب وهدر من الْقمرِي والدمسي والفواخت وَفِيمَا فَوق الْحمام من الطُّيُور قَولَانِ أَحدهمَا الشَّاة إِلْحَاقًا بالحمام لِأَنَّهُ أكبر مِنْهُ وَالثَّانِي لَا إِذْ لم يحكم الصَّحَابَة بالمشابهة شكلا بل لَعَلَّ ذَلِك لِلْخلقِ الْجَامِع وَهُوَ الِاسْتِئْنَاس
فروع سِتَّة

الأول الْمَعِيب يُقَابل بِالنعَم الْمَعِيب إِذا اتَّحد جنس الْمَعِيب فَإِن اخْتلف لم يجْبر عيب بفصيله وَكَذَا الْمَرِيض بالمريض وَفِي مُقَابلَة الذّكر بِالْأُنْثَى ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا الْجَوَاز لِأَن الِاخْتِلَاف فِيهِ لَا يقْدَح فِي الْمَقْصُود كالاختلاف فِي اللَّوْن وَالثَّانِي الْمَنْع لِأَنَّهُ اخْتِلَاف فِي الخلفة وَالثَّالِث أَن الْأُنْثَى تُجزئ عَن الذّكر لِأَنَّهَا أفضل مِنْهُ فِي الزَّكَاة وَأما الذّكر فَلَا يُجزئ عَن الْأُنْثَى
وَهَذَا الِاخْتِلَاف إِنَّمَا يحْتَمل إِذا لم يظْهر أَثَره فِي خبث اللَّحْم ونقصان الْقيمَة

(2/698)


وَالثَّانِي لَو قتل ظَبْيَة حَامِلا لَا فَائِدَة فِي ذبح شَاة حَامِل إِذْ تبطل فَضِيلَة الْحمل بِالذبْحِ فَليرْجع إِلَى تَعْدِيل الطَّعَام بِقِيمَة الشَّاة الْحَامِل وَقيل يخرج شَاة حَامِلا تعدل قيمَة الْحَامِل
وَإِن أَلْقَت الظبية جَنِينا مَيتا بِجِنَايَة فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا مَا ينقص من الْأُم
وَقَالَ أَو ثَوْر يلْزم عشر قيمَة الْأُم
وَلَو مَاتَت الْأُم مَاتَ الْجَنِين بعد انْفِصَاله فَعَلَيهِ جزاؤهما جَمِيعًا
الثَّالِث إِن جرح ظَبْيًا فنقص من قِيمَته الْعشْر فَعَلَيهِ الْعشْر من ثمن شَاة نَص عَلَيْهِ وَإِنَّمَا لم يجب عَلَيْهِ الْعشْر من الشَّاة حذارا من التجزئة وَقَالَ الْمُزنِيّ عَلَيْهِ عشر شَاة فَقيل هُوَ الصَّحِيح
الرَّابِع إِذا جنى على صيد فأزمته فَالظَّاهِر فِيهِ كَمَال الْجَزَاء كَمَا فِي قطع يَدي العَبْد وَقيل قسط من الْقيمَة أَو الْمثل وَهُوَ بعيد فَلَو أتلف هَذَا المزمن محرم فَعَلَيهِ جَزَاؤُهُ معيبا
وَلَو أبطل من النعامة قُوَّة الْمَشْي وَقُوَّة الطيران وَله امتناعات فَفِي تعدد الْجَزَاء وَجْهَان
وَلَو أزمنه ثمَّ قَتله اتَّحد الْجَزَاء كَمَا فِي النَّفس
الْخَامِس إِذا كسر بيض نعَامَة وَكَانَت مذرة فَلَا شئ عَلَيْهِ وَإِن كَانَت

(2/699)


للقشرة قيمَة لِأَنَّهُ لم يبْق حُرْمَة الرّوح وَلَو نفر طيرا عَن بيض حَتَّى فسد ضمن
السَّادِس المحرمون إِذا اشْتَركُوا فِي قتل صيد فَعَلَيْهِم جَزَاء وَاحِد خلافًا لأبي حنيفَة فَإِنَّهُ شبه بِالْكَفَّارَةِ والقارن إِذا قتل صيدا فَعَلَيهِ جَزَاء وَاحِد كالدية وَلَو قتل الْمحرم صيدا حرميا لم يَتَعَدَّد الْجَزَاء نظرا منا إِلَى اتِّحَاد الْمُتْلف
وَهَذِه الْفُرُوع جَارِيَة فِي صيود الْحرم
السَّبَب الثَّانِي للتَّحْرِيم الْحرم

وَالنَّظَر فِي ثَلَاثَة أَطْرَاف

الأول السَّبَب كل صيد يضمن بِالْإِحْرَامِ يضمن بِالْحرم وَكَذَا السَّبَب كالسبب وَيخْتَص هَذَا بِأُمُور
الأول لَو أَدخل الْحرم صيدا مَمْلُوكا لم يحرم عَلَيْهِ بل كَانَ كالنعم بِخِلَاف مَا سبق
الثَّانِي لَو كَانَ الصَّيْد فِي الْحرم والواقف فِي الْحل أَو كَانَ فِي الْحل والواقف فِي الْحرم فَرمى وَجب الضَّمَان وَلَو قطع السهْم فِي مروره هَوَاء طرف الْحرم والرامي وَالصَّيْد كِلَاهُمَا فِي الْحل فَفِيهِ وَجْهَان وَلَو أرسل فِي الْحل إِلَى الصَّيْد فِي الْحل كَلْبا فتخطى الْكَلْب طرف الْحرم فَلَا جَزَاء إِلَّا إِذا لم يكن لَهُ طَرِيق سوى الْحرم وَلَو اصطاد حمامة فِي الْحل فَهَلَك لَهَا فرخ فِي الْحرم أَو بِالْعَكْسِ ضمن كَمَا فِي الرَّمْي وَلَو نفر

(2/700)


صيدا حرميا فَنَكس فِي طرف الْحل قبل سكُوت النفار ضمن
الطّرف الثَّانِي فِي الْجَزَاء وَحكمه حكم الْإِحْرَام وَقَالَ أَبُو حنيفَة يُفَارِقهُ فِي أَن الصَّوْم لَا يدْخل جَزَاؤُهُ وَعِنْدنَا وَلَا فرق فَأَما الشّجر والحشيش فَإِنَّهُمَا يحرمان فِي الْحرم لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله تَعَالَى حرم مَكَّة لَا يعضد شَجَرهَا وَلَا يخْتَلى خلاؤها وَلَا ينفر صيدها وَلَا تحل لقطها إِلَّا لِمُنْشِد قَالَ الْعَبَّاس إِلَّا الْإِذْخر فَإِنَّهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتنَا وسقوفنا فَقَالَ إِلَّا الْإِذْخر إِلَّا الْإِذْخر
وَاخْتلفُوا فِي أَن غير الْإِذْخر لَو مست إِلَيْهِ حَاجَة دَوَاء أَو حَاجَة الْإِذْخر فَهَل يلْحق بِهِ
ثمَّ لَا يحرم من نَبَات الْحرم إِلَّا مَا لَا يستنبت فِي جنسه كالعوسج والطرفا والأراك دون النخيل والصنوبر وَالْخلاف
فَلَو استنبت مَا لَا يستنبت أَو نبت بِنَفسِهِ مَا يستنبت فالنظر إِلَى الْجِنْس لَا إِلَى الْحَال خلافًا لصَاحب التَّلْخِيص وعَلى هَذَا لَو نقل أراكا حرميا وعرسه فِي الْحل لم يَنْقَطِع حكم الْمحرم لكَونه مُتَعَدِّيا

(2/701)


وَلَا خلاف فِي أَن تَسْرِيح الْبَهَائِم فِي مراعيها جَائِز لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا نهى حفظا على الْبَهَائِم والصيود فَلَو اختلى لإعلاف الْبَهَائِم فَفِي التَّحْرِيم وَجْهَان ثمَّ ضَمَان الْحَشِيش وَالْأَشْجَار الصَّغِيرَة كضمان الْحَيَوَانَات الصَّغِيرَة الَّتِي لَا مثل لَهَا من النعم وَأما الشَّجَرَة الْكَبِيرَة فَفِيهَا بقرة وَفِي الصَّغِيرَة شَاة فَكَأَنَّهَا سبع الْكَبِيرَة قَالَه الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ تقليدا لِابْنِ الزبير وَفِي الْقَدِيم قَول أَن تَأْثِير الْحرم فِي النَّبَات مَقْصُور على التَّحْرِيم فَلَا ضَمَان فِيهِ
الطّرف الثَّالِث فِي مَوَاضِع الْحرم

وَالْأَصْل مَكَّة وَالْمَدينَة مُلْحقَة بهَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حرمت مَا بَين لابتيها فَهِيَ فِي التَّحْرِيم كمكة وَفِي الضَّمَان وَجْهَان أَحدهمَا يجب قِيَاسا عَلَيْهِ وَالثَّانِي لَا إِذْ ورد فِيهِ سلب ثِيَاب الصَّائِد فَكَأَنَّهُ أوجب هَذِه الْجِنَايَة
وَفِي حكم سلبه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه فِي بَيت المَال وَالْآخر أَنه يفرق على محاويج الْمَدِينَة القاطنين بهَا والعابرين كَمَا فِي الْجَزَاء وَالثَّالِث أَنه للسالب لما رُوِيَ أَن سَعْدا رَحمَه الله تَعَالَى طُولِبَ هَذَا السَّلب فَقَالَ مَا كنت لأرد شَيْئا

(2/702)


أمرنيه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْموضع الثَّالِث وَج الطَّائِف وَقد نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن صيدها وشجرها وكلأها
قَالَ صَاحب التَّلْخِيص من فعل ذَلِك أدبه الْحَاكِم وَلم ألزمهُ شَيْئا قلته تخريجا
قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ هَذَا تردد فِي الْكَرَاهِيَة وَالتَّحْرِيم فَإِن ثَبت تَحْرِيمه لم يبعد الضَّمَان كالمدينة وَالظَّاهِر نفي الضَّمَان
الرَّابِع النقيع وَقد حماه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للصدقات وَلَا يمْنَع إِلَّا من كلأه فَإِن تعرض بِهِ فَفِي ضَمَانه بِالْقيمَةِ وَجْهَان وَلَا سلب وَفِي أشجاره تردد لترددها بَين الصَّيْد والحشيش

(2/703)


فرع

من يسلب بِالْمَدِينَةِ فَلَا يسلب إِلَّا إِذا اصطاد أَو أرسل الْكَلْب وَيحْتَمل التَّأْخِير إِلَى الْإِتْلَاف وَلَا يفرق فِي السَّلب بَين الشّجر وَالصَّيْد وَالْمرَاد بالسلب ثِيَابه فَقَط لَا كسلب الْقَتِيل وَإِن كَانَ عَلَيْهِ حلي فَوَجْهَانِ

(2/704)


الْقسم الثَّالِث من الْكتاب فِي التوابع واللواحق

وَفِيه بَابَانِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي الْمَوَانِع من إتْمَام الْحَج - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي سِتَّة
الأول الْإِحْصَار من جِهَة الْعَدو وَهُوَ مُبِيح للتحلل فِي نَص الْقُرْآن وَذَلِكَ مَتى احْتَاجَ فِي دفع الصادين إِلَى بذل مَال وَلَو دِرْهَم أَو إِلَى قتال إِلَّا أَن يَكُونُوا كفَّارًا وَنقص عَددهمْ عَن الضعْف فَيتَعَيَّن الْقِتَال إِن كَانَ مَعَهم أهبة وَلَا يجوز التَّحَلُّل
وَلَو أحَاط الْعَدو من الجوانب فَقَوْلَانِ وَوجه الْمَنْع أَن التَّحَلُّل لَيْسَ يرِيح مِنْهُ فَأشبه الْمَرَض فَإِنَّهُ لَا يُبِيح التَّحَلُّل عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة
وَلَو شَرط التَّحَلُّل عِنْد الْمَرَض فَقَوْلَانِ الْقيَاس منع التَّحَلُّل وَالثَّانِي الْجَوَاز لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لضباعة الأسْلَمِيَّة لما تعللت بِالْمرضِ أَهلِي واشترطى أَن محلي حَيْثُ حبستنى

(2/705)


وعَلى هَذَا إِذا تحلل بِالْمرضِ فَفِي لُزُوم الدَّم وَجْهَان تَشْبِيها لَهُ بالإحصار
وَلَو شَرط التَّحَلُّل بالإحصار فَفِي سُقُوط الدَّم وَجْهَان الظَّاهِر أَنه لَا يسْقط
الْمَانِع الثَّانِي حبس السُّلْطَان فَلَو سد على جَمِيعهم جِهَة الْكَعْبَة فَهُوَ الْحصْر الْعَام وَلَو حبس شخصا أَو شرذمة فطريقان أَحدهمَا أَنه كالعام
وَالثَّانِي فِيهِ قَولَانِ وَجوز الْعِرَاقِيُّونَ التَّحَلُّل وردوا الْقَوْلَيْنِ إِلَى وجوب الْقَضَاء وَهُوَ أوجه
الثَّالِث الرّقّ فللسيد أَن يمْنَع عَبده الْمحرم من الْخُرُوج إِذا أحرم بِغَيْر إِذْنه وَلَا يحلله إِن أحرم بِإِذْنِهِ خلافًا لأبي حنيفَة ثمَّ إِذا مَنعه السَّيِّد تحلل تحلل الْمحصر وَلكنه لَا دم لَهُ فَهَل يتَوَقَّف تحلله على الْيَسَار بِالْعِتْقِ فِيهِ خلاف مُرَتّب على الْمحصر الْمُعسر
فَإِن قُلْنَا يتَحَلَّل من غير دم فَمَاتَ وأراق السَّيِّد عَنهُ دَمًا وَقع عَنهُ لِأَن الْمَالِك امْتنع فِي الْحَيَاة لكَونه مَمْلُوكا مسخرا وَلَا يسخر بعد الْمَوْت
الرَّابِع الزَّوْجِيَّة فالمستطيعة لحج الْإِسْلَام هَل للزَّوْج منعهَا عَن الْخُرُوج لِأَن الْحَج على التَّرَاخِي وَحقّ الزَّوْج على الْفَوْر فِيهِ قَولَانِ فَإِن أَحرمت فَفِي الْمَنْع قَولَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا يجوز وَإِن أَحرمت لحجة التَّطَوُّع فَفِي الْمَنْع قَولَانِ وَأولى بِالْجَوَازِ وَإِن كَانَ التَّطَوُّع أَيْضا يلْزم بِالشُّرُوعِ فَإِن قُلْنَا لَهُ الْمَنْع من الْخُرُوج فعلَيْهَا أَن تحلل تحلل الْمُعسر فَإِن لم تفعل فالزوج يُبَاشِرهَا وَالْإِثْم عَلَيْهَا لَا على الزَّوْج
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا وَطئهَا على قصد التَّحَلُّل حصل التَّحَلُّل بِفِعْلِهِ وَكَذَا لَو حلق

(2/706)


رَأس العَبْد أَو طببه
الْخَامِس لمستحق الدّين أَن يمْنَع الْمحرم من الْخُرُوج إِن كَانَ قَادِرًا مُوسِرًا وَلَيْسَ لَهُ التَّحَلُّل وَإِن كَانَ مُعسرا فَلَيْسَ لَهُ الْمَنْع وَإِن كَانَ الدّين مُؤَجّلا فَلَا يمنعهُ وَإِن قرب الْأَجَل بل عَلَيْهِ أَن يصاحبه أَو يُوكل من يُطَالِبهُ عِنْد حُلُول الْأَجَل
السَّادِس الْقَرَابَة وللأبوين منع الْوَلَد من التَّطَوُّع بِالْحَجِّ وَعَن فَرْضه طَرِيقَانِ قيل إِنَّه كالزوج وَقيل لَا يَنْتَهِي شَفَقَة الْقَرَابَة إِلَى الْمَنْع من الْفَرْض
فَإِن قيل فَمَا حكم التَّحَلُّل والفوات قُلْنَا أما الْمحصر فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ وَعَلِيهِ دم دم يريقه فِي مَحل الْإِحْصَار
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يلْزمه أَن يبْعَث إِلَى الْحرم ويتوقف عَلَيْهِ تحلله وَهُوَ إبِْطَال الرُّخْصَة
ثمَّ هَل يجوز التَّحَلُّل قبل إراقته فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ أقيم مقَام الطّواف الذى هُوَ سَبَب التَّحَلُّل وعَلى هَذَا الْمُعسر إِن قُلْنَا يعدل إِلَى الصَّوْم فَفِي توقفه على الصَّوْم قَولَانِ لِأَن الِانْتِظَار فِيهِ طَوِيل
وَالثَّانِي أَن التَّحَلُّل لَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ بل هُوَ مُوجب التَّحَلُّل لَا موقعه فيتحلل بِالْحلقِ ويكفيه نِيَّة التَّحَلُّل على الصَّحِيح
وَأما الْقَضَاء فَلَا يجب على الْمحصر بل يعود إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل الْإِحْرَام وَفِي معنى الْمحصر كل من تحلل بِمَنْع غَيره على مَا سبق

(2/707)


فَأَما إِذا فَاتَ الْحَج بنوم أَو تَقْصِير فَلَا يحل التَّحَلُّل إِلَّا بلقاء الْبَيْت بِطواف وسعي فَإِنَّهُ سَبَب التَّحَلُّل فِي الْعمرَة وَقَالَ فِي مَوضِع يطوف فَقيل يَكْفِي الطّواف وَالصَّحِيح هُوَ الأول وَلَا خلاف فِي أَنه لَيْسَ عَلَيْهِ الرَّمْي وَالْمَبِيت بل يَكْفِيهِ أَعمال الْعمرَة
ثمَّ الْمَذْهَب أَنه لَا تحصل بِهِ عمْرَة
وَأما الْعمرَة فَإِذا أحرم بهَا لم يتَصَوَّر فَوَاتهَا
ثمَّ من فَاتَهُ الْحَج يلْزمه دم وَيلْزمهُ الْقَضَاء إِن كَانَ مُتَطَوعا وَإِن كَانَ فِي فرض فالرجوع إِلَى الْفَرْض يَكْفِيهِ قَضَاء وَأَدَاء بِخِلَاف الْإِحْصَار فَإِنَّهُ لَا تَقْصِير فِيهِ فَإِن تركب الْعذر من الْفَوات والإحصار فَفِي الْقَضَاء خلاف وَذَلِكَ إِذا وجد طَرِيقا أطول مِمَّا صد عَنهُ فَعدل إِلَيْهِ وَفَاته فَفِي الْقَضَاء قَولَانِ وَلَو صابر الْإِحْرَام منتظرا لانجلاء الْإِحْصَار ففاته الْحَج فَقَوْلَانِ وَمِنْهُم من قطع بِوُجُوب الْقَضَاء لِأَنَّهُ استجلب الْفَوات إِلَى نَفسه
فرعان

الأول لَو فَاتَهُ الْحَج أَو فسد الْإِحْرَام قصد فِي بَقِيَّة إِحْرَامه عَن لِقَاء الْبَيْت فيستفيد التَّحَلُّل بالإحصار وَلَكِن لَا يسْقط عَنهُ الْقَضَاء الذى سبق لُزُومه وَعَلِيهِ دمان أَحدهمَا للإحصار وَالْآخر للفوات
الثَّانِي إِذا صد بعد الْوُقُوف عَن لِقَاء الْبَيْت فَفِي الْقَضَاء قَولَانِ وَوجه الْوُجُوب أَن الْإِحْرَام تَأَكد بِالْوُقُوفِ أما الْعِرَاقِيُّونَ قطعُوا بِسُقُوط الْقَضَاء عَن كل مَمْنُوع من لِقَاء الْبَيْت وَذكروا الْخلاف فِي المتمكن من لِقَاء الْبَيْت إِذا منع من عَرَفَة وَقَالُوا فِي الْقَضَاء

(2/708)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الدِّمَاء وأبدالها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَفِيه فصلان
الْفَصْل الأول فِي بَيَان التَّقْدِير وَالتَّرْتِيب فِي الْأَبدَان والمبدلات

والدماء ثَمَانِيَة أَنْوَاع

الأول دم التَّمَتُّع قد اجْتمع فِيهِ التَّرْتِيب وَالتَّقْدِير فِي نَص الْقُرْآن وَفِي مَعْنَاهُ دم الْقرَان وَدم الْفَوات
الثَّانِي جَزَاء الصَّيْد وَهُوَ على التَّعْدِيل والتخيير فَلَا تَرْتِيب وَلَا تَقْدِير لقَوْله تَعَالَى {هَديا بَالغ الْكَعْبَة أَو كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين أَو عدل ذَلِك صياما}
وَالثَّالِث فديَة الْحلق وَفِي بدله التَّقْدِير والتخيير أما التَّخْيِير فمنصوص فِي الْقُرْآن وَأما التَّقْدِير فمأخوذ من حَدِيث كَعْب بن عجْرَة إِذْ خَيره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الدَّم وَبَين ثَلَاثَة آصَع كل صَاع أَرْبَعَة أَمْدَاد يطعم سِتَّة مَسَاكِين وَبَين صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام

(2/709)


فَهَذِهِ الْأُصُول الثَّلَاثَة مَنْصُوص عَلَيْهَا فِي حكم التَّقْدِير وَالتَّرْتِيب
الرَّابِع الْوَاجِبَات المجبورة بِالدَّمِ فِيهَا تَرْتِيب دم إِلْحَاقًا لَهَا بالتمتع وتعديل للبدل جَريا على الْقيَاس لِأَن التَّقْدِير لَا يعرف إِلَّا تَوْفِيقًا وَأما التَّرْتِيب فَلهُ وَجه مَعْقُول وَأدْخل الْعِرَاقِيُّونَ التَّقْدِير فِي الْقيَاس وَقَالُوا بدل هَذِه الدِّمَاء كبدل التَّمَتُّع
الْخَامِس الاستمتاعات كالطيب واللبس وتغطية الرَّأْس والقبلة والاستمناء ومقدمات الْجِمَاع فِي كل وَاحِد مِنْهَا دم تَرْتِيب قِيَاسا على التَّمَتُّع وَهُوَ دم تَعْدِيل جَريا على الْقيَاس وَفِي قَول آخر أَنَّهَا دم تَخْيِير اعْتِبَارا بِالْحلقِ والعراقيون اعتبروه بِالْحلقِ أَيْضا بالتقدير وَهُوَ أبعد وَأما الْقَلَم فَهُوَ فِي معنى الْحلق فَيظْهر إِلْحَاقه بِهِ
السَّادِس دم الْجِمَاع وَفِي الْجِمَاع الْمُفْسد بَدَنَة فَإِن لم يجد فبقرة فَإِن لم يجد فسبع من الْغنم فَإِن عجز قوم الْبَدنَة دَرَاهِم وَالدَّرَاهِم طَعَاما وَصَامَ عَن كل مد يَوْمًا فَهُوَ دم تَعْدِيل وترتيب
وَنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على التَّعْدِيل فِيهِ دَلِيل على أَنه لَيْسَ يدْخل التَّقْدِير فِي الْقيَاس إِذْ لم يلْحقهُ بِالْحلقِ وَفِيه قَول آخر أَنه دم تَخْيِير وَقيل إِنَّا وَإِن قُلْنَا بالترتيب فَلَا تَرْتِيب بَين الْبَدنَة وَالْبَقَرَة والشياه السَّبْعَة
السَّابِع الْجِمَاع الثَّانِي أَو الْجِمَاع بَين التحللين إِن قُلْنَا فِيهِ بَدَنَة فَهُوَ كالجماع الأول وَإِن قُلْنَا شَاة فَهُوَ كالقبلة واللمس
الثَّامِن دم التَّحَلُّل بالإحصار وَهُوَ شَاة فِي نَص الْكتاب فَإِن أعْسر أَو تعذر

(2/710)


فَهَل لَهُ بدل فعلى قَوْلَيْنِ أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ لم ينص على بدله وَنَصّ على بدل غَيره وَالثَّانِي أَنه يجب قِيَاسا للمسكوت عَنهُ على الْمَنْطُوق بِهِ
فَإِن قُلْنَا يجب فَبِأَي أصل يلْحق فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه مثل دم التَّمَتُّع تَرْتِيب وَتَقْدِير
وَالثَّانِي أَنه كَدم الْحلق تَقْدِير وتخيير لِأَنَّهُ تخلص من الْأَذَى وَالثَّالِث أَنه مثل دم الْوَاجِبَات المجبورة تَعْدِيل وترتيب لِأَنَّهُ ترك الْأَفْعَال الْوَاجِبَة

(2/711)


الْفَصْل الثَّانِي فِي مَحل إِرَاقَة الدِّمَاء وزمانها

أما الزَّمَان فَلَا يخْتَص شييء من دِمَاء المحضورات والجبرانات بعد جَرَيَان سَببهَا بِزَمَان وَإِنَّمَا يخْتَص بأيام النَّحْر الضَّحَايَا وَكَذَا دم التَّمَتُّع وَالْقرَان وَأما دم الْفَوات فيراق فِي الْحجَّة الْفَائِتَة أَو فِي الْحجَّة المتقضية فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا فِي الْفَائِتَة لِأَن السَّبَب قد تحقق وَالثَّانِي لَا لمعنيين أَحدهمَا أَن هَذِه حجَّة نَاقِصَة وَكَأن الْفَوات أوجب الْقَضَاء وَالدَّم فيريق فِي الْقَضَاء وَلِأَنَّهُ شَبيه بالتمتع لِأَنَّهُ أَتَى بِأَفْعَال عمْرَة وتمتع بالتحلل ليؤدي حجَّة فِي السّنة الثَّانِيَة وعَلى هَذَا الْمَعْنى لَا يمْتَنع تَقْدِيمه على الْقَضَاء إِذْ جَوَّزنَا تَقْدِيم دم التَّمَتُّع على الْحَج وَإِنَّمَا يمْتَنع ذَلِك فِي الصَّوْم
وَأما الْمَكَان فَيخْتَص جَوَاز الإراقة بِالْحرم خلافًا لأبي حنيفَة وَالْأَفْضَل النَّحْر فِي الْحَج بمنى فِي الْعمرَة عِنْد الْمَرْوَة لِأَنَّهُمَا مَحل تحللها وَقد قيل لَو ذبح على طرف الْحرم وَفرق غضا طريا على مَسَاكِين الْحرم جَازَ وَقد قيل من ارْتكب مَحْظُورًا أراقه فِي مَحل الارتكاب وَقيل مَا لزم بِسَبَب مُبَاح بِعُذْر لَا يخْتَص بمَكَان وَمَا عصى بِسَبَبِهِ فاختص بِالْحرم وَهَذِه الْوُجُوه الثَّلَاثَة بعيدَة وَأما الْأكل من هَذِه الدِّمَاء فَسَيَأْتِي حكمه فِي الضَّحَايَا واختتام الْكتاب بِبَيَان الْأَيَّام المعلومات وَهِي الْعشْر الأولى من ذِي الْحجَّة عندنَا وفيهَا الْمَنَاسِك وَأما المعدودات فَهِيَ أَيَّام التَّشْرِيق وفيهَا الْهَدَايَا والضحايا

(2/712)


تمّ بِحَمْد الله ربع الْعِبَادَات من كتاب الْوَسِيط فِي الْمَذْهَب فِي الثَّامِن عشر من شهر رَمَضَان الْمُبَارك سنة ألف وَأَرْبَعمِائَة وَسِتَّة عشر لِلْهِجْرَةِ والموافق الْعَاشِر من فبراير سنة ألف وَتِسْعمِائَة وَسِتَّة وَتِسْعين وَذَلِكَ يَوْم الْخَمِيس عصرا وَالْحَمْد لله الذى بنعمته تتمّ الصَّالِحَات ونسأل الله الْعَفو والعافية فِي الدّين وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَآخر دعوانا أَن الْحَمد لله رب الْعَالمين

(2/713)