الوسيط في المذهب

0 -. = كتاب البيع =
{وَأحل الله البيع} وَاجْتمعت الْأمة على كَونه سَببا لإِفَادَة الْملك وَالنَّظَر فِي أَحْكَامه يتَعَلَّق بِخَمْسَة أَقسَام الْقسم الأول فِي صِحَّته وفساده وَالثَّانِي فِي لُزُومه وجوازه وَالثَّالِث فِي حكمه قبل الْقَبْض وَبعده وَالرَّابِع فِيمَا يَقْتَضِيهِ مُطلق أَلْفَاظه فِي الثِّمَار وَالْأَشْجَار واستتباع الْأُصُول الْفُرُوع وَالْخَامِس فِي مداينة العبيد وتصرفاتهم

(3/3)


الْقسم الأول فِي بَيَان صِحَّته وفساده وَفِيه أَرْبَعَة أَبْوَاب
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَان البيع وَهِي ثَلَاثَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الْعَاقِد والمعقود عَلَيْهِ وَصِيغَة العقد فَلَا بُد مِنْهَا لوُجُود صُورَة العقد

(3/5)


الرُّكْن الأول الصِّيغَة وَهِي الْإِيجَاب وَالْقَبُول
وَسبب اعْتِبَارهَا الِاسْتِدْلَال بهما على الرِّضَا فَإِن الأَصْل هُوَ التَّرَاضِي وَلَكِن الرِّضَا خَفِي فيناط الحكم بِسَبَب ظَاهر يدل عَلَيْهِ
وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل ثَلَاث مسَائِل نذكرهُ فِي معرض السُّؤَال فَإِن قيل فليكتف بالمعاطاة فَإِنَّهَا دلَالَة على الرِّضَا فِي المحقرات قُلْنَا الْأَفْعَال مترددة مَا صيغت للدلالة على الضمائر وَإِنَّمَا الْعبارَات هِيَ الْمَوْضُوعَة لهَذَا الْغَرَض فَكَانَ الحكم مَنُوطًا بهَا
وَقد ذهب أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِلَى الِاكْتِفَاء بِهِ فِي المحقرات وَهُوَ قَول خرجه ابْن سُرَيج

(3/8)


فَإِن قيل فليكتف بقوله بِعني وَقَول الْمُخَاطب بِعْت قُلْنَا فِيهِ وَجْهَان أقيسهما الِاكْتِفَاء بِهِ كَمَا فِي النِّكَاح وَالثَّانِي لَا يكْتَفى بِهِ لِأَنَّهُ قد يَقُول بِعني لاستبانة الرَّغْبَة فينوب عَن قَوْله هَل تبيع وَأما النِّكَاح فَلَا يقدم عَلَيْهِ فَجْأَة فِي غَالب الْأَمر فَتكون الرَّغْبَة قد ظَهرت من قبل

(3/9)


فَإِن قيل فلينعقد بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّة فَإِنَّهَا تدل على الرِّضَا قُلْنَا قطع الْأَصْحَاب بذلك فِي الْخلْع وَالْكِتَابَة وَالصُّلْح عَن دم الْعمد وَالْإِبْرَاء وكل مَا يتَصَوَّر الِاسْتِقْلَال بمقصوده دون قبُول الْمُخَاطب فِي بعض الْأَحْوَال لِأَنَّهُ لَيْسَ يعْتَمد فهم الْمُخَاطب وَقَطعُوا بِالْبُطْلَانِ فِي النِّكَاح وَبيع الْوَكِيل إِذا شَرط عَلَيْهِ الْإِشْهَاد لَان الشُّهُود لَا يطلعون على النِّيَّة وَاخْتلفُوا على الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُعَاوَضَات الْمَحْضَة وَوجه الْمَنْع أَن الْإِيجَاب وَالْقَبُول سَبَب لقطع النزاع إِذا كَانَ صَرِيحًا والنيات يطول فِيهَا النزاع فليشترط التَّصْرِيح للْمصْلحَة كَمَا فِي النِّكَاح فَإِن قيل فَلَو توافرت الْقَرَائِن حَتَّى أفادت الْعلم انْقَطع الِاحْتِمَال والنزاع قُلْنَا أما النِّكَاح فَفِيهِ تعبد للشَّرْع فِي اللَّفْظ وَأما البيع الْمُقَيد بِالْإِشْهَادِ وَغَيره فَالظَّاهِر عِنْدِي الِانْعِقَاد وان لم يتَعَرَّض لَهُ الْأَصْحَاب

(3/10)


الرُّكْن الثَّانِي الْعَاقِد
وأهلية الْمُعَامَلَات تستفاد من التَّكْلِيف فتصرفات الصَّبِي وَالْمَجْنُون بِإِذن الْوَلِيّ وَدون إِذْنه وبالغبطة والغبينة بَاطِلَة خلافًا لأبي حنيفَة نعم فِي تَدْبيره ووصيته وَرِوَايَته وإسلامه خلاف يَأْتِي فِي مَوْضِعه وَفِي البيع الَّذِي يختبر بِهِ الصَّبِي لإيناس الرشد خلاف وَالْأولَى مَنعه وَلَا يعْتد بِقَبض الصَّبِي أَيْضا فَإِنَّهُ سَبَب ملك أَو ضَمَان فَلَو قَالَ أد حَقي إِلَى

(3/12)


الصَّبِي فَأدى لم يبرأ لَان مَا فِي الذِّمَّة لَا يتَعَيَّن ملكا إِلَّا بِقَبض صَحِيح بِخِلَاف مَا لَو قَالَ رد الْوَدِيعَة إِلَيْهِ فَإِن الْوَدِيعَة متعينة وَلَو سلم الصَّبِي درهما إِلَى صراف لينقده لَهُ فَأَخذه دخل فِي ضَمَانه فليرده على وليه وَلَو رد عَلَيْهِ لم يبرأ
وَفِي إِخْبَار الصَّبِي عَن التَّمْلِيك فِي إِيصَال الْهَدِيَّة وَعَن الْإِذْن عِنْد فتح الْبَاب طَرِيقَانِ مِنْهُم من خرجه على الْخلاف فِي رِوَايَته وَمِنْهُم من قطع بِالْقبُولِ اقْتِدَاء بالأولين وَعَادَة السّلف وَلَا شكّ فِي الْقبُول إِذا ظَهرت الْقَرَائِن فان الْعلم إِذا حصل سقط اثر إخْبَاره
أما إِسْلَام الْعَاقِد فَغير مَشْرُوط إِلَّا فِي شِرَاء العَبْد الْمُسلم وَفِيه قَولَانِ أَحدهمَا أَنه لَا يَصح من الْكَافِر لما فِيهِ من الذل وَلِأَنَّهُ يقطع ملكه لَا محَالة فَدفعهُ أولى وَالثَّانِي أَنه يَصح لَان الْملك مُتَصَوّر لَهُ على الْمُسلم فِي الْإِرْث فسبب الْملك صَحِيح فِي حَقه وَالأَصَح الْمَنْع خلافًا لأبي حنيفَة
وَفِي شِرَاء الْكَافِر الْمُصحف قَولَانِ مرتبان وَأولى بِالْمَنْعِ لَان العَبْد يدْفع الذل عَن نَفسه

(3/13)


وَفِي الْملك الَّذِي يستعقب الْعتْق كَشِرَاء الْكَافِر وَلَده الْمُسلم أَو كشرائه من شهد من قبل بحريَّته وَجْهَان مرتبان وَأولى بِالصِّحَّةِ لاستعقابه الْحُرِّيَّة ضَرُورَة
وَلَو قَالَ الْكَافِر اعْتِقْ عَبدك الْمُسلم عَليّ فَأعتق فَفِي وُقُوعه عَنهُ وَجْهَان مرتبان وَهَذَا أولى بالنفوذ لَان الْملك حصل ضمنا فيبعد اعْتِبَار الشَّرَائِط فِيهِ
التفريغ إِن أبطلنا الشِّرَاء فَعَلَيهِ فروع أَرْبَعَة

أَحدهَا فِي الارتهان والاستئجار وَجْهَان أَحدهمَا يَصح إِذْ لَيْسَ فيهمَا ملك وَالثَّانِي الْمَنْع لِأَن الِاسْتِيلَاء بِالِانْتِفَاعِ وَالْحَبْس إذلال فان صححنا الْإِجَارَة فَهَل يُكَلف الْكَافِر أَن يؤاجره من مُسلم فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يلْزمه كَمَا فِي الشِّرَاء وَالثَّانِي لَا إِذْ الْمُسلم إِذا عمل باجرة لم يكن فِيهِ ذل وَكَأَنَّهُ يعْمل لنَفسِهِ وَالْأولَى جَوَاز الرَّهْن وَالْإِجَارَة كَمَا فِي الْإِيدَاع والإعارة وَأما الْإِجَارَة الْوَارِدَة على الذِّمَّة فَلَا خلاف فِي جَوَازهَا
وَالثَّانِي الْمُسلم إِذا اشْترى العَبْد الْمُسلم لكَافِر لم يَصح وَإِن اشْتَرَاهُ الْكَافِر لمُسلم إِن صرح بِالْإِضَافَة إِلَى الْمُسلم صَحَّ وَإِن أضمر فَوَجْهَانِ يبتنيان على

(3/14)


تعلق الْعهْدَة بالوكيل
الثَّالِث إِذا اشْترى الْمُسلم عبدا مُسلما من كَافِر بِثَوْب فَوجدَ الْكَافِر عَيْبا بِالثَّوْبِ فَفِي رده ليعود العَبْد إِلَيْهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ توصل إِلَى جلب الْملك بِالِاخْتِيَارِ وَالثَّانِي يجوز لَان الِاخْتِيَار فِي الرَّد أما عود الْعِوَض إِلَيْهِ فَيَقَع ضَرُورَة قهرا وَكَذَلِكَ الْمُسلم إِذا وجد عَيْبا بِالْعَبدِ فَفِي رده إِلَيْهِ وَجْهَان لِأَنَّهُ مَمْنُوع عَن التَّمْلِيك كَمَا يمْنَع الْكَافِر عَن التَّمْلِيك ثمَّ إِذا منعنَا الرَّد تعين الارش وَكَانَ ذَلِك عذرا مَانِعا
الرَّابِع لَو كَانَ العَبْد كَافِرًا فَأسلم قبل الْقَبْض فينفسخ العقد كَمَا يَنْفَسِخ بِالْمَوْتِ أَو يثبت الْخِيَار كَمَا يثبت بالإباق فِيهِ وَجْهَان وتشبيهه بالاباق أولى هَذَا إِذا اشْتَرَاهُ من مُسلم فان اشْتَرَاهُ من كَافِر فَفِي الِانْفِسَاخ وَجْهَان مرتبان

(3/15)


وَأولى بألا يَنْفَسِخ لِأَنَّهُ كَيْفَمَا تردد انْقَلب إِلَى كَافِر فالاستصحاب أولى فَإِن قضينا بِبَقَاء العقد فيقبضه الْكَافِر ثمَّ يُبَاع عَلَيْهِ أم يَسْتَنِيب القَاضِي عَنهُ من يقبضهُ كَيْلا يذل العَبْد بِقَبْضِهِ فِيهِ وَجْهَان وَإِن فرعنا على قَول الصِّحَّة فَيُبَاع عَلَيْهِ بعد قَبضه أَو قبض القَاضِي عَنهُ على وَجه وَكَذَلِكَ مَتى أسلم فِي دوَام الْملك فَلَو مَاتَ قبل البيع بيع على وَارثه وَيَنْقَطِع عَنهُ الْمُطَالبَة بِالْإِعْتَاقِ وكل مَا يزِيل الْملك وَلَا يَنْقَطِع بِالتَّزْوِيجِ وَالرَّهْن وَالْإِجَارَة وَهل يَنْقَطِع بِالْكِتَابَةِ وان كَانَت لَا تزيل الْملك فِي الْحَال لإفضائها إِلَى الزَّوَال وَلُزُوم الْحجر فِي الْحَال فِيهِ وَجْهَان وَأولى بالاكتفاء بهَا وَلَو رَضِي بالحيلولة بَينهمَا لم يكتف بِهِ إِلَّا فِي الْمُسْتَوْلدَة فان بيعهَا مُتَعَذر وإعتاقها تخسير فيستكسبها لأَجله فِي يَد غَيره وَقيل انه تعْتق عَلَيْهِ وَهُوَ بعيد

(3/16)


الرُّكْن الثَّالِث الْمَعْقُود عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَبِيع

وَله خَمْسَة شَرَائِط وَهُوَ أَن يكون طَاهِرا مُنْتَفعا بِهِ مَمْلُوكا للعاقد أَو لمن يَقع العقد لَهُ مَقْدُورًا على تَسْلِيمه مَعْلُوما للمتعاقدين
الشَّرْط الأول الطَّهَارَة
وَلَا يجوز بيع السرقين وَسَائِر الْأَعْيَان النَّجِسَة خلافًا لأبي حنيفَة ومعتمد الْمَذْهَب الْإِجْمَاع على بطلَان بيع الْخمر والجيفة والعذرة وَمَنْفَعَة الْعذرَة تسميد

(3/17)


الأَرْض وَمَنْفَعَة الجيفة إطعامها لجوارح الطُّيُور وَمَنْفَعَة الْخمر مصيرها خلا كَمَا يصير الصَّغِير ابْن الْيَوْم مُنْتَفعا بِهِ فِي الْكبر فَلَا عِلّة لبُطْلَان بيعهَا إِلَّا النَّجَاسَة
فرع
الودك النَّجس بِوُقُوع نَجَاسَة فِيهِ أَن حكمنَا بِإِمْكَان غسله جَازَ بَيْعه وَإِلَّا ابتني على جَوَاز الاستصباح بِهِ وَفِيه قَولَانِ وَوجه الْمَنْع انتشار دخانه النَّجس مَعَ تعذر الِاحْتِرَاز عَنهُ وبالنجاسة يُعلل عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ امْتنَاع بيع الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَقد ورد الْخَبَر فِيهِ أَيْضا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك يَصح بَيْعه وَالْخِنْزِير لَا يُبَاع وفَاقا وَمَا يتَوَلَّد من الْكَلْب وَالْخِنْزِير أَو من أَحدهمَا وحيوان طَاهِر فَلهُ حكمهمَا فِي بطلَان البيع

(3/18)


الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون مُنْتَفعا بِهِ
فبه تتَحَقَّق الْمَالِيَّة وَمَا لَا مَنْفَعَة لَهُ ثَلَاثَة أَقسَام
أَحدهَا أَن تسْقط الْمَنْفَعَة للقلة كالحبة من الْحِنْطَة وَمَا لَيْسَ لَهُ مَنْفَعَة محسوسة فِي ذَاته إِلَّا بِضَم غَيره إِلَيْهِ فبيعه بَاطِل وَمن أتْلفه فَلَا شَيْء عَلَيْهِ إِذْ لَا قيمَة لَهُ وَقَالَ الْقفال عَلَيْهِ مثله إِن كَانَ من ذَوَات الْأَمْثَال وَخَالفهُ غَيره
الثَّانِي أَن تسْقط منفعَته لخسته كحشرات الأَرْض من الخنافس والعقارب وَأما الْهِرَّة والفيل والنحل فَفِيهَا مَنْفَعَة فَيجوز بيعهَا وَلَا مَنْفَعَة للأسد والنمر وَمَا

(3/19)


لَا يصطاد من السبَاع وَلَكِن فِيهَا وَفِي الْحمار الَّذِي تَكَسَّرَتْ قوائمه وَجه لَا بَأْس بِهِ أَنه يَصح بيعهَا لجلودها بِخِلَاف جلد الْميتَة فانه لَا يُبَاع لنجاسته لَا لعدم الْمَنْفَعَة
وَفِي بيع العلق وَفِيه مَنْفَعَة المص للدم والسم الَّذِي لَا يصلح إِلَّا بِالْقَتْلِ تردد وَالْأولَى الصِّحَّة وَوجه الْمَنْع انه لَا يحتفل بِهَذِهِ الْمَنْفَعَة إِذْ قد ينْتَفع بِحَبَّة وَاحِدَة تجْعَل فِي فخ الطَّائِر وَلَا يعْتد بِمثل ذَلِك
وَيجوز بيع لبن الْآدَمِيَّة خلافًا لأبي حنيفَة فانه طَاهِر منتفع بِهِ وَلَيْسَ بآدمي وَيجوز بيع المَاء على شاطئ الْبَحْر وَبيع الصَّخْرَة على الْجبَال لوُجُود الْمَنْفَعَة وَإِنَّمَا الِاسْتِغْنَاء عَنْهَا لِكَثْرَة وَكَذَا بيع التُّرَاب وَقيل المَاء لَا يملك وَهُوَ بعيد
الثَّالِث مَا سَقَطت منفعَته شرعا كالمعازف وَمَا هِيَ لغَرَض محرم لَا يصلح لغيره فتيك الْمَنْفَعَة الْمُحرمَة شرعا كالمعدومة حسا نعم أَن كَانَ رضاضة بِكَسْر بعد تَقْدِير الْكسر يتمول فَفِي صِحَة بَيْعه اعْتِمَادًا عَلَيْهِ ثَلَاثَة اوجه وَالْأَظْهَر انه إِن كَانَ من ذهب أَو فضَّة أَو عود أَو شَيْء نَفِيس صَحَّ لِأَنَّهُ

(3/20)


مَقْصُود فغلب قصد الصَّنْعَة وان كَانَ من خشب فَلَا لَان الْقَصْد مُرْتَبِط بالصنعة فَلَا يعْتَمد البيع غَيره وَفِي بيع الْقنية والكبش الَّذِي يطْلب للنطاح كَلَام سَنذكرُهُ

(3/21)


الشَّرْط الثَّالِث أَن يكون مَمْلُوكا للعاقد
فَبيع الْفُضُولِيّ مَال الْغَيْر عندنَا بَاطِل وَقَالَ أَبُو حنيفَة يقف على إِجَازَته وَهُوَ قَول قديم لم يعرفهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على قَوْلَيْنِ فِيمَن غصب أَمْوَالًا واتجر فِيهَا وَتصرف فِي أثمانها أَحدهمَا بطلَان الْبياعَات وتتبعها بِالنَّقْضِ وَهُوَ قِيَاس الْمَذْهَب وَالثَّانِي أَن الْمَالِك بِالْخِيَارِ فان شَاءَ أجَاز واخذ الْأَثْمَان وتعليله بِالْمَصْلَحَةِ وَالْحَاجة لعسر تتبع التَّصَرُّفَات المتعاقبة
فرع
لَو قَالَ اشْتريت لزيد وَهُوَ لَيْسَ بوكيل لم يَقع عَن زيد وَهل يَقع عَنهُ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لَان الْفَاسِد إِضَافَته فتخصص بالإفساد وَيبقى قَوْله اشْتريت

(3/22)


وَالثَّانِي لَا وَهُوَ الأولى لَان الْكَلَام يعْتَبر جملَة وَهُوَ لم يشتر شَيْئا لنَفسِهِ أصلا
فان قيل لَو بَاعَ مَالا على ظن انه ملك الْغَيْر فَإِذا هُوَ ملكه هَل يَصح قُلْنَا نقل الْعِرَاقِيُّونَ قَوْلَيْنِ فِيمَا إِذا بَاعَ مَال أَبِيه على ظن انه حَيّ فَإِذا هُوَ ميت فَالْقِيَاس صِحَّته وَالظَّن الْخَطَأ لَا أثر لَهُ وَوجه الْمَنْع أَن مُقْتَضى لَفظه من حَيْثُ قرينَة الْحَال تَعْلِيق البيع على الْمَوْت وان أَتَى بِصِيغَة التَّنْجِيز فَلَا يكون بعبارته معربا عَن تَنْجِيز الْملك فِي الْحَال وَهُوَ لَا يعْتَقد لنَفسِهِ ملكا
الشَّرْط الرَّابِع أَن يكون مَقْدُورًا على تَسْلِيمه حسا وَشرعا
ومستنده النَّهْي عَن بيع الْغرَر وَالْعجز الْحسي فِي الضال والآبق وَالْمَغْصُوب
فروع
ثَلَاثَة الأول بيع السّمك فِي الْحَوْض الْوَاسِع المسدودة المنافذ وَالطير المفلت فِي دَار فيحاء الَّذِي يقدر عَلَيْهِ وَلَكِن بعد عسر وتعب فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لَان مثل هَذَا التَّعَب لَا يحْتَمل فِي غَرَض البيع فَلَا نظر إِلَى الْقُدْرَة بعد تحمله وَالثَّانِي وَهُوَ الأولى الصِّحَّة لِأَنَّهُ مَقْدُور عَلَيْهِ ومستند هَذَا الشَّرْط النَّهْي عَن بيع الْغرَر وَهَذَا موثوق بِهِ بَالا لَا غرر فِيهِ

(3/23)


الثَّانِي بيع حمام البرج نَهَارا وعادته أَن تأوي إِلَى البرج لَيْلًا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا الْجَوَاز كَالْعَبْدِ الْغَائِب ثِقَة بعوده الطبيعي وَالثَّانِي الْمَنْع لَان الْغرَر ظَاهر فِي عوده بِخِلَاف العَبْد وَهُوَ الأولى إِذْ الِاشْتِغَال بِأَسْبَاب التَّسْلِيم من طلب العَبْد مُمكن وَهَا هُنَا لَا طَرِيق إِلَى الِانْتِظَار على غرر الثَّالِث الْمَغْصُوب الَّذِي يقدر المُشْتَرِي على اسْتِرْدَاده دون البَائِع فِيهِ خلاف لتعارض الْقُدْرَة وَالْعجز من الْجَانِبَيْنِ وَالْأولَى الصِّحَّة إِذا الْمَقْصُود التَّسْلِيم وَهُوَ مُمكن فِي نَفسه
نعم لَو كَانَ المُشْتَرِي جَاهِلا فَلهُ الْخِيَار إِذا البيع لَا يكلفه تَعب الانتزاع وان كَانَ عَالما فَلهُ الْخِيَار أَن عجز وَإِلَّا فَلَا أما المعجوز عَن تَسْلِيمه شرعا فَهُوَ الْمَرْهُون فبيعه بَاطِل وَفِي بيع الدَّار المكراة خلاف سَيَأْتِي وَفِي بيع العَبْد الْجَانِي جِنَايَة تعلق الارش بِرَقَبَتِهِ قَولَانِ أَحدهمَا الْمَنْع كَالرَّهْنِ وَأولى فانه أقوى من وَثِيقَة الرَّهْن وَلذَلِك يقدم الْأَرْش إِذا جنى العَبْد الْمَرْهُون
وَالثَّانِي الصِّحَّة وَهُوَ الأولى لِأَنَّهُ لم يحْجر على نَفسه وَجِنَايَة العَبْد لَا تحجر عَلَيْهِ فِي ملكه وتصرفه لَكِن يثبت مُتَعَلقا فِي رقبته إِن رغب السَّيِّد عَن

(3/24)


فدائه ليَكُون عصمَة لحقه بِقدر الضَّرُورَة أما إِذا اسْتوْجبَ العَبْد الْقطع بِالسَّرقَةِ أَو بِالْقَتْلِ بِالرّدَّةِ فَيصح بَيْعه إِذْ لَا ارش وَفِي الْقَتْل الْمُوجب للْقصَاص خلاف مُرَتّب على أَن مُوجب الْعمد مَاذَا وعَلى كل حَال فَهَذَا أولى بِجَوَاز البيع لَان الدِّيَة غير متعينة للْوُجُوب
التَّفْرِيع
أَن حكمنَا بِفساد البيع فَفِي الْإِعْتَاق خلاف كَمَا فِي الرَّهْن وان حكمنَا بِالصِّحَّةِ فَلَو كَانَ مُعسرا بِالْفِدَاءِ فَالظَّاهِر الْمَنْع وَفِيه وَجه منقاس انه يَصح وَلَكِن يثبت الْخِيَار للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ وان كَانَ مُوسِرًا مهما امْتنع الْفِدَاء بِسَبَب من الْأَسْبَاب أما السَّيِّد فَفِي ثُبُوت الْخِيَار لَهُ وَجْهَان وَوجه الْإِثْبَات انه لم يُصَرح بِالْتِزَام الْفِدَاء فَلَا يلْزمه وَله دفع الطّلبَة عَن نَفسه بِالْفَسْخِ
وَهَذَا بعيد عِنْد علمه بِجِنَايَة العَبْد فانه بِالْتِزَام التَّسْلِيم إِلَى المُشْتَرِي الْتزم الْفِدَاء فليؤاخذ بهما وَلَكِن لَو كَانَ جَاهِلا فَيظْهر إِثْبَات الْخِيَار لَهُ

(3/25)


فرع
إِذا بَاعَ نصفا من نصل أَو سيف أَو آنِية ينقصها التَّبْعِيض فَهُوَ بَاطِل لَان البيع لَا يلْزم بنقيض غير الْمَبِيع وَالشَّرْع قد يمْنَع مِنْهُ إِذا كَانَ فِيهِ إِسْرَاف فيتقاعد البيع عَن إِيجَاب التَّسْلِيم وَلَو بَاعَ ذِرَاعا من كرباس لَا تنقص بِالْقطعِ قِيمَته فِيهِ وَجْهَان ذهب صَاحب التَّلْخِيص إِلَى الْمَنْع لِأَنَّهُ غير مُمكن إِلَّا بتغيير عين الْمَبِيع وَالْبيع لَا يلْزمه وَلَعَلَّ التَّصْحِيح أولى
الشَّرْط الْخَامِس أَن يكون مَعْلُوما للمتعاقدين
وَالْعلم يتَعَلَّق بِعَين الْمَبِيع وَقدره وَوَصفه مرتبَة من مَرَاتِب الْعلم الْعلم بِالْعينِ وَهُوَ شَرط فَلَو بَاعَ عبدا من عبيده أَو ثوبا من ثِيَابه أَو شَاة من قطيعه لَا على التَّعْيِين بَطل لما فِيهِ من الْغرَر الَّذِي يسهل اجتنابه ولان العقد لم يجد موردا يتأثر بِهِ فِي الْحَال فَأشبه النِّكَاح

(3/26)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَو قَالَ بِعْت عبدا من العبيد الثَّلَاثَة وَلَك خِيَار التَّعْيِين صَحَّ وَلم يصحح فِي الثِّيَاب وَلَا فِيمَا فَوق الثَّلَاثَة وَلَا دون شَرط الْخِيَار

(3/27)


وَفَسَاد هَذِه التحكمات بَين
فروع ثَلَاثَة

أَحدهمَا لَو قَالَ بِعْت صَاعا من هَذِه الصُّبْرَة وَهِي مَعْلُومَة الصيعان صَحَّ قطعا وان كَانَت مَجْهُولَة فَوَجْهَانِ يبتنيان على العلتين إِن عللنا بَان مورد العقد لم يتأثر بِهِ فِي الْحَال بَطل هَذَا العقد فان الْإِبْهَام مَوْجُود هَهُنَا
وَفِي صُورَة الْعلم بِعَدَد الصيعان ينزل على الإشاعة حَتَّى لَو تلف نصف الصُّبْرَة انْفَسَخ العقد بتلفه فِي ذَلِك الْقدر وَالْبَاقِي يخرج على قولي تَفْرِيق الصَّفْقَة وَهَذَا اخْتِيَار الْقفال وَهُوَ الْأَصَح

(3/28)


وان عللنا بَان الْإِبْهَام منع لأجل الْغرَر فَلَا غرر هَا هُنَا لتساوي أَجزَاء الصُّبْرَة بِخِلَاف العبيد وَبِخِلَاف مَا إِذا بَاعَ ذِرَاعا من ارْض لَا على التَّعْيِين فان الْغَرَض يخْتَلف فِيهِ باخْتلَاف الجوانب وَيلْزم عَلَيْهِ التَّصْحِيح إِذا بَاعَ قدر صَاع من جملَة الصُّبْرَة وَقد فرقت صيعانها وَبِه اسْتشْهد الْقفال وَيبعد تَصْحِيحه
وَاسْتشْهدَ بِأَنَّهُ لَو قَالَ بِعْت مِنْك هَذِه الصُّبْرَة إِلَّا صَاعا وَهِي مَجْهُولَة الصيعان بَطل
فَأَي فرق بَين اسْتثِْنَاء الْمَعْلُوم من الْمَجْهُول واستثناء الْمَجْهُول من الْمَعْلُوم والإبهام يعمهما وَفِي الْفرق غموض

(3/29)


الثَّانِي إِذا اشْترى قِطْعَة من الأَرْض محفوفة بِملك البَائِع فان صرح بِإِثْبَات الْمَمَر ثَبت حق الاجتياز من كل جَانب إِلَّا إِذا كَانَ أحد جوانبها متاخما للشارع أَو ملك الْمُشْتَرى

(3/31)


فالعرف خصص الْمُرُور بِهِ
وان خصص بِجَانِب من الجوانب لَا على التَّعْيِين فسد للإيهام وتفاوت الْأَغْرَاض
وان صرح بِنَفْي الْمَمَر فَفِي صِحَة البيع وَلَا مَنْفَعَة للْمَبِيع دون الْمَمَر وَجْهَان أظهرهمَا الصِّحَّة إِذا التَّوَصُّل إِلَى الِانْتِفَاع بشرَاء الْمَمَر واستعارته واجارته مُمكن
وان سكت عَن ذكر الْمَمَر فطريقان أَحدهمَا انه يَقْتَضِي الْمَمَر من كل جَانب اعْتِمَادًا على الْعرف وَالثَّانِي انه يخرج على الْوَجْهَيْنِ كَمَا إِذا نفى الْمَمَر لِأَنَّهُ سَاكِت عَنهُ
الثَّالِث لَو عين جانبا من الأَرْض وَبَاعَ عشرَة اذرع وَلَكِن لم يذرع حَتَّى يتَبَيَّن

(3/32)


مقطع الْملكَيْنِ فِي العيان فَفِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا الصِّحَّة للتعيين وَانْتِفَاء الْغرَر وَوُجُود العيان
وَلَو بَاعَ الصُّوف على ظهر الْحَيَوَان وَلم يعين المقطع فسد لَان الْعَادة تَتَفَاوَت فِي مقادير الجز بِخِلَاف الكراث فان الْعَادة فِي جزه تتقارب
وَلَو قبض على كتلة وَعين المجز صَحَّ وَفِيه احْتِمَال لِأَنَّهُ يتَعَيَّن بِهِ عين الْمَبِيع خلاف الأَرْض وَالشَّجر فان الجز وَالْقطع لَا يغيرهما
الْمرتبَة الثَّالِثَة الْعلم بِالْقدرِ

أما إِذا كَانَ فِي الذِّمَّة فَلَا بُد من التَّقْدِير سَوَاء كَانَ نَقْدا أَو عرضا
فَلَو قَالَ بِعْت بِمَا بَاعَ بِهِ فلَان فرسه أَو ثَوْبه أَو بزنة هَذِه الصنجة لَا يَصح لِأَنَّهُ غرر مجتنب يسهل دَفعه وَلَا بُد من تَعْرِيف جنسه
وَإِذا تَعَارَضَت النُّقُود لَا بُد من التَّعْرِيف فَإِن غلب وَاحِد كفى الْإِطْلَاق وان غلب فِي الْعرُوض جنس وَاحِد فَفِي الِاكْتِفَاء بِالْإِطْلَاقِ اعْتِبَار بِالنَّقْدِ أَو اشْتِرَاط الْوَصْف نظرا إِلَى أَن الأَصْل فِي الْعرُوض التَّفَاوُت وَجْهَان
فروع ثَلَاثَة

الأول إِذا قَالَ بِعْت مِنْك هَذِه الصُّبْرَة بِعشْرَة دَرَاهِم وَهِي

(3/33)


مُعَاينَة غير مَعْلُومَة الصيعان صَحَّ وَكَذَلِكَ إِذا بَاعَ بصرة مُعَاينَة من الدَّرَاهِم لَان العيان هُوَ المنتهي عرفا فِي الْعُقُود
وَلَو قَالَ بِعْتُك الصُّبْرَة كل صَاع بدرهم صَحَّ وان كَانَت مَجْهُولَة الصيعان وَلم يكن مبلغ جملَة الثّمن مَعْلُوما
لِأَنَّهُ إِذا رأى جنس الْمَبِيع وَعرف قدر ثمن كل صَاع فقد انْتَفَى الْغرَر وسلك طَرِيق معرفَة الرِّبْح والخسران
الثَّانِي إِذا قَالَ بِعْتُك هَذِه الصُّبْرَة بِعشْرَة على أَن أزيدك صَاعا فان أَرَادَ بِهِ التَّبَرُّع بِالزِّيَادَةِ فَهُوَ شَرط هبة فِي بيع فَيفْسد
وان أَرَادَ إِدْخَاله فِي الْمُقَابلَة بِالثّمن فان كَانَت مَعْلُومَة الصيعان صَحَّ وان كَانَت الصُّبْرَة عشرَة أصيع فَمَعْنَاه صَاع وَعشر بدرهم
وان كَانَت مَجْهُولَة لم يَصح لِأَنَّهُ لَا يدْرِي اشْترى بدرهم صَاعا وَعشرا أَو صَاعا وتسعا أَو مَا يتَرَدَّد فِيهِ فَيكون الثّمن مَجْهُول الْجُمْلَة وَالتَّفْصِيل

(3/34)


فان قيل فَإِذا تردد اللَّفْظ بَين الِاحْتِمَالَات فَكيف يَصح العقد بِمُجَرَّد إِرَادَة صُورَة الصِّحَّة
قُلْنَا يلْتَفت هَذَا على الْأَصَح فِي انْعِقَاد البيع بِالْكِنَايَةِ
الثَّالِث إِذا بَاعَ سمنا فِي بستوقة تَتَفَاوَت أجزاؤها فِي الغلظ والدقة اَوْ صبرَة على ارْض فِيهَا حفر مُتَفَاوِتَة فَهَذَا يبطل فَائِدَة العيان فِي تخمين الْمِقْدَار لَا فِي معرفَة الصَّفْقَة فَفِيهِ ثَلَاث طرق
قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ فِي مَجْمُوعه وَجْهَان فِي أَن البيع يَصح لَان معرفَة الْمِقْدَار بعد العيان لَو كَانَت شرطا لما صَحَّ البيع بصبرة من الدَّرَاهِم مرتبَة غير موزونة
وَهَذَا غَرِيب لم يذكرهُ فِي شَرحه
الثَّانِيَة أَن العقد بَاطِل قطع بِهِ بعض الْمُحَقِّقين لَان غرره كغرر الْجَهْل بِالصّفةِ وَقد تعذر تَخْرِيجه على بيع الْغَائِب لَان الرُّؤْيَة حَاصِلَة فَمَتَى يثبت الْخِيَار أَو كَيفَ يلْزم دون الْخِيَار وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور
الثَّالِثَة وَهُوَ المنقاس تَخْرِيجه على بيع الْغَائِب فانه لَا يتقاصر عَمَّا إِذا قَالَ بِعْتُك الثَّوْب الَّذِي فِي كمي فان فِيهِ قَوْلَيْنِ فَكَذَلِك هَا هُنَا وَهَذَا وَجه التَّخْرِيج اخْتَارَهُ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد
ثمَّ قِيَاسه أَن يُقَال معرفَة الْمِقْدَار بِالْوَزْنِ أَو بِرُؤْيَة الدكة وَقت ثُبُوت الْخِيَار كَمَا أَن معرفَة الصّفة بِالرُّؤْيَةِ وقته فِي بيع الْغَائِب

(3/35)


التَّفْرِيع

أَن أبطلنا العقد فَلَو نظر إِلَى صبرَة وَلم يدر أَن تحتهَا دكة فعقد اعْتِمَادًا على اعْتِقَاده فظهرت دكة فَهَل يتَبَيَّن بطلَان العقد أم يقْتَصر على الْخِيَار وَجْهَان
اخْتَار الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْأَبْطَال لَان معرفَة الْقدر تَحْقِيقا أَو تخمينا شَرط وَقد تبين فقد الشَّرْط وَالثَّانِي انه يَصح اعْتِمَادًا على الِاعْتِقَاد
الْمرتبَة الثَّالِثَة الْعلم بِالصِّفَاتِ بطرِيق الرُّؤْيَة

وَفِي اشْتِرَاطه فِي الشِّرَاء قَولَانِ وَفِي الْهِبَة قَولَانِ مرتبان وَأولى بَالا يشْتَرط لِأَنَّهُ لَيْسَ من عُقُود المغايبات ليبعد عَن الْغرَر
وَذهب الْمُزنِيّ إِلَى الْإِبْطَال لَان الْغرَر المجتنب الَّذِي يسهل إِزَالَته يبطل العقد لنَهْيه عَن بيع الْغرَر
وَلَا خلاف أَن الشم والذوق فِي المشموم والمذوق غير مَشْرُوط لَان الرُّؤْيَة اعظم

(3/36)


طَرِيق يعرف بِهِ جَمِيع الْأَشْيَاء فالصفات المرئية تدل على جَمِيع الْمَقَاصِد الْخفية غَالِبا واضطرب الْأَصْحَاب فِي مَسْأَلَتَيْنِ
إِحْدَاهمَا البَائِع إِذا بَاعَ مَا لم يره مِنْهُم من قَالَ فِيهِ قَولَانِ مرتبان وَأولى بِالْبُطْلَانِ لَان الْخِيَار بعيد عَن البَائِع قَالَه المراوزة وَقيل أولى بِالصِّحَّةِ لِأَن الْمُشْتَرى مُحَصل وَالْبَائِع معرض والمتملك بِالِاحْتِيَاطِ أَجْدَر قَالَه الْعِرَاقِيُّونَ واصح الْمَذْهَب الْبطلَان فِي الشِّرَاء وَالْبيع جَمِيعًا
ثمَّ أَن صححنا بيع الْغَائِب فَفِي ثُبُوت الْخِيَار لَهُ عِنْد الرُّؤْيَة وَجْهَان أصَحهمَا الثُّبُوت كالمشتري وَقيل لَا يثبت لَان جَانِبه بعيد عَن الْخِيَار
وَلذَلِك إِذا ظن الْمَبِيع معيبا فَإِذا هُوَ سليم لَا خِيَار لَهُ وان استضر بِهِ
وَهَذَا يبطل بِخِيَار الْمجْلس وَالشّرط فانهما يَشْتَرِكَانِ فِيهِ وَهَذَا من جنسه
الثَّانِيَة فِي شِرَاء الْأَعْمَى طَرِيقَانِ ينشآن على أَن التَّوْكِيل بِالرُّؤْيَةِ وَالْفَسْخ هَل يجوز وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا الْمَنْع لِأَنَّهُ رَأْي مُجَرّد فَصَارَ كَمَا إِذا أسلم على عشر نسْوَة ووكل بِالِاخْتِيَارِ وَالثَّانِي الْجَوَاز كالتوكيل بِالرُّؤْيَةِ وَالشِّرَاء

(3/37)


فان جَوَّزنَا بِالتَّوْكِيلِ خرج شِرَاؤُهُ على الْقَوْلَيْنِ وَإِلَّا قَطعنَا بِالْبُطْلَانِ إِذْ لَا سَبِيل إِلَى الْإِلْزَام وَلَا إِلَى خِيَار لَا مُنْتَهى لَهُ
وَفِي قَبضه بِالْهبةِ وَالدّين خلاف مُرَتّب على شِرَائِهِ وَأولى بِالصِّحَّةِ لِأَنَّهُ فعل يبعد عَن الْغرَر وَلَو عمى بعد شِرَاء الْغَائِب فَقُلْنَا لَا تَوْكِيل فِي الرُّؤْيَة انْفَسَخ العقد لِاسْتِحَالَة التَّقْيِيد
وَصحح الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ سلم الْأَعْمَى فَقَالَ الْمُزنِيّ لم يرد بِهِ إِلَّا كمه لِأَنَّهُ لَا يعرف الصِّفَات
وَمن الْأَصْحَاب من خَالفه لِأَنَّهُ يتخيل فرقا بَين صِفَات الرداءة والجودة
التَّفْرِيع
أَن فرعنا على قَول اشْتِرَاط الرُّؤْيَة فَعَلَيهِ ثَلَاث مسَائِل
الْمَسْأَلَة الأولى أَن استقصاء الْأَوْصَاف على وَجه يُفِيد الْإِحَاطَة بالمقاصد هَل يقوم مقَام الرُّؤْيَة فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا نعم لحُصُول ثَمَرَتهَا وَهِي الْمعرفَة
وَالثَّانِي لَا إِذْ الرُّؤْيَة تطلع على دقائق لَا تحيط الْعبارَة بهَا
الثَّانِيَة رُؤْيَة بعض الْمَبِيع تقوم مقَام رُؤْيَة الْكل إِذا كَانَ المرئي يدل على الْبَاقِي كظاهر صبرَة الْحُبُوب والمائعات هَذَا إِذا كَانَ مُتَّصِلا

(3/38)


فان رأى مِنْهُ أنموذجا وَلم يدْخل فِي البيع فَهُوَ كاستقصاء وصف الْمَبِيع وَالأَصَح وَهُوَ اخْتِيَار الشَّيْخ أبي مُحَمَّد انه لَا يقوم مقَام الْوَصْف فِي السّلم لَان اللَّفْظ وَالْوَصْف هُوَ الْمرجع عِنْد الأشكال فِي السّلم
وان ادخل فِي البيع صَحَّ على اخْتِيَار الْقفال وَهُوَ الْأَصَح وَفِيه وَجه
وان كَانَ المرئي لَا يماثل الْبَاقِي نظر فان كَانَ صَلَاح الشَّيْء فِي إبقائه مَسْتُورا كحب الرُّمَّان ولب الْجَوْز واللوز وَأَمْثَاله كفى رُؤْيَة الظَّاهِر للْحَاجة وَمَا لَيْسَ كَذَلِك يخرج على بيع الْغَائِب
فروع أَرْبَعَة

الأول القشرة الْعليا من الْجَوْز الرطب مِنْهُم من جعله مَانِعا للاستغناء عَنهُ وَمِنْهُم من ألحقهُ بالسفلى فَفِيهِ مصلحَة إبْقَاء الرُّطُوبَة وَالظَّاهِر أَن النشرة الْعليا من الْبَاقِي تَكْفِي رؤيتها لَان الرُّطُوبَة فِيهَا مَقْصُودَة
وَالثَّانِي الْفَأْرَة من الْمسك كالمسح من النوري وَالْجَلد من اللَّحْم
فَلَا يَكْفِي النّظر إِلَيْهِ إِذْ لَا يتَعَلَّق بِهِ كثير صَلَاح والمسك نَفِيس فَلَا يحْتَمل ذَلِك فِيهِ اعتيادا
وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب إِذا لم تكن الْفَأْرَة مَفْتُوحَة يحْتَمل إلحاقها بقشرة الْجَوْز ثمَّ

(3/39)


إِذا أدخلت الْفَأْرَة فِي البيع خرج على نَجَاسَة الْفَأْرَة وَالصَّحِيح أَنَّهَا طَاهِرَة تَشْبِيها بالبيضة فان الطبية تلقي بطبعها فِي كل سنة وَاحِدَة والمسك كَانَ احب الطّيب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا يَلِيق بِالشَّرْعِ تنجيس طرفه وَقيل انه نجس لِأَنَّهُ جُزْء مبان من حَيّ
الثَّالِث الديباج المنقش لَا يدل أحد وجهيه على الآخر وَالأَصَح أَن الكرباس يدل أحد وجهيه على الآخر وَفِيه وَجه اعْتِبَارا لأحد الْوَجْهَيْنِ بِأحد النصفين
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة الرُّؤْيَة السَّابِقَة كالمقارنة إِذا كَانَ الشَّيْء مِمَّا لَا يتَغَيَّر غَالِبا خلافًا لأبي الْقَاسِم الانماطي لَان الْمَقْصُود الْمعرفَة
فرعان

أَحدهمَا إِذا اقدم على العقد على ظن انه لم يتَغَيَّر على الْغَالِب فَكَانَ قد تغير على الندور فيتبين بطلَان العقد لتبين انْتِفَاء الْمعرفَة أم يَكْتَفِي بِالْخِيَارِ لبِنَاء العقد على ظن فِيهِ خلاف
الثَّانِي إِذا قَالَ المُشْتَرِي تغير ولي الْخِيَار وَأنْكرهُ البَائِع قَالَ صَاحب

(3/40)


التَّقْرِيب القَوْل قَول البَائِع إِذْ الأَصْل عدم التَّغْيِير وَقَالَ الخضري بل الأَصْل عدم لُزُوم الثّمن وَالْأول اصح
التَّفْرِيع على صِحَة بيع الْغَائِب أَربع مسَائِل

الأولى إِذا اشْترى منديلا نصفه فِي صندوق لم يره قطع الْمُزنِيّ بالإبطال فِيمَا نَقله نصا وَمن الْأَصْحَاب من تكلّف لَهُ وَجها وَهُوَ أَن إِثْبَات الْخِيَار فِي النّصْف تَخْصِيصًا محَال والتعميم إِثْبَات فِي المرئي فَيُؤَدِّي إِلَى تنَاقض الحكم وَمِنْهُم من جعل هَذَا بيع غَائِب وَهُوَ الاقيس فان مُوجب الْخِيَار فِي الْبَعْض تسليط على رد كل الْمَبِيع كالعيب بِأحد الْعَبْدَيْنِ فالتعميم غير مُمْتَنع
الثَّانِيَة بيع اللَّبن فِي الضَّرع بَاطِل فانه انْضَمَّ إِلَى عدم الرُّؤْيَة الْعَجز عَن تَمْيِيز الْمَعْقُود عَلَيْهِ عَن غَيره إِذا اللَّبن فِي الْعُرُوق ينصب إِلَى الضَّرع وَقت الْحَلب فيختلط بِهِ وَكَذَلِكَ لَو رأى مِنْهُ أنموذجا وَغلط الفوراني إِذْ ذكر فِي الأنموذج وَجْهَيْن نعم لَو قبض على قدر من الضَّرع واحكم شده فَوَجْهَانِ مِنْهُم من حسم الْبَاب لَان الِاطِّلَاع على عدم الِاخْتِلَاط غير مُمكن والشد قد يكون سَبَب حَرَكَة الطبيعة وانصباب اللَّبن

(3/41)


وَكَذَلِكَ إِذا بَاعَ اللَّحْم فِي الْجلد قبل السلخ فَهُوَ بَاطِل لِأَنَّهُ أَن بَاعَ دون الْجلد فَلَا يُمكن تَسْلِيمه إِلَّا بتغيير الْجلد
وبشقه ثقبه غَالِبا وان بَاعَ مَعَ الْجلد قطع الشَّيْخ أَبُو عَليّ بِالْبُطْلَانِ وَوَجهه اتِّصَال الْمَقْصُود بِمَا لَيْسَ بمقصود على وَجه لَا يُمكن تَحْصِيل الْمَقْصُود إِلَّا بتغيير وَتصرف فِي الْجلد بالسلخ وَالصَّحِيح تَخْرِيجه على الْقَوْلَيْنِ
أما بيع الروس والاكارع المسموطة مَعَ النّظر إِلَى الظَّاهِر فَجَائِز على الْقَوْلَيْنِ فان الْجلد فِي حكم جُزْء يُؤْكَل مِنْهُ
الثَّالِثَة إِذا صححنا بيع الْغَائِب فقد اتّفق الاكثرون على انه لَو قَالَ بِعْت مِنْك مَا فِي كمي وَلم يذكر الْجِنْس لَا يجوز وَهُوَ ظَاهر مَذْهَب أبي حنيفَة
وَفِيه وَجه منقاس انه يجوز بِحُصُول التَّعْيِين بِالْإِشَارَةِ ثمَّ للأصحاب طَرِيقَانِ قَالَت المراوزة لَا يشْتَرط شَيْء سوى ذكر الْجِنْس كَقَوْلِه بِعْت العَبْد الَّذِي فِي الْبَيْت
فَلَو استقصى الْأَوْصَاف فَهَل يسْقط الْخِيَار لقِيَام الْوَصْف مقَام الرُّؤْيَة فعلى الْخلاف السَّابِق
قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يشْتَرط ذكر النَّوْع مَعَ الْجِنْس قطعا وَهُوَ أَن يَقُول عَبدِي التركي

(3/42)


وَهل يشْتَرط استقصاء الْأَوْصَاف حَتَّى ينْعَقد بيع الْغَائِب على خِيَار الرُّؤْيَة فعلى وَجْهَيْن والطريقتان متباعدتان
الرَّابِعَة يثبت الْخِيَار فِي بيع الْغَائِب بِالرُّؤْيَةِ وَله الْفَسْخ قبل الرُّؤْيَة وَفِي الْإِجَازَة قبلهَا وَجْهَان أظهرهمَا أَنَّهَا لَا تصح لَان الرِّضَا قبل حَقِيقَة الْمعرفَة وَلَو تصور لحصل بقوله اشْتريت فَلَيْسَ فِي قَوْله أجزت زِيَادَة عَلَيْهِ
فرع

لَو رأى ثَوْبَيْنِ ثمَّ سرق أَحدهمَا من الْبَيْت وَهُوَ لَا يدْرِي أَن الْمَسْرُوق أَيهمَا فَاشْترى الثَّوْب الْبَاقِي فقد اشْترى معينا مرئيا وَقد وَقعت الْمَسْأَلَة فِي الْفَتَاوَى فَقلت أَن تساوى صفة الثَّوْبَيْنِ وقدرهما وقيمتهما كنصفي كرباس وَاحِد صَحَّ العقد
وان اخْتلف شَيْء من ذَلِك خرج على قولي بيع الْغَائِب لِأَنَّهُ لَيْسَ يدْرِي أَن الْمُشْتَرى خَمْسَة اذرع مثلا أم عشرَة ورؤيته السَّابِقَة لم تفد الْعلم بِقدر الْمَبِيع وَوَصفه فِي حَالَة البيع فَلَا اثر لَهَا

(3/43)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي فَسَاد البيع بِجِهَة الرِّبَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الْمَبِيع إِذا كَانَ ربويا اشْترط فِي عقده وَرَاء مَا ذَكرْنَاهُ من الشَّرَائِط السَّابِقَة فِي الْبَاب الأول ثَلَاث شَرَائِط
التَّمَاثُل بمعيار الشَّرْع والحلول ونعني بِهِ منع الْأَجَل وَالسّلم وَوُجُوب التَّقَابُض فِي مجْلِس العقد

(3/44)


هَذَا إِذا بيع الرِّبَوِيّ بِجِنْسِهِ فَإِن بيع بربوي آخر يُشَارِكهُ فِي الْعلَّة الَّتِي هِيَ قرينَة الجنسية يسْقط اشْتِرَاط التَّمَاثُل وَبَقِي اشْتِرَاط التَّقَابُض والحلول
وَأنكر أَبُو حنيفَة رَحمَه الله شَرط التَّقَابُض إِلَّا فِي عقد الصّرْف
وان بيع بِمَا لَا يدْخل فِي الربويات سَقَطت هَذِه الشَّرَائِط كلهَا
ومعتمد الْبَاب مَا روى الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بِإِسْنَادِهِ عَن مُسلم بن يسَار وَرجل آخر عَن عبَادَة بن الصَّامِت عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام انه قَالَ لَا تَبِيعُوا الذَّهَب بِالذَّهَب وَالْوَرق بالورق وَالْبر بِالْبرِّ وَالتَّمْر بِالتَّمْرِ وَالشعِير بِالشَّعِيرِ وَالْملح بالملح إِلَّا سَوَاء بِسَوَاء عينا بِعَين يدا بيد فَإِذا اخْتلف الجنسان فبيعوا كَيفَ شِئْتُم يدا بيد

(3/45)


أوجب عِنْد التجانس ثَلَاثَة أُمُور وَعند اخْتِلَاف الْجِنْس أوجب التَّقَابُض وَنفي السّلم بقوله يدا بيد
والربا فِي النَّقْدَيْنِ عندنَا مُعَلل بكونهما جوهري الْأَثْمَان فيتعدى إِلَى الْحلِيّ وكل مَا يتَّخذ مِنْهُمَا وَلَا يتَعَدَّى إِلَى غَيرهمَا وَكَذَلِكَ عِنْد مَالك وَقَالَ أَبُو حنيفَة

(3/46)


مُعَلل بِالْوَزْنِ والجنسية
وَعلة الرِّبَا فِي الْأَشْيَاء الْأَرْبَعَة عندنَا الطّعْم وَالْجِنْس
وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْعلَّة مركبة من الْكَيْل والجنسية وَمذهب ابْن الْمسيب أَن الْعلَّة هِيَ الطّعْم فِي الْجِنْس وَالتَّقْدِير وَهُوَ قَول قديم للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ
والجنسية عندنَا مَحل الْعلَّة فَهِيَ بمجردها لَا تحرم النِّسَاء بل يجوز إِسْلَام الثَّوْب

(3/47)


فِي جنسه خلافًا لأبي حنيفَة وَيجْرِي الرِّبَا عندنَا فِي دَار الْحَرْب خلافًا لَهُ
وَإِذا اشْترى الشَّيْء بِأَقَلّ مِمَّا بَاعه نَقْدا صَحَّ العقدان عندنَا
وَقَالَ مَالك بَطل العقدان لِأَنَّهُ ذَرِيعَة إِلَى الرِّبَا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة بَطل العقد الثَّانِي

(3/48)


وأدلة هَذِه الْمسَائِل مستقصاة فِي الْخلاف
وَالنَّظَر الْآن إِنَّمَا يطول فِي الرِّبَا الْفضل فان التَّقَابُض وَتَحْرِيم النَّسِيئَة فرعان لَهُ يجريان فِي كل عينين جمعتهما قرينَة الجنسية من النقدية أَو الطّعْم وَالْكَلَام يتَعَلَّق بأطراف
الطّرف الأول فِيمَا يجْرِي الرِّبَا فِيهِ بعلة الطّعْم

وَهُوَ كل مَا ظهر مِنْهُ قصد الطّعْم وان ظهر مِنْهُ قصد آخر وَيدخل فِيهِ الْفَوَاكِه والأدوية وَمِنْه الطين الأرضي وَكَذَا الطين الَّذِي يُؤْكَل سفها على الصَّحِيح وَكَذَا الزَّعْفَرَان وان قصد مِنْهُ الصَّبْغ وَكَذَا المَاء فانه مطعوم
وَفِي دهن البنفسج ودهن الْكَتَّان وودك السّمك خلاف وَقطع الْعِرَاقِيُّونَ بِأَن الرِّبَا لَا يجْرِي فِيهَا لِأَنَّهَا لَا تُؤْكَل فِي حَالهَا على عُمُوم وَلَا على الندور بل دهن الْكَتَّان للاستصباح وودك السّمك لطلي السفن

(3/49)


أما دهن البنفسج قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ القَوْل الْمَنْصُوص فِيهِ انه يجْرِي فِيهِ الرِّبَا لِأَن النَّاس لَا يتناولونه ضنة بِهِ وَفِيه قَول قديم مخرج
وَمن أَصْحَابنَا من أجْرى الرِّبَا فِي الْكل نظرا إِلَى الأَصْل الَّذِي مِنْهُ الاستخراج وإعراضا عَن الْحَال
الطّرف الثَّانِي فِي الْخَلَاص من رَبًّا الْفضل

والمطعوم يَنْقَسِم فَالَّذِي يعْتَاد تَقْدِيره تحصل الْمُمَاثلَة فِيهِ بمعيار الشَّرْع وَالْعبْرَة فِيهِ بعصر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا يُوزن مَكِيل فِي عصره وَلَا يُكَال مَوْزُون فَإِن فعل فَلَا أثر لَهُ فِي الصِّحَّة
وان وجد شَيْء لَا يعرف لَهُ معيار فِي عصره فخمسة أوجه
أَحدهمَا الْوَزْن لِأَنَّهُ احصر
الثَّانِي الْكَيْل لِأَنَّهُ أَعم
الثَّالِث التَّخْيِير للتعادل
الرَّابِع يرجع إِلَى عَادَة أهل الْعَصْر وَهُوَ الأفقه
الرَّابِع يرجع إِلَى معيار اصله أَن كَانَ مستخرجا من أصل
وَيجوز الْكَيْل بقصعة لَا يعْتَاد الْكَيْل بهَا كَمَا يجوز التَّعْدِيل بِالْوَضْعِ فِي كفتي الْمِيزَان وللقفال فِي الْكَيْل بالقصعة تردد

(3/50)


أما إِذا بَاعَ صبرَة بَصِيرَة جزَافا فَهُوَ بَاطِل وَإِن خرجتا متماثلتين خلافًا لزفَر
أما غير الْمُقدر كالبطيخ والسفرجل والقثاء وَالْبيض والجوز مِمَّا لَهُ كَمَال فِي حَالَة جفافه فَلَا يُبَاع بعضه بِالْبَعْضِ فِي حَالَة الرُّطُوبَة أصلا وَإِن لم يكن لَهُ حَالَة جفاف فَوَجْهَانِ أَحدهمَا جَوَاز البيع بِالْوَزْنِ مُتَسَاوِيا وَالثَّانِي أَنه لَا يجوز إِذْ لَيْسَ للشَّرْع فِيهِ معيار وَلَا للْعَادَة
ثمَّ إِن جفف نَادرا فَفِي بيع بعضه بِالْبَعْضِ وزنا وَجْهَان مرتبان على حَالَة الرُّطُوبَة وَأولى بِالْجَوَازِ وَوجه الْمَنْع أَن الْجَفَاف نَادِر فِيهِ غير مَقْصُود فَيلْحق بِحَالَة الرُّطُوبَة كَأَنَّهُ لم يُوجد الْجَفَاف وَالْجَوَاز أَقيس
الطّرف الثَّالِث فِي الْحَالة الَّتِي تعْتَبر الْمُمَاثلَة فِيهَا

وَقد سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الرطب بِالتَّمْرِ فَقَالَ أينقص الرطب إِذا جف فَقَالَ السَّائِل نعم فَقَالَ فَلَا إِذا منع وَعلل بتوقع النُّقْصَان بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَالَة الْجَفَاف فَدلَّ على أَن الْمَطْلُوب التَّمَاثُل بِالْإِضَافَة إِلَى تِلْكَ الْحَالة فَلَا يُبَاع الرطب

(3/51)


بالرطب وَالْعِنَب بالعنب وان تماثلا لَان تفَاوت النُّقْصَان عِنْد الْجَفَاف لَا يَنْضَبِط
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يجوز بيع الرطب بالرطب وَالتَّمْر بِالتَّمْرِ جَمِيعًا
وَمَا تخْتَلف حَاله من المطعومات ثَلَاثَة الْفَوَاكِه والحبوب والمعروضات على النَّار أما الْفَوَاكِه فَكل مَا يجفف للادخار يحرم بَيْعه فِي حَالَة الرُّطُوبَة
فروع أَرْبَعَة

أَحدهَا الرطب الَّذِي لَا يتهمر فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا منع البيع لِأَن لَهُ حَالَة جفاف على الْجُمْلَة والرطوبة توجب تَفَاوتا وَالثَّانِي الْجَوَاز لأَنا فهمنا رِعَايَة الْمُمَاثلَة فِي أكمل الْأَحْوَال وَفِي أشرف الْأَشْيَاء والشرف فِي الطّعْم وَكَمَال الْحَال فِي الرُّطُوبَة فِيمَا يفْسد بالجفاف وعَلى هَذَا لَا يجوز بيع رطبه بِالتَّمْرِ
هَذَا مَدْلُول كَلَام الْأَصْحَاب وينقدح جَوَازه كَمَا جَازَ بالرطب

(3/52)


الثَّانِي المشمش والخوخ وَمَا يجفف على ندور فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْمَنْع لِأَن لَهُ حَالَة جفاف وَالثَّانِي الْجَوَاز لِأَن الرُّطُوبَة أكمل أَحْوَاله وَالثَّالِث الْمَنْع رطبا ويابسا إِذا لم يَتَقَرَّر لَهُ حَالَة كَمَال وللعنب فِي الْكَمَال حالتان الزَّبِيب والخل
الثَّالِث يُبَاع الزَّيْتُون بالزيتون وَاللَّبن بِاللَّبنِ وَهِي أَحْوَال كمالها فَإِن الزَّيْت وَالسمن وَمَا إِلَيْهِ مصيرهما لَيْسَ من جنسهما
الرَّابِع يحرم بيع التَّمْر بعد نزع النَّوَى لِأَنَّهُ يفْسد كَمَاله وادخاره وللعراقيين فِيهِ وَجه وَاللَّحم يُبَاع الْبَعْض بِالْبَعْضِ فِي حَالَة التَّعَدُّد بعد نزع الْعظم وَمَعَ الْعظم لَا لِأَن الْإِصْلَاح فِي نَزعه
وَقيل إِنَّه يجوز بيع اللَّحْم فِي حَالَة الرُّطُوبَة بِاللَّحْمِ لِأَن التَّقْدِير فِيهِ كالنادر وَقيل إِن نزع الْعظم غير وَاجِب وَهُوَ بعيد
وَأما المشمش والخوخ مِنْهُم من ألحقهما بِالتَّمْرِ وَمِنْهُم من ألحقهما بِاللَّحْمِ

(3/53)


فِي وجوب نزع النَّوَى أَو مَنعه
أما الْحُبُوب فَلَا خلاص عَن الرِّبَا فِيهَا بالمماثلة إِلَّا فِي حَالَة كمالها وَهُوَ أَن يكون حبا فكمال الْبر فِي حَالَة كَونه برا إِلَّا أَن تكون مقلية أَو مبلولة أَو كشكا مهرسا فان كل ذَلِك يفْسد الادخار والأرز لَا يبطل ادخاره بتنحية قشرته
وَفِي الجاورش تردد فان خرج عَن كَونه حبا فَلَا خلاص فِيهَا بالمماثلة كالدقيق والسويق والكعك وَالْخبْز وَسَائِر أَجزَاء الْبر
وَللشَّافِعِيّ نُصُوص قديمَة فِي أَجزَاء الْبر مضطربة وَلَكِن قَرَار الْمَذْهَب مَا ذَكرْنَاهُ
نعم السمسم وَمَاله دهن من الْحُبُوب يجوز بيع الدّهن بالدهن مِنْهُ متماثلا لِأَنَّهُ أَيْضا حَالَة كَمَال
أما اللَّبن فكماله أَن يكون لَبَنًا وَيُبَاع الزّبد بالزبد أَيْضا كَمَا فِي دهن السمسم بدهن السمسم وَكَذَا المخيض بالمخيض إِلَّا أَن يكون فِيهِ مَاء

(3/54)


وَيُبَاع اللَّبن بالرائب المنعقد وان كَانَ خاثرا إِلَّا أَن يكون معروضا على النَّار وأجزاء اللَّبن كالمصل والأقط والجبن لَا يُبَاع بَعْضهَا بِبَعْض وَلَا بالمخيض وَلَا بِاللَّبنِ لمفارقة حَالَة الْكَمَال وأجزاء اللَّبن كالدقيق وَالْخبْز مَعَ الْبر
أما المعروضات على النَّار فَهِيَ مُفَارقَة لحالة الْكَمَال وَمِنْه اللَّحْم المشوي والمطبوخ والدبس
أما السكر والفانيذ والقند واللبأ وَهُوَ لبن عرض على النَّار أدنى عرض وَالْعَسَل الْمُصَفّى بالنَّار فِي كل ذَلِك خلاف لضعف أثر النَّار وَالْعَسَل الْمُصَفّى بالشمس حَاله حَال كَمَال وفَاقا
وَالصَّحِيح جَوَاز بيع الْعَسَل بالعسل وان عرض على النَّار لَان ذَلِك للتمييز فَهُوَ كَبيع السّمن بالسمن فانه جَائِز وان كَانَ لَا يجوز بيع السّمن بالزبد لَان اثر النَّار عِنْد ذَلِك يظْهر التَّفَاوُت
الطّرف الرَّابِع فِي اتِّحَاد الْجِنْس واختلافه

وَالنَّظَر فِي اللحوم والألبان والأدقة والأدهان والخلول والحلاوات
أما اللحوم فَفِيهَا قَولَانِ أصَحهمَا وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنَّهَا أَجنَاس

(3/55)


لاخْتِلَاف الْحَيَوَانَات وَكَيف يجانس لحم العصفور لحم الْإِبِل وَالثَّانِي أَنَّهَا جنس لِأَنَّهَا اندرجت تَحت اسْم وَاحِد لَا يتَمَيَّز بَعْضهَا إِلَّا بِالْإِضَافَة كأنواع التَّمْر وَالْعِنَب
وعَلى هَذَا فِي الْبري مَعَ البحري وَجْهَان لأَنا قد لَا ندرج الْحُوت تَحت اسْم اللَّحْم فِي التَّمْيِيز
وان قُلْنَا إِنَّهَا أَجنَاس فأنواع الْغنم من الضَّأْن والمعز جنس وَاحِد وَكَذَا أَنْوَاع الْحمام من الدبسي والفواخت والبحريات جنس وَاحِد إِن أطلقناه أَحللنَا الْكل بتسميتها حوتا وان لم ندرجها تَحت اسْم الْحُوت فَهِيَ أَجنَاس
فان قيل الكرش والكبد وَالطحَال والرئة والأمعاء وَمَا يخْتَص باسم وَاحِد خَاص مَا حكمهَا
إِن قُلْنَا إِن اللحوم أَجنَاس فَهَذِهِ مَعَ اخْتِلَاف الْأَسَامِي أولى وان قُلْنَا أَنَّهَا جنس فَهَذَا يَنْبَنِي على الْيَمين فَكل مَا يَحْنَث الْحَالِف على تنَاول اللَّحْم بتناوله فَهُوَ جنس اللَّحْم وكل مَا لَا يَحْنَث بِهِ فَفِيهِ وَجْهَان لَان الْيَمين يبْنى على الِاسْم لَا على حَقِيقَة الجنسية وَالْمذهب أَن الْحَالِف على اللَّحْم لَا يَحْنَث بِشَيْء من ذَلِك وَيحنث بالروس والأكارع وَلَا يَحْنَث بالشحم والإلية وَيحنث بسمين اللَّحْم
وَألْحق المراوزة الْقلب بِاللَّحْمِ وألحقه الْعِرَاقِيُّونَ بالكبد

(3/56)


فان قيل هَل يجوز بيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ
قُلْنَا لَا إِذْ ورد النَّهْي فِيهِ وَذَلِكَ فِي بيع لحم الْغنم بالغنم
أما الْبَقر وَغير الْغنم يبْنى على اتِّحَاد الْجِنْس إِن قُلْنَا اللحوم جنس حرم وان قُلْنَا أَجنَاس فَقَوْلَانِ أقيسهما الصِّحَّة إِذْ فهمنا تَقْدِير اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ إِذا قوبل بِجِنْسِهِ إِذْ لَو استرسلنا على الْعُمُوم انجر إِلَى منع بيع اللَّحْم بالحمار وبالعبد
وَنحن قد نخصص الْعُمُوم بِقَرِينَة معنوية تفهم من اللَّفْظ كتخصيصنا اللَّمْس بِغَيْر الْمَحَارِم وحرمان الْمِيرَاث بِمن لَيْسَ مُسْتَحقّا للْقَتْل حَتَّى لَا يحرم الْمُقْتَص والجلاد أما الأدقة فَهِيَ أَجنَاس مُخْتَلفَة
وَالْمذهب أَن الألبان كاللحوم لِأَنَّهَا أجزاؤها انحصرت مِنْهَا والأدهان مُخْتَلفَة وَقيل يخرج على قولي اللحوم
أما الدّهن وَالْكَسْب فجنسان كالسمن والمخيض والخلول كالأدهان
وَفِي خل الْعِنَب وعصيره وَجْهَان أظهرهمَا اخْتِلَاف الْجِنْس وان كَانَ ذَلِك بِغَيْر الصّفة لَان تَغْيِير الصّفة قد يَجْعَل غير الرِّبَوِيّ ربويا وَالظَّاهِر أَن السكر والفانيذ جنسي لَان اصلهما الْقصب والتفاوت يسير

(3/57)


الطّرف الْخَامِس فِي قَاعِدَة مد عَجْوَة

وَضبط الْقَاعِدَة أَن الصَّفْقَة مهما اشْتَمَلت على مَال الرِّبَا من الْجَانِبَيْنِ وَاخْتلف الْجِنْس من الْجَانِبَيْنِ أَو من أَحدهمَا فَالْبيع بَاطِل ولأجله يبطل بيع الْهَرَوِيّ بالهروي وبالنقرة وبالنيسابوري وَكَذَلِكَ بيع المعجونات والمخلوطات بَعْضهَا بِبَعْض وَكَذَلِكَ الشهد فانه عسل وشمع وَكَذَا الْجُبْن فَفِيهِ مَاء وملح وَكَذَا خل الزَّبِيب فَفِيهِ مَاء وَبيع مد وَدِرْهَم بمدين أَو دِرْهَمَيْنِ أَو مد وَدِرْهَم بَاطِل
وَالْأَصْل فِيهِ مَا روى فضَالة بن عبيد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُتِي بقلادة فِيهَا ذهب وخرز

(3/58)


تبَاع بِالذَّهَب فَأمر بِنَزْع الذَّهَب وَقَالَ الذَّهَب بِالذَّهَب وزنا بِوَزْن
ولان مَا فِي أحد الْجَانِبَيْنِ إِذا وزع على مَا فِي الْجَانِب الثَّانِي بِاعْتِبَار الْقيمَة أفْضى إِلَى المفاضلة أَو الْجَهْل بالمماثلة
وَهَذَا الْمَعْنى يجْرِي فِي اخْتِلَاف النَّوْع فنص الشَّافِعِي على انه لَو راطل مائَة دِينَار عتق وَمِائَة دِينَار رَدِيء بِمِائَتي دِينَار وسط بَطل العقد
وَهَذَا مُشكل مَعَ تحقق الْمُمَاثلَة فِي الْوَزْن بَين الْعِوَضَيْنِ وَلَكِن التَّوْزِيع بِاعْتِبَار الْقيمَة يُفْضِي إِلَى المفاضلة

(3/59)


وَكَانَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ يُخَالف الْمَذْهَب فِي مَسْأَلَة المراطلة وَيبْطل التَّعْلِيل بالتوزيع ويعلل بِالْجَهْلِ بالمماثلة وَذَلِكَ يجْرِي عِنْد اخْتِلَاف الْجِنْس
فروع ثَلَاثَة

الأول إِذا بَاعَ خَمْسَة دَرَاهِم مكسرة وَخَمْسَة صحاحا بِعشْرَة مكسرة أَو صَحِيحَة فِيهِ وَجْهَان ذكرهمَا الْأَصْحَاب أَحدهمَا الْبطلَان كَمَا فِي مَسْأَلَة

(3/60)


المراطلة لِأَن الْقيمَة تخْتَلف بِالصِّحَّةِ والتكسر وَالثَّانِي الصِّحَّة إِذْ الْغَالِب جَرَيَان الْمُسَامحَة باشتمال الدَّرَاهِم على مكسرات فصفة الصِّحَّة فِي مَحل الْمُسَامحَة فَهُوَ خَارج عَن الْقَصْد بِخِلَاف الْعتْق والرداءة فِي الذَّهَب بل هَذَا كاشتمال الصَّاع على تميزات رَدِيئَة لَو ميزت لنَقص قيمتهَا بِالْإِضَافَة إِلَيّ غَيرهَا وَلَا خلاف أَن ذَلِك غير مَنْظُور إِلَيْهِ
الثَّانِي إِذا بَاعَ الْحِنْطَة بِالشَّعِيرِ وَفِي أَحدهمَا حبات من جنس الآخر إِن كَانَ مِقْدَارًا يقْصد اخْتِلَاطه أَو تَحْصِيله فَهُوَ مَانع وَإِلَّا فَلَا
وَكَذَلِكَ إِن بيع الْحِنْطَة بِالْحِنْطَةِ وَفِيهِمَا تُرَاب إِن كَانَ يظْهر أَثَره فِي الْمِكْيَال فَبَاطِل لِأَنَّهُ يتَفَاوَت الْقدر وتجهل الْمُمَاثلَة ويرعى فِي الحبات من جنس الآخر ظُهُور قصد الْمَالِيَّة لَا النُّقْصَان فِي الْمِكْيَال
الثَّالِث بيع الشَّاة اللَّبُون بِالشَّاة اللَّبُون بَاطِل لَان اللَّبن مَقْصُود مَعَ الشَّاة
وَفِي بيع دَار فِيهَا جمة مَاء بِمِثْلِهَا وَجْهَان إِذا قُلْنَا المَاء رِبَوِيّ لَان المَاء لَا يقْصد عينه مَعَ الدَّار وَاللَّبن مَقْصُود مَعَ الشَّاة
وَسوى أَبُو الطّيب بن سَلمَة بَين اللَّبُون وَبَين مَسْأَلَة الدَّار فِي الْمَنْع

(3/61)


فان قيل مَا الْفرق بَين التَّمْر والشهد وَفِي التَّمْر نوى كَمَا أَن فِي الشهد شمعا قُلْنَا النَّوَى من صَلَاح التَّمْر وَلَيْسَ الشمع من صَلَاح الْعَسَل فَلم يعد جُزْءا مِنْهُ
فان قيل إِذا جوزتم بيع اللَّبن بِاللَّبنِ وَلم تقدروه سمنا ومخيضا فَلم منعتم بيع السّمن بِاللَّبنِ وهلا قُلْتُمْ لَا يقدر السّمن فِي اللَّبن كَمَا لم يقدر إِذا قوبل اللَّبن بِاللَّبنِ قُلْنَا لَان الجنسية مَعْلُومَة بَين اللبنين فَلَا يحْتَاج إِلَى تَقْدِير وَلَا تَمْيِيز بَين السّمن والمخيض فِيهِ حَتَّى نحكم باجتماع الجنسين وَإِذا قوبل السّمن بِاللَّبنِ لم يُمكن إِطْلَاق القَوْل بالجنسية وَلَا باخْتلَاف الْجِنْس لِأَن فِيهِ من جنسه فغلب جَانب التَّحْرِيم

(3/62)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي فَسَاد العقد من جِهَة نهي الشَّارِع عَنهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَعِنْدنَا أَن مُطلق النَّهْي عَن العقد يدل على فَسَاد العقد إِلَّا إِذا ظهر تعلق النَّهْي بِأَمْر غير العقد اتّفق مجاورته للْعقد
كَقَوْلِه تبَارك وَتَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله وذروا البيع} فَحكم بِصِحَّة البيع فِي وَقت النداء إِذْ علم قطعا أَن النَّهْي عَن البيع لَا لأمر رَاجع إِلَى عينه فانه غير مَحْذُور والمحذور ترك الْجُمُعَة وَقد حصل البيع وَهُوَ غير مُتَعَلق بمقاصد البيع فَلم يتأثر بِهِ
فَإِذن المناهي قِسْمَانِ

(3/63)


الْقسم الأول مَا لم يدل على الْفساد وَهِي خَمْسَة

الأول نَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن النجش

قَالَ الشَّافِعِي لَيْسَ ذَلِك من أَخْلَاق ذَوي الدّين
والنجش هُوَ الرّفْع والناجش من يطْلب سلْعَة بَين يَدي الرَّاغِب فِيهَا بِأَكْثَرَ من قيمتهَا وَهُوَ لَا يريدها ليرغب فِيهَا المستام
فَهَذِهِ خديعة مُحرمَة وَلَكِن العقد صَحِيح من الْعَاقِدين وَالْإِثْم يلْحق غَيرهمَا ثمَّ لَا خِيَار إِن لم تجر مواطأة من البَائِع وان جرى فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا لَا كَمَا لَا يثبت بِالْغبنِ فِي كل بيع
وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ غبن اسْتندَ إِلَى تلبيس فضاهى غبن الْمُصراة وَصُورَة تلقي الركْبَان

(3/64)


الثَّانِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا يبيعن أحدكُم على بيع أَخِيه وَلَا يسومن على سوم أَخِيه

فَإِذا كَانَ المتعاقدان فِي مجْلِس العقد فَطلب طَالب السّلْعَة بِأَكْثَرَ من الثّمن ليرغب البَائِع فِي فسخ العقد فَهَذَا هُوَ البيع على بيع الْغَيْر وَهُوَ محرم لِأَنَّهُ إِضْرَار بِالْغَيْر وَلكنه مُنْعَقد لِأَن نفس البيع غير مَقْصُودَة بِالنَّهْي فَإِنَّهُ لَا خلل فِيهِ وَكَذَلِكَ إِذا رغب المُشْتَرِي فِي الْفَسْخ لغَرَض سلْعَة أَجود مِنْهَا بِمثل ثمنهَا أَو مثلهَا بِدُونِ ذَلِك الثّمن
والسوم على السّوم أَن يطْلب السّلْعَة بِزِيَادَة على مَا اسْتَقر الْأَمر عَلَيْهِ بَين المتساومين قبل البيع

(3/65)


وَإِنَّمَا يحرم على من بلغه الْخَبَر فان تَحْرِيمه خَفِي قد لَا يعرفهُ كل وَاحِد بِخِلَاف النجش فان تَحْرِيم الخداع جلي فِي الشَّرْع
ثمَّ قَالَت المراوزة الْخطْبَة على الْخطْبَة أَيْضا مُحرمَة كالسوم وَلَكِن سكُوت الْوَلِيّ ثمَّ كالإجابة على أحد الْقَوْلَيْنِ كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي النِّكَاح وَالسُّكُوت فِي البيع لَا يحرم السّوم
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا فرق بل التعويل على فهم الرِّضَا بِالْقَرِينَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَيحرم ذَلِك بعد فهم الرِّضَا بالإجابة فيهمَا وَهَذَا أفقه
الثَّالِث نهى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَن يَبِيع حَاضر لباد

وَهُوَ أَن يَأْتِي البدوي الْبَلدة وَمَعَهُ قوت يَبْغِي التسارع إِلَى بَيْعه رخيصا فَيَقُول لَهُ الْبَلَدِي اتركه عِنْدِي لأغالي فِي بيعَته
فَهَذَا الصَّنِيع محرم لما فِيهِ من الْإِضْرَار بِالْغَيْر وَالْبيع إِذا جرى مَعَ المغالاة

(3/66)


مُنْعَقد وَهَذَا إِذا كَانَت السّلْعَة مِمَّا تعم الْحَاجة إِلَيْهَا فان كَانَت سلْعَة مِمَّا لَا تعم الْحَاجة إِلَيْهَا وَكَثُرت الأقوات واستغني عَنهُ فَفِي التَّحْرِيم وَجْهَان يعول فِي أَحدهمَا على عُمُوم ظَاهر النَّهْي وحسم بَاب الضَّرَر وَفِي الثَّانِي على معنى الضَّرَر
الرَّابِع قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تتلقوا الركْبَان بِالْبيعِ فَمن تلقي فَصَاحب السّلْعَة بِالْخِيَارِ بعد أَن يقدم السُّوق

وَصورته أَن يسْتَقْبل الركْبَان ويكذب فِي سعر الْبَلَد وَيَشْتَرِي بِأَقَلّ من ثمن الْمثل فَهُوَ تغرير محرم وَلَكِن الشِّرَاء مُنْعَقد

(3/67)


ثمَّ إِن كذب وَظهر الْغبن ثَبت الْخِيَار وَإِن صدق فَوَجْهَانِ يعول فِي أَحدهمَا على عُمُوم النَّهْي وَفِي الآخر على معنى الضَّرَر
فجامع هَذِه المناهي يرجع إِلَى عقد لَا خلل فِيهِ ويتضمن إِضْرَارًا ولأجله نهى عَلَيْهِ السَّلَام عَن الاحتكار وَهُوَ ادخار الأقوات للغلاء وَنهى عَن التسعير لَان تصرف الإِمَام فِي الأسعار يُحَرك الرغبات ويفضي إِلَى الْقَحْط وَقَالَ الْعلمَاء يكره بيع السِّلَاح من قطاع الطَّرِيق وَبيع الْعصير من الْخمار لِأَنَّهُ إِعَانَة على الْمعْصِيَة والإضرار
الْخَامِس نهى عَن التَّفْرِيق بَين الوالدة وَوَلدهَا فِي البيع

وَالظَّاهِر أَن الْوَالِد فِي معنى الوالدة وَلَا يتَعَدَّى إِلَى غَيرهمَا من الْأَقَارِب وَفِي الْجدّة احْتِمَال

(3/68)


ثمَّ يخْتَص بِمَا قبل التَّمْيِيز فَلَا يجْرِي فِيمَا بعد الْبلُوغ وَفِيمَا بَين السنين وَجْهَان
وَفِي فَسَاد هَذَا البيع قَولَانِ أَحدهمَا لَا لِأَن النَّهْي رَاجع للأضرار فَيحرم وَلَا يفْسد البيع إِذْ لَا خلل فِي نَفسه وَالثَّانِي أَنه لَا ينْعَقد لَان التَّسْلِيم تَفْرِيق وَهُوَ محرم والممنوع شرعا كالممتنع حسا فَيلْحق بِالْعَجزِ عَن التَّسْلِيم
وَيقرب من هَذَا بيع السِّلَاح من أهل الْحَرْب قَالَ الْأَصْحَاب هُوَ بَاطِل لأَنهم لَا يعدون إِلَّا لقتالنا فالتسليم إِلَيْهِم إِعَانَة مُحرمَة وَفِيه وَجه آخر أَنه محرم وَينْعَقد كَالْبيع من قطاع الطَّرِيق وَهُوَ منقاس وَلكنه غير مَشْهُور
الْقسم الثَّانِي من المناهي مَا حمل على الْفساد

وَذَلِكَ إِمَّا لتطرق خلل إِلَى الْأَركان والشرائط الَّتِي سبقت فِي الْبَاب

(3/69)


الأول أَو لِأَنَّهُ لم يبْق للنَّهْي مُتَعَلق سوى العقد مُنْفَصِلا عَنهُ فَحمل على الْفساد وَهِي ثَمَانِيَة
الأول نَهْيه عَن بيع حَبل الحبلة وَله تَأْوِيلَانِ

أَحدهمَا أَن يَبِيع بِثمن إِلَى اجل وَهُوَ وضع نتاج النَّاقة فَإِنَّهُ اجل مَجْهُول يطْرق جهلا إِلَى الثّمن
وَالثَّانِي بيع نتاج النِّتَاج قبل الْوُجُود على عَادَة الْعَرَب وَهُوَ بيع مَا لَيْسَ بمملوك وَلَا مَقْدُور وَلَا مَعْلُوم
الثَّانِي نَهْيه عَن بيع الملاقيح والمضامين
والملقاح هُوَ مَا فِي بطن الْأُم

(3/70)


والمضامين مَا هُوَ فِي أصلاب الفحول فَهِيَ غير مقدورة وَلَا مَعْلُومَة
الثَّالِث نَهْيه عَن بيع الْمُلَامسَة وَله تَأْوِيلَانِ

أَحدهمَا أَن يَقُول مهما لمست ثوبي فَهُوَ مَبِيع مِنْك وَهُوَ بَاطِل لانه تَعْلِيق أَو عدُول عَن الصِّيغَة الشَّرْعِيَّة وَقيل مَعْنَاهُ أَن يَجْعَل اللَّمْس بِاللَّيْلِ فِي الظلمَة قَاطعا للخيار وَيرجع ذَلِك إِلَى تَعْلِيق اللُّزُوم وَهُوَ غير نَافِذ
وَنهى عَن بيع الْمُنَابذَة وَهُوَ فِي معنى الْمُلَامسَة فالنبذ كاللمس
وَقيل مَعْنَاهُ أَن تتنابذ السّلع وَتَكون معاطاة وَلَا ينْعَقد بهَا البيع عندنَا
الرَّابِع نهى عَن بيع الْحَصَاة

وَهُوَ أَن يَجْعَل رمي الْحَصَاة بيعا أَو يَقُول بِعْت مِنْك من السّلع مَا تقع عَلَيْهِ حصاتك إِذا رميت أَو بِعْت من الأَرْض إِلَى حَيْثُ تَنْتَهِي حصاتك فَالْكل فَاسد لما سبق من الْمعَانِي
الْخَامِس نَهْيه عَن بيعَتَيْنِ فِي بيعَة ذكر الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ تأولين

(3/71)


أَحدهمَا أَن تَقول بِعْتُك بِأَلفَيْنِ نَسِيئَة أَو بِأَلف نَقْدا أَيهمَا شِئْت أخذت بِهِ فاخذ بِأَحَدِهِمَا فَهُوَ فَاسد لانه إِبْهَام وَتَعْلِيق
وَالْآخر أَن تَقول بِعْتُك عَبدِي على أَن تبيعني فرسك وَهُوَ فَاسد لانه شَرط لَا يلْزم ويتفاوت بِعَدَمِهِ مَقْصُود العقد وَقد نهى مُطلقًا عَن بيع وَشرط وَكَذَلِكَ نهى عَن بيع وَسلف وَمَعْنَاهُ أَن يشْتَرط فِيهِ قرضا
السَّادِس نهى عَن ثمن الْكَلْب وَالْخمر

وَهُوَ مُعَلل بِالنَّجَاسَةِ فيتعدى إِلَى كل نجس عندنَا
وَصحح أَبُو حنيفَة رَحمَه الله شِرَاء الْخمر للْمُسلمِ بوكالة الذِّمِّيّ إِذا بَاشرهُ الذِّمِّيّ وَهُوَ وَكيل
السَّابِع نهى عَن بيع مَا لم يقبض
وَعَن بيع الطَّعَام حَتَّى يجْرِي فِيهِ الصاعان وَعَن بيع الكالئ بالكالئ وَسَيَأْتِي تَفْصِيله وَنهى عَن بيع الْغرَر

(3/72)


وَعَن بيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ وَقد ذَكرْنَاهُ وَقد نهى عَن ثمن عسب الْفَحْل وَذَلِكَ لانه غير مَقْدُور على التَّسْلِيم
الثَّامِن نهى عَن بيع وَشرط

فَاقْتضى مطلقه امْتنَاع كل شَرط فِي البيع وَالْمَفْهُوم من تَعْلِيله انه إِذا انْضَمَّ شَرط إِلَى البيع بقيت مَعَه علقَة بعد العقد يتَصَوَّر بِسَبَبِهَا مُنَازعَة ويفوت بفواتها مَقْصُود الْعَاقِد وينعكس على أصل العقد فيحسم الْبَاب وَلم يكن مَحْذُور هَذَا النَّهْي مُنْفَصِلا عَن العقد فَيدل على فَسَاده أَو فَسَاد الشَّرْط لَا محَالة
وَيسْتَثْنى من هَذَا الأَصْل حَال الْإِطْلَاق سِتَّة شُرُوط الأول أَن يشْتَرط مَا يُوَافق العقد كَقَوْلِه بِعْت بِشَرْط أَن تنْتَفع بِهِ وتتصرف كَمَا تُرِيدُ لَا يبْقى علقَة

(3/73)


وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ أَلا يَأْكُل إِلَّا الهريسة وَلَا تلبس إِلَّا الْخَزّ وَمَا لَا غَرَض فِيهِ لانه لَيْسَ فِيهِ علقَة يتَعَلَّق بهَا نزاع يتَغَيَّر بِهِ غَرَض فَهُوَ هذيان سَاقِط وَهَذَا اسْتثِْنَاء عَن صُورَة اللَّفْظ وَلكنه منطبق على الْمَعْنى الْمَفْهُوم الثَّانِي شَرط الْخِيَار ثَلَاثَة أَيَّام فَمَا دونه بِشَرْط أَن يكون مَعْلُوما وان لَا يكون زَائِدا
وَسَببه الْحَاجة لِكَثْرَة الغبينة وَعرف ذَلِك بِنَصّ الْأَحَادِيث الثَّالِث شَرط المهلة فِي الثّمن إِلَى مِيقَات مَعْلُوم عرف ذَلِك بِالنَّصِّ ويتأيد ذَلِك بِالْحَاجةِ الْعَامَّة الرَّابِع شَرط الْوَثِيقَة فِي الثّمن بِالرَّهْنِ أَو الْكَفِيل أَو الشَّهَادَة عرف ذَلِك بِالنَّصِّ ويعلل بِعُمُوم الْحَاجة لكَي يعرف الْكَفِيل بتعيينه والمرهون بتعيينه

(3/74)


أَن الْغَرَض يتَفَاوَت بِهِ وَلَا يشْتَرط تعْيين الشُّهُود إِذْ لَا يتَفَاوَت الْغَرَض وَهل يشْتَرط تعْيين من يعدل الرَّهْن على يَده فِيهِ وَجْهَان
وَلَو عين الشُّهُود فَهَل يتَعَيَّن فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يتَعَيَّن كالكفيل وَالثَّانِي لَا كتعيين الْمِيزَان إِذا لَا أرب فِيهِ
فان قُلْنَا لَا يتَعَيَّن فَلَا يفْسد بِهِ العقد بل هُوَ لاغ لَا يتأثر العقد بِهِ
وَلَو شَرط أَن يكون الْمَبِيع رهنا بِالثّمن
قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ البيع مفسوخ قَالَ الْأَصْحَاب ذَلِك يبْنى على قَوْلنَا الْبِدَايَة فِي التَّسْلِيم بالبائع اَوْ فان قُلْنَا الْبِدَايَة بالبائع أَو يجب التَّسْلِيم عَلَيْهِمَا فيتخيران بالمشتري أَو يتساويان ليَكُون الشَّرْط مغيرا مُقْتَضى العقد
وتعليله أَن التَّسْلِيم إِذا وَجب عَلَيْهِ بِمُقْتَضى العقد فَاشْترط أَن يكون البيع رهنا فِي يَده على الثّمن فقد غير مُقْتَضى العقد فِي إِيجَاب التَّسْلِيم

(3/75)


فَيفْسد
وان قُلْنَا الْبِدَايَة بالمشتري فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الصِّحَّة إِذْ لَا مَانع وَالثَّانِي الْبطلَان لَان يَد البَائِع يَد ضَمَان وَلَيْسَ يَد الْمُرْتَهن يَد ضَمَان بل يَد أَمَانَة فهما ضدان فَلَا يجمع بَين حكميهما فِي حَال وَاحِدَة وَالْأول أظهر
ثمَّ هَذِه الشُّرُوط إِذا صححت فَلَو امْتنع المُشْتَرِي عَن الْوَفَاء بالكفيل وَالرَّهْن وَالْإِشْهَاد ثَبت لَهُ الْخِيَار فِي البيع وَلَو أجَاب فَامْتنعَ البَائِع من قبُول الرَّهْن مثلا فَيجْبر أم يُخَيّر بَين الْقبُول وَبطلَان الْخِيَار فِيهِ تردد ذكره صَاحب التَّقْرِيب
وَيثبت الْخِيَار مهما تلف الْمَرْهُون قبل التَّسْلِيم وَكَذَلِكَ إِذا خرج الْعين الْمعِين للرَّهْن معيبا وَهُوَ لم يطلع عَلَيْهِ وَلَو تلف بعد الْقَبْض فِي الْمَرْهُون فَلَا خِيَار
وَلَو اطلع بعد فَوَاته فِي يَده على عيب فَفِي ثُبُوت الْخِيَار فِي اصل البيع وَجْهَان

(3/76)


أَحدهمَا لَا لانه لم يتَمَكَّن من الرَّد
وَالثَّانِي نعم إِذْ بَان أَن مَا سبق لم يكن وَفَاء بالملتزم
فان قيل فَهَذِهِ الشُّرُوط لَو فَسدتْ بِجَهَالَة أَو غَيرهَا أَو ذكر شرطا لَيْسَ فِي هَذِه الْأَقْسَام المستثناة وَحكم بفسادها فَهَل يفْسد العقد وَتبقى علته وَذَلِكَ فِي الْأَجَل وَالْخيَار وَغَيره
وَفِي شَرط الْوَثِيقَة قَولَانِ وَوجه الْفرق أَنَّهَا أُمُور مُسْتَقلَّة مُنْفَصِلَة ففسادها لَا يُوجب فَسَاد العقد بل يَلْغُو
والاقيس الأول لانه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام نهى عَن بيع وَشرط وَالْمَقْصُود بِالنَّهْي البيع فليفسد العقد بِمُطلق النَّهْي ولان مَا يسْتَقلّ بِنَفسِهِ إِذا ضم إِلَى العقد تأثر بِهِ فاشبه الْخِيَار وَالْأَجَل
وَحكى صَاحب التَّقْرِيب وَالشَّيْخ أَبُو عَليّ نصا غَرِيبا أَن البيع لَا يفْسد بالشرائط الْفَاسِدَة بل يَلْغُو الشَّرْط كَمَا فِي النِّكَاح وَحَكَاهُ أَبُو ثَوْر أَيْضا عَن الشَّافِعِي وَهُوَ بعيدَة

(3/77)


الْخَامِس مِمَّا اسْتثْنِي عَن النَّهْي شَرط الْعتْق فِي الْمَبِيع لما روى أَن بَرِيرَة قَالَت لَهَا

(3/78)


عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا لَو باعك أولياؤك لصببت لَهُم ثمنك صبا فَقَالَ السَّادة لَا نَفْعل ذَلِك إِلَّا بِشَرْط أَن تعتقك وَيكون الْوَلَاء لنا فَذكرت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام اشْترِي واشترطي لَهُم الْوَلَاء ثمَّ قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ مَا بَال أَقوام يشترطون شُرُوطًا لَيست فِي كتاب الله عز وَجل فِي خطْبَة طَوِيلَة فَأذن فِي ذَلِك وَلَا يَأْذَن فِي بَاطِل وَأنكر هَذَا التَّكْلِيف عَلَيْهِم مَعَ الْإِذْن فِي الْإِجَابَة
وَخرج بعض الْأَصْحَاب قولا أَن شَرط الْعتْق كَسَائِر الشُّرُوط الْفَاسِدَة وَهُوَ الْقيَاس وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَلكنه لَا وَجه لَهُ بتأييد القَوْل الْغَرِيب بِهِ وَهُوَ أَن العقد صَحِيح وَالشّرط فَاسد
وَتَأْويل الحَدِيث انه إِذن فِي العقد وَالشّرط أما العقد فَصَحِيح واما الشَّرْط فَغير لَازم وَلَكِن كَانَ يَثِق بعائشة أَنَّهَا تفي بِالشّرطِ تكرما وَهَذَا أولى كي لَا يكون مناقضا للْقِيَاس والتأويل بِالْقِيَاسِ غير مَمْنُوع

(3/79)


وَنَصّ الشَّافِعِي رَحمَه الله على مَا ذَكرْنَاهُ وَهُوَ مُوَافقَة الحَدِيث فِي تَصْحِيح الشَّرْط وَالْعقد
أما الْمصير إِلَى فَسَاد العقد فَلَا يعقل لَهُ وَجه مَعَ الحَدِيث بِحَال وَلَو قَالَ بِهِ قَائِلُونَ
والتفريع بِهِ على النَّص فِي صِحَة الشَّرْط فعلى هَذَا لَو شَرط الْوَلَاء للْبَائِع فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يَصح وَله الْوَلَاء لقصة بَرِيرَة رَحمهَا الله وانه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا يَأْمر بِفساد
وَالثَّانِي الْمَنْع فانه فِي غَايَة الْبعد عَن الْقيَاس وَاحْتِمَال تَقْدِير مساهلة من الشَّارِع فِي هَذِه المشارطة أَهْون من تشويش قَاعِدَة الْقيَاس
وَهَذَا أَيْضا يشوش التَّعَلُّق بِالنَّصِّ فِي اصل الشَّرْط فليقبل النَّص جملَة وتفصيلا
فان قيل الْعتْق الْمُسْتَحق بعد صِحَة الشَّرْط لمن هُوَ
قُلْنَا اخْتلف أَصْحَابنَا فِيهِ فَمنهمْ من قَالَ هُوَ حق الله تَعَالَى

(3/80)


كَأَنَّهُ الْتزم الْعتْق بِشَرْطِهِ فاشبه النّذر وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ حق البَائِع لانه ثَبت بِشَرْطِهِ
ويبتنى عَلَيْهِ ثَلَاثَة أُمُور
أَحدهمَا أَنه هَل تثبت لَهُ الْمُطَالبَة
فان قُلْنَا حَقه فَنعم وان قُلْنَا حق الله تَعَالَى فَوَجْهَانِ
أصَحهمَا انه يملك الطّلب إِذْ ثَبت بِشَرْطِهِ وَتعلق بِهِ غَرَضه وان كَانَ لله تَعَالَى فِيهِ حق الثَّانِي انه هَل يسْقط اللُّزُوم بعفوه
وان قُلْنَا حق الله تَعَالَى فَلَا وان قُلْنَا حَقه فَوَجْهَانِ إِذْ رب الْحق لَا يقبل الْإِسْقَاط إفرادا كالأجل ويطرد هَذَا فِي عَفْو مُسْتَحقّ الْكَفِيل وَالرَّهْن
وعَلى الِاحْتِمَالَيْنِ لَا يجْرِي إِعْتَاق المُشْتَرِي إِيَّاه عَن الْكَفَّارَة لتَعلق اسْتِحْقَاق الْغَيْر بِهِ
الثَّالِث إِذا امْتنع المُشْتَرِي من الْإِعْتَاق ذكر صَاحب التَّقْرِيب قَوْلَيْنِ

(3/81)


أَحدهمَا ثُبُوت الْخِيَار للْبَائِع كَمَا فِي الِامْتِنَاع من الْكَفِيل وَالرَّهْن
وَالثَّانِي انه يجْبر على الْعتْق كَمَا يجْبر الْمولى على الطَّلَاق
وَهَذَا يلْتَفت على انه حق الله تَعَالَى فَلَا وَجه لإسقاطه بِفَسْخ البَائِع وَلَا بإجازته وَرضَاهُ بِعَدَمِ الْعتْق
فرع

لَو مَاتَ العَبْد قبل اتِّفَاق الْعتْق فقد تصدى تَفْوِيت حق البَائِع من الْعتْق إِلَى غير بدل أَو إِيجَاب بدل بعد زَوَال ملكه وسلامة الثّمن لَهُ
فَاخْتلف الْأَصْحَاب مِنْهُم من قَالَ يفْسخ العقد فيسترد الثّمن وَيضمن المُشْتَرِي الْقيمَة حذارا عَن ارْتِكَاب محَال
وَمِنْهُم من قَالَ الِانْفِسَاخ بعد الْقَبْض من غير سَبَب أَيْضا محَال فَيغرم المُشْتَرِي قدر التَّفَاوُت بَين قِيمَته مَعَ الشَّرْط وَقِيمَته دون الشَّرْط
وَالثَّالِث أَن الْغرم لَا بُد مِنْهُ وَلَكِن يغرم مثل نِسْبَة هَذَا التَّفَاوُت من الثّمن لَا من الْقيمَة بِعَينهَا وَهَذَا أعدل الْوُجُوه

(3/82)


السَّادِس إِذا شَرط فِي البيع وَصفا ناجزا لَيْسَ يتَوَقَّف على إنْشَاء أَمر بعده وَذَلِكَ يَنْقَسِم إِلَى مَا يرجع إِلَى عين والى مَا هُوَ وصف مَحْض
أما الْوَصْف الْمَحْض فَيصح شَرطه كَقَوْلِه بِعْت العَبْد على انه كَاتب أَو خباز ثمَّ أَن اخلف ثَبت لَهُ الْخِيَار
أما مَا يرجع إِلَى الْعين كَقَوْلِه بِعْت الْجَارِيَة على أَنَّهَا حُبْلَى وَكَذَا الْبَهِيمَة فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا الْبطلَان لانه يرجع إِلَى شَرط إدراج الْحمل فِي البيع فَكَأَنَّهُ قَالَ بِعْت الْجَارِيَة وَحملهَا بِدِينَار فيلتفت على تَفْرِيق الصَّفْقَة وَوجه الأول أَن الْحمل كالوصف فِي الْحَيَوَان

(3/83)


أما إِذا شَرط فِي الشَّاة أَن تكون لبونا مِنْهُم من قَالَ هُوَ كوصف الحرفة وَالْكِتَابَة فانه لَيْسَ بِشَرْط وجود اللَّبن فِي الْحَال فاللبن يتَحَصَّل بِصفة غريزية ناجزة وَاللَّبن من ثَمَرَتهَا
وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ كالحمل فَيخرج على الْقَوْلَيْنِ
وَلَو شَرط حَشْو فِي الْجُبَّة فَهُوَ من قبيل الْحمل وَأولى بِالصِّحَّةِ لَان الحشو يعلم وجوده وَالْحمل يتَرَدَّد فِيهِ
ولسنا نشترط رُؤْيَة حَشْو الْجُبَّة على قَول منع بيع الْغَائِب لَان الْجُبَّة قد تقصد على هَذَا الْوَجْه
وَكَذَلِكَ لَا نشترط أَن يرى من الدَّار كل ضبة وسلسلة على بَاب لانه صَار وَصفا وتبعا
أما إِذا قَالَ بِعْتُك هَذِه الصُّبْرَة على أَنَّهَا ثَلَاثُونَ صَاعا فَالشَّرْط صَحِيح فان خرج كَذَلِك فَلَا كَلَام
وان زَاد لم يَصح فِي الزَّائِد وَفِي الْبَاقِي يخرج على قولي تَفْرِيق الصَّفْقَة
وان نقص فَفِي صِحَّته فِي ذَلِك الْقدر خلاف يلْتَفت على مَا إِذا قَالَ بِعْت مِنْك هَذِه النعجة فَإِذا هِيَ رمكة

(3/84)


فَفِي قَول يعول على الْإِشَارَة وَفِي آخر يعول على الْعبارَة وانما صححنا الشَّرْط وَلم نفسد العقد فِي الأَصْل لَان كَثْرَة الصيعان فِي حكم الْوَصْف للصبرة
فروع ثَلَاثَة

أَحدهَا إِذا قَالَ بِعْتُك وَلم يذكر الثّمن فسد وَالْمَبِيع مَضْمُون فِي يَد المُشْتَرِي أَن قَبضه وان لم يذكر الثّمن لَان البيع يَقْتَضِي بمطلقه طلب عوض
وان قَالَ بِعْتُك بِلَا ثمن فَهَل ينْعَقد هبة ذكر القَاضِي قَوْلَيْنِ أَحدهمَا نعم لانه أَفَادَ مَعْنَاهُ وَهُوَ التَّمْلِيك مجَّانا وَالثَّانِي لَا لَان اللَّفْظ متهافت فان البيع يَقْتَضِي ثمنا
فان قُلْنَا لم ينْعَقد فَفِي الضَّمَان على الْمُشْتَرى إِذا قبض وَجْهَان أَحدهمَا يجب ككل شِرَاء فَاسد وَالثَّانِي لَا لَان عِلّة الضَّمَان انه لم ينزل عَنهُ إِلَّا بِبَدَل فليرد إِلَيْهِ اَوْ بدله وَهَا هُنَا نزل عَنهُ مجَّانا
الثَّانِي إِذا اسْتثْنى حمل الْحَيَوَان عَن البيع فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا الصِّحَّة كَمَا لَو كَانَ الْوَلَد حرا فان بيع ألام صَحِيح على الظَّاهِر
وَالثَّانِي لَا لَان الْمَبِيع معرض لغرر بِسَبَب غير الْمَبِيع
الثَّالِث إِذا قَالَ اشْتريت مِنْك هَذَا الزَّرْع بِدِينَار على أَن تحصده لي

(3/85)


من أَصْحَابنَا من قَالَ يفْسد لانه شَرط فعلا فِي عقد فَكَأَنَّهُ يَبْغِي مِنْهُ فعلا مَعَ الْمَبِيع
وَمِنْهُم من قَالَ لَا بل مَعْنَاهُ اشْتريت مِنْك هَذَا الزَّرْع واستأجرتك على حَصَاده بِدِينَار فالدينار ثمن واجرة فَهُوَ جمع بَين الْإِجَارَة وَالْبيع فَيخرج على قولي تَفْرِيق الصَّفْقَة فِي الْجمع بَين مختلفات الْأَحْكَام
فان جَوَّزنَا الْجمع بَين البيع وَالْإِجَارَة على الْجُمْلَة فَهَذَا يلْتَفت على اصل آخر وَهُوَ أَن أحد شقي عقد الْإِجَارَة على الْعَمَل فِي الزَّرْع جرى قبل ملك الزَّرْع والاستئجار على الْعَمَل فِي ملك الْغَيْر غير جَائِز فَيخرج على وَجْهَيْن فِيمَا إِذا قَالَ لعَبْدِهِ كاتبتك وبعتك ثوبي هَذَا بِأَلف فَقَالَ العَبْد قبلت واشتريت لانه جرى إِيجَاب البيع قبل أَن صَار العَبْد أَهلا للْبيع مِنْهُ وَلَكِن تَأَخّر الْقبُول عَنهُ وَالْمَسْأَلَة مُحْتَملَة
هَذَا تَمام القَوْل فِي الشَّرَائِط الْفَاسِدَة وَمَا فسد مِنْهَا وافسد العقد قبل اللُّزُوم

(3/86)


فان الْملك وان لم ينْقل هَا هُنَا أَلا أَن الْمُقَابلَة بِالْعقدِ حَاصِلَة فَلَا يَنْقَلِب صَحِيحا بالحذف فِي مُدَّة الْخِيَار وَلَا فِي مجْلِس العقد خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله
وَكَذَلِكَ الْجَهَالَة الْمفْسدَة إِذا رفعت فِي الْمجْلس لم ينْتَفع
أما الشَّرْط الصَّحِيح إِذا الْحق بِالْعقدِ فِي الْمجْلس كالخيار وَالْأَجَل أَو زِيَادَة الثّمن والمثمن فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا الْمَنْع كَمَا بعد اللُّزُوم وَالثَّانِي انه يَصح لَان الْمجْلس كَأَنَّهُ حَرِيم العقد وأوله وَهَذَا يُفْسِدهُ قَوْلنَا أَن حذف الْجَهَالَة فِي الْمجْلس لَا يُغني فيعلل هَذَا التَّفْرِيع على قَوْلنَا الْملك غير منتقل

(3/87)


فَقبل الْعِوَض وَالزِّيَادَة وَالنُّقْصَان وَهَذَا أَيْضا مُشكل على قِيَاس مَذْهَب الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْمَنْع من إِلْحَاق الزَّوَائِد والشروط

(3/88)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فِي فَسَاد العقد لانضمام فَاسد إِلَيْهِ وَهُوَ الْمَعْرُوف بتفريق الصَّفْقَة وَذَلِكَ لَهُ ثَلَاث مَرَاتِب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الْمرتبَة الأولى
أَن يجْرِي فِي الِابْتِدَاء كَمَا لَو بَاعَ ملكه وَملك الْغَيْر فِي صَفْقَة وَاحِدَة فسد فِي ملك الْغَيْر وَفِي ملكه قَولَانِ
أَحدهمَا الصِّحَّة لَان الصَّحِيح لم يتأثر بالفاسد فَلَا يفْسد بمساوقته
وَالثَّانِي الْفساد لعلتين
أصَحهمَا أَن الصَّحِيح تأثر بِهِ إِذْ صَار مَا يَخُصُّهُ من الثّمن مَجْهُولا وَجَمِيع الْمُسْتَحق ثمنا يَنْبَغِي أَن يعلم وَحِصَّة ملكه من الْجَمِيع لم يعرف مبلغه فَصَارَ كَمَا إِذا قَالَ بِعْت مِنْك عَبدِي هَذَا بِمَا يَخُصُّهُ من الْألف لَو وزع عَلَيْهِ وعَلى قيمَة عبد فلَان
وَالثَّانيَِة أَن الصِّيغَة المتحدة إِذا فَسدتْ فِي بعض مسمياتها لم تقبل التَّبْعِيض وَهَذِه الْعلَّة توجب الْفساد بِحكم التَّفْرِيق فِي النِّكَاح أَيْضا

(3/89)


وان عللنا بِجَهَالَة الْعِوَض لم يجز فِي الرَّهْن وَالْهِبَة إِذْ لَا عوض فيهمَا وَلَا فِي النِّكَاح فان الْجَهْل فِيهِ بِالْعِوَضِ لَا يفْسد وَلَا فِيمَا تتناسب أجزاؤه كَعبد مُشْتَرك انْفَرد أَحدهمَا بِبيعِهِ فانه يعلم أَن النّصْف مشترى بِالنِّصْفِ وَالثلث بِالثُّلثِ وَكَذَا فِي سَائِر الْأَجْزَاء المتناسبة
وان فرعنا على الصِّحَّة ثَبت الْخِيَار للْمُشْتَرِي فَإِن فسخ فَذَاك وان أجَاز فبقسطه من الثّمن
وَفِيه قَول آخر انه يخبر بِكُل الثّمن حذارا من أَن يكون مبلغ الثّمن الْمُسْتَحق غير مَعْلُوم وَكَأن هَذِه زِيَادَة فَاسِدَة لم تقبل الْعِوَض كالعيب وَهُوَ بعيد
وَالصَّحِيح أَن البَائِع لَا خِيَار لَهُ وان أُجِيز بقسط من الثّمن لانه سلم لَهُ كل بدل ملكه هَذَا إِذا بَاعَ مَمْلُوكا ومعصوبا فان ضم إِلَى الْمَمْلُوك حرا فَالْخِلَاف مُرَتّب وَالْفساد أولى إِذْ تَقْدِير قيمَة الْحر أبعد فَإِن ضم إِلَيْهِ خمرًا أَو خنزيرا أَو كَلْبا فَمر بِهِ على الْحر وَالْفساد أولى إِذْ لَا بُد من تَقْدِير صفة خلقته لمعْرِفَة الْقيمَة

(3/90)


ثمَّ إِن صححنا فقد قيل يقدر الْخِنْزِير نعجة وَالْخمر خلا ليمكن تقويمه وَهُوَ بعيد
بل الْأَصَح أَن تقدر قِيمَته على حَاله عِنْد من لَهُ قيمَة عِنْده
أما إِذا ضم إِلَى الصَّحِيح غَائِب مَجْهُول لَا مطمع فِي معرفَة قِيمَته فَيتَعَيَّن إبِْطَال العقد إِلَّا على القَوْل الضَّعِيف فِي أَن الْإِجَازَة تجْرِي بِكُل الثّمن فَأَما إِن أجزنا

(3/91)


بِقسْطِهِ لم نَعْرِف مبلغه بِحَال
فان قيل قطعْتُمْ بِالْبُطْلَانِ فِيمَا إِذا قَالَ بِعْتُك عَبدِي بِمَا يَخُصُّهُ من الْألف لَو وزع على قِيمَته وَقِيمَة عبد آخر عينه وترددتم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَمَا الْفرق
قُلْنَا إِن كَانَ المتعاقدان عَالمين بِحَقِيقَة الْحَال عِنْد العقد بَطل العقد إِذْ لَا فرق هَكَذَا قَالَه الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد وانما الْخلاف عِنْد الْجَهْل إِذْ قد ظنا أَن مبلغ الثّمن مَعْلُوم حَالَة العقد وللظن تَأْثِير فِي أَمْثَاله كَمَا سبق فِي نَظَائِره فِي فُصُول علم الْمَبِيع وَلَا وَجه إِلَّا مَا ذكره الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد رَحمَه الله
الْمرتبَة الثَّانِيَة التَّفْرِيق فِي الدَّوَام
وَذَلِكَ بِأَن يتْلف أحد الْعَبْدَيْنِ قبل الْقَبْض على وَجه يَنْفَسِخ فِيهِ فَفِي الِانْفِسَاخ فِي الْبَاقِي قَولَانِ مرتبان على العلتين

(3/92)


وَالصَّحِيح انه لَا يَنْفَسِخ لَان الْجَهْل مَحْذُور فِي الِابْتِدَاء وَالْعقد الْآن قد اسْتَقر وعَلى هَذَا يَأْخُذ الْبَاقِي بِقسْطِهِ
وَقَول التَّكْمِيل هَا هُنَا فِي نِهَايَة الضعْف لِأَن العقد قد سبق مقتضيا للتوزيع
التَّفْرِيع

إِن جَوَّزنَا تَفْرِيق الصَّفْقَة فِي الدَّوَام فَلَو اشْترى عَبْدَيْنِ وَوجد بِأَحَدِهِمَا أَو بهما عَيْبا وَأَرَادَ إِفْرَاد وَاحِد بِالرَّدِّ وَهُوَ الْمَعِيب فَلهُ ذَلِك
وَلَو أَرَادَ ردهما جَازَ أَيْضا وان كَانَ الْمَعِيب وَاحِدًا لانه لم يسلم لَهُ كل الْمُشْتَرى
وَفِيه وَجه انه لَا يردهما إِلَّا إِذا كَانَا معيبين
وَلَا خلاف فِي أَنه لَو أَرَادَ رد نصف عبد لم يجز لَان التَّبْعِيض عيب فِي حق البَائِع وان فرعنا على القَوْل الآخر فَلَيْسَ لَهُ إِفْرَاد أحد الْعَبْدَيْنِ بِالرَّدِّ أَن رَضِي البَائِع فَوَجْهَانِ
أقيسهما الْمَنْع لَان اسْتِحَالَة تَفْرِيق الصَّفْقَة الْوَاحِدَة لَا تخْتَلف بِالتَّرَاضِي
وَالثَّانِي الْجَوَاز وَكَأن هَذَا الْقَائِل يُعلل بتضرر البَائِع بِرُجُوع بعض الْمَبِيع إِلَيْهِ

(3/93)


وَلَو كَانَ الثَّانِي تَالِفا فَهَل يُمْهل عذره فِي إِفْرَاد الْقَائِم فِيهِ وَجْهَان فان منعناه فَلَو ضم قيمَة التَّالِف إِلَيْهِ فَهَل يتَمَكَّن مِنْهُ فِيهِ خلاف مُرَتّب على مَا إِذا أَرَادَ ضم ارش الْعَيْب الْحَادِث إِلَى الْمَبِيع ورده بِالْعَيْبِ الْقَدِيم
وَهَا هُنَا أولى بِالْمَنْعِ لَان النُّقْصَان فِي حكم تَابع وَالْعَبْد مُسْتَقل بِنَفسِهِ فَلَا يَجْعَل تَابعا للقائم
فرع

لَو حكمنَا برد قيمَة التَّالِف ضما الى الْقَائِم فتنازعا فِي مِقْدَاره فَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي لانه الْغَارِم والاصل بَرَاءَة ذمَّته
وَلَو تلف أحد الْعَبْدَيْنِ قبل الْقَبْض وَقُلْنَا يرد البَائِع مَا يَخُصُّهُ دون الْبَاقِي فتنازعا فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَن القَوْل قَول البَائِع لانه الْغَارِم برد بعض الثّمن
وَالثَّانِي بل القَوْل قَول المُشْتَرِي لانه الَّذِي يسلم بعض الثّمن للْبَاقِي والمنازع يرجع إِلَى مزِيد فِيهِ يَدعِيهِ البَائِع وينكره المُشْتَرِي
الْمرتبَة الثَّالِثَة أَن يجمع بَين عقدين مختلفي الحكم فِي الْفَسْخ والانفساخ

كَالْإِجَارَةِ وَالْبيع أَو النِّكَاح وَالْبيع أَو الصّرْف وَالسّلم الَّذِي يَنْفَسِخ بالتفرق قبل

(3/94)


الْقَبْض مَعَ غَيره مِمَّا لَا يَنْفَسِخ بِهِ أَو السّلم فِي جنس وَاحِد إِلَى آجال أَو فِي أَجنَاس إِلَى اجل وَاحِد فِيهِ قَولَانِ مرتبان على الْمرتبَة الثَّانِيَة وَأولى بِالصِّحَّةِ إِذْ آحَاد هَذِه الْعُقُود صَحِيحَة فَلَا مَانع فِي الْجمع فِي الحكم
وَوجه الْفساد أَن انْفِسَاخ العقد فِي الْبَعْض لَو جرى لانفسخ الْبَاقِي وَذَلِكَ مترقب فان الْعُقُود المتفرقة لَا تنتظم أحوالها فِي الْمَآل فَجعل المتوقع كالواقع وَهَذَا بعيد جدا
فان قيل إِذا كَانَ سَبَب الْفساد تفَرقا وَاقعا فِي صَفْقَة متحدة فَبِمَ يعرف اتِّحَاد الصَّفْقَة وتعددها
قُلْنَا إِن اتَّحد البَائِع وَالْمُشْتَرِي والعوض اتّحدت الصَّفْقَة وتتعدد بِتَعَدُّد البَائِع قطعا وَكَذَا بِتَعَدُّد الْعِوَض فَإِذا قَالَ اشْتريت عَبدك بِدِينَار واستأجرت جاريتك بدرهم كَانَت الصَّفْقَة مُتعَدِّدَة
فَإِذا قَالَ اشْتريت العَبْد واستأجرت الْجَارِيَة بِدِينَار فَعِنْدَ ذَلِك تتحد وَفِي التَّعَدُّد بِتَعَدُّد المُشْتَرِي مَعَ اتِّحَاد البَائِع وَصِيغَة العقد والعوض قَولَانِ أَحدهمَا الْقيَاس على البَائِع وَالثَّانِي الْفرق فان المُشْتَرِي كالقائل الثَّانِي على الْإِيجَاب السَّابِق فالنظر إِلَى من مِنْهُ الْإِيجَاب أما إِذا اتَّحد الْوَكِيل وتعدد الْمُوكل أَو على الْعَكْس فَثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا النّظر إِلَى الْوَكِيل فانه الْعَاقِد

(3/95)


وَالثَّانِي إِلَى الْمُوكل فانه من يَقع العقد لَهُ
وَالثَّالِث أَن النّظر فِي الشِّرَاء إِلَى الْوَكِيل لانه الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ العقد ظَاهرا وَفِي البيع إِلَى الْمُوكل لانه سفير لَا يتَعَلَّق بِهِ حكم
التَّفْرِيع

إِن قُلْنَا يَتَعَدَّد بِتَعَدُّد المُشْتَرِي فَلَو قَالَ لِرجلَيْنِ بِعْت مِنْكُمَا فَقبل أَحدهمَا دون الآخر فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا الصِّحَّة للتعدد
وَالثَّانِي الْمَنْع لَان الْجَواب غير منطبق على الْخطاب وَقد الْتبس جوابهما جَمِيعًا وَهَذَا بعيد إِذْ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على انه لَو خَالع زوجتيه فَقبلت إِحْدَاهمَا صَحَّ مَعَ أَن فِيهِ معنى التَّعْلِيق وَالْمُعَلّق بصفتين لَا يحصل بِإِحْدَاهُمَا
وَلَا خلاف أَنه لَو قَالَ لوَاحِد بِعْت مِنْك هذَيْن الصاعين بدرهم فَقَالَ اشْتريت أَحدهمَا بِنصْف دِرْهَم لَا يَصح وَإِن فرعنا فعلى جَوَاز تَفْرِيق الصَّفْقَة للخلل فِي الْقبُول وَعدم مطابقته للخطاب
وَقطع الشَّيْخ أَبُو عَليّ بِأَنَّهُ لَو قَالَ لعَبْدِهِ زوجت مِنْك أمتِي فَقبل إِحْدَاهمَا صَحَّ النِّكَاح وَفرق بَينه وَبَين البيع وَلَا ينقدح فِيهِ فرق من حَيْثُ انتظام الْجَواب وَالْخطاب وَلَكِن النِّكَاح أبعد عَن قبُول الْفساد بانضمام فَاسد إِلَيْهِ فان غَايَته أَن يكون ضم الْفَاسِد إِلَيْهِ كَشَرط فَاسد وَالنِّكَاح لَا يفْسد بِهِ وَلَعَلَّه رأى تعدد الصَّفْقَة بِتَعَدُّد الزَّوْجَة فان منصبها منصب الْعَاقِد لَا منصب الْمَبِيع

(3/96)


إِلَّا أَن هَذَا التَّعْلِيل تخدشه مَسْأَلَة وَهِي انه لَو اصدق امرأتيه عبدا ثمَّ بَان الْفساد فِي نِكَاح إِحْدَاهمَا قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ للزَّوْج الْخِيَار على الَّتِي صَحَّ نِكَاحهَا فِي نصف العَبْد حَتَّى يَنْفَسِخ وَيسلم مهر الْمثل حَتَّى لَا يَتَبَعَّض عَلَيْهِ العَبْد قَالَ وَعرضت هَذَا على الْقفال فارتضاه
وَلَا تنفك هَذِه الْمَسْأَلَة عَن احْتِمَال فَإِن الْمَرْأَتَيْنِ كالمشتريين للْعَبد فَلَا يبعد تعدد الصَّفْقَة بهما وَسَنذكر انْفِرَاد أحد المشتريين بِالرَّدِّ إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَلَا خلاف أَن أحد المشتريين لَو وفى نصِيبه من الثّمن وَقُلْنَا الصَّفْقَة مُتعَدِّدَة تسلم إِلَيْهِ حِصَّته من الْمَبِيع
وان قُلْنَا الصَّفْقَة متحدة فهما كالمشتري الْوَاحِد
وَفِيه إِذا سلم بعض الثّمن خلاف وَالظَّاهِر انه لَا يسلم إِلَيْهِ شَيْء من الْمَبِيع وان كَانَ يَنْقَسِم كالحنطة مثلا مَا لم يسلم تَمام الثّمن
وَفِيه وَجه أَنه يسلم بِقَدرِهِ لِأَن الثّمن متوزع على الْمَبِيع لَا كَالدّين فِي حق الْمَرْهُون
فَأَما إِذا كَانَ لَا يَنْقَسِم فَلَا خلاف فِي أَنا لَا نكلفه الْمُهَايَأَة فِي قدر مَا سلم ثمنه لِأَن حق الْجِنْس ضَعِيف لَا يحْتَمل التَّسْلِيم والاسترداد وَلذَلِك يبطل بالإعارة

(3/97)


الْقسم الثَّانِي فِي بَيَان لُزُوم العقد وجوازه

وَهُوَ أهم مَا يذكر بعد بَيَان صِحَّته وفساده وَالْأَصْل فِي البيع اللُّزُوم وَالْجَوَاز بِأَسْبَاب خَاصَّة فنعقد فِيهَا ثَلَاثَة أَبْوَاب
الْبَاب الأول فِي خِيَار الْمجْلس
الْبَاب الثَّانِي فِي خِيَار الشَّرْط
فِي خِيَار النقيصة

(3/98)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي خِيَار الْمجْلس وَفِيه فصلان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الْفَصْل الأول فِي مجاريه

وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الْمُتَبَايعَانِ كل وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا إِلَّا بيع الْخِيَار
قيل مَعْنَاهُ أَلا بيعا شرطا فِيهِ الْخِيَار فَلَا يلْزم بالتفرق
وَقيل مَعْنَاهُ أَلا بيعا شَرط فِيهِ نفي خِيَار الْمجْلس فَيلْزم بِنَفسِهِ عِنْد قومه وَلما ثَبت خِيَار الْمجْلس بِالْحَدِيثِ اخْتصَّ بِالْبيعِ فَكل مَا يُسمى بيعا من الصّرْف وَالسّلم والإشراك أَن شرك بَينه وَبَين غَيره بَان يَقُول أَشْرَكتك فِي هَذَا البيع وَهُوَ مُسْتَعْمل فِي البيع وَكَذَلِكَ التَّوْلِيَة وَالصُّلْح ثَبت فِيهِ الْخِيَار قطعا
وَيسْتَثْنى أَربع مسَائِل
الأولى بيع شَرط فِيهِ نفي خِيَار الْمجْلس وَفِيه وَفِي نفي خِيَار الرُّؤْيَة

(3/99)


وَالْعَيْب ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا لُزُوم العقد وَصِحَّة الشَّرْط
وَالثَّانِي فَسَاد العقد لفساد الشَّرْط
وَالثَّالِث أَن الشَّرْط لاغ وَالْعقد بَاقٍ على مُقْتَضَاهُ
الثَّانِيَة كل بيع يستعقب عتقا كَشِرَاء الْوَالِد وَشِرَاء العَبْد نَفسه من سَيّده لَا خِيَار فِيهِ لانه لَيْسَ عقد مغابنة
وَقَالَ أَبُو بكر الاودني يثبت الْخِيَار فِي شِرَاء الْقَرِيب وَاسْتدلَّ بقوله عَلَيْهِ السَّلَام لن يَجْزِي ولد وَالِده حَتَّى يجده مَمْلُوكا فيشتريه فيعتقه فَيدل على تعلق الْعتْق بِاخْتِيَارِهِ وَهُوَ ضَعِيف

(3/100)


الثَّالِثَة إِذا بَاعَ مَال الطِّفْل من نَفسه فقد قيل لَا خِيَار لانه لَا يعقل فِي الْوَاحِد اجْتِمَاع وتفرق وَالصَّحِيح ثُبُوت الْخِيَار لانه فِي معنى شَخْصَيْنِ نعم الْخلاف يتَّجه فِي أَن خِيَاره يَنْقَطِع بمفارقة مجْلِس العقد أم لَا يَنْقَطِع أَلا بِصَرِيح الْإِلْزَام لانه ملازم نَفسه أبدا ثمَّ لاشك فِي انه يثبت لَهُ خياران وَاحِد لَهُ على طِفْله وَوَاحِد لطفله عَلَيْهِ
الرَّابِعَة بيع الْغَائِب وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا أَنه كَسَائِر الْبيُوع
وَالثَّانِي لَا لانه بصدد خِيَار الرُّؤْيَة وكل وَاحِد مِنْهُمَا خِيَار يشتهى فَلَا يَجْتَمِعَانِ فِي عقد وَاحِد وَالْأول أظهر
فان قُلْنَا يثبت فَوَجْهَانِ أَحدهمَا عِنْد العقد وَهُوَ الْقيَاس
وَالثَّانِي عِنْد الرُّؤْيَة إِذْ قبلهَا لَا يتَصَوَّر حَقِيقَة الرِّضَا
أما النِّكَاح وَالرَّهْن وَالْهِبَة وَالْكِتَابَة وكل عقد جَائِز من الْجَانِبَيْنِ أَو من أَحدهمَا فَلَا خِيَار فِيهَا لِأَنَّهَا لَيست فِي معنى البيع وَكَذَلِكَ كل مَا لَا يُسمى بيعا إِلَّا فِي سَبْعَة أُمُور
أَحدهَا الْإِجَارَة وَفِي ثُبُوت خِيَار الْمجْلس وَالشّرط فِيهَا ثَلَاثَة أوجه وَجه

(3/101)


الْإِثْبَات أَنَّهَا صنف من الْبيُوع وَوجه الْمَنْع أَنه يُؤَدِّي إِلَى تَعْطِيل الْمَنَافِع فمدة الْخِيَار بِخِلَاف البيع وَفِي الثَّالِث يثبت فِيهِ خِيَار الْمجْلس إِذْ الْغَالِب انه يتصرم على قرب فَلَا وزن لتِلْك الْمَنْفَعَة بِخِلَاف خِيَار الشَّرْط
والمسابقة إِذا قُلْنَا إِنَّهَا لَازِمَة من الْجَانِبَيْنِ فِي معنى الْإِجَارَة وَلكنهَا أبعد عَن البيع قَلِيلا
أما الْإِجَارَة الْوَارِدَة على الذِّمَّة فَيثبت فِيهَا الْخِيَار إِذْ لَا يحذر فِيهَا فَوَات مَنْفَعَة وَالْإِجَارَة بيع تَحْقِيقا
الثَّانِي الْإِقَالَة وَيثبت فِيهَا الخياران على قَوْلنَا أَنَّهَا ابْتِدَاء بيع
الثَّالِث الْحِوَالَة وفيهَا وَجْهَان على قَوْلنَا حكم الْمُعَاوضَة غَالب على الِاسْتِيفَاء وَوجه الْمَنْع أَن وجود معنى الِاسْتِيفَاء غير مُنكر وان كَانَ مَغْلُوبًا
الرَّابِع الْهِبَة بِشَرْط الثَّوَاب إِن قُلْنَا تَنْعَقِد بيعا فَفِيهَا وَجْهَان كالخلاف فِي أَنَّهَا هَل تفِيد الْملك قبل الْقَبْض
الْخَامِس الْقِسْمَة وَلَا يثبت فِيهَا خِيَار الشَّرْط على الْأَصَح لانه لَا مدْخل للفظ فِيهِ وَفِي خِيَار الْمجْلس على قَوْلنَا إِنَّه بيع خلاف وان كَانَ قهريا فَلَا

(3/102)


وَجه لإِثْبَات الْخِيَار أصلا
السَّادِس الشَّفِيع إِذا بذل عوض الْمَشْفُوع فَمَا دَامَ فِي مجْلِس بذل الْعِوَض هَل يتَخَيَّر فِي الرُّجُوع وَهِي مُعَاوضَة مُحَققَة وَلكنه قهري لَا يتَعَلَّق بِاللَّفْظِ فِيهِ وَجْهَان
وَلَا يثبت خِيَار الشَّرْط بِحَال
السَّابِع الصَدَاق وَالْمَشْهُور انه لَا يثبت فِيهِ الخياران
وَحكى الصيدلاني قَوْلَيْنِ لانه عقد مُسْتَقل بِنَفسِهِ لَا يَنْفَسِخ النِّكَاح بفسخه فَكل هَذِه الْمسَائِل منشأ التَّرَدُّد فِيهَا التَّرَدُّد فِي أَنَّهَا هَل هِيَ فِي معنى البيع لاشتمالها على الْمُعَاوضَة والمغابنة
فرع

الْعَاقِد فِي الصّرْف إِذا الزم فِي الْمجْلس ثمَّ فَارق قبل الْقَبْض انْفَسَخ العقد وَعصى أَن فَارق دون إِذن صَاحبه فانه ابطل عَلَيْهِ حَقًا لَازِما
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد لَا يعْصى لَان عِلّة الْقَبْض قَائِمَة فَلَا يلْزم وَلَا يثبت اللُّزُوم قبل الْقَبْض مَا دَامَ فِي الْمجْلس وان جرى صَرِيح الْإِلْزَام
وَالظَّاهِر أَنه يلْزم وَإِن كَانَ يَنْفَسِخ بِفَوَات الْقَبْض

(3/103)


الْفَصْل الثَّانِي فِي قواطع الْخِيَار وَهُوَ قَول أَو فعل

أما القَوْل فَهُوَ كل مَا يُصَرح بِهِ كقولهما اخترنا والتزمنا ورفعنا الْخِيَار أَو مَا يتضمنه كَالْعِتْقِ وَالْبيع على مَا سَيَأْتِي
وان انْفَرد أَحدهمَا وَقَالَ التزمت لم يسْقط خِيَار صَاحبه وَيسْقط خِيَاره على الْأَصَح وَفِيه وَجه من حَيْثُ إِنَّه أثبت هَذَا الْخِيَار للمتبايعين جَمِيعًا فَلَا يسْتَقلّ بِهِ أَحدهمَا
أما الْفِعْل فَهُوَ الِافْتِرَاق وَذَلِكَ بالشخص وَالروح وَالْعقل
أما التَّفَرُّق بالشخص فَهُوَ أَن يُفَارق صَاحبه الى حد لَو اسْتَقر فِيهِ عدا خَارِجين عَن مجْلِس التخاطب
ثمَّ يبطل خِيَار الْقَاعِد أَيْضا لانه قَادر على مساوقته وَلَو تساوقا فِي مشي أَو سفينة دَامَ الْخِيَار إِلَى الِافْتِرَاق
وَفِيه لطيف أَنه لَا يزِيد على ثَلَاثَة أَيَّام فانه مُنْتَهى أمد الشَّرْع فِي جَوَاز البيع وَتَخْصِيص الْمجْلس هَا هُنَا جرى بِنَاء على الْغَالِب
أما التَّفَرُّق بِالروحِ فَهُوَ بِالْمَوْتِ وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على بَقَاء الْخِيَار للْوَارِث وَنَصّ فِي الْمكَاتب إِذا مَاتَ فِي مجْلِس العقد أَنه وَجب العقد فَمن الْأَصْحَاب من تكلّف فرقا وَهُوَ أَن الْخِيَار للْوَارِث وَالْمكَاتب لَا وَارِث لَهُ وَالسَّيِّد لَيْسَ وَارِثا تَحْقِيقا فَانْقَطع خِيَار الْمجْلس بِمَوْتِهِ إِذْ لم يُمكن نَقله

(3/104)


وَمِنْهُم من قَالَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَولَانِ منشؤهما أَن الْمُفَارقَة بِالروحِ هَل تنزل منزلَة الْمُفَارقَة بالشخص
وَمِنْهُم من قطع بِالْبَقَاءِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ للْوَارِث وَللسَّيِّد لِأَنَّهُ حق مَقْصُود فَلَا يبطل بِالْمَوْتِ كَخِيَار الشَّرْط
نعم ينقدح الْخلاف فِي أَن الْوَارِث إِذا بلغه الْخَبَر يَدُوم خِيَاره بدوام مجْلِس بُلُوغ الْخَبَر أم هُوَ على الْفَوْر من حَيْثُ إِن التَّفَرُّق بِالْمَوْتِ أبطل الْمجْلس وَبَقِي مُجَرّد الْحق فَثَبت اخْتِيَاره على الْفَوْر
وَالْوَجْه الآخر أَن الْحق إِذا بَقِي بَقِي بوصفه وَمثل هَذَا الْخلاف جَار فِيمَا إِذا مَاتَ وَقد بَقِي من مُدَّة خِيَار الشَّرْط يَوْم وَبلغ الْوَارِث الْخَبَر بعد تصرم ذَلِك الْيَوْم أَن بَقِيَّة الْمدَّة هَل تبقى فِي حَقه من حَيْثُ إِ تعين إبْقَاء الْحق فوصف الْمدَّة والمجلس بعد جَرَيَان الِاخْتِصَاص فِيهِ قد بَطل
أما الْعَاقِد الْحَيّ فَيَنْقَطِع خِيَاره أَيْضا إِن قَطعنَا خِيَار صَاحبه وَإِلَّا فَيبقى ويدوم إِلَى أَن يَسْتَوْفِي الْوَارِث خِيَار نفس إِذا بلغه الْخَبَر فَإِذا بَطل خِيَار الْوَارِث بَطل خِيَاره إِذْ ذَاك وَإِلَّا فَلَا وَقيل إِن الْحَيّ لَا يتَصَرَّف بِالْخِيَارِ بالفسح وَالْإِجَارَة

(3/105)


قبل بُلُوغ الْخَبَر إِلَى الْوَارِث كي لَا ينْفَرد أحد الْعَاقِدين وَهُوَ بعيد
وَلَو أكره أَحدهمَا على الْخُرُوج أَو حمل قهرا فَفِيهِ وَجْهَان يقربان من الْمَوْت
وَقيل إِنَّه يَنْقَطِع بِسُقُوط خِيَاره إِن كَانَ مَفْتُوح الْفَم فَإِنَّهُ قدر على الْفَسْخ وَلَا وَجه لَهُ فَإِن صدمة الْحَال قد تدهشه
ثمَّ إِذا نَفينَا خِيَاره فمهما عَاد إِلَى اخْتِيَاره كَانَ كالوارث يبلغهُ الْخَبَر وَلَا فرق بَين أَن يحمل أَو يكره على الْخُرُوج وان فرقنا فِي الْيَمين على قَول لِأَن هَذَا حكم مَنُوط بِصُورَة الْمُفَارقَة وَذَلِكَ يتَعَلَّق بِالْحِنْثِ والمخالفة وللقصد فِيهِ مدْخل
وَأما الْمُفَارقَة بِالْعقلِ بِأَن جن أَحدهمَا أَو أُغمي عَلَيْهِ فَالظَّاهِر أَن الْخِيَار يبْقى للقيم وَالْوَلِيّ وَلَا يبطل بمفارقته بعد الْجُنُون وَفِيه وَجه مخرج من الْمَوْت أَنه يَنْقَطِع إِذْ هَذَا الْخِيَار بعيد عَن قبُول النَّقْل وَقد تعذر إبقاؤه للعاقد

(3/106)


فرع

إِذا تنَازع المتعاقدان فِي التَّفَرُّق وجاءا متساوقين وَقَالَ أَحدهمَا لم أفارقه بعد ولي الْخِيَار فَالْقَوْل قَوْله إِذا الأَصْل عدم التَّفَرُّق وَلَو تنَازعا فَقَالَ أَحدهمَا فسخت فِي الْمجْلس وَأنكر الآخر قَالَ صَاحب التَّقْرِيب القَوْل قَول مدعي الْفَسْخ لِأَنَّهُ تصرف يستبد بِهِ وَقَالَ غَيره القَوْل قَول الآخر لِأَن العقد والتفرق معلومان وَهُوَ يَدعِي فسخا فَعَلَيهِ إثْبَاته

(3/107)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي خِيَار الشَّرْط وَفِيه فصلان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الأول فِي حكمه فِي نَفسه ومدته وَفِيه مسَائِل خَمْسَة

الأولى فِي آخر مدَّته

وَلَا يزِيد على ثَلَاثَة أَيَّام عندنَا لِأَنَّهُ ثَبت على خلاف الْقيَاس لحَاجَة دفع الغبينة إِذْ كَانَ حبَان بن منقذ يخدع فِي البيعات فَشَكا أَهله إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ قل لَا خلابة وَاشْترط الْخِيَار ثَلَاثَة أَيَّام
وَقَالَ أَبُو سيف لَا حصر فِيهِ أصلا
وَقَالَ مَالك يتَعَذَّر بِهِ إِلَّا فِيمَا لَا يطلع عَلَيْهِ فِي ثَلَاثَة أَيَّام مِمَّا تغمض مَعْرفَته

(3/108)


الثَّانِيَة أول مدَّته وَفِيه وَجْهَان

أظهرهمَا أَنه يحْسب من وَقت العقد وَالثَّانِي أَنه يحْتَسب من وَقت التَّفَرُّق لِأَن الْجمع بَين خيارين متجانسين لَا يعقل وَلِأَن الشارط يَبْغِي الْإِثْبَات لنَفسِهِ فِي وَقت يَقْتَضِي العقد لُزُومه وعَلى هَذَا فَلَو صرح بِشَرْط ابْتِدَائه من وَقت العقد انبنى على الْمَعْنيين
فَإِن عللنا بِمُطلق إِرَادَته ظَاهرا فقد تغير بالتصريح وَإِن عللنا بِأَن اجْتِمَاع المتماثلين لَا يعقل لم يثبت هَذَا الشَّرْط
وعَلى الأول لَو صرح بِاشْتِرَاط ابْتِدَائه من وَقت التَّفَرُّق فَالظَّاهِر الْبطلَان لِأَنَّهُ يصير مَجْهُول الأول
ثمَّ إِذا اجْتمع الخياران فيرتفعان بقولهمَا ألزمنا وأسقطنا الْخِيَار الْجَوَاز وَلَو خصصا أحد الخيارين بالإسقاط لم يسْقط الآخر
والوجهان وَهُوَ أَن يعْتَبر من وَقت العقد فِي أول مُدَّة الْأَجَل فِي الثّمن

(3/109)


جاريان لَان الْخِيَار أَيْضا يُفِيد قطع الْمُطَالبَة وَهُوَ أولى بِأَن يحْتَسب من أول العقد لما بَينهمَا من الِاخْتِلَاف وَأما مُدَّة الْإِجَازَة أَن حكمنَا بِثُبُوت خِيَار الشَّرْط فِيهَا فَفِي ابتدائها أَيْضا هَذَانِ الْوَجْهَانِ وَالأَصَح أَنه من وَقت العقد
الثَّالِثَة معرفَة قدر الْمدَّة الَّتِي لَا بُد مِنْهَا
فَلَو أجل الْخِيَار بِمَجْهُول فسد وَلم يَنْقَلِب صَحِيحا بالحذف بعده وَكَذَلِكَ لَو أبهم بِأَن أثبت الْخِيَار فِي أحد الْعَبْدَيْنِ لَا بِعَيْنِه
وَلَو شَرط الْخِيَار فِي وَاحِد معِين من عَبْدَيْنِ فَيخرج على تَفْرِيق الصَّفْقَة فِي الْجمع بَين مختلفي الحكم
الرَّابِعَة من أَثَره إِفَادَة سلطة الْفَسْخ دون حُضُور الْخصم وَقَضَاء القَاضِي خلافًا لأبي حنيفَة

وَهل يُؤثر فِي دفع الْملك وبقائه للْبَائِع فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال

(3/110)


أَحدهَا أَنه لَا يَزُول ملك البَائِع وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة لِأَن الرِّضَا لم يتكامل مَعَ الشَّرْط الْخِيَار
وَالثَّانِي يَزُول إِذْ ثَبت الْخِيَار على خلاف الْقيَاس دفع الغبينة فَيثبت بِقدر الضَّرُورَة وَلَا حَاجَة إِلَى إِخْرَاج البيع عَن كَونه مُفِيدا بِسَبَبِهِ
وَالثَّالِث التَّوَقُّف فَمن اسْتَقر الْأَمر عَلَيْهِ بَينا ملكه فِي الِابْتِدَاء
الْخَامِسَة إِذا شَرط الْخِيَار لثالث ثَبت لَهُ وَهل يثبت لَهما وَفِيه وَجْهَان

أَحدهمَا لَا اتبَاعا للشّرط
وَالثَّانِي بلَى لعلتين إِحْدَاهمَا أَن مُطلق الشَّرْط يبْنى على الثُّبُوت للثَّالِث بطرِيق النِّيَابَة فعلى هَذَا فَلَو صرح بِالنَّفْيِ انْتَفَى وَالثَّانيَِة أَن ثُبُوته للْغَيْر لَا يعقل اسْتِقْلَالا بل هُوَ بطرِيق النِّيَابَة ضَرُورَة فعلى هَذَا لَو صرحا بِالنَّفْيِ لم يعقل الثُّبُوت

(3/111)


للثَّالِث دون الثُّبُوت لَهما أما الْوَكِيل الْمَأْذُون فِي العقد بِشَرْط الْخِيَار إِذا أطلق شَرط الْخِيَار فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يثبت للْمُوكل لانه وَقع العقد لَهُ وَالثَّانِي للْوَكِيل لانه الْعَاقِد وَالثَّالِث لَهما جَمِيعًا
وَأما خِيَار الْمجْلس فَيخْتَص بالوكيل قطعا لانه الْحَاضِر فَلَو كَانَ الْمُوكل فِي الْمجْلس حجر على الْوَكِيل فِي الْخِيَار فَإِن قُلْنَا عَلَيْهِ الِامْتِثَال رَجَعَ حَقِيقَة الْخِيَار إِلَى الْمُوكل وَإِن قُلْنَا لَا يمتثل فَإِنَّهُ من لَوَازِم السَّبَب السَّابِق وَهَذَا وَإِن كَانَ بَعيدا أَيْضا فَفِيهِ تَأمل للنَّاظِر

(3/112)


الْفَصْل الثَّانِي فِي حكم الْخِيَار فِي الطوارئ فِي مدَّته

وَالنَّظَر فِي الزِّيَادَات والتصرفات وَالْوَطْء والتلف
فالمتصلة مِنْهَا تَابِعَة والمنفصلة كَالْوَلَدِ وَالْكَسْب يسلم لمن حكمنَا لَهُ بِالْملكِ فِي حَالَة الْحُصُول فِي آخر الْأَمر
فَإِن اقْتضى تَفْرِيع أَقْوَال الْملك الحكم بِالْملكِ فِي حَالَة الْحُصُول دون آخر الْأَمر أَو على الْعَكْس فَوَجْهَانِ منشؤهما تعَارض النّظر إِلَى الْحَال والمآل
أما التَّصَرُّفَات

فالعتق إِن صدر من الْمُنْفَرد بِالْخِيَارِ نفذ وَإِن كَانَ الْخِيَار لَهما وَصدر من البَائِع نفذ لِأَن عتقه فسخ وَهُوَ مستبد بِهِ وَإِن صدر من المُشْتَرِي لَا بِإِذن البَائِع فَإِن قُلْنَا لَا ملك لَهُ لم ينفذ وان قُلْنَا الْملك لَهُ فَوَجْهَانِ يقربان من الْقَوْلَيْنِ فِي عتق الرَّاهِن إِذْ للْبَائِع حق مُتَعَلق بِالْعينِ لَازم فان قُلْنَا ينفذ فَالظَّاهِر أَنه لَا يبطل خِيَار البَائِع وَلَكِن فِي فَائِدَته وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يفْسخ العقد وَيرجع إِلَى الْقيمَة إِذْ الْعتْق لَا مرد لَهُ
وَالثَّانِي انه يرد الْعتْق وَكَأَنَّهُ نفذ بِشَرْط أَلا يرد

(3/113)


وَقيل إِن خِيَار البَائِع يبطل لانه لَا يُقَاوم قُوَّة الْعتْق كحق الْمُرْتَهن من الِاخْتِصَاص وَالْبيع كَالْعِتْقِ
وَفِي صُورَة الْخلاف وَجه مُرَتّب عَلَيْهِ وَأولى بِأَن لَا ينفذ وَإِن نفذ فَلَا يتَّجه إبِْطَال خِيَار البَائِع بل يتَعَيَّن أَن يُسَلط على فسخ البيع الثَّانِي وَالْأول إِن شَاءَ إِذْ البيع يحْتَمل الرَّد وان قُلْنَا لَا ينفذ الْعتْق وَالْبيع فَهَل ينفذ بِإِجَازَة البَائِع أما البيع فَلَا فَإِنَّهُ لَا يقبل الْوَقْت وَفِي الْعتْق خلاف
وَإِن قُلْنَا ينفذ فيستند إِلَى وَقت الْعتْق أَو من وَقت الْإِجَازَة ينفذ فِيهِ وَجْهَان وَهل يَجْعَل التَّصَرُّف الْمَرْدُود إجَازَة من الْمُتَصَرف فِي جَانِبه فِيهِ وَجْهَان إِذا فهمنا انه إجَازَة لانه وَاقع من ضَرُورَته وَالرَّدّ جرى لحق الْغَيْر
فرع

لَو اشْترى عبدا بِجَارِيَة وَالْخيَار للْمُشْتَرِي فَلهُ أَن يستبد بِعِتْق أَيهمَا

(3/114)


شَاءَ على الْبَدَل لانه مستبد بِالْفَسْخِ وَالْإِجَازَة
فَلَو أعتقهما جَمِيعًا قَالَ أَبُو حنيفَة يعتقان وَهُوَ متناقض لِأَنَّهُ جمع بَين الْفَسْخ وَالْإِجَازَة فَالْوَجْه التَّرْجِيح
وَحكى الشَّيْخ أَبُو عَليّ وَجها أَنَّهُمَا يتدافعان كالجمع بَين أُخْتَيْنِ فِي النِّكَاح
وَاخْتَارَ ابْن الْحداد وَهُوَ الْأَصَح انه يرجح جَانب العَبْد لانه إجَازَة للْعقد فَهُوَ أولى من الْفَسْخ ولان الصَّحِيح أَن العَبْد ملكه
وَمِنْهُم من قَالَ الْجَارِيَة أولى لَان الْفَسْخ أقوى من الْإِجَازَة
وَلَو فرعنا على أَن الْملك فِي زمَان الْخِيَار للْبَائِع وَهُوَ بعيد فِي هَذِه الصُّورَة فَتكون الْجَارِيَة مُعتقة أولى لِاجْتِمَاع الْملك وسلطان الْفَسْخ
أما الْوَطْء إِن صدر من البَائِع وَله خِيَار فَلَا حد وَلَا مهر وَلَا تَحْرِيم لانه فسخ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ عَلَيْهِ
وَخرج بعض أَصْحَاب الْخلاف وَجها من إِبْهَام الْعتْق بَين أمتين وانه لَا يكون فسخا كَمَا لَو وطئ إِحْدَى الأمتين
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ تعرض بِالْوَطْءِ للتَّحْرِيم وان جَعَلْنَاهُ فسخا إِذْ كَانَ من حَقه أَن يفْسخ ثمَّ يطَأ
وَقطع الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بِنَفْي التَّحْرِيم لجَرَيَان الْملك مَعَ الْوَطْء غير مُتَأَخّر عَنهُ وَقَالَ لَو رَأينَا الْوَطْء رَجْعَة لأحللناه فِي الرَّجْعِيَّة

(3/115)


أما المُشْتَرِي فَهُوَ كالبائع فِي الْإِبَاحَة وَكَونه إجَازَة إِن لم يكن للْبَائِع خِيَار وان كَانَ لَهُ خِيَار حرم الْوَطْء وحصلت الْإِجَازَة من جَانِبه على الْأَصَح
وَقيل انه يحمل من جَانِبه على الامتحان كالخدمة
وَلَو وطئ بِإِذن البَائِع لزم من جَانب البَائِع أَيْضا وان كَانَ بمرأى مِنْهُ وَهُوَ سَاكِت فَوَجْهَانِ إِذْ السُّكُوت عَلَيْهِ مَعَ خطره حُضُور دَلِيل على الرِّضَا
وَأما الْحَد فساقط للشُّبْهَة وَالْمهْر حكمه حكم الْكسْب
فَإِن جرى الإحبال مَعَ الْوَطْء فحرية الْوَلَد وَنسبه ثَابت للشُّبْهَة وَقِيمَة الْوَلَد لَهَا حكم الْكسْب وَالْمهْر وَأُميَّة الْوَلَد لَهَا حكم الْعتْق وَأولى بالتنفيذ لِأَنَّهُ فعل وَقيل خِلَافه لِأَن الْعتْق حريَّة منجزة وَالتَّرْتِيب متقادم
وَأما تلف الْمَبِيع فان كَانَ فِي يَد البَائِع انْفَسَخ العقد وان كَانَ فِي يَد المُشْتَرِي وَقُلْنَا الْملك للْبَائِع انْفَسَخ العقد لَان بَقَاء الْملك أقوى من بَقَاء علقَة الْيَد
وان قُلْنَا أَن الْملك للْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ وَوجه الِانْفِسَاخ بَقَاء علقه الْخِيَار للْبَائِع

(3/116)


وَحَيْثُ قُلْنَا لَا يَنْفَسِخ فَفِي بَقَاء الْخِيَار وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه لَا يبْقى لفَوَات الْمَعْقُود عَلَيْهِ فيضاهي فَوَات الرَّد بِالْعَيْبِ عِنْد فَوَات الْمَبِيع
وَالثَّانِي يبْقى لِأَن الرَّد يعْتَمد الْمَرْدُود وَهَا هُنَا الْخِيَار يقوم بِالْعقدِ وَالْعقد قَائِم
وان قُلْنَا يَنْفَسِخ وَجَبت الْقيمَة على المُشْتَرِي وَيعْتَبر يَوْم الْقَبْض أَو التّلف حكمه حكم الْمُسْتَعَار إِن قُلْنَا الْملك للْبَائِع وان قُلْنَا الْملك للْمُشْتَرِي يعْتَبر حَالَة التّلف وان كَانَ قبله ملكا لَهُ فَإِن قيل بِمَاذَا يَنْقَطِع الْخِيَار
قُلْنَا بِمَا يدل على الرِّضَا من البيع وَالْعِتْق وَالْهِبَة مَعَ الْقَبْض وكل تصرف مزيل للْملك وَكَذَلِكَ بِالْهبةِ وَالتَّسْلِيم مَعَ الْوَلَد وان كَانَ خِيَار الرُّجُوع ثَابتا لَان ذَلِك اسْتِدْرَاك بعد ثبات الْملك
وَلَا يَنْقَطِع الْخِيَار بِالْهبةِ قبل الْقَبْض وَلَا بِالْبيعِ بِشَرْط الْخِيَار إِن قُلْنَا انه لَا يزِيل الْملك وَلَا بِالْعرضِ على البيع وَالْإِذْن فِي البيع فانه هم دون الْإِتْمَام بخلا ف الْوَصِيَّة فَإِنَّهَا تَنْقَطِع بِالْعرضِ على البيع لغاية الضعْف
وَلَا يَنْقَطِع الْخِيَار بِالتَّسْلِيمِ والتسلم وَلَا بالاستخدام وركوب الدَّابَّة وَيَنْقَطِع بِالْوَطْءِ على الصَّحِيح

(3/117)


وَالْأَظْهَر أَنه يَنْقَطِع بِالْإِجَارَة وَالتَّزْوِيج وَقد تنخل مِنْهُ أَن الْوَصِيَّة أَضْعَف من البيع بِشَرْط الْخِيَار وَحقّ الشُّفْعَة وَالرَّدّ بِالْعَيْبِ أَضْعَف من الْوَصِيَّة لانقطاعها بِالتَّأْخِيرِ
وَأما الرُّجُوع عَن الْهِبَة فَلَا يحصل إِلَّا بالتصريح وَفِي حُصُوله بِالْإِعْتَاقِ خلاف
فَهَذِهِ مَرَاتِب الْحُقُوق وَالله أعلم وَأحكم

(3/118)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي خِيَار النقيصة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَمَا سبق كَانَ ثَابتا على طَرِيق التشهي وَهَذَا الْخِيَار لَا يثبت إِلَّا بِفَوَات أَمر مظنون ينشأ الظَّن فِيهِ من الْتِزَام شرطي أَو قَضَاء عرفي أَو تغرير فعلي
وَالنَّظَر فِيهِ يَنْقَسِم إِلَى بَيَان الْأَسْبَاب المثبتة والموانع المبطلة
السَّبَب الأول الِالْتِزَام الشرطي

وَهُوَ الأَصْل وَمَا عداهُ مُلْحق بِهِ فمهما شَرط وَصفا يتَعَلَّق بِفَوَات نُقْصَان مَالِيَّة لكَونه خبازا أَو كَاتبا أَو متجعد الشّعْر وَغَيره فَإِذا فقد ثَبت الْخِيَار للْمُشْتَرِي
وان شَرط مَا لَا غَرَض فِيهِ وَلَا مَالِيَّة فِيهِ كَكَوْنِهِ مُشَوه الْخلق ألغى الشَّرْط وَلزِمَ العقد كَأَن شَرط مَا فِيهِ غَرَض وَلَا مَالِيَّة كالثيابة فِي الْجَارِيَة وَالْكفْر فِي العَبْد وَهُوَ فِي بِلَادنَا فَفِيهِ تردد وَوجه ظَاهر
السَّبَب الثَّانِي الْعَيْب

وَهُوَ كل وصف مَذْمُوم اقْتضى الْعرف سَلامَة الْمَبِيع عَنهُ غَالِبا وَقد يكون ذَلِك

(3/119)


بِنُقْصَان وصف أَو زِيَادَته وَقد يكون نُقْصَان عين كالخصي أَو زِيَادَته كالإصبع الزَّائِدَة
والخصي وَإِن زَادَت قِيمَته وَلَكِن مَا فَاتَ مِنْهُ مَقْصُود وَيتَعَلَّق بِهِ مَالِيَّة وَإِنَّهَا الزِّيَادَة الْجب بالْخبر لغَرَض آخر حصل بِهِ فَلم يَنْفَكّ عَن نُقْصَان
وَالْبَوْل فِي الْفراش والبخر الَّذِي ينشأ من تَغْيِير الْمعدة والصنان الَّذِي يُخَالف الْعَادة وَلَا يقبل العلاج عيب فِي العبيد وَالْإِمَاء خَالف أَبُو حنيفَة فِي العبيد
واعتياد الأباق وَالسَّرِقَة وَالزِّنَا عيب فيهمَا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة الزِّنَا هُوَ عيب فِي الْإِمَاء دون العبيد واحتباس الْحيض عيب فِي الْجَوَارِي
وَكَون الْجَارِيَة أُخْتا للْمُشْتَرِي أَو وَلَده لَيْسَ بِعَيْب وَإِن اقْتضى ذَلِك تَحْرِيم الْوَطْء أَو حُصُول عتق لِأَنَّهُ نقص فِي نفس الْجَارِيَة
وَثقل الْخراج فِي الضَّيْعَة واعتياد الْجند النُّزُول فِي الدَّار عيب فيهمَا لقلَّة الرغبات بِسَبَبِهِ
وشق الْأذن فِي الشَّاة لَيْسَ بِعَيْب إِن لم يمْنَع الْأَجْزَاء فِي الْأُضْحِية وَحَيْثُ يمْنَع ألحقهُ صَاحب التَّقْرِيب بالخصي لِأَن فِيهِ فَوَات غَرَض

(3/120)


هَذَا كُله فِي عيب تقدم وجوده على العقد أَو على الْقَبْض فَأَما مَا حدث بعد الْقَبْض فَلَا يرد بِهِ إِلَّا إِذا اسْتندَ إِلَى سَبَب قديم كَمَا إِذا اشْترى عبدا مُرْتَدا فَقيل إِن كَانَ فِي يَد البَائِع فَهُوَ من ضَمَانه وَإِن قتل فِي يَد المُشْتَرِي فَهَل هُوَ من ضَمَان البَائِع فِيهِ وَجْهَان
وان كَانَ عَالما حَال العقد بردته فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بألا يكون من ضَمَان البَائِع وَوجه كَونه من ضَمَان البَائِع قيام علقَة الرِّدَّة السَّابِقَة فِي الْوُجُود على العقد أَو الْقَبْض
فَإِن قُلْنَا لَا يَنْفَسِخ فَلهُ أرش التَّفَاوُت بَين الْمُرْتَد وَالْمُسلم إِن كَانَ جَاهِلا عِنْد العقد
فان قيل هلا أبطلتم بيع الْمُرْتَد وَهُوَ هَالك حكما
قُلْنَا حكى الشَّيْخ أَبُو عَليّ وَجها أَنه بَاطِل وَلكنه بعيد لِأَن الْمَالِيَّة فِي الْحَال مُحَققَة وَالْعود إِلَى الْإِسْلَام مُمكن
نعم فِي العَبْد الْمُسْتَحق قَتله فِي قطع الطَّرِيق وَجه نظر أظهر مِنْهُ أَنه يمْتَنع بَيْعه إِذْ لَا محيص من الْقَتْل وَالظَّاهِر صِحَة بَيْعه أَيْضا نظرا إِلَى الْحَال أما إِذا مَاتَ العَبْد بِمَرَض تقدم على البيع فَفِيهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من ألحقهُ بِالرّدَّةِ فِي كَونه من ضَمَان البَائِع وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ من ضَمَان المُشْتَرِي إِذْ الْمَرَض يتزايد وَالرِّدَّة فِي حكم الشَّيْء الْوَاحِد
فَأَما إِذا اسْتحق قطع يَده فِي السّرقَة فَقطع بعد الْقَبْض
إِن قُلْنَا إِن الْمُرْتَد من ضَمَان البَائِع فَهَذَا أَيْضا من ضَمَانه حَتَّى يُطَالب بِأَرْش التَّفَاوُت بَين الأقطع والسليم عِنْد تعذر الرَّد وَإِلَّا فَلهُ الرَّد وان قُلْنَا لَيْسَ الْمُرْتَد من ضَمَان البَائِع فَلَيْسَ لَهُ هَا هُنَا إِلَّا التَّفَاوُت بَين عبد اسْتحق قطعه وَبَين المنفك عَن هَذَا الِاسْتِحْقَاق
والاقتراع بعد الْقَبْض بتزويج سَابق على العقد حكمه حكم الْقطع

(3/121)


السَّبَب الثَّالِث التصرية وَفِيه فصلان

الأول فِي حد السَّبَب

قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لَا تصروا الْإِبِل وَلَا الْغنم وَمن اشْتَرَاهَا فَهُوَ بِخَير النظرين بعد أَن يحلبها ثَلَاثَة إِن رضيها أمْسكهَا وان سخطها ردهَا ورد مَعهَا صَاعا من التَّمْر
وَمعنى التصرية أَن يشد إخلاف النَّاقة ليجتمع فِيهَا اللَّبن فيظن المُشْتَرِي غزارة اللَّبن
وَلَو تخلفت النَّاقة بِنَفسِهَا فَفِيهِ وَجْهَان مستندهما أَن سَبَب الْخِيَار فَوَات ظن اسْتندَ إِلَى قرينَة حَالية حَتَّى ينزله منزلَة ظن السَّلامَة إِذا اسْتندَ إِلَى الْعرف أَو

(3/122)


مُسْتَنده تغرير الْعَاقِد بِفِعْلِهِ ونزوله منزلَة الْتِزَامه حَتَّى ينزل منزلَة شَرط الغزارة
وكل قَائِل يتشوف إِلَى التَّقْرِيب من اصل مُتَّفق عَلَيْهِ من خِيَار الْعَيْب أَو خِيَار الْحلف والأخير أولى
وَقد اخْتلف الْأَصْحَاب فِيمَا لَو لطخ ثوب العَبْد بالمداد مخيلا انه كَاتب أَو صرى ثدي الْجَارِيَة أَو حفل الأتان أَو علف الدَّابَّة حَتَّى رَبًّا بَطنهَا وخيل أَنَّهَا حَامِل
وَوجه التَّرَدُّد أَن اعْتِقَاد صفة الْكِتَابَة بِمُجَرَّد المداد كاعتقاد الْحمل بكبر الْبَطن لقُصُور فِي الْعقل
وَأما الأتان فلبنها نجس وان قصد لاجل الجحش وَالْجَارِيَة لَا يرى ثديها غَالِبا فَلَا يقْصد بهَا التَّغْرِير

(3/123)


الْفَصْل الثَّانِي فِي حكم السَّبَب

وَفِيه مسَائِل ثَلَاثَة
إِحْدَاهَا أَن الْخِيَار على الْفَوْر أَن عرف التصرية بعد ثَلَاثَة أَيَّام وان اطلع قبله فَوَجْهَانِ أفقههما أَنه على الْفَوْر
وَالتَّقْدِير فِي الحَدِيث مَحْمُول على مهلة النّظر للمعرفة إِذْ لَا يتَحَقَّق عرفان جَرَيَان التصرية قبله غَالِبا
الثَّانِيَة الْوَاجِب صَاع من التَّمْر بَدَلا عَن اللَّبن الَّذِي كَانَ فِي الضَّرع لَدَى العقد فان قيل هلا وَجب رد الْعين أَو الْمثل أَو الْقيمَة قُلْنَا لَا لَان عين اللَّبن لَا تبقى غَالِبا وان بقى فيمزج بأجزاء اجْتمعت فِي الضَّرع بعد جَرَيَان العقد إِلَى تَمام الْحَلب وَإِنَّمَا لم يُكَلف رد الْمثل لَان الْقدر إِذا لم يكن مَعْلُوما بمعيار الشَّرْع كَانَت الْمُقَابلَة من بَاب الرِّبَا وَإِنَّمَا قدر بِالتَّمْرِ لَا من جنس النَّقْد لفقد النَّقْد غَالِبا ولان التَّمْر يُشَارك اللَّبن فِي الْمَالِيَّة وَكَونه قوتا وَهُوَ قريب مِنْهُ إِذْ يُؤْكَل مَعَه فِي بِلَادهمْ
نعم ولفهمهم هَذَا الْمَعْنى نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله على انه لَو رد الشَّاة الْمُصراة بِعَيْب آخر سوى التصرية رد صَاعا من التَّمْر لأجل اللَّبن
نعم قَالَ قَائِلُونَ يجب صَاع من التَّمْر أبدا وان زَادَت قِيمَته على قيمَة الشَّاة مثلا بَعيدا
وَمِنْهُم من قَالَ أَن زَادَت على الشَّاة أَو على نصفهَا لم توجب كَمَال الصَّاع فَأَنا نعلم انه عَلَيْهِ السَّلَام قدر بِهِ لانه وَقع فِي ذَلِك الْوَقْت قَرِيبا من قيمَة

(3/124)


اللَّبن الْمجمع فِي الضَّرع فعلى هَذَا يعدل بِالْقيمَةِ فَيقدر قيمَة شَاة وسط وَقِيمَة صَاع وسط فِي أَكثر الْأَحْوَال
فَإِذا قيل هُوَ عشر الشَّاة مثلا أَوجَبْنَا من التَّمْر مَا قِيمَته عشر الشَّاة
الثَّالِثَة لَو أخرج بدل التَّمْر زبيبا أَو قوتا آخر فَفِيهِ تردد
مِنْهُم من اتبع التَّوْفِيق وَمِنْهُم من رَآهُ فِي مَعْنَاهُ سَوَاء كَمَا فِي صَدَقَة الْفطر وَقد ورد فِي بعض أَلْفَاظ الْمُصراة لَفْظَة الْحِنْطَة وترددوا أَيْضا فِي أَن صَاعا من التَّمْر هَل يجب فِي رد الْجَارِيَة الْمُصراة إِذا رَأينَا ردهَا فَمن صائر إِلَيْهِ تعبدا وَمِمَّنْ قَائِل إِن لَبنهَا على حَاله غير مَقْصُود
فَإِن قيل إِذا فَاتَ اللَّبن الْكَائِن فِي الضَّرع وَهُوَ بعض الْمَعْقُود عَلَيْهِ فَهَلا خرج رد الشَّاة دونه على تَفْرِيق الصَّفْقَة
قُلْنَا لَا لانه لَا يُقَابله قسط من الثّمن على رَأْي فَهُوَ فِي حكم وصف لَا يُوجب زَوَاله عيب الْبَاقِي بِخِلَاف الْعَيْب الْحَادِث
وان قُلْنَا يُقَابله قسط من الثّمن فَلَا وَجه لمُخَالفَة الحَدِيث فليؤيد بِهِ قَول جَوَاز تَفْرِيق الصَّفْقَة فَإِنَّهُ الْمُخْتَار سِيمَا فِي الدَّوَام

(3/125)


الْقسم الثَّانِي فِي مبطلات الْخِيَار ودوافعه وَهِي خَمْسَة

الْمَانِع الأول شَرط الْبَرَاءَة من الْعُيُوب

وَقد قضى عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ بِبَرَاءَة البَائِع عَن كل عيب لم يُعلمهُ دون مَا علمه وكتمه
وَكَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يدل فِي ابْتِدَاء الْبَاب على مُوَافَقَته وَقَالَ فِي آخر الْبَاب لَوْلَا أثر عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ لَكَانَ الْقيَاس أَن يبرأ عَن الْجَمِيع أَولا يبرأ عَن الْجَمِيع فَقَالَ الْأَصْحَاب كَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مردد بَين ثَلَاث احتمالات فَهِيَ ثَلَاثَة أَقْوَال

(3/126)


أَحدهَا أَنه يبرأ لِأَن مُسْتَند الْخِيَار أَنه مُلْتَزم للسلامة بِمُطلق العقد عرفا وَقدرا وَقد انْتَفَى مُوجب الْإِطْلَاق بالتصريح
وَمِنْهُم من علل ذَلِك بِالْحَاجةِ لخفاء الْعُيُوب حَتَّى خصص فريق بِالْحَيَوَانِ لِكَثْرَة عيوبه وَقَطعُوا فِي غَيره بِبُطْلَان الشَّرْط وَمِنْهُم من سوى
وَالثَّانِي أَنه لَا يبرأ لَان هَذَا خِيَار ثَبت شرعا فَلَا يَنْتَفِي شرطا وَلِأَنَّهُ إِبْرَاء عَن مَجْهُول لَا يدرى وعَلى العلتين انبنى خلاف فِيمَا إِذا عين عَيْبا وابرأ عَنهُ
وَالثَّالِث انه يبرأ عَمَّا لم يُعلمهُ لَان الْحَاجة متحققة فِيهِ دون مَا كتمه وَاخْتلفُوا على هَذَا فِي أَن مَا تيَسّر الِاطِّلَاع عَلَيْهِ هَل يلْحق بِمَا علمه لتَقْصِيره فِي عدم الْبَحْث
وَاخْتلفُوا فِي أَن قَول صِحَة الشَّرْط هَل يجْرِي فِي عيب يحدث بعد العقد وَقبل الْقَبْض من حَيْثُ انه بعد لم يُوجد سَببه ثمَّ مهما فسد هَذَا الشَّرْط فَفِي فَسَاد العقد بِهِ قَولَانِ نبهنا عَلَيْهِمَا فِيمَا قبل
الْمَانِع الثَّانِي من الرَّد التَّقْصِير

وَذَلِكَ بِالتَّأْخِيرِ وَالِانْتِفَاع
فان كَانَ الْعَاقِد حَاضرا فليرد عَلَيْهِ كَمَا اطلع على الْعَيْب فِي الْحَال

(3/127)


وان كَانَ غَائِبا فليشهد على الرَّد اثْنَيْنِ فان عجز فليحضر مجْلِس القَاضِي مبادرا وليخبره بِالرَّدِّ
فان رفع إِلَى القَاضِي والخصم حَاضر فمقصر
وان كَانَ الشُّهُود حضورا فَرفع إِلَى القَاضِي فَوَجْهَانِ إِذْ فِي الرّفْع إِلَى القَاضِي مزِيد تَأْكِيد
وَلَو كَانَ الْمَعِيب دَابَّة فركبها فِي طَرِيقه إِلَى القَاضِي أَو عبدا فاستخدمه بَطل حَقه وَكَذَلِكَ إِن حمل الدَّابَّة إكافا أَو سرجا فليحطمها كَمَا عثر على الْعَيْب وَلَا يجب حل العذار فَهُوَ فِي مَحل التسامح وَكَذَلِكَ لَو عسر سوق دَابَّة وقودها جَازَ الرّكُوب وعَلى الْجُمْلَة مدرك التَّقْصِير الْعرف وَذَلِكَ ظَاهر
فرع

إِذا بَطل حَقه بالتقصير فَلَا أرش لَهُ بِخِلَاف مَا لَو تعذر الرَّد بِسَبَب وَلَكِن لَو تَرَاضيا على الْأَرْش مَعَ إِمْكَان الرَّد فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن ذَلِك جَائِز إِذْ الْحق لَا يعدوهما وَالثَّانِي لَا إِذْ لَا تقَابل سلطنته الْخِيَار بعوض وَمَا فَاتَ بِالْعَيْبِ قوبل بغرامة عِنْد عسر الرَّد لضَرُورَة الْعَجز عَن تدارك الْحق بطرِيق أقرب مِنْهُ وَالْمعْنَى بِالْأَرْشِ حَيْثُ نوجب أَن يعرف قدر النُّقْصَان بِسَبَب الْعَيْب وينسب إِلَى تَمام الْقيمَة فَإِن كَانَ عشر الْقيمَة رَجَعَ إِلَى عشر الثّمن وَالْقيمَة مُعْتَبرَة لمعْرِفَة النِّسْبَة لَا لإِيجَاب عينهَا
الْمَانِع الثَّالِث هَلَاك الْمَعْقُود عَلَيْهِ

حسيا بالتلف أَو حكما بِالْعِتْقِ وَالِاسْتِيلَاد فَإِذا اطلع بعد الْفَوات فَلَا رد إِذْ

(3/128)


لَا مَرْدُود وَتعين الْحق فِي الْأَرْش وَهُوَ جُزْء من الثّمن كَمَا سبق وَهل يبرأ عَن ذَلِك الْجُزْء من الثّمن بِمُجَرَّد الِاطِّلَاع أم يتَوَقَّف على طلبه فِيهِ تردد
وميل القَاضِي إِلَى انه لَا يتَوَقَّف على الطّلب بِخِلَاف مَا لَو قدر على الرَّد فان الْفَسْخ لَا يحصل دون طلبه وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ كَمَا بَقِي لَهُ طَرِيق الرِّضَا بالمعيب بِكُل الثّمن مَعَ الْبَقَاء يبْقى لَهُ ذَلِك بعد الْفَوات فَلَا بُد من الطّلب
فان قيل لَو كَانَ قد استوفى الثّمن وَطلب المُشْتَرِي الْأَرْش فَهَل يتَعَيَّن حَقه فِي عين الثّمن أم يجوز للْبَائِع الْإِبْدَال
قُلْنَا فِيهِ تردد للأصحاب إِذْ يحْتَمل أَن يُقَال الْمَعِيب فِي مُقَابلَة كل الثّمن إِن رَضِي بِهِ وَإِلَّا فَهُوَ فِي مُقَابلَة بعضه فَيخرج ذَلِك الْبَعْض عَن الْمُقَابلَة وَتعين لاستحقاقه وَهُوَ ظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب وَكَأن الْمُقَابلَة تَغَيَّرت وَلَكِن جوز ذَلِك مهما اسْتندَ إِلَى سَبَب فِي اصل العقد وان كَانَ لَا يجوز ذَلِك بِالتَّرَاضِي عِنْد إِلْحَاق زِيَادَة بِالثّمن بعد اللُّزُوم
وَيحْتَمل أَن يُقَال هَذِه غَرَامَة وَكَأن البَائِع جعل معيبا لملك المُشْتَرِي إِذْ العقد الْوَاحِد لَا يَقْتَضِي مقابلتين فِي حالتين وَيشْهد لَهُ أَن مُشْتَرِي الْجَارِيَة بِعَبْد معيب يعلم عَيبه يسْتَحل وَطأهَا وَلَو كَانَ جُزْء مِنْهُ لغَرَض الْعود إِلَى بَائِع الْجَارِيَة لَو اطلع على عيب العَبْد لَا ورث توقعه شُبْهَة وَهَذِه المباحثة من دَقِيق الْفِقْه فلتفهم

(3/129)


فرع
لَو تلف أحد الْعِوَضَيْنِ فِي بيع العَبْد بالجارية فَمن وجد عَيْبا بالقائم رده وَرجع إِلَى قيمَة المعوض الْفَائِت اعْتِمَادًا فِي الرَّد على قيام الْمَرْدُود
وَلَو اشْترى عَبْدَيْنِ فَتلف أَحدهمَا وَقُلْنَا يمْتَنع إِفْرَاد أحد الْعَبْدَيْنِ بِالرَّدِّ لتفريق الصَّفْقَة رَجَعَ بِالْأَرْشِ وَالْقيمَة الْمعرفَة لنسبة الارش حَيْثُ يرجع إِلَى الارش قيمَة يَوْم العقد أَو قيمَة يَوْم الْقَبْض فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا يَوْم العقد فانه يَوْم الِاسْتِحْقَاق
وَالثَّانِي يَوْم الْقَبْض لانه يَوْم الضَّمَان
وَالثَّالِث اقل الْقِيمَتَيْنِ نظرا لجَانب المُشْتَرِي
الْمَانِع الرَّابِع زَوَال الْملك عَن البيع

يمنعهُ من الرَّد فِي الْحَال فَلَو عَاد إِلَيْهِ بَان بَاعَ فَرد إِلَيْهِ بِالْعَيْبِ فَلهُ الرَّد على الأول لَان الْعَائِد هُوَ الْملك الأول
وان عَاد إِلَيْهِ بِبيع مُسْتَأْنف فَإِن رد على الْأَخير حَتَّى إِذا رد عَلَيْهِ على الأول

(3/130)


جَازَ وان ابْتَدَأَ بِالْأولِ ورد عَلَيْهِ فَوَجْهَانِ وَكَذَلِكَ لَو عَاد إِلَيْهِ بِهِبَة فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْجَوَازِ إِذْ فِي البيع قدر على الرَّد على الثَّانِي حَتَّى يرد على الأول بعد الْعود إِلَيْهِ بِالرَّدِّ
ومنشأ الْوَجْهَيْنِ أَن الزائل الْعَائِد كَالَّذي لم يزل أَو كَالَّذي لم يعد وَيجْرِي ذَلِك فِي رُجُوع شطر الصَدَاق بِالطَّلَاق وَفِي رُجُوع البَائِع إِلَى السّلْعَة بعد إفلاس المُشْتَرِي بِالثّمن فَمن قَائِل رد مَا اشْترى كَمَا اشْترى وَمن قَائِل لَيْسَ هَذَا الْملك الَّذِي ينقصهُ مَا اسْتَفَادَ مِنْهُ بل استفاده بِالْهبةِ وَإِنَّمَا ذَلِك الْملك قد زَالَ وَلم يعد فَصَارَ كَمَا إِذا فَاتَ ثمَّ إِذا منعناه من الرَّد ثَبت لَهُ الارش وان كَانَ ذَلِك فِي ملك الْغَيْر وَامْتنع الرَّد فِي الْحَال وَلَكِن قُلْنَا لَو عَاد لقدر على الرَّد فَفِي جَوَاز الْمُطَالبَة بالارش فِي الْحَال لوُقُوع الْحَيْلُولَة وَجْهَان يقربان من الْقَوْلَيْنِ فِي شُهُود الْأَمْوَال إِذا رجعُوا لَان الْحَيْلُولَة وَاقعَة فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وتوقع الْوُصُول إِلَى أصل الْحق مرجو فيهمَا وَالأَصَح جَوَاز طلب الْبَدَل فِي الْحَال
فرعان

أَحدهمَا لَو رَضِي المُشْتَرِي الثَّانِي بِالْعَيْبِ فَالْأَصَحّ أَن للْأولِ الْمُطَالبَة

(3/131)


بالارش فان تبرع غَيره عَلَيْهِ لَا يلْزمه التَّبَرُّع على غَيره
الثَّانِي إِذا كَانَ عوض الْمَرْدُود خَارِجا عَن الْملك وعائدا فَالْأَصَحّ أَن ذَلِك لَا يضر وَجها وَاحِدًا لَان عود ذَلِك يجْرِي قهرا فَيرجع إِلَى عينه وَلِأَنَّهُ لَو تلف لرجع إِلَى قِيمَته جبرا لَهُ والآن هُوَ بِعَيْنِه قَائِم فَهُوَ أولى بِأَن يكون جَائِزا
الْمَانِع الْخَامِس الْعَيْب الْحَادِث

يمْنَع من الرَّد بِالْعَيْبِ الْقَدِيم لَان جَانب البَائِع أَيْضا يصان عَن الضَّرَر الْحَادِث كَمَا صين جَانب المُشْتَرِي عَن الْقَدِيم فمسلك التَّدَارُك أَن يضم المُشْتَرِي أرش الْعَيْب الْحَادِث إِلَيْهِ وَيرد أَو يغرم البَائِع أرش الْعَيْب الْقَدِيم حَتَّى لَا يرد فَإِن اتفقَا على أحد المسلكين فَذَاك وان تنَازعا فِي التَّعْيِين فَثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَن البَائِع متبوع لَان الأَصْل أَلا يلْحقهُ دَرك أصلا إِلَّا إِذا لم يتَضَرَّر
وَالثَّانِي المُشْتَرِي متبوع لَان الأَصْل إِن تَمام الثّمن لَا يلْزمه إِلَّا بمبيع سليم
وَالثَّالِث أَن من يَدْعُو إِلَى ارش الْعَيْب الْقَدِيم أولى لِأَن اسْتِرْدَاده يسْتَند إِلَى اصل العقد أما ملك الارش عَن الْعَيْب الْحَادِث فجديد لَا مدْخل لَهُ فِي العقد
فان قيل لَو زَالَ الْعَيْب الْحَادِث بعد اخذ الارش عَن الْقَدِيم هَل يعود حَقه فِي الرَّد

(3/132)


قُلْنَا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا بلَى إِذْ الارش مَأْخُوذَة للْحَيْلُولَة الناجزة
وَالثَّانِي لَا لوُقُوع الرِّضَا بِالْعَيْبِ فان لم يقبض بعد وَلَكِن قضى القَاضِي بالارش فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِأَن يعود الْحق
أما إِذا لم يطلع حَتَّى زَالَ الْعَيْب الْحَادِث فَالْمَذْهَب جَوَاز الرَّد بِالْعَيْبِ الْقَدِيم
هَذَا إِذا لم يكن للعيب الْحَادِث أمد ينْتَظر زَوَاله
فَإِن كَانَ لَهُ أمد كعدة الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ إِذا طرأت على الْجَارِيَة فانه عيب
فَلَو اطلع على الْعَيْب وَلم يرد فِي الْحَال منتظرا زَوَاله فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يبطل حَقه إِذْ قدر على طلب الارش
وَالثَّانِي لَا لكَونه مَعْذُورًا فِي الِانْتِظَار
فروع ثَلَاثَة

أَحدهَا لَو أنعل الدَّابَّة ثمَّ اطلع على الْعَيْب فلينزع النَّعْل وليرده إِن كَانَ لَا يتعيب بالنزع وَلَيْسَ يلْزم البَائِع قبُول النَّعْل وان كَانَ يعِيبهُ فَلهُ الرَّد وعَلى البَائِع

(3/133)


قبُول النَّعْل فانه تَابعا وَلَو قَالَ المُشْتَرِي لَا اسمح بالنعل وأطلب الارش لم يكن لَهُ ذَلِك فَإِنَّهُ كالمحتقر فِي مُؤنَة الرَّد
نعم تردد الْأَصْحَاب فِي أَن ذَلِك إِعْرَاض عَن النَّعْل أَو تمْلِيك حَتَّى لَو سقط فَهُوَ للْبَائِع أَو المُشْتَرِي وَهُوَ مُحْتَمل أما إِذا صبغ الثَّوْب وزادت قِيمَته فَلهُ الرَّد بِالْعَيْبِ الْقَدِيم إِن لم يطْلب قيمَة الصَّبْغ وَلَيْسَ للْبَائِع الِامْتِنَاع
وان طلب قيمَة الصَّبْغ فَهَل يجب على البَائِع ذَلِك مَعَ رد الثّمن وَجْهَان وَالْفرق إِن النَّعْل تَابع والصبغ مَقْصُود وَلَا يسمح بِهِ
فَإِن قُلْنَا لَا نكلفه قِيمَته فَهُوَ كعيب حَادث فتعود الْأَوْجه الثَّلَاثَة فِي أَن تمْلِيك أرش عيب حَادث أولى أم غرم أرش الْعَيْب الْقَدِيم
وَلم يذهب أحد إِلَى أَن المُشْتَرِي يبْقى شَرِيكا بالصبغ لِأَن المُشْتَرِي يتَضَرَّر بذلك بِخِلَاف الْغَاصِب إِذا صبغ فَإنَّا نبقيه شَرِيكا وَلَا نلتفت إِلَى تضرره لعدوانه

(3/134)


أما إِذْ اشْترى رجلَانِ عَبْدَيْنِ فَفِي انْفِرَاد أَحدهمَا برد نصِيبه قَولَانِ
وَوجه الْمَنْع تَفْرِيق الصَّفْقَة إِن قُلْنَا إِنَّهَا تتحد مَعَ تعدد المُشْتَرِي أَو عيب التَّبْعِيض على البَائِع إِذا عَاد إِلَيْهِ النّصْف وَإِذا عللنا بِهَذَا جَوَّزنَا الرَّد فِيمَا لَا ينقصهُ التَّبْعِيض
وَالْمَقْصُود أَنا لَو منعناه من الْأَفْرَاد فَاشْترى نصيب شَرِيكه واخذ برد الْكل دافعا عَنهُ ضَرَر التَّبْعِيض وَيُطَالب بِقِيمَة النّصْف فَهَل يجْبر البَائِع عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان كَمَا فِي الصَّبْغ
الثَّانِي اشْترى حليا وَزنه ألف دِرْهَم بِأَلف حدث بِهِ عيب انكسار واطلع على عيب قديم فَلَو ضم إِلَيْهِ أرش الْعَيْب الْحَادِث لاسترد ألفا ورد مَا يزِيد عَلَيْهِ وَهُوَ عين الرِّبَا
وَلَو كلف البَائِع أرش الْعَيْب الْقَدِيم لصار الْألف بعد حط الارش فِي مُقَابلَة الْألف فَهُوَ رَبًّا فَقَالَ ابْن سُرَيج هَذَا عقد تعذر إمضاؤه فينفسخ وَيسْتَرد الثّمن وَلَا ترد الْحلِيّ بل يغرم قِيمَته غير معيب بِالْعَيْبِ الْحَادِث بِالذَّهَب إِن كَانَ الْحلِيّ من الْفضة

(3/135)


أَو بِالْفِضَّةِ إِن كَانَ من الذَّهَب فِرَارًا من رَبًّا الْفضل
وَهَذَا يستمد مِمَّا نفرد من أَن الارش يتَعَيَّن فِي الثّمن وَيتَعَيَّن الْمُقَابلَة بِأَخْذِهِ
وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب بل يغرم البَائِع أرش الْعَيْب الْقَدِيم فَإِن ذَلِك الْأَرْش غرم فِي مُقَابلَة الْعَيْب وَكَأن البَائِع هُوَ الْمَعِيب وَهَذَا إِشَارَة إِلَى أَنه لَا يتَعَيَّن فِي الثّمن
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ بل يغرم المُشْتَرِي أرش الْعَيْب الْحَادِث وَيرد وَلَا مُقَابلَة إِلَّا بَين الثّمن والحلي وهما متوازيان وَهَذِه غَرَامَة عيب حدث فِي يَد المُشْتَرِي مَضْمُونا
وَهَذَا أَيْضا بعيد لَان الارش كالبدل عَن ذَلِك الْجُزْء من الْمَعْقُود عَلَيْهِ الَّذِي فَاتَ بِالْعَيْبِ حَتَّى يرد الْفَسْخ عَلَيْهِ فتتناوله الْمُقَابلَة فتحصلنا على احْتِمَالَيْنِ فِي حَقِيقَة كل وَاحِد من الأرشين وَأَنه غرم مُبْتَدأ أم هُوَ من مُقَابلَة الْمَعْقُود عَلَيْهِ وَالْمَشْهُور مَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْن سُرَيج فيهمَا جَمِيعًا
الثَّالِث إِذا قور الْبِطِّيخ وَكسر الْجَوْز وَالرُّمَّان وَالْبيض واطلع على عيب بَاطِن فَإِن زَاد فِي الْكسر على حَاجَة الْمعرفَة فعيب حَادث وَإِن اقْتصر فَثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه عيب حَادث وَهُوَ ظَاهر النَّص

(3/136)


وَالثَّانِي أَنه يرد من غير أرش إِذْ يَسْتَحِيل أَن يبطل رده بطرِيق الِاطِّلَاع والاطلاع سَبَب الرَّد
وَالثَّالِث وَهُوَ الأعدل أَن استقلاله بِالرَّدِّ لَا يبطل وَلَكِن يضم أرش الْكسر حَتَّى لَا يتَضَرَّر البَائِع أَيْضا
أما إِذا لم يبْق لَهُ بعد الْكسر قيمَة كالبيضة المذرة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يسْتَردّ كَمَال الثّمن
فَقَالَ الْأَصْحَاب مَعْنَاهُ انه يسْتَردّ أرش النُّقْصَان وَلَكِن أرش النُّقْصَان كَمَال الثّمن إِذا لم يبْق لَهُ قيمَة وَفَائِدَته أَن القشرة تبقى مُخْتَصَّة بالمشتري فَتبقى الطَّرِيق عَنْهُمَا
وَالْوَجْه أَن يُقَال تبين أَن العقد بَاطِل إِذْ ورد على غير مُتَمَوّل وَهُوَ تَأْوِيل كَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ والقشرة مُخْتَصَّة بالبائع فَإِن فرض لَهُ قيمَة قبل الْكسر للنقش وَلعب الصّبيان فقد بطلت الْمَالِيَّة الْآن
فَإِن قُلْنَا إِن طَرِيق الِاطِّلَاع من عُهْدَة البَائِع حَتَّى لَا يجب بِهِ أرش فها هُنَا أَيْضا ينقدح مَعَه اسْتِرْدَاد تَمام الثّمن وَيجْعَل كَأَنَّهُ لم يشتر إِلَّا مَا بَقِي بعد الإطلاع
وَإِن جعل ذَلِك من ضَمَان المُشْتَرِي فَلَا ينقدح مَعَه اسْتِرْدَاد تَمام الثّمن
هَذَا تَمام القَوْل فِي لُزُوم العقد وجوازه واختتام الْقسم بِثَلَاثَة فُصُول

(3/137)


الْفَصْل الأول فِي حَقِيقَة الرَّد وَالْفَسْخ

وَهُوَ عندنَا رفع العقد من وقته وَلذَلِك لم يمْتَنع الرَّد بِالْعَيْبِ بالزوائد الْمُنْفَصِلَة وَلَا بِوَطْء الثّيّب
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله هُوَ رفع للْعقد من أَصله ولأجله خَالف فِي وَطْء الثّيّب والزوائد الْمُنْفَصِلَة
أما الْفَسْخ قبل الْقَبْض فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه رفع من أَصله لِأَن العقد بعد ضَعِيف لم يتكامل وعَلى هَذَا نقُول الزَّوَائِد الْحَاصِلَة قبل الْقَبْض تنْقَلب بِالْفَسْخِ إِلَى البَائِع
وَالثَّانِي انه رفع من وقته كَمَا بعد الْقَبْض وعَلى هَذَا فالزوائد تبقى للْمُشْتَرِي
فَإِن قُلْنَا تنْقَلب بِالْفَسْخِ إِلَى البَائِع فَلهُ حبس الزَّوَائِد للثّمن إِذا قُلْنَا لَهُ حبس الْمَبِيع لانه يتَوَقَّع التَّعَلُّق بِهِ
وان قُلْنَا تسلم للْمُشْتَرِي فَلَيْسَ لَهُ فِيهِ حق الْحَبْس
فان قيل وَمَا وَجه رُجُوع الزَّوَائِد إِلَى ملك البَائِع وَقد حدثت فِي ملك المُشْتَرِي كَمَا بعد الْقَبْض
قُلْنَا لأَجله قَالَ فريق لَا يرجع إِلَيْهِ وَالْقَائِل الآخر يتَعَلَّق بِمَا رُوِيَ انه عَلَيْهِ السَّلَام سُئِلَ عَن غلَّة الْمَبِيع تسلم للْمُشْتَرِي بعد الْفَسْخ وَبعد الْقَبْض فَقَالَ الْخراج بِالضَّمَانِ أَي هُوَ على خطر الضَّمَان

(3/138)


بِالْقَبْضِ فالغنم بالغرم وَمَفْهُومه أَنه لَا يسلم قبل الْقَبْض لَهُ
وَالْقَائِل الأول يتبع الْقيَاس وَيَقُول ذَلِك عِلّة لمنع الرُّجُوع ذكره لقطع استبعاد السَّائِل وَقبل الْقَبْض لَا يرجع لعِلَّة أُخْرَى وَهُوَ أَنه حدث من ملكه وَالْحكم قد يُعلل بعلتين

(3/139)


الْفَصْل الثَّانِي فِي حَقِيقَة الْإِقَالَة وَفِيه قَولَانِ

الْجَدِيد أَنه فسخ لَان اللَّفْظ يُنبئ عَنهُ وَلِأَنَّهُ جَائِز قبل الْقَبْض وَفِي الْمُسلم فِيهِ وَالْبيع لَا يجوز
وَالْقَدِيم أَنه بيع جَدِيد وَلَيْسَ لَهُ وَجه وان تكلفنا لَهُ تقريرا فِي كتاب الْبَسِيط فِي الْمَذْهَب
فرع

لَو كَانَ الْمَبِيع تَالِفا فَفِي جَوَاز الْإِقَالَة على الْجَدِيد وَجْهَان
أَحدهمَا الْمَنْع كالرد بِالْعَيْبِ فانه يمْتَنع بعد الْفَوات وَالثَّانِي الْجَوَاز فَإِن العقد مُعْتَمد الْفَسْخ وَهُوَ قَائِم وَالرَّدّ يعْتَمد الْمَرْدُود وَهُوَ هَالك
فَإِن كَانَ الْهَالِك أحد الْعَبْدَيْنِ فَفِي جَوَاز الْإِقَالَة وَجْهَان مرتبان وَأولى بِالْجَوَازِ إِذْ الْقَائِم يستتبع الْهَالِك وَإِن كَانَا قَائِمين فَأَرَادَ إِفْرَاد أَحدهَا بِالْفَسْخِ فليلتفت على تَفْرِيق الصَّفْقَة
وَالْمذهب جَوَازه لَا سِيمَا فِي الدَّوَام

(3/140)


الْفَصْل الثَّالِث فِي النزاع فِي الرَّد بِالْعَيْبِ

فَإِذا قَالَ المُشْتَرِي هَذَا الْعَيْب قديم وَقَالَ البَائِع بل هُوَ حَادث فَالْقَوْل قَول البَائِع لَان الأَصْل السَّلامَة وَلُزُوم العقد
فَلَو حلف ثمَّ جرى الْفَسْخ بعده بتحالف فَأخذ يُطَالب المُشْتَرِي بأرشه وَزعم أَنِّي أثبت حُدُوثه بيميني لم نمكنه لَان يَمِينه صلحت للدَّفْع عَنهُ فَلَا يصلح لشغل ذمَّة المُشْتَرِي بل للْمُشْتَرِي أَن يحلف الْآن على أَنه لَيْسَ بحادث
ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يحلف أَنِّي بِعته وَمَا بِهِ عيب فَقَالَ الْمُزنِيّ بل يزِيد وَيَقُول بِعته وأقبضته وَمَا بِهِ عيب فَقَالَ الْأَصْحَاب أَرَادَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مَا إِذا لم يدع المُشْتَرِي إِلَّا عَيْبا قبل العَبْد فيكفيه يَمِين على مُطَابقَة ضد الدَّعْوَى
قَالَ ابْن أبي ليلِي كَيفَ يحلف على الْبَتّ مَا بِهِ عيب فَلَعَلَّهُ كَانَ وَلم يعرفهُ فليحلف على نفي الْعلم
قَالَ الْأَصْحَاب بل يحلف على الْبَتّ كَمَا قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله كَمَا يشْهد على الْملك والإعسار وَنفي وَارِث سوى الْحَاضِر وكل ذَلِك على النَّفْي يعرف بطول الْخِبْرَة بل أَمر الْيَمين أسهل وَلذَلِك ثَبت الْحلف على اعْتِمَاد حَظّ أَبِيه فَلَا يشْهد بِهِ
فَإِذا لم يعرف عَيْبا جَازَ لَهُ أَن يُطلق الْيَمين لأجل الْحَاجة
فرع

لَو توافقا على وجود بياضين بِالْعَبدِ أَحدهمَا قديم وَالْآخر حَادث وَقد زَالَ أَحدهمَا وتنازعا فِي أَن الزائل هُوَ الْقَدِيم أَو الْحَادِث فدعواهما على التَّعَارُض وَالْقَوْل قَول البَائِع لِأَن الأَصْل هُوَ اللُّزُوم

(3/141)


الْقسم الثَّالِث من كتاب البيع فِي حكمه قبل الْقَبْض وَبعده
وَالنَّظَر فِي الْقَبْض يتَعَلَّق بثمرته وَحكمه ثمَّ بصورته وكيفيته ثمَّ بِصفتِهِ فِي الْوُجُوب والإجبار عَلَيْهِ

(3/142)


النّظر الأول فِي ثَمَرَته وَحكمه وَله حكمان

الحكم الأول نقل الضَّمَان

إِذْ الْمَبِيع عندنَا وَعند أبي حنيفَة رَحمَه الله فِي ضَمَان البَائِع قبل الْقَبْض على معنى أَنه يَنْفَسِخ العقد بتلفه وَيسْتَرد الثّمن
وَقَالَ أَبُو ثَوْر هُوَ من ضَمَان المُشْتَرِي بِمُجَرَّد العقد واليه ذهب مَالك رَحمَه الله وَلَكِن فِيمَا يشترى جزَافا لَا تَقْديرا
هَذَا إِذا تلف بِآفَة سَمَاوِيَّة فَإِن أتْلفه المُشْتَرِي فَهُوَ قبض من جِهَته مُقَرر للْعقد

(3/143)


وَإِن أتْلفه أَجْنَبِي فطريقان
قطع الْعِرَاقِيُّونَ بِأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخ لِأَن الْمَالِيَّة بَاقِيَة بِبَقَاء الْقيمَة
وَقَالَ المراوزة قَولَانِ وَوجه الِانْفِسَاخ أَن مُتَعَلق العقد الْعين وَقد فَاتَت فَإِن قُلْنَا لَا يَنْفَسِخ فالبائع هَل يحبس الْقيمَة لتسليم الثّمن كَمَا يحبس الْمُرْتَهن قيمَة الْمَرْهُون أم يُقَال هَذَا حق ضَعِيف وَلَا يسري إِلَى الْبَدَل فِيهِ وَجْهَان
فَلَو أثبتا لَهُ حبس الْقيمَة فَفِي الِانْفِسَاخ بِتَلف الْقيمَة أَيْضا وَجْهَان أما

(3/144)


إِتْلَاف البَائِع فَمنهمْ من نزله منزلَة إِتْلَاف الْأَجْنَبِيّ لِأَنَّهُ متعرض وَهَا هُنَا يبعد إِثْبَات الْحَبْس لَهُ من الْقيمَة وَهُوَ المعتدي بِالْإِتْلَافِ وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ كالآفة السماوية إِذْ هُوَ عَاقد فَلَا يتَعَرَّض لضمان الْأَجَانِب وَلذَلِك لم نطالب الْمُرضعَة بِمهْر الْمثل مُطَالبَة الْأَجْنَبِيَّة إِذا فوتت النِّكَاح بِالرّضَاعِ
فَإِن قيل فَلَو فَاتَ بعض الْمَعْقُود عَلَيْهِ قُلْنَا يَنْفَسِخ فِي ذَلِك الْقدر وَفِي الْبَاقِي قولا تَفْرِيق الصَّفْقَة
فَإِن قيل فَلَو نقصت صفة بِالْعَيْبِ قبل الْقَبْض
قُلْنَا فَائِدَته إِثْبَات الْخِيَار فَإِن أجَاز يُخَيّر بِكُل الثّمن وَلَا يُطَالب بِأَرْش أصلا إِلَّا إِذا كَانَ بِجِنَايَة أَجْنَبِي فَيُطَالب الْأَجْنَبِيّ بالارش إِن أجَاز وَإِن فسخ فالبائع يُطَالِبهُ وَجِنَايَة البَائِع فِي إِيجَاب الارش مترددة بَين الآفة السماوية وَبَين جِنَايَة الْأَجْنَبِيّ كَمَا سبق فِي الْإِتْلَاف
فَإِن قيل احتراق سقف الدَّار قبل الْقَبْض مَا حكمه قُلْنَا فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه عيب كسقوط يَد العَبْد لِأَنَّهُ تَابع للدَّار وَلَيْسَ كموت أحد الْعَبْدَيْنِ
وَالثَّانِي أَنه كَأحد الْعَبْدَيْنِ لِأَنَّهُ مُسْتَقل بالمالية عِنْد تَقْدِير الِانْفِصَال بِخِلَاف الْيَد من العَبْد

(3/145)


فرع

لَو اغتصب المُشْتَرِي الْمَبِيع حَيْثُ أثبتا للْبَائِع الْحَبْس فَللْبَائِع اسْتِرْدَاده فَلَو أتْلفه البَائِع قبل الِاسْتِرْدَاد ذكر صَاحب التَّقْرِيب قَوْلَيْنِ
أَحدهمَا أَنه بِالْإِتْلَافِ قَابض ومتلف فَيكون كالإتلاف قبل الْقَبْض
وَالثَّانِي أَنه كَالْأَجْنَبِيِّ لوُقُوعه بعد جَرَيَان صُورَة الْقَبْض وَقبل عود صُورَة الْيَد إِلَيْهِ
الحكم الثَّانِي للقبض تسلط المُشْتَرِي على التَّصَرُّف

فَلَيْسَ للْمُشْتَرِي بيع مَا اشْتَرَاهُ قبل الْقَبْض لنهي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع مَا لم يقبض فَنَشَأَ من الحَدِيث تصرف فِي ثَلَاث مَرَاتِب
الأولى فِيمَا يلْحق بِالْبيعِ من التَّصَرُّفَات

فَكل تمْلِيك بعوض فَهُوَ بيع وَالْعِتْق لَا يلْحق بِهِ لِأَن منع البيع إِمَّا أَن يُعلل

(3/146)


بِضعْف الْملك أَو بتوالي الضامنين وَلَا تَأْثِير للعلتين فِي الْعتْق
نعم لَو كَانَ قبل تَوْفِيَة الثّمن فَهُوَ كعتق الْمَرْهُون وَأولى بالنفوذ لضعف حق الْحَبْس
أما الْإِجَارَة فَفِيهَا وَجْهَان إِن عللنا بِضعْف الْملك منعناها وَإِن عللنا بتوالي الضامنين فَالْإِجَارَة لَا توجب ضَمَان الْعين فَلَا يتواليان وَالتَّزْوِيج كَالْإِجَارَةِ إِلَّا أَنه ينقبض فقد يمْنَع مِنْهُ قبل تَوْفِيَة الثّمن وَأما الهيبة وَالرَّهْن فيجريان مجْرى الْعتْق
قَالَ صَاحب التَّقْرِيب رهن مَا لَا يَصح بَيْعه بَاطِل وَهَذَا لَا يَصح بَيْعه فَيتَّجه بطرِيق الدّلَالَة مَنعه
وَفِي الْهِبَة أَيْضا وَجه أَنه ينزل منزلَة هبة الْمَرْهُون
الْمرتبَة الثَّانِيَة فِيمَا يلْحق بيد البَائِع من الْأَيْدِي

فَكل يَد ثَابِتَة لمملك عَن جِهَة مُعَاوضَة مَحْضَة فَهِيَ يَد بَائِع كَمَا فِي الصّرْف وَالسّلم وَالتَّوْلِيَة والاشتراك
وَمَا لَا يسْتَند إِلَى مُعَاوضَة كيد الْأَمَانَة وَالرَّهْن وَالْهِبَة وَالْعَارِية وَالْغَصْب والسوم وَيَد المُشْتَرِي فِي الْمَبِيع بعد الِانْفِسَاخ لَا يلْحق لَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَن مُعَاوضَة وتمليك

(3/147)


وَيَد تمْلِيك الصَدَاق وَالْبدل فِي الْخلْع وَالصُّلْح عَن دم الْعمد يخرج على أَنَّهَا مَضْمُونَة ضَمَان العقد أم ضَمَان الْيَد فَإِن فرعنا على ضَمَان العقد ألحقناه بيد البَائِع وَإِلَّا فَلَا
الْمرتبَة الثَّالِثَة النّظر فِي أَنْوَاع الْمَبِيع

وَهُوَ منقسم إِلَى عين وَدين
أما الْعين فَلَا تبَاع قبل الْقَبْض مَنْقُولًا كَانَ أَو عقارا وَجوز أَبُو حنيفَة بيع الْعقار قبل الْقَبْض
وَأما الدّين والمثمن مِنْهُ كَالْمُسلمِ فِيهِ وَالْحِنْطَة الْمَبِيعَة وَصفا فِي الذِّمَّة فَلَا يجوز بَيْعه قبل الْقَبْض وَلَا الِاعْتِيَاض عَنهُ
وَفِي جَوَاز الْحِوَالَة فِي الْمُسلم فِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا الْمَنْع هُوَ الْأَصَح لِأَن فِيهِ معنى الْمُعَاوضَة
وَالثَّانِي الْجَوَاز تَغْلِيبًا لِمَعْنى الِاسْتِيفَاء
وَالثَّالِث أَنه تجوز الْحِوَالَة عَلَيْهِ فَإِن لَا يتبدل عين الْمُسْتَحق وَلَا تجوز الْحِوَالَة بِهِ فَإِنَّهُ تَبْدِيل وتحويل إِلَى ذمَّة أُخْرَى

(3/148)


أما الثّمن فَإِن عين فَتعين عندنَا بِالتَّعْيِينِ خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وينفسخ العقد عندنَا بتلفه
وَلَكِن إِذا كَانَ فِي الذِّمَّة فَفِي جَوَاز الِاسْتِبْدَال ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا الْمَنْع قِيَاسا على الثّمن
وَالثَّانِي الْجَوَاز لما رُوِيَ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ كُنَّا نبيع الْإِبِل فِي زمَان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالدَّنَانِيرِ فنأخذ بهَا الدَّرَاهِم وبالدراهم فنأخذ بهَا الدَّنَانِير فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لَا بَأْس إِذا تفرقتما وَلَيْسَ بَيْنكُمَا لبس
وَالْقَائِل الأول يحمل الحَدِيث على جَرَيَانه فِي مجْلِس العقد فَيكون تغييرا للْعقد فِي حَالَة الْجَوَاز
وَالثَّالِث أَنه يسْتَبْدل أحد النَّقْدَيْنِ عَن الآخر للْحَدِيث وَلَا يسْتَبْدل سَائِر الْأَجْنَاس عَنْهَا للْقِيَاس وَهَذَا أعدل ويتأيد باتحاد مَقْصُود النقدية مِنْهُمَا

(3/149)


فَإِن قيل وَبِمَ يتَمَيَّز الثّمن عَن الْمُثمن
قُلْنَا فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا ثمن إِلَّا النقدان وَالثَّانِي أَن الثّمن مَا يتَّصل بِهِ بَاء الثمينة وَالثَّالِث أَن الصَّفْقَة إِن اشْتَمَلت على نقد فَهُوَ الثّمن وَإِلَّا فَمَا اتَّصل بِهِ بَاء الثمينة وَهُوَ الأعدل
فَإِن قُلْنَا إِنَّه لَا ثمن إِلَّا لنقد فَلَو قَالَ بِعْت هَذِه الدَّرَاهِم بِالْعَبدِ فَفِي صِحَة العقد خلاف لتغيير نظم العقد وَالصَّحِيح الصِّحَّة
وَكَذَلِكَ نقُول الْأَصَح جَوَاز السّلم فِي الدَّرَاهِم فَإِن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ جعل الثّمن كالمثمن فِي التَّعْيِين بِالتَّعْيِينِ
فَإِن قُلْنَا حكم الثمينة غير مَقْصُود على النَّقْدَيْنِ فجواز الِاسْتِبْدَال هَل يتَعَدَّى إِلَى غير النَّقْدَيْنِ فِيهِ وَجْهَان
وَمن يُلَاحظ الحَدِيث وَمعنى النقدية لم يجوز الِاسْتِبْدَال فِي غير النَّقْدَيْنِ بِحَال وَلَعَلَّه الأولى
أما الْفُلُوس إِن راجت رواج النُّقُود فَالصَّحِيح أَنَّهَا كالعروض
فَإِن قيل الدّين الثَّابِت بالقرض أَو بِالْإِتْلَافِ أَو بِسَبَب غير الْمُعَاوضَة مَا حكمه
قُلْنَا بَيْعه من غير من عَلَيْهِ الدّين فِيهِ قَولَانِ وَالْمَنْع غير مَأْخُوذ من قَاعِدَة الْقَبْض وَلكنه من ضعف الْملك لعدم التَّعْيِين وَلَعَلَّ الْأَصَح الْمَنْع فَإِنَّهُ لَيْسَ مَالا حَاضرا وَإِن

(3/150)


كَانَ لَهُ حكم المَال من بعض الْوُجُوه وَإِن بَاعه مِمَّن عَلَيْهِ الدّين فَإِن استبدل عَنهُ عينا وَقبض فِي الْمجْلس جَازَ
وَإِن استبدل دينا لم يجز لِأَنَّهُ منطبق على بيع الكالئ بالكالئ وَهُوَ مَنْهِيّ عَنهُ والكالئ هُوَ الدّين
وَإِن استبدل عينا وَلم يقبض فِي الْمجْلس فَإِن جَوَّزنَا بيع الدّين فَلَا مَأْخَذ لاشْتِرَاط الْقَبْض وَإِن لم نجوز فَلَا بُد من الْقَبْض إِذْ يجوز الِاسْتِبْدَال على تَقْدِير كَونه اسْتِيفَاء للمالية فَيخْتَص بِمَجْلِس الِاسْتِيفَاء إِذْ الأَصْل فِيهِ الْفِعْل دون القَوْل

(3/151)


النّظر الثَّانِي فِي صُورَة الْقَبْض وكيفيته

والمقبوض إِن عقارا فمجرد التَّخْلِيَة كَاف إِلَّا إِذا كَانَ غَائِبا فَفِي نظر يذكر فِي الرَّهْن واما الْمَنْقُول هَل يَكْفِي فِيهِ التَّخْلِيَة الْمُجَرَّدَة فِيهِ ثَلَاثَة أوجه
الْأَصَح أَنه لَا بُد من النَّقْل لَان الِاعْتِمَاد فِيمَا نيط باسم الْقَبْض على الْعرف وَالْعرْف يفرق بَين الْمَنْقُول وَالْعَقار
وَنقل حَرْمَلَة قولا للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ أَنه يكْتَفى بِالتَّخْلِيَةِ وَهُوَ مَذْهَب مَالك لِأَن الْمَقْصُود اسْتِيلَاء المُشْتَرِي وَقد حصل
وَالثَّالِث أَن التَّخْلِيَة تَكْفِي لنقل الضَّمَان لِأَنَّهُ حق البَائِع وَقد أدّى مَا عَلَيْهِ وَلَا يَكْفِي التسليط على التَّصَرُّف فَإِنَّهُ حق المُشْتَرِي وَقد قصر إِذْ لم يقبض وَلم ينْقل وَهَذَا يعضده أَن ركُوب الدَّابَّة وَالْجُلُوس على الباسط قد يَجعله سَببا لضمان الْغَصْب دون النَّقْل
التَّفْرِيع

إِذا قُلْنَا لَا بُد من النَّقْل فَإِن وجد من المُشْتَرِي فَهُوَ الْكَامِل وَذَلِكَ بِأَن ينْتَقل إِلَى مَحل يخْتَص بِهِ وَلَا اخْتِصَاص للْبَائِع بِهِ
فَلَو نقل إِلَى زَاوِيَة من دَار البَائِع فَلَا يَكْفِي لِأَن الدَّار وَمَا فِيهَا فِي يَد البَائِع إِلَّا أَن يَأْذَن البَائِع فِي الْقَبْض وَالنَّقْل إِلَيْهِ فَيكون إِعَادَة لتِلْك الزاوية فَيحصل الْقَبْض هَذَا إِذا قبض بِرِضا البَائِع

(3/152)


فَإِن أَخذه قهرا إِن كَانَ بعد تَوْفِيَة الثّمن فَهُوَ صَحِيح وَإِن قبله وأثبتا حق الْحَبْس فَهُوَ فَاسد يصلح لنقل الضَّمَان وَهل يُفِيد التَّصَرُّف فِيهِ وَجْهَان
أما البَائِع إِذا نَقله إِلَى دَار المُشْتَرِي أَو وَضعه بَين يَدَيْهِ أَو فِي جُحْره أَو فِي مَحل قريب مِنْهُ وَالْمُشْتَرِي رَاض حصل الْقَبْض وان كَانَ كَارِهًا فَوَجْهَانِ
هَذَا فِي مَنْقُول بيع جزَافا فَإِن بيع مكايلة كصبرة الْحِنْطَة إِذْ قَالَ بعتها كل صَاع بدرهم فتمام الْقَبْض بِالْكَيْلِ على المُشْتَرِي فَلَو قَبضه المُشْتَرِي وَلم يكل فَالضَّمَان انْتقل إِلَيْهِ وَهل يتسلط على البيع فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه لَا يتسلط وَهَذَا قبض فَاسد إِذْ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الطَّعَام حَتَّى يجْرِي فِيهِ الصاعان صَاع البَائِع وَصَاع المُشْتَرِي إِذْ من عَادَة الْعَرَب فِي المواسم شِرَاء صبرَة من الْحِنْطَة مكايلة وَبَيْعهَا بِزِيَادَة ربح مكايلة فَلَا بُد من إِجْرَاء الصَّاع قبل البيع حَتَّى يكون الحَدِيث مُفِيدا وَهُوَ الَّذِي قطع بِهِ الْمُحَقِّقُونَ وَالشَّيْخ

(3/153)


أَبُو مُحَمَّد إِذْ مثل هَذَا النَّهْي لَا يحمل إِلَّا على الْفساد وَلَو حمل على اصل الْقَبْض كَانَ إِلْغَاء لفائدة خُصُوص هَذَا الحَدِيث
وَالأَصَح أَنه لَو اشْترى الطَّعَام مكايلة وأبقاه فِي المكاييل وباعاها مكايلة ثمَّ صبه على المُشْتَرِي للْمُشْتَرِي جَازَ فصورة أَجزَاء الصَّاع لَا يُرَاد لعَينه
وَمِنْهُم من قَالَ لَا بُد من التَّفْرِيع أَولا ليبني صِحَة البيع الثَّانِي عَلَيْهِ لظَاهِر الحَدِيث وَهُوَ ضَعِيف إِذْ دوَام الْكَيْل فِي معنى ابْتِدَائه
وَلما كَانَ قَرَار العقد مَوْقُوفا على التَّقَابُض فِي الْمجْلس فِي بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ اخْتلفُوا فِي أَنه لَو بَاعَ الْحِنْطَة بِالشَّعِيرِ مكايلة وتقاضيا جزَافا فَإِن العقد هَل يَنْفَسِخ
وَهَذَا مُرَتّب على حكم البيع وَأولى بألا يَسْتَدْعِي قَرَار العقد جَرَيَان الْكَيْل
فرع

الْقَبْض يجْرِي فِيهِ النِّيَابَة وَلَكِن لَو قَالَ لمستحق الْحِنْطَة فِي ذمَّته اكتل على نَفسك من صبرتي هَذِه قدر حَقك فَفعل فَفِي تعين حَقه بِهِ وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه من وَجه اتَّحد الْقَابِض والمقبض لِأَنَّهُ مقبض بِالْإِذْنِ وقابض لنَفسِهِ وَإِنَّمَا يسلم ذَلِك للْأَب يقبض لنَفسِهِ من طِفْله ولطفله من نَفسه كَمَا يسلم لَهُ فِي تولي طرفِي البيع وَلَو قَالَ لمستحق الدّين اقبض حَقك مِمَّا لي على فلَان فَقبض لم

(3/154)


يَصح لِأَنَّهُ لَا بُد وَأَن يقبض للْمُسْتَحقّ ثمَّ يقبض لنَفسِهِ فَلَو قَالَ اقبضه لي ثمَّ اقبضه لنَفسك صَحَّ قَبضه لَهُ وَفِي قَبضه لنَفسِهِ الْوَجْهَانِ
وَلَو ألْقى إِلَيْهِ كيسا وَقَالَ خُذ مِنْهُ قدر حَقك فَلَا يملك بِمُجَرَّد الْأَخْذ دون الْوَزْن قطعا
وَإِنَّمَا الْخلاف بعد الْوَزْن فِي تعْيين حَقه لكَونه قَابِضا قبضا وَلَكِن هُوَ مَضْمُون عَلَيْهِ لَو تلف لِأَنَّهُ أَخذه ليتملكه فضاهى اخذ المستام والكيس لَيْسَ مَضْمُونا لِأَن يَده فِيهِ يَد الْوَكِيل وَلم يَأْخُذ الْكيس ليتملكه
وَلَو دفع إِلَيْهِ دَرَاهِم وَقَالَ اشْتَرِ بهَا قدر حَقك لم يَصح الشِّرَاء لَهُ وَالْقَبْض لَهُ وَفِي قَبضه لنَفسِهِ الْوَجْهَانِ

(3/155)


النّظر الثَّالِث فِي وجوب الْبِدَايَة بِالْقَبْضِ وَفِيه أَرْبَعَة أَقْوَال

أَحدهَا أَنه يجب على البَائِع الْبِدَايَة بِتَسْلِيم الْمَبِيع لانه متسلط على التَّصَرُّف فِي الثّمن فليتسلط المُشْتَرِي على الْمَبِيع
وَالثَّانِي أَن الْبِدَايَة بالمشتري لِأَن حَقه مُتَعَيّن فليغير حق البَائِع وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله
وَالثَّالِث أَنَّهُمَا يتساويان فَيجْبر كل وَاحِد مِنْهُمَا من غير تَقْدِيم
وَالرَّابِع أَنَّهُمَا لَا يجبران بل إِن تبرع أَحدهمَا بالبدار أجبر الثَّانِي

(3/156)


التَّفْرِيع

المُشْتَرِي إِذا بَادر قبل الْقَبْض وَسلم الثّمن فَيجب تَسْلِيم الْمَبِيع فَلَو كَانَ آبقا فَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِرْدَاد بل لَهُ الْفَسْخ إِن شَاءَ والاسترداد بعده وَإِن علم إباقة فَلَا يلْزمه تَسْلِيم الثّمن قولا وَاحِدًا
وَأما البَائِع إِذا بَدَأَ فَيجْبر المُشْتَرِي على الْقبُول وَلم يكن كَالدّين فَإِنَّهُ قد لَا يجْبر مُسْتَحقّه على الْقَبْض لِأَن حَقه غير مُتَعَيّن فِيهِ
فَإِن أَبى وَلم يقبض فَتلف فِي يَد البَائِع فَهُوَ من ضَمَانه لدوام صُورَة الْيَد
وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب إِذا أَبى المُشْتَرِي فَللْبَائِع أَن يقبض لَهُ من نَفسه لتصير يَده يَد أَمَانَة أَو يرفع يَده الى القَاضِي حَتَّى يودعه عِنْده وَهُوَ بعيد وَقبض القَاضِي عَنهُ وإيداعه لَهُ أقرب قَلِيلا
وَإِن قبل المُشْتَرِي وَقبض طُولِبَ بِالثّمن من سَاعَته فَإِن تحقق إفلاسه وَلم يكن لَهُ شَيْء سوى الْمَبِيع أَو كَانَ وزادت الدُّيُون عَلَيْهِ فَللْبَائِع الرُّجُوع إِلَى عين السّلْعَة
وَإِن كَانَ غَنِيا وَلَكِن مَاله غَائِب قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يجْبر المُشْتَرِي على دفع الثّمن سَاعَته فَإِن كَانَ مَاله غَائِبا أشهد على وقف مَاله فَإِن وفى أطلق الْوَقْف عَنهُ وَهَذَا حجر غَرِيب يرَاهُ الشَّافِعِي من حَيْثُ إِن البَائِع على خطر من إِنْفَاقه جَمِيع أَمْوَاله واستهلاك الثّمن بالإفلاس فالحجر أقرب من حَبسه أَو فسخ البيع أَو إهمال الْحق
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يحْجر عَلَيْهِ وَهَذَا لتخريجه وَجه وَلكنه مُخَالف للنَّص ثمَّ اتَّفقُوا على أَنه لَا حجر عِنْد إِمْكَان الْفَسْخ بالفلس فَإِنَّهُ لَا حَاجَة إِلَى الْحجر

(3/157)


وَلَكِن قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إِن كَانَ المَال غَائِبا فَوق مَسَافَة الْقصر فَهُوَ كالفلس لِأَنَّهُ عجز فِي الْحَال وَإِن كَانَ دون مَسَافَة الْقصر فَوَجْهَانِ وَإِن كَانَ فِي الْبَلَد فَلَا فسخ بل يحْجر عَلَيْهِ
وَالصَّحِيح مَا قَالَه ابْن سُرَيج من أَن الْغَيْبَة لَيْسَ كَالْعدمِ بل الإعدام يُوجب الْفَسْخ والغيبة توجب الْحجر فَأَما إِذا كَانَ فِي الْبَلَد فَلَا فسخ وَلَا حجر بل يُطَالب بِهِ

(3/158)