الوسيط في المذهب

الْقسم الرَّابِع
= كتاب البيع = فِي مُوجب الْأَلْفَاظ الْمُطلقَة فِي البيع وَبَيَان مَا يُزَاد فِيهَا على مُوجب اللُّغَة أَو ينقص وَيسْتَثْنى بِحكم اقتران الْعرف وَهِي ثَلَاثَة أَقسَام الْقسم الأول الْأَلْفَاظ الْمُطلقَة فِي العقد الْقسم الثَّانِي مَا يُطلق فِي الثّمن الْقسم الثَّالِث مَا يُطلق فِي البيع

(3/159)


الأول الْأَلْفَاظ الْمُطلقَة فِي العقد وَهِي مَشْهُورَة وَالْغَرَض بَيَان لفظين

الأولى التَّوْلِيَة

فَإِذا اشْترى شَيْئا وَقَالَ لغيره وليتك هَذَا العقد فَقَالَ قبلت صَحَّ البيع بِهَذَا اللَّفْظ وَنزل على ثمن العقد الأول وَهُوَ ملك متجدد يَتَجَدَّد بِسَبَبِهِ حق الشُّفْعَة وتسلم الزَّوَائِد للْمُشْتَرِي الأول أَعنِي مَا حصل قبل التَّوْلِيَة
وَلَو حط عَن الثّمن الأول شَيْء انحط عَن الثَّانِي لِأَن التَّوْلِيَة توجب نُزُوله فِي الثّمن منزلَة الأول حَتَّى لَا يُطَالب إِلَّا بِمَا يُطَالب الأول فَهُوَ فِي حق الثّمن كالبناء وَفِي حق نقل الْملك كالابتداء
وَلما عسر الْفرق بَين هَذَا وَبَين سَلامَة الزَّوَائِد وَالشُّفْعَة ذكر القَاضِي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَجْهَيْن ورد التَّرَدُّد إِلَى أَن هَذَا ملك بِنَاء أَو ابْتِدَاء وَهُوَ ضَعِيف فَلَا وَجه للتردد فِي الشُّفْعَة والزوائد
نعم ينقدح وَجه أَن الْحَط لَا يلْحق كَمَا لَا يلْحق الشَّفِيع إِلَّا أَن يكون الْحَط فِي مجْلِس العقد فَإِن ذَاك فِيهِ خلاف فِي حق الشَّفِيع أَيْضا
فرع

فِي التَّوْلِيَة قبل الْقَبْض وَجْهَان
وَوجه التجويز الاستمداد من حكم الْبناء حَتَّى كَانَ المطرد هُوَ الْملك الأول

(3/160)


ويتأيد ذَلِك بلحوق الْحَط
وَفِي تَوْلِيَة البَائِع خلاف مُرَتّب على البيع من البَائِع الأول وَأولى بِالصِّحَّةِ
اللَّفْظ الثَّانِي الْإِشْرَاك
فَلَو قَالَ أَشْرَكتك فِي هَذَا العقد على المناصفة كَانَ حكمه التَّوْلِيَة فِي النّصْف من غير فرق
وَلَو أطلق وَلم يذكر المناصفة فَفِي الصِّحَّة وَجْهَان
أَحدهمَا الْمَنْع لِأَنَّهُ لم يبين الْمِقْدَار فَكَانَ مَجْهُولا
وَالثَّانِي الْجَوَاز وَينزل الْمُطلق على التشطير

(3/161)


الْقسم الثَّانِي مَا يُطلق فِي الثّمن وَهُوَ أَلْفَاظ الْمُرَابَحَة

فَإِذا قَالَ بِعْت بِمَا اشْتريت وَربح ده يازده نزل على مَا قَالَه إِن كَانَ مَا اشْتَرَاهُ مَعْلُوما للْمُشْتَرِي الثَّانِي
وَكَذَلِكَ فِي صُورَة التَّوْلِيَة يشْتَرط أَن يكون ثمن الأول مَعْلُوما للْمُشْتَرِي فَإِن لم يُعلمهُ فَلْيقل بِعْت بِمَا اشْتريت وَهُوَ مائَة فَإِن لم يذكر بَطل كَمَا لَو قَالَ بِعْت بِمَا بَاعَ بِهِ فلَان فرسه
وَفِيه وَجه أَن هَذَا يَصح لارتباط العقد الأول بالعاقد وسهولة الِاطِّلَاع عَلَيْهِ ثمَّ تردد هَؤُلَاءِ فِي انه هَل يشْتَرط زَوَال الْجَهَالَة فِي الْمجْلس
أما إِذا قَالَ بِعْت بِمَا قَالَ عَليّ دخل فِيهِ الثّمن وَأُجْرَة الدَّلال والكيال وَكَذَا الْبَيْت الَّذِي تحفظ فِيهِ الأقمشة وكل مَا يعد من خرج التِّجَارَة بِخِلَاف قَوْلنَا بِعْت بِمَا اشْتريت
وَلَو تعاطى الْكَيْل بِنَفسِهِ أَو كَانَ الْبَيْت مَمْلُوكا لَهُ لم يقدر لَهُ أُجْرَة
وَكَذَلِكَ علف الدَّابَّة لَا يضم إِلَيْهَا والمحكم الْعرف فَإِن ذَلِك لَا يعد من خرج التِّجَارَة عرفا

(3/162)


فرعان

أَحدهمَا إِذا اشْترى شَيْئا بِعشْرَة وَبَاعه بِخَمْسَة عشر ثمَّ اشْتَرَاهُ بِعشْرَة ثمَّ قَالَ بِعْت بِمَا قَالَ عَليّ فَالظَّاهِر أَنه ينزل على الْعشْرَة
وَقَالَ ابْن سُرَيج يحْسب الرِّبْح عَلَيْهِ فَتكون السّلْعَة قد قَامَت بِخَمْسَة فَينزل عَلَيْهَا
وَلَا خلاف فِي أَنه لَو كَانَ يدل ربح الْخَمْسَة خسران خَمْسَة لم ينزل هَذَا اللَّفْظ على خَمْسَة عشر وَهَذَا يضعف تَوْجِيه مذْهبه
الثَّانِي إِذا قَالَ بِعْت بِمَا اشْتريت بحط ده يازده وَكَانَ قد اشْترى بِمِائَة وَعشرَة مثلا فَالظَّاهِر هُوَ مَذْهَب أبي يُوسُف وَابْن أبي ليلى أَنه ينزل على الْمِائَة وتحط الْعشْرَة فَيكون قد حط من كل أحد عشر درهما وَاحِدًا لتبقى نِسْبَة ده يازده بَين الأَصْل والمحطوط
وَفِيه وَجه آخر غامض أَنه ينزل على مائَة دِرْهَم إِلَّا درهما فيحط عَن كل عشرَة دِرْهَم وَاحِد كَمَا كَانَ يُزَاد على عشرَة وَاحِد فِي ربح ده يازده
فَإِن قيل لَو لم يصدق المُشْتَرِي فِي قدر الثّمن وَزَاد أَو كَانَ قد طَرَأَ بعد الشِّرَاء عيب فَلم يذكرهُ فَهَل يحط عَن الثَّانِي بِقدر الْعَيْب قُلْنَا ليعلم أَن هَذَا العقد عقد

(3/163)


أَمَانَة فَإِن المُشْتَرِي لَا يوطن نَفسه على ذَلِك الثّمن وَعلم أَن المُشْتَرِي لم يسمع بِالثّمن الَّذِي ذكره البَائِع وشترى بِهِ إِلَّا تعويلا على مماكسته واستقصائه فِي طلب الْغِبْطَة فيرضى لنَفسِهِ مَا ارْتَضَاهُ الأول لنَفسِهِ فَيجب عَلَيْهِ الْأَخْبَار بِكُل مَا طَرَأَ من عيب أَو جِنَايَة منقصة للعين كالإحصاء أَو للقيمة
وَإِن اشْترى بِأَجل وَجب ذكره وَلَا يجب ذكر الزِّيَادَات الْحَادِثَة وَلَا ذكر مَا اشْترى مَعَه إِذا قوم هَذَا الْقدر بِحِصَّتِهِ وَلَا ذكر البَائِع إِذا اشْترى من وَلَده
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يجب ذكر ذَلِك كُله وَلَو اشْترى بِغَبن وَهُوَ عَالم بِهِ فَالْأَظْهر أَنه لَا يجب ذكره وَفِيه وَجه أَنه يجب لِأَن الثَّانِي اعْتمد على أَنه لَا يحْتَمل الْغبن وَهَذَا الْقَائِل يُوجب أَن يذكر إِذا اشْترى من وَلَده الطِّفْل وَكَذَلِكَ إِذا اشْترى بدين غير مُؤَجل وَلَكِن الرجل مطول لِأَن ذَلِك سَبَب احْتِمَال غبن على الْجُمْلَة
ثمَّ إِن كذب المُشْتَرِي فَزَاد فِي الثّمن أَو لم يخبر عَمَّا طَرَأَ من الْعَيْب فَهَل يحط عَن الثَّانِي قدر التَّفَاوُت

(3/164)


فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه لَا يحط لِأَنَّهُ جزم العقد بِمِائَة مثلا وَكذب فِي قَوْله اشْتريت بِهِ نعم لَهُ الْخِيَار إِن شَاءَ لتلبيسه فَإِن أجَاز فليجر لكل الثّمن
وَالثَّانِي أَنه يحط لِأَنَّهُ لم يقْتَصر على ذكر الْمِائَة بل ربط وَقَالَ بِعْت بِمِائَة وَهُوَ الَّذِي اشْتريت بِهِ فَلَا تلْزمهُ الْمِائَة
التَّفْرِيع

إِن قُلْنَا يحط فَفِي ثُبُوت الْخِيَار للْمُشْتَرِي قَولَانِ وَوجه الْإِثْبَات أَنه رُبمَا يكون لَهُ غَرَض فِي الشِّرَاء بِمِائَة لتحلة قسم أَو وَفَاء بموعود
فَإِن قُلْنَا لَهُ الْخِيَار مَعَ ذَلِك فَأجَاز أَو قُلْنَا لَا خِيَار لَهُ فَفِي ثُبُوته للْبَائِع وَجْهَان وَوجه الْإِثْبَات أَنه طمع فِي سَلامَة الْمِائَة لَهُ وَلم تسلم وَإِن قُلْنَا لَا يحط عَن الْمِائَة فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَار قطعا لِأَنَّهُ مظلوم بالتلبيس إِلَّا أَن يكون التَّفَاوُت من جِهَة

(3/165)


الْعَيْب وَكَانَ قد علم طرآن الْعَيْب فَيكون رَاضِيا مَعَ ذَلِك لما اشْترى
فَإِن هم بِالْفَسْخِ فَقَالَ البَائِع لَا تفسخ فَإِنِّي أحط لِأَجلِك فَهَل يبطل خِيَاره
فِيهِ وَجْهَان وَوجه بَقَاء الْخِيَار أَنه رُبمَا يكون لَهُ غَرَض فِي الشِّرَاء بِالْمِائَةِ كَمَا سبق هَذَا إِذا تبين خَطؤُهُ بتذكر المُشْتَرِي أمرا مشاهدا أَو بقوله أَخْطَأت إِقْرَارا على نَفسه أَو بِقِيَام بَيِّنَة على مِقْدَار مَا اشْترى بِهِ
فَأَما إِذا قَالَ تَعَمّدت الْكَذِب وَإِنَّمَا اشْتريت بِكَذَا وَكَذَا فَحكمه مَا سبق وَلَكِن حَيْثُ ترددنا ثمَّ فِي ثُبُوت الْخِيَار فها هُنَا الْإِثْبَات أولى إِذْ أظهر بقوله خيانته فَرُبمَا يكذب فِيمَا يخبر عَنهُ الْآن من الْبَقِيَّة أَيْضا
وَإِن علم المُشْتَرِي كذبه حَالَة الشِّرَاء فَلَا خِيَار لَهُ إِلَّا أَن يَقُول كنت أَظن أَنه يحط مَعَ علمي بِالنُّقْصَانِ فَفِي ثُبُوت الْخِيَار بِهَذَا الظَّن وَجْهَان

(3/166)


هَذَا إِذا كذب بِالزِّيَادَةِ فَلَو كذب بِالنُّقْصَانِ فَكَانَ اشْترى بِمِائَة فَقَالَ اشْتريت بسبعين فميل الْأَصْحَاب هَا هُنَا إِلَى الْبطلَان لانه لَا بُد من الزِّيَادَة وَلَا سَبِيل إِلَيْهَا إِذْ الزِّيَادَة لَا تلْحق الثّمن أما الْحَط فيلحقه
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد رَحمَه الله لَا فرق بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ إِذْ لَيست الْمِائَة عبارَة عَن تسعين كَمَا لَيست التِّسْعُونَ عبارَة عَن الْمِائَة فليبطل فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَو ليَصِح فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ تَنْزِيلا على الصدْق لَا على مَا كذب بِهِ
وَقد حكى صَاحب التَّقْرِيب قولا أَنه يبطل العقد فِي صُورَة الزِّيَادَة أَيْضا وَمَا ذكره الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد يُشِير الى أَن الْحَط لَيْسَ بطرِيق الْإِبْرَاء بل هُوَ بطرِيق تبين نزُول العقد عَلَيْهِ ابْتِدَاء وَمَا ذكره الْأَصْحَاب يُشِير الى أَنه نزل العقد على اقدر الْمُسَمّى والحط يضاهي حط أرش الْعَيْب وَهَذَا أولى فَإِنَّهُ لَا يمْنَع من الْإِجَازَة وَالرِّضَا بِالْمِائَةِ وَلِأَنَّهُ طرد بذلك فِي صُورَة ظُهُور النُّقْصَان بِعَيْب طَارِئ مَعَ أَنه صَادِق فِي إخْبَاره عَمَّا اشْترى بِهِ وَالْخلاف فِي كل وَاحِد
فرع

إِذْ ادّعى البَائِع أَنه اشْترى بِزِيَادَة وَكذبه المُشْتَرِي فَلَا تسمع الدَّعْوَى البَائِع وبينته لِأَنَّهُ على نقيض قَوْله السَّابِق وَهل أَن يحلفهُ على نفي الْعلم فِيهِ وَجْهَان يبنيان على أَن يَمِين الرَّد كالبينة أَو كإقرار الْمُدعى عَلَيْهِ
فَإِن جعلنَا كإقراره فَلهُ ذَلِك على رَجَاء النّكُول ورد الْيَمين ليَكُون ذَلِك

(3/167)


كالتصديق
وَإِن قُلْنَا كالبينة فَلَا وَذكر صَاحب التَّقْرِيب أَنه إِن قَالَ غَلطت وَذكر وَجها مُحْتملا بِأَن قَالَ عولت على قَول الْوَكِيل والآن طالعت الجريدة وتذكرت فَلهُ التَّحْلِيف قطعا
وَهَذَا مُتَّجه حسن وَيجب طرد هَذَا فِي قبُول دَعْوَاهُ وبينته أَيْضا وَالله أعلم

(3/168)


الْقسم الثَّالِث من الْأَلْفَاظ مَا يُطلق فِي البيع وَهِي فِي غرضنا سِتَّة أَلْفَاظ

اللَّفْظ الأول الأَرْض

وَفِي مَعْنَاهُ لفظ الساحة والعرصة والبقعة
فَإِن قَالَ بِعْتُك هَذِه الأَرْض فالنظر فِي اندراج الشّجر وَالْبناء وَالزَّرْع والدفائن
فَأَما الشّجر وَالْبناء فنص الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي البيع يدل على الاندراج وَفِي الرَّهْن يدل على أَنه لَا ينْدَرج فَاخْتلف الْأَصْحَاب على ثَلَاثَة طرق
الْأَصَح أَنَّهَا لَا تندرج إِذْ اللَّفْظ لَا يتَنَاوَلهُ وضعا وَلم يكن دَعْوَى عرف مطرد فِيهِ فَينزل منزلَة التَّصْرِيح
وَهَذَا الْقَائِل نسب الْمُزنِيّ رَضِي الله عَنهُ إِلَى إخلاف فِي النَّقْل وَقَالَ أَرَادَ الشَّافِعِي رَحمَه الله إِذا قَالَ بِعْت الأَرْض بحقوقها
وَمن هَؤُلَاءِ من قَالَ وَلَو قَالَ بحقوقها أَيْضا لم ينْدَرج لِأَن الْحُقُوق عبارَة عَن

(3/169)


الْمَمَر ومجرى المَاء وَأَمْثَاله
الطَّرِيقَة الثَّانِيَة ذكر قَوْلَيْنِ بِالنَّقْلِ والتخريج
وَالثَّالِثَة الْفرق بِأَن الرَّهْن ضَعِيف لَا يستتبع بِخِلَاف البيع
أما الزَّرْع فَلَا ينْدَرج قطعا تَحت اسْم الأَرْض لِأَنَّهُ لم يثبت للدوام بِخِلَاف الْبناء وَالشَّجر
والبقل لَهُ حكم الشّجر أعنى أُصُوله لَا مَا ظهر مِنْهُ فَإِنَّهُ للدوام كالشجر وَقطع الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بِأَنَّهَا كالزرع
ثمَّ إِذا بَقِي الزَّرْع لصَاحب الأَرْض فَفِي صِحَة بيع الأَرْض طَرِيقَانِ
أَحدهمَا أَنه فِيهِ قَولَانِ كَمَا فِي الأَرْض المكراة إِذْ تقع الْمَنْفَعَة مُسْتَثْنَاة فِي مُدَّة وَمِنْهُم من قطع بِالصِّحَّةِ إِذْ الْمَانِع فِي الْإِجَارَة عسر التَّسْلِيم وَهَا هُنَا تَسْلِيم الأَرْض مُمكن فِي الْحَال وَلَعَلَّه الْأَصَح تَشْبِيها لَهُ بِالدَّار المشحونة بالأمتعة
التَّفْرِيع

إِن حكمنَا بِالصِّحَّةِ فتسليم الأَرْض مزروعة هَل يُوجب إِثْبَات يَد المُشْتَرِي فِيهِ وَجْهَان وَوجه الِامْتِنَاع أَنه لَا يقدر على الِانْتِفَاع وَمن الْأَصْحَاب من طرد هَذَا فِي تَسْلِيم الدَّار المشحونة بالأمتعة
وَمِنْهُم من فرق إِذْ التشاغل بالتفريع ثمَّ مُمكن فِي الْحَال بِخِلَاف الزَّرْع ثمَّ المُشْتَرِي

(3/170)


إِن لم يعلم بالزرع فَلهُ الْخِيَار فَإِن أجَاز فَهَل لَهُ طلب أُجْرَة تيك الْمدَّة فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا كَمَا لَا يُطَالب بارش الْعَيْب عِنْد الْإِجَارَة
وَالثَّانِي نعم لِأَن الْمَنْفَعَة متميزة عَمَّا قابله الثّمن
أما الدفائن فَلَا تندرج تَحت البيع حَتَّى الْحِجَارَة المدفونة إِلَّا أَن تكون مركبة فِي أساس الْبُنيان والجدار فيندرج حَيْثُ ينْدَرج الْجِدَار وان كَانَت الْحِجَارَة مخلوقة فِي الأَرْض اندرجت تَحت اسْم الأَرْض ثمَّ المُشْتَرِي إِن كَانَ عَالما باشتمال الأَرْض على الْحِجَارَة المدفونة فَلَا خِيَار لَهُ وَللْبَائِع النَّقْل وان أضرّ بالمشتري وَلَو أَبى فَلِلْمُشْتَرِي إِجْبَاره على تَفْرِيغ ملكه وان كَانَ لَا يتَضَرَّر المُشْتَرِي ببقائها
وَفِيه وَجه أَنه إِذا لم يتَضَرَّر لم يجْبرهُ على النَّقْل
أما إِذا كَانَ جَاهِلا فان لم يكن فِي النَّقْل ضَرَر فَلَا خِيَار
وَإِن كَانَ ضَرَر فِي حُصُول وهاد فِي الأَرْض أمكن تَسْوِيَة الأَرْض على قرب فَلَا خِيَار أَيْضا كَمَا إِذا عرض فِي السّقف عَارض قبل الْقَبْض يُمكن إِزَالَته على قرب
وَيجب تَسْوِيَة الأَرْض على البَائِع وَلَا يلْزمه أرش النُّقْصَان بِالْحفرِ بِخِلَاف هدم الْجِدَار لَان الْجِدَار يتَفَاوَت بِنَاؤُه وإعادته قد لَا تماثل الأول فَأَما هَذَا فَمن قبيل ذَوَات الْأَمْثَال فِي المضمونات
أما إِذا تضرر بِسَبَب تعطل الْمَنْفَعَة فِي مُدَّة أَو كَانَ الْحفر يحدث عَيْبا بِأَن كَانَ يمْنَع عروق الْأَشْجَار من الإنبتات فَلهُ الْخِيَار فَإِن فسخ فَذَاك وَإِن أجَاز فَفِي

(3/171)


الْمُطَالبَة بِأُجْرَة الْمثل خلاف منشؤه تَمْيِيز الْأُجْرَة عَن ارش الْعَيْب
وَفِي طلب ارش النُّقْصَان بتعيب الأَرْض خلاف منشؤه أَن جِنَايَة البَائِع هَل تكون كجناية الْأَجْنَبِيّ
فرعان

أَحدهمَا لَو كَانَت الأَرْض تتضرر بِالنَّقْلِ دون التّرْك واثبتا للْمُشْتَرِي الْخِيَار فَقَالَ لَهُ البَائِع لَا انقل بَطل خِيَار المُشْتَرِي وَلزِمَ تَركه أبدا كالنعل على الداية
ثمَّ ينظر فان قَالَ وهبت مِنْك الْحِجَارَة وَقبل وَكَانَ بِحَيْثُ يقبل الْهِبَة لوُجُود الشَّرَائِط من الرُّؤْيَة وَالتَّسْلِيم وَغَيره ملكه المُشْتَرِي على الظَّاهِر
وَفِيه وَجْهَان أَنه لَا يملك وان وجدت الشَّرَائِط لانه لَيْسَ مُتَبَرعا وانما يَبْتَغِي بِهِ نفي الْخِيَار فحقيقته إِعْرَاض
وَفِيه وَجه آخر أَنه يملك وان لم تُوجد شَرَائِط الْهِبَة لِأَنَّهُ كالمستفاد ضمنا وتبعا

(3/172)


وَلَيْسَ مَقْصُودا فَيحصل للضَّرُورَة وَأما إِذا قَالَ تركت الْحِجَارَة فَالظَّاهِر انه لَا يملك بِهَذَا اللَّفْظ بل هُوَ إِعْرَاض
وَفِيه وَجه أَنه يَجْعَل تَمْلِيكًا لانه فَاتَ بِهِ حق الْخِيَار فليحصل فِي مُقَابلَته ملك وَهَذَا التَّفْصِيل يجْرِي فِي مَسْأَلَة النَّعْل وان لم نذكرهُ
ثمَّ الثَّانِي إِذا كَانَ فِي الأَرْض حِجَارَة خلقية تمنع عروق الْأَشْجَار من الإنبتات فَهَل يكون هَذَا عَيْبا مثبتا للخيار فِيهِ وَجْهَان
وَوجه الْمَنْع أَن الِانْتِفَاع بِالْبِنَاءِ مُمكن فان تعذر الْغِرَاس فَهَذَا فَوَات كَمَال الْمَقَاصِد فَلَا يعد عَيْبا مذموما منقصا
وَعِنْدِي أَن هَذَا يخْتَلف باخْتلَاف الْمَوَاضِع وَالْمَقْصُود فِي الاعتياد
اللَّفْظ الثَّانِي الباغ

وَفِي مَعْنَاهُ الْبُسْتَان وَالْكَرم ويندرج تحتهَا الْأَشْجَار والقضبان وَفِي اندراج الْعَريش الَّذِي تُوضَع عَلَيْهِ القضبان تَحت لفظ الْكَرم تردد للشَّيْخ أبي مُحَمَّد وَالأَصَح الاندراج للْعُرْف
وَلَو كَانَ فِي طرف الْبُسْتَان بِنَاء فَفِي اندراجه تَحت مُطلق الِاسْم خلاف كَمَا فِي اسْم الأَرْض

(3/173)


وَأما اسْم الْقرْيَة والدسكرة فيستتبع الْأَبْنِيَة وَالْأَشْجَار جَمِيعًا لَان الْعبارَة مَوْضُوعَة لَهَا وكل ذَلِك لَا يستتبع الزَّرْع الظَّاهِر وَلَا الْبذر وان كَانَ كامنا إِلَّا أصُول البقل كَمَا سبق

(3/174)


اللَّفْظ الثَّالِث الدَّار

وَلَا ينْدَرج تحتهَا المنقولات كالرفوف المنقولة والسلاليم والسرر وَالْحَاصِل من مَاء الْبِئْر مَنْقُول لَا ينْدَرج وَقيل إِنَّه ينْدَرج كالثمار الَّتِي لم تؤبر والنفط الْحَاصِل من الْمَعْدن لَا ينْدَرج
وَاسْتثنى صَاحب التَّلْخِيص عَن المنقولات مِفْتَاح بَاب الدَّار فَأَنَّهُ ينْدَرج تبعا للمغلاق ونوزع فِيهِ وَمَا ذكره أولى
واما الثوابت وَهُوَ مَا أثبت للدوام من تَتِمَّة الدَّار كالأبنية والأبواب والمغاليق وَمَا عَلَيْهَا من السلَاسِل والضبات فيندرج وَكَذَا المراقي الثَّابِتَة من الْآجر والرفوف المثبتة من نفس الْبناء وحمام الدَّار إِن كَانَ لَا يسْتَقلّ دون الدَّار اندرج وَإِن اسْتَقل فَهُوَ من الدَّار كالبناء من الْبُسْتَان
وترددوا فِي ثَلَاثَة أُمُور
أَحدهَا الاشجار وفيهَا ثَلَاثَة اوجه احدها انها لَا تندرج تَحت اسْم الدَّار فانها لَيست من اجزاء الدَّار وَالثَّانِي انها تندرج لِأَن الدَّار قد تشْتَمل على الاشجار وَالثَّالِث وَهُوَ الأعدل أَنه إِن كَانَ بِحَيْثُ يُمكن تَسْمِيَة الدَّار بستانا لم تندرج تَحت اسْم الدَّار وَإِلَّا ينْدَرج

(3/175)


الثَّانِي حجر الرحي وَفِيه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يتبع لانه مُثبت للبقاء وَالثَّانِي لَا لانه لَيْسَ من مرافق الدَّار وانما اثْبتْ لتيسر الِانْتِفَاع وَالثَّالِث أَن الاسفل ينْدَرج دون الاعلى وَلَا خلاف فِي اندراجها تَحت اسْم الطاحونة
وَالثَّالِث الإجانات المثبتة للصبغ تنزل منزلَة الْحجر الاسفل من الرَّحَى الا اذا بَاعَ باسم المدبغة أَو المصبغة
والسلاليم والرفوف المثبتة بالمسامير فِي معنى الاجانات
اللَّفْظ الرَّابِع اسْم العَبْد

فِي بيع العَبْد لَا يتَنَاوَل مَال العَبْد وان قُلْنَا انه يملك بالتمليك وَفِي ثِيَابه الَّتِي عَلَيْهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا لَا لقُصُور اللَّفْظ مَعَ أَن الثَّوْب لَيْسَ جُزْءا مِنْهُ وَالثَّانِي نعم لقَضَاء الْعرف بِهِ وَالثَّالِث أَنه يدْخل مَا يستر بِهِ الْعَوْرَة دون غَيره
وَلَعَلَّ العذار من الْفرس كساتر الْعَوْرَة من العَبْد لِأَن للْعُرْف فِيهِ حكما ظَاهرا

(3/176)


اللَّفْظ الْخَامِس الشّجر

وَهُوَ فِي جَانب الْعُلُوّ يتَنَاوَل الاغصان والاوراق وَكَذَا ورق الفرصاد الا على رَأْي بعض الاصحاب فِي تشبيهها بالثمار المؤبرة
وَفِي جَانب السّفل يتَنَاوَل الْعُرُوق وَيُوجب اسْتِحْقَاق الابقاء فِي ارْض البَائِع فيصبر المغرس مُسْتَحقّا للابقاء وَهل نقُول أَنه صَار ملكا فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا نعم لانه اسْتحق ابقاؤه فِيهَا على التأييد واللزوم فَلَا يُمكن أَن يَجْعَل إِعَارَة وَلَا إِجَارَة فَلَا بُد وَأَن يَجْعَل ملكا تَابعا
وَالثَّانِي وَهُوَ الاصح انه يملك إِذْ اللَّفْظ قَاصِر عَنهُ والمغرس أصل فَكيف يكون تبعا نعم اسْتحق الابقاء على الْعَادة كَمَا يسْتَحق إبْقَاء الثِّمَار على الاشجار على الْعَادة من غير ملك الاشجار وَمن غير تَقْدِير إِعَارَة وَإِجَارَة هَذَا إِذا لم يكن على الاشجار ثمار فان اثمرت وَكَانَت الثِّمَار غير مؤبرة دخل فِي العقد كَمَا يدْخل الْحمل من الْجَارِيَة فِي البيع بِلَفْظ الْجَارِيَة لاجتنانه بِجُزْء مِنْهَا
وان كَانَت مؤبرة بقيت على ملك البَائِع لقَوْل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بَاعَ نَخْلَة بعد أَن تؤبر فثمرتها للْبَائِع إِلَّا أَن يشترطها الْمُبْتَاع

(3/177)


وَأَبُو حنيفَة رَحمَه الله لما أنكر القَوْل بِالْمَفْهُومِ حكم بَان غير المؤبرة ايضا تبقى على ملك البَائِع فانه لَيْسَ جُزْءا من نفس الشَّجَرَة
وَالْمرَاد بالتأبير ان يتشقق الكمام حَتَّى تبدو عناقيد الثَّمر من الطّلع ومناط انْقِطَاع التّبعِيَّة ظُهُور الثِّمَار فيلتحق بِهِ الظُّهُور فِي كل مَا يظْهر فِي ابْتِدَاء الْوُجُود كالتين
وَكَذَلِكَ مَا يَبْدُو بالتشقق كالورد يتشقق كمامه وكالمشمش والخوخ إِذا تشققت أنوارها وتصلبت الحبات وَمَا دَامَت لَا تَنْعَقِد ثَمَرَة لصغرها تندرج تَحت البيع
والاصح ان القشرة الْعليا على الْجَوْز لَيْسَ ساترا وان كَانَ أكمة الفحول قبل التشقق تندرج تَحت البيع كالإناث
فان قيل كَيفَ يشْتَرط البدو فِي كل عنقود وَثَمَرَة للْحكم بِالْبَقَاءِ على ملك البَائِع
قُلْنَا لما عسر ذَلِك اقام الْفُقَهَاء وَقت التَّأْبِير حَتَّى إِذا تأبرت وَاحِدَة صَارَت وَغير المؤبر فِي الْبَقَاء مُتحد النَّوْع وداخلا تَحت صَفْقَة وَاحِدَة
وَلَو وجد اتِّحَاد النَّوْع وَلَكِن اقْتصر العقد على غير مؤبر أَو شملها العقد وَلَكِن اخْتلف النَّوْع فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا أَنه لَا اتِّبَاع لِأَن التَّفْصِيل لَا عشر فِيهِ مَعَ هَذَا الِاخْتِلَاف

(3/178)


وَالثَّانِي الِاتِّبَاع حسما للباب فان النَّوْع الْوَاحِد ايضا قد يتَفَاوَت ويهون تَفْصِيله فِي بعض الصُّور
وَشرط أَبُو عَليّ بن ابي هُرَيْرَة شرطا ثَالِثا وَهُوَ ان تكون الَّتِي لم تؤبر مطلعة حَتَّى تبقى تبعا للمؤبرة وَخَالفهُ كَافَّة الاصحاب وَهُوَ قريب من اخْتِلَاف النَّوْع وَبَين الفحول والاناث اخْتِلَاف النَّوْع
فان قيل فاذا بقيت على ملكه فَهَل يجب الْقطع فِي الْحَال تَفْرِيعا للاشجار وان لم يجب فَكيف يفْرض الْقيام بسقي الثِّمَار والاشجار
قُلْنَا الابقاء مُسْتَحقّ للْبَائِع الى اوان القطاف وَهَذَا مُوجب الْعرف لَا كتفريع الدَّار عَن الاقمشة فان ذَلِك مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْعرف ايضا فَلم يجز الابقاء بل هَذَا كالزرع وَقد ذكرنَا ان الابقاء مُسْتَحقّ فِيهِ ثمَّ من يحْتَاج الى السَّقْي فَلهُ ان يسْتَقلّ بِهِ إِذا لم يضر بالاخر وَلم يكن للاخر مَنعه
وَلَو كَانَ السَّقْي يضر بِوَاحِد وَتَركه يضر بالاخر وتنازعا فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا ان المُشْتَرِي اولى بالاجابة اذ الْتزم لَهُ البَائِع سَلامَة الاشجار
وَالثَّانِي البَائِع اولى فانه اسْتحق إبْقَاء الثِّمَار

(3/179)


وَالثَّالِث انهما يتساويان فان اصطلحا فَذَاك والا فقد تعذر إِمْضَاء العقد فينفسخ
فروع ثَلَاثَة

الاول اذا كَانَت الثِّمَار لَو سقيت لم ياضرر وَلَو تركت تضررت الاشجار بامتصاصها رطوبتها فعلى البَائِع السَّقْي اَوْ الْقطع فان لم يجد مَاء فَفِي تَكْلِيفه الْقطع وَجْهَان
الثَّانِي لَو كَانَ السَّقْي يضر بجانبه وَتَركه يمْنَع حُصُول زِيَادَة فِي الْجَانِب الآخر ففوت الزِّيَادَة هَل يلْحق بِالضَّرَرِ حَتَّى يتقابل الجانبان فِيهِ وَجْهَان
الثَّالِث لَو أَصَابَت الثِّمَار آفَة وَلم يكن فِي تبقيتها فَائِدَة فَهَل يجب الْآن تَفْرِيع الاشجار ذكر صَاحب التَّقْرِيب قَوْلَيْنِ
وَهَذِه التوجيهات بَيِّنَة وتعارض الِاحْتِمَالَات ظَاهر

(3/180)


اللَّفْظ السَّادِس أسامي الثِّمَار

وَمُطلق بيعهَا يَقْتَضِي اسْتِحْقَاق الابقاء الى اوان القطاف وان لم يُصَرح بِهِ لعُمُوم الْعرف اذ الْقَرِينَة الْعُرْفِيَّة كاللفظية وَلذَلِك نزل الْعرف فِي الْمنَازل والات الدَّابَّة فِي بَاب الاجارة منزلَة التَّصْرِيح
وَلَو جرى عرف بِقطع الْعِنَب حصرما لانه لَا تتناهى نهايته اَوْ جرى الْعرف بِالِانْتِفَاعِ بالمرهون من الْمُرْتَهن فقد منع الْقفال الْمَسْأَلَتَيْنِ وَقَالَ هُوَ كالتصريح وَخَالفهُ غَيره لَان المتبع هَا هُنَا هُوَ الْعرف الْعَام لَا عرف اقوام على الْخُصُوص
وَهَذَا يلْتَفت على مَا لَو اصْطلحَ العاقدان فِي النِّكَاح على ان يعبروا بالالفين عَن ألف تخييلا لِكَثْرَة الْمهْر ان اللَّازِم الالف أم الالفان لَان مثاره ان الِاصْطِلَاح الْخَاص هَل يلْتَحق بالاصطلاح الْعَام فِي اللُّغَات وَكَذَا فِي الْعرف
ثمَّ لَا بُد من التَّنْبِيه لثلاث شَرَائِط فِي بيع الثِّمَار الشَّرْط الاول انه لَا بُد من شَرط الْقطع إِن بيع قبل الصّلاح فان شَرط التبقية بَطل وان أطلق لَكَانَ كَشَرط التبقية خلافًا لأبي حنيفَة فِي

(3/181)


الْمَسْأَلَتَيْنِ
وَالْمُعْتَمد مَا رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهى عَن بيع الثِّمَار حَتَّى تزهي وَرُوِيَ حَتَّى أَن تنجو من العاهة
وَسَببه ان التَّسْلِيم لَا يتم الا بالقطاف والجوائح غالبة فِي الِابْتِدَاء فَلم تكن الْقُدْرَة على التَّسْلِيم موثوقا بهَا
وَمِنْهُم من علل تضرر الاشجار بِكَثْرَة امتصاص الثِّمَار رطوبتها فِي الِابْتِدَاء وَهُوَ فَاسد على مَا تبين فَسَاده فِي التَّفْرِيع

(3/182)


وَإِذا شَرط الْقطع صَحَّ وَلم تندرج تَحت النَّهْي لفقد الْعلَّة وَتَخْصِيص النَّهْي بِمَا يعْتَاد اما الْقطع قبل بَدو الصّلاح فَغير مُعْتَاد وَكَذَلِكَ لَو اشْترى الْبِطِّيخ قبل بَدو الصّلاح لَا بُد من شَرط الْقطع وان اشْترى مَعَ اصوله اذ لَا ثبات لأصوله وَهُوَ مَعَ الْأُصُول متعرض للآفات وَلَو بَاعَ الثِّمَار مَعَ الْأَشْجَار لم يشْتَرط الْقطع لفقد الْعلَّة إِذْ تمّ التَّسْلِيم بِتَسْلِيم الاشجار وامن من العاهة فوازنه ان يَبِيع الْبِطِّيخ مَعَ الارض
والاصح ان الثِّمَار لَو كَانَت لغير من لَهُ الاشجار فاشتراها صَاحب الاشجار لَا يشرط الْقطع لفقد الْعلَّة وَحُصُول تَمام التَّسْلِيم وَفِيه وَجه للنَّظَر الى عُمُوم النَّهْي وَهُوَ بعيد إِذا لَو شَرطه لم يجب عَلَيْهِ ان يقطع ثمار نَفسه عَن اشجار نَفسه
وَكَذَلِكَ لَو بَاعَ الاشجار وَبقيت الثِّمَار على ملكه فَلَا يشْتَرط الْقطع وان انقسم الْملك لَان الْمَبِيع هُوَ الشّجر وَهُوَ آمن من العاهة وَالثَّمَر مَمْلُوك بِحكم الدَّوَام فَلَا يَنْقَطِع بالتعرض للعاهة
نعم لَو كَانَت الثِّمَار بِحَيْثُ تندرج لَو أطلق العقد فاستثناها فالبقاء على هَذَا

(3/183)


الْوَجْه مُلْحق بختلاف الْمُبْتَدَأ أَو بالاستدامة فِيهِ اخْتِلَاف للاصحاب
ثمَّ اتّفق الاصحاب على ان بَدو الصّلاح كَاف فِي الْبَعْض لسُقُوط هَذَا الشَّرْط إِقَامَة لوقت الصَّلَاة مقَام نَفسه دفعا للمعسر كَمَا فِي التَّأْبِير
هَذَا بِشَرْط اتِّحَاد الْبُسْتَان وشمول الصَّفْقَة واتحاد الْملك فان اخْتلف الْبُسْتَان اَوْ الْملك اَوْ تعدّدت الصَّفْقَة فَفِي كل ذَلِك وَجْهَان بعد الِاتِّفَاق على اشْتِرَاطه اتِّحَاد الْجِنْس واما النَّوْع فَهُوَ كَمَا سبق فِي التَّأْبِير فمسل الْعِرَاقِيّين الى مُرَاعَاة اتِّحَاد الْبُسْتَان وَلم يتَعَرَّض الاصحاب للبستان فِي التَّأْبِير نعم ثمَّ المُرَاد ببدو الصّلاح فِي الثِّمَار بَان يطيب أكلهَا وَذَلِكَ فِي الْبِطِّيخ لظُهُور مبادئ الْحَلَاوَة وَفِي الْعِنَب الابيض بالتموه وَفِي غَيره بالتلون وَفِي الزَّرْع بِزَوَال الخضرة
واما البقل فان بيع مَعَ الاصول فَلَا يشْتَرط الْقطع فانه لَا يتَعَرَّض لعاهة وان بيع دون الاصول نزل على الْقطع فانه يحذر من التَّأْخِير النمو واختلاط مَا دخل تَحت العقد بِمَا لم يدْخل الشَّرْط الثَّانِي ان تكون الثِّمَار قد انكشفت من أكمتها على قَول بطلَان بيع الْغَائِب إِلَّا مَا فِي إبقائه فِيهِ صَلَاح كالرمان

(3/184)


وَاخْتلفُوا فِي الباقلاء والجوز ان ابقاءها فِي القشرة الْعليا هَل فِيهِ صَلَاح وَالظَّاهِر فِي الباقلاء انه صَلَاح وَقد صَحَّ ان الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَمر بِأَن يشترى لَهُ الباقلاء الرطب
واما الْحِنْطَة فِي سنبلها والارز فِي القشرة فَفِيهِ ثَلَاث أوجه
أَحدهَا أَن فِيهَا صلاحا وَالثَّانِي أَنه لَا صَلَاح وَالثَّالِث أَن صَلَاح الْأرز فِيهِ دون صَلَاح الْحِنْطَة

(3/185)


واما الشّعير فَهُوَ بادئ الْحبّ من السنابل فَيجوز بَيْعه
وَقد ذكرنَا احكام بيع الْغَائِب وَالَّذِي نزيده قطع بعض الاصحاب بِبُطْلَان بيع الذَّهَب فِي تُرَاب الْمَعْدن وَلَا يَسْتَقِيم ذَلِك الا بالتفريع على ابطال بيع الْغَائِب اذ لَو بَاعه فِي الْكمّ لجَاز فَمَا الْفرق بَينه وَبَين التُّرَاب وَلَو بيع اللَّحْم فِي الْجلد قبل السلخ مَعَ الْجلد فَهُوَ خَارج على بيع الْغَائِب وَقد نقلنا فِي بَابه عَن الشَّيْخ أبي على الْقطع بِالْبُطْلَانِ أَيْضا والاظهر مَا نَقَلْنَاهُ الان
الشَّرْط الثَّالِث ان يحذر بيع الرِّبَا فَلَا تبَاع الثِّمَار بجنسها فان بَاعَ الْحِنْطَة فِي سنبلها بِالْحِنْطَةِ فَهِيَ المحاقلة وَقد نهى عَلَيْهِ السَّلَام عَنْهَا وَهِي مُشْتَقَّة من

(3/186)


الحقل وَهِي ساحة يزرع فِيهَا سمي الزَّرْع بهَا للاتصال
وَلَو بَاعَ الرطب بالتمرة فَهُوَ بَاطِل وَهِي الْمُزَابَنَة الْمنْهِي عَنْهَا وَهُوَ مُشْتَقّ من الزَّبْن وَهُوَ الدّفع لَان هَذِه الْمُعَامَلَة فِي الْغَالِب تُفْضِي الى المدافع والمنازعة
وَقد اسْتثْنِي عَنْهَا الْعَرَايَا وَهِي بيع الرطب خرصا بِمثل مَا يرجع اليه الرطب عِنْد التتمر من التَّمْر فِيمَا دون خَمْسَة أوسق لما روى زيد بن ثَابت أَن محاويج الانصار جَاءُوا الى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالُوا إِن الرطب ليَأْتِينَا وَفِي أَيْدِينَا فضول من

(3/187)


قوت فأرخص لَهُم فِي الْعَرَايَا فِيمَا دون خَمْسَة أوسق اَوْ فِي خَمْسَة أوسق وَالشَّكّ من الرَّاوِي وَوجه الْخُرُوج عَن قِيَاس الرِّبَا إِقَامَة الْخرص مقَام الْكَيْل
وَقد وَردت الرُّخْصَة مُقَيّدَة بأَرْبعَة قيود يتَطَرَّق النّظر الى كلهَا
الاول التَّقْدِير فَلَا زِيَادَة على خَمْسَة أوسق وَفِي خَمْسَة أوسق قَولَانِ لتردد الراوية مِنْهُم من يرجح جَانب الْمَنْع الا بِيَقِين وَمِنْهُم يرجح جَانب الْجَوَاز وَتَقْدِير الْخرص أصلا إِلَّا فِي مَحل تَيَقنا فِيهِ الْمَنْع
وَقد يتخيل ان الْغَالِب تَقْدِير خَمْسَة أوسق للْجُوَاز فِيهِ لَا لربط الْجَوَاز بِقدر دونه وعَلى هَذَا لَو اشْترى فِي صفقات ألف وسق فَلَا حجر وانما الْحجر فِي صَفْقَة وَاحِدَة
وَلَو اشْترى رجلَانِ من وَاحِد تِسْعَة أوسق من الرطب جَازَ قطعا إِذْ لم يدْخل فِي ملك أَحدهمَا إِلَّا مَا دون الْقدر وَإِن اشْترى رجل من رجلَيْنِ فَوَجْهَانِ

(3/188)


وَوجه الْفرق مشير الى الِالْتِفَات على جَانب من يدْخل الرطب فِي ملكه لَان الرطب خرج التَّقْدِير فِيهِ بالخرص عَن الْقيَاس
وَلم يبن الاصحاب ذَلِك على تعدد حكم الصَّفْقَة بِتَعَدُّد البَائِع وَالْمُشْتَرِي لما نبهنا عَلَيْهِ من قبل مَعَ أَن الرِّبَا يتَعَلَّق بِجَانِب التَّمْر وَالرّطب جَمِيعًا
الثَّانِي ان الْعِنَب فِي معنى الرطب وَسَائِر الثِّمَار تبنى على جَرَيَان الْخرص فِيهَا وَفِيه قَولَانِ مذكوران فِي الزَّكَاة
الثَّالِث أَنه ورد فِي بيع الرطب بِالتَّمْرِ فَلَو بَاعَ الرطب بالرطب فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا الْمَنْع اتبَاعا للقيد والتفاتا الى الْغَرَض التفكه وَالْحَاجة اليه
وَالثَّانِي الْجَوَاز إِذْ قد يخْتَلف الْغَرَض باخْتلَاف الرطب
وَالثَّالِث إِن كَانَ أَحدهمَا مَوْضُوعا على الارض جَازَ ليستبقي الْبَاقِي للتفكه والرطوبة وَإِن كَانَ

(3/189)


على الشّجر فَلَا
الرَّابِع أَنه ورد فِي المحاويج فَمن يرى الْخرص أصلا يلْحق الْأَغْنِيَاء بِهِ وَمن

(3/190)


لَا يرَاهُ أصلا تردد وَلِأَن الرُّخص لَا تقصر بعد مهدها على أَرْبَابهَا
والآن فَبعد معرفَة شَرَائِط صِحَة البيع فَلَا بُد من معرفَة أَحْكَام الطوارئ على الثِّمَار قبل القطاف من الاجتياح والاختلاط أما الِاخْتِلَاط فبالتلاحق وَذَلِكَ إِن كَانَ مِمَّا يغلب فَالْبيع بَاطِل وان كَانَ بعد بَدو الصّلاح لَان ذَلِك يعسر بِهِ التَّسْلِيم أَيْضا كوقوع الجوائح
وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجها أَنه مَوْقُوف لَان هَذَا الْعسر يُمكن دَفعه بِهِبَة البَائِع ثماره فان لم يهب حكمنَا بِالْبُطْلَانِ أما إِذا كَانَ التلاحق نَادرا حكم فِي الْحَال بِالصِّحَّةِ فان اتّفق التلاحق قبل تَسْلِيم الْأَشْجَار فَفِي الِانْفِسَاخ قَولَانِ
أَحدهمَا يَنْفَسِخ لوُقُوع الْيَأْس عَن التَّسْلِيم فَهُوَ كَمَا لَو وَقعت درة فِي لجة بَحر قبل التَّسْلِيم
وَالثَّانِي لَا لَان دفع هَذَا الْعسر بِهِبَة الثِّمَار الجديدة مَقْدُور للْبَائِع وعَلى هَذَا فَلهُ الْخِيَار أَن لم يهب وان وهب بَطل خِيَاره كَمَا ذكرنَا فِي هبة الاحجار فِي الارض والنعل فِي الدَّابَّة وَحكم التَّمْلِيك والاعراض على مَا سبق
وَذكر صَاحب التَّقْرِيب قولا آخر أَنه لَا خِيَار لَهُ وَلَا انْفِسَاخ

(3/191)


ولكنهما ملكان اختلطا فَصَارَ كصبرة حِنْطَة
الثَّالِث على حِنْطَة الْغَيْر وَهُوَ بعيد لانه أورث عسر التَّسْلِيم فِي مَبِيع هَا هُنَا فَلَو فرض ذَلِك فِي حِنْطَة مبيعة اطرد الْخلاف وَهَذَا اذا كَانَ قبل الْقَبْض فان تلاحق بعد الْقَبْض فَهُوَ مَبْنِيّ على ان الجوائح من ضَمَان من فان قُلْنَا من ضَمَان البَائِع كَانَ كَمَا قبل الْقَبْض والا فيتفاضلان بِالْخُصُومَةِ اَوْ الاصلاح وَكَذَلِكَ إِذا بَاعَ الاشجار وَبقيت لَهُ الثِّمَار فتلاحقت فَلَا فسخ فان الثِّمَار الجديدة لَيست مَبِيع وَلَا مختلطا بِالْمَبِيعِ والمزني نقل تردد الْقَوْلَيْنِ فِي هَذِه الصُّورَة وَاتفقَ الْمُحَقِّقُونَ على تخطئته وَمِنْهُم من صَوبه وَجعل الثِّمَار الْمَمْلُوكَة ملك الشّجر الْمَبِيع كَالْمَبِيعِ وَهُوَ ضَعِيف فان قيل وَكَيف نفصل الْخُصُومَة قُلْنَا يَدعِي أَحدهمَا مِقْدَارًا وينكره الاخر فَفِي قدر الانكار القَوْل قَول صَاحب الْيَد وَهَذَا فِي الْحِنْطَة
واما فِي الثِّمَار على الشّجر فان قُلْنَا انه من ضَمَان البَائِع فَهُوَ فِي يَده وان قُلْنَا من ضَمَان المُشْتَرِي فَهُوَ فِي يَده وَقيل إِنَّه فِي يدهما لَان بَائِع الثِّمَار لَهُ مداخلة بِوُجُوب السَّقْي عَلَيْهِ وَالْمُشْتَرِي صَاحب الْيَد حسا
الْعَارِض الثَّانِي الاجتياح

فان وَقع قبل تَسْلِيم الثِّمَار بِتَسْلِيم الاشجار فَهُوَ فِي ضَمَان البَائِع وان كَانَ

(3/192)


بعد التَّسْلِيم فالمنصوص جَدِيدا أَنه من ضَمَان المُشْتَرِي لانه تسلط على التَّصَرُّف بِإِثْبَات الْيَد
وَالْقَوْل الْقَدِيم أَنه من ضَمَان البَائِع إِذْ لَا خلاف أَن السَّقْي وَاجِب على البَائِع لتنمية الثِّمَار وتربيتها فَكَأَنَّهُ فِي عُهْدَة التَّسْلِيم الى القطاف
وَقد نقل فِي بعض الرِّوَايَات والامر بِوَضْع الجوائح وَلَكِن قَالَ الرَّاوِي كَانَ قبله كَلَام فَنسيته
فَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْجَدِيد لَعَلَّه كَانَ قبله مَا يدل على اسْتِحْبَاب الْوَضع
وَاخْتلفُوا فِي أَن القَوْل الْقَدِيم هَل يجْرِي فِي الْفَوات بِآفَة السّرقَة وَمَا لَيْسَ من الجوائح السماوية
وعَلى الصَّحِيح الْجَدِيد لَو فَسدتْ الثِّمَار بترك السَّقْي وتعيبت فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَار قطعا لَان السَّقْي وَاجِب بِحكم العقد واقتضاء الْعرف وَلَو فَاتَ الْكل بترك السَّقْي فَفِي الِانْفِسَاخ طَرِيقَانِ كَمَا فِي موت العَبْد الْمَرِيض بِمَرَض قبل الْقَبْض لِأَن

(3/193)


الثِّمَار لضعف البنية قبل الْقَبْض متعرضة للْفَسَاد بعده إِن لم تعالج بالسقي
فَإِن قُلْنَا لَا يَنْفَسِخ فَلهُ الْخِيَار فَإِن فسخ فَذَاك وَإِن أجَاز فَيُطَالب بِالْمثلِ أَو بِالْقيمَةِ لَان الاتلاف من جِهَته
وان كَانَ قد تعيب فَفِي الْمُطَالبَة بالارش وَجْهَان نبهنا على نظيرهما فِي الِاسْتِئْجَار

(3/194)


الْقسم الْخَامِس من كتاب البيع وَفِيه بَابَانِ
الْبَاب الأول فِي مداينة العبيد الْبَاب الثَّانِي فِي الِاخْتِلَاف الْمُوجب للتحالف

(3/195)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي مداينة العبيد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَالنَّظَر فِيهِ فِي الْمَأْذُون وَغير الْمَأْذُون أما الْمَأْذُون فالنظر فِيهِ ثَلَاثَة أُمُور
الأول فِيمَا يجوز من التَّصَرُّفَات وَلَيْسَ للْعَبد الْمَأْذُون فِي التِّجَارَة أَن يُؤَاجر نَفسه وَلَا ان يَأْذَن عبدا من عبيده فِي التِّجَارَة وان كَانَ يُوكل فِي احاد التَّصَرُّفَات وَلَا ان يتَّخذ دَعْوَة للمجهزين وَلَا ان يُعَامل سَيّده بِالْبيعِ وَالشِّرَاء وَلَا ان يتَصَرَّف فِيمَا يكتسبه بالاحتطاب والاحتشاش وَلَا ان يتَعَدَّى جِنْسا من التَّصَرُّف الَّذِي عين لَهُ وَلَا يَشْتَرِي من يعْتق على سَيّده لِأَن العَبْد متصرف للسَّيِّد بتفويضه فَيقْتَصر على مُوجب الْإِذْن وَالْإِذْن بمطلقه لَا يدل على جَمِيع ذَلِك
وَلما رأى أَبُو حنيفَة رَحمَه الله أَن العَبْد متصرف لنَفسِهِ وَاسْتدلَّ على ذَلِك بتعلق الْعهْدَة بِهِ خَالَفنَا فِي جَمِيع الْمسَائِل
وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي إِجَارَة عبيده ودوابه من حَيْثُ إِن ذَلِك مِمَّا قد يعتاده

(3/196)


التُّجَّار أَحْيَانًا بِخِلَاف إِجَارَة نَفسه
وَكَذَلِكَ لَو أبق الْمَأْذُون لم يَنْعَزِل وَلَو رأى السَّيِّد عَبده يتَصَرَّف فَسكت لم يكن سُكُوته إِذْنا فِي التَّصَرُّفَات وَإِذا ركبته الدُّيُون لم يزل ملك السَّيِّد عَمَّا فِي يَده وَلَو أقرّ فِي الْمُعَامَلَة بدين لِأَبِيهِ وَابْنه قبل وَلَو أذن لعَبْدِهِ فِي أَن يَأْذَن لعَبْدِهِ فِي التِّجَارَة فَفعل جَازَ وفَاقا
وَلَو حجر على الأول اسْتمرّ على الثَّانِي وَلَو حجر على الثَّانِي جَازَ
وَخَالف أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فِي الْكل وَشرط فِي الْحجر على العَبْد الثَّانِي أَعنِي مَأْذُون الْمَأْذُون أَن يَأْخُذ مَا فِي يَده لينفذ عَزله
فَإِن قيل وَبِمَ يعلم المعامل كَونه العَبْد مَأْذُونا
قُلْنَا بِسَمَاع إِذن السَّيِّد أَو بِبَيِّنَة عادلة
وَفِي جَوَاز اعْتِمَاد الشُّيُوع وَجْهَان وَلَا يكْتَفى بِمُجَرَّد قَول العَبْد خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله

(3/197)


فَإِنَّهُ رَآهُ عاقدا لنَفسِهِ فَاكْتفى بقوله وَمن عرف كَونه مَأْذُونا وَأقر بِهِ فَلهُ أَن يمْتَنع عَن تَسْلِيم عوض مَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ إِلَيْهِ احْتِرَازًا من إِنْكَار السَّيِّد الى ان تقوم بَيِّنَة على كَونه مَأْذُونا
وَكَذَلِكَ الْمقر بِالْوكَالَةِ فِي اسْتِيفَاء الْحق لَهُ الِامْتِنَاع عَن التَّسْلِيم الى اقامة الْبَيِّنَة وَلَو قَالَ العَبْد حجر عَليّ السَّيِّد وَقَالَ السَّيِّد لم أحجر فَالصَّحِيح أَنه لَا تجوز مُعَامَلَته فَإِنَّهُ يُبَاشر صُورَة العقد وَفِيه وَجه أَنه يجوز نظرا إِلَى جَانب السَّيِّد وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة

(3/198)


النّظر الثَّانِي فِي لُزُوم الْعهْدَة

وَمَا لزم العَبْد من أَثمَان وَمَا اشْتَرَاهُ اقر بِهِ فَهُوَ مطَالب بِهِ قطعا
وَفِيه وَجه لَا يعْتد بِهِ أَنه لَا يُطَالب
أما السَّيِّد فَفِي مُطَالبَته وتعلقه بِذِمَّتِهِ ثَلَاثَة اوجه
الْأَظْهر انه يُطَالب لانه وَقع العقد لَهُ وَالْعَبْد طُولِبَ لانه مبَاشر للْعقد
وَالثَّانِي لَا لانه قصر أطماع المعاملين على مَا سلمه إِلَى العَبْد الْمَأْذُون وَمثل هَذَا الْخلاف جَار فِي رب المَال مَعَ الْعَامِل فِي الْقَرَاض وَمِنْهُم من طرده فِي الْوَكِيل إِذا سلم إِلَيْهِ ألف معِين
وَالثَّالِث انه لَا يُطَالب أَن كَانَ مَا فِي يَد العَبْد وَفِي بِهِ وَإِلَّا فَيُطَالب
فَإِن قيل قطعْتُمْ بمطالبة العَبْد وَهَذَا يدل على أَن العقد وَاقع لَهُ
قُلْنَا قد اخْتلف أَصْحَابنَا فِي الْوَكِيل إِذا اشْترى لَا بِصِيغَة السفارة فِي انه هَل يُطَالب مَعَ الْقطع بِأَنَّهُ وَكيل

(3/199)


وَوجه الْفرق أَن العَبْد وان كَانَ وَكيلا فَهُوَ مَأْمُور وَأمر السَّيِّد نَافِذ عَلَيْهِ وَله أَن يعرضه لمطالبات لَا يتَضَرَّر بهَا وَلَيْسَ لَهُ أَن يعرض الْوَكِيل للمطالبة وَلما وَجب عَلَيْهِ أَدَاء الدّين مِمَّا فِي يَده بِحكم الْأَمر كَانَت الْمُطَالبَة من ضَرُورَته ثمَّ اسْتَقل حَتَّى طُولِبَ بِهِ بعد الْعتْق
وَفِي رُجُوعه بِمَا يغرم وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنه فِي حَالَة الرّقّ قد علقه السَّيِّد بإكسابه حَتَّى كَانَ يلْزمه الِاكْتِسَاب لقَضَاء الدّين فَبَقيَ ذَلِك كالمستثنى عَن الْعتْق وَهُوَ مثل الْخلاف فِي انه لَو أجره ثمَّ أعْتقهُ فَعمل بعد الْعتْق هَل يرجع بِالْأُجْرَةِ
فرع

إِذا سلم إِلَى العَبْد ألف ليتجر فِيهِ فَاشْترى بِعَيْنِه شَيْئا فَتلف قبل التَّسْلِيم انْفَسَخ العقد
وان اشْترى فِي الذِّمَّة فَفِي الِانْفِسَاخ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه يَنْفَسِخ لَان الْإِذْن مَحْصُور فِيهِ وَقد فَاتَ وَهُوَ اخْتِيَار الْقفال
وَالثَّانِي لَا يَنْفَسِخ وَيجب على السَّيِّد ألف آخر خُرُوجًا من عُهْدَة مَا جرى بِإِذْنِهِ

(3/200)


وَالثَّالِث أَن السَّيِّد يتَخَيَّر بَين الْفَسْخ وَبَين تَسْلِيم ألف آخر إِلَيْهِ وَهُوَ اخْتِيَار الشَّيْخ أبي مُحَمَّد وَهُوَ قريب
وَمثل هَذَا الْخلاف جَار فِيمَا إِذا سلم إِلَى عَامل الْقَرَاض فَتلف
التَّفْرِيع

إِذا قُلْنَا لَا يَنْفَسِخ فَادى إِلَيْهِ السَّيِّد الْألف فَلَو ارْتَفع العقد بِسَبَب وَعَاد الْألف إِلَى العَبْد فَهَل يتَصَرَّف فِيهِ أم يفْتَقر إِلَى إِذن جَدِيد فِيهِ وَجْهَان فَمنهمْ من قَالَ هُوَ جبر للْأولِ فَنزل منزلَة الْألف الأول فيتصرف فِيهِ وَمِنْهُم من قَالَ لم يجر فِيهِ صَرِيح إِذن
وَمثل هَذَا الْخلاف جَار فِي الْقَرَاض فِي أَن رَأس المَال مَجْمُوع الْأَلفَيْنِ أَو هُوَ ألف وَاحِد

(3/201)


النّظر الثَّالِث فِي المَال الَّذِي تقضى مِنْهُ دُيُون التِّجَارَة

وَلَا يتَعَلَّق عندنَا بِرَقَبَتِهِ خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَلَكِن إِذا ركبته الدُّيُون تتَعَلَّق ببضاعته دُيُون الأربح وَرَأس المَال وَلَا يتَعَلَّق بِسَائِر أَمْوَال السَّيِّد وَفِي تعلقه بإكساب العَبْد من الاحتطاب والاحتشاش أَو مَا يسلم إِلَيْهِ من مَال آخر بعد الْمُعَامَلَة للاتجار وَجْهَان
أَحدهمَا انه يتَعَلَّق بِهِ بِخِلَاف لَوَازِم النِّكَاح لَان الْمَأْذُون فِي النِّكَاح مَأْذُون فِي الْأَدَاء وَلَا مَحل للْأَدَاء سوى إكسابه وَأما هَا هُنَا فَالْمَال هُوَ المرصد لَهُ فالإذن لَا يدل على التَّعَلُّق إِلَّا بِهِ وَلذَلِك لم يعلقه بِرَقَبَتِهِ
وَالثَّانِي انه يتَعَلَّق بِهِ ويستكسب فِيهِ أَن لم يبْق شَيْء من المَال لَان السَّيِّد نزله منزلَة الْأَحْرَار المستقلين فيطمع فِيهِ كَمَا يطْمع فِي الْأَحْرَار فليتعلق بِكَسْبِهِ
وعَلى هَذَا الْخلاف يَنْبَغِي أَن يبْنى رُجُوع العَبْد بِمَا يغرمه بعد الْعتْق على السَّيِّد لانه أَن لم يتَعَلَّق بِكَسْبِهِ فِي الْحَال فَلَا وَجه لقطع رُجُوعه
فرع
لَو بَاعَ قبل قَضَاء الدُّيُون وَقُلْنَا لَا يتَعَلَّق بِكَسْبِهِ فَلَا خِيَار للْمُشْتَرِي إِذْ لَا ضَرَر عَلَيْهِ من تعلقه بِذِمَّتِهِ
وان قُلْنَا يتَعَلَّق بِكَسْبِهِ فَلهُ الْخِيَار لانه تبقى إكسابه مُسْتَحقَّة كَمَا فِي العَبْد الناكح إِذا بيع

(3/202)


الْقسم الثَّانِي من الْبَاب فِي غير الْمَأْذُون

وكل مَا يجر ضَرَرا على الْمَالِك لَا يملكهُ قطعا كَالنِّكَاحِ والمأذون فِي التِّجَارَة ايضا لَا يملكهُ لانه لَيْسَ من التِّجَارَة
وان كَانَ يُمكن أَن يُقَال ينْعَقد للسَّيِّد الِاعْتِرَاض وَلَكِن قطعُوا بِأَنَّهُ لَا ينْعَقد إِذْ يَسْتَحِيل أَن يخْتَلف الْحل عَن النِّكَاح وَفِي التَّحْلِيل تسليط وإضرار ناجز وَفِي هِبته وقبوله الْوَصِيَّة وَجْهَان وَالْقِيَاس هُوَ الْجَوَاز وَوجه الْمَنْع انه جلب ملك إِلَى السَّيِّد فِي جِهَة مَقْصُودَة قَابِلَة للرَّدّ بِغَيْر إِذْنه احْتِرَازًا عَن الاحتطاب والاصطياد فانه فعل لَا يقبل الرَّد وَعَن عوض خلعه زَوجته فانه غير مَقْصُود
وَفِي ضَمَانه وَجْهَان وَوجه الْمَنْع انه الْتِزَام مِمَّن لَا يتَصَوَّر مِنْهُ فِي الْحَال التشاغل بِهِ لمنع ناجز بِخِلَاف الْمُفلس
وَفِي شِرَائِهِ طَرِيقَانِ نزله الْعِرَاقِيُّونَ منزلَة شِرَاء الْمُفلس فَإِنَّهُ مَحْجُور عَلَيْهِ لحق السَّيِّد كَمَا أَن الْمُفلس مَحْجُور عَلَيْهِ لحق الْغُرَمَاء وَهَذَا تَفْرِيع على صِحَة هِبته
وَقطع صَاحب التَّقْرِيب وَالشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بِالْبُطْلَانِ لَان السَّيِّد اخذ الْمَبِيع مِنْهُ فَيفوت الثّمن بِالْكُلِّيَّةِ فَهُوَ عجز مُحَقّق بِخِلَاف الْمُفلس فان حق البَائِع يتَعَلَّق بِعَين الْمَبِيع وَلَا يتَعَلَّق حق من سبق الْغُرَمَاء بِمَا تجدّد ثمَّ على الصَّحِيح اخْتلفُوا فِي

(3/203)


انه لَو أَخذه السَّيِّد مِنْهُ فَيجْعَل ذَلِك كزوال ملك الْمُفلس حَتَّى يمْنَع البَائِع من التَّعَلُّق بِهِ أم يُقَال كَانَ الْملك مستمرا فَيتَعَلَّق بِهِ حق البَائِع
فان قيل الْملك وَاقع للْعَبد أم للسَّيِّد
قُلْنَا هُوَ وَاقع للسَّيِّد ابْتِدَاء فان فِي ملك العَبْد بِتَمْلِيك السَّيِّد قَوْلَيْنِ وَلَا خلاف فِي انه لَا يملك بِتَمْلِيك غير السَّيِّد
وَالْقَوْل الْقَدِيم انه يملك بِتَمْلِيك السَّيِّد لانه يتَصَوَّر لَهُ ملك النِّكَاح بِإِذن السَّيِّد فَكَذَا ملك الْيَمين
والجديد الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى انه لَا يملك لتناقض فَوَائده إِذْ لَا خلاف انه لَا يملك من غير جِهَة السَّيِّد حَتَّى قَالُوا لَو احتطب أَو أتهب على هَذَا القَوْل أَيْضا فانه لَا يملكهُ وَلَا يملك البيع وَالْعِتْق وَإِزَالَة الْملك فِيمَا ملكه وفَاقا وَللسَّيِّد أَن يزِيل ملكه وَيرجع فِيهِ بل يكون بِبيع ملكه وإعتاقه وهبته رَاجعا
وَهَذِه أُمُور مُتَّفق عَلَيْهَا لَو لم يقل بهَا كَانَ غضا من كَمَال مالكية السَّيِّد وَلَو قيل بِهِ لم يبْق لملك العَبْد حَقِيقَة بِخِلَاف ملك النِّكَاح فان مَقْصُوده الْخَاص مُتَصَوّر فِي حَقه من غير تنَاقض وَلَا معنى للتفريع على القَوْل الْقَدِيم وَلَا فَتْوَى عَلَيْهِ

(3/204)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الِاخْتِلَاف الْمُوجب للتحالف وَفِيه فُصُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الأول فِي وُجُوه الِاخْتِلَاف

وَالْأَصْل فِي الْبَاقِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام إِذا اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ تحَالفا وترادا وَصورته أَن يَقُول البَائِع بِعْت بِأَلف فَيَقُول المُشْتَرِي اشْتريت بِخَمْسِمِائَة فَقِيَاس الْخُصُومَات تَحْلِيف المُشْتَرِي لَان الْملك مُسلم لَهُ وَقد ادّعى عَلَيْهِ زِيَادَة وَهُوَ ينكرها
وَلَكِن لما كثر الِاخْتِلَاف فِي الْعُقُود ومبنى الْمُعَاوَضَات على تَسَاوِي المتعارضين كَانَ تَخْصِيص أَحدهمَا بالتصديق إِضْرَارًا بِالْآخرِ فَلَمَّا عقلنا هَذَا الْمَعْنى حكمنَا بالتحالف وان كَانَت السّلْعَة هالكة خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وحكمنا

(3/205)


بإجرائه مَعَ وَارِث الْعَاقِد وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يجْرِي مَعَه قبل الْقَبْض وَلَا يجْرِي بعد قبل الْمَبِيع وَكَذَلِكَ حكمنَا بِهِ فِي الِاخْتِلَاف فِي جنس الْمَبِيع وَصفته وَفِي سَائِر الشَّرَائِط من الْأَجَل وَالْخيَار وَالْكَفِيل وَالرَّهْن وكل شَرط يقبله العقد
وَالضَّابِط فِيهِ أَن يتَّفقَا على بيع ومبيع معينا وَيَقَع الِاخْتِلَاف فِيمَا وَرَاءه مِمَّا يَقع وَصفا للْبيع الْمُتَّفق عَلَيْهِ كَمَا إِذا قَالَ بِعْتُك هَذِه الدَّار بِهَذَا الثَّوْب أَو بِأَلف دِرْهَم فَقَالَ لَا بل بِهَذَا العَبْد أَو بِمِائَة دِينَار أَو مَا يجْرِي مجْرَاه
وَلَو لم يتَّفقَا على العقد بَان قَالَ بِعْتُك بِأَلف فَقَالَ بل وهبتنيه لم يكن من صُورَة التَّحَالُف بل نفصل الْخُصُومَة بطريقها وَكَذَلِكَ لَو تنَازعا فِي شَرط مُفسد لِأَنَّهُمَا لم يتَّفقَا على عقد صَحِيح بل يَدعِي أَحدهمَا العقد وَالْآخر يُنكره
فَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب القَوْل قَول من يَدعِي الشَّرْط الْفَاسِد لانه مُنكر للْعقد وَقَالَ غَيره بل القَوْل قَول الآخر لانه وَافق على جَرَيَان العقد بصورته وَيَدعِي مُفْسِدا لَهُ
وَلَو اتفقَا على قدر فِي الثّمن وَاخْتلفَا فِي الْمَبِيع بَان قَالَ بِعْتُك هَذَا الثَّوْب بِأَلف فَقَالَ الآخر بل بعتني العَبْد بِأَلف فَفِي التَّحَالُف وَجْهَان

(3/206)


مِنْهُم من جعل الِاتِّفَاق على الْألف كالاتفاق على الْمَبِيع
وَمِنْهُم من قَالَ لَيْسَ الْألف معينا ليتحد موردا للْعقد بل هِيَ فِي الذِّمَّة فَكل وَاحِد يَدعِي عقدا آخر يتماثل فِيهِ الثّمن وَلَا يتحد وَهَذَا يلْتَفت على أَن من اقر لإِنْسَان بِأَلف من جِهَة قرض فَأنْكر الْمقر لَهُ الْجِهَة وَقَالَ بل هُوَ من جِهَة إِتْلَاف فَهَل لَهُ أَن يُطَالِبهُ بِهِ
وَلما عقل الْمَعْنى أَيْضا طردنا التَّحَالُف فِي كل مُعَاوضَة كالصلح عَن دم الْعمد وَالْخلْع وَالْإِجَارَة وَالْمُسَاقَاة وَالْكِتَابَة وَالصَّدَاق والقراض والجهالة وكل مَا فِيهِ معنى الْمُقَابلَة
ثمَّ مَا لَا يقبل الْفَسْخ بِسَبَب الْعِوَض يقْتَصر اثر التَّحَالُف فِيهِ على الْعِوَض كالصلح عَن دم الْعمد وَالْخلْع وَالنِّكَاح فَيسْقط مَا فِيهِ النزاع وَيرجع إِلَى قيمَة الْمثل
فان قيل وَأي فَائِدَة للتحالف فِي الْقَرَاض والجهالة وكل وَاحِد قَادر على الْفَسْخ دون التَّحَالُف وَقد قطع القَاضِي حُسَيْن بِأَنَّهُ لَا تحالف فِي البيع فِي مُدَّة الْخِيَار وَقُلْنَا الْوَجْه منع ذَلِك فِي الْجعَالَة والقراض أَيْضا قبل الشُّرُوع فِي الْعَمَل إِذْ لَا معنى للتحالف وكل وَاحِد مِنْهُمَا قَادر على الْخَلَاص والامتناع إِذْ لَا لُزُوم أما بعد الْخَوْض فِي الْعَمَل فالفسخ لَا يُغير مِقْدَار الْمُسْتَحق وَقد لزم الِاسْتِحْقَاق لما مضى
فرع

إِذا رد العَبْد الْمَبِيع بِالْعَيْبِ فَقَالَ البَائِع لَيْسَ هَذَا مَا اشْتَرَيْته مني فَالْقَوْل قَوْله لانه

(3/207)


يَبْغِي اسْتِيفَاء العقد وَلَو قَالَ الْمُسلم إِلَى لَيْسَ هَذَا مَا قَبضته مني فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا القَوْل قَوْله كالبائع
وَالثَّانِي لَا لَان الْمُسلم إِلَيْهِ يَدعِي انه قبض الْمُسْتَحق مِنْهُ وَالْآخر يُنكره
وَقَالَ ابْن سُرَيج أَن كَانَ زُيُوفًا فَهُوَ كَذَلِك وان كَانَ كعيبا فقد اعْترف خَصمه لَهُ بِقَبض لَو رَضِي بِهِ لجَاز كَمَا فِي البيع فَلَا فرق عِنْد ذَلِك

(3/208)


الْفَصْل الثَّانِي فِي كَيْفيَّة التَّحَالُف وَالنَّظَر فِي الْبِدَايَة وَالْعدَد والصيغة

أما الْبِدَايَة فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ انه يبْدَأ فِي البيع بالبائع وَفِي السّلم بِالْمُسلمِ إِلَيْهِ وَهُوَ بَائِع وَفِي الْكِتَابَة بالسيد وَهُوَ فِي رُتْبَة البَائِع وَنَصّ فِي النِّكَاح انه يبْدَأ بِالزَّوْجِ وَهُوَ فِي رُتْبَة المُشْتَرِي فَاخْتلف الْأَصْحَاب فَمنهمْ من قَالَ فِي الْكل قَولَانِ وَالْقَوْل الْمخْرج أَنه يبْدَأ بالمشتري كَمَا يبْدَأ بِالزَّوْجِ
وَمِنْهُم من اقر النُّصُوص وَقَالَ اثر التَّحَالُف يظْهر فِي النِّكَاح فِي الصَدَاق وَالزَّوْج فِيهِ فِي رُتْبَة البَائِع وَهُوَ وَاقع
وَذكر صَاحب التَّقْرِيب طريقتين إِحْدَاهمَا انه يقرع بَينهمَا وَالْأُخْرَى أَن القَاضِي يتَخَيَّر فَيبْدَأ بِمن شَاءَ بِخِلَاف المتساوقين فِي

(3/209)


خصومتين إِذْ لَيْسَ يتفضل هَاهُنَا غَرَض أَحدهمَا دون الآخر
وَمَا ذكره قِيَاس حسن وَهُوَ مُتَعَيّن فِي بيع العَبْد بالجارية إِذْ لَا يتَمَيَّز بَائِع عَن مُشْتَرِي وَلكنه فِي غير هَذِه الصُّورَة كالإعراض عَن نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ
أما الْعدَد والصيغة فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن البَائِع يحلف يَمِينا وَاحِدَة يبْدَأ فِيهَا بِالنَّفْيِ وَيَقُول وَالله إِنِّي مَا بِعته بِخَمْسِمِائَة وَإِنَّمَا بِعته بِأَلف وَيَقُول المُشْتَرِي وَالله مَا اشْتَرَيْته بِأَلف وَإِنَّمَا اشْتَرَيْته بِخَمْسِمِائَة فَيجمع بَين النَّفْي وَالْإِثْبَات وَيسْتَحق تَقْدِيم لَان الْبِدَايَة بالإثبات فِي الْيَمين بعيد احْتمل تَابعا للنَّفْي
وَقَالَ الاصطخري يتَعَيَّن الْبِدَايَة بالإثبات لانه الْمَقْصُود وَهَذَا بعيد
فرع

لَو حلف البَائِع على النَّفْي وَالْإِثْبَات فَحلف المُشْتَرِي على النَّفْي وَنكل عَن الْإِثْبَات قضي عَلَيْهِ بِيَمِين البَائِع وان لم يسلم عَن مُعَارضَة فِي طرق النَّفْي

(3/210)


وَلَكِن لما اتَّصل النَّفْي بالإثبات فِي هَذِه الْمَسْأَلَة جعل النّكُول عَن الْبَعْض كالنكول عَن الْكل
وَالْقَوْل الثَّانِي انه لَا يجمع فِي يَمِين وَاحِدَة بَين النَّفْي وَالْإِثْبَات لَان يَمِين الْإِثْبَات لَا يبتدأ بهَا إِلَّا فِي الْقسَامَة على خلاف الْقيَاس فَيحلف البَائِع على النَّفْي ثمَّ يحلف المُشْتَرِي على النَّفْي ثمَّ يحلف البَائِع على الْإِثْبَات ثمَّ يحلف المُشْتَرِي على الْإِثْبَات فيتعدد الْيَمين وَهُوَ بعيد إِذْ لَو اتَّبعنَا قِيَاس الْخُصُومَات لصدقنا المُشْتَرِي مَعَ يَمِينه وَقضي لَهُ أَن حلف لما سبق
وَلَكِن خرج هَذَا القَوْل من نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِيمَا لَو تنَازع رجلَانِ فِي دَار فِي يدهما ادّعى كل وَاحِد مِنْهُمَا أَن جَمِيعهَا لَهُ إِذْ قَالَ يحلف أَحدهمَا على النَّفْي أَولا فِي النّصْف الَّذِي فِي يَده ويعرض على صَاحبه فَإِن نكل حلف على الْإِثْبَات وَهَذِه الْمَسْأَلَة مُتَّفق عَلَيْهَا
التَّفْرِيع

أَن قُلْنَا بِتَعَدُّد الْيَمين فللمسألة أَحْوَال إِحْدَاهَا انه لَو نكل الأول عَن النَّفْي عرض على الثَّانِي يَمِين وَاحِدَة جَامِعَة للنَّفْي وَالْإِثْبَات لانه الْآن قد تقدم نُكُول فَلَا بَأْس بالإثبات

(3/211)


الثَّانِيَة أَن يتحالفا على النَّفْي
قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد قد تمّ التضاد والتعاند فَيفْسخ العقد
وَمِنْهُم من قَالَ تعود إِلَى الأول ويعرض عَلَيْهِ يَمِين فان حلف عرضنَا على الثَّانِي فان حلف فقد تمّ الْآن التَّحَالُف
فعلى هَذَا لَو حلف الأول يَمِين الْإِثْبَات فعدنا إِلَى الثَّانِي فنكل قضينا لأوّل لَا محَالة وان لم تسلم يَمِينه عَن الْمُعَارضَة بِالنَّفْيِ وَلَعَلَّ مَا ذكره الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد أولى
الثَّالِثَة أَن يتناكلا جَمِيعًا فِي الِابْتِدَاء فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَن تناكلاهما كتحالفهما لحُصُول التضاد وَهَذَا كَمَا أَن تداعي اثْنَيْنِ مولودا كتناكرهما
وَكَذَلِكَ نَص الْأَصْحَاب انه لَو حلف الأول على النَّفْي وَنكل الثَّانِي فَرد على الأول فنكل عَن الْإِثْبَات كَانَ نُكُوله كحلف صَاحبه
وَالثَّانِي انه يتَوَقَّف لَان مَأْخَذ التفاسخ الحَدِيث وَهُوَ مَنُوط بالتحالف وَلَيْسَ فِي مَعْنَاهُ التناكل

(3/212)


الْفَصْل الثَّالِث فِي حكم التَّحَالُف

وَحكمه جَوَاز إنْشَاء الْفَسْخ هَذَا هُوَ النَّص الِانْفِسَاخ
وَذكر أَبُو بكر الْفَارِسِي قولا مخرجا انه يَنْفَسِخ فَكَأَنَّهُ صدق كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي يَمِينه وَصَارَ كَأَن البَائِع قَالَ بِعْت بِأَلف فَقَالَ المُشْتَرِي اشْتريت بِخَمْسِمِائَة فَلم ينْعَقد أصلا حَتَّى فرع الشَّيْخ أَبُو عَليّ على هَذَا وَحكم برد الزَّوَائِد الْمُنْفَصِلَة وتتبع التَّصَرُّفَات بِالنَّقْضِ وَهُوَ بعيد
نعم اخْتلف الْأَصْحَاب فِي أَن إنْشَاء الْفَسْخ هَل يخْتَص بِالْقَاضِي من حَيْثُ إِنَّه مَنُوط بتعذر الْإِمْضَاء وَذَلِكَ عِنْد الْيَأْس عَن التصادق بعد التَّحَالُف وَهُوَ مُتَعَلق بنظره
والاقيس أَن الْعَاقِد يسْتَقلّ بِهِ إِذا قطعُوا بَان البَائِع هُوَ الَّذِي يفْسخ بإفلاس المُشْتَرِي وَالْمَرْأَة تفسخ بإعسار الزَّوْج بِالنَّفَقَةِ
وَقَالُوا القَاضِي هُوَ الَّذِي يفْسخ بِعُذْر الْعنَّة كَذَا نَقله إمامي رَحمَه الله وَالْفرق بَينه وَبَين الْإِعْسَار بِالنَّفَقَةِ عسير

(3/213)


فان قيل وَهل يَنْفَسِخ بَاطِنا
قُلْنَا إِن فوضناه إِلَى القَاضِي فَالظَّاهِر انه يَنْفَسِخ بَاطِنا لينْتَفع بِهِ المحق الْمَعْذُور
وان جَوَّزنَا للعاقدين فان تطابقا عَلَيْهِ انْفَسَخ بَاطِنا كَمَا لَو تقابلا وان اقدم عَلَيْهِ من هُوَ صَادِق فكمثل وان بَادر الْكَاذِب فَلَا يَنْفَسِخ بَينه وَبَين الله وطرق الصَّادِق أَن ينشئ الْفَسْخ إِن أَرَادَ

(3/214)


فرع

فِي جَوَاز وَطْء الْجَارِيَة بعد التَّنَازُع وَقبل التَّحَالُف وَجْهَان وَبعد التَّحَالُف وَقبل التفاسخ وَجْهَان مرتبان لِأَنَّهُ جرى سَبَب الزَّوَال وأشرف عَلَيْهِ فَهُوَ كالزائل من وَجه وَالْوَطْء يحرم بِالشُّبْهَةِ
وَالْقِيَاس الْجَوَاز لاستمرار الْملك

(3/215)


الْفَصْل الرَّابِع فِي أَحْوَال الْمَبِيع عِنْد التفاسخ وَفِيه خمس مسَائِل
الأولى أَن الْمَبِيع أَن كَانَ تَالِفا ثَبت التفاسخ عندنَا وَيغرم المُشْتَرِي قيمَة الْمَبِيع بِأَيّ اعْتِبَار
فِيهِ أَقْوَال الْأَصَح انه يعْتَبر يَوْم التّلف
وَالثَّانِي انه يعْتَبر أقْصَى قيمَة من يَوْم الْقَبْض إِلَى يَوْم التّلف وَهَذَا ضَعِيف
وَالثَّالِث انه يعْتَبر يَوْم الْقَبْض لانه وَقت دُخُوله فِي ضَمَانه فَمَا زَاد بعده فَهُوَ لَهُ وَمَا نقص فَهُوَ عَلَيْهِ
وَالرَّابِع انه يعْتَبر اقل قيمَة من يَوْم العقد إِلَى الْقَبْض لانه إِن زَاد فقد زَاد فِي ملكه وان نقص وَقع فِي ضَمَان البَائِع لكَونه فِي يَده وَكَذَلِكَ يجْرِي هَذَا الْخلاف إِذا رد أحد الْعِوَضَيْنِ بِالْعَيْبِ وَقد تلف الآخر أَو اشْترى عَبْدَيْنِ وَتلف أَحدهمَا وتحالفا وَقُلْنَا نضم قيمَة التَّالِف إِلَى الْقَائِم
وَلَو اشْترى عَبْدَيْنِ فَتلف أَحدهمَا وَوجد بِالْآخرِ عَيْبا وَقُلْنَا لَا يرد بل يُطَالب بالارش فَالْأَصَحّ انه يعْتَبر فِي تقويمه يَوْم العقد لَان الْقيمَة مَطْلُوبَة لتعرف

(3/216)


التَّوْزِيع عِنْد الْمُقَابلَة لَا ليعزم بِخِلَاف مَا نَحن فِيهِ فانه يطْلب الْقيمَة ليغرمه الثَّانِيَة إِذا كَانَ الْمَبِيع معيبا ضم إِلَيْهِ ارش الْعَيْب لَان كل يَد أوجبت ضَمَان الْكل أوجبت ارش النُّقْصَان وَحَيْثُ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَن الزَّكَاة المعجلة إِذا استردت لتلف النّصاب وَقد تعيبت فِي يَد الْقَابِض غرم الإِمَام ارش النُّقْصَان وَلَو تلف غرم الْمِسْكِين القيمه حمل ذَلِك على الأستحباب لِأَن أرش النُّقْصَان قد يخف فيحمله بَيت المَال فان احْتمل اصل الْقيمَة فَيُسْتَحَب ذَلِك أَيْضا الثَّالِثَة أَن يكون آبقا فَيغرم قِيمَته وَلَكِن يرد الْفَسْخ على الْقيمَة كَمَا فِي التّلف أَو على الْآبِق وَالْقيمَة للْحَيْلُولَة فِيهِ وَجْهَان
وَوجه الْمَنْع أَن الْفَسْخ مملك فَلَا يرد على الْآبِق كالعقد وَفَائِدَته انه لَو عَاد يَوْمًا من الدَّهْر لم يلْزمه الرَّد فِي الْحَال
وَلَو آخر الْمُطَالبَة إِلَى رُجُوع العَبْد لم يجز لَان حَقه فِي الْقيمَة لَا فِي العَبْد الرَّابِعَة أَن كَانَ كَاتبا أَو مَرْهُونا غرم الْقيمَة وَهل يرد الْفَسْخ على الْقيمَة فِيهِ وَجْهَان مرتبان على الْآبِق وَهَاهُنَا أولى بَان نجْعَل الْقيمَة أصلا لَان الرَّهْن وَالْكِتَابَة تمنع ملك الْغَيْر فانه إبِْطَال لَهُ وَهُوَ لَازم

(3/217)


وَكَذَلِكَ إِذا وجد البَائِع مَتَاعه مَرْهُونا لم يفْسخ بالإفلاس وان وجده آبقا فسخ الْخَامِسَة لَو كَانَ مكرى وَقُلْنَا يَصح بَيْعه ورد الْفَسْخ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَهُوَ مردد بَين الْآبِق والمرهون
هَذَا تَمام النّظر فِي كتاب البيع وَالله أعلم بِالصَّوَابِ

(3/218)