الوسيط في المذهب

= كتاب الْحِوَالَة = وَفِيه بَابَانِ

(3/219)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَانه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَهِي خَمْسَة اللَّفْظ والمحيل والمحال عَلَيْهِ والمحتال وَالدّين الْمحَال بِهِ
وأصل صِحَة الْمُعَامَلَة قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مطل الْغَنِيّ ظلم فَإِذا أُحِيل أحدكُم على غَنِي فليحل
وَفِي حَقِيقَته مشابه الِاعْتِيَاض كَأَنَّهُ اعتاض دينا على دين ومشابه الِاسْتِيفَاء فَكَأَنَّهُ استوفى مَا عَلَيْهِ بِاسْتِحْقَاق الدّين على غَيره
أما لفظ الْحِوَالَة فَلَا بُد مِنْهُ وَلَا بُد من الْقبُول فَإِنَّهُ معاقدة بَين الْمُحِيل والمحتال
وَأما الْمحَال عَلَيْهِ فَلَا يشْتَرط رِضَاهُ عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله والاصطخري لِأَن ذمَّته مَحل

(3/221)


التَّصَرُّف فَلَا يعْتَبر رِضَاهُ وَهل يشْتَرط أَن يكون عَلَيْهِ دين
فِيهِ وَجْهَان يرجع حاصلهما إِلَى أَن الضَّمَان بِشَرْط بَرَاءَة الْأَصِيل هَل يَصح وَفِيه خلاف وَعَلِيهِ ترجع الْحِوَالَة على من لَا دين عَلَيْهِ وَلذَلِك يقطع بِاشْتِرَاط رِضَاهُ والتزامه إِذا لم يكن عَلَيْهِ دين
ثمَّ تردد الْعِرَاقِيُّونَ فِي أَن هَذِه الْحِوَالَة هَل تلْزم قبل الْقَبْض وَالأَصَح لُزُومهَا فانه حَقِيقَة الْحِوَالَة
أما الدّين فَيشْتَرط فِيهِ أَن يكون مجانسا لما على الْمحَال عَلَيْهِ قدرا وجنسا ووصفا فان كَانَ بَينهمَا من التَّفَاوُت مَا يمْنَع الِاسْتِيفَاء إِلَّا بالمعاوضة امْتنعت الْحِوَالَة وان كَانَ لَا يمْنَع الِاسْتِيفَاء بل يجب الْقبُول وَلَا يشْتَرط فِيهِ رضَا لمستحق كتسليم الصَّحِيح على المكسر والأجود عَن الأردأ وَالْحَال عَن الْمُؤَجل وَفِي بعض الْأَحْوَال جَازَت الْحِوَالَة
فان كَانَ يفْتَقر إِلَى الرِّضَا الْمُجَرّد دون الْمُعَاوضَة فَفِيهِ وَجْهَان
الشَّرْط الثَّانِي للدّين أَن يكون لَازِما أَو مصيره إِلَى اللُّزُوم فَتجوز الْحِوَالَة

(3/222)


بِالثّمن وعَلى الثّمن فِي مُدَّة الْخِيَار على الصَّحِيح ثمَّ أَن فسخ انْقَطَعت الْحِوَالَة
وَفِي نُجُوم الكتبة ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْمَنْع لانه لَيْسَ بِلَازِم عَلَيْهِ
وَالثَّانِي نقل عَن ابْن سُرَيج جَوَاز الْحِوَالَة بِهِ وَعَلِيهِ جَمِيعًا لثُبُوته وتأكده
وَالثَّالِث انه لَا تجوز الْحِوَالَة عَلَيْهِ إِذْ لَو صَحَّ لعتق العَبْد ولصار الدّين لَازِما على العَبْد وَتَصِح حِوَالَة العَبْد بِهِ فَيبرأ العَبْد وَيعتق وَيلْزم الدّين فِي ذمَّة الْمحَال عَلَيْهِ فَلَا بعد فِيهِ
فرعان

أَحدهمَا إِذا أفلس الْمحَال عَلَيْهِ أَو جحد لم يثبت الرُّجُوع على الْمُحِيل بِالدّينِ خلافًا لأبي حنيفَة

(3/223)


أما إِذا كَانَ الإفلاس مُقَارنًا وجهله الْمُحْتَال فَفِي ثُبُوت الْخِيَار ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا لَا يرجع كَمَا إِذا كَانَ طارئا
وَالْأَظْهَر الثُّبُوت فان اخذ اسْتِيفَاء أَو عوضا معيبا فَلهُ الرَّد
وَالثَّالِث انه لَا يثبت الْخِيَار إِلَّا إِذا شَرط كَونه مَلِيًّا وَهَذَا يلْتَفت على أَن الْخِيَار الشَّرْط هَل يتَطَرَّق إِلَى الْحِوَالَة بتغليب مشابه الْمُعَاوضَة فِيهِ
الثَّانِي إِذا حَال المُشْتَرِي البَائِع بِالثّمن على إِنْسَان فَرد عَلَيْهِ الْمَبِيع بِالْعَيْبِ

(3/224)


فَالَّذِي ذكره الْمُزنِيّ رَحمَه الله تحريا أَن الْحِوَالَة تَنْفَسِخ وَتَخْرِيج الْمُزنِيّ مَعْدُود من مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ
وَنَصّ فِي الْمُخْتَصر الْكَبِير على أَنَّهَا لَا تبطل فَقَالَ للأصحاب قَولَانِ مأخذهما تَغْلِيب مشابه الِاسْتِيفَاء أَو الِاعْتِيَاض وَمُوجب الِاعْتِيَاض انه لَا ينْقض
وَالأَصَح انه يَنْفَسِخ كَمَا لَو اسْتحق مكسرا فاستوفى الصَّحِيح وَفسخ البيع رد الصِّحَاح وان كَانَ فِيهِ شبه الْمُعَاوضَة
وَلَو جرى ذَلِك قبل قبض الْمَبِيع فَمنهمْ من قطع بِفَسْخ الْحِوَالَة لانه رد الْمَبِيع من أَصله على رَأْي
وَلَو جرى بعد قبض الْمُحْتَال مِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخ لانه تَأَكد بِالْقَبْضِ وَلَو جرى فِي الصَدَاق ثمَّ عَاد النّصْف بِالطَّلَاق مِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخ لانه فِي حكم رد مُبْتَدأ بِخِلَاف مَا لَو فسخ النِّكَاح بِسَبَب وَلذَلِك تمْتَنع بِالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَة

(3/225)


وَلَو أحَال البَائِع على المُشْتَرِي بِالدّينِ مِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخ لانه تعلق الْحق بالثالث فَلَا سَبِيل إِلَى إِبْطَاله
وَمن الْأَصْحَاب من طرد الْخلاف فِي كل هَذِه السُّورَة من غير فرق
التَّفْرِيع

أَن قُلْنَا لَا يَنْفَسِخ فَلَيْسَ عَلَيْهِ رد عين مَا أَخذه من الْمحَال عَلَيْهِ وان لم يكن استوفى بعد فَهَل يغرم المُشْتَرِي فِي الْحَال وَجْهَان
أَن قُلْنَا لَا يغرم فَالظَّاهِر انه يُطَالِبهُ المُشْتَرِي لتحصيله من جِهَة الْمحَال عَلَيْهِ حَتَّى يغرم لَهُ فانه لَا سَبِيل إِلَى قطع مُطَالبَته بِالتَّأْخِيرِ إِلَى غير نِهَايَة
وان قُلْنَا يَنْفَسِخ فَلَو قبض لم يَقع عَن جِهَة الْمُحْتَال وَهل يَقع عَن جِهَة المُشْتَرِي الْمُحِيل فِيهِ وَجْهَان
وَوجه وُقُوعه أَن الْفَسْخ قد ورد على خُصُوص جِهَة الْحِوَالَة لَا على مَا تضمنه من الْإِذْن فِي الْأَخْذ فيضاهي تردد الْعلمَاء فِي أَن الْوُجُوب إِذا نسخ هَل يبْقى الْجَوَاز وان من يحرم بِالظّهْرِ قبل الزَّوَال هَل ينْعَقد نفلا

(3/226)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي التَّنَازُع وَفِيه مسَائِل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الاولى إِذا بَاعَ عبدا واحال بِثمنِهِ على المُشْتَرِي فَقَالَ العَبْد انا حر الاصل وَصدقه الْمُتَبَايعَانِ والمحتال فقد بَطل البيع وَالْحوالَة فَلَو كذبه الْمُحْتَال بَطل البيع فِي حَقّهمَا وَلم تبطل الْحِوَالَة إِذْ ثَبت لَهُ حق لَازم وقولهما لَيْسَ بِحجَّة عَلَيْهِ الثَّانِيَة إِذا قَالَ مُسْتَحقّ الدّين أحلتني على فلَان وَقَالَ لَا بل وكلتكباستيفاء ديني مِنْهُ فَالْقَوْل قَول الامر فِي نفي لحوالة ثمَّ ان لم يكن قد قبض فَلَيْسَ لَهُ الْقَبْض لانه أنكر الْوكَالَة فانعزل
وَفِي مُطَالبَة مُنكر الْحِوَالَة بِأَصْل الدّين وَجْهَان
أَحدهمَا لَا لانه اعْترف ببراءته بِمَا ادَّعَاهُ من الْحِوَالَة
وَالثَّانِي بلَى لانه لم يسلم لَهُ ذَلِك فَليرْجع حَتَّى لَا يتعطل حَقه بِمُجَرَّد إِنْكَاره
أما إِذا كَانَ قد قبض وَهُوَ قَائِم فللموكل اخذه الا اذا مَنعه حَقه فَلهُ ان يَتَمَلَّكهُ لانه من جنس حَقه وان كَانَ تَالِفا فَلَا مُطَالبَة باصل الدّين لانه بِزَعْمِهِ قد استوفى وَتلف فِي يَده من ضَمَانه وَبرئ الْمحَال عَلَيْهِ على كل تَقْدِير
أما إِذا قَالَ الْمُسْتَحق وكلتني وَقَالَ من عَلَيْهِ لَا بل أحلتك وَمَا وَكلتك فان كَانَ قبل الْقَبْض فَلَا يَسْتَوْفِي لَان الْمَالِك أنكر الْوكَالَة وللمستحق مُطَالبَته إِذْ لَا يسْقط حَقه بِدَعْوَى من عَلَيْهِ الدّين الْحِوَالَة مَعَ إِنْكَار الْمُسْتَحق

(3/227)


وَإِن كَانَ بعد الْقَبْض فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا انه يملكهُ الان لانه من جنس حَقه والمستحق يزْعم أَنه ملكه
وَالثَّانِي أَنه لَا بُد من مُطَالبَته بِالْحَقِّ ورد هَذَا عَلَيْهِ الى ان يجْرِي تمْلِيك صَحِيح
وان جرى النزاع بعد التّلف فَفِي ضَمَانه وَجْهَان
أَحدهمَا لَا ضَمَان لانه مُصدق فِي نفي الْحِوَالَة فقد تلف فِي يَده أَمَانَة بِحكم الْوكَالَة وَالثَّانِي أَنه يضمن لِأَن مُصدق فِي نفي الحواله لَا فِي اثبات الْوكَالَة فينفعه فِي بَقَاء دينه وَلَا يَنْفَعهُ فِي اسقاط الضَّمَان
والاصل ان مَا تلف فِي يَده من ملك غَيره فَهُوَ مَضْمُون وَهَذَا كالبائع اذا انكر قدم الْعَيْب صدق فِيهِ وَلَا يثبت بِهِ حُدُوثه وَلذَلِك لَا يُطَالب بارشه اذا رد اليه بِسَبَب آخر
فان قيل فَلَو اتّفق على جَرَيَان لفظ الْحِوَالَة فَقَالَ اللافظ أردْت بِهِ الْوكَالَة دون الْحِوَالَة أَو قَالَ الْقَابِل قبلت الْوكَالَة دون الْحِوَالَة

(3/228)


قُلْنَا فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَن النّظر الى ظَاهر اللَّفْظ
وَالثَّانِي أَن المتبع قَول اللافظ وَنِيَّته

(3/229)