الوسيط في المذهب

= كتاب الضَّمَان = وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب
وَالضَّمان مُعَاملَة صَحِيحَة دلّ عَلَيْهِ الْخَبَر والاجماع وَمَعْنَاهُ تضمين الدّين فِي ذمَّة الضَّامِن حَتَّى يصير مطالبا بِهِ مَعَ الاصيل
وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب

(3/231)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَانه وَهِي سِتَّة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الأول الْمَضْمُون عَنهُ

وَلَا يشْتَرط رِضَاهُ لَان لغيره ان يقْضِي دينه بِغَيْر اذنه فَكَذَا لَهُ ان يضمن وَلَا يشْتَرط حَيَاته ويساره بل يَصح الضَّمَان عَن الْمَيِّت الْمُفلس خلافًا لأبي حنيفَة
وَهل يشْتَرط كَونه مَعْلُوما عِنْد الضَّامِن فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا إِذْ لَا تعلق لمعاملته بِهِ وَلذَلِك لم نشترط رِضَاهُ
وَالثَّانِي نعم فان الضَّامِن قد يعول على كَونه الْمَضْمُون عَنهُ مَلِيًّا اَوْ متشمرا للاداء فَفِي الضَّمَان عَن الْمَجْهُول غرر

(3/233)


الرُّكْن الثَّانِي الْمَضْمُون لَهُ

وَفِي شَرط مَعْرفَته وَجْهَان مرتبان على الْمَضْمُون عَنهُ واولى بَالا يعْتَبر لَان الْمُطَالبَة تتجدد لَهُ فيختلف الْغَرَض باخْتلَاف المطالبين فِي المساهلة والمضايقة
ان قُلْنَا يشْتَرط مَعْرفَته فَفِي اشْتِرَاط رِضَاهُ وَجْهَان
أَحدهمَا بلَى اذ تجدّد لَهُ ملك مُطَالبَة لم تكن وَلَيْسَ لَهُ ان يملك غَيره بِغَيْر رِضَاهُ
وَالثَّانِي لَا لَان الدّين لَيْسَ يزِيد انما هَذِه امكان مُطَالبَة مَعَ بَقَاء الدّين على مَا كَانَ عَلَيْهِ
فان قُلْنَا يشْتَرط رِضَاهُ فَفِي اشْتِرَاط قبُوله وَجْهَان يقربان من الْوَجْهَيْنِ فِي اشْتِرَاط قبُول الْوَكِيل لَان التَّوْكِيل اثبات سلطنة لم تكن للْوَكِيل كَمَا ان الضَّمَان اثبات سلطنة للمضمون لَهُ
فان قُلْنَا لَا يشْتَرط قبُوله اكنفي بِالرِّضَا وان تقدم على الضَّمَان

(3/234)


الرُّكْن الثَّالِث الضَّامِن

وَلَا يشْتَرط فِيهِ الا صِحَة الْعبارَة وَكَونه من اهل التَّبَرُّع فان الضَّمَان تبرع فضمان الْمكَاتب كتبرعه وَضَمان الرَّقِيق دون اذن السَّيِّد فِيهِ وَجْهَان ذَكرْنَاهُ فِي شِرَائِهِ وَفَائِدَة صِحَّته ان يُطَالب بِهِ إِذا اعْتِقْ وان ضمن بالاذن صَحَّ وَفِي تعلقه بِكَسْبِهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا انه يتَعَلَّق بِهِ كالمهر وَنَفَقَة النِّكَاح فان الاذن فِي الِالْتِزَام اذن فِي الاداء وَالْكَسْب مُتَعَيّن لادائه
وَالثَّانِي لَا بل اذنه رضَا بِمَا للْعَبد الِاسْتِقْلَال بِهِ على أحد الْوَجْهَيْنِ
وَالثَّالِث انه يتَعَلَّق بِكَسْبِهِ ان كَانَ ماذونا فِي التِّجَارَة والا فَلَا
هَذَا اذا لم يكن عَلَيْهِ دين فان كَانَ عَلَيْهِ دين وَحجر عَلَيْهِ فَلَا يتَعَلَّق بِكَسْبِهِ وان اذن فِيهِ السَّيِّد إِذْ لَيْسَ للسَّيِّد التَّبَرُّع بِمَا فِي يَده وان لم يحْجر عَلَيْهِ فَثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا لَا لانه فِي حكم الْمَرْهُون بِالدّينِ
وَالثَّانِي يتَعَلَّق لانه لم يجر حجر وَرهن
وَالثَّالِث ان قدر الدّين يسْتَثْنى فان فضل شَيْء تعلق بِهِ الضَّمَان

(3/235)


الرُّكْن الرَّابِع الْمَضْمُون بِهِ

وَشَرطه ان يكون حَقًا ثَابتا لَازِما مَعْلُوما
الْقَيْد الأول الثُّبُوت
احترزنا بِهِ عَمَّا إِذا قَالَ ضمنت لَك من فلَان مَا تقرضه مِنْهُ أَو ثمن هَذَا الْمَبِيع إِذا بِعته فَهُوَ بَاطِل على القَوْل الْجَدِيد وصحيح على الْقَدِيم وَفِي ضَمَان نَفَقَة الْغَد للْمَرْأَة وَكَذَا كل مَا لم يجب وَجرى سَبَب وُجُوبه قَولَانِ مشهوران فِي الْجَدِيد أَحدهمَا لَا لانه لم يلْزم
وَالثَّانِي نعم لَان السَّبَب مُتَقَدم وَكَأن هَذَا تَأْخِير يضاهي التَّأْجِيل
وَضَمان الْعهْدَة صَحِيح فِي ظَاهر الْمَذْهَب على الْجَدِيد وَالْقَدِيم وان كَانَ يُخَالف قِيَاس الْجَدِيد من حَيْثُ انه لم يعلم لُزُومه فان البَائِع إِن بَاعَ ملك نَفسه فَمَا اخذه من الثّمن لَيْسَ بدين عَلَيْهِ حَتَّى يضمن وَلكنه احْتمل ذَلِك فجوز بعد جَرَيَان البيع وَقبض الثّمن الضَّمَان لمصْلحَة الْعُقُود فَإِنَّهُ لَا يرغب فِي مُعَاملَة الْغُرَمَاء الا بِهِ وَعَلِيهِ اشْتَمَلت الصكوك فِي الاعصار الخالية
وَخرج ابْن سُرَيج قولا انه لَا يَصح أصلا
وَفِيه قَول آخر انه يَصح قبل قبض الثّمن وَبعده وَمهما جرى البيع والاعدل انه لَا يَصح قبل قبض الثّمن حَتَّى يكون سَبَب اللُّزُوم على تَقْدِير ثُبُوت

(3/236)


الْعهْدَة جَارِيا هَذَا فِيهِ إِذا خَافَ المُشْتَرِي كَون الْمَبِيع مُسْتَحقّا فَلَو كَانَ يخَاف فَسَاد العقد من جِهَة اخرى أَو كَون البيع معيبا فضمن لَهُ هَذِه الْعهْدَة صَرِيحًا فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا بلَى كَمَا إِذا خَافَ خُرُوجه مُسْتَحقّا
وَالثَّانِي لَا لَان التَّعَلُّق بِالْمَبِيعِ مُمكن هَاهُنَا الى رد الثّمن والتحرز عَن المفسدات والعيوب مُمكن وَمَا بني على الْحَاجة والمصلحة يتبع فِيهِ مَرَاتِب الْحَاجة
فان قُلْنَا إِنَّه يَصح ضَمَانه صَرِيحًا فَفِي اندراجه تَحت مُطلق ضَمَان الْعهْدَة وَجْهَان
وَلَو كَانَ يشك فِي كَمَال الصنجة اَوْ فِي جودة جنس الثّمن قَالَ ابْن سُرَيج صَحَّ هَذَا الضَّمَان تخريجا على ضَمَان الْعهْدَة فَهَذَا يقرب من مَخَافَة الْعُيُوب فيعتضد بِهِ ذَلِك الْوَجْه
ثمَّ مهما ادّعى نُقْصَان الصنجة فَالْقَوْل قَول البَائِع لَان الاصل عدم اسْتِيفَاء الْكَمَال فان حلف طَالب المُشْتَرِي
وَهل يُطَالب الضَّامِن بِمُجَرَّد حلفه دون بَيِّنَة يقيمها على النُّقْصَان فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع ان الاصل فِي حَقه الْبَرَاءَة فَلَا ينتهض يَمِينه حجَّة عَلَيْهِ

(3/237)


الْقَيْد الثَّانِي كَون الْحق لَازِما
فَكل دين لَازم يَصح ضَمَانه وَلَا يَصح ضَمَان نُجُوم الْكِتَابَة لانه لَا مصير لَهَا الى اللُّزُوم والاصح صِحَة ضَمَان الثّمن فِي مُدَّة الْخِيَار لَان مصيره الى اللُّزُوم وَالْجَوَاز عَارض وَفِي ضَمَان الْجعل فِي الْجعَالَة وَجْهَان
الْقَيْد الثَّالِث كَونه مَعْلُوما
فَلَا يَصح ضَمَان الْمَجْهُول على الْجَدِيد كَمَا لَا يَصح الابراء عَنهُ
وَفِي الْقَدِيم يَصح ضَمَان الْمَجْهُول والابراء عَنهُ
وَلَا خلاف فِي جَوَاز ضَمَان إبل الدِّيَة وان كَانَ فِيهِ ضرب جَهَالَة وَكَذَا الابراء
وَفِي طَريقَة الْعرَاق وَجه ان ضَمَانه لَا يَصح للْجَهْل بِهِ
وَلَو قَالَ ضمنت من عشرَة الى مائَة فَفِي الْجَدِيد قَولَانِ الاشهر الصِّحَّة لَان الاقصى مَعْلُوم وَقد وَطن نَفسه عَلَيْهِ
والاقيس الْفساد لَان الْغرَر حَاصِل بِجَهْل الْمِقْدَار بَين الْعشْرَة وَالْمِائَة

(3/238)


الرُّكْن الْخَامِس

ويتشعب عَن الْمَضْمُون بِهِ النّظر فِي الْكفَالَة بِالْبدنِ
وَالصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى صِحَّته وَعَلِيهِ جرى الصَّحَابَة وَالسَّلَف
قَالَ الْمُزنِيّ ضعف الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ كَفَالَة الْبدن فَمنهمْ من جعل ذَلِك ترديد قَول وعَلى هَذَا يَصح ضَمَان عين الْمَغْصُوب وَالْمَبِيع وكل مَا يجب تَسْلِيمه وَلَا يَصح ضَمَان عين الودائع والامانات اذ لَا يجب تَسْلِيمهَا فكأنا نكتفي بَان يكون الْمَضْمُون بِهِ حَقًا لَازِما وَلَا يشْتَرط كَونه دينا فَيصح الْكفَالَة ببدن كل من يجب عَلَيْهِ الْحُضُور مجْلِس الْقَضَاء باستدعاء الْمُدَّعِي وَكَذَلِكَ تصح الْكفَالَة بِالْبدنِ قبل قيام الْبَيِّنَة على الدّين لانا معتمده الْحُضُور وَهُوَ وَاجِب والاصح صِحَّته بعد حُضُور الْمُدعى عَلَيْهِ وإنكاره إِذا لم يقم الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة لانه بَقِي لَهُ مُتَعَلق فِي إِحْضَاره
وَيصِح الضَّمَان ببدن الزَّوْجَة وَقَالَ ابْن سُرَيج يَصح الضَّمَان ببدن العَبْد الْآبِق وَيجب السَّعْي فِي احضاره ورده وَتَصِح الْكفَالَة ببدن الْمَيِّت إِذْ قد يسْتَحق إِحْضَاره ليشاهد الشُّهُود صورته فَيَشْهَدُونَ عَلَيْهِ وَلَو تكفل ببدن شخص فَمَاتَ فَفِي انْقِطَاعه بِالْمَوْتِ وَجْهَان وَوجه الْقطع ان مُطلق التَّصَرُّفَات تحمل على

(3/239)


حَالَة الْحَيَاة وَفِي الْكفَالَة ببدن من عَلَيْهِ عُقُوبَة ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا بلَى لانها من الْحُقُوق
وَالثَّانِي لَا لانها تعرض السُّقُوط بِالشُّبُهَاتِ
وَالثَّالِث انها تصح فِيمَا للادميين بِخِلَاف مَا يثبت لله تَعَالَى وَلَو تكفل بإحضار شخص بِبَغْدَاد والمكفول بِبدنِهِ بنيسابور لما يجز لانه لَا يلْزمه الْحُضُور على هَذَا الْوَجْه
فان قيل بِمَاذَا يخرج عَن عُهْدَة هَذِه الْكفَالَة قُلْنَا بإحضاره فِي الْمَكَان الَّذِي الْتَزمهُ وبتعين الْمَكَان الَّذِي عين فان سلم فَقَالَ لَا اريده الْآن فقد خرج عَن الْعهْدَة الا اذا كَانَ عَاجِزا عَن التَّعَلُّق بِهِ لاستناده الى ركن وثيق فان غَابَ حَيْثُ يعرف خَبره فعلى الْكَفِيل السَّعْي فِي إِحْضَاره ويمهل مُدَّة الذّهاب والمجيء فان لم يحضرهُ حبس فان حضر الاصيل وَسلم نَفسه برِئ الْكَفِيل كَمَا لَو أدّى الْمَضْمُون عَنهُ برِئ الضَّامِن من الدّين فان عجز عَن إحضارن بِمَوْتِهِ اَوْ هروبه فالاصح انه لَا يلْزمه شَيْء وَهُوَ معنى تَضْعِيف الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ كَفَالَة الْبدن
وَالثَّانِي انه يلْزمه بدل الْحُضُور الَّذِي عجز عَنهُ ثمَّ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه

(3/240)


يلْزمه الدّين بَالغا مَا بلغ فَهُوَ الاصل مهما قَامَت الْبَيِّنَة عَلَيْهِ وَالثَّانِي يلْزمه دِيَة الْمَكْفُول بِبدنِهِ فانه بدل بدنه الا اذا كَانَ الدّين اقل مِنْهُ
وَاشْتِرَاط رضَا الْمَكْفُول بِبدنِهِ يبتنى على هَذَا فان قُلْنَا الِالْتِزَام مَقْصُور على الْحُضُور فَلَا يجوز دون رِضَاهُ لانه لَيْسَ يقدر على استبداد بِالنَّقْضِ عَنهُ وان قُلْنَا يلْزم المَال فَلهُ الِانْفِرَاد بِهَذِهِ الْكفَالَة كَمَا يلْزمه بِضَمَان المَال فَلَو أنكر الْمَكْفُول بِهِ الرِّضَا فَهَل لَهُ تَكْلِيفه الْحُضُور فِيهِ وَجْهَان
وَوجه التجويز أَن الْحُضُور مُسْتَحقّ وَالْكَفِيل لَا يتقاعد عَن الْوَكِيل
قَالَ صَاحب التَّقْرِيب فعلى هَذَا يَنْبَغِي أَن تصح الْكفَالَة بِغَيْر إِذْنه وَيقدر على

(3/241)


تَكْلِيفه الْحُضُور لانه لَا يتقاعد عَن الْوَكِيل
فروع أَرْبَعَة

الأول اذا مَاتَ الْمَكْفُول لَهُ هَل ينْتَقل حَقه الى ورثته فِيهِ ثَلَاثَة أوجه ذكرهَا ابْن سُرَيج أَحدهَا لَا لانه حق ضَعِيف وَلم يلْزم الا لَهُ
وَالثَّانِي بلَى كَسَائِر الْحُقُوق وَهُوَ الأقيس
وَالثَّالِث إِذا كَانَ فِي التَّرِكَة دين أَو وَصِيّ يثبت وَكَأَنَّهُ نَائِب عَن جِهَته
الثَّانِي إِذا كفل ثَلَاثَة ببدن انسان فَأحْضرهُ وَاحِد برِئ هُوَ
قَالَ الْمُزنِيّ وَبرئ صَاحِبَاه كَمَا فِي ضَمَان الدّين
قَالَ ابْن سُرَيج لَا يبرأ صَاحِبَاه بِخِلَاف أَدَاء الدّين فان الْمَقْصُود قد حصل ثمَّ وَهَاهُنَا لَا يحصل بِمُجَرَّد الْحُضُور
الثَّالِث لَو تكفل ببدن الْكَفِيل جَازَ وَلَو ضمن الضَّامِن بِالْمَالِ جَازَ
وَإِذا تكفل ثَلَاثَة ببدن انسان وكل وَاحِد تكفل ببدن صَاحبه جَازَ فان احضر وَاحِد برِئ هُوَ عَن كفَالَته وَبرئ من تكفل ببدن الَّذِي أحضرهُ وَأمر البَاقِينَ فِي إِحْضَار الْخصم يخرج على مَذْهَب الْمُزنِيّ وَابْن سُرَيج
الرَّابِع لَو ضمن تَسْلِيم عين الْمَبِيع فَتلف قبل الْقَبْض انْفَسَخ البيع فان قُلْنَا

(3/242)


الْكَفِيل عِنْد الْعَجز لَا يغرم شَيْئا فَكَذَلِك هَذَا وان قُلْنَا انه يغرم فهذبا على وَجه يغرم الثّمن وعَلى وَجه اقل الامرين من الثّمن اَوْ الْقيمَة يَوْم التّلف
وَقيل يعْتَبر اقصى الْقيم كَمَا فِي الْغَاصِب

(3/243)


الرُّكْن السَّادِس فِي الصِّيغَة وَمَا يقْتَرن بهَا من شَرط وَمن تَقْيِيد وَفِيه مسَائِل

الاولى ان الضَّمَان يَصح بِكُل لفظ يدل على الِالْتِزَام كَقَوْلِه تقلدت والتزمت وضمنت وتكفلت وتحملت وَلَا يَصح بقوله أؤدي وأحضره لانه وعد
الثَّانِيَة تَعْلِيق الضَّمَان بَاطِل على الْجَدِيد وَهُوَ ان يَقُول ضمنت اذا جَاءَ رَأس الشَّهْر اَوْ اذا بِعْت من فلَان أما تَعْلِيق الْكفَالَة بِالْبدنِ على مَجِيء رَأس الشَّهْر ذكر ابْن سُرَيج وَجْهَيْن
وَفِي التَّعْلِيق على الْحَصاد وَجْهَان مرتبان واولى بِالْمَنْعِ
وعَلى قدوم زيد وَجْهَان مرتبان واولى بِالْمَنْعِ وَلَو نجز الْكفَالَة وَشرط تَأْخِير الطّلب الى مَجِيء الشَّهْر فَهِيَ أولى بِالْجَوَازِ

(3/244)


وَهَذَا الْخلاف لَيْسَ يجْرِي فِي ضَمَان المَال وَلَا فِي الابراء لَان كَفَالَة الْبدن تنبني على الْمصلحَة فاتبعت فِيهِ الْحَاجَات
اما اذا قَالَ الق متاعك فِي الْبَحْر وَعلي الف لزمَه كَمَا اذا قَالَ طلق زَوجتك واعتق عَبدك وَعلي الف لانه الْتِزَام لغَرَض صَحِيح
وَلَو قَالَ بِعْ عَبدك من فلَان بِمِائَة وَعلي ائة اخرى فَوَجْهَانِ الاصح انه لَا يلْزمه إِذْ لَا يظْهر لَهُ فِيهِ غَرَض
الثَّالِثَة لَو شَرط فِي ضَمَان الدّين الْحَال لم يثبت الاجل لانه يضمن مَا عَلَيْهِ فَهُوَ تَابع فَلَا يُغير وَصفه
وَفِي طَريقَة الْعرَاق جَوَاز ذَلِك لانه نوع رفق فَجَاز إثْبَاته وَيشْهد لَهُ قطع ابْن سُرَيج بانه لَو نجز كَفَالَة الْبدن وَشرط تَأْخِير التَّسْلِيم شهرا جَازَ وَلَكِن احْتمل فِي كَفَالَة الْبدن مَا لم يحْتَمل فِي الضَّمَان
ثمَّ قَالَ الْمُزنِيّ لَو أحضرهُ قبل الشَّهْر برِئ عَن الْعهْدَة
وَقَالَ ابْن سريح ينظر ان كَانَ الدّين مُؤَجّلا اَوْ كَانَت الْبَيِّنَة غَائِبَة فَلَا يبرأ وان لم يكن لَهُ غَرَض فَيخرج على ان الْحق الْمُؤَجل اذا عجل هَل يجْبر على قبُوله وَفِيه قَولَانِ
ثمَّ اذا أفسدنا شَرط الاجل فِي ضَمَان الدّين الْحَال فَفِي فَسَاد الضَّمَان بِفساد الشَّرْط وَجْهَان

(3/245)


وَلَو ضمن الدّين الْمُؤَجل حَالا فَفِي فَسَاد الشَّرْط وَجْهَان
وان فسد فَفِي فَسَاد الضَّمَان وَجْهَان
الرَّابِعَة لَو شَرط الضَّامِن ان يُعْطي الْمَضْمُون عَنهُ ضَامِنا فَفِي صِحَة شَرطه وَجْهَان فان فسد فَفِي فَسَاد الضَّمَان وَجْهَان وان صَحَّ فَعَلَيهِ الْوَفَاء فان لم يَفِ فَلهُ الْفَسْخ
الْخَامِسَة لَو تكفل بعضو من بدنه فِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا يَصح لَان فِي تَسْلِيمه تَسْلِيم الْبَاقِي
وَالثَّانِي لَا إِذْ لَيْسَ هُوَ من التَّصَرُّفَات المبنية على السَّرَايَة
وَالثَّالِث انه ان عين عضوا لَا يقبل التَّسْلِيم الا بِتَسْلِيم الْبدن كالقلب والبطن وَالظّهْر لزم وان كَانَ كَالْيَدِ وَالرجل لم يلْزم

(3/246)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي حكم الضَّمَان الصَّحِيح وَله أَحْكَام - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الحكم الأول

أَنه يَتَجَدَّد لمستحق الدّين مُطَالبَة الضَّامِن وَلَا يَنْقَطِع مُطَالبَته عَن الْمَضْمُون عَنهُ لَان مَعْنَاهُ ضم ذمَّة الى ذمَّة
وَقَالَ مَالك لَا يُطَالب البضامن مَا لم يعجز عَن الممضمون عَنهُ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا يُطَالب الْمَضْمُون عَنهُ مَا لم يعجز عَن الضَّامِن
فروع ثَلَاثَة

الاول لَو ابرأ الضَّامِن لم يبرأ الاصيل وَلَو ابرأ الاصيل برِئ الْكَفِيل وَقَوله للضامن وهبت مِنْك اَوْ تَصَدَّقت عَلَيْك كالابراء لَا كالتوفية ثمَّ اسْتِئْنَاف الْهِبَة حَتَّى لَا يثبت الرُّجُوع خلافًا لابي حنيفَة رَحمَه الله فانه قَالَ كالتوفية

(3/247)


فَلهُ الرُّجُوع
الثَّانِي لَو كَانَ الدّين مُؤَجّلا وَمَات الْأَصِيل وَحل الدّين لم يُطَالب الْكَفِيل لانه حَيّ وَلم يلْتَزم ذَلِك أصلا
الثَّالِث لَو قضى الضَّامِن ثمَّ وهب مِنْهُ بعد الْقَبْض فَفِي الرُّجُوع خلاف كَمَا فِي هبة الصَدَاق

(3/248)


الحكم الثَّانِي

يجوز للضامن إِجْبَار الْمَضْمُون لَهُ على قبُول الدّين مهما أَدَّاهُ لانه صَار مُلْتَزما بِخِلَاف مَا إِذا أدّى دين غَيره مُتَبَرعا فانه لَا يجْبر على الْقبُول بل لَهُ ذَلِك إِن أَرَادَ
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِن كَانَ الضَّمَان فِي صُورَة لَا يرجع إِذا ضمن لَا يلْزمه الْقبُول لَان فِي قبُوله إِدْخَال المَال فِي ملك الْمَضْمُون عَنهُ ضمنا ثمَّ وُقُوعه عَن جِهَته وَهُوَ ضَعِيف

(3/249)


الحكم الثَّالِث

يَتَجَدَّد للضامن مُطَالبَة الْمَضْمُون عَنهُ بتخليصه بِقَضَاء الْحق اتّفق الْأَصْحَاب عَلَيْهِ سوى الْقفال فانه قَالَ لَيْسَ لَهُ ذَلِك فِي وَجه حَكَاهُ وَلَو حبس فَهَل لَهُ أَن يَقُول احْبِسُوا الْمَضْمُون عَنهُ معي فِيهِ وَجْهَان أما الْمُطَالبَة بِتَسْلِيم الدّين إِلَى الضَّامِن قبل أَن يغرم الضَّامِن فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لانه رُجُوع قبل الْأَدَاء وَالثَّانِي نعم لانه مُلْتَزم لَهُ فَلهُ الِاسْتِيفَاء مِنْهُ وَيَنْبَنِي على هَذَا انه إِذا صَار مُسْتَحقّ دين عَلَيْهِ فَلهُ أَن يشْتَرط كَفِيلا عَلَيْهِ فِي اصل الضَّمَان وَله الْإِبْرَاء عَنهُ والمصالحة
وَفِي طَريقَة الْعرَاق انه لَو سلم إِلَى الضَّامِن مَا يسْتَحبّ لَهُ بِقَضَاء الدّين هَل يملكهُ وَجْهَان وَوجه التَّمْلِيك انه يسْتَحق بسببين الضَّمَان وَالْقَضَاء وَقد جرى أَحدهمَا فَكَانَ كاليمين مَعَ الْحِنْث ومأخذ الْخلاف مِمَّا ذَكرْنَاهُ أولى

(3/250)


الحكم الرَّابِع الرُّجُوع بعد الْأَدَاء

ونقدم عَلَيْهِ انه لَو أدّى دين غَيره من غير ضَمَان بِغَيْر إِذْنه لم يرجع بِإِذْنِهِ مَعَ شَرط الرُّجُوع رَجَعَ عَلَيْهِ
وان أطلق الْإِذْن فَوَجْهَانِ يقربان من الْقَوْلَيْنِ فِي أَن الْهِبَة الْمُطلقَة هَل تَقْتَضِي ثَوابًا بِالْعرْفِ
وَلَو قَالَ أد دين فلَان لم يرجع على الْأَمر قطعا وَلَو قَالَ أد دين الضَّامِن عني فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ أد ديني لَان لَهُ فِيهِ غَرضا
فرع

وَلَو صَالح الْمَأْذُون على غير جنسه فَثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا لَا يرجع لَان مَا أَدَّاهُ غير مَأْذُون فِيهِ فَبَطل اثر الْإِذْن
وَالثَّانِي يرجع لانه مَأْذُون لَهُ فِي أصل الْأَدَاء وَهَذِه مراضاة فِي التَّفْصِيل جرى بَينهمَا
وَالثَّالِث أَنه إِن قَالَ أد ديني رَجَعَ وان قَالَ اقْضِ مَا عَليّ لم يرجع فان خَالفه رَجعْنَا إِلَى الضَّمَان فَإِذا ضمن بِإِذْنِهِ وَأدّى بِإِذْنِهِ رَجَعَ وان لم يشْتَرط الرُّجُوع هَذَا هُوَ الْمَذْهَب لانه أذن فِي الِالْتِزَام وَالْأَدَاء بِخِلَاف مُجَرّد الْإِذْن فِي الْأَدَاء وان ضمن بِغَيْر إِذْنه وَغرم بِغَيْر إِذْنه فَلَا رُجُوع وَإِن ضمن بِإِذْنِهِ وَأدّى بِغَيْر إِذْنه فَثَلَاثَة أوجه

(3/251)


أَحدهَا انه يرجع لَان مُوجب الرُّجُوع هُوَ الْأَدَاء وَهُوَ غير مَأْذُون
وَالثَّانِي بلَى وَهُوَ الْمَنْصُوص لَان الْإِذْن فِي الِالْتِزَام أذن فِي الْأَدَاء
وَالثَّالِث انه ان طُولِبَ فغرم رَجَعَ وان ابْتَدَأَ مبادرا إِلَيْهِ لم يرجع
وان ضمن بِغَيْر أذن وَغرم بِالْإِذْنِ فَوَجْهَانِ مرتبان على من لم يضمن إِذا أدّى بِالْإِذْنِ فَأولى بَان لَا يرجع لانه سبق الْتِزَامه فأداؤه خُرُوج عَن الْتِزَام نَفسه وَهُوَ الْأَصَح هَذَا كُله إِذا شهد على الْأَدَاء فَلَو لم يشْهد فَلَا رُجُوع لَهُ إِلَّا إِذا صدقه الْمَضْمُون لَهُ والمضمون عَنهُ جَمِيعًا فان صدقه الْمَضْمُون عَنهُ دون الْمَضْمُون لَهُ فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا برجع مُؤَاخذَة لَهُ بتصديقه
وَالثَّانِي لَا لانه لم يَنْفَعهُ بِأَدَائِهِ فَلَا يرجع بِهِ وَإِن صدقه الْمَضْمُون لَهُ وَكذبه الْمَضْمُون عَنهُ فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا بلَى لِأَن الْبَرَاءَة حصلت باعتراف الْمَضْمُون لَهُ
وَالثَّانِي لَا لَان الأَصْل بَرَاءَة ذمَّته وَقَول غَيره لَيْسَ حجَّة عَلَيْهِ وَلَو كَانَ بمرأى من الْمَضْمُون عَنهُ رَجَعَ لِأَن التَّقْصِير مَنْسُوب إِلَيْهِ فِي ترك الْإِشْهَاد لَا إِلَى الضَّامِن
وَلَو أشهد فماتوا أَو غَابُوا لم يمْتَنع الرُّجُوع وَلَو ادّعى موت الشُّهُود وَأنكر

(3/252)


المرجوع عَلَيْهِ اصل الْإِشْهَاد فَالْقَوْل قَول من فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يرجع إِذْ الِاحْتِرَاز عَنهُ غير مُمكن وَالْأَصْل عدم التَّقْصِير
وَالثَّانِي لَا لَان الأَصْل عدم الْإِشْهَاد
وَلَو قَالَ أشهدت زيدا وعمرا فَقَالَا كذب فَهُوَ كَتَرْكِ الْإِشْهَاد وَلَو قَالَا لَا نَدْرِي لَعَلَّنَا نَسِينَا فَوَجْهَانِ
وَلَو أشهد رجلا وَامْرَأَتَيْنِ رَجَعَ وَلَو أشهد مستورين فعدلا رَجَعَ وان لم يعدلا فَوَجْهَانِ يقربان من الْخلاف فِي انْعِقَاد النِّكَاح بشهادتها
وَلَو أشهد وَاحِدًا ليحلف مَعَه فَوَجْهَانِ
وَوجه التَّقْصِير أَن القَاضِي رُبمَا يكون حنفيا ثمَّ لَو كذبه الْمَضْمُون لَهُ وطالبه مرّة أُخْرَى فَأشْهد على الْأَدَاء الثَّانِي فَالصَّحِيح أَنه يرجع الْآن

(3/253)


وَقيل إِنَّه إِذا ثَلَاثَة رَجَعَ بِالْأولِ فَهُوَ مظلوم بِالثَّانِي بِزَعْمِهِ فَلَا يرجع أَيْضا بِهِ
فروع ثَلَاثَة

الأول لَو صَالح الضَّامِن الْمَضْمُون لَهُ نظر فان سومح بِمِقْدَار أَو بِصفة فِيهِ لم يرجع إِلَّا بِمَا بذل وَلَو صَالح على عوض يُسَاوِي تِسْعمائَة عَن دين مبلغه ألف فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يرجع بِتمَام الْألف فان الْمُسَامحَة مَعَه فِي شِرَاء مَاله بِالْغبنِ مَخْصُوص بِهِ وَالثَّانِي لَا بل فانه لم يبْذل إِلَّا قدر تِسْعمائَة
وَلَو صَالح الضَّامِن الْمَضْمُون لَهُ على خمر وَكَانَا ذميين والمضمون عَنهُ مُسلم فَفِي صِحَة الصُّلْح وَجْهَان
فان صححنا وَقُلْنَا الرُّجُوع بِمَا بذله فهاهنا لَا يطْمع فِيهِ وان قُلْنَا الرُّجُوع بِالدّينِ رَجَعَ
الثَّانِي إِذا ضمن العَبْد من سَيّده بِإِذْنِهِ فأداه بعد الْحُرِّيَّة من كَسبه فَفِي رُجُوعه وَجْهَان يقربان من الْخلاف فِي اسْتِمْرَار الْإِجَارَة بعد الْعتْق
الثَّالِث لَو ضمن السَّيِّد عَن عَبده بِإِذْنِهِ وَأَدَّاهُ بعد عتقه رَجَعَ عَلَيْهِ وَإِن أَدَّاهُ قبل

(3/254)


الْعتْق رَأَيْت للأصحاب انه يرجع وَفِيه نظر من حَيْثُ أَن فِيهِ إِثْبَات دين السَّيِّد على عَبده فِي دوَام الرّقّ وان ضمن السَّيِّد عَن العَبْد الْمَأْذُون دين التِّجَارَة فَهَل يرجع بعد الْعتْق فَإِن قُلْنَا إِن العَبْد لَو أَدَّاهُ رَجَعَ على السَّيِّد فالسيد لَا يرجع عَلَيْهِ وان قُلْنَا لَا يرجع فَوَجْهَانِ وَوجه الْمَنْع أَن السَّيِّد إِنَّمَا يرجع لانه يَقُول ضمنت بإذنك فللعبد أَن يَقُول وَأَنا التزمت دين التِّجَارَة بإذنك فيقاوم الْأَمْرَانِ فَلَا رُجُوع

(3/255)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي الِاخْتِلَاف وَفِيه مَسْأَلَتَانِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
إِحْدَاهمَا فِيمَا يسمع من تنَاقض قَول الْمُدَّعِي
مِثَاله أَن من بَاعَ شَيْئا من رجلَيْنِ بِأَلف بِشَرْط أَن يكون كل وَاحِد ضَامِنا عَن صَاحبه بَطل البيع لانه شَرط على المُشْتَرِي الْتِزَام غير الثّمن
وَلَكِن لَو جرى الضَّمَان من غير شَرط صَحَّ من كل جَانب وَكَانَ لَهُ أَن يُطَالب من شَاءَ مِنْهُمَا بِأَلف فَلَو أَخذ من أَحدهمَا خَمْسمِائَة وَقَالَ أديته عَن جِهَة الضَّمَان وحصتك بَاقِيَة فَالْقَوْل قَول الْمُؤَدِّي
وان حلف انه أدّى عَن جِهَة نَفسه فَهَل لَهُ أَن يُطَالِبهُ عَن جِهَة الضَّمَان فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا لانه يُنَاقض قَوْله الأول إِذا اعْترف فِي دَعْوَاهُ ببراءته عَن جِهَة الضَّمَان
وَالثَّانِي قطع بِهِ الْقفال وَهُوَ الصَّحِيح انه يجوز إِذْ بني ذَلِك على خيال وانكشف بِيَمِينِهِ فَلَا يبطل حَقه هُوَ كَمَا لَو ادّعى على المُشْتَرِي أَن الْمُشْتَرى غصب فَقَالَ مُنْكرا بل هُوَ ملكي وَملك من اشْتَرَيْته مِنْهُ فأقيمت الْبَيِّنَة فانه يرجع على البَائِع بِالثّمن وان كَانَ قد اعْترف لَهُ بِالصّدقِ وانه ملكه وَلَكِن قيل هُوَ بِنَاء على ظَاهر وَقد ظهر بِالْبَيِّنَةِ نقيضه وَمن الْأَصْحَاب من طرد وَجها انه لَا يرجع إِذْ كَانَ حَقه أَن يَقُول لَا يلْزَمنِي تَسْلِيمه إِلَيْك وَلَا يقر للْبَائِع بِالْملكِ وَهُوَ بعيد

(3/256)


وَلَو ادّعى على شخص ضمانا عَن غَائِب فَأنْكر فأقيمت الْبَيِّنَة فغرم فَأَرَادَ الرُّجُوع على الْغَائِب نقل الْمُزنِيّ أَن لَهُ ذَلِك وَهَذَا بعيد لانه قطع بِنَفْي الضَّمَان وَهُوَ فعله الَّذِي يَنْفِيه فالرجوع مُنَاقض لَهُ
فَمن الْأَصْحَاب من قَالَ لَا يرجع وَهُوَ الْأَصَح وَحمل كَلَام الْمُزنِيّ على مَا إِذا سكت أَو أنكر وَكيله وَلم يُنكر هُوَ بِنَفسِهِ
وَلَو قَالَ الْكَفِيل أبرأت الْأَصِيل فبرئت فَحلف الْمُسْتَحق فَهَل للْكَفِيل مُطَالبَة الْأَصِيل وَهُوَ مُنَاقض لما تقدم مِنْهُ فِيهِ وَجْهَان الْأسد الْجَوَاز لانه قد يَدعِي ذَلِك عَن سَماع وَظن فيتبين بِالْحلف نقيضه
وَكَذَلِكَ لَو تكفل ثمَّ قَالَ كنت أبرأت قبل كفالتي وَلَو أعرف فَهَل يسمع دَعْوَاهُ للتحليف فِيهِ وَجْهَان يجْرِي فِي كل دَعْوَى مُحْتَمل مناقضة عقد سَابق
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة ادّعى ضمانا بِأَلف وَأقَام شَاهدا انه ضمن ألفا وَآخر أَنه ضمن خَمْسمِائَة فَفِي ثُبُوت الْخَمْسمِائَةِ وَجْهَان
أَحدهمَا نعم كَمَا لَو أطلق دَعْوَى الْألف من غير إِسْنَاد إِلَى الضَّمَان وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُمَا لم يتَّفقَا على شَيْء وَاحِد وَضَمان الْألف يُخَالف ضَمَان الْخَمْسمِائَةِ بِخِلَاف الدّين الْمُطلق
وَلَو شهد الآخر أَيْضا على الْألف وَلَكِن قَالَ قد قضى مِنْهُ خَمْسمِائَة فَفِي ثُبُوت تَمام الْألف وَجْهَان

(3/257)


أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُمَا اتفقَا عَلَيْهِ وَانْفَرَدَ أَحدهمَا بِشَهَادَة قَضَاء الدّين فَيلْغُو
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ وصل بِشَهَادَتِهِ ذَلِك فَكَأَنَّهُ لم يشْهد إِلَّا على خَمْسمِائَة ثمَّ لَا شكّ أَنه لَو حلف مَعَ شَاهد على قَضَاء الْخَمْسمِائَةِ يقْضى لَهُ بِهِ بِشَرْط أَن تُعَاد الشَّهَادَة فَإِنَّهَا جرت قبل الاستشهاد وَالله أعلم

(3/258)