الوسيط في المذهب

= كتاب الْوكَالَة = وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب

(3/273)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَانهَا وَهِي أَرْبَعَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الرُّكْن الأول مَا فِيهِ التَّوْكِيل
وَله ثَلَاثَة شَرَائِط الأول أَن يكون قَابلا للنيابة وَهُوَ مَا لَا يتَعَيَّن بِحكمِهِ مُبَاشرَة فقد وكل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الشِّرَاء ووكل عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي فِي نِكَاح أم حَبِيبَة ووكل الجباة فِي أَخذ الْجِزْيَة وَالصَّدقَات فَكَانَ

(3/275)


فِي معنى الشِّرَاء البيع وَالْإِجَارَة وَالسّلم وَالرَّهْن وَالصُّلْح وَالْحوالَة وَالضَّمان وَالْكَفَالَة وَالشَّرِكَة وَالْوكَالَة والوديعة والإعارة وَالْمُضَاربَة والجعالة وَالْمُسَاقَاة وَالْقَرْض وَالْهِبَة وَالْوَقْف وَالصَّدَََقَة لِأَنَّهَا أَسبَاب شرعت ذرائع إِلَى الْمَقَاصِد تكْثر الْحَاجة إِلَى التَّوْكِيل فِيهَا
وَفِي معنى النِّكَاح الْخلْع وَالطَّلَاق والفسوخ فِي الْعُقُود وَالرَّجْعَة على الصَّحِيح
وَفِي معنى اسْتِيفَاء الجزى وَالصَّدقَات قبض الْحُقُوق فِي الرَّهْن وَالْبيع وَقبض الدُّيُون الْمُسْتَحقَّة
وَلَا تجوز النِّيَابَة فِيمَا يتَعَلَّق الْقَصْد بِعَيْنِه كالعبادات فَإِنَّهَا بِأَعْيَانِهَا مَقْصُودَة فِي المتعاطين امتحانا وتكليفا فَكيف تقبل التَّحْوِيل بِالتَّوْكِيلِ وَكَذَا الْمعاصِي كالسرقة وَالْقَتْل وَالزِّنَا وَالْغَصْب فَهِيَ وَاقعَة من الْوَكِيل لِأَنَّهُ مَقْصُود بالزجر عَن عينه فَيثبت حكمه فِي حَقه فَلَا يتَحَوَّل عَنهُ
وَألْحق بفن الْعِبَادَات الْإِيمَان والشهادات فَإِن حكم الْيَمين يتَعَلَّق بِذكر اسْم الله تَعَالَى على سَبِيل التَّعْظِيم وَلَيْسَ فِي التَّوْكِيل ذَلِك وَكَذَلِكَ حكم الشَّهَادَات يتَعَلَّق بِلَفْظ الشَّهَادَة حَتَّى لَا يقوم غَيره مقَامه فَكيف يتَعَلَّق بالساكت عَن كلمة أَدَاء الشَّهَادَة
ويلتحق بِالْيَمِينِ اللّعان وَالْإِيلَاء وَكَذَا الظِّهَار إِن قُلْنَا إِن الْمُغَلب عَلَيْهِ شوائب الْإِيمَان لَا شوائب الطَّلَاق

(3/276)


وَاخْتلفُوا فِي ثَلَاث مسَائِل
الأولى الْإِقْرَار وَظَاهر النَّص جَوَاز التَّوْكِيل فِيهِ لِأَنَّهُ سَبَب مُلْزم لمَال فَأشبه الضَّمَان وَغَيره
وَالثَّانِي وَهُوَ قَول ابْن سُرَيج واختياره أَنه لَا يَصح لِأَن الْإِقْرَار لَا يلْزم وَإِنَّمَا هُوَ حجَّة وإخبار كَالشَّهَادَةِ فَإِن لم يجوز التَّوْكِيل بِهِ فَهَل نجعله مقرا يالتوكيل فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم حملا لقَوْله على الصدْق وَالثَّانِي لَا فَإِنَّهُ لم يقر
الثَّانِيَة التَّوْكِيل فِي تملك الْمُبَاحَات بِإِثْبَات الْيَد كالإحتطاب والاصطياد واستقاء المَاء
وَفِيه وَجْهَان منشؤهما التَّرَدُّد بَين قبض الْحُقُوق فَإِنَّهَا قَابِلَة للتوكيل وَقبض الْمَحْظُورَات كالسرقة وَالْغَصْب فَإِنَّهُ لَا يقبل الْوكَالَة

(3/277)


الثَّالِثَة أَن التَّوْكِيل بِالْخُصُومَةِ لإِثْبَات الْأَمْوَال والعقوبات للآدميين كَحَد الْقَذْف فِي الْقصاص جَائِز بِرِضا الْخصم وَدون رِضَاهُ عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة
وَلَا يجوز التَّوْكِيل بِإِثْبَات الْحُدُود لله تَعَالَى فَإِن الْحق لله تَعَالَى وَهُوَ على الدراء مبناه وَهل يجوز التَّوْكِيل بِاسْتِيفَاء الْقصاص وحد الْقَذْف لَا شكّ فِي جَوَازه فِي حُضُور الْمُوكل وَفِي غيبته نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْوكَالَة أَنه لَا يسْتَوْفى وَقَالَ فِي الْجِنَايَات وَلَو وكل فَتنحّى بِهِ فَعَفَا الْمُوكل فَقتله الْوَكِيل قبل الْعلم بِالْعَفو فَفِي الضَّمَان قَولَانِ فَمنهمْ من قطع بِالْجَوَازِ كَمَا فِي حَضرته وَمِنْهُم من قطع بِالْمَنْعِ لِأَنَّهُ إِذا حضر رُبمَا رَحمَه فَعَفَا وَمِنْهُم من قَالَ قَولَانِ مأخذهما أَن الْإِبْدَال هَل يتَطَرَّق إِلَيْهَا كالإثبات

(3/278)


بِالشَّهَادَةِ على الشَّهَادَة لِأَن الْوَكِيل بدل وَهُوَ بَاطِل بِحَال الْحُضُور الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون مَا بِهِ التَّوْكِيل مَمْلُوكا لمُوكلِه فَلَو وَكله بِطَلَاق زَوْجَة سينكحها أَو بيع عبد سيملكه فالوكالة فِي الْحَال بَاطِلَة لِأَنَّهُ فوض إِلَيْهِ مَا لَا يملكهُ الشَّرْط الثَّالِث أَن يكون الْمُوكل بِهِ مضبوط الْجِنْس مَعْلُوما وَفِيه أَربع مسَائِل
الأولى إِذا وكل على الْعُمُوم فَلَو قَالَ وَكلتك بِكُل قَلِيل وَكثير لم يجز لِأَنَّهُ يعظم فِيهِ الْغرَر وَلَو قَالَ وَكلتك بِمَا إِلَيّ من تطليق زوجاتي وَعتق عَبِيدِي وَاسْتِيفَاء حقوقي وَقَضَاء ديوني فَهُوَ جَائِز لِأَنَّهُ فصل وَقيد بِمَا إِلَيْهِ فَانْتفى الْغرَر
وَلَو قَالَ وَكلتك بِكُل قَلِيل وَكثير مِمَّا إِلَيّ من التَّصَرُّفَات فَفِيهِ وَجْهَان

(3/279)


لتردده بَين المرتبين
الثَّانِيَة إِذا وكل بِتَصَرُّف خَاص وَقَالَ اشْتَرِ لي عبدا تركيا بِمِائَة صَحَّ وَلم يشْتَرط وَرَاءه وَصفا قطعا لِأَن هَذَا الْقدر ينفى الْغرَر عرفا
وَإِن اقْتصر على قَوْله اشْتَرِ عبدا فَالْمَذْهَب الْمَنْع لِأَنَّهُ يعظم فِيهِ الْغرَر
وَإِن قَالَ عبدا تركيا وَلم يذكر الثّمن فَفِيهِ وَجْهَان لتردده بَين المرتبتين
وَاخْتَارَ ابْن سُرَيج صِحَّته لِأَنَّهُ يكون قد وَطن نَفسه على أَعلَى الْجِنْس الْمَذْكُور
الثَّالِثَة إِذا جَوَّزنَا التَّوْكِيل بِالْإِقْرَارِ فَلَا يَصح حَتَّى يتَبَيَّن قدر الْمقر بِهِ وجنسه لِأَن الْغرَر يعظم فِيهِ
وَإِن وَكله بِالْإِبْرَاءِ فليذكر مِقْدَاره فَإِن قَالَ أبرئه من مَالِي عَمَّا لي عَلَيْهِ وعرفه الْمُوكل دون الْوَكِيل والمبرأ عَنهُ جَازَ فَلَا يشْتَرط إِلَّا معرفَة الْمُسْتَحق
وَلَو قَالَ بِعْ عَبدِي بِمَا بَاعَ بِهِ فلَان فرسه وَالْمُوكل عَالم بذلك الْقدر وَالْوَكِيل جَاهِل لم يجز فَيعْتَبر فِي العقد علم الْوَكِيل لِأَنَّهُ مُتَعَلق الْعهْدَة بِخِلَاف الْإِبْرَاء
الرَّابِعَة لَو قَالَ وَكلتك بمخاصمة خصمي فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا الْجَوَاز لِأَن الْخُصُومَة جنس وَاحِد
وَالثَّانِي لَا لما فِيهِ من الِاخْتِلَاف وَالْأولَى تَصْحِيحه

(3/280)


الرُّكْن الثَّانِي الْمُوكل

وَشَرطه أَن يكون قَادِرًا على التَّصَرُّف بِنَفسِهِ فَلَا يَصح تَوْكِيل المحنون وَالصَّبِيّ وَالْمَرْأَة فِي عقد النِّكَاح وَالْفَاسِق فِي نِكَاح ابْنَته إِذا قُلْنَا إِنَّه لَا يَلِي وَالْعَبْد فِي نِكَاحه لنَفسِهِ وَللْأَب وَالْجد ذَلِك التَّوْكِيل
وَهل للْأَخ وَالْعم وَمن يفْتَقر إِلَى الْإِذْن فِي ذَلِك فِيهِ وَجْهَان مِنْهُم من ألحقهم بالوكيل وَالْعَبْد الْمَأْذُون وهما لَا يملكَانِ التَّوْكِيل فِي التَّصَرُّف الْمعِين إِلَّا بِالْإِذْنِ
وَمِنْهُم من ألحق بالجد وَالْأَب

(3/281)


الرُّكْن الثَّالِث الْوَكِيل

وَشَرطه أَن يكون صَحِيح الْعبارَة فالمرأة مسلوبة الْعبارَة فِي النِّكَاح إِيجَابا وقبولا وَكَذَا الْمحرم عندنَا وَالصَّبِيّ وَالْمَجْنُون مسلوبا الْعبارَة مُطلقًا
وَالأَصَح أَن الْمَحْجُور عَلَيْهِ بالتبذير صَحِيح الْعبارَة وَكَذَا الْمَحْجُور عَلَيْهِ بالفلس فَيصح توكيلهم
وَذكروا فِي تَوْكِيل العَبْد بِقبُول النِّكَاح وتوكيل الْمَرْأَة بتطليق غَيرهَا وتوكيل الْفَاسِق بِالْإِيجَابِ فِي النِّكَاح وَجْهَيْن إِذا قُلْنَا إِنَّه لَا يَلِي مَعَ الْقطع بِأَنَّهُ يتوكل فِي الْقبُول وَيَنْبَغِي أَن يطرد الْوَجْهَانِ أَيْضا فِي إِيجَاب العَبْد فِي النِّكَاح
والأسد الْجَوَاز فِي الْكل إِذْ لَا خلل فِي نفس الْعبارَة وَإِنَّمَا امْتنع الِاسْتِقْلَال لِمَعْنى لَا يَقْتَضِي منع الْوكَالَة

(3/282)


الرُّكْن الرَّابِع الصِّيغَة

وَفِيه مَسْأَلَتَانِ
إِحْدَاهمَا أَن الْإِيجَاب لَا بُد مِنْهُ وَهُوَ قَوْله وَكلتك أَو أَذِنت لَك أَو مَا يقوم مقَامه
وَفِي الْقبُول ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا لَا يشْتَرط لِأَنَّهُ تسليط وَإِبَاحَة فَأشبه إِبَاحَة الطَّعَام وَفِي طَريقَة الْعرَاق أَنه لابد من الْقبُول ثمَّ يَكْفِي التَّرَاضِي وَالْقَبُول بِالْفِعْلِ وَهَذَا عين إِسْقَاط الْقبُول بتنزيله منزلَة الْإِبَاحَة وَالثَّانِي أَنه يشْتَرط لِأَنَّهُ عقد كالعقود
وَالثَّالِث قَالَ القَاضِي إِن قَالَ بِعْ وطلق وأتى بِصِيغَة الْأَمر فَهُوَ كالإباحة وَإِن قَالَ وَكلتك أَو أنبتك فَهَذَا من حَيْثُ الصِّيغَة يَسْتَدْعِي قبولا لينتظم
وَقد أطلق الْأَصْحَاب أَن الْوَكِيل لَو عزل نَفسه يَنْعَزِل
وعَلى رَأْي القَاضِي يحْتَمل أَن يُقَال لَا تَأْثِير لرد الْوكَالَة كَمَا لَا تأثر لرد الْإِبَاحَة وَيحْتَمل أَن يُقَال الْإِبَاحَة تبطل بِالرَّدِّ فَيحْتَاج إِلَى استئنافها بعد ذَلِك إِن قُلْنَا لَا يشْتَرط قبُوله فَفِي اشْتِرَاط علمه وَجْهَان مرتبان على انعزاله

(3/283)


بِالْعَزْلِ دون علمه وَأولى بِأَن يشْتَرط
فَإِن قُلْنَا يشْتَرط علمه فَفِي اشْتِرَاط اتِّصَاله بِالْوكَالَةِ مقترنا وَجْهَان
الثَّانِيَة تَعْلِيق الْوكَالَة بِالشُّرُوطِ فِيهِ خلاف مَشْهُور
مِنْهُم من بناه على اشْتِرَاط الْقبُول فَإِن التَّعْلِيق مَعَه لَا يَنْتَظِم
قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد إِن لم يشْتَرط الْقبُول جَازَ التَّعْلِيق لِأَن الْحَاجة قد تمس إِلَيْهِ وَإِن شرطنا الْقبُول فَوَجْهَانِ فَإنَّا نجوز تَعْلِيق الْخلْع وَقد شَرط فِيهِ الْقبُول فَإِن أفسدنا التَّعْلِيق فَوجدَ الشَّرْط
قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ جَازَ التَّصَرُّف بِحكم الْإِذْن وَفَائِدَة فَسَاد الْوكَالَة سُقُوط الْمُسَمّى إِن سمى لَهُ أُجْرَة وَقطع الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بِأَن الْإِذْن لَيْسَ مُنْفَصِلا عَن الْوكَالَة فَمَعْنَى فَسَادهَا بطلَان الْإِذْن فرعان
أَحدهمَا لَو قَالَ وَكلتك الْآن وَلَكِن لَا تباشر التَّصَرُّف إِلَّا بعد شهر أَو بعد قدوم فلَان
قطع الْعِرَاقِيُّونَ بِالْجَوَازِ وَقَالُوا لَيْسَ هَذَا تَعْلِيقا إِنَّمَا هُوَ تَأْخِير فَيجب عَلَيْهِ الِامْتِثَال وَبِه قطع الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد
الثَّانِي إِذا قَالَ كلما عزلتك فَأَنت وَكيلِي وجوزنا التَّعْلِيق عَاد وَكيلا فطريقه فِي الْعَزْل أَن يَقُول كلما عدت وَكيلِي فَأَنت مَعْزُول حَتَّى يتقاوم الْعَزْل وَالْوكَالَة وَيكون الأَصْل منع التَّصَرُّف

(3/284)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي حكم الْوكَالَة الصَّحِيحَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلها أَرْبَعَة أَحْكَام
الحكم الأول وجوب الْمُوَافقَة والامتثال

وَيعرف ذَلِك من مُوَافقَة اللَّفْظ وَلَا يعرف بِمُجَرَّدِهِ بل قد يُوَافق اللَّفْظ وَلَا يَصح لمُخَالفَة الْمَقْصُود وَقد يُخَالف اللَّفْظ فَيصح لموافقة الْمَقْصُود فَأَما مَا يُوَافق اللَّفْظ فِي عُمُومه وَيمْتَنع بمخالفة الْمَقْصُود فَذَلِك فِي الْوَكِيل الْمُطلق وَفِيه صور
الأولى أَن الْوَكِيل بِالْبيعِ مُطلقًا لَا يَبِيع بِالْعرضِ وَلَا النَّسِيئَة وَلَا بِمَا دون ثمن الْمثل وَلَا بِثمن الْمثل إِن قدر على مَا فَوْقه فَإِن فعل شَيْئا من ذَلِك لم يَصح تصرفه عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عته لِأَن قرينَة الْعرف عرفت هَذِه الْمَقَاصِد فَنزل منزلَة اللَّفْظ فَهُوَ كَمَا إِذا أمره بشرَاء الجمد فِي الصَّيف فَلَا يَشْتَرِيهِ فِي الشتَاء وَإِذا أمره بشرَاء الفحم فِي الشتَاء فَلَا يَشْتَرِيهِ فِي الصَّيف تركا لعُمُوم اللَّفْظ بِقَرِينَة الْحَال فَيجب أَن يَبِيع بِالنَّقْدِ الْغَالِب وَثمن الْمثل فَإِن بَاعَ بِثمن الْمثل فَطلب فِي مجْلِس الْخِيَار بِزِيَادَة فَفِي وجوب الْفَسْخ وَجْهَان فصلناهما فِي كتاب الرَّهْن
الثَّانِيَة أَن يَبِيع مِمَّن شَاءَ من أَقَاربه وَلَا يَبِيع من نَفسه عِنْد الْإِطْلَاق
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يَبِيع مِمَّن ترد شَهَادَته لَهُ

(3/285)


وَذَلِكَ وَجه لِأَصْحَابِنَا مَشْهُور فِي طَريقَة الْعرَاق
وَالصَّحِيح أَنه ينفذ مهما رَاعى الْغِبْطَة وَبيعه من نَفسه خَارج عَنهُ بِقَرِينَة الْعرف
نعم لَو صرح بِالْإِذْنِ فِي بَيْعه من نَفسه فقد ذكر ابْن سُرَيج وَجْهَيْن الْقيَاس الظَّاهِر صِحَّته
وَوجه الْمَنْع أَنه يتحد البَائِع وَالْمُشْتَرِي وَالْبيع فعل شَرْعِي مُتَعَدٍّ إِلَى مبتاع ومبيع فَلَا يقوم إِلَّا بمفعولين
وطرد ابْن سُرَيج هَذَا فِي ابْن الْعم أَنه هَل يتَوَلَّى طرفِي النِّكَاح لنَفسِهِ وَكَذَا الْوَكِيل فِي النِّكَاح
وطرد هَذَا فِي قطع الْيَد بِإِذن الإِمَام سَرقَة وقصاصا وَإِقَامَة الْحَد إِذا تعاطاها من عَلَيْهِ بِالْإِذْنِ وَكَذَلِكَ من عَلَيْهِ الدّين إِذا قَالَ لَهُ الْمُسْتَحق اقبض لي من

(3/286)


نَفسك وَقَالَ لَو وَكله من عَلَيْهِ الدّين بإبراء نَفسه جَازَ
وطرد الْعِرَاقِيُّونَ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ وَلَعَلَّ منشأه أَنه إِذا قيل هَل يفْتَقر إِلَى الْقبُول يلْتَحق بِسَائِر التَّصَرُّفَات وَإِلَّا فَمَا ذكره ابْن سُرَيج ظَاهر
وَكَذَا الْخلاف فِي الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ من الْجَانِبَيْنِ أَنه هَل يَصح
وَلَا خلاف أَن الْأَب يتَوَلَّى طرفِي البيع فِي مَال وَلَده وَذَلِكَ من خاصية الْأُبُوَّة وَفِي تولي الْجد طرفِي النِّكَاح على حفدته الْوَجْهَانِ وَلَو كَانَ وَكيلا بِالْبيعِ وَالشِّرَاء من الطَّرفَيْنِ فَيَنْبَغِي أَن يخرج على الْوَجْهَيْنِ فَإِن التَّنَاقُض فِيهِ لَا يزِيد على بَيْعه من نَفسه
وَلَو وكل عبدا ليَشْتَرِي لَهُ نَفسه من مَوْلَاهُ صَحَّ وَفِي طَريقَة الْعرَاق وَجه أَنه لَا يَصح لِأَن تَوْكِيل العَبْد كتوكيل الْمولى فَإِن يَده بِيَدِهِ وَلَو وَكله ليَشْتَرِي لَهُ من نَفسه لَا يجوز على أحد الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ ضَعِيف
نعم قَالَ صَاحب التَّقْرِيب لَو أضَاف العَبْد الشِّرَاء إِلَى مُوكله وَقع عَنهُ وَلَو أطلق وَقع عَن العَبْد وَعتق لِأَن قَوْله اشْتريت صَرِيح فِي اقْتِضَاء الْعتْق فَلَا يتَحَوَّل إِلَى الْملك بِمُجَرَّد النِّيَّة
وَلَو وكل العَبْد أَجْنَبِيّا ليَشْتَرِي لَهُ نَفسه من سَيّده فَإِن صرح بِالْإِضَافَة إِلَى العَبْد صَحَّ وَإِن أضمر وَقع عَنهُ لِأَن السَّيِّد لم يرض بِالْعِتْقِ وَالنَّقْل إِلَى العَبْد كالإعتاق
الثَّالِثَة الْوَكِيل بِالْبيعِ إِلَى أجل إِن فصل لَهُ الْأَجَل لم يزدْ وَإِن أذن

(3/287)


مُطلقًا فِي الأَصْل فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الْبطلَان لِأَنَّهُ مَجْهُول
وَالأَصَح الصِّحَّة ثمَّ يتَقَيَّد بِشَرْط الْغِبْطَة
وَقيل لَا يزِيد على سنة فَإِنَّهُ أجل الشَّرْع فِي الْجِزْيَة وَالزَّكَاة وَهُوَ ضَعِيف
الرَّابِعَة الْوَكِيل بِالْبيعِ مُطلقًا لَا يملك تَسْلِيم الْمَبِيع قبل توفير الثّمن لِأَنَّهُ لم يُؤذن لَهُ فِيهِ فَإِن وفر على الْمَالِك جَازَ التَّسْلِيم لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ فَعَلَيهِ الْأَدَاء أَن لَا يمْنَع من الْحق لِأَنَّهُ ملكه بِالتَّوْكِيلِ
وَكَذَلِكَ التَّوْكِيل بِالشِّرَاءِ يملك تَسْلِيم الثّمن وَيملك قبض المُشْتَرِي لِأَن الْعرف يدل عَلَيْهِ وَهُوَ يملك قبض ثمن الْمَبِيع الْمعِين فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ لم يَأْذَن وَتَعْيِين ملكه بِالْقَبْضِ يَسْتَدْعِي أمرا مجددا
وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ من تَوَابِع البيع كقبض المُشْتَرِي الْمعِين فَكَذَلِك الْخلاف فِي أَن الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ فِي إِثْبَات حق هَل يملك استيفاءه الْوَكِيل بِالِاسْتِيفَاءِ هَل يملك الْخُصُومَة فِيهِ ثَلَاثَة أوجه

(3/288)


الثَّالِث أَن الْوَكِيل بِإِثْبَات الْحق لَا يملك الِاسْتِيفَاء أما الْوَكِيل بِالِاسْتِيفَاءِ فَيملك الْخُصُومَة لِأَنَّهُ من جملَة الِاسْتِيفَاء
وَكَذَا الْخلاف فِي أَن الْوَكِيل بِالشِّرَاءِ إِذا توجه الدَّرك بِالثّمن عِنْد خُرُوج الْمَبِيع مُسْتَحقّا هَل يُخَاصم فِي اسْتِرْدَاد الثّمن لِأَنَّهُ من التوابع
وَلَا خلاف فِي أَنه لَا يملك الْإِبْرَاء عَن الثّمن خلافًا لأبي حنيفَة وَيقرب من هَذَا الأَصْل الْخلاف فِي أَنه هَل يملك إِثْبَات الْخِيَار وَشَرطه فِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا لَا لِأَن لم يُؤذن لَهُ فِيهِ
وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ من تَوَابِع العقد ومصالحه
وَالثَّالِث أَنه يملك فِي الشِّرَاء للْحَاجة إِلَى التروي وَلَا يملك فِي البيع
الْخَامِسَة الْوَكِيل الْمُطلق بِالشِّرَاءِ إِن اشْترى عبدا معيبا يُسَاوِي مَا اشْتَرَاهُ بِهِ فَإِن جهل الْعَيْب وَقع عَن الْمُوكل وَإِن علمه فَثَلَاثَة أوجه
لأحدها نعم لِأَن صِيغَة العَبْد عَام
وَالثَّانِي لَا لِأَن لعرف يخصص بِالتَّسْلِيمِ
وَالثَّالِث أَن مَا لَا يُجزئ فِي الْكَفَّارَة لَا يَقع عَن جِهَته فَقَوله اشْتَرِ رَقَبَة كَقَوْل الله تَعَالَى {فَتَحْرِير رَقَبَة}

(3/289)


أما إِذا كَانَ لَا يُسَاوِي مَا اشْترى بِهِ فَإِن علم الْعَيْب لم يَقع عَن الْمُوكل لِأَنَّهُ مُخَالف وَإِن جهل فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا لَا كَمَا لَو كَانَ يغبن وَلم يعرف
وَالثَّانِي نعم لِأَن الْغبن لَا تدارك لَهُ وإيقاع هَذَا عَنهُ ووقوعه على رضَا الْمُوكل مُمكن
التَّفْرِيع

إِذا اشْترى الْمَبِيع الْمَعِيب بِثمن الْمثل وَقُلْنَا يَقع عَنهُ فللموكل الرَّد وَهل للْوَكِيل الرَّد بِالْعَيْبِ
نظر إِن لم يكن العَبْد معيبا من جِهَة الْمُوكل فَالظَّاهِر أَن لَهُ ذَلِك ليخرج عَن الْعهْدَة فَيكون من تَوَابِع العقد ومصالحه وَفِيه وَجه حَكَاهُ صَاحب التَّقْرِيب عَن ابْن سُرَيج أَنه لَا يملك وَهُوَ مُتَّجه قِيَاسا بل يرجع إِلَى الْمُوكل
أما إِذا كَانَ العَبْد معينا من جِهَة الْمُوكل فَوَجْهَانِ مشهوران وَوجه الْفرق أَنه قطع بِالتَّعْيِينِ نظره فَلَعَلَّ لَهُ فِيهِ غَرضا يجْبر الْعَيْب إِذا علمه

(3/290)


فَإِذا أثبتنا الْخِيَار للْوَكِيل فَإِذا رَضِي الْمُوكل سقط خِيَار الْوَكِيل فَإِن رَضِي الْوَكِيل لم يسْقط خِيَار الْمُوكل فَلَو عَاد الْوَكِيل بعد الرِّضَا جَازَ على أحد الْوَجْهَيْنِ لِأَن رِضَاهُ كَانَ سَاقِطا
وَفِيه وَجه أَنه لم يجز لَهُ الرَّد فَلَو أَرَادَ الْوَكِيل الرَّد فَادّعى البَائِع رضَا الْمُوكل فَعَلَيهِ الْبَيِّنَة أَو يحلف الْوَكِيل أَنه لَا يعلم رضَا الْمُوكل وَيرد ليخرج عَن الْعهْدَة أما إِذا كَانَ الْوَكِيل عَالما بِالْعَيْبِ وَقُلْنَا يَقع عَن الْمُوكل فَلَا رد لَهُ وَهل للْمُوكل الرَّد فِيهِ وَجْهَان
وَوجه الْمَنْع أَن علم الْوَكِيل كعلم الْمُوكل كَمَا أَن رُؤْيَته تمنع الْمُوكل من خِيَار الرُّؤْيَة فَإِن قُلْنَا لَهُ الرَّد فَإِذا رد هَل يتَحَوَّل العقد الْآن إِلَى المُشْتَرِي فِيهِ وَجْهَان
وَوجه الْمَنْع أَنه وَقع فِي الِابْتِدَاء عَن الْمُوكل فَلَا يعقل انْتِقَاله
السَّادِسَة الْوَكِيل الْمُطلق بِتَصَرُّف معِين لَا توكل فِيهِ

(3/291)


وَلَو فوض إِلَيْهِ تَصَرُّفَات لَا يطيقها فَثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا لَا لِأَنَّهُ لم يُؤذن لَهُ فَلْيفْعَل مَا يقدر عَلَيْهِ وليترك الْبَاقِي
وَالثَّانِي نعم لِأَن قرينَة الْحَال يدل على أَنه أَرَادَ تَحْصِيله مِنْهُ بطريقة
وَالثَّالِث أَنه لَا يُوكل فِي الْقدر الميسور ويوكل فِي الْبَاقِي
آما إِذا أذن لَهُ فِي التَّوْكِيل بَان قَالَ بِعْ أَو وكل عني فَلهُ أَن يُوكل أَمينا فَلَو وكل خائنا لم يَصح لِأَنَّهُ خلاف الْغِبْطَة
فان كَانَ أَمينا فخان فَهَل للْوَكِيل عَزله فِيهِ وَجْهَان
ثمَّ إِذا قَالَ وكل عني فَوكل أَمينا فالوكيل الثَّانِي وَكيل الْمُوكل لَا يَنْعَزِل بعزل الْوَكِيل فان قَالَ وكل عَن نَفسك فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا ان الْوَكِيل الثَّانِي وَكيل الْوَكِيل كَمَا صرح بِهِ
وَالثَّانِي وَكيل الْمُوكل لِأَن الْوَكِيل لَا يملك فَكيف يكون لَهُ وَكيل
ان قُلْنَا انه وَكيل الْوَكِيل فَلهُ عَزله وسبيل الْمُوكل إِلَيّ عَزله بعزل الْوَكِيل الأول فان خصصه بِالْعَزْلِ فَوَجْهَانِ

(3/292)


وان قُلْنَا وَكيل الْمُوكل فَلَا يَنْعَزِل الْوَكِيل الأول وَهل يَنْعَزِل بِمَوْتِهِ وَجْهَان وَوجه الانعزال أَنه فرع على الْجُمْلَة
وَلَو قَالَ بِعْ أَو وكل وَلم يقل عَن نَفسك أَو عني فعلى أَيهمَا يحمل على وَجْهَيْن
هَذَا كُله فِي الْوَكِيل الْمُطلق أما الْوَكِيل الْمُقَيد فَيجب عَلَيْهِ أَن يتبع قيود التَّوْكِيل وَلَا يُخَالف وَفِيه صور
الأولى لَو قَالَ بِعْ من شخص مَخْصُوص أَو فِي مَكَان مَخْصُوص أَو بِنَقْد مَخْصُوص أَو وَقت مَخْصُوص أَو أجل مَخْصُوص لم يجز لَهُ ان يتَعَدَّى الى مَا نَهَاهُ وَلَا الى مَا سكت عَنهُ اذ 1 تصور ان يكون لَهُ فِي الْمَخْصُوص غَرَض
وَفِي تَخْصِيص الْمَكَان الَّذِي لَا يظْهر فِيهِ تفَاوت ثمن وَجه

(3/293)


آخر أَنه لَا يجب اتِّبَاعه وَيحمل التَّخْصِيص على وفَاق
فَلَو قَالَ بِعْ بِمِائَة وَلَا تبع بِمَا فَوْقه لَا يَبِيع بِمَا فَوْقه وَلَو قَالَ بِعْ بِمِائَة وَاقْتصر عَلَيْهِ لَا يَبِيع منا دونه وَيبِيع بِمَا فَوْقه ألانه امتثل مَا آمُر وَزَاد خيرا فَلم تكن مُخَالفَة كَذَلِك إِذا قَالَ اشْتَرِ بالفين فَاشْتَرَاهُ بآلف صَحَّ لِأَنَّهُ زَاده خيرا آلا إِذا نَهَاهُ عَمَّا دون الآلفين
وَلَو قَالَ بِعْ بآلف دِرْهَم فَبَاعَ بآلف دِينَار لم يَصح قطعا لانه مُخَالفَة فِي الْجِنْس وَاللَّفْظ لم يدل عَلَيْهِ فيبق ميله طبعا إِلَيْهِ فَهُوَ كَمَا قبل التَّوْكِيل
وَلَو قَالَ بِعْ بِالنَّسِيئَةِ بِمِائَة فَبَاعَ بمئه نَقْدا فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا أَنه اخْتِلَاف جنس فَلَا يحْتَمل
وَالثَّانِي أَنه يَصح لِأَنَّهُ زَاده مَكَان الْمُطَالبَة فِي الْحَال فَهَذَا زِيَادَة قدر
الثَّانِيَة إِذا سلم إِلَيْهِ دِينَارا وَقَالَ اشْتَرِ بِهِ شَاة فَاشْترى بِهِ

(3/294)


شَاتين وكل وَاحِدَة تَسَاوِي دِينَارا أَو دِينَارا وَنصفا لم يجز لِأَنَّهُ رُبمَا يَبْغِي شَاة تَسَاوِي دِينَارا فَلَو اشْترى شَاتين كل وَاحِدَة يُسَاوِي دِينَارا فَقَوْلَانِ أصَحهمَا الصِّحَّة لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام دفع دِينَارا إِلَى عُرْوَة ليَشْتَرِي لبه شَاة فاشتري شَاتين وَبَاعَ إحديهما بِدِينَار وَجَاء بِدِينَار وَالشَّاة فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام بَارك الله لَك فِي صَفْقَة يَمِينك
فان قيل فَمَا قَوْلكُم فِي بيع الشَّاة الثَّانِيَة
قُلْنَا ذكر ابْن سُرَيج قَوْلَيْنِ وَوجه الْفساد يخرج الى تَأْوِيل الحَدِيث وَحمله الى أَنه كَانَ وَكيلا مُطلقًا فِي التَّصَرُّفَات وَوجه الصِّحَّة يعضد قَول وقف الْعُقُود
وَيُمكن أَن يُقَال جرى هَاهُنَا لفظ يدل على أَن الَّذِي جرى يُوَافق الرِّضَا فَلم يكن كوقف الْعُقُود بل يَصح فِي الْحَال
وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه لَا يَصح وَهَذَا لَا وَجه لَهُ مَعَ الْخَبَر

(3/295)


وَلَو قَالَ بِعْ هَذَا العَبْد بِمِائَة فَبَاعَ بِمِائَة وَعبد آخر يُسَاوِي مائَة فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِالْمَنْعِ لانه جمع بَين جِنْسَيْنِ
فان قُلْنَا لَا يَقع عَنهُ فَوَجْهَانِ أَحدهمَا انه يفْسد
وَالثَّانِي انه يَصح فِي نصف العَبْد فَكَانهُ قَالَ بِعْ العَبْد بآلف فَبَاعَ نصفه بإلف صَحَّ لانه زَاده خير
الثَّالِثَة لَو كُله بشرَاء عبد بِأَلف فَاشْترى نصفه باربعمائة لم يَقع عَنهُ فَلَو اشْترى النّصْف الْبَاقِي باربعمائة أُخْرَى لم يَنْقَلِب إِلَيْهِ الْكل بعد انْصِرَافه عِنْد ابْتِدَاء وَفِيه وَجه لَا يعْتد بِهِ
أما إِذا قَالَ اشْتَرِ لي عشرَة اعبد بصفقة وَاحِدَة فليشتر من شخص وَاحِد فَلَو اشْترى من أشخاص فِي صَفْقَة وَاحِدَة فَوَجْهَانِ

(3/296)


أَحدهمَا لالان الصَّفْقَة تَتَعَدَّد بِتَعَدُّد البَائِع
وَالثَّانِي نعم لَان الْمَقْصُود ان يكون الْكل مجموعا فِي ملكه
أما إِذا قَالَ اشْتَرِ لي عشرَة اعبد مُطلقًا فَلهُ ان يَشْتَرِي فِي صفقات وَفِي صَفْقَة كَيفَ شَاءَ
الربعة إِذا وَكله بشرَاء فَاسد لم يَصح الْوكَالَة وَلَا يَسْتَفِيد بهَا الشِّرَاء الصَّحِيح
وَلَو قَالَ خَالع زَوْجَتي على خمر فَفعل وَقع الْخلْع كَمَا لَو تعاطاه بِنَفسِهِ فَلَو خَالع على خِنْزِير فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا يَصح لانه مُخَالف
وَالثَّانِي نعم لَان قَوْله فِي التَّعْيِين فَاسد إِنَّمَا الصَّحِيح اصل الْخلْع حَتَّى لَو خَالع على عوض صَحِيح نفذ الْخلْع وَفَسَد الْعِوَض وَكَذَا فِي الصُّلْح عَن الدَّم
الْخَامِسَة الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ لَا يقر على مُوكله لَان اللَّفْظ لَا يتَنَاوَلهُ وضعتا وَعرفا خلافًا لأبى حنيفَة رَحمَه الله وَلَا تقبل شَهَادَته لمُوكلِه فانه مُتَّهم فان شهد بعد الْعَزْل وَكَانَ قد انتصب مخاصما فِي الْوكَالَة لم تقبل لانه صَار ذَا غَرَض طبعي فِي تَصْدِيق نَفسه وتمشية قَوْله وان لم ينْتَصب فعزل سَمِعت شَهَادَته

(3/297)


وَقَالَ الْأَصْحَاب لَيْسَ لَهُ أَن يعدل شُهُود خصم الْمُوكل كَمَا لَا يملك الْإِقْرَار وَهَذَا ضَعِيف لِأَنَّهُ لم يستفد التَّعْدِيل من الْوكَالَة فَإِنَّهُ يعدل من غير وكَالَة
نعم لَا يَجْعَل تعديله وَحده كإقرار الْمُوكل بعد التهم وَلَا وَجه لما أطلقهُ الْأَصْحَاب إِلَّا أَنه بتعديل الشُّهُود مقصر فِي الْوكَالَة وتارك حق النصح وَالْغِبْطَة لَهُ
السَّادِسَة إِذا قَالَ خُذ مَالِي من فلَان فَمَاتَ لم يَأْخُذهُ من ورثته لِأَنَّهُ قد رَضِي بيد ورثته وَلَو قَالَ خُذ مَالِي من الْحق على فلَان جَازَ أَن يَأْخُذ من ورثته لِأَن قَصده اسْتِيفَاء الْحق وَكَذَلِكَ لَو وكل الْعدْل فِي بيع الْمَرْهُون وَهُوَ حِنْطَة فأتلفها أَجْنَبِي فَأخذ مثلهَا لم يكن لَهُ بيعهَا لِأَن الْإِذْن لَا يتَنَاوَل الْبَدَل
السَّابِعَة لَو وكل رجلَيْنِ بِالْخُصُومَةِ فَهَل لكل وَاحِد الاستبداد فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا كالوصيين والوكيلين فِي التَّصَرُّف
وَالثَّانِي نعم لِأَن الْعرف فِي الْخُصُومَة يجوز ذَلِك
الثَّامِنَة إِذا سلم إِلَيْهِ ألفا وَقَالَ اشْتَرِ بِعَينهَا عبدا فَاشْترى فِي الذِّمَّة لم يَقع عَن الْمُوكل لمُخَالفَته
وَلَو قَالَ اشْتَرِ فِي الذِّمَّة واصرف الْألف فِيهِ فَاشْترى بِعَينهَا فَوَجْهَانِ
وَوجه التَّصْحِيح أَنه لم يتَفَاوَت إِلَّا أَنه يَنْفَسِخ العقد بتلفه فَلَا يلْزمه الْألف عِنْد

(3/298)


التّلف وَلَو اشْترى فِي الذِّمَّة للزمه فِي التّلف والبقاء فقد زَاده خيرا
وَلَو سلم للألف وَقَالَ اشْتَرِ عبدا مُطلقًا فعلى مَاذَا يحمل فِيهِ وَجْهَان فَإِن حملنَا على الشِّرَاء بِعَيْنِه لم يجز الشِّرَاء فِي الذِّمَّة
التَّاسِعَة إِذا قَالَ بِعْ من زيد بِأَلف فَبَاعَ بِأَلفَيْنِ لم يجز لِأَن لَهُ فِي مسامحته غَرضا بعد التَّعْيِين إِلَّا إِذا علم خِلَافه بِالْقَرِينَةِ
وَإِن وَكله فِي بيع عبد بِأَلف فَبَاعَ نصفه بِأَلف جَازَ وَلَو كَانَ بِمَا دون الْألف لم يجز لِأَن الْبَاقِي رُبمَا لَا يشترى بِمَا يكمل الْألف وَلَو قَالَ بِعْ ثَلَاثَة أعبد بِأَلف فَبَاعَ وَاحِدًا بِمَا دون الْألف لم يجز لِأَن الْبَاقِي رُبمَا لَا يَشْتَرِي بِمَا لايكمل الْألف وَلَو بَاعَ بِأَلف جَازَ وَهل يبْقى وَكيلا فِي بيع الْبَاقِي وَجْهَان أَحدهمَا لَا لحُصُول الْمَقْصُود
وَالثَّانِي نعم كَمَا إِذا بَاعَ دفْعَة وَاحِدَة بِأَلفَيْنِ مَعَ الْقُدْرَة على بيع وَاحِد بِأَلف فَإِن قَالَ اشْتَرِ العَبْد بِمِائَة وَلَا تشتره بِخَمْسِينَ لم يشتر بالخمسين وَلَا بِمَا فَوق الْمِائَة وَيَشْتَرِي بِمَا بَين الْخمسين وَالْمِائَة وَهل يَشْتَرِي بِمَا دون الْخمسين وَجْهَان وَلَو قَالَ اشْتَرِ العَبْد بِمِائَة فَاشْترى بِمِائَة وَعشرَة لم يَقع عَن الْمُوكل

(3/299)


وَقَالَ ابْن سُرَيج يَقع ويلتزم الْوَكِيل من عِنْده عشرَة وَهُوَ بَاطِل بِمَا لَو بَاعَ العَبْد الْمَأْذُون فِي بَيْعه بِمِائَة بتسعين فَإِنَّهُ لَا يَصح البيع اعْتِمَادًا على ضَمَان الْعشْرَة
وَقَالَ الإِمَام مَا ذكره ابْن سُرَيج لَهُ وَجه فَإِن من قَالَ لغيره بِعْ دَارك من فلَان وَلَك عَليّ عشرَة جَازَ على أحد الْوَجْهَيْنِ فَكَذَلِك فعله ينزل على هَذَا إِذْ لَيْسَ يرد عَلَيْهِ إِذا قَالَ بِعْ بِمِائَة فَبَاعَ بتسعين لِأَن الْوَكِيل وَالْمُوكل فِي الْتِزَامه المَال بِأَن يَبِيع بتسعين
فَإِن قيل فَحَيْثُ خَالف الْوَكِيل مَا حكمه
قُلْنَا إِن خَالف فِي البيع لبطل أصلا وَإِن خَالف فِي الشِّرَاء وَاشْترى بِعَين مَال الْمُوكل أَيْضا بَطل وَإِن كَانَ فِي الذِّمَّة وَقع عَن الْوَكِيل إِلَّا إِذا صرح بِالْإِضَافَة إِلَى الْمُوكل فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يلغي إِضَافَته
وَالثَّانِي أَنه يبطل من أَصله لِأَنَّهُ لَا يحْتَمل كَلَامه مَعَ التَّصْرِيح بإضافته إِلَيْهِ بِخِلَاف الْمُطلق

(3/300)


الحكم الثَّانِي للوكالة ثُبُوت حكم الْأَمَانَة للْوَكِيل

حَتَّى أَن مَا يتْلف فِي يَده من الْمَبِيع وَالثمن وَالْمُشْتَرِي لَا يضمنهُ إِذا لم يَتَعَدَّ فَلَو طُولِبَ بِالرَّدِّ فَامْتنعَ عصى وَصَارَ ضَامِنا وَلَو انْتفع بِالْمَبِيعِ أَيْضا صَار ضَامِنا فَلَو بَاعَ بعد التَّعَدِّي صَحَّ وَلم يضمن الثّمن وَإِن قَبضه لِأَنَّهُ لم يَتَعَدَّ فِي عَيبه وَلَو وكل بِبيع شَيْء يُسَاوِي عشرَة فَبَاعَ بِتِسْعَة يجوز لِأَن هَذَا الْقدر يتَغَابَن النَّاس بِمثلِهِ والاحتراز عَنهُ عسير فَلَو بَاعَ بِثمَانِيَة لم يَصح العقد وَلَا يضمن إِذا لم يسلم لِأَنَّهُ هذيان صدر مِنْهُ وَلم يتَعَلَّق بِالْعينِ فَيصح بَيْعه بعد ذَلِك بِالْعشرَةِ فَلَو بَاعَ بِثمَانِيَة وَسلم فقد تعدى وَالْمُوكل يسْتَردّ الْمَبِيع إِن كَانَ بَاقِيا وَإِن تلف فِي يَد المُشْتَرِي ضمن المُشْتَرِي عشرَة وَله أَن يُطَالب الْوَكِيل أَيْضا وَلَكِن بكم يُطَالِبهُ فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا بِالْعشرَةِ وَهُوَ الْأَظْهر
وَالثَّانِي بِتِسْعَة إِذْ لَو بَاعَ بِتِسْعَة وَسلم إِلَيْهِ لبرئ عَنهُ
وَالثَّالِث أَنه يُطَالِبهُ بدرهم وَالْبَاقِي يتَعَيَّن المُشْتَرِي وبمطالبته إِذْ كَانَ تَنْقَطِع الْمُطَالبَة بِأَن يَبِيع بِتِسْعَة فَإِذا بَاعَ بِثمَانِيَة فقد نقص دِرْهَم وَالصَّحِيح هُوَ الأول
ثمَّ كل مَا ضمنه الْوَكِيل يرجع بِهِ على المُشْتَرِي لِأَنَّهُ تلف فِي يَد المُشْتَرِي فالقرار عَلَيْهِ
وَالْوَكِيل فِي السّلم إِذا أَبْرَأ الْمُسلم إِلَيْهِ عَن الْمُسلم فِي وَلم يعْتَرف بِكَوْنِهِ وَكيلا نفذ الْإِبْرَاء ظَاهرا وَلَا ينفذ بَاطِنا وَضمن الْوَكِيل للْمُوكل إِن قُلْنَا إِن

(3/301)


الْحَيْلُولَة بالْقَوْل سَبَب الضَّمَان ثمَّ يضمن لَهُ قيمَة رَأس المَال فَإِن الِاعْتِيَاض عَن الْمُسلم فِيهِ قبل الْقَبْض لَا يجوز بِخِلَاف مَا لَو بَاعَ عينا وَأَبْرَأ عَن الثّمن فَإِنَّهُ يضمن مبلغ الثّمن لَا قيمَة الْمَبِيع
وَمهما طُولِبَ الْوَكِيل أَو الْمُودع بِالرَّدِّ فَكَانَ فِي الْحمام أَو مَشْغُولًا بِالطَّعَامِ لم يعْص بِهَذَا الْقدر من التَّأْخِير وَهُوَ ظَاهر بِالْعرْفِ وَلَكِن قَالَ الْأَصْحَاب لَو تلف فِي هَذِه الْمدَّة ضمن وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ التَّأْخِير لغَرَض نَفسه بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة
وَهَذَا منقدح إِذا كَانَ التّلف بِسَبَب التَّأْخِير وبعيد إِذا لم يكن التَّأْخِير سَببا فِيهِ

(3/302)


الحكم الثَّالِث الْعهْدَة والمطالبة

وَلها ثَلَاث مَوَاضِع
الأول فِي الشِّرَاء فالوكيل بِالشِّرَاءِ إِن سلم إِلَيْهِ الثّمن كَانَ مطالبا بِتَسْلِيم مَا سلم إِلَيْهِ وَإِن لم يسلم الْمُوكل إِلَيْهِ شَيْئا وَأنكر البَائِع كَونه وَكيلا فَلهُ مُطَالبَته وَإِن اعْترف بِكَوْنِهِ وَكيلا فَثَلَاثَة أوجه ذكرهَا ابْن سُرَيج
أَحدهَا أَنه المطالب فَإِنَّهُ الْعَاقِد
وَالثَّانِي أَنه لَا يُطَالب إِلَّا الْمُوكل فَإِنَّهُ المتملك وَالْوَكِيل سفير
وَالثَّالِث أَنه يُطَالب أَيهمَا شَاءَ ثمَّ إِن طَالب الْوَكِيل فَالْأَصَحّ أَنه يرجع على الْمُوكل
وَفِيه وَجه أَن قَوْله اشْتَرِ لي اقتراح هبة فَهُوَ كَقَوْلِه أد ديني وَفِي الرُّجُوع ثمَّ خلاف
الْموضع الثَّانِي إِذا خرج الْمَبِيع مُسْتَحقّا وَقد تلف الثّمن فِي يَد الْوَكِيل فَالْمُشْتَرِي يُطَالب من فِيهِ الْأَوْجه الثَّلَاثَة
أَحدهَا الْوَكِيل فَقَط فَإِنَّهُ تلف فِي يَده
وَالثَّانِي الْمُوكل فَإِنَّهُ سفير من جِهَته
وَالثَّالِث يطالبهما جَمِيعًا
ثمَّ قَرَار الضَّمَان على من فِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه على الْوَكِيل إِذا تلف فِي يَده فالموكل يرجع عَلَيْهِ

(3/303)


وَالثَّانِي على الْمُوكل لِأَن الْوَكِيل كَانَ مَأْمُورا من جِهَته
وَالثَّالِث لَا يرجع أَحدهمَا على صَاحبه بل كل من طُولِبَ اسْتَقر عَلَيْهِ
الْموضع الثَّالِث الْوَكِيل بشرَاء العَبْد إِذا قبض العَبْد الْمُشْتَرى وَتلف فِي يَده وَخرج مُسْتَحقّا فالمستحق يُطَالب البَائِع لَا محَالة وَفِي مُطَالبَته للْوَكِيل وَالْمُوكل الْأَوْجه الثَّلَاثَة
وَكَذَا الْخلاف فِي الْقَرار وَتَقْرِير الضَّمَان على الْمُوكل هَاهُنَا أبعد لِأَنَّهُ لم يسْبق مِنْهُ تغرير بِخِلَاف التَّوْكِيل فِي البيع

(3/304)


الحكم الرَّابِع للوكالة الْجَوَاز

فَهُوَ جَائِز من الْجَانِبَيْنِ وينعزل الْوَكِيل بِثَلَاثَة أَسبَاب
الأول عزول الْمُوكل إِيَّاه بمشهد مِنْهُ وَإِن كَانَ فِي غيبته فينعزل مهما بلغه الْخَبَر وَقيل بُلُوغ الْخَبَر قَولَانِ
الْمَنْصُوص أَنه يَنْعَزِل لِأَنَّهُ لَا يفْتَقر إِلَى رِضَاهُ فَلَا يفْتَقر إِلَى حُضُوره وَعلمه
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَا يوثق بتصرفه لتصور عَزله دون مَعْرفَته فَصَارَ كَالْقَاضِي
وَفِي القَاضِي وَجه أَنه يَنْعَزِل فِي الْغَيْبَة وَهُوَ بعيد فَإِن عزل القَاضِي بِغَيْر سَبَب لَا يجوز وعزل الْوَكِيل جَائِز وَلَا خلاف فِي أَن الْمُوكل لَو بَاعَ مَا وكل فِي بَيْعه أَو أعتق انْعَزل الْوَكِيل ضمنا فَإِن قُلْنَا ينفذ عَزله فِي الْغَيْبَة فليشهد الْمُوكل عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يسمع مُجَرّد قَوْله بعد تصرف الْوَكِيل
السَّبَب الثَّانِي عزل الْوَكِيل نَفسه وتعديه فِي مَال الْوكَالَة لَيْسَ ردا للوكالة بل يبْقى وَكيلا على الْأَصَح وَإِن صَار ضَامِنا بإنكاره الْوكَالَة هَل يَجْعَل إنْشَاء للرَّدّ فِيهِ ثَلَاثَة أوجه وَالأَصَح هُوَ الثَّالِث وَهُوَ أَنه إِن قَالَ ذَلِك عَن نِسْيَان

(3/305)


أَو لغَرَض فِي إخفاء الْوكَالَة فَلَا يكون عزلا وَإِن أنكر مَعَ الْعلم فَهُوَ رد للوكالة من جِهَته
الثَّالِث أَن يخرج الْمُوكل بالجنون أَو الْمَوْت عَن أَهْلِيَّة التَّوْكِيل أَو الْوَكِيل عَن أَهْلِيَّة التَّوْكِيل أَو الْوَكِيل عَن أَهْلِيَّة الِامْتِثَال بالجنون وَالْمَوْت وَالأَصَح أَنه لَا يَنْعَزِل بالإغماء وينعزل بالجنون وَإِن قل وَقيل لَا يَنْعَزِل بهما وَقيل يَنْعَزِل بهما جَمِيعًا
فَلَو وكل عَبده ثمَّ أعْتقهُ أَو بَاعه أَو كَاتبه فَفِي انعزاله ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا لَا لعُمُوم الْإِذْن وَبَقَاء الْأَهْلِيَّة
وَالثَّانِي نعم لِأَن أمره مَحْمُول على الِاسْتِخْدَام وَقد بَطل محلية الِاسْتِخْدَام فِي حَقه
وَالثَّالِث أَنه ينظر إِلَى لَفظه فَإِن قَالَ وَكلتك بَقِي بعد زَوَال سلطنته وَإِن قَالَ بِعْ واشتر بِصِيغَة الْأَمر فَهُوَ مَحْمُول على الِاسْتِخْدَام

(3/306)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي تنَازع الْوَكِيل وَالْمُوكل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وتنازعهما فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع
الأول التَّنَازُع فِي أصل الْوكَالَة أَو صفتهَا

كَقَوْل الْوَكِيل وكلتني فَقَالَ مَا وَكلتك أَو قَالَ وكلتني بِبيع الْكل فَقَالَ بل بِالْبَعْضِ أَو قَالَ أَذِنت لي فِي البيع بِالنَّسِيئَةِ فَقَالَ بل بِالنَّقْدِ أَو قَالَ أَذِنت فِي الشِّرَاء بِعشْرين فَقَالَ بل بِالْعشرَةِ فَالْقَوْل فِي جَمِيع ذَلِك قَول الْمُوكل لِأَن الأَصْل عَدمه
فرعان
أَحدهمَا إِذا بَاعَ الْوَكِيل بِالنَّسِيئَةِ وَأنكر البَائِع الْإِذْن فِي الْأَجَل فَإِن كَانَ الْمَبِيع قَائِما اسْتردَّ وَالْقَوْل قَوْله وَلَو أنكر المُشْتَرِي كَونه وَكيلا لم يقبل قَول الْمُوكل عَلَيْهِ بل يحلفهُ على أَنه لَا يعلم كَونه وَكيلا من جِهَته فَإِذا حلف فللموكل مُطَالبَة الْوَكِيل بِقِيمَة السّلْعَة ثمَّ إِذا انْقَضى الْأَجَل فللوكيل أَن يُطَالب المُشْتَرِي بِالثّمن وَيَأْخُذهُ بِمَا غرمه فَإِن زَاد على مَا غرمه فَالزِّيَادَة لَا يدعيها لنَفسِهِ وَلَا البَائِع وَلَا المُشْتَرِي فَمَاذَا يصنع بِهِ وَفِي مثله خلاف مَشْهُور
فَإِن كذب الْوَكِيل نَفسه أَيْضا وَقَالَ صدق الْمُوكل لم يكن لَهُ أَن يُطَالب إِلَّا بِأَقَلّ الْأَمريْنِ من الثّمن أَو الْقيمَة ليجبر حق نَفسه مِمَّا غرم

(3/307)


الثَّانِي إِذا اشْترى جَارِيَة عشْرين فَقَالَ الْمُوكل مَا أَذِنت إِلَّا فِي عشرَة فَالْقَوْل قَوْله فَإِن كَانَ اشْترى بِعَين مَاله فَهُوَ بَاطِل وَإِن اشْترى فِي الذِّمَّة واعترف البَائِع بِالْوكَالَةِ فكمثل فَإِن أنكر الْوكَالَة لم يقبل قَوْله على البَائِع وَيغرم الْوَكِيل للْمُوكل مَاله مهما حلف على أَنه لم يَأْذَن وَتبقى الْجَارِيَة فِي يَد الْوَكِيل فيتلطف الْحَاكِم بالموكل وَيَقُول لَهُ لَا يَضرك أَن تَقول للْوَكِيل بِعْتُك الْجَارِيَة بِعشْرين حَتَّى تسلم لَك الْعشْرُونَ فَإِن قَالَ ذَلِك حصل الْغَرَض
فَإِن قَالَ إِن كنت قد أَذِنت لَك فَلَو بِعْتُك فَفِي هَذِه الصِّيغَة وَجْهَان أصَحهمَا وَهُوَ ظَاهر كَلَام الْمُزنِيّ الصِّحَّة لِأَن هَذَا من مُقْتَضى الشَّرْع وَإِن لم يُصَرح
وَإِن أَبى الْمُوكل ذَلِك قَالَ الْمُزنِيّ يَبِيع الْوَكِيل الْجَارِيَة وَيَأْخُذ مَا غرم من ثمنهَا
وَقَالَ الْإِصْطَخْرِي وَجْهَان
أَحدهمَا مَا قَالَه الْمُزنِيّ وَالثَّانِي أَنه يملك ظَاهرا وَبَاطنا بِنَاء على مَا إِذا ادّعى على غَيره أَنَّك اشْتريت دَاري فَأنْكر وَحلف فَيُسْتَحَب للْمُشْتَرِي أَن يَقُول إِن كنت اشْتَرَيْته فقد فسخت فَإِن لم يقل فالبائع على قَول يَبِيع الدَّار وَيَأْخُذ ثمنهَا وعَلى قَول يملكهُ وَيكون إِنْكَاره كإفلاسه فَهُوَ أَحَق بِعَين مَاله
قَالَ أَبُو إِسْحَاق لَا يملك الْجَارِيَة قولا وَاحِدًا وَهُوَ الصَّحِيح بِخِلَاف مسالة

(3/308)


الدَّار فَإِن تعذر الثّمن ثَبت الرُّجُوع إِلَى الْمَبِيع وَهَاهُنَا لَا مُعَاملَة بَين الْوَكِيل وَالْمُوكل فعلى هَذَا الْوَجْه أَن يُقَال قد ظفر بِغَيْر جنس حَقه فَيَأْخذهُ بِحقِّهِ وَيقطع بِهَذَا القَوْل هَاهُنَا لِأَن من لَهُ الْحق لَا يَدعِيهِ لنَفسِهِ بِخِلَاف مَا إِذا ظفر بِغَيْر جنس حَقه من مَال من يَدعِي المَال لنَفسِهِ

(3/309)


النزاع الثَّانِي فِي التَّصَرُّف الْمَأْذُون فِيهِ

فَإِذا قَالَ الْوَكِيل بِعْت أَو أعتقت أَو اشْتريت وَأنكر الْمُوكل فَقَوْلَانِ
أَحدهمَا القَوْل قَول الْوَكِيل لِأَنَّهُ مَأْذُون أَمِين قَادر على الْإِنْشَاء وَهُوَ أعرف بِهِ
وَالثَّانِي أَن القَوْل قَول الْمُوكل إِذا الأَصْل عَدمه وَقَوله بِعْت إِقْرَار على الْمُوكل فَلَا يلْزمه وَكَذَا الْخلاف إِذا وَكله بِقَضَاء الدّين فَقَالَ قضيت
أما إِذا ادّعى الْوَكِيل تلف المَال فِي يَده فَالْقَوْل قَوْله لِأَنَّهُ أَمِين فإقامة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ غير مُمكن
وَلَو ادّعى الرَّد على الْمُوكل فَكَذَلِك القَوْل قَوْله لِأَنَّهُ يَبْغِي دفع الْعهْدَة عَن نَفسه لَا إِلْزَام الْمُوكل شَيْئا وطرد المراوزة هَذَا فِي كل يَد هِيَ أَمَانَة فِي حق من صدر مِنْهُ إِثْبَات الْيَد كيد الرَّهْن وَالْإِجَارَة وَالْوَكِيل بالجعل وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ فِي كل ذَلِك وَجْهَيْن
هَذَا مَعَ الْقطع بِأَن الْوَكِيل لَو مَاتَ فَادّعى وارثة الرَّد لم يصدق لِأَنَّهُ لَيْسَ مؤتمنا من جِهَته وَكَذَا الْوَلِيّ وَالْوَصِيّ إِذا ادّعَيَا رد المَال إِلَى الطِّفْل بعد الْبلُوغ وَفِي الْوَلِيّ وَجه أَنه يصدق
نعم أشهر بِالْخِلَافِ فِي أَن مَا صرفه إِلَى نَفَقَته فِي صغره هَل يُطَالب بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ أم يصدق بِمُجَرَّد يَمِينه لِأَن فِي إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ نوع عسر والملتقط وَمن طير الرّيح ثوبا فِي دَاره هَؤُلَاءِ لَا يصدقون فِي دَعْوَى الرَّد

(3/310)


بِمُجَرَّد الْيَمين أما إِذا ادّعى الْوَكِيل الرَّد على رَسُول الْمُوكل وَالْمُودع فَالظَّاهِر أَنه لَا يصدق وَفِيه وَجه أَن الرَّسُول كالمرسل فَيجب على الْمُوكل التَّصْدِيق لِأَنَّهُ أَمِين
فرع من يصدق فِي دَعْوَى الرَّد فَلَو طُولِبَ بِالرَّدِّ هَل لَهُ التَّأْخِير بِعُذْر الْإِشْهَاد وَجْهَان
أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ مُصدق يَمِينه والودائع تخفى غَالِبا
وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ يُرِيد أَن يتورع عَن الْيَمين الصادقة
وَأما من عَلَيْهِ الدّين فَلهُ أَن يُؤَخر الْإِشْهَاد إِن كَانَ دينه ثَابتا بِبَيِّنَة وَإِن لم يكن
قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ هُوَ كَالْوَدِيعَةِ إِذْ يُمكنهُ أَن يَقُول لَا يلْزَمنِي شَيْء فَيصدق بِيَمِينِهِ مِمَّا ادعِي عَلَيْهِ
وَقَالَ المراوزة لَهُ تَكْلِيف الْإِشْهَاد
وَلَو قَالَ لوَكِيله لتقض ديني فليشهد على الْقَضَاء ليَكُون مراعيا الْغِبْطَة فَإِن لم يشْهد وَكَانَ فِي غيبَة الْمُوكل ضمن مهما أنكر الْمُسْتَحق وَإِن كَانَ فِي حَضْرَة الْمُوكل فَوَجْهَانِ
وَإِذا قَالَ سلم وديعتي إِلَى وَكيلِي فَإِن سلم بِحَضْرَتِهِ وَلم يشْهد لم يضمن وَإِن كَانَ فِي غيبته فَوَجْهَانِ
فَإِن قيل فَمن فِي يَده المَال أَو عَلَيْهِ الْحق إِذا اعْترف لشخص بِأَنَّهُ وَكيل الْمُسْتَحق بِالِاسْتِيفَاءِ فَهَل يجب عَلَيْهِ التَّسْلِيم دون الْإِشْهَاد

(3/311)


قُلْنَا يجوز التَّسْلِيم وَلَا يجب لِأَن الْمُوكل لَو أنكر وكَالَته لم تحصل بَرَاءَة من عَلَيْهِ الْحق
وَقَالَ الْمُزنِيّ يلْزمه لِأَنَّهُ اعْترف بِكَوْنِهِ مُسْتَحقّا للاستيفاء بِالْوكَالَةِ فَصَارَ كَمَا لَو كَانَ فِي يَده مَال ميت اعْترف لشخص بِأَنَّهُ وَارثه لَا وراث لَهُ سواهُ لَا يُطَالِبهُ بِالْإِشْهَادِ بل يجب عَلَيْهِ التَّسْلِيم
وَالْفرق بَينهمَا أَنه اعْترف للْوَارِث بِالْملكِ وَلَا يتَوَقَّع من غير الْمَالِك دَعْوَى يعْتد بِهِ أما هَاهُنَا فالإنكار من جِهَة الْمُوكل الْمَالِك متوقع
نعم لَو قَالَ لفُلَان عَليّ ألف من جِهَة حِوَالَة أحالها عَليّ رجل آخر فَفِيهِ وَجْهَان أَنه أَحدهمَا بِهِ يجب التَّسْلِيم دون إِقَامَة حجَّة على الْحِوَالَة لِأَنَّهُ اعْترف بِالِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَاف صُورَة الْوكَالَة
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لم يَجعله متأصلا فِي الِاسْتِحْقَاق بل زعم أَنه تحول إِلَيْهِ من جِهَة مُسْتَحقّ فَلَعَلَّ الْمُسْتَحق يُنكر

(3/312)


النزاع الثَّالِث فِي اسْتِيفَاء الثّمن

وَقد أطلق الْعِرَاقِيُّونَ فِيهِ قَوْلَيْنِ كَمَا فِي البيع وَالْعِتْق
وَالتَّفْصِيل فِيهِ عِنْد المراوزة أَنه إِن ادّعى الْمُوكل الثّمن على المُشْتَرِي فَقَالَ الْوَكِيل قبضت وَتلف فِي يَدي فَلَا يجب تَصْدِيقه لِأَنَّهُ لَيْسَ يَدعِي على الْوَكِيل شَيْئا فَلَا يتَعَرَّض الْوَكِيل لغرم بِسَبَب دَعْوَاهُ إِلَّا إِذا نسبه إِلَى تَسْلِيم الْمَبِيع دون إِذْنه فَالْقَوْل قَوْله حَتَّى لَا يتَعَرَّض للغرم فَإِن حلف فَهَل يبرأ المُشْتَرِي بحلفه وَجْهَان
أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ صدق فِي اسْتِيفَاء الثّمن
وَالثَّانِي لَا لِأَن يَمِينه حجَّة دافعة عَنهُ لَا يصلح لتبرئة ذمَّة المُشْتَرِي
أما إِذا ادّعى الْمُوكل على الْوَكِيل أَنه قبض الثّمن فَأنْكر الْوَكِيل فَالْقَوْل قَوْله فَلَو أَقَامَ الْمُوكل بَينه على الْقَبْض فَادّعى الْوَكِيل تلفا أَو ردا قبل الْجُحُود لم يصدق لِأَنَّهُ صَار خائنا بالجحود
فَإِن أَقَامَ بَيِّنَة فَالْأَصَحّ أَنه لَا يقبل لِأَن الْبَيِّنَة تبتنى على الدعْوَة ودعواه مناقضة لقَوْله الأول وجحوده فَلَا يسمع
وَلَو أَقَامَ الْبَيِّنَة على تلف بعد الْجُحُود فَكَذَلِك على أحد الْوَجْهَيْنِ وَلَو أَقَامَ الْبَيِّنَة على رده بعد الْجُحُود قبل لِأَنَّهُ إِذا ثَبت كَونه غَاصبا فأقصى مَا عَلَيْهِ أَن يرد وَيشْهد فَكيف تكلفه أمرا يزِيد عَلَيْهِ

(3/313)