الوسيط في المذهب

= كتاب الْإِقْرَار وَفِيه أَرْبَعَة أَبْوَاب = - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَانه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي أَرْبَعَة الْمقر وَالْمقر لَهُ وَالْمقر بِهِ وَصِيغَة الْإِقْرَار

(3/315)


الرُّكْن الأول الْمقر

وَهُوَ يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ مُطلق ومحجور عَلَيْهِ
ونعني بالمطلق الْمُكَلف الَّذِي لَا حجر عَلَيْهِ فَيقبل إِقْرَاره على نَفسه بِكُل مَا يتَصَوَّر مِنْهُ الْتِزَامه لَهُ لقَوْله تَعَالَى {كونُوا قوامين بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لله وَلَو على أَنفسكُم} وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُولُوا الْحق وَلَو على أَنفسكُم
وَأما الْمَحْجُور عَلَيْهِ فأسباب الْحجر سِتَّة الصِّبَا وَالْجُنُون والتبذير وَالرّق والفلس وَالْمَرَض
أما الصِّبَا وَالْجُنُون فيقتضيان حجرا مُطلقًا عَن سَائِر الأقارير نعم لَو أقرّ الصَّبِي بالتبذير وَالْوَصِيَّة قيل إِن جعلناهما من أَهلهَا وَلَو قَالَ بلغت بالاحتلام صدق لِأَنَّهُ لَا يقدر على إِقَامَة بَيِّنَة وَلم يحلف إِذْ لَا فَائِدَة فِي تَحْلِيفه فَإِنَّهُ إِن كذب فالصبي لَا يَأْثَم بِالْحلف
وَإِن قَالَ بلغت بِالسِّنِّ لم يقبل لِأَن تَارِيخ المواليد يعرف إِلَّا الصَّبِي

(3/317)


الْمَجْهُول الخامل فَفِيهِ تردد وَاحْتِمَال وَلَعَلَّ الْأَظْهر الِاعْتِمَاد على الْإِثْبَات فِي حَقه كَمَا فَعَلْنَاهُ فِي صبيان الْكفَّار لأجل الضَّرُورَة
أما التبذير فَلَا يُوجب حجرا عَن الْإِقْرَار بموجبات الْعُقُوبَات لِأَنَّهُ قَادر على التزامها وَإِقْرَاره بالأموال غير مَقْبُول كَمَا مضى فِي كتاب الْحجر
وَفِي إِقْرَاره بِالْإِتْلَافِ لِلْمَالِ خلاف وَلَا يقبل إِقْرَاره بِالنِّكَاحِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيد بِهِ وَفِيه الْتِزَام مَال ويقر بِالطَّلَاق لِأَنَّهُ يسْتَقلّ بِهِ وَكَذَا بِالْعَفو عَن الْقصاص وبالنسب
والسفيهة إِذا أقرَّت بِالنِّكَاحِ فَفِيهِ تردد من حَيْثُ إِنَّهَا بالسفه رُبمَا ترق نَفسهَا فِي غير مَوضِع
أما الْفلس فَلَا يُوجب حجرا إِلَّا فِي الْإِقْرَار بِمَا يفوت حق الْغُرَمَاء وَفِي إِقْرَاره بدين مُسْتَند إِلَى مَا قبل الْحجر أَو بِإِتْلَاف مَال فِي الْحَال إِذا قُلْنَا إِن الْمُتْلف عَلَيْهِ يضارب الْغُرَمَاء لَو ثَبت إِتْلَافه بِالْحجرِ فِيهِ قَولَانِ سبق ذكرهمَا فِي كتاب التَّفْلِيس
ثمَّ مَا يرد من إِقْرَاره لحق الْغُرَمَاء فِي الْحَال فَالصَّحِيح أَنه يُطَالب بِهِ بعد فك الْحجر لَا محَالة
أما الرّقّ فَلَا يُوجب حجرا عَن الْإِقْرَار بالعقوبات لِأَنَّهُ مُكَلّف قَادر على التزامها وَلَا نظر إِلَى إِبْطَاله حق السَّيِّد لِأَنَّهُ غير مُتَّهم فِيهِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَزفر والمزني رَحِمهم الله لَا يقبل إِقْرَاره

(3/318)


نعم اخْتلف قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو أقرّ بِسَرِقَة فَقطعت يَده فَإِنَّهُ غير مُتَّهم فَهَل يتَعَلَّق الْمَسْرُوق بِرَقَبَتِهِ على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ يرجع إِلَى المَال وَالثَّانِي بلَى
وَأما إِقْرَاره بِإِتْلَاف مَال يُوجب التَّعَلُّق بِرَقَبَتِهِ وَلَا يُوجب عُقُوبَة فَهُوَ مَرْدُود إِن لم يصدق السَّيِّد ثمَّ الصَّحِيح أَنه يُطَالب بِهِ بعد الْعتْق أما إِقْرَاره بدين الْمُعَامَلَة فَلَا يقبل فِي حق سَيّده إِلَّا إِذا كَانَ مَأْذُونا فِي التَّصَرُّف فَيتَعَلَّق مَا أقرّ بِهِ بِمَالِه
وَإِن أقرّ الْمَأْذُون بِمَال مُطلق فَالظَّاهِر أَنه لَا يقبل إِذا لم يسْندهُ إِلَى الْمُعَامَلَة وَمِنْهُم من نزل الْمُطلق على الْمُعَامَلَة
ثمَّ لَو حجر السَّيِّد علية فَأقر بِأَنَّهُ كَانَ لزمَه دين قبل الْحجر فَالظَّاهِر انه لَا يقبل لِأَنَّهُ لَا يقدر على الْإِنْشَاء فِي هَذِه الْحَالة
وَحكي الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد وَجها أَنه يقبل فَأَنَّهُ لَا يُؤمن ان الْحجر السَّيِّد عَلَيْهِ لما عرف إحاطة الدُّيُون بِهِ وَهَذَا يُعَارضهُ أَنه لَا يُؤمن أَن يكذب العَبْد على سَيّده مهما حجر عَلَيْهِ أَبَد الدَّهْر

(3/319)


أما الْمَرَض فَلَا يُوجب الْحجر عَن الْإِقْرَار فِي حق الْأَجَانِب بِالْإِجْمَاع وَفِي حق الْوَارِث قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ من أَجَارَ إِقْرَار الْوَارِث أجَازه وَمن أَبى رده
فَمن الْأَصْحَاب من قَالَ هَذَا ترديد قَول من الشَّافِعِي رَضِي الله فَفِي الْمَسْأَلَة قَولَانِ
وَمِنْهُم من قطع بِالصِّحَّةِ وَهُوَ الصَّحِيح خلافًا لأبي حنيفَة لِأَنَّهُ لَا مَأْخَذ للرَّدّ أَلا التُّهْمَة وَحَالَة الْمَرَض حَاله انْتِفَاء التهم كَيفَ وَلَو تبنى ولدا وَحرم بِهِ ابْن عَمه المكاشح لقبل وَكَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مَحْمُول على حِكَايَة مَذْهَب الْغَيْر
ثمَّ إِن قُلْنَا إِنَّه مَرْدُود فَلَو أقرّ لِأَخِيهِ وَله أبن ثمَّ مَاتَ وَلَا أبن لَهُ أَو أقرّ وَلَا ابْن لَهُ ثمَّ ولد لَهُ أبن فالاعتبار بِحَال الْإِقْرَار أَو بِحَال الْمَوْت فِيهِ خلاف مَشْهُور

(3/320)


فروع ثَلَاثَة
أَحدهَا لَو أقرّ فِي الْمَرَض بِأَنَّهُ وهب من الْوَارِث قبل الْمَرَض وَسلم
فَمنهمْ من قَالَ لَا يقبل قولا وَاحِد لِأَنَّهُ أقرّ بِمَا لَا يقدر على إنشائه فِي الْحَال
وَاخْتِيَار القَاضِي أَنه يقبل لِأَنَّهُ لَو ثَبت صدقه لنفذ فَلْيَكُن لَهُ طَرِيق الى الْخَلَاص بِالصّدقِ على نَفسه
الثَّانِي لَو أقرّ بِعَين مَا فِي يَده لغيره ثمَّ اقر بدين فالإقرار بِالْعينِ مقدم لِأَنَّهُ أقرّ بِالدّينِ وَلَا مَال لَهُ وَلَو قدم الْإِقْرَار بِالدّينِ فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا تَقْدِيم الْعين لِأَنَّهُ مَاتَ وَلَا مَال لَهُ وَالْإِقْرَار بِالدّينِ لم يحْجر عَلَيْهِ فِي مَاله فِي حَال حَيَاته وَلذَلِك كَانَ ينفذ تَصَرُّفَاته فِيهِ
وَالثَّانِي أَنَّهُمَا يتزاحمان على التَّسَاوِي إِذْ لاحدهما قُوَّة التَّقَدُّم وَللْآخر قُوَّة الْإِضَافَة الى الْعين
وَكَذَلِكَ لَو أقرّ فِي حَيَاته بدين مُسْتَغْرق وَأقر وَارثه عَلَيْهِ بعد مَوته بدين آخر

(3/321)


فَقَوْلَانِ
أَحدهمَا يستبد الأول وَإِقْرَار الْوَارِث إِقْرَار بعد الْحجر وَهَذَا يقرب من الْقَوْلَيْنِ فِي إِقْرَار الْمُفلس
وَكَذَا الْخلاف فِيمَا يَتَجَدَّد من دين بعد مَوته بتردي إِنْسَان فِي بِئْر حفره فِي حَيَاته أَنه هَل يَقْتَضِي مُضَارَبَة مَا ثَبت فِي الْحَيَاة من الدُّيُون فَكَذَا الْخلاف فِي الْوَارِث إِذا أقرّ بإقرارين متواليين أَن اللَّاحِق هَل يزاحم السَّابِق
الثَّالِث إِذا ادّعى إِنْسَان أَنه أوصى لَهُ بِالثُّلثِ وَآخر أَنه أقرّ لَهُ بِأَلف وَالْمِيرَاث ألف فصدقهما الْوَارِث
قَالَ الصيدلاني يصرف إِلَى الدّين لِأَن قَوْله كَقَوْل الْمُورث
وَقَالَ أَكثر الْأَصْحَاب إِن أقرّ بِالْوَصِيَّةِ أَولا يسلم للْمُوصى لَهُ الثُّلُث وَالْبَاقِي للدّين وَإِن جَاءَا مَعًا قسم الْألف بَينهمَا على نِسْبَة الأرباح كَمَا إِذا أقرّ لوَاحِد بِالْألف وَلآخر بِثلث الْألف

(3/322)


الرُّكْن الثَّانِي الْمقر لَهُ

وَله شَرْطَانِ
الأول أَن يكون محلا للاستحقاق فَلَو قَالَ لهَذَا الْحمار عَليّ ألف بَطل إِقْرَاره وَلَو قَالَ بِسَبَبِهِ عَليّ ألف جعل إِقْرَارا لمَالِكه كَأَنَّهُ اسْتَأْجر مِنْهُ
وَلَو قَالَ لهَذَا العَبْد عَليّ ألف فَهُوَ إِقْرَار لسَيِّده
وَلَو تقال للْحَمْل الَّذِي فِي بطن فُلَانَة عَليّ ألف عَن جِهَة وَصِيَّة لَهُ أَو عَن إِرْث لَهُ صَحَّ فَإِنَّهُ مَقْصُور وَإِن أطلق وَلم يذكر السَّبَب فَظَاهر النَّص أَنه لَا يقبل لِأَنَّهُ يبعد الِاسْتِحْقَاق للْحَمْل فَيحمل على الْوَعْد
وَالْقَوْل الثَّانِي وَهُوَ الأقيس وَمذهب أبي حنيفَة رَحمَه الله أَنه يَصح وَينزل على مَا يُمكن
وَلَو أَضَافَهُ إِلَى جِهَة مُعَاملَة وَقُلْنَا لَا يقبل الْمُطلق فَهَذَا أولى وَإِن قبلنَا الْمُطلق فَهَذَا كَقَوْلِه لفُلَان عَليّ ألف من ثمن الْخمر وَسَيَأْتِي
وَقيل إِن هَذَا هزل مَحْض فَلَا يقبل قولا وَاحِدًا
فرعان
أَحدهمَا لَو خرج الْحمل مَيتا طُولِبَ بتفسير إِقْرَاره حَتَّى إِن كَانَ وَصِيَّة رد إِلَى وَرَثَة الْمُوصى وَإِن كَانَ إِرْثا صرف إِلَى بَقِيَّة وَرَثَة الْمُورث وَهَذِه مُطَالبَة لَيْسَ يتَعَيَّن مستحقها إِذْ لَا يدرى أَنَّهَا لمن هِيَ فَلَعَلَّ القَاضِي ذَلِك بطرِيق الْحِسْبَة

(3/323)


وَإِن خرج حَيا وَزَاد على وَاحِد سوي فِي الْوَصِيَّة بَين الذّكر وَالْأُنْثَى وَفضل فِي الْمِيرَاث الذّكر على الْأُنْثَى
الثَّانِي لَو انْفَصل لما دون سِتَّة أشهر من وَقت الْإِقْرَار فَهُوَ لَهُ وَلَو انْفَصل لما فَوق أَربع سِنِين فَلَا يصرف إِلَيْهِ وَلَو كَانَ لما بَينهمَا فَقَوْلَانِ أظهرهمَا الصّرْف اعْتِمَادًا على الظَّاهِر
الشَّرْط الثَّانِي أَن لَا يكذب الْمقر لَهُ فَإِن كذب لم يكن تَسْلِيم المَال إِلَيْهِ فيقرر فِي يَد الْمقر أَو يَأْخُذهُ القَاضِي على رَأْي فَإِن رَجَعَ الْمقر لَهُ يسلم إِلَيْهِ وَإِن رَجَعَ الْمقر لم يُؤثر لِأَنَّهُ ثَبت بِإِقْرَارِهِ اسْتِحْقَاق القَاضِي أَو الْمقر لَهُ
وَقيل أَنا إِذا قُلْنَا يُقرر فِي يَده فرجوعه مَقْبُول بِشَرْط أَن لَا يرجع الْمقر لَهُ تعده فَإِن رَجَعَ تَبينا بطلَان رُجُوعه وَبطلَان تَصَرُّفَاته

(3/324)


الرُّكْن الثَّالِث الْمقر بِهِ

وَشَرطه أَن يكون مِمَّا يسْتَحق جنسه وَأَن يكون فِي يَد الْمقر وولايته وتختص بِهِ وَلَا يشْتَرط كَونه مَعْلُوما
وَلَو أقرّ بِمَا فِي يَد غَيره فَهُوَ دَعْوَى أَو شَهَادَة وَلَيْسَ بِإِقْرَار
وَلَا يشْتَرط أَن يكون فِي ملكه لِأَن الْإِقْرَار لَيْسَ بمزيل بل شَرطه أَن لَا يكون فِي ملكه حَتَّى لَو شهد بِأَنَّهُ أقرّ وَكَانَ ملكه إِلَى أَن أقرّ بطلت الشَّهَادَة
وَلَو قَالَ هَذِه الدَّار ملكي وَهِي الْآن لفُلَان فَهُوَ إِقْرَار بَاطِل
وَلَو قَالَ هَذِه الدَّار لفُلَان وَكَانَت ملكي إِلَى الْإِقْرَار أخذناه بصدر كَلَامه وألغينا آخِره المناقض لَهُ
وَلَو قَالَ دَاري لفُلَان أَو مَالِي لفُلَان فَهُوَ بَاطِل نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلم يحمل على أَن قَوْله دَاري أَرَادَ بِهِ إِضَافَة السّكُون أَو الْمعرفَة وَإِن كَانَ لذَلِك اتجاه فرع
لَو شهد بحريّة عبد فِي يَد غَيره فَلم تقبل شَهَادَته فَأقبل على شِرَائِهِ

(3/325)


صحت الْمُعَامَلَة وَفِي حَقِيقَتهَا ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه شِرَاء وَالْآخر أَنه فدَاء وَالثَّالِث أَنه بيع من جَانب البَائِع فدَاء من جَانب المُشْتَرِي وَهُوَ الْأسد ويبتنى عَلَيْهِ ثُبُوت الْخِيَار لَهما جَمِيعًا
وَالأَصَح أَن لَا يثبت للْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَيْسَ يثبت لَهُ ملك فِيهِ بِمُوجب قَوْله لَا كَشِرَاء الْقَرِيب فَإِن الأودني ذكر أَنه يثبت الْخِيَار للْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ يملك أَولا ثمَّ يعْتق عَلَيْهِ
أما العَبْد إِذا اشْترى نَفسه فَلَا خِيَار لَهُ وَلَا لبَائِعه مِنْهُ قطعا لِأَنَّهُ عقد عباقة فَهُوَ كَقَوْلِه أَنْت حر على مَالِي

(3/326)


وَنقل الرّبيع قولا أَن هَذِه الْمُعَامَلَة لَا تصح من السَّيِّد وَعَبده وَهُوَ بعيد
وَإِن شهد أَنه غصبه من فلَان ثمَّ اشْتَرَاهُ لم يَصح الشِّرَاء إِن صححنا بطرِيق الْفِدَاء إِذْ لَيْسَ فِيهِ تَخْلِيص العَبْد ثمَّ الْوَلَاء فِي الْمَشْهُود بحريَّته مَوْقُوف لَا للْبَائِع وَلَا للْمُشْتَرِي فَلَو مَاتَ العَبْد
قَالَ الْمُزنِيّ لَهُ أَن يَأْخُذ من مَاله مِقْدَار الثّمن الَّذِي بذله لِأَنَّهُ إِن كذب فِي الشَّهَادَة فَالْمَال إكساب عَبده فجميعها لَهُ وَإِن صدق فَهُوَ للْبَائِع بِحكم الْوَلَاء وَقد ظلمه بِأخذ الثّمن مِنْهُ وَقد ظفر بِمَالِه فَيَأْخذهُ
وَمن الْأَصْحَاب من خالفهم لِأَنَّهُ يَأْخُذهُ على تَقْدِير أَنه مظلوم وَهُوَ غير مُصدق فِي الْجِهَة وَمَا ذكره الْمُزنِيّ أقوم

(3/327)


الرُّكْن الرَّابِع صِيغَة الْإِقْرَار

فَإِذا قَالَ عَليّ لفُلَان أَو عِنْدِي لفُلَان ألف فَكل ذَلِك الْتِزَام فَلَو قَالَ الْمُدَّعِي لي عَلَيْك ألف فَقَالَ زن أَو زنه أَو خُذ أَو خُذْهُ لم يكن إِقْرَارا
وَقَالَ صَاحب التَّلْخِيص قَوْله زنه إِقْرَار دون قَول زن وَهُوَ بعيد
وَلَو قَالَ بلَى أَو أجل أَو نعم أَو صدقت فَكل ذَلِك إِقْرَار
وَلَو قَالَ أَنا مقرّ بِهِ فَهُوَ إِقْرَار وَلَو قَالَ أَنا مقرّ وَلم يقل بِهِ فَلَا لِأَنَّهُ رُبمَا يكون مقرا بِبُطْلَان قَوْله وَلَو قَالَ أَنا أقرّ بِهِ قَالَ الْأَصْحَاب هُوَ إِقْرَار
قَالَ القَاضِي صِيغَة للوعد بِالْإِقْرَارِ فَلَيْسَ بِإِقْرَار بِخِلَاف قَول الشَّاهِد أشهد فَإِنَّهُ صَنِيعَة تَعْتَد بهَا ودلت الْقَرِينَة على أَنه للْحَال لَا للوعد
وَمِنْهُم من قَالَ وَإِن سلم أَنه وعد فالوعد بِالْإِقْرَارِ إِقْرَار فرع
لَو قَالَ أَلَيْسَ لي عَلَيْك ألف فَقَالَ بلَى فَهُوَ إِقْرَار وَلَو قَالَ نعم فَلَيْسَ

(3/328)


بِإِقْرَار مَعْنَاهُ نعم لَيْسَ لَك على ألف وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد لَا فرق بَينهمَا فَإِن استعمالهما فِي وضع اللِّسَان على وَجه وَاحِد شَائِع وَلَو قَالَ أَعْطِنِي عَبدِي هَذَا أَو اشْتَرِ مني عَبدِي هَذَا فَقَالَ نعم فَهُوَ إِقْرَار بِالْعَبدِ
وَلَو قَالَ لي عَلَيْك ألف فَقَالَ لَعَلَّ أَو عَسى أَو أَظن أَو أقدر لم يكن إِقْرَارا لِأَن كل ذَلِك للشَّكّ

(3/329)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الأقارير المجملة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وألفاظها كَثِيرَة وَالَّذِي يقْصد بَيَانه عشرَة أَلْفَاظ
اللَّفْظ الأول الشَّيْء
فَإِذا قَالَ لفُلَان عَليّ شَيْء فَيقبل تَفْسِيره بِكُل مَا ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الشَّيْء مِمَّا هُوَ مَال
فَلَو فسر بِمَا لَا يتمول وَيتَصَوَّر الْمُطَالبَة بِهِ كَجلْد الْميتَة والسرجين وَالْكَلب الْمعلم فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا يقبل لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَال
وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ شَيْء وَهُوَ عَلَيْهِ إِذْ فِيهِ اخْتِصَاصه للْمَالِك وَيجب رده
فَإِن فسره بِخَمْر وخنزير فَالظَّاهِر أَنه لَا يقبل إِذْ لَا يلْزم بِهِ مُطَالبَته وَفِيه وَجه انه يقبل
وَلَو فسر بحبه حِنْطَة أَو سمسم أَو فصة ثومة فَوَجْهَانِ وَظَاهر النَّص أَنه مَقْبُول لِأَنَّهُ شَيْء وَهُوَ وَاجِب الرَّد

(3/330)


ومهم من قَالَ لَا يقبل وبنوا عَلَيْهِ أَنه لَا يسمع الدَّعْوَى بهَا وَلَا الْمُطَالبَة بردهَا وَهُوَ بعيد
أما إِذا فسره برد جَوَاب سَلام وعيادة مَرِيض فَلَا يقبل بِحَال
فَإِن قيل لم صَحَّ الْإِقْرَار الْمُجْمل دون الدَّعْوَى المجملة
قُلْنَا لَا فرق بَينهمَا إِذْ يُطَالب الْمُدَّعِي بِبَيَان الدَّعْوَى وَيُطَالب الْمقر أَيْضا نعم لَو امْتنع الْمُدَّعِي من الْبَيَان فَهُوَ تَارِك حق نَفسه لَو امْتنع الْمقر من البييان فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يحبس إِلَى الْبَيَان كمن أسلم على عشر نسْوَة
وَالثَّانِي أَنه يَجْعَل ناكلا عَن الْجَواب وَالْيَمِين حَتَّى يحلف الْمقر لَهُ ويستفيد بِإِقْرَارِهِ تحول الْيَمين إِلَيْهِ فَيحلف على مَا يَدعِيهِ
وَالثَّالِث أَنه يُقَال للْمُدَّعِي أتدعي مَا شِئْت وَتعرض الْيَمين عَلَيْهِ فَيحلف على مَا يَدعِيهِ فَإِن نكل ردَّتْ عَلَيْك وَهَذَا إبِْطَال لفائدة التَّفْسِير
ثمَّ لَو فسر الْمقر بدرهم مثلا فَقَالَ الْمُدَّعِي بل أردْت بالشَّيْء عشرَة فَالْأَصَحّ أَن دَعْوَى الْإِرَادَة لَا تقبل
وَكَذَا لَو ادّعى أَن فلَانا أقرّ لي بِعشْرَة دَرَاهِم لم يسمع بل يُقَال يَنْبَغِي أَن

(3/331)


تدعى عشرَة حَتَّى تحلف على عين الْحق لَا على إِقْرَار يحْتَمل الصدْق وَالْكذب بِخِلَاف الشَّاهِد يشْهد على الْإِقْرَار فَيسمع لِأَنَّهُ قد لَا يطلع على حَقِيقَة الْملك اللَّفْظ الثَّانِي
إِذا قَالَ غصبت فلَانا على شَيْء ثمَّ قَالَ غصبت نَفسه لم يقبل
وَلَو قَالَ غصبته الْخمر أَو الْخِنْزِير قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قبلت التَّفْسِير وأرقت الْخمر وَقتلت الْخِنْزِير
وَلَو قَالَ لَهُ عِنْدِي شَيْء قَالَ الْأَصْحَاب هُوَ كَمَا لَو قَالَ غصبت
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد قَوْله لَهُ إِثْبَات ملك فَلَا يقبل تَفْسِيره بِالْخمرِ وَالْخِنْزِير اللَّفْظ الثَّالِث المَال
فَإِذا قَالَ لَهُ عَليّ مَال قبل تَفْسِيره بِأَقَلّ مَا يتمول وَلم يقبل تَفْسِيره بالكلب والسرجين وَالْخِنْزِير وَمَا لَا يتمول وَلَو فسر بمستولدة فَالْأَظْهر أَنه يقبل لِأَنَّهُ مَال
وَلَو قَالَ مَال عَظِيم أَو كَبِير فَهُوَ كَالْمَالِ وَلَا تَأْثِير لهَذِهِ الزِّيَادَة فَكل

(3/332)


مَال عَظِيم وَكثير بِالْإِضَافَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يقبل تَفْسِير الْعَظِيم إِلَّا بِمِائَتي دِرْهَم
وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ لَا بُد وَأَن يذكر لوصفه بالعظيم وَجها من عظم فِي الجثة أَو الجرم أَو يزِيد على أقل مَا يتمول بِشَيْء ليظْهر لَهُ فَائِدَة وَذَلِكَ خلاف نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ اللَّفْظ الرَّابِع الْأَكْثَر
فَإِذا قَالَ لَهُ عَليّ أَكثر من مَال فلَان قبل بتفسيره بِأَقَلّ مَا يتمول على معنى أَن الْحَلَال أَكثر من الْحَرَام أَو مَا فِي الذِّمَّة أبقى
وَلَو قَالَ أَكثر مِمَّا شهد بِهِ الشُّهُود على فلَان فكمثل وَمَعْنَاهُ أَن ذَلِك زور وَلَو قَالَ أَكثر مِمَّا قضى بِهِ القَاضِي فكمثل
وَمِنْهُم من أَبى هَذَا فِي الْقَضَاء وَقَالَ يجب تَنْزِيله على الصدْق
وَلَو قَالَ أَكثر من الدَّرَاهِم الَّتِي فِي يَد فلَان وَفِي يَده ثَلَاثَة ففسر بِثَلَاثَة يقبل

(3/333)


وَيكون الْأَكْثَر للمرتبة وَلَو فسر بِأَقَلّ مِنْهُ قَالَ الجماهير لَا يقبل وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد يقبل تَنْزِيلا على الْمرتبَة اللَّفْظ الْخَامِس كَذَا
إِذا قَالَ لفُلَان عَليّ كَذَا فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ شَيْء فيفسر بِمَا مضى وَلَو قَالَ كَذَا كَذَا فَهُوَ تكْرَار وَلَو قَالَ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ كَقَوْلِه شَيْء وَشَيْء فقد جمع بَين مبهمين
أما إِذا قَالَ كَذَا دِرْهَم يلْزمه دِرْهَم وَاحِد وَكَذَا إِذا قَالَ كَذَا كَذَا دِرْهَم فَيكون تكريرا وَالْوَاجِب دِرْهَم
وَلَو قَالَ كَذَا وَكَذَا دِرْهَم نقل الْمُزنِيّ قَوْلَيْنِ
أَحدهمَا أَن الْوَاجِب دِرْهَم فَكَأَنَّهُ عقب مبهمين بِبَيَان وَاحِد
وَالثَّانِي دِرْهَمَانِ فَكَأَنَّهُ فسر كل وَاحِد مِنْهُمَا بِهِ
وَقَالَ أَبُو إِسْحَق الْمروزِي وَجَمَاعَة الْمَسْأَلَة على حالتين فَإِن قَالَ كَذَا وَكَذَا درهما لزمَه دِرْهَمَانِ لِأَنَّهُ نصب على التَّفْسِير فَيكون تَفْسِيرا لكل وَاحِد
وَإِن قَالَ كَذَا وَكَذَا دِرْهَم بِالرَّفْع لزمَه دِرْهَم وَاحِد وَقَالَ أَبُو حنيفَة يلْزمه بقول كَذَا درهما عشرُون درهما وَبِقَوْلِهِ كَذَا كَذَا درهما

(3/334)


لزمَه أحد عشر درهما وَبِقَوْلِهِ كَذَا وَكَذَا درهما أحد وَعِشْرُونَ درهما مُرَاعَاة لمطابقة اللَّفْظ فَأَقل الدره ينْتَصب الدِّرْهَم بعده على هَذَا النّظم وَلَو قَالَ كَذَا دِرْهَم صَحِيح فقد سلم أَنه لَا يلْزمه مائَة وَإِن كَانَ الدِّرْهَم لَا ينكسر إِلَّا بعده وَبعد نصف دِرْهَم عَنهُ احترزنا بِالصَّحِيحِ اللَّفْظ السَّادِس ذكر الْمُبين عقيب مُبْهَم
كَقَوْلِه لَهُ عَليّ ألف وَدِرْهَم فَالْأول عندنَا مُبْهَم يرجع فِي تَفْسِيره إِلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله صَار مُفَسرًا إِذا كَانَ الْعَطف بَين المكيلات والموزونات وَسلم أَنه إِذا قَالَ ألف وثوب يبْقى الْألف مُجملا أما إِذا قَالَ ألف دِرْهَم وَخَمْسَة عشر درهما فالدرهم بَيَان لِأَنَّهُ لم يثبت بِنَفسِهِ وَخَمْسَة عشر اسمان جعلا اسْما وَاحِدًا فَلَا يخْتَص بِالْبَيَانِ بالعشر عَن الْخمس وَلَو قَالَ ألف وَمِائَة وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ درهما فالدرهم تَفْسِير للْكُلّ

(3/335)


لما ذَكرْنَاهُ
وَقَالَ الاصطخري وَهُوَ تَفْسِير الْأَخير وَمَا سبق مُجمل فَإِنَّهُ مَقْطُوع عَنهُ بواو الْعَطف وَهُوَ مَتْرُوك عَلَيْهِ لِأَنَّهُ على خلاف عَادَة الْحساب وَإِذا قَالَ لَهُ دِرْهَم وَنصف فَفِي النّصْف وَجْهَان وَلَعَلَّ الْأَصَح أَيْضا أَنه مُفَسّر بالدرهم اللَّفْظ السَّابِع الدَّرَاهِم
إِذا قَالَ لَهُ عَليّ دِرْهَم يلْزمه دِرْهَم فِيهِ سِتَّة دوانيق عشرَة مِنْهَا تَسَاوِي فِي الْوَزْن سَبْعَة مَثَاقِيل وَهِي دَرَاهِم الْإِسْلَام فِي الدِّيَة وَغَيرهَا فَلَو فسر بعدديات فِيهَا أَرْبَعَة دوانيق إِن كَانَ مُتَّصِلا قبل فَكَأَنَّهُ قَالَ دِرْهَم الا دانقين
وَفِيه وَجه أَن هَذِه الصِّيغَة لَا تصلح للاستثناء فَلَا تقبل وَإِن كَانَ مُنْفَصِلا لم يقبل الا إِذا كَانَ فِي بلد يعْتَاد التَّعَامُل بهَا فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا ينزل عَلَيْهِ كَمَا فِي البيع
وَالثَّانِي لَا لِأَن البيع إِيجَاب فِي الْحَال وَالْحَال حَال التَّعَامُل والاقرار إِخْبَار عَن سَابق لَيْسَ يدْرِي مَتى وَجب فيرعي أصل الشَّرْع فِيهِ
وَالتَّفْسِير بِالدَّرَاهِمِ المغشوشة كالتفسير بِالنَّقْصِ وَلَو فسر الدَّرَاهِم بالفلوس لم يقبل أصلا وَلَا فرق بَين أَن يَقُول على دَرَاهِم أَو دريهمات أَو دَرَاهِم صغَار فِيمَا قدمْنَاهُ من الْوَزْن
وَإِذا قَالَ دَرَاهِم فَمن حَيْثُ الْعدَد لَا ينزل على أقل من ثَلَاثَة دَرَاهِم

(3/336)


وَإِذا قَالَ مائَة دِرْهَم عددا لزمَه الْجمع بَين الْوَزْن وَالْعدَد فَلَو أُتِي بِخَمْسِينَ عددا يُسَاوِي مائَة دِرْهَم وزنا فقد ترددوا فِيهِ فرع
لَو قَالَ لَهُ على من دِرْهَم إِلَيّ عشرَة فَثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه يلْزمه ثَمَانِيَة فَلَا يدْخل الحدان فِيهِ
وَالثَّانِي تِسْعَة فَيدْخل الحدان الأول
وَالثَّالِث عشرَة فَيدْخل الْحَد اللَّفْظ الثَّامِن فِي معنى الْإِضَافَة إِلَيّ الظّرْف
وَله أَربع صور
الأولى أَن يَقُول لَهُ عِنْدِي زَيْت فِي جرة وَسمن فِي بستوقة وَسيف فِي

(3/337)


غمد لَا يكون مقرا بالظرف خلافًا لأبي حنيفه رَحمَه الله وَكَذَا لَو قَالَ عِنْدِي بستوقة فِيهَا سمن وغمد فِيهِ سيف وجرة فِيهَا زَيْت لَا يكون مقرا الا بالظرف وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ لَهُ عِنْدِي عبد على رَأسه عِمَامَة ودابة على ظهرهَا سرج لَا يكون مقرا بالفرس وَالْعَبْد كَمَا لَو قَالَ لَهُ عِنْدِي عِمَامَة على رَأس عبد وسرج على ظهر فرس لايكون مقرا بالفرس وَالْعَبْد وَقَالَ صَاحب التَّلْخِيص إِنَّه إِذا قَالَ عبد على رَأسه عِمَامَة يلْزمه الْعِمَامَة بِخِلَاف الْفرس عَلَيْهِ سرج لِأَن مَا فِي يَد العَبْد لسَيِّده وَهُوَ الَّذِي أورد فِي طَريقَة الْعرَاق
وَأنكر المراوزة هَذَا الْفرق وزيفوه إِذْ ينقدح أَن يَقُول عبد على رَأسه عِمَامَة لي كَيفَ وَقد صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَو قَالَ لفُلَان فِي يَدي دَار مفروشة لم يلْزم الْفرش وَإِن جعله صفة وَمَا كَانَ فِي دَار الْإِنْسَان فَهُوَ فِي يَده
وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ فِي الثَّوْب الْمُطَرز وَجْهَيْن أَنه هَل يكون إِقْرَارا بالطراز إِذا كَانَ الطّراز يعْمل بعد النسج
وَلَو قَالَ لَهُ عِنْدِي خَاتم وَجَاء بِخَاتم وَعَلِيهِ فصه وَقَالَ مَا أردْت الفص

(3/338)


فَوَجْهَانِ الْأَظْهر انه مقرّ بِهِ لِأَن الِاسْم شَامِل
وَلَو قَالَ لَهُ عِنْدِي جَارِيَة فجَاء بِجَارِيَة فِي بَطنهَا جَنِين وأدعي كَونه جَنِينا لَهُ فَوَجْهَانِ مرتبان وَهَا هُنَا أولى بإن لَا يُؤَاخذ بالجنين بل من يؤاخذه يَأْخُذهُ من التّبعِيَّة فِي البيع
وَلَو قَالَ لَهُ عِنْدِي فص فِي خَاتم أَو جَنِين فِي يطن جَارِيَة لَا يكون مقرا بالجارية والخاتم الصُّورَة الثَّانِيَة إِذا قَالَ لَهُ عِنْدِي ألف دِرْهَم غي هَذَا الْكيس لَا يكون إِقْرَار بالكيس ثمَّ إِن لم يكن فِي الْكيس شئ يلْزمه ألف وَإِن كَانَ وَلكنه نَاقص عَن ألف
قَالَ أَبُو زيد لَا مَا يلْزمه الا فِي الْكيس للحصر
وَقَالَ الْقفال يلْزمه الْإِتْمَام كَمَا لَو لم يكن فِي الْكيس شئ
أما إِذا عرف بِالْألف وَاللَّام وَقَالَ لَهُ عِنْدِي أُلَّاف الَّذِي فِي الْكيس فَإِن

(3/339)


كَانَ نَاقِصا فَالْأَظْهر أَنه لَا يلْزمه الْإِتْمَام للحصر وَلَو لم يكن فِيهِ شئ
حُكيَ الشَّيْخ أَبُو على قَوْلَيْنِ وقربهما من الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إِذا قَالَ لأشربن مَاء هَذِه الأداوة وَلَا مَاء فِيهَا أَن الْيَمين هَل تَنْعَقِد فَإِن قُلْنَا الْيَمين ينْعَقد فها هُنَا يَصح الاقرار وَيلْزمهُ وَإِن قُلْنَا لَا تَنْعَقِد فالإقرار هَا هُنَا لَغْو
الصُّورَة الثَّالِثَة أَن يَقُول لفُلَان فِي هَذَا العَبْد ألف دِرْهَم أَو لَهُ من هَذَا العَبْد ألف دِرْهَم يُطَالب بتفسيره
فَإِن قَالَ وزن فِيهِ ألف دِرْهَم فَيَقُول وَكم وزنت أَنْت فَإِن قَالَ ألفا فَالْعَبْد بَينهمَا وَإِن قَالَ أَلفَيْنِ فَالْعَبْد إثلاث وَإِن قَالَ وزن هُوَ ألفا فِي عشرَة واشتريت الْبَاقِي أَنا بِأَلف صدق فِي الْكل لِأَنَّهُ مُحْتَمل وَقَالَ مَالك يسلم للْمقر لَهُ مِقْدَار مَا يُسَاوِي ألفا من العَبْد وَمَا يبقي بيقى للْمقر
وان قَالَ جُزْء العَبْد عَلَيْهِ بِأَلف فَيثبت مُوجبه وَلَو قَالَ هُوَ مَرْهُون عِنْده بِأَلف فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا يقبل لِأَن الدّين فِي الذِّمَّة لَا فِي العَبْد
وَالثَّانِي يقبل لِأَن الْإِضَافَة إِلَيْهِ معقولة كَمَا فِي جِنَايَة العَبْد
الصُّورَة الرَّابِعَة إِذا قَالَ لَهُ فِي هَذَا المَال ألف أَو فِي مِيرَاث أبي ألف لزمَه الْألف

(3/340)


وَلَو قَالَ لَهُ فِي مَالِي ألف أَو فِي ميراثي من أبي ألف لم يلْزمه الْألف لأضافته إِلَيّ نَفسه ويفيد الْوَعْد بِالْهبةِ هَذَا هُوَ الظَّاهِر الْمَقْطُوع فِي طَريقَة الْعرَاق
وَنقل صَاحب التَّقْرِيب وَالْقَاضِي من نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله لَهُ من مَالِي ألف أَنه يلْزمه بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ فِي ميراثي من أبي فَإِنَّهُ لَا يلْزمه
ثمَّ قَالُوا أختلف الْأَصْحَاب على طَرِيقين مِنْهُم من قَالَ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريح وَمِنْهُم من فرق
وَقَالَ القَاضِي الْفرق بِالْعَكْسِ أولى لِأَنَّهُ إِذا قَالَ فِي ميراثي من أبي أحتمل أَن يكون الدّين على أَبِيه وَالْمِيرَاث لَهُ لِأَن الدّين عندنَا لَا يمْنَع من صِحَة الْإِرْث
ثمَّ قَالَ الشَّيْخ أَبُو على أَخطَأ بعض الْأَصْحَاب بطرد الطَّرِيقَيْنِ فِيمَا إِذا قَالَ لفُلَان من دَاري نصفهَا فَإِن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ نَص أَنه لَو قَالَ دَاري لفُلَان كَانَ الاقرار بَاطِلا لأضافته إِلَيّ نَفسه فَلَا فرق بَين النّصْف وَبَين الْكل وأنما السديد الْمَعْقُول مَا نقل فِي طَرِيق الْعرَاق
اللَّفْظ التَّاسِع فِي تَكْرِير الْمقر بِهِ
إِذا قَالَ على دِرْهَم دِرْهَم دِرْهَم لَا يلْزمه الا دِرْهَم وَاحِد لِأَنَّهُ مُحْتَمل للتكرار وَلَو قَالَ دِرْهَم وَدِرْهَم لزمَه دِرْهَمَانِ لِأَن الْوَاو منع التّكْرَار وَلَو قَالَ

(3/341)


على دِرْهَم ودرهمان لزمَه ثَلَاثَة دَرَاهِم
وَلَو قَالَ دِرْهَم فدرهم لزمَه دِرْهَم أَي فدرهم لَازم أَو خير مِنْهُ وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق فطالق يَقع طَلْقَتَانِ إِذْ لَا ينقدح فطالق خير مِنْهُ وَنقل أبن خيران الْجَواب من الْمَسْأَلَتَيْنِ وجعلهما على قَوْلَيْنِ
وَلَو قَالَ دِرْهَم وَدِرْهَم دِرْهَم وَقَالَ أردْت بالثالث تكْرَار الثَّانِي قبل وَلَو قَالَ أردْت تكْرَار الأول لم يقبل وَعند الاطلاق يلْزمه ثَلَاثَة
وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق وَطَالِق وَطَالِق وَلم ينْو شَيْئا فَقَوْلَانِ
أَحدهمَا أَنه يَقع طَلْقَتَانِ وَيجْعَل الثَّالِث تكْرَار الثَّانِي
وَالثَّانِي أَنه يَقع ثَلَاث لِأَنَّهُ لم يقْصد التّكْرَار
فَنقل أبن خيران قولا إِلَيّ الاقرار حَتَّى لَا يلْزم عِنْد الاطلاق الا دِرْهَمَانِ وَمن فرق عول على ان التَّأْكِيد يَلِيق بِالطَّلَاق الَّذِي هُوَ إنْشَاء دون الْأَخْبَار
وَلَو قَالَ دِرْهَم ثمَّ دِرْهَم فَكَلمهُ ثمَّ كالواو فِي قطع التَّأْكِيد وَلَو قَالَ دِرْهَم فَوق دِرْهَم أَو تَحت دِرْهَم أَو تَحت دِرْهَم اَوْ فَوْقه دِرْهَم أَو مَعَ دِرْهَم

(3/342)


أَو مَعَه دِرْهَم فَلَا يلْزمه إِلَّا دِرْهَم وَاحِد وَالْبَاقِي يكون على تَأْوِيل ملك الْمقر أَي دِرْهَم فَوق دِرْهَم لي
وَفِي نَظِيره فِي الطَّلَاق يَقع طَلْقَتَانِ إِذْ لَا ينقدح هَذَا وَقيل بتخريج ذَلِك فِي الْإِقْرَار وَهُوَ بعيد
وَلَو قَالَ دِرْهَم قبل دِرْهَم أَو قبله دِرْهَم أَو بعد دِرْهَم أَو بعده دِرْهَم يلْزمه دِرْهَمَانِ لِأَن ذَلِك لَا يحْتَمل إِلَّا فِي تَأْخِير الْوُجُوب وتقديمه
وَلَو قَالَ دِرْهَم بل دِرْهَم يلْزمه دِرْهَم وَاحِد وَلَو قَالَ بل دِرْهَمَانِ يلْزمه دِرْهَمَانِ لِأَنَّهُ أعَاد الأول فِي الثَّانِي وَلَو قَالَ دِرْهَم بل دِينَارَانِ يلْزمه دِرْهَم وديناران لِأَن الثَّانِي رُجُوع وَلَيْسَ بِإِعَادَة وَلَو قَالَ عشرَة لَا بل تِسْعَة يلْزمه الْعشْرَة لِأَنَّهُ رُجُوع وَلَو قَالَ دِينَارَانِ بل قفيزان يلْزمه الْكل لِأَنَّهُ رُجُوع وَلَيْسَ بِإِعَادَة وَلَو قَالَ دِرْهَم بل دِرْهَمَانِ بل ثَلَاثَة دَرَاهِم لَا يلْزمه إِلَّا ثَلَاثَة دَرَاهِم وَيكون مَا مضى معادا فِيهِ
هَذَا كُله إِذا جرى على الِاتِّصَال
فَلَو أقرّ بِأَلف يَوْم السبت وبألف يَوْم الْأَحَد لَا يلْزمه إِلَّا ألف وَاحِد وَيجمع بَينهمَا فالأخبار تتداخل إِلَّا أَن يظيف إِلَى سببين مُخْتَلفين فَلَو أضَاف أَحدهمَا دون الآخر نزل الْمُطلق على الْمُضَاف وَلَا يخْتَلف ذَلِك بتكرير الْإِشْهَاد
فَلَو شهد شَاهِدَانِ أَنه أقرّ يَوْم السبت بِأَلف وآخران أَنه أقرّ يَوْم الْأَحَد بِأَلف لم يلْزمه إِلَّا ألف

(3/343)


وَلِهَذَا قَالُوا لَو شهد أَحدهمَا على إِقْرَاره يَوْم السبت بِأَلف وَالْآخر على إِقْرَاره يَوْم الْأَحَد بِأَلف ثَبت ألف وَإِن لم يجتمعا على إِقْرَار وَاحِد وَلَكِن اجْتمعَا فِي حق الْمخبر عَنهُ
وَكَذَلِكَ إِذا حكى أحد الشَّاهِدين العجمية من لفظ الْمقر فِي الْإِقْرَار وَحكى الآخر الْعَرَبيَّة يجمع بَينهمَا
وَمثل ذَلِك فِي الْأَفْعَال كالغضب وَالْقَبْض
والإنشاءات كَالْبيع وَالْقَذْف لَا يجمع هَكَذَا نقل صَاحب التَّقْرِيب النَّفْي ثمَّ قَالَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج
أما تَخْرِيجه فِي الْجمع فِي جَانب الإنشاءات فبعيد وللتخريج فِي جَانب الأقارير وَجه لِأَنَّهُمَا لم يجتمعا على شَيْء وَاحِد
وَلَا خلاف فِي أَنه لَو ادّعى حَقًا وَشهد لَهُ الشُّهُود بل لَو ادّعى على الْإِقْرَار من عَلَيْهِ الْحق قبل وَلم يكن ذَلِك مُخَالفَة فِي نَفسه وَلم يلْزمه أَن يَدعِي الْإِقْرَار حَتَّى يُوَافقهُ لفظ الشُّهُود بل لَو ادّعى الْإِقْرَار لم يسمع
وَقَالَ قَائِلُونَ لابد من دَعْوَى الْإِقْرَار لتتوافق الشَّهَادَة وَالدَّعْوَى وَلَا يجب على الشَّاهِد إِذا شهد على الْإِقْرَار أَن يذكر كَونه مُكَلّفا طَائِعا بل

(3/344)


هُوَ الْمَفْهُوم عِنْد الْإِطْلَاق
فَلَو أَقَامَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ بَيِّنَة على أَنه كَانَ مكْرها قدمت بَيِّنَة الْإِكْرَاه وَلَو أَقَامَ بَيِّنَة على أَنه كَانَ فِي الْحَبْس والقيد صَار الظَّاهِر مَعَه حَتَّى يكون القَوْل قَوْله فِي الْإِكْرَاه
اللَّفْظ الْعَاشِر
إِذا قَالَ هَذَا وَلَدي وَلدته هَذِه الْجَارِيَة وَقد علقت بِهِ فِي ملكي فَهُوَ إِقْرَار بالاستيلاد فِي الْأُم
وَلَو قَالَ وَلدته وَلم يقل علقت بِهِ فِي ملكي وَلَا ولدت فِي ملكي فَوَجْهَانِ ظَاهر النَّص أَنه إِقْرَار بالاستيلاد بِنَاء على الْغَالِب وَلَو قَالَ ولدت فِي ملكي وَلم يقل علقت فِي ملكي فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بالثبوت

فرع دخيل فِي هَذَا الْكتاب وَهُوَ

إِذا تنَازع رجلَانِ فِي جَارِيَة فَقَالَ أَحدهمَا زوجتنيها وَقَالَ الآخر بعتكها وَالنَّظَر فِي أَرْبَعَة أُمُور
الأول فِي فصل الْخُصُومَة قَالَ الْأَصْحَاب هما خصومتان إِذْ كل وَاحِد يَدعِي عقدا فَعَلَيهِ إثْبَاته وَيَدعِي عَلَيْهِ عقد فَالْقَوْل قَوْله فتعرض الْيَمين على كل وَاحِد فِي نفي مَا يَدعِي عَلَيْهِ وَفِي إِثْبَات مَا يَدعِيهِ مهما رد الْيَمين عَلَيْهِ

(3/345)


استدرك صَاحب التَّقْرِيب وَقَالَ من يدعى أَنه بَاعَ فَهُوَ يطْلب الثّمن فَلهُ التَّحْلِيف على نفي الشِّرَاء أما من يَدعِي التَّزْوِيج على الآخر وَالْآخر قد قَالَ بِعْت فقد أنكر ملك نَفسه فِي الْجَارِيَة فَلَو أقرّ لَكَانَ لَا يقبل إِقْرَاره فَأَي فَائِدَة فِي تَحْلِيفه
ثمَّ قَالَ الْآن يَبْنِي على أَن يَمِين الرَّد كالبينة ففائدته النّكُول واستدراكه على وَجهه
النّظر الثَّانِي أَنه إِن حلف الزَّوْج نفي على الشِّرَاء لم يُطَالب بِالثّمن وَللْبَائِع الرُّجُوع فِي الْجَارِيَة
مِنْهُم من قَالَ يصير كَأَنَّهُ عجز عَن أستيفاء الثّمن بالإفلاس فيفسح وَيثبت حَقه فِي الْجَارِيَة وَإِن زَاد قيمتهَا على الثّمن
وَمِنْهُم من فال لَا بل طَرِيقه انه ظفر بِغَيْر جنس حَقه فَيَأْخُذ مِنْهَا مُقَدرا الثّمن مِنْهُ
هَذَا كُله إِذا لم يكن قد اسْتَوْلدهَا فَإِن جرى الِاسْتِيلَاد أمتنع الرُّجُوع بِمُوجب قَول البَائِع وَكَانَ الْوَلَد أَيْضا حرا بِمُوجب قَوْله فَلَا مرجع لَهُ
النّظر الثَّالِث أَن الزَّوْج هَل يحل لَهُ وَطْؤُهَا نظر فَإِن كَانَ صَادِقا حل لَهُ وَطْؤُهَا بَاطِنا وَفِي الظَّاهِر وَجْهَان
أَحدهمَا نعم لِأَن الْعبْرَة بقولهمَا وَهِي حَلَال بِمُوجب قَول البَائِع وَالزَّوْج جَمِيعًا

(3/346)


وَالثَّانِي أَنَّهَا حرَام لوُقُوع الِاخْتِلَاف فِي الْجِهَة فَأَنَّهُ لَو قَالَ لي عَلَيْك ألف من قرض فَقَالَ بل من ثمن مَبِيع فَهَل يقدر على الْمُطَالبَة فِيهِ خلاف فالاختلاف فِي الْجِهَة فِي الْبضْع أولى
وَمِنْهُم من شبه هَذَا بِمَا إِذا اشْترى زَوجته بِشَرْط الْخِيَار فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا يَطَؤُهَا فِي مُدَّة الْخِيَار فَإِنَّهُ لَا يدْرِي أيطأ زَوجته أَو مملوكته مَعَ أَنه كَيفَ مَا كَانَ فَهُوَ حَلَال وسبيل حل إِشْكَال النَّص تخريجة على أَقْوَال الْملك
وَإِن قُلْنَا الْملك للْبَائِع فَلهُ ذَلِك فَإِنَّهُ يدْرِي أَنه يطَأ زَوجته وَإِن قُلْنَا للمشترى فَلَا لِأَنَّهُ يطَأ مملوكته بِملك ضعييبف يمْنَع الْوَطْء لبَقَاء خِيَار البَائِع وَإِن قُلْنَا أَنه مَوْقُوف ملا يطَأ وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لِأَنَّهُ لَا يدْرِي أيطأ زَوجته فَتحل أَو يطَأ مملوكته بِملك ضَعِيف فَلَا تحل لَهُ
النّظر الرَّابِع نَفَقَة الْوَلَد بعد الِاسْتِيلَاد على المستولد لِأَنَّهُ حر بِمُوجب قَول البَائِع فنفقته على ابيه وَنَفَقَته الْمُسْتَوْلدَة على المستولد إِن قُلْنَا تحل لَهُ وَإِن قُلْنَا لَا تحل لَهُ فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا على البَائِع إِذْ يقبل قَوْله فِي زَوَال ملكه عَلَيْهِ لَا فِي مَا على غَيره وَهُوَ سُقُوط النَّفَقَة
وَالثَّانِي أَنَّهَا تَأْكُل من كسبها فَأن لم يكن فَمن بَيت المَال لِأَنَّهَا فقيرة

(3/347)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي تعقب الْإِقْرَار بِمَا يرفعهُ وَهُوَ قِسْمَانِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الأول أَن يعقبه بِمَا يرفعهُ كُله

وَفِيه مسَائِل سبع
الأولى إِذا قَالَ لفُلَان على ألف من ثمن خمر أَو خِنْزِير أَو من ضَمَان شَرط فِيهِ الْخِيَار لنَفسِهِ أَو سَبَب فَاسد أسْندهُ إِلَيْهِ ويعتاد التَّعَامُل بِمثلِهِ على الْفساد فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه يلْزمه الْألف وَالْإِضَافَة الْفَاسِدَة رفع بعد إِثْبَات فَهُوَ كَقَوْلِه على ألف أَلا ألفا
وَالثَّانِي وَلَعَلَّه الأولى أَنه لَا يلْزمه لِأَنَّهُ لم يقر بملزوم شئ وَكَلَامه منظوم فِي نَفسه فَصَارَ كَمَا إِذا قَالَ أَنْت طَالِق أَن شَاءَ الله فَإِنَّهُ لما أنتظم لم يكترث باندفاع الطَّلَاق
وَقطع الاكثرون بِأَنَّهُ لَو قَالَ لفُلَان على ألف أَن شَاءَ الله لَا يلْزمه شئ لِأَنَّهُ للشَّكّ فِي الْإِقْرَار وللتعليق فِي الْإِقْرَار وَحكي صَاحب التَّقْرِيب عَن بعض الْأَصْحَاب طرد الْقَوْلَيْنِ
وَلَا خلاف فِي أَنه إِذا قَالَ لَهُ على ألف إِذا جَاءَ رَأس الشَّهْر وَقصد بِهِ التَّعْلِيق أَنه

(3/348)


يخرج عَن الْقَوْلَيْنِ بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ إِذا جَاءَ رَأس الشَّهْر فَلهُ على ألف فَإِنَّهُ لَا يلْزمه قولا وَاحِد لِأَنَّهُ قدم كلمة التَّعْلِيق إِلَّا أَن يُفَسر ذَلِك بِأَجل أَو وَصِيَّة فَيحْتَمل وَلَكِن لَا يلْزمه دون تَفْسِيره
وَلَو قَالَ لَك على ألف ان شِئْت قَالَ الْأَصْحَاب لَا يلْزمه لِأَنَّهُ تَعْلِيق بِالْمَشِيئَةِ قَالَ الإِمَام ليخرج على الْقَوْلَيْنِ إِن قدم صِيغَة الِالْتِزَام وَإِن أخر فَيقطع بِأَنَّهُ لَا يلْزمه
الثَّانِيَة إِذا قَالَ على ألف لَا يلْزَمنِي يلْزمه الْألف لِأَنَّهُ متناقض وَلَو قَالَ ألف قَضيته فطريقان
مِنْهُم من قطع باللزوم لتناقضه
وَمِنْهُم من خرج على الْقَوْلَيْنِ إِذْ ذَلِك مِمَّا يُطلق فِي الْعَادة
الثَّالِثَة إِذا قَالَ عَليّ ألف مُؤَجل طَرِيقَانِ

(3/349)


مِنْهُم من قطع بِالْقبُولِ للصِّحَّة والاعتياد جَمِيعًا
وَمِنْهُم من خرج على الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ لَو ذكر الْأَجَل مُنْفَصِلا لم يقبل وَجعل مَانِعا للُزُوم فَكَذَلِك إِذا ذكره مُتَّصِلا
وَكَذَا إِذا قَالَ عَليّ ألف من ثمن عبد أَن سلم سلمت لِأَنَّهُ إِضَافَة صَحِيحَة مُعْتَادَة
وَلَو قَالَ عَليّ ألف مُؤَجل من جِهَة تحمل الْعقل فَيقطع بِصِحَّتِهِ لِأَن الأَصْل فِيهِ الْأَجَل والحلول فِيهِ دخيل وَمِنْهُم من خرج على الْقَوْلَيْنِ
الرَّابِعَة إِذا قَالَ لَهُ عَليّ ألف ثمَّ جَاءَ بِأَلف وَقَالَ هَذِه وَدِيعَة عِنْدِي فَقَالَ الْمقر لَهُ مَا أَقرَرت بِهِ ألف أخر هُوَ دين فَالَّذِي قطع بِهِ المراوزة قبُوله وَعَلِيهِ يدل نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَنه لَو قَالَ عَليّ شئ ثمَّ فسر بالوديعة قبل لِأَن الْوَدِيعَة عَلَيْهِ ردهَا وَقد يتَعَدَّى فِيهَا فَيضمن
نعم لَو قَالَ تلف فِي يَدي فَلَا يقبل قَوْله فِي سُقُوط الضَّمَان لِأَن قَوْله عَليّ مستشعر بِهِ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ فِي اتِّحَاد الْألف قَولَانِ

(3/350)


وَإِن قَالَ لَهُ على ألف فِي ذِمَّتِي فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا يُفَسر بالوديعة
وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ ألف دينا فِي ذِمَّتِي فأولي بِأَن يَتَعَدَّد وَهَا هُنَا يظْهر خيال التَّعَدُّد وَيبعد تَفْسِيره بالوديعة فَإِن قُلْنَا إِن التَّفْسِير بالوديعة مُنْفَصِلا مَقْبُول فمتصلا أولى وَإِن قُلْنَا لَا يقبل فَيخرج الْمُتَّصِل على قولي الْإِضَافَة إِلَيّ الْجِهَات الْفَاسِدَة
وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ ألف دِرْهَم عَارِية فِي طَريقَة الْعرَاق أَنه يلْزمه لِأَن إِعَارَة الدَّرَاهِم يَصح فَتكون مَضْمُونَة وَإِن قُلْنَا لَا يَصح فَهِيَ عَارِية فَاسِدَة مضمونه وَفِي طَريقَة المراوزة أَن عَارِية الدَّرَاهِم إِذا لم تصح فَهِيَ بَاطِلَة لِأَنَّهَا غير قَابِلَة للِانْتِفَاع أصلا فَلَا ضَمَان فعلى هَذَا يخرج على قولي الْإِضَافَة إِلَيّ الْجِهَة الْفَاسِدَة
الْخَامِسَة لَو قَالَ هَذِه الدَّار لَك عَارِية أَو هبة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَهُ أَن يخرج الْمقر لَهُ مِنْهَا مهما شَاءَ لِأَن قَوْله لَك وَإِن كَانَ ظَاهره للْملك فَإِذا تعقب بالعارية نزل عَلَيْهِ
وَكَذَا لَو قَالَ لَك هبة ثمَّ قَالَ أردْت هبة لم أقبضها فموجب النَّص الْقبُول وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب يَنْبَغِي أَن يخرج الْكل على قولي ثمن الْخمر وَالْخِنْزِير لِأَنَّهُ

(3/351)


رفع لما تقدم من لَام التَّمْلِيك وَهُوَ فَاسد لِأَن اللَّام ظَاهر فِي التَّمْلِيك ومحتمل لوجوه فِي الْإِضَافَة إِذا ذكر مُتَّصِلا بِهِ
السَّادِسَة إِذا قَالَ رهنت فأقبضت أَو وهبت وأقبضت ثمَّ قَالَ كنت أقبضت فلَانا وظننت أَن الْقَبْض حَاصِل بِهِ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على قبُول دَعْوَاهُ فِي تحلف الْخصم وَلَا خلاف أَنه لَو قَالَ كذبت من غير تَأْوِيل لم تقبل دَعْوَاهُ
وَلَو قَالَ أَقرَرت أشهادا على الصَّك على الْعَارِية ثمَّ لم يتَّفق فَفِي قبُول الدَّعْوَى للتحليف وَجْهَان أولاهما الْقبُول لِأَنَّهُ مُحْتَمل فَلَا خلاف أَن الْعَرَبِيّ إِذا أقرّ بالعجمية ثمَّ قَالَ لقنت وَلم أفهم أَنه تقبل دَعْوَاهُ
السَّابِعَة إِذا قَالَ هَذِه الدَّار لزيد بل لعَمْرو سلم إِلَيّ زيد فَهَل يغرم لعَمْرو فِيهِ قَولَانِ

(3/352)


الْمَنْصُوص هَا هُنَا أَنه لَا يغرم لِأَن الدَّار قَائِمَة ومنازعة صَاحب الْيَد فِيهَا مُمكن وَلم يصدر مِنْهُ إِلَّا مُجَرّد قَول
وَالثَّانِي وَهُوَ الْقيَاس أَنه يضمن بالحيلولة كَمَا لَو أبق الْمَغْصُوب من يَده
وَهَذَا الْخلاف جَار فِي شُهُود المَال إِذا رجعُوا وَعين المَال بَاقِيَة أَو إِمْكَان الْمُطَالبَة بِقِيمَتِه قَائِم فَإِنَّهُم هَل يغرمون
ثمَّ من الْأَصْحَاب من أطلق الْقَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من خصص بِمَا إِذا لم يسلم إِلَى زيد بِنَفسِهِ بل أخرج القَاضِي من يَده فَإِن سلمه فَفعله غصب بِمُوجب قَوْله مُوجب للضَّمَان أما إِذا قَالَ غصبت الدَّار من زيد وملكها لعَمْرو وَسلم إِلَى زيد لم يلْزمه شَيْء لعَمْرو لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون مرتهنا أَو مُسْتَأْجرًا وغصبت فبرىء بِالرَّدِّ عَلَيْهِ فَلَا يغرم للثَّانِي وَقيل بتخريج ذَلِك على الْقَوْلَيْنِ مِنْهُ
أما إِذا قدم الْإِقْرَار بِالْملكِ فَقَالَ هِيَ لفُلَان وَأَنا غصبتها من فلَان فالأكثرون سووا بَين الصُّورَتَيْنِ حَتَّى يسلم إِلَى من غضب مِنْهُ وَلَا يغرم للْمَالِك
وَمِنْهُم من رأى تَخْرِيج هَذَا على الْقَوْلَيْنِ ظَاهرا وَزعم أَنه يسلم إِلَى الأول وَهل يغرم للثَّانِي قَولَانِ

(3/353)


الْقسم الثَّانِي فِيمَا يرفع بعض الْإِقْرَار

وَفِيه ثَلَاث مسَائِل
الأولى جَوَاز الِاسْتِثْنَاء الْأَقَل وَالْأَكْثَر مهما بَقِي من الْمقر بِهِ شَيْء
فَلَو قَالَ عَليّ عشرَة إِلَّا تِسْعَة قبل فَمَا يلْزمه إِلَّا دِرْهَم وَلَو قَالَ عشرَة إِلَّا عشرَة بَطل الِاسْتِثْنَاء وَلَزِمَه الْعشْرَة
وَلَو قَالَ عَليّ عشرَة إِلَّا تِسْعَة إِلَّا ثَمَانِيَة إِلَّا سَبْعَة إِلَّا سِتَّة هَكَذَا إِلَى أَن انْتهى إِلَى الْوَاحِد يلْزمه خَمْسَة لِأَن الِاسْتِثْنَاء من الْإِثْبَات نفي وَمن النَّفْي إِثْبَات
فَإِذا جمع صِيغ الْإِثْبَات على الْيَد الْيُمْنَى والصيغ الَّتِي بعْدهَا على الْيُسْرَى اجْتمع على الْيُسْرَى خَمْسَة وَعِشْرُونَ وعَلى الْيمن ثَلَاثُونَ فَإِذا أسقطت الْمَنْفِيّ عَن الْمُثبت بَقِي خَمْسَة
الثَّانِيَة الِاسْتِثْنَاء من غير الْجِنْس صَحِيح عندنَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يَصح إِلَّا فِي اسْتثِْنَاء الْمكيل من الْمَوْزُون أَو الْمَوْزُون من الْمكيل
وَصورته أَن يَقُول عَليّ ألف دِرْهَم إِلَّا ثوبا فَمَعْنَاه إِلَّا قيمَة ثوب وَلَكِن

(3/354)


مَعْنَاهُ أَن يُفَسر قيمَة الثَّوْب بِمَا ينقص عَن الْألف فَلَو فسره بِمَا استغرق فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا بطلَان التَّفْسِير إِلَى أَن يُفَسر بِمَا ينقص عَن الْألف
وَالثَّانِي بطلَان أصل الِاسْتِثْنَاء
الثَّالِثَة الِاسْتِثْنَاء عَن الْعين كَقَوْلِه هَذِه الدَّار لفُلَان وَالْبَيْت الْفُلَانِيّ مِنْهَا لي أَو هَذِه الدَّار لفُلَان إِلَّا الْبَاب أَو هَذَا الْخَاتم إِلَّا الفص أَو هَؤُلَاءِ العبيد إِلَّا وَاحِدًا
فَالْمَذْهَب صِحَة الِاسْتِثْنَاء وَفِيه وَجه أَن الِاسْتِثْنَاء إِنَّمَا ورد فِي اللِّسَان عَن الْأَعْدَاد فَلذَلِك يقبل وَإِلَّا فَالْأَصْل أَن رفع الْإِقْرَار السَّابِق بَاطِل
فرع لَو قَالَ هَؤُلَاءِ العبيد لفُلَان إِلَّا وَاحِدًا وَقُلْنَا صَحَّ طُولِبَ بتعيينه وَقبل قَوْله
فَلَو مَاتُوا إِلَّا وَاحِدًا فَقَالَ هَذَا هُوَ الْمُسْتَثْنى فَالصَّحِيح قبُوله كَمَا لَو عين أَولا ثمَّ مَاتَ الآخر
وَفِيه وَجه أَنه لَا يقبل لِأَنَّهُ يُوجب إعدام أثر الْإِقْرَار بِخِلَاف مَا لَو قَالَ غصبت هَؤُلَاءِ العبيد إِلَّا وَاحِدًا فَإِنَّهُ يقبل تعين الْوَاحِد الْبَاقِي لِأَن أثر الْإِقْرَار يبْقى فِي مُطَالبَته بِقِيمَة الْمَوْت

(3/355)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فِي الْإِقْرَار بِالنّسَبِ وَهُوَ قِسْمَانِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
أَحدهمَا أَن يقر على نَفسه ويستلحق شخصا

فَقَوله مَقْبُول بِشَرْط أَن يسلم عَن تَكْذِيب الْحس بِأَن يكون الْمُسْتَلْحق أكبر سنا مِنْهُ أَو مثله وَعَن تَكْذِيب الشَّرْع بِأَن يكون الْمُسْتَلْحق مَشْهُور النّسَب لغيره وَعَن تَكْذِيب الْمقر لَهُ بِأَن يكون بَالغا فيكذبه
فَلَا يثبت النّسَب فِي هَذِه الصُّور الثَّلَاثَة وَإِنَّمَا يثبت فِي مَجْهُول يُولد مثله لمثله وَهُوَ أَن يقر إِن كَانَ بَالغا أَو هُوَ صَغِير أَو مَجْنُون أَو ميت حَتَّى لَا يتَصَوَّر تَكْذِيبه فَإِن إِقْرَاره لَيْسَ بِشَرْط فَلَو استلحق صَغِيرا فَمَاتَ الصَّغِير وَرثهُ وَلَو مَاتَ الْمُسْتَلْحق وَرثهُ الصَّغِير بل لَو مَاتَ الصَّغِير أَولا وَله مِيرَاث ثمَّ اسْتَلْحقهُ قبل قَوْله عندنَا وَلم يتْرك بِسَبَب التُّهْمَة خلافًا لأبي حنيفَة
نعم لَو مَاتَ بَالغا فاستلحقه ذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجْهَيْن وَمَال القَاضِي إِلَى أَنه لَا

(3/356)


يقبل إِذا خَيره إِلَى مَوته مَعَ مصادفته حَالَة يتَصَوَّر تَصْدِيق الْمقر لَهُ فِيهِ يُوهم كذبه وَهَذَا لَا يَلِيق بِمذهب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّهُ لَا يرد الأقارير بالتهم نعم لَو استلحق صَغِيرا فَبلغ وَأنكر فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا مبالاة بإنكاره إِذْ حكمنَا بِثُبُوت النّسَب والتوريث من الْجَانِبَيْنِ
وَالثَّانِي يقبل وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك حكما بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة كتصحيح الأقارير والتصرفات فِي مرض الْمَوْت
فرعان

أَحدهمَا لَهُ أمتان وَلكُل وَاحِدَة مِنْهُمَا ولد وَلَا زوج لَهما فَقَالَ أحد هذَيْن الِابْنَيْنِ وَلَدي فقد ثَبت نسب وَاحِد مُبْهما فَيُطَالب بِالتَّعْيِينِ فَإِذا عين تعين وَعتق وَصَارَت الْأُم مُسْتَوْلدَة إِن كَانَ قد قَالَ هَذَا وَلَدي مِنْهَا قد علقت بِهِ فِي ملكي وَإِن أطلق وَقَالَ وَلَدي مِنْهَا فقد ذكرنَا فِيهِ وَجْهَيْن فَإِن مَاتَ قبل التَّعْيِين فتعيين الْوَرَثَة كتعيين الْمُورث وَإِن عجزنا عرضنَا على الْقَائِف وَتَعْيِين الْقَائِف كتعينه فِي النّسَب وَالِاسْتِيلَاد وَسَائِر الْأَحْكَام فَإِن عجزنا عَن الْقَائِف أقرعنا بَينهمَا فَمن خرجت قرعته عتق وَلم يثبت نسبه وَلَا مِيرَاثه إِذْ لَا عمل للقرعة إِلَّا فِي الْعتْق وَبَينهمَا عتق مُبْهَم

(3/357)


وَهل يقرع بَين الأمتين وَجْهَان
أَحدهمَا لَا إِذْ أُميَّة الْوَلَد وَالْعِتْق بِهِ تبع بِسَبَب الْوَلَد وَلَا نسب
وَالثَّانِي نعم لِأَن لَهما نسبا وإحداهما عتيقة بِحكم ذَلِك فيقرع لأجل الْعتْق وَهل يقف نصيب ابْن من الْمِيرَاث وَجْهَان
أَحدهمَا بلَى إِذْ أَحدهمَا نسيب
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ نسب ميئوس عَن ظُهُوره والموالاة بِهِ فَلَا يُؤثر فِي التوريث
الْفَرْع الثَّانِي أمة لَهَا ثَلَاثَة أَوْلَاد فَقَالَ السَّيِّد أحد هَؤُلَاءِ وَلَدي استولدتها بِهِ فِي ملكي فَهُوَ إِقْرَار بأمية الْوَلَد وَيُطَالب بِالتَّعْيِينِ فَإِن عين الْأَصْغَر عتق وَثَبت نسبه وَإِن عين الْأَوْسَط ثَبت نسبه وَعتق الْأَصْغَر أَيْضا وَثَبت نسبه لِأَنَّهُ ولد على فرَاشه إِلَّا إِذا ادّعى الِاسْتِبْرَاء وَقُلْنَا الْوَلَد يَنْتَفِي بِمُجَرَّد دَعْوَى الِاسْتِبْرَاء فِي الْمُسْتَوْلدَة وَعند ذَلِك يحكم بِعِتْق الْأَصْغَر لِأَنَّهُ ولد الْمُسْتَوْلدَة ولاكن وَلَكِن إِذا عتقت الستولدة بِمَوْت السَّيِّد وَفِيه وَجه أَنه لَا يعْتق لاحْتِمَال اسْتَوْلدهَا بالأوسط وَهِي مَرْهُونَة وَلنَا لَا ينفذ الِاسْتِيلَاد فبيعت وَولدت الْأَصْغَر فِي يَد المُشْتَرِي ثمَّ اشتراهما المستولد وَقُلْنَا يَقُود الِاسْتِيلَاد وَلَكِن لَا يتَعَدَّى إِلَى ولد ولدت فِي ملك الْغَيْر وَالْقَائِل الأول إِن اعْترف بِهَذَا التَّفْرِيع فَيَأْتِي دفع مُطلق الْإِقْرَار بِهَذَا التَّقْدِير الْبعيد

(3/358)


هَذَا إِذا عين قبل الْمَوْت فَإِن مَاتَ فوارثة أَو الْقَائِف يقومُونَ مقَامه فَإِن عجزنا عَنْهُم أَقرع بَين الْأَوْلَاد الثَّلَاثَة فَإِن خرج على الْأَصْغَر تعين لِلْعِتْقِ وَإِن خرج على الْأَوْسَط عتق مَعَ الْأَصْغَر إِلَّا على تَقْدِير الْخُرُوج على مَسْأَلَة الرَّد
قَالَ الْمُزنِيّ مُعْتَرضًا على نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ كَيفَ يدْخل الصَّغِير الْقرعَة وَهُوَ حر بِكُل حَال وَمَا ذكره الْمُزنِيّ خطأ لِأَنَّهُ يدْخل فِي الْقرعَة ليخرج عَلَيْهِ فَيقْتَصر الْعتْق عَليّ أَو يخرج على غَيره فَيعتق هُوَ مَعَ غَيره
ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا تَأْثِير للقرعة فِي النّسَب وَالْمِيرَاث مَصْرُوف إِلَى الْوَارِث الْمُتَيَقن وراثته
قَالَ الْمُزنِيّ وَيَنْبَغِي أَن يُوقف مِيرَاث ابْن وَهُوَ ظَاهر الْقيَاس وَلَكِن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لم ير الْموقف بعد الْيَأْس عَن ظُهُور هَذَا النّسَب

(3/359)


الْقسم الثَّانِي أَن يقر بِالنّسَبِ على مُوَرِثه

وَمن لَهُ ولَايَة استغراق الْمِيرَاث فَلهُ إِلْحَاق النّسَب بمورثه سَوَاء انْفَرد أَو كَانُوا جَمِيعًا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَو خلف ابْنا وَاحِدًا فَأقر بِأَخ آخر لم يثبت إِلَّا إِذا كَانَا ابْنَيْنِ وَهُوَ ضَعِيف فَإِنَّهُ إِذا لم تعْتَبر صِفَات الشُّهُود بل قبل قبُول الأقارير فَلَا معنى للعدد
ثمَّ قَالَ الْأَصْحَاب يعْتَبر إِقْرَار الزَّوْج وَالْمولى الْمُعْتق إِذا كَانَ من جملَة الْوَرَثَة وَلَا مبالاة بِإِقْرَار التَّقْرِيب الْمَحْجُور بِسَبَب من الْأَسْبَاب وَإِن كَانَ هُوَ أقرب إِلَى النّسَب لِأَنَّهُ مَأْخُوذ من اسْتِحْقَاق الْإِرْث وَفِي الزَّوْج وَالْمولى الْمُعْتق وَجه أَنه لَا يعْتَبر قَوْلهمَا
وَالْبِنْت الْوَاحِدَة إِذا أقرَّت وَأقر مَعهَا إِمَام الْمُسلمين فَفِي ثُبُوت النّسَب بقول الإِمَام وَجْهَان
أَحدهمَا نعم كالمولى الْمُعْتق
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ غير مُسْتَحقّ وَإِنَّمَا الْمُسْتَحق وجهة الْإِسْلَام فَلَا يتَصَوَّر صدر الْإِقْرَار مِنْهُ

(3/360)


أما إِذا خلف ابْنَيْنِ فَأقر أَحدهمَا وَأنكر الآخر فالنسب لَا يثبت قطعا وَنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَن الْمِيرَاث لَا يثبت لِأَنَّهُ فرع النّسَب وَعَلِيهِ إشكالات قررناها فِي مسَائِل الْخلاف ولأجله خرج ابْن سُرَيج وَجها أَنه يَرث وَذكر صَاحب التَّقْرِيب طَرِيقين
أَحدهمَا أَن الْمِيرَاث يثبت بَاطِنا وَهل يثبت ظَاهرا وَجْهَان
وَالثَّانِي أَنه لَا يثبت ظَاهرا وَهل يثبت بَاطِنا وَجْهَان
التَّفْرِيع

إِن قُلْنَا يثبت الْمِيرَاث على الْمقر فَإِذا كَانَت التَّرِكَة سِتّمائَة فَيَأْخُذ الْمقر لَهُ من الْمقر كم وَجْهَان
أَحدهمَا مائَة وَخمسين وَهُوَ نصف مَا فِي يَده لِأَنَّهُ أعترف لَهُ بالمساواة فِي كل شَيْء
وَالثَّانِي مائَة وَهُوَ ثلث مَا فِي يَده فَإِنَّهُ مظلوم بِالْمِائَةِ الْأُخْرَى من الْمُنكر
وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب هَذَا إِذا كَانَ الْمقر مجبرا فِي الْقِسْمَة فَلَو كَانَ الْقِسْمَة بِالتَّرَاضِي فقد تعدى بِتَسْلِيم نصِيبه إِلَى المكذوب فَيغرم لَهُ وَالْقِيَاس مَا قَالَه
فروع سَبْعَة

الأول لَو أقرّ أحد الِابْنَيْنِ بزوجية امْرَأَة لِأَبِيهِ وَأنكر الآخر فَالظَّاهِر أَنه لَا يثبت الْمِيرَاث كَمَا فِي النّسَب وَفِيه وَجه أَنه يثبت لِأَن الْمَقْصُود بِالْإِقْرَارِ هَا هُنَا الْإِرْث دون الزَّوْجِيَّة

(3/361)


الثَّانِي أقرّ أحد الِابْنَيْنِ وَأنكر الآخر وَمَات الْمُنكر نظر فَإِن كَانَ خلف ابْنا وَهُوَ مقرّ فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يثبت الْمِيرَاث لِأَن الِاسْتِغْرَاق لَهُم وَقد توافقوا
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ فرع فَلَيْسَ لَهُ تَكْذِيب أَصله وَهُوَ يلْتَفت على أَن الْوَارِث هَل يلْتَحق بِمن نَفَاهُ الْمُورث بِاللّعانِ
وَإِن لم يخلفا إِلَّا الْأَخ الْمقر فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بالثبوت وَلَو أَنه مَاتَ قبل التَّكْذِيب فَلَا خلاف فِي أَن الْمِيرَاث يثبت بتوافق البَاقِينَ لِأَن التَّكْذِيب لم يصدر مِنْهُ بعد
الثَّالِث خلف ابْنَيْنِ صَغِيرا وكبيرا فَأقر الْكَبِير بِأَخ ثَالِث وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يثبت لَا نسب وَلَا مِيرَاث إِذْ الْحق لَهما
وَالثَّانِي نعم يثبت ويستدام بِشَرْط أَن لَا يُنكر الصَّبِي إِذا بلغ

(3/362)


الرَّابِع إِذا خلف ابْنا وَاحِدًا فَقَالَ لمجهول أَنْت ابْن أبي فَقَالَ وَأَنت لست ابْنا لَهُ وَأَنا ابْن لَهُ فَوَجْهَانِ
أَحدهَا أَن الْمقر يحجب لِأَن الْمَجْهُول وَارِث بقوله وَهُوَ مُنكر قَوْله
وَالثَّانِي أَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ وَلَا يبالى بتكذيبه
وَفِيه وَجه ثَالِث أَن المكذب لَا يسْتَحق شَيْئا لِأَنَّهُ أخرجه عَن أَهْلِيَّة الْإِقْرَار بتكذيبه
الْخَامِس اقر لاثْنَيْنِ بالأخوة فتكاذبا بَينهمَا فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا أَنهم يشتركون وَلَا يُؤثر تكاذبهما نظرا إِلَى قَول الأَصْل
وَالثَّانِي أَنَّهُمَا لَا يرثان إِذْ لم يتوافق على إِرْث كل وَاحِد مِنْهُمَا الْجَمِيع
السَّادِس إِذا أقرّ الْأَخ بِابْن لِأَخِيهِ قَالَ الْأَصْحَاب يثبت النّسَب دون الْمِيرَاث إِذْ لَو ثَبت الْمِيرَاث لحرم الْأَخ عَن الْمِيرَاث وَخرج عَن أَهْلِيَّة

(3/363)


الْإِقْرَار وَصَارَ دورا
وَمِنْهُم من قَالَ يثبت النّسَب وَالْمِيرَاث جَمِيعًا وَمِنْهُم من قَالَ لَا يثبت النّسَب أَيْضا مَعَ الْمِيرَاث
السَّابِع إِذا أقرّ أحد الِابْنَيْنِ بِأَلف وَأنكر الآخر والتركة أَلفَانِ فَيُؤْخَذ من نصيب الْمقر خَمْسمِائَة أَو ألف فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا ألف مُؤَاخذَة لَهُ بِمُوجب قَوْله فِي أَنه لَا يَنْفَكّ جُزْء من التَّرِكَة بِمَا بَقِي من الدّين شَيْء وَالثَّانِي يكْتَفى بِحِصَّتِهِ والتوجيه مَذْكُور فِي الْخلاف

(3/364)