الوسيط في المذهب

= كتاب الْغَصْب =
الْغَصْب عدوان مَحْض لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غضي شبْرًا من أَرض طوقه الله من سبع أَرضين يَوْم الْقِيَامَة
وَهُوَ سَبَب للضَّمَان لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على الْيَد مَا أخذت حَتَّى ترد
وَالنَّظَر فِي الْكتاب يحصره بَابَانِ

(3/381)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي الضَّمَان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَالنَّظَر فِي ثَلَاثَة أَرْكَان الْمُوجب والموجب فِيهِ وَالْوَاجِب
الرُّكْن الأول الْمُوجب للضَّمَان

وَهُوَ ثَلَاثَة التفويت بالمباشر أَو التَّسَبُّب أَو إِثْبَات الْيَد لغَرَض نَفسه من غير اسْتِحْقَاق
أما الأول فَهُوَ الْمُبَاشرَة وَحده إِيجَاد عِلّة التّلف كَالْقَتْلِ وَالْأكل والإحراق
ونعني بِالْعِلَّةِ مَا يُقَال من حَيْثُ الْعَادة إِن الْهَلَاك حصل بهَا كَمَا يُقَال حصل بِالْقَتْلِ وَالْأكل والإحراق
أما التَّسَبُّب فَهُوَ إِيجَاد مَا يحصل الْهَلَاك عَهده وَلَكِن بعلة أُخْرَى إِذا كَانَ السَّبَب مَا يقْصد لتوقع تِلْكَ الْعلَّة
فَيجب الضَّمَان على الْمُكْره على إِتْلَاف المَال وَالْإِكْرَاه سَبَب وعَلى من حفر بِئْرا فِي مَحل عدوان إِذا تردى فِيهِ بَهِيمَة أَو عبد أَو إِنْسَان فَإِن ردى فِيهِ غَيره فِيهِ فَالضَّمَان على المردي تَقْدِيمًا للمباشرة على التَّسَبُّب كَمَا فِي الممسك مَعَ الْقَابِل فِي الْحر
أما فِي العَبْد فَيُطَالب الممسك أَيْضا لِأَنَّهُ بالإمساك غَاصِب

(3/383)


وَالْمكْره وَإِن كَانَ مباشرا فمباشرته ضَعِيفَة أنتجها الْإِكْرَاه فَلم يقدم عَلَيْهِ أما إِذا رفع حَافظ الشَّيْء حَتَّى ضَاعَ لعدم الْحَافِظ بِسَبَب آخر لَا يقْصد بِرَفْع الْحَافِظ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ كَمَا إِذا فتح رَأس الزق فاتفق هبوب ريح بعده فَسقط وَضاع فَلَا ضَمَان لِأَنَّهُ لَا يقْصد بِفَتْح رَأس الزق هبوب الرّيح والضياع بِهِ كَمَا لَو بنى دَارا فطيرت الرّيح ثوبا وألقاه فِي دَاره فَضَاعَ لَا يضمن
وَكَذَلِكَ لَو حبس الْمَالِك عَن الْمَاشِيَة فعاث الذِّئْب فِيهَا وَكَذَلِكَ لَو حمل صَبيا إِلَى مضيعة فاتفق ثمَّ سبع فافترسه فَلَا ضَمَان فِي الْكل إِذْ لَا مُبَاشرَة وَلَا يَد وَلَا تسبب إِذْ حد السَّبَب مَا ذَكرْنَاهُ
نعم لَو حمل الصَّبِي إِلَى مسبعَة أَو فتح رَأس الزق فشرقت الشَّمْس وذاب فِيهِ وَجْهَان لَعَلَّ الْأَظْهر وجوب الضَّمَان فَإِنَّهُ يقْصد بِهِ ذَلِك كَمَا أَنا نقُول إِذا غصبت الْأُمَّهَات فنتجت الْأَوْلَاد حدثت من ضَمَانه لِأَنَّهُ يتَوَقَّع من إِثْبَات الْيَد على الْأُمَّهَات ثُبُوت الْيَد على الْأَوْلَاد وَكَذَلِكَ لَو غصب رمكة فأتبعها الْمهْر فَفِي دُخُوله فِي ضَمَانه تردد

(3/384)


وَأما رفع الْقَيْد عَن الْحَيَوَان سَبَب يقْصد لإفلات الْحَيَوَان وَلَكِن ينظر فَإِن كَانَ الْمُقَيد حَيَوَانا عَاقِلا كَالْعَبْدِ فَإِذا أبق لَا ضَمَان لِأَنَّهُ مُخْتَار فَيَنْقَطِع التَّسَبُّب بِهِ وَهُوَ كَمَا لَو هدم الْحِرْز فَسرق المَال لَا يضمن المَال وَلَو دلّ السراق لم يضمن
فَأَما الْحَيَوَان الَّذِي لَيْسَ بعاقل كالطير والبهيمة فَإِذا فتح بَاب القفص وَحل رِبَاط الْبَهِيمَة فَضَاعَت فَالْمَذْهَب الظَّاهِر أَنه إِن طَار على الِاتِّصَال ضمن وَإِن كَانَ على الِانْفِصَال لم يضمن إِذْ يظْهر حوالته عِنْد الِانْفِصَال على اخْتِيَار الْحَيَوَان وَعند الِاتِّصَال كَأَنَّهُ نفر بالتعرض للقيد
وَقَالَ مَالك رَحمَه الله يضمن فِي الْحَالَتَيْنِ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ منقدح من حَيْثُ الْمصلحَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يضمن أصلا وَهُوَ قَول للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ حِوَالَة على الِاخْتِيَار وَالْعَبْد الْمَجْنُون من قبيل الدَّابَّة وَالطير

(3/385)


وَفِي العَبْد الْعَاقِل الْمُقَيد الْإِبَاق أَيْضا وَجه بعيد أَنه يضمن إِذا حل الْقَيْد عَنهُ وَهُوَ ضَعِيف لِأَنَّهُ فِي معنى الممسك مَعَ الْمُبَاشر
أما إِذا فتح رَأس الزق فتقاطرت قطرات من الْمَائِع إِلَى أَسْفَل الزق وابتل وَسقط وَجب الضَّمَان لِأَن السُّقُوط بالابتلال وَإِلَّا بتلال بالتقاطر والتقاطر بِالْفَتْح وَهُوَ طَرِيق مَقْصُود لَهُ ومسلوك إِلَيْهِ بِخِلَاف السُّقُوط بهبوب الرّيح
وَلَو فتح الزق وَفِيه سمن جامد فَقرب غَيره مِنْهُ نَارا حَتَّى ذاب فقد قيل لَا ضَمَان على وَاحِد وَالأَصَح أَنه يجب الضَّمَان على الثَّانِي لِأَنَّهُ كالمردي مَعَ الْحَافِر
هَذَا تَفْصِيل السَّبَب والمباشرة وَتَمام النّظر فِيهِ يذكر فِي كتاب الْجِنَايَات
أما إِثْبَات الْيَد فَهُوَ سَبَب للضَّمَان ومباشرته بِالْغَصْبِ فِي تسببه فِي ولد الْمَغْصُوب فَإِن إِثْبَات الْيَد على الْأُم سَبَب للثبوت على الْوَلَد فَكَانَ الْوَلَد مَضْمُونا عندنَا لذَلِك خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله فَإِنَّهُ قَالَ أثبت الْيَد وَلَكِن لم تزل يَد الْمَالِك وَالْغَصْب عبارَة عَن إِزَالَة يَد الْمَالِك وَلَيْسَ كَذَلِك عندنَا بِدَلِيل

(3/386)


أَن الْمُودع إِذا جحد الْوَدِيعَة لم يزل يَد الْمَالِك بل كَانَ زائلا قبله
وَكَذَلِكَ إِذا طُولِبَ بِولد الْمَغْصُوب فَجحد ضمن وَإِن لم يتَضَمَّن جحوده زَوَال يَد الْمَالِك إِذْ لم يكن قطّ فِي ملكه
ثمَّ إِثْبَات الْيَد فِي الْمَنْقُول بِالنَّقْلِ إِلَّا فِي مَوضِع وَاحِد وَهُوَ أَنه لَو أزعج الْمَالِك عَن دَابَّته فركبها أَو عَن فرَاشه وَجلسَ عَلَيْهِ فَهُوَ ضَامِن لِأَنَّهُ غَايَة الِاسْتِيلَاء وَقيل إِنَّه لَا يضمن مَا لم ينْقل
أما الْعقار فَيضمن بِالْغَصْبِ عِنْد إِثْبَات الْيَد عَلَيْهِ عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة فَإِن قيل فَمَا حد الْغَصْب فِي الْعقار قُلْنَا لَهُ ركنان
الأول إِثْبَات الْغَاصِب يَده وَذَلِكَ لَا يحصل إِلَّا بِالدُّخُولِ فِي الْعقار
وَالْآخر إِزَالَة يَد الْمَالِك وَذَلِكَ يحصل بإزعاجه فَإِن أزعج وَلم يدْخل لَا يضمن وَإِن دخل وَلم يزعج فَإِن قصد النظارة أَو الزِّيَارَة لم يضمن وَإِن قصد الِاسْتِيلَاء صَار الدَّار فِي يدهما فَهُوَ غَاصِب نصف الدَّار

(3/387)


وَلَو كَانَ الدَّاخِل ضَعِيفا وَالْمَالِك قَوِيا لم يكن غَاصبا وَإِن قصد لِأَن مَالا يُمكن لَا يتَصَوَّر قَصده وَإِنَّمَا هُوَ حَدِيث نفس ووسوسة
وَإِن كَانَ الْمَالِك غَائِبا وفصد ضمن وَإِن كَانَ يقدر على الانتزاع من يَده كَمَا إِذا سلب قلنسوة ملك فَإِنَّهُ غَاصِب وَإِنَّمَا ذَلِك قدره على إِزَالَة الْغَصْب وَفِي الْعقار فِي هَذِه الصُّورَة وَجه أَنه لَا يضمن
فَإِن قيل فَلَو أَثْبَتَت يَد على يَد الْغَاصِب وَتلف فِيهَا قُلْنَا كَيفَ مَا كَانَ فالمالك بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ ضمن الْغَاصِب وَإِن شَاءَ ضمن من أَخذ من الْغَاصِب وَإِن كَانَ جَاهِلا لِأَن الْجَهْل لَا ينتهض عذرا فِي نفى فِي الضَّمَان وَقد وجد إِثْبَات الْيَد على مَال الْغَيْر من غير إِذن الْمَالِك وَلَكِن قَرَار الضَّمَان على الْغَاصِب إِن كَانَت تِلْكَ الْيَد فِي وَضعهَا يَد أَمَانَة كيد الْمُرْتَهن وَيَد الْمُسْتَأْجر وَالْوَكِيل وَالْمُودع وَإِن كَانَ يَد ضَمَان فالقرار عَلَيْهِ كيد الْعَارِية والسوم وَالشِّرَاء
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يَد الْمُرْتَهن وَالْمُسْتَأْجر هَا هُنَا كيد الْعَارِية لِأَنَّهُ لَهُم غَرضا فِي أَيْديهم بِخِلَاف الْمُودع وَالْوَكِيل بِغَيْر جعل وَالْأولَى الطَّرِيقَة الأولى
نعم تردد الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد فِي يَد الْمُتَّهب لِأَنَّهُ وَإِن لم تكن يَد الضَّمَان فَهُوَ تسليط تَامّ وَهُوَ يَد الْملاك
إِلَّا أَنا إِذا ضمناهم بأقصى الْقيم وَكَانَت الْقيمَة زَائِدَة فِي يَد الْغَاصِب

(3/388)


وَنقص قبل أَخذ الْأجر فَالزِّيَادَة لَا يُطَالب بهَا إِلَّا الْغَاصِب
ثمَّ مهما رَجَعَ طُولِبَ بِالْأَصْلِ وَهُوَ من عَلَيْهِ الْقَرار فَهُوَ الْغَرَض وَإِن طُولِبَ غَيره رَجَعَ على من عَلَيْهِ الْقَرار
فَإِن قيل فَلَو أتلف الْآخِذ من الْغَاصِب قُلْنَا الْقَرار عَلَيْهِ أبدا إِلَّا إِذا غره الْغَاصِب وَقدم الطَّعَام إِلَيْهِ للضيافة فَأكل فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا النّظر إِلَى مُبَاشَرَته
وَالثَّانِي بل الْقَرار على الْغَاصِب لِأَنَّهُ غَار
وَلَو قدمه إِلَى الْمَالِك وغره فَأَكله فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِأَن يُحَال على الْمَالِك حَتَّى ذكر الْأَصْحَاب ترددا فِيمَا إِذا أودع الْمَالِك فَتلف تَحت يَده وَأَنه هَل يسْقط الضَّمَان وَلَو قَالَ للْمَالِك اقْتُل هَذَا العَبْد فَإِنَّهُ لي فَقتل سقط الضَّمَان عَن الْغَاصِب لِأَنَّهُ

(3/389)


لَا غرور مَعَ تَحْرِيم الْقَتْل بِخِلَاف الضِّيَافَة
وَلَو قَالَ أعتق فَأعتق فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهمَا أَنه لَا ينفذ الْعتْق لِأَنَّهُ قصد بِهِ جِهَة الْوكَالَة فَهُوَ مَعْذُور بِخِلَاف مَا إِذا رأى عبدا فِي ظلمَة فَظَنهُ أَنه للْغَيْر فَقَالَ أَنْت حر فَإِنَّهُ ينفذ لِأَنَّهُ غير مَعْذُور
وَالثَّانِي ينفذ الْعتْق وَلَا يُطَالب الْغَاصِب بالغرم لِأَنَّهُ نفذ عتقه فِي ملكه فَلَا معنى للغرم
وَالثَّالِث أَنه ينفذ الْعتْق وَيُطَالب بالغرم لكَونه غير مَعْذُور
أما إِذا زوج الْجَارِيَة من الْمَالِك غرُورًا فاستولدها نفذ الِاسْتِيلَاد قطعا لِأَنَّهُ فعل وَقد صَادف ملكه
وَمِنْهُم من شَبَّبَ أَيْضا فِيهِ بِخِلَاف

(3/390)


الرُّكْن الثَّانِي

فِي الْمُوجب فِيهِ وَهُوَ الْأَمْوَال وينقسم إِلَى الْمَنْفَعَة وَالْعين
أما الْعين فينقسم إِلَى الْحَيَوَان وَغَيره
أما الْحَيَوَان فَالْعَبْد مَضْمُون عِنْد الْغَصْب والإتلاف بِكَمَال قِيمَته وَإِن زَاد على أَعلَى الدِّيات خلافًا لأبي حنيفَة
وجراح العَبْد من قِيمَته عِنْد قطع أَطْرَافه كجراح الْحر من دِيَته فِي القَوْل الْمَنْصُوص
وعَلى هَذَا إِذا قطع الْغَاصِب يَد عبد فنقص من قِيمَته ثُلُثَاهُ لَزِمته الزِّيَادَة لِأَنَّهُ فَاتَ تَحت يَده فَيجب السُّدس بِحكم الْغَصْب وَالنّصف بِحكم الْجِنَايَة فَيلْزمهُ أَكثر الْأَمريْنِ من الْأَرْش أَو قدر النُّقْصَان فَلَو سَقَطت يَد العَبْد بِآفَة فِي يَد الْغَاصِب فَلَا يضمن إِلَّا أرش النُّقْصَان على هَذَا الْمَذْهَب لِأَن التَّقْدِير خاصيته الْجِنَايَة

(3/391)


وَلذَلِك نقُول المُشْتَرِي إِذا قطع يَدي العَبْد الْمَبِيع لَا نجعله قَابِضا كَمَا العَبْد لِأَن خاصية الْجِنَايَة لَا يتَعَدَّى إِلَى البيع
أما سَائِر الْحَيَوَانَات فالمتبع فِيهَا النُّقْصَان وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فِي عين الْفرس وَالْبَقر ربع قِيمَته وَهُوَ تحكم
أما الجمادات فَكل مُتَمَوّل مَعْصُوم مَضْمُون
أما الْخمر فَلَا يضمن عندنَا لَا للذِّمِّيّ وَلَا للْمُسلمِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يضمن للذِّمِّيّ
وَكَذَا الْخِنْزِير والملاهي أَيْضا غير مضمونه فَإِن تكسيرها وَاجِب
نعم لَا يتبع بيُوت أهل الذِّمَّة وَلَكِن إِذا أظهروها كسرناها
وَاخْتلفُوا فِي حد الْكسر الْمَشْرُوع فَقيل إِنَّه لَا تحرق أصلا إِذْ فِيهِ إِتْلَاف الْخشب وَلَكِن يرخص وَهُوَ غَايَة الْمُبَالغَة
وَقيل إِنَّه يَكْفِي أَن يفصل بِحَيْثُ لَا يُمكن اسْتِعْمَاله فِي الْمحرم وَلَا يَكْفِي قطع الْوتر بِالْإِجْمَاع
وَقيل إِنَّه يرد إِلَى حد يفْتَقر إِلَى من يردهُ إِلَى الْهَيْئَة الْمُحرمَة إِلَى اسْتِئْنَاف الصَّنْعَة الَّتِي يفْتَقر إِلَيْهَا الْمُبْتَدِئ للصنعة وَهَذَا هُوَ الأقصد كَذَا القَوْل فِي كسر الصَّلِيب

(3/392)


أما الْمَنْفَعَة فَيضمن بالتفويت والفوات تَحت الْيَد العادية وَلَكِن من العَبْد وَسَائِر الْأَمْوَال وَالْمكَاتب والمستولدة مُلْحق فِي ضَمَان الْعين وَالْمَنْفَعَة بالقن
وَأما مَنْفَعَة الْبضْع فَلَا يضمن بِالْيَدِ إِ نما يضمن بِالْإِتْلَافِ
وَأما مَنْفَعَة بدن الْحر إِن استخدمه إِنْسَان ضمنه وَإِن حَبسه وعطله فَوَجْهَانِ

(3/393)


أَحدهمَا بلي للتفويت وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ فَاتَ تَحت يَد الْحر الْمَحْبُوس
وعَلى هَذَا يَنْبَنِي مَا إِذا أورد الْإِجَارَة على عينه ثمَّ سلم نَفسه وَلم يَسْتَعْمِلهُ إِن قُلْنَا بِالْحَبْسِ يضمن لافتستقر الْأُجْرَة وَإِلَّا فَلَا وَكَذَلِكَ لَو اسْتَأْجر حرا فَهَل إِجَارَته
إِن قُلْنَا لَا يدْخل تَحت يَده فَلَا وَإِن قُلْنَا يضمن بِالْحَبْسِ لدُخُوله تَحت يَده فَيصح الْإِجَارَة
وَلَو وَلبس ثوبا وَغرم أرش نقص البلي فَهَل ينْدَرج تَحْتَهُ أجره الْمثل وَجْهَان وَكَذَا لَو غصب عبدا فاصطاد فَهُوَ لمَوْلَاهُ فَهَل يسْقط بِهِ أُجْرَة منفعَته لحصوله لَهُ وَجْهَان
وَفِي ضَمَان مَنْفَعَة الْكَلْب الْمَغْصُوب وَجْهَان
وَلَو اصطاد بكلب مَغْصُوب فالصيد للْمَالِك على أحد الْوَجْهَيْنِ

(3/394)


الرُّكْن الثَّالِث فِي الْوَاجِب وينقسم إِلَى الْمثل وَالْقيمَة

أما الْمثل فَوَاجِب فِي كل مَا هُوَ من ذَوَات الْمثل
وَقيل فِي حَده إِنَّه كل مَوْزُون أَو مَكِيل وَهُوَ بَاطِل بالمعجونات والمعروضات على النَّار
وَقيل إِنَّه كل مُقَدّر بِالْوَزْنِ والكيل يجوز السّلم فِيهِ وَيجوز بيع بعضه بِبَعْض وَهَذَا يخرج مِنْهُ الْعِنَب وَالرّطب وإخراجه عَن الْمِثْلِيَّات بعيد
وَيدخل فِيهِ صنجات الْمِيزَان والملاعق المتساوية فِي الصَّنْعَة الموزونة وَلَيْسَت مثلية
وَالصَّحِيح أَنه الَّذِي تتماثل أجزاؤه فِي الْقيمَة وَالْمَنْفَعَة من حَيْثُ الذَّات لَا من حَيْثُ الصَّنْعَة
وَفِي الْمِثْلِيَّات سِتّ مسَائِل
الأولى إِذا أعوز الْمثل رَجعْنَا إِلَى الْقيمَة فَإِن كَانَت الْقيمَة قد اخْتلفت فِي مُدَّة بَقَاء الْعين الْمَغْصُوبَة وَبعدهَا فَثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَن الْوَاجِب أقْصَى قيمَة الْمَغْصُوب من يَوْم الْغَصْب إِلَى يَوْم التّلف لأَنا عجزنا عَن الْمثل فَصَارَ كَأَن لَا مثل لَهُ وَيرجع إِلَى قيمَة الْمَغْصُوب
وَالثَّانِي أَنا نوجب قيمَة الْمثل لِأَنَّهُ الْوَاجِب فيراعى أقْصَى الْقيم من وَقت تلف

(3/395)


الْمَغْصُوب إِلَى وَقت إعواز الْمثل
وَالثَّالِث أَنه يرْعَى أقْصَى الْقيمَة من وَقت الْغَصْب إِلَى الإعواز وَقيل إِلَى وَقت الطّلب
الثَّانِيَة إِذا غرم الْقيمَة ثمَّ قدر على الْمثل فَفِي رد الْقيمَة وَجْهَان
أَحدهمَا لَا إِذْ تمّ الْقَضَاء بِالْبَدَلِ فَصَارَ كَالصَّوْمِ فِي الْكَفَّارَة
وَالثَّانِي يرد كَالْعَبْدِ الْآبِق إِذا رَجَعَ بعد الْغرم
الثَّالِثَة إِذا أتلف مثلِيا فظفر بِهِ الْمَالِك فِي غير ذَلِك الْمَكَان لم يُطَالِبهُ بِالْمثلِ لِأَن مثله هُوَ مَا يُؤَدِّي فِي ذَلِك الْمَكَان وَلَكِن إِذا تعذر ذَلِك فَيغرم فِي الْحَال الْقيمَة بالحيلولة إِلَى إِن يَتَيَسَّر الرُّجُوع إِلَى ذَلِك الْمَكَان بِخِلَاف مَا إِذا مضى زمَان فَإِن إِعَادَة الزَّمَان الْمَاضِي غير مُمكن فاكتفينا بِمَا لَيْسَ مثلا
وَذكر الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد وَجها أَنه يُطَالب بِالْمثلِ عِنْد اخْتِلَاف الْمَكَان إِلَّا إِذا لم تكن لَهُ قيمَة كَالْمَاءِ على شط دجلة
وَذكر الشَّيْخ أَبُو عَليّ وَجها أَنه إِن كَانَ الْقيمَة مثله أَو أقل فَلهُ الْمُطَالبَة وَإِن كَانَ أَكثر فَلَا وَالْمَشْهُور الأول
وَالدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير مثلية فَيخرج على الْوَجْه

(3/396)


وَلَو غصب فِي بَلْدَة وأتلف فِي بلدتي فظفر بِهِ فِي ثَالِث فَقُلْنَا لَا يُطَالب بِالْمثلِ فَلهُ أَن يُطَالب بِقِيمَة أَي بَلْدَة شَاءَ من بلدته الْغَصْب والإتلاف وَكَذَا يُطَالب فِي البلدتين إِذا ظفر بِهِ فيهمَا
أما الْمُسلم إِلَيْهِ قَالَ صَاحب التَّقْرِيب لَا يُطَالب بِالْقيمَةِ أَيْضا لِأَنَّهُ اعتياض عَن الْمُسلم فِيهِ قبل قَبضه وَهَذَا فِيهِ احْتِمَال فَيمكن أَن يُقَال يَأْخُذ للْحَيْلُولَة وَلَا تكون مُعَاوضَة فَإِن لم يقل ذَلِك فليثبت للْمُسْتَحقّ فسخ لتعذر الِاسْتِيفَاء
الرَّابِعَة إِذا كسر آنِية قيمتهَا عشرُون ووزنها عشر فالنقرة من ذَوَات الْأَمْثَال فَفِيهِ وَجْهَان
أعدلهما أَن الْوَزْن يُقَابل بِمثلِهِ والصنعة بِقِيمَتِهَا من غير جنس الْآنِية حذرا عَن الرِّبَا
وَفِيه وَجه أَنه لَا يُبَالِي بالمقابلة بِجِنْسِهِ فَيكون الْبَعْض فِي مُقَابلَة الصَّنْعَة كَمَا لَو أفرد الصَّنْعَة بِالْإِتْلَافِ
الْخَامِسَة لَو لم يُوجد الْمثل إِلَّا بِأَكْثَرَ من ثمن الْمثل فَفِي تَكْلِيفه ذَلِك وَجْهَان
السَّادِسَة لَو اتخذ من الْحِنْطَة دَقِيقًا وَقُلْنَا لَا مثل للدقيق أَو من الرطب تَمرا وَقُلْنَا لَا مثل لَهُ

(3/397)


فَفِي طَريقَة الْعرَاق أَنه يلْزمه الْحِنْطَة وَالتَّمْر لِأَن الْمثل أقرب
وَالْأولَى أَن يُخَيّر بَين الْمثل وَالْقيمَة لِأَنَّهُ قوت كِلَاهُمَا فَأشبه مَا لَو اتخذ من الْمثْلِيّ مثلِيا كالشيرج من السمسم فَإِنَّهُ يتَخَيَّر بَين المثلين
الْقسم الثَّانِي المتقومات
وَفِيه أَربع مسَائِل
الأولى إِذا أبق العَبْد الْمَغْصُوب طُولِبَ الْغَاصِب بِقِيمَتِه للْحَيْلُولَة وَلَا يملك العَبْد خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله بل لَو عَاد العَبْد يجب رده واسترداد الْقيمَة وَمَا دَامَ العَبْد قَائِما يَصح الْإِبْرَاء عَن هَذِه الْقيمَة وَلَا يجْبر الْمَالِك على أَخذ الْقيمَة لِأَنَّهَا لَيست عين حَقه
وَهل يغرم قيمَة الْمَنْفَعَة والزوائد الْحَاصِلَة بعد الضَّمَان

(3/398)


إِن كَانَ الْغَاصِب هُوَ الَّذِي عَيبه فِي شغله غرم وَإِن هرب العَبْد فَوَجْهَانِ وَهُوَ تردد فِي أَن علائق الْغَصْب هَل تَنْقَطِع فِي الْحَال بِالضَّمَانِ
وَلَو عَاد العَبْد فَهَل للْغَاصِب حبس العَبْد إِلَيّ أَن يرد إِلَيْهِ الْقيمَة
قَالَ القَاضِي لَهُ ذَلِك وَأسْندَ إِلَيّ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي غير الْمُخْتَصر وَكَذَلِكَ قَالَ المُشْتَرِي إِذا اشْترى شِرَاء فَاسِدا يحبس الْمَبِيع إِلَيّ أَن يرد عَلَيْهِ الثّمن وَفِيمَا ذكره احْتِمَال ظَاهر
الثَّانِيَة إِذا تنَازعا فِي تلف الْمَغْصُوب قَالَ بعض الْأَصْحَاب القَوْل فول الْمَالِك إِذْ الأَصْل عدم التّلف
وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ بل القَوْل قَول الْغَاصِب فَإِنَّهُ رُبمَا صدق فتخليد الْحَبْس عَلَيْهِ أبدا غير مُمكن فَإِن حلف الْغَاصِب على التّلف فقد قيل لَا يُطَالب الْمَالِك الْغَاصِب بِالْقيمَةِ لِأَن الْعين قَائِمَة بِزَعْمِهِ فَلَا يسْتَحق الْقيمَة وَالأَصَح أَن لَهُ ذَلِك إِذا تعذر بِسَبَب الْحلف الرُّجُوع
أما إِذا تنَازعا فِي مِقْدَار الْقيمَة فَالْقَوْل قَول الْغَاصِب قطعا لِأَن الأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة

(3/399)


فَإِن أَقَامَ الْمَالِك شُهُودًا على الصِّفَات دون الْقيمَة لم يجز للمقومين الِاعْتِمَاد على الْوَصْف فِي التَّقْوِيم لِأَن الْمُشَاهدَة هِيَ الْمعرفَة للقيمة
نعم لَو أبعد الْغَاصِب فِي التقليل فَيُطَالب بِأَن يترقى إِلَى أقل دَرَجَة مُحْتَملَة هَذِه الصِّفَات وَإِن قَالَ كل وَاحِد مِنْهُمَا لَا نَدْرِي الْقيمَة فَلَا تسمع دَعْوَى الْمَالِك مَا لم يعين وَلَا يَمِين على الْغَاصِب مَا لم يكين وَإِن قَالَ الْغَاصِب هُوَ مائَة فَأَقَامَ الْمَالِك شَاهدا أَنه فَوق الْمِائَة وَلم يعينوا قبلت الشَّهَادَة فِي وجوب الزِّيَادَة على الْمِائَة وَقيل أَنه لَا تقبل
الثَّالِثَة إِذا تنَازعا فِي عيب فِي أصل الْخلقَة
فَالْقَوْل قَول الْغَاصِب إِذْ الأَصْل عدم السَّلامَة وَقيل لَا بل الظَّاهِر هُوَ السَّلامَة وَلَو اخْتلفَا فِي صَنْعَة العَبْد فَالْقَوْل قَول الْغَاصِب
وَقيل بل القَوْل قَول الْمَالِك لِأَنَّهُ أعرف بالصنعة وَهُوَ ضَعِيف
الرَّابِعَة إِذا تنَازعا فِي الثَّوْب الَّذِي على العَبْد الْمَغْصُوب فَالْقَوْل قَول الْغَاصِب لِأَن العَبْد وَمَا عَلَيْهِ فِي يَده فَإِذا قَالَ هُوَ لي لم تزل يَده إِلَّا بِبَيِّنَة

(3/400)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الطوارئ على الْمَغْصُوب فِي نُقْصَان أَو زِيَادَة أَو تصرف - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه ثَلَاث فُصُول
الأول فِي النُّقْصَان

وَفِيه مسَائِل أَربع
الأولى إِذا غصب شَيْئا يُسَاوِي عشرَة فَعَادَت قِيمَته إِلَى دِرْهَم فَرد الْعين لم يلْزمه النُّقْصَان خلافًا لأبي ثَوْر لِأَن الْغَائِب هُوَ رغبات الْفَارِس وَلم يفت من الْعين شَيْء وَإِن تلف بعد أَن عَاد إِلَى دِرْهَم لزمَه قِيمَته عشرَة إِن كَانَ من ذَوَات الْقيمَة وَإِلَّا فيشتري مثله بدرهم
وَلَو غصب ثوبا وَقِيمَته عشرَة فَعَاد إِلَى خَمْسَة ثمَّ لبسه حَتَّى عَاد إِلَى أَرْبَعَة فقد نقص باللبس دِرْهَم وَهُوَ خمس الثَّوْب فالقدر الْفَائِت يغرمه بأقصى الْقيم وَهُوَ دِرْهَمَانِ خمس الْعشْرَة فَيَرُدهُمَا مَعَ الثَّوْب فَمَا بَقِي اكْتفى بِهِ وَمَا فَاتَ غرم بِحِسَاب أقْصَى الْقيم وَهَذَا حكم الْفَوات والتفويت
وَلَو جنى على ثوب فمزقه خرقا لم يملك الْخرق عندنَا وَلَكِن يرد مَا بَقِي مَعَ أرش النَّقْص لَيْسَ للْمَالِك سَوَاء
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله الْغَاصِب يملك الْخرق وَيضمن الْكل

(3/401)


هَذَا إِذا كَانَت الْجِنَايَة وَاقعَة فَلَو بل الْحِنْطَة حَتَّى استمكن العفن الساري مِنْهُ
قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله يتَخَيَّر الْمَالِك بَين أَن يُطَالِبهُ بِالْمثلِ أَو يَأْخُذ الْحِنْطَة المبلولة ويغرمه الْأَرْش وَهُوَ خلاف قِيَاس الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذْ المبلولة لَهَا قيمَة على كل حَال وَهُوَ عين ملك الْمَالِك فليتعين لَهُ
فَخرج بعض الْأَصْحَاب قولا كَذَلِك وَهُوَ أَنه لَيْسَ لَهُ إِلَّا الْأَرْش
وَمن قرر النَّص وَجه بِأَنَّهُ نُقْصَان لَا موقف لآخره حَتَّى يضْبط وطرد هَذَا فِيمَا لَو اتخذ الحلوة من الدَّقِيق وَالسمن والفانيذ

(3/402)


وَتردد الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد فِي السل وَالِاسْتِسْقَاء فِي العَبْد من حَيْثُ إِنَّه لَا وقُوف لَهُ غَالِبا إِلَى الْهَلَاك فَهُوَ من وَجه كالإهلاك
أما إِذا طحن الْحِنْطَة فَلَا وَجه إِلَّا الرَّد للدقيق فَإِن لَيْسَ بإهلاك وَإِن كَانَ يقصر مُدَّة الادخار
هَذَا فِي غير العَبْد أما العَبْد فَيضمن الْغَاصِب جملَته بأقصى قِيمَته تلف أَو أتلف
وَإِن قطع إِحْدَى يَدَيْهِ غرم أَكثر الْأَمريْنِ من أرش النَّقْص أَو مِقْدَار الْيَد إِن قُلْنَا إِن أَطْرَاف العَبْد مقدرَة وَالزِّيَادَة على الْمُقدر للفوات تَحت يَده
وَلَو سَقَطت يَده بِآفَة سَمَاوِيَّة فَالْأَصَحّ أَنه لَا يضمن الْمُقدر لِأَن التَّقْدِير خاصيته الْجِنَايَة
وَإِن قطع يَد العَبْد فِي يَد الْغَاصِب غير الْغَاصِب فالمالك يتَخَيَّر فَيُطَالب الْقَاطِع بالمقدر أَو الْغَاصِب بِأَرْش النَّقْص
فَإِن زَاد الْمِقْدَار فَهَل يُطَالب الْغَاصِب بِتِلْكَ الزِّيَادَة فِيهِ وَجْهَان منشؤهما أَنه وَجب بِجِنَايَة وَلَكِن من غَيره فِي يَده
وَلَو قطعت يَد العَبْد قصاصا أَو فِي حد فَهُوَ من حَيْثُ إِنَّه مهدر يضاهي السُّقُوط بِآفَة وَمن حَيْثُ إِنَّه قطع يضاهي الْجِنَايَة فَفِي لُزُوم الْمُقدر على الْغَاصِب تردد
فرع
لَو قتل العَبْد قتل قصاص فاستوفى السَّيِّد الْقصاص لم يبْق لَهُ على الْغَاصِب

(3/403)


مُطَالبَة بِقِيمَتِه وَإِن كَانَ قيمَة العَبْد الْقَاتِل أقل لِأَنَّهُ بِالِاسْتِيفَاءِ كَأَنَّهُ اسْتردَّ فَهُوَ فِي حق الْغَاصِب كالاسترداد
وَلَو كَانَ تعلق بِرَقَبَة العَبْد مَال فَهُوَ فِي حق مُسْتَحقّ المَال كالموت حَتَّى لَا يجب على السَّيِّد الْفِدَاء بِأَن قتل قَاتله لِأَن غَرَض الْقصاص يعم أَعْرَاض الْمَالِيَّة وَهل لَهُ أَن يعْفُو على غير مَال يبْنى على الْقَوْلَيْنِ فِي مُوجب الْعمد
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا نقص العَبْد بِأَن جنى جِنَايَة اسْتحق عَلَيْهَا الْقصاص فَقتل كَانَ للسَّيِّد مُطَالبَة الْغَاصِب بأقصى قِيمَته لِأَنَّهُ مَاتَ بِجِنَايَة تَحت يَده
وَلَو تعلق الْأَرْش بِرَقَبَتِهِ فَيغرم الْغَاصِب للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ أرش الْجِنَايَة كَمَا يغرمه الْمَالِك إِذا منع البيع وَكَأن الْغَاصِب مَانع
فَإِن مَاتَ العَبْد فِي يَده بعد الْجِنَايَة يغرم للْمَالِك قِيمَته وللمجني عَلَيْهِ الْأَرْش فَإِن سلم الْقيمَة أَولا كَانَ للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ أَخذ الْقيمَة من الْمَالِك لِأَنَّهُ بدل عبد تعلق بِرَقَبَتِهِ حَقه ثمَّ إِذا أَخذه الْمَجْنِي عَلَيْهِ رَجَعَ الْمَالِك بِمَا أَخذه على الْغَاصِب لِأَنَّهُ لم يسلم لَهُ
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة إِذا نقل التُّرَاب من أَرض الْمَالِك وَتلف التُّرَاب فَهُوَ من ذَوَات الْأَمْثَال وَإِن كَانَ بَاقِيا فَلهُ أَن يُطَالِبهُ بِالرَّدِّ وتسوية الْحفر فَإِن أَبى الْمَالِك لم يكن للْغَاصِب أَن ينْقل التُّرَاب إِلَى ملكه بِغَيْر إِذْنه فَإِنَّهُ تصرف فِي ملكه إِلَّا إِذا

(3/404)


كَانَ يتَضَرَّر بِالتُّرَابِ بِكَوْنِهِ فِي ملكه أَو فِي شَارِع يخَاف أَن يتعثر بِهِ غَيره وَيضمن فَلهُ أَن يرد إِلَى ملكه إِن لم يجد مَكَانا آخر
وَقد نقل الْعِرَاقِيُّونَ من نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه يجب أرش نُقْصَان الْحفر على الْغَاصِب وَفِي البَائِع إِذا أحدث الْحفر بقلع أَحْجَار كَانَت لَهُ فِيهِ أَنه يلْزمه التَّسْوِيَة ثمَّ ذكرُوا طريقتين
أَحدهمَا قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج أَحدهمَا لَا من حَيْثُ إِنَّه مُقَابلَة فعل بِمثلِهِ فَهُوَ بعيد كتكليف بِنَاء الْجِدَار بعد هَدمه وَالثَّانِي بلَى لِأَن التَّسْوِيَة كَمَا كَانَ مُمكن وَالْبناء يخْتَلف
والطريقة الثَّانِيَة الْفرق تَغْلِيظًا على الْغَاصِب فِي مُطَالبَته بِالْأَرْشِ بعدوانه أما إِذا حفر بِئْرا فِي دَاره فللغاصب طمها لِأَنَّهُ فِي عُهْدَة الضَّمَان لَو تردى فِيهَا إِنْسَان فَلَو قَالَ الْمَالِك أَبْرَأتك عَن الضَّمَان فَهَل ينزل ذَلِك منزلَة الرِّضَا بِالْحفرِ ابْتِدَاء فِيهِ فِي سُقُوط الضَّمَان وَجْهَان

(3/405)


فَإِن قُلْنَا نعم فَلَيْسَ لَهُ طمها وَإِلَّا فَلهُ ذَلِك نفيا للعهدة
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة إِذا أخصى الْغَاصِب العَبْد يلْزمه كَمَال قِيمَته
فَإِن سقط ذَلِك الْعُضْو بِآفَة سَمَاوِيَّة فَلَا يلْزمه شَيْء لِأَن الْقيمَة تزيد بِهِ وَلَا ينقص وَكَذَا إِذا كَانَ سمينا سمنا مفرطا فنقص بعضه وزادت بِهِ قِيمَته لم يلْزمه شَيْء
وَإِن أَخذ زيتا وأغلاه حَتَّى رده إِلَى نصفه وَلم تنقص قِيمَته يلْزمه مثل مَا نقص لِأَن لَهُ مثلا بِخِلَاف السّمن
وَلَو أغْلى الْعصير حَتَّى نقص وَزنه وزادت قِيمَته فَيجب مثل مَا فَاتَ
وَقَالَ ابْن سُرَيج لَا يجب لِأَن الْفَائِت هُوَ المائية الَّتِي لَا قيمَة لَهَا بِخِلَاف الزَّيْت فَإِن جَمِيع أَجْزَائِهِ مُتَقَومَة
وَلَو هزلت الْجَارِيَة ثمَّ عَادَتْ سَمِينَة أَو نسيت الصَّنْعَة ثمَّ عَادَتْ وَتعلم أَو تذكر

(3/406)


فَفِي وجوب ضَمَان مَا فَاتَ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يجب وَإِنَّمَا الْعَائِد رزق جَدِيد

وَالثَّانِي أَنه ينجبر بِهِ لِأَنَّهُ رد كَمَا أَخذ
وَفِي التَّذَكُّر أولى بِأَن ينجبر لِأَنَّهُ عَاد مَا كَانَ بالتذكر بِخِلَاف السّمن وَكَذَا لَو كسر الْحلِيّ ثمَّ أعَاد مثل تيك الصَّنْعَة فعلى الْخلاف
وَلَو أعَاد صَنْعَة أُخْرَى لَا ينجبر وَإِن كَانَ أرفع مِمَّا كَانَ حَتَّى لَو غضب نقرة قيمتهَا دِرْهَم وأتخذ مِنْهُ حليا قِيمَته عشرَة وَجب رد الْحلِيّ وَلَا يقوم لَهُ صَنْعَة لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بهَا وللمالك أَن يجْبرهُ على الْكسر وَالرَّدّ إِلَيّ مَا كَانَ
فَإِن نقص بكسرة هـ قيمَة النقرة غرم النُّقْصَان فَلَا يغرم نُقْصَان الْكسر فَإِنَّهُ مجير عَلَيْهِ وَلَو كسر بِنَفسِهِ دون إِجْبَار غرم وَإِن كَانَ من صَنعته لِأَنَّهُ صَار ملكا للْمَالِك تبعا للنقرة
وَلَو غضب عصيرا فَصَارَ خمرًا غرم الْعصير بِمثلِهِ لفَوَات مَالِيَّته فَلَو أنقلب خلا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يُطَالِبهُ بِمثل الْعصير والخل أَيْضا لَهُ وَهُوَ رزق جَدِيد

(3/407)


وَالثَّانِي أَنه يسْتَردّ الْخلّ وَأرش النُّقْصَان إِن نقص قيمَة الْخلّ من الْعصير وَهَذَا أعدل
وَمثل هَذَا الْخلاف جَار فِي الْبَيْضَة إِذا تفرخت وَالْبذْر إِذا تعفن وَصَارَ زرعا وَالْأَصْل الِاكْتِفَاء بالزرع والفرخ لِأَنَّهُ اسْتِحَالَة فِي عين ملكه
وَلَو غصب خمرًا فتخلل فِي يَده أَو جلد ميتَة فدبغه فَفِي الْجلد والخل ثَلَاثَة أوجه الْأَصَح أَنه لمغصوب مِنْهُ وَالثَّانِي أَنه للْغَاصِب إِذا حدثت الْمَالِيَّة بِفِعْلِهِ وَالثَّالِث أَن الْجلد للْمَغْصُوب مِنْهُ فَإِن اخْتِصَاصه بِهِ كَانَ محترقا بِخِلَاف الْخمر

(3/408)


الْفَصْل الثَّانِي فِي الزِّيَادَة
وَفِيه خمس مسَائِل الأولى زِيَادَة الْأَثر كَمَا إِذا غصب حِنْطَة فطحنها أَو نقرة فصاغها أَو ثوبا فَقَصره أَو خاطه أَو طنا فَضَربهُ لَبَنًا فَلَا يملك الْغَاصِب شَيْء من ذَلِك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِذا أبطل أَكثر مَنَافِعه ملكه ثمَّ لَا يصير الْغَاصِب شَرِيكا بِسَبَب الصَّنْعَة لِأَنَّهُ عدوان لَا قيمَة لَهُ فَهُوَ للْمَالِك وللمالك أَن يجْبرهُ على إِعَادَته إِلَى مَا كَانَ إِن أمكن ذَلِك أَو تغريمه أرش النُّقْصَان إِن نقص
الثَّانِيَة زِيَادَة الْعين بِأَن غصب ثوبا قِيمَته عشرَة وصبغه بصبغ من عِنْده

(3/409)


قِيمَته عشرَة فَإِن كَانَ الثَّوْب يُسَاوِي عشْرين فَهُوَ بَينهمَا فَيُبَاع بِعشْرين وَيَأْخُذ كل وَاحِد عشرَة وَإِن وجد زبون اشْترى بِثَلَاثِينَ صرف إِلَى كل وَاحِد خَمْسَة عشر وَلم يكن الصَّبْغ كالخياطة فَإِن الْخياطَة عين الْعدوان والصبغ عين مَمْلُوكَة
وَإِن كَانَ يشترى بِخَمْسَة عشر فَلصَاحِب الثَّوْب عشرَة وللغاصب خَمْسَة وَالنُّقْصَان مَحْسُوب على الصَّبْغ فَإِنَّهُ تَابع
وَلَو لم يشتر إِلَّا بِعشْرَة فَالْكل لصَاحب الثَّوْب وَلَو لم يشتر إِلَّا بِثمَانِيَة غرم الْغَاصِب دِرْهَمَيْنِ وَهَكَذَا التَّفْصِيل فِيمَا لَو طير الرّيح ثوبا وألقاه فِي إجانة صباغ
وَكَذَلِكَ إِذا غصب الصَّبْغ من إِنْسَان وَالثَّوْب من إِنْسَان فَإِن أثر الْعدوان لَا يظْهر فِي إبِْطَال الْملك من عين الصَّبْغ وَهُوَ عين مَاله
هَذَا كُله إِذا كَانَ الْفَصْل غير مُمكن فَإِن قبل الصَّبْغ الْفَصْل فللغاصب أَن يفصله كَمَا لَهُ أَن يقْلع غراسه وزرعه وَإِن كَانَ يُؤَدِّي إِلَى نُقْصَان الثَّوْب وَلَكِن يفصل وَيغرم أرش النُّقْصَان فَإِن امْتنع الْغَاصِب فللمالك أَن يجْبرهُ على الْفَصْل ويغرمه أرش نُقْصَان الثَّوْب كَمَا فِي الْغَرْس وَنقل الْعِرَاقِيُّونَ عَن ابْن سُرَيج أَنه لَا يجْبر لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى تَفْوِيت الصَّبْغ فَهُوَ تعنت مَحْض بِخِلَاف الزَّرْع وَالْغِرَاس لِأَن الصَّبْغ يضيع بِالْفَصْلِ فَإِن كَانَ لَا يضيع يجْبر إِلَّا إِذا ظهر فِي الثَّوْب نُقْصَان لَا يَفِي الصَّبْغ

(3/410)


المفصول بِهِ فَهُوَ أَيْضا ضيَاع
فروع أَرْبَعَة
أَحدهَا أَن بيع الثَّوْب دون الصَّبْغ والصبغ دون الثَّوْب فِيهِ وَجْهَان كالوجهين فِي قِطْعَة أَرض لَا ممر لَهَا إِلَّا بِأَن يشترى لَهَا ممر لِأَنَّهُ لَا يُمكن أنتفاع بِأَحَدِهِمَا دون الآخر الثَّانِي إِذا أَرَادَ الْمَالِك بيع الثَّوْب أجبر الْغَاصِب على بيع الصَّبْغ إِذْ لَا يرغب فِي الثَّوْب دونه فَلَا يعطل قيمَة الثَّوْب عَلَيْهِ وَلَو أَرَادَ الْغَاصِب بيع الصَّبْغ فَهَل يجْبر الْمَالِك على بيع الثَّوْب وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُمَا شريكان فَلَا يفترقان وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بصبغه فَلَا يملك الْإِجْبَار الثَّالِث لَو قَالَ الْغَاصِب وهبت الصَّبْغ من الْمَالِك فَهَل يجْبر على الْقبُول فِيهِ وَجْهَان مطلقان فِي طَريقَة الْعرَاق وَوجه الْإِجْبَار التّبعِيَّة كَمَا فِي نعل الدَّابَّة الْمَرْدُودَة بِعَيْب قديم إِذا كَانَ النَّعْل للْمُشْتَرِي وَالْوَجْه أَن يفصل فَإِن كَانَ الصَّبْغ

(3/411)


معقودا لَا يُمكن فَصله فَيجْبر أَو قبل الْفَصْل من غير نُقْصَان ظَاهر فِي الصَّبْغ وَالثَّوْب فَلَا يجْبر على الْقبُول إِذْ لَا ضَرُورَة للْغَاصِب فِي التَّمْلِيك
وَإِن كَانَ يقبل الْفَصْل وَينْقص قِيمَته وَقُلْنَا إِنَّه يجْبر على الْفَصْل فَعِنْدَ هَذَا لَهُ ضَرُورَة فِي التَّمْلِيك فينقدح وَجْهَان وَوجه الْفرق بَينه وَبَين النَّعْل مَعَ الِاشْتِرَاك فِي نوع ضَرُورَة أَنه مُتَعَدٍّ
الرَّابِع لَو قَالَ الْمَغْصُوب مِنْهُ أبدل قيمَة الصَّبْغ وأتملكه عَلَيْك كَمَا يفعل معير الأَرْض بغراس الْمُسْتَعِير لم يُمكن مِنْهُ لِأَنَّهُ قَادر هَا هُنَا على إِجْبَاره على الْفَصْل مجَّانا أَو على البيع وَبيع الثَّوْب سهل بِخِلَاف الْعقار الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة إِذا غصب أَرضًا وَبنى فِيهَا أَو زرع أَو غرس فَحكمه حكم الصَّبْغ الْقَابِل للفصل وَقد ذَكرْنَاهُ الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة فِي الْخَلْط إِذا خلط الزَّيْت الْمَغْصُوب بِزَيْت هُوَ ملكه
نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يُشِير على أَنه هلك فِي حق الْمَغْصُوب فِيهِ إِذْ قَالَ للْغَاصِب أَن يسلم إِلَيْهِ مثل حَقه من أَي مَوْضُوع شَاءَ وَقِيَاس مذْهبه أَن يتَعَيَّن فِيمَا خلطه بِهِ وَأَن يصيرا شَرِيكَيْنِ إِذْ لَيْسَ الْمَالِك بِأَن يقدر هَلَاك زيته بِأولى من الْغَاصِب وَلَا أثر لفعل الْغَاصِب عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ

(3/412)


فَمن الْأَصْحَاب من قرر النَّص وَقَالَ الزَّيْت إِذا اخْتَلَط بالزيت انْقَلب وَهَذَا تَعْلِيل الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ
والإشكال قَائِم إِذا الْخَلْط من الْجَانِبَيْنِ فَلم كَانَ الْهَالِك ملك الْمَغْصُوب مِنْهُ وَمِنْهُم من خرج قولا على الْقيَاس وطرد قَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَو خلط بِمثلِهِ فهما شريكان وَلَو خلط بالأجود أَو الأردأ فَقَوْلَانِ
التَّفْرِيع إِن قُلْنَا هلك حَقه فَيغرم الْمثل من أَيْن شَاءَ فَإِن سلم مَا هُوَ الأردأ فَلهُ الرَّد وَإِن سلم مَا هُوَ أَجود فَعَلَيهِ الْقبُول وَإِن قُلْنَا يبْقى ملكه فَلَو خلطه بِالْمثلِ قسم بَينهمَا وَإِن خلط مكيلة قيمتهَا دِرْهَم بمكيلة قيمتهَا دِرْهَمَانِ فتباع المكيلتان وَيقسم بَينهمَا على نِسْبَة الْملك
فَلَو قَالَ الْمَالِك آخذ ثُلثي مكيلة عَن حَقي فنص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْمَنْع لِأَنَّهُ رَبًّا

(3/413)


وَنقل الْبُوَيْطِيّ الْجَوَاز وَكَأَنَّهُ أسقط بعض حَقه وسمح عَلَيْهِ بِصفة الْجُود فِي الْبَاقِي وَهُوَ بعيد فروع أَحدهَا خلط الدَّقِيق كخلط الزَّيْت الثَّانِي خليط الزَّيْت بِجِنْس آخر كالشيرج فِيهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ كالهالك وَمِنْهُم من طرد الْخلاف الثَّالِث خلط مَاء الْورْد بِالْمَاءِ فَإِن بطلت رَائِحَته فإهلاك وَإِلَّا فَهُوَ خلط بِغَيْر الْجِنْس الرَّابِع خلط الْحِنْطَة الْبَيْضَاء بالحمراء أَو السمسم بالكتان فَعَلَيهِ التَّمْيِيز وَإِن تَعب فِيهِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة فِي التَّرْكِيب فَإِذا غصب ساجة وأدرجها فِي بناية نزع وَهدم عَلَيْهِ بِنَاؤُه خلافًا لأبي حنيفَة

(3/414)


وَلَو غصب لوحا وأدرجها فِي سفينة فكمثل إِلَّا إِذا كَانَ فِيهِ حَيَوَان مُحْتَرم أَو مَال لغير الْغَاصِب وَأدّى نَزعه إِلَى فَوَاته فَيغرم الْغَاصِب الْقيمَة فِي الْحَال للْحَيْلُولَة وَيُؤَخر نَزعه إِلَى أَن ينتهى إِلَى السَّاحِل وَإِن لم يكن فِيهِ إِلَّا مَال الْغَاصِب فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا يبالى بِهِ فَإِنَّهُ مُتَعَدٍّ وَلذَلِك نخسره فِي مُؤنَة الرَّد مَالا وَهَذَا كمؤنة الرَّد وَالثَّانِي أَنه يُؤَخر لِأَن مَاله مُحْتَرم فِي غير مَحل الْعدوان بِخِلَاف الْبناء على الساجة فَإِنَّهُ عدوان بِخِلَاف مُؤنَة الرَّد فَإِنَّهُ سعي فِي الْخُرُوج عَن الْوَاجِب أما إِذا غصب خيطا وخاط بِهِ جرح حَيَوَان مُحْتَرم وَخيف من النزع الْهَلَاك فَلَا يجب إِلَّا الْقيمَة وكل حَيَوَان مُتَمَوّل لَا يُؤْكَل لَحْمه فَهُوَ مُحْتَرم وَفِيمَا يُؤْكَل لَحْمه خلاف لِأَن ذبحه مُمكن وَلكنه لغير مأكلة وَهُوَ مَنْهِيّ عَنهُ

(3/415)


وَأما الْخِنْزِير وَالْكَلب الْعَقُور فينزع مِنْهُ وَفِي العَبْد الْمُرْتَد وَالْمَيِّت خلاف لِأَن الْمثلَة أَيْضا فيهمَا مَحْذُور فَلَا يبعد أَن يُقَاوم غَرَض الِاخْتِصَاص بمالية الْعين
وَلَو كَانَ يخَاف من نزع الْخَيط من الْآدَمِيّ طول الضنى وَبَقَاء الشين فِيهِ خلاف كمثله فِي الْعُدُول إِلَيّ التَّيَمُّم عَن الْوضُوء
وَحَيْثُ منعنَا النزع فَيجوز الْأَخْذ ابْتِدَاء من مَال الْغَيْر إِذا لم يجد غَيره وَإِن تعدى فِي الِابْتِدَاء وَصَارَ إِلَى حَال يخَاف النزع فَلَا ينْزع الْآن للضَّرُورَة فرعان
أَحدهمَا فصيل أدخلهُ فِي بَيته فَكبر فِيهِ ينْقض بناءه وَيخرج لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ وَإِن دخل بِنَفسِهِ فَيخرج لحق الْحَيَوَان وَهل يغرم صَاحب الفصيل أرش النَّقْض لتخليص ملكه فِيهِ خلاف
وَكَذَا إِذا سقط دِينَار فِي محبرة بِقصد صَاحب المحبرة أَو بِغَيْر قَصده فَهُوَ كالفصيل
الثَّانِي زوج خف يُسَاوِي عشرَة غَاصِب فَرد خف وَقِيمَة

(3/416)


الْبَاقِي ثَلَاثَة فِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهمَا أَنه يغرم سَبْعَة لِأَن مَا أَخذه يُسَاوِي ثَلَاثَة وَالْبَاقِي فَاتَ بِأَخْذِهِ
وَالثَّانِي يغرم ثَلَاثَة لِأَنَّهُ قيمَة مَا أَخذه فليشتر بِهِ الْمَالِك فَرد خف ليعود كَمَال قِيمَته
وَالثَّالِث يغرم خَمْسَة توزيعا لنُقْصَان الِانْفِرَاد فَإِنَّهُ لَو أتلف غيرَة الْفَرد الثَّانِي لوَجَبَ التَّسْوِيَة بَينهمَا

(3/417)


الْفَصْل الثَّالِث فِي تَصَرُّفَات الْغَاصِب وَالنَّظَر فِي طرفين

الأول فِي الْوَطْء فَإِذا بَاعَ جاريه مَغْصُوبَة فَوَطِئَهَا المُشْتَرِي إِن كَانَ عَالما بِالْغَصْبِ لزمَه الْحَد وَيلْزمهُ الْمهْر أَن كَانَت الْجَارِيَة مستكرهة وَإِن كَانَت راضية فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا يجب لِأَن الْمهْر للسَّيِّد فَلَا أثر لرضاها بِخِلَاف الْحرَّة
وَالثَّانِي لَا لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا مهر لبغيه وَهَذَا عَام
ثمَّ أَن وطئ على ظن الْجَوَاز فَلَا يلْزمه إِلَّا مهر وَاحِد وَإِن وطئ مرَارًا مَا دَامَت الشُّبْهَة متحدة اعْتِبَارا لسَبَب الْحُرْمَة بِالنِّكَاحِ الَّذِي هُوَ الأَصْل
وَإِذا أَوجَبْنَا الْمهْر فِي صُورَة الاستكراه ووطئ مرَارًا تردد فِيهِ الشَّيْخ

(3/418)


أَبُو مُحَمَّد وميل الإِمَام إِلَيّ التَّعَدُّد لِأَن مُسْتَنده الاتلاف لَا الشُّبْهَة وَقد تعدد الاتلاف وَهل للْمَالِك مُطَالبَة الْغَاصِب بِالْمهْرِ فَإِنَّهُ وَجب بِالْوَطْءِ فِي يَده فِيهِ تردد من حَيْثُ أَن الْيَد لَا تثبت على مَنَافِع الْبضْع وَهَذَا بدله
أما الْوَلَد فَهُوَ رَقِيق إِن كَانَ عَالما وَلَا نسب لَهُ فَإِنَّهُ ولد الزِّنَا
وَإِن انْفَصل حَيا أنفصل من ضَمَانه فَإِن مَاتَ ضمنه وَأَن أنفصل مَيتا فَالْأَظْهر أَنه لَا يضمن لِأَنَّهُ لم يستيقن حَيَاته بِخِلَاف مَا إِذا أنفصل مَيتا بِجِنَايَة
فَإِنَّهُ يُحَال الْمَوْت على السَّبَب الظَّاهِر وَفِيه وَجه أَنه يضمن لِأَنَّهُ مَاتَ تَحت يَده بِخِلَاف الْوَلَد لَو كَانَ حرا عِنْد الْجَهْل وأنفصل مَيتا فَإِن الْيَد لَا تثبت على الْحر
وعَلى هَذَا لَا يُمكن أَن يغرم عشر قيمَة الام لِأَنَّهُ فَوَات بإفة سَمَاوِيَّة وَالتَّقْدِير نتيجة الْجِنَايَة فَيلْزم أَن يغرم كل قِيمَته بِتَقْدِير حَيَاته وَكَذَلِكَ فِي الْبَهِيمَة وَهُوَ بعيد
الطّرف الثَّانِي فِيمَا يرجع بِهِ المُشْتَرِي على الْغَاصِب
إِن كَانَ عَالما لم يرجع بِشَيْء لِأَنَّهُ غَاصِب مثله وَتلف تَحت يَده
وَإِن كَانَ جَاهِلا فَلَا يرجع بِقِيمَة الْعين أَن تلف تَحت يَده لِأَنَّهُ دخل فِيهِ على شَرط الضَّمَان وَنقل صَاحب التَّقْرِيب قولا فِي الْقدر الزَّائِد على الثّمن أَنه يرجع بِهِ
أما زِيَادَة الْقيمَة قبل قبض المُشْتَرِي لَا يُطَالب بِهِ المُشْتَرِي بِحَال وَإِنَّمَا يُطَالب بِهِ الْغَاصِب

(3/419)


وَأما أُجْرَة الْمَنْفَعَة الَّتِي فَاتَت تَحت يَده يرجع بهَا وَمَا فَاتَ باستيفائه فَيخرج على قولي الْغرُور مَعَ مُبَاشرَة الاتلاف فَكَذَا مهر الْمثل إِذا غرمه بِالْوَطْءِ فَإِنَّهُ متْلف وَالْغَاصِب غَار والمتزوج من الْغَاصِب لَا يرجع بِالْمهْرِ لِأَنَّهُ دخل على قصد ضَمَان الْبضْع وَيرجع المُشْتَرِي بقيمه الْوَلَد لِأَن الشِّرَاء لَا يُوجب ضَمَانه وَكَذَا الزَّوْج
وَلَو بنى فَقلع بناءه فَالْأَظْهر أَنه يرجع بِأَرْش نقض الْهدم على الْغَاصِب لِأَنَّهُ فَاتَ بغروره وَإِلَيْهِ ميل القَاضِي
وَفِيه وَجه أَنه متْلف بِالْبِنَاءِ فَلَا يرجع وَلَا خلاف أَنه لَا يرجع بِمَا أنْفق لِأَن ذَلِك يتَفَاوَت فِيهِ النَّاس
وَلَو تعيب الْمَغْصُوب فِي يَد المُشْتَرِي نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه يرجع
قَالَ الْمُزنِيّ هُوَ خلاف قِيَاسه لِأَن الْكل من ضَمَانه حَتَّى لم يرجع فِيهِ فَكيف يرجع بالأجزاء فَمن الْأَصْحَاب من وَافق
وَذهب ابْن سُرَيج إِلَى تَقْرِير النَّص وَهُوَ أَن ضَمَان المُشْتَرِي ضَمَان عقد والبعقد لَا يُوجب ضَمَان الْأَجْزَاء وَكَذَلِكَ إِذا تعيب قبل الْقَبْض وَجب الْإِجَازَة بِكُل الثّمن
وَلَو بَاعَ عبدا بجاريه ثمَّ رد الْجَارِيَة بِالْعَيْبِ وَالْعَبْد معيب بِعَيْب حَادث لم يجز لَهُ طلب الارش مَعَه بل عَلَيْهِ أَخذه أَو اخذ قِيمَته فَلَا يضمن إجراؤه مَعَ رد عينه فرع نُقْصَان الْولادَة عندنَا لَا ينجبر بِالْوَلَدِ خلافًا لأبى حنيفه رَحمَه الله عَلَيْهِ

(3/420)