الوسيط في المذهب

= كتاب السّلم وَالْقَرْض=

(3/421)


= كتاب السّلم وَالْقَرْض = وَفِيه قِسْمَانِ
الْقسم الأول السّلم
وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام وَمن أسلم فليسلم فِي كيل مَعْلُوم وَوزن مَعْلُوم الى أجل مَعْلُوم
وَالدّين يثبت فِي الذِّمَّة اخْتِيَارا بالمعاوضة وَالْقَرْض
أما الْمُعَاوضَة فَالْبيع وَفِي مَعْنَاهَا سَائِر الْمُعَاوَضَات فِي حق إِثْبَات المَال فِي الذِّمَّة وَأما السّلم فَفِيهِ ثَلَاثَة أَبْوَاب

(3/423)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي شَرَائِطه وَهِي سَبْعَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الأول أَن يكون الْمُسلم فِيهِ دينا

لِأَن لفظ السّلم السّلف للدّين فَإِن قيل فَلَو عقد البيع بِلَفْظ السّلم بَان قَالَ أسلمت إِلَيْك هَذَا الثَّوْب فِي هَذَا العَبْد
قُلْنَا لم ينقعد سلما وَفِي انْعِقَاد البيع بِهِ قَولَانِ ذكرهمَا القَاضِي
أَحدهمَا لَا لِأَن لفظ السّلم ينبو عَن الْعين
وَالثَّانِي نعم لِأَن الْمَقْصُود بِحكم الْحَال صَار مَعْلُوما مِنْهُ وَهُوَ قريب مِمَّا إِذا قَالَ بِعْتُك بِلَا ثمن أَنه أهل ينْعَقد ذَلِك هبة
فَإِن قيل فَلَو أسلم بِلَفْظ الشِّرَاء فَقَالَ اشْتريت مِنْك مائَة كرّ من حِنْطَة صفتهَا كَيْت وَكَيْت
قُلْنَا ينْعَقد ذَلِك
وَفِي ثُبُوت شَرَائِط السّلم من تَسْلِيم رَأس المَال وَمنع الِاعْتِيَاض وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يثبت لِأَن هَذِه الشَّرَائِط منوطة ببذل المَال فِي مُقَابلَة دين لَا باسم السّلم
وَالثَّانِي أَنه مَنُوط باسم السّلم إِذْ لَيْسَ يعقل فِيهِ الْمَعْنى
نعم هَل يجوز الِاعْتِيَاض على هَذَا عَن الْحِنْطَة فِيهِ طَرِيقَانِ

(3/424)


مِنْهُم من قَالَ فِيهِ قَولَانِ كَمَا فِي الثّمن
وَمِنْهُم من قطع بِالْمَنْعِ لِأَنَّهُ مَقْصُود فِي جنسه بِخِلَاف الثّمن
فَإِن قيل وَهل يشْتَرط فِي الْمُسلم فِيهِ بعد كَونه دينا تَأْجِيله
قُلْنَا لَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله إِذْ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا جَازَ السّلم مُؤَجّلا فَهُوَ حَالا أجوز وَعَن الْغرَر أبعد
ثمَّ لَهُ ثَلَاثَة أَحْوَال
أحداها أَن يُصَرح بالحلول فَهُوَ حَال
والأخر أَن يُطلق فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا الْبطلَان لِأَن مطلقه يشْعر بالأجل وَهُوَ مَجْهُول
وَالأَصَح الصِّحَّة لِأَن السّلم بيع إِلَّا انه فِي دين
الثَّالِثَة أَن يُصَرح بالأجل فَلَا بُد وَأَن يكون مَعْلُوما وَفِيه مسَائِل

(3/425)


الأولى أَن التَّأْجِيل بالحصاد وَالعطَاء والقطاف والدياس وَمَا يتَقَدَّم ويتأخر فَاسد فَأَنَّهُ مَجْهُول
وَالْمذهب جَوَاز تأقيته بالنيروز والمهرجان فَإِنَّهُ مَعْلُوم وَكَذَا بفصح النصاري وَفطر الْيَهُود إِن كَانَ يعلم ذَلِك دون مراجعتهم فانه لَا يعْتَمد على أَقْوَالهم
وَلَو اقت بِنَفر الحجيج فَوَجْهَانِ لِأَن للحجيج نفرين
وَمن صحّح نزل على الأول وَهُوَ جَار فِي تَأْجِيله الى ربيع وجمادى فانه مُتَعَدد وَتَعْيِين الأول للْأَدَاء مُحْتَمل
الثَّانِيَة لَو قَالَ الى شهر رَمَضَان أَو الى أول يَوْم الْجُمُعَة يَصح وَيحل الْأَجَل بِأول جُزْء من رَمَضَان وَالْجُمُعَة
وَلَو قَالَ تُؤَدِّيه فِي رَمَضَان أَو فِي الْجُمُعَة لم يجز جعله ظرفا وَلم يبين وقبته وَلَو قَالَ الى ثَلَاثَة أشهر وَهُوَ وَقت مستهل الْهلَال حسب الْأَشْهر الثَّلَاث بِالْأَهِلَّةِ
وَإِن كَانَ فِي أثْنَاء الشَّهْر كمل ذَلِك الشَّهْر ثَلَاثِينَ وأحتسب شَهْرَان بِالْأَهِلَّةِ

(3/426)


أتباعا لفهم أهل الْعَادة فِي اتِّبَاع الْأَهِلّة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحْمَة الله إِذا أنكسر شهر وَاحِد كمل كل شهر ثَلَاثِينَ ثَلَاثِينَ
أما إِذا قَالَ الى أول الشَّهْر أَو الى آخِره
قَالَ الْأَصْحَاب هُوَ بَاطِل لِأَن أول الشَّهْر يعبر بِهِ عَن النّصْف الأول وَالْعشر الأول وَكَذَا الآخر فَهُوَ مَجْهُول
قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ إِذا لم يكن للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي نَص فِي وَالْمَسْأَلَة لفظية فَلَيْسَ يبعد مُخَالفَة الْأَصْحَاب إِذْ يظْهر أَن يُقَال الْمَفْهُوم مِنْهُ أول جُزْء من الشَّهْر وَآخر جُزْء مِنْهُ فَلَا فرق بَين أَن يَقُول الى رَمَضَان أَو يَقُول الى أول رَمَضَان وَلَا بَين أَن يَقُول الى الْعِيد أَو الى آخر رَمَضَان
الثَّالِثَة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَو لم يذكر أَََجَلًا فَذَكَرَاهُ قبل التَّفَرُّق جَازَ وَهَذَا يكَاد يكون إِلْحَاق زِيَادَة بِالْعقدِ فِي مجْلِس القعد وطرده الْأَصْحَاب فِي إلحاقات الزِّيَادَات فِي الْمجْلس

(3/427)


وَكَانَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يَقُول السّلم الْمُطلق لَا يُصَرح بالحلول بل هُوَ مَوْقُوف فِي حق الْأَجَل على أَن يَتَفَرَّقَا فالمجلس وَقت البينان للأجل وَلَو ذكر أَََجَلًا مَجْهُولا وَحذف فِي الْمجْلس لم يَنْقَلِب العقد بعد فَسَاده صَحِيحا لِأَن الْمجْلس حَرِيم لعقد مُنْعَقد فَإِذا فسد فَلَا حَرِيم لَهُ وَحكي عَن صَاحب التَّقْرِيب وَجه أَنه ينحذف وَهُوَ بعيد

(3/428)


الشَّرْط الثَّانِي الْقُدْرَة على التَّسْلِيم

وَالْعجز مَانع وَهُوَ يَنْقَسِم الى الْمُقَارن والطارئ
أما الْمُقَارن فَلَو أسلم فِي مَفْقُود حَالَة العقد مَوْجُود لَدَى الْمحل صَحَّ عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَن الْقُدْرَة عِنْده تعْتَبر وَقت الْوُجُوب بِحكم الشَّرْط وَلَو كَانَ مَفْقُود الْجِنْس لَدَى الْمحل بَطل وفَاقا
وان وجد فِي مَوضِع أخر فَإِن قرب من الْبَلَد بِحَيْثُ ينْقل إِلَيْهِ ذَلِك الشئ لغَرَض الْمُعَامَلَة جَازَ وَإِن كَانَ لَا ينْقل إِلَّا فِي مصادرة أَو بخفة مَعَ عسر فَلَا يَصح
وَلَو أسلم فِي وَقت الباكورة فِي قدر كثير يتعسر تَحْصِيله وَلَكِن بعد عشر فَفِيهِ وَجْهَان وَهُوَ قريب من بيع الطَّائِر المفات فِي دَار فيحاء بعسر أَخذه وَلم يذكر هَذَا الْوَجْه فِيمَا يعسر نَقله الى مَكَان التَّسْلِيم لِأَن التشاغل بنقله قبل وُجُوبه لَا يجب وَبعد وُجُوبه يفْتَقر الى مُدَّة فيتراخى عَن وَقت الِاسْتِحْقَاق وَلَيْسَ يبعد أَيْضا

(3/429)


ذكر وَجه فِيهِ
أما الْعَجز الطَّارِئ فَهُوَ طريان آفَة قَاطِعَة للْجِنْس فَفِي أنفساخ العقد قَولَانِ
أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ لَو أقترن بِالِابْتِدَاءِ لمنع فاشبة تلف الْمَبِيع قبل الْقَبْض
وَالثَّانِي لَا لِأَن الْوَفَاء بِهِ فِي السّنة الثَّانِيَة مُمكن وَالْعقد وَارِد على الذِّمَّة فَأشبه إباق الْمَبِيع فَإِنَّهُ يثبت الْخِيَار ثمَّ لَيْسَ هَذَا الْخِيَار على الْفَوْر وَهُوَ كَخِيَار الاباق وَخيَار الْمَرْأَة فِي الايلاء لِأَنَّهُ نتيجة حق الْمُطَالبَة بالمستحق وَهُوَ قَائِم متجدد فِي كل حَال
وَالأَصَح أَنه لَا يسْقط وَإِن صرح بالإسقاط كَمَا لَا يسْقط بِالتَّأْخِيرِ وَفِيه وَجه أَنه يسْقط
فرع
لَو أنقطع قبل الْمحل وَعلم دوَام الِانْقِطَاع الى الْمحل فَفِي تنجز الِانْفِسَاخ وَالْفَسْخ قَولَانِ يضاهيان مَا إِذا قَالَ لآكلن هَذَا الطَّعَام غَدا فَتلف قبل الْغَد بآفه هَل يَحْنَث فِي الْحَال وَهُوَ مُحْتَمل جدا

(3/430)


الشَّرْط الثَّالِث أَن يكون الْمُسلم فِيهِ مَعْلُوم الْوَصْف

وَلَا يُمكن استقصاء كل وصف مَقْصُود وَلَكِن كل وصف مَقْصُود تخْتَلف بِهِ الْقيمَة اخْتِلَافا ظَاهرا فقد صاغ أهل اللُّغَة عَنهُ عبارَة فَلَا بُد من ذكره ثمَّ ينزل كل وصف على أقل الدَّرَجَات فَإِذا ذكر عبدا كَاتبا لم يشْتَرط التبحر فِيهِ بل مَا يُطلق عَلَيْهِ الِاسْم
فرعان

أَحدهمَا أَن الْوَصْف الْمُعَرّف يَنْبَغِي أَن يكون مَعْلُوما لغير الْمُتَعَاقدين حَتَّى يرجع إِلَيْهِم عِنْد التَّنَازُع ولسنا نعني بِهِ الأشهاد على السّلم بل نُرِيد بِهِ الِاحْتِرَاز عَن اللُّغَة الْعَرَبيَّة الَّتِي لَا يفهمها أهل الاستفاضة فَإِن فهمها عَدْلَانِ سوى الْمُتَعَاقدين دون أهل الاستفاضة فَفِيهِ وَجْهَان

(3/431)


وَكَذَا الْمِكْيَال ليكن مَعْرُوفا لغَيْرِهِمَا فَلَو لم يعرفهُ الا عَدْلَانِ فَوَجْهَانِ
الثَّانِي لَو أسلم فِي الْجيد جَازَ وَنزل على أقل الدَّرَجَات وَفِي الاجود لَا يجوز إِذْ لَا جيد إِلَّا وفوقه جيد فَلهُ أَن يطْلب غير مَا يسلم إِلَيْهِ
وَلَو أسلم فِي الردئ لم يجر إِلَّا فِي رداءة النَّوْع كالجعرورة لِأَن رداءة الْعَيْب لَا ضبط لَهَا وَلَو أسلم فِي الأردأ فَوَجْهَانِ وَالأَصَح الْجَوَاز لِأَن طلب الأردأ مِمَّا يسلم أليه من ردئ تعنت وعناد
الشَّرْط الرَّابِع تَعْرِيف الْمِقْدَار بِالْوَزْنِ أَو الْكَيْل فِي الْمُسلم فِيهِ

وَيجوز الْوَزْن فِي الْمكيل والكيل فِي الْمَوْزُون بِخِلَاف الربويات فَإِن ذَلِك مبْنى على التَّعَبُّد نعم لَا يَصح السّلم فِي مكيال من الْمسك والعنبر فَإِن ذَلِك لَا يعد ضبطا فالمتبع الْمعرفَة الْمُعْتَادَة
أما المعدودات فَلَا يَكْفِي فِيهَا الْعد لتفاوتها بل لَا بُد من الْوَزْن فَيسلم فِي

(3/432)


الْبِطِّيخ وَالرُّمَّان وَالْبيض والباذنجان بِالْوَزْنِ
وَفِي الْجَوْز وللوز قد لَا يضْبط الْوَزْن لتَفَاوت القشور وَلَكِن إِن وجد نوع يتساوى غَالِبا عرف بِالْوَزْنِ
وَيجمع فِي اللبنات بَين الْوَزْن وَالْعد لِأَن ذَلِك لَا يعز وجوده فَإِنَّهُ مَضْرُوب بِالِاخْتِيَارِ وَكَذَا الْأجر أَن لم نلحقه بالدنس على رأى لاثر النَّار فِيهِ فرع إِذا عين مكيالا لَا يعْتَاد الْكَيْل بِهِ كالقصعة والكوز بَطل العقد بِهِ لعلتين

(3/433)


أحداهما الْجَهْل بِقدر الْمُسلم فِيهِ فانه لَا يدرى أَن الصَّفْقَة رابحه أم خاسرة
وَالْأُخْرَى أَنه رُبمَا يتْلف فيتعذر الْوَفَاء بِالْعقدِ وَالسّلم يصان عَن غرر لَا غَرَض فِيهِ
وَلَو قَالَ بِعْتُك من هَذِه الصُّبْرَة بملاء هَذَا الْكوز فَالْأَصَحّ الصِّحَّة لِأَن الْأَقْوَى التَّعْلِيل بالغرر وتوقع التّلف فِي السّلم وَمن علل بِالْجَهْلِ أبطل البيع
وَالسّلم الْحَال مُتَرَدّد بَين البيع وَالسّلم الْمُؤَجل فَفِيهِ وَجْهَان
أما إِذا عين مكيالا مُعْتَادا لَو شَرط الْكَيْل بِهِ فَلَا يتَعَيَّن إِذا لَا غَرَض فِيهِ وَهل يفْسد بِهِ العقد فِيهِ وَجْهَان
وَالأَصَح صِحَة العقد لانه هذيان لَا يتَعَلَّق بِهِ غَرَض فان قيل فَلَو عين شَجَرَة أَو بستانا وَقَالَ أسلمت اليك من ثَمَرَة هَذَا الْبُسْتَان
قُلْنَا يبطل لعلتين

(3/434)


إِحْدَاهمَا ظُهُور الْغرَر بتوقع الْجَائِحَة فِي الْبُسْتَان الْمعِين
وَالْأُخْرَى مناقضة الدِّينِيَّة لِأَن مَا يظْهر من ثَمَرَة الشَّجَرَة مُتَعَيّن لملكة وَحقّ الدّين أَن يسترسل فِي الذِّمَّة
أما إِذا أضَاف الى نَاحيَة يبعد فِيهَا وُقُوع الآفة فَإِن أَفَادَ تنويعا صَحَّ كَقَوْلِه معقلي الْبَصْرَة لِأَن الْإِضَافَة كالوصف هَاهُنَا
وَأَن لم يفد تنويعا فَمنهمْ من قَالَ هُوَ كتعين الْمِكْيَال إِذْ لَا فَائِدَة لَهُ وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا يبطل لِأَنَّهُ تعْيين لَا يضيق مجالا أصلا
الشَّرْط الْخَامِس تعيي مَكَان التَّسْلِيم فِي الْمُسلم فِيهِ

وَفِيه قَولَانِ وَفِي مَحلهمَا ثَلَاثَة طرق
أَحدهَا أَنه إِن كَانَ فِي النَّقْل مئونة فَلَا بُد من التعين وَإِلَّا فَقَوْلَانِ
وَالثَّانِي عكس ذَلِك وَالثَّالِث إِطْلَاق الْقَوْلَيْنِ
وَلَعَلَّ الْأَصَح أَنه لَا يشْتَرط وَلَكِن ينزل الْمُطلق على مَكَان العقد

(3/435)


الشَّرْط السَّادِس تَسْلِيم رَأس المَال فِي الْمجْلس

لِأَن رَأس المَال إِذا كَانَ دينا كَانَ بيع الكالئ بالكالئ وَإِن كَانَ عينا فَيجب تَعْجِيله لِأَنَّهُ أحتمل الْغرَر فِي الْمُسلم فِيهِ لحَاجَة فَيجْبر ذَلِك بتأكد الْعِوَض الثَّانِي بالتعجيل
ثمَّ لَا خلاف أَنه لَو كَانَ رَأس المَال نَقْدا وَلم يُعينهُ ثمَّ عينه فِي الْمجْلس كَفاهُ لِأَن الْمجْلس كالحريم فَلهُ حكم الِابْتِدَاء وَكَذَلِكَ القَوْل فِي بيع الدَّرَاهِم بِالدَّرَاهِمِ فِي الصّرْف
واما فِي بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ وَجْهَان من حَيْثُ إِذا لم يعين طَالَتْ أَو صافه وَظهر قَضِيَّة الدِّينِيَّة وَقرب من بيع الدّين بِالدّينِ بِخِلَاف النُّقُود فرع إِذا فسخ السّلم بِسَبَب اسْتردَّ عين رَأس المَال إِن كَانَ عمينا عِنْد العقد
وان عين عِنْد الْقَبْض فَوَجْهَانِ وَالأَصَح الرُّجُوع الى عينه فالقبض فِي الْمجْلس كإيراد العقد عَلَيْهِ وَهُوَ ملتفت أَيْضا على أَن الْمُسلم فِيهِ إِذا رد بِعَيْب كَانَ ذَلِك نقضا للْملك فِي الْحَال فَهُوَ تبين لعدم جَرَيَان الْملك فِيهِ إِذا خَالف الْوَصْف الْمُسْتَحق
الشَّرْط السَّابِع تَقْدِير رَأس المَال

وَفِيه قَولَانِ

(3/436)


أَحدهمَا وَهُوَ الْقيَاس وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنه يجوز أَن يكون جزَافا اعْتِمَادًا على العيان كَمَا فِي البيع
وَالثَّانِي لَا بُد من التَّقْدِير لِأَنَّهُ قد يفْسخ السّلم فَيحْتَاج الى الرُّجُوع إِلَيْهِ أَو الى قِيمَته فيتعذر وَالسّلم يبعد عَن الْغرَر مَا أمكن
وَاخْتلفُوا فِي أَن هَذَا الْخلاف هَل يجرى فِي الْجَهْل بِقِيمَة رَأس المَال وَفِي السّلم الْحَال
فَإِن قيل وَهل يشْتَرط كَون الْمُسلم فِيهِ مثمنا حَتَّى لَا يجوز السّلم فِي النُّقُود
قُلْنَا فِيهِ وَجْهَان وَالأَصَح جَوَاز السّلم مِنْهَا إِذْ لَا مَانع مِنْهُ

(3/437)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي بَيَان مَا يجب وَصفه فِي الْمُسلم فِيهِ على التَّفْصِيل وَمَا يمْتَنع السّلم فِيهِ
لعزة وجوده أَو لعدم إحاطة الْوَصْف بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَالنَّظَر فِي أَجنَاس من الْأَمْوَال
الْجِنْس الأول الْحَيَوَان

وَالسّلم فِيهِ جَائِز عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة
وَالْمُعْتَمد فِيهِ الْأَحَادِيث والْآثَار وَإِلَّا فَالْقِيَاس مَنعه إِذْ أقرب الْحَيَوَانَات إِلَيّ قبُول الْوَصْف الطُّيُور والحمامات وَيخْتَلف الْغَرَض بكبرها وصغرها
وَنحن لَا نجوز السّلم فِي المعدودات إِلَّا بِالْوَزْنِ وَالْوَزْن لَا يضْبط الْحَيَوَان مَعَ اشتماله على أخلاط مُتَفَاوِتَة وَلَكِن إِذا ثَبت بالأحاديث فالرتبة الْعليا مِنْهُ
السّلم فِي الرَّقِيق

وَيشْتَرط فِيهِ النَّوْع واللون والذكورة وَالْأُنُوثَة وَالسّن فَيَقُول عبد تركي أسمر ابْن سبع أَو أبن عشر

(3/438)


وَالأَصَح أَنه لَا بُد من ذكر الْقَامَة فَيَقُول طَوِيل أَو قصير أَو ربع ثمَّ ينزل من كل رتبه على الْأَقَل وَلَا يُقيد ذَلِك بالأشبار فيعز وجوده
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا يشْتَرط الْقَامَة
أما التَّعَرُّض لآحاد الْأَعْضَاء وَكَيْفِيَّة أشكالها فَلَا يعْتَبر لِأَن ذَلِك بَين أَن يطول أَو يَنْتَهِي إِلَيّ عزة الْوُجُود
وَأما الْكحل والدعج وتكلثم الْوَجْه وَكَون الْجَارِيَة خميصة مثقلة الأرداف ريانة السَّاقَيْن وَمَا يجْرِي مجْرَاه مِمَّا يقْصد وَلَا يطول وَلَا يَنْتَهِي الى عزة الْوُجُود قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا يشْتَرط وميل المراوزة الى أشتراطه
وَفِي الملاحة تردد للقفال منشؤه أَنَّهَا جنس يعرف أَو يخْتَلف بميل الطباع الرُّتْبَة الثَّانِيَة الْبَهَائِم
قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يَقُول فِي الْبَعِير أسلمت اليك فِي ثني من نعم بني فلَان غير مودن نقي من الْعَيْب سبط الْخلق مجفر الجنبين
أما الثني فَهُوَ الَّذِي اسْتكْمل خمس سِنِين وَبَيَان السن لَا بُد مِنْهُ

(3/439)


والمودن النَّاقِص الْقصير
ومجفر الجنبين عظيمهما وَهُوَ يضاهي التَّعَرُّض للقد فِي العبيد
وَقَوله نقي من الْعُيُوب احْتِيَاطًا وَلَا بُد أَيْضا من ذكر اللَّوْن فرع إِن أختلف نعم بني فلَان
قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ صَحَّ وَنزل على مَا ينْطَلق عَلَيْهِ الِاسْم وَهَذَا تساهل بل الْوَجْه الْقطع بِاشْتِرَاط تَمْيِيز الْأَنْوَاع إِذا سهل ذَلِك
وَكَذَلِكَ الْخَيل يتَعَرَّض فِيهَا للون وَالسّن وَالنَّوْع كالعربي والتركي
أما الشياة كاللطيم والأغر والمحجل فَذكرهَا احْتِيَاط وَلَيْسَ بِشَرْط الرُّتْبَة الثَّالِثَة الطُّيُور
ويتعرض فِيهَا للون وَالنَّوْع وَالْكبر والصغر وسنها لَا يعرف أصلا فرع إِذا شَرط مَعَ الجاريه الخادمة وَلَدهَا لِأَن ذَلِك لَا يعز وجوده فِي الحاضنات
وَإِن كَانَ يطْلب الْجَارِيَة للتسري فقد يَنْتَهِي شَرط ذَلِك الى عزة الْوُجُود فَلَا يجوز

(3/440)


الْجِنْس الثَّانِي فِي أَجزَاء الْحَيَوَان وزوائده

وَفِيه مسَائِل
الأولى يَصح السّلم فِي اللَّحْم فَيَقُول لحم بقر أَو غنم أَو ضَأْن أَو معز ذكر أَو أُنْثَى خصى أَو غير خصي رَضِيع أَو فطيم معلوفة أَو راعية من الفخد أَو من الْجنب وَلَا يشْتَرط فَإِنَّهُ كالنوى من التَّمْر
الثانيه إِذا شَرط فِي اللَّحْم الهزال لم يجز لِأَنَّهُ عيب لَا يَنْضَبِط بِالْعَادَةِ
وَلَوْلَا أسلم فِي المشوي والمطبوخ قَالُوا لَا يجوز لاخْتِلَاف أثر النَّار
وَقَالَ الصيدلاني إِذا أمكن ضَبطه بِالْعَادَةِ جَازَ فَإِن الْأَصَح جَوَازه فِي الْخبز والدقيق والدبس وَالسكر والفانيد وَفِي الْخبز والدبس وَجه أخر بعيد
الثَّالِثَة السّلم فِي رُءُوس الْحَيَوَانَات قيل التنقية من الشُّعُور بَاطِل وَبعد التنقية قَولَانِ
وَوجه الْمَنْع أَنَّهَا تَشْمَل على مركبات تخْتَلف الْمَقَاصِد بهَا وَالْوَزْن لَا

(3/441)


يحصره وَالْكبر مِنْهُ مَقْصُود فيلتحق بالمعدودات لَا بالحيوانات
والاكارع أولى بجوار السّلم فِيهَا لِأَنَّهَا اقْربْ الى قبُول الضَّبْط
الرَّابِعَة السّمك المملح يجوز السّلم فِيهِ إِن لم يكن للملح وزن وَإِلَّا فَلَا إِذْ لَا يعلم الْمَقْصُود مِنْهُ بِالْوَزْنِ
الْخَامِسَة الْجُلُود المدبوغه أَن كَانَت غير مَقْطُوعَة على التناسب لم يجز السّلم فِيهَا لتَفَاوت أطرافها وَإِن قطعت كالنعال السبتية فَالظَّاهِر جَوَاز السّلم فِيهَا بِالْوَزْنِ
وَفِيه وَجه للْمَنْع للتفاوت فِي الغلظ والدقة
السَّادِسَة يجوز السّلم فِي زَوَائِد الْحَيَوَان من اللَّبن وَالسمن والزبد والمخيض فيذكر الْوَزْن وَالصّفة وَمَا يخْتَلف بِهِ الْقيمَة وَيذكر الحموضه فِي المخيض وَينزل على أقل الدَّرَجَات
وَيذكر فِي الصُّوف والوبر اللين والخشونة والطول وَالْقصر
الْجِنْس الثَّالِث الثِّيَاب وأصولها

فيذكر فِي الثَّوْب الطول وَالْعرض واللون وَالْأَصْل أَنه من قطن أَو كتَّان أَو من إبريسم والبلد الَّذِي ينسج فِيهِ إِن اخْتلفت بِهِ الْقيمَة وَيسلم فِي الْقطن فيذكر اللين والخشونة واللون وَالْوَزْن

(3/442)


وَإِن كَانَ مستترا بالجوز لم يجز السّلم فِيهِ وَيجوز السّلم فِي المحلوج وَغير المحلوج وَإِن كَانَ فِيهَا الحبات
وَكَذَلِكَ يذكر فِي الإبريسم الدقة والغلظ والناحية الَّتِي مِنْهَا يجلب
وَيصِح السّلم فِي الْمَصْبُوغ من الثِّيَاب فيذكر قدر الصَّبْغ ودرجاته
وَتردد الْعِرَاقِيُّونَ فِي الْمَصْبُوغ بعد النسج وَزَعَمُوا أَن ذَلِك ضم صبغ لَا يعرف قدره إِلَى الثَّوْب وَهُوَ بَاطِل بالمصبوغ قبل النسج
الْجِنْس الرَّابِع الْفَوَاكِه

يجوز السّلم فِي رطبها ويابسها وآلات الصيادلة إِلَّا مَا هُوَ مخلوط مِنْهُ فيذكر من جَمِيعهَا مَا تخْتَلف بِهِ الْقيمَة
وَيذكر فِي الْعَسَل أَنه جبلي أَو بلدي والجبلي خير وَأَنه ربيعي أَو خريفي والخريفي خير وَيذكر اللَّوْن
ويتعرض للمعتوق والحدوث فِي الرطب وَبَعض الْفَوَاكِه وَلَا حَاجَة إِلَيْهِ فِي الْبر والحبوب إِذْ لَا يخْتَلف بِهِ غَرَض إِلَّا إِذا قرب من السوس فَإِن ذَلِك عيب
وَأما الشهد قَالَ الفوراني هُوَ مختلط فَلَا يسلم فِيهِ
وَالأَصَح جَوَازه لِأَنَّهُ متناسب

(3/443)


الْجِنْس الْخَامِس الْخشب

فَمَا يُرَاد للحطب تقل صِفَاته فيذكر الْجِنْس واللون وَالْوَزْن وَلَا حَاجَة إِلَى ذكر اليبوسة فَإِن الرُّطُوبَة عيب فِي الْحَطب والغلظ والدقة لابد من ذكره
وَمَا يُرَاد للنجر كالجذوع والعمد فيذكر الطول وَالْعرض والاستدارة وَالنَّوْع وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد تحْتَاج إِلَى شَرط الْوَزْن أَيْضا لِأَنَّهُ قد يصير حطبا فيطلب وَزنه
والمنحوت من الْخشب لَا يجوز السّلم فِيهِ لتَفَاوت أَجْزَائِهِ إِلَّا إِذا تناسب على وَجه يُمكن ضَبطه وَلَا يخْتَلف وَيجوز السّلم فِي خشب النبال قبل النحت
الْجِنْس السَّادِس فِي الْجَوَاهِر

فيذكر فِي الْحَدِيد الْوَزْن والذكورة وَالْأُنُوثَة
ويتعرض فِي النّحاس وَغَيره لما تخْتَلف بِهِ الْقيمَة
ويتعرض فِي حجر الرَّحَى للطول وَالْعرض والاستدارة وَالْوَزْن
واللآلى واليواقيت لَا يسلم فِيهَا لعزة وجودهَا إِذا أطنب فِي وصف مَا تخْتَلف بِهِ الْقيمَة
واللالىء الصغار الَّتِي لَا يعز وجودهَا يجوز السّلم فِيهَا بِالْوَزْنِ

(3/444)


قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد وَكَذَلِكَ فِيمَا يتحلى بِهِ غَالِبا وَهُوَ مَالا يزِيد وَزنه على سدس فَإِن ذَلِك أَيْضا يكثر وجوده وتعرق صِفَاته
الْجِنْس السَّابِع المختلطات
وَهِي ثَلَاثَة أضْرب
الأول الْمُخْتَلط الْمُخْتَلط خلقَة كاللبن والشهد يجوز السّلم فِيهَا
الثَّانِي مَالا يقْصد خليطه كالجبن وَفِيه الانفحة وَالْخبْز وَفِيه المَاء وَالْملح يجوز السّلم فِيهِ لِأَنَّهُ فِي حكم الْجِنْس الْفَرد
الثَّالِث مَا يقْصد جَمِيع أَرْكَانه كالمعجونات والمرق ومعظم الحلاوى والخفاف والصنادل والقسي والنبال لَا يجوز السّلم فِي شئ مِنْهَا لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِط آحَاد أَرْكَانه وَكَذَلِكَ قسى الْعَرَب وَإِن لم يكن فِيهِ الا خشب وَلَكِن يتَفَاوَت تخريطه وهيأته
وَيجوز السّلم فِي دهن البان والبنفسج لِأَنَّهُ لَا يقْصد تخليطه بل لَا يخالطه البنفسج فَإِن السمسم يروح بالبنفسج ثمَّ يعتصر
وَظن الْمُزنِيّ أَنه يخْتَلط بِعَيْنِه فَمنع السّلم فِيهِ وَهُوَ غلط

(3/445)


فرعان
أَحدهمَا خل الزَّبِيب وَالتَّمْر قطع الْعِرَاقِيُّونَ بِجَوَاز السّلم فِيهِ
وَقطع المراوزة بِالْمَنْعِ لِأَنَّهُ يمْنَع معرفَة الْمَقْصُود إِذْ قدر المَاء يخْتَلف فِيهِ
الثَّانِي العتاببي مركب من الْقطن والابرسيم فِيهِ وَجْهَان لِأَنَّهُ فِي حكم جنس وَاحِد من وَجه
وَنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على السّلم فِي الْخَزّ وَهُوَ مَحْمُول عِنْد هَذَا الْقَائِل على مَا إِذا لم يكن فِيهِ ابريسم بل أتحذ جنسه
وعَلى الْجُمْلَة الْمُحكم فِي جَمِيع ذَلِك الْعرف وَالْعَادَة وَلَا يُمكن الْوَفَاء بِجَمِيعِ الصُّور وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ تَنْبِيه على مَا تَرَكْنَاهُ

(3/446)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي أَدَاء الْمُسلم فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِي صفته وزمانه ومكانه
أما الصّفة

فَلَو آتى بِغَيْر جنسه لم يجز قبُوله لِأَنَّهُ أعتياض
وَإِن أُتِي بَارِدًا مِنْهُ جَازَ قبُوله وَلم يجب
وَإِن أَتَى بأجود وَجب قبُوله وَقيل لَا يجب لِأَنَّهُ فِيهِ منَّة وَهُوَ بعيد
وَلَو أُتِي بِنَوْع أخر كَمَا لَو أسلم فِي الزَّبِيب الْأَبْيَض فَأتى بالأسود فَفِي جَوَاز الْقبُول وَجْهَان منشؤه أَن أختلاف النَّوْع كاختلاف الْوَصْف أَو كاختلاف الْجِنْس
وترددوا فِي أَن التَّفَاوُت بَين السقية من الْحِنْطَة وَمَا يسقى من السَّمَاء تفَاوت صفة أَو تفَاوت نوع وَكَذَلِكَ فِي الرطب مَعَ التَّمْر
وترددوا فِي أَن التَّفَاوُت بَين الْهِنْدِيّ والتركي من العبيد اخْتِلَاف جنس أَو اخْتِلَاف نوع
فرع
لَو أسلم فِي لحم السّمك لم يلْزمه قبُول الرَّأْس والذنب وَكَذَا لحم الطير وَلَو أسلم فِي السّمك وَالطير لزمَه الْقبُول
أما الزَّمَان

(3/447)


فَلَا يُطَالب الا بعد الْمحل وَلكنه لَو جَاءَ بِهِ قبل الْمحل فَإِن كَانَ لَهُ فِي التَّعْجِيل غَرَض فَإِن كَانَ لَهُ بِالدّينِ رهن أَو ضَمَان أَو الْمكَاتب عجل النُّجُوم يجْبر على الْقبُول
وَإِن لم يكن غَرَض سوى البراءه نظر فَإِن كَانَ للممتنع غَرَض بِأَن كَانَ فِي وَقت نهب وعارة أَو كَانَت دَابَّة يحذر من عَلفهَا فَلَا يجْبر
وَإِن لم يكن غَرَض فِي الِامْتِنَاع فَقَوْلَانِ

(3/448)


أَحدهمَا يجْبر لِأَن الْأَجَل حق من عَلَيْهِ الدّين وَقد أسْقطه
وَالثَّانِي لَا لِأَن فِيهِ منَّة
فَإِن قيل لَو صرح من عَلَيْهِ الدّين بِإِسْقَاط الْأَجَل هَل يسْقط حَتَّى تتَوَجَّه عَلَيْهِ الْمُطَالبَة
قُلْنَا فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا لِأَن الْأَجَل وصف تَابع كالصحة فِي الدَّرَاهِم لَا يسْقط بمجردها مَعَ بَقَاء الأَصْل
وَالثَّانِي نعم لِأَن الدّين عَلَيْهِ وَالْأَجَل هُوَ لَهُ
فرعان

أَحدهمَا لَو خَافَ الْمُسلم إلية الِانْقِطَاع لَدَى الْمحل فَهَل يكون هَذَا عذرا فِي التَّعْجِيل فِيهِ وَجْهَان
الثَّانِي لَو سلم فِي غير مَكَان العقد وَكَانَ فِيهِ مئونة فَهَذَا عذر من جَانب الْمُسْتَحق فَلَا يجْبر
أما إِذا أَتَى بِالْحَقِّ بعد حُلُوله فَلَا شكّ فِي الْإِجْبَار إِن كَانَ للمؤدي غَرَض

(3/449)


وَإِن لم يكن غَرَض فطريقان وَلَا أثر هَا هُنَا لعذر الْمُسْتَحق
مِنْهُم من قَالَ فِيهِ قَولَانِ كَمَا قبل الْمحل لِأَنَّهُ حَقه فَلهُ التَّأْخِير إِلَى حَيْثُ يَشَاء وَمِنْهُم من قطع بالإجبار لغَرَض الْبَرَاءَة فليأخذ أم ليبرىء
أما مَكَان التَّسْلِيم يتَعَيَّن فِيهِ مَكَان العقد إِمَّا بِالتَّعْيِينِ أَو بِالْإِطْلَاقِ فَلَو ظفر بِهِ فِي غَيره وَكَانَ فِي نَقله مُؤنَة لم يُطَالب بِهِ وَإِن لم يكن مُؤنَة فَلهُ الْمُطَالبَة وَكَذَا فِي سَائِر الدُّيُون إِلَّا فِي الْغَاصِب فَإِن فِي مُطَالبَته مَعَ لُزُوم الْمُؤْنَة وَجْهَان تَغْلِيظًا عَلَيْهِ من حَيْثُ منعناه من الْمُطَالبَة بِالْمثلِ لما فِيهِ من المؤونة فَلَا بُد من الْقيمَة لوُقُوع الْحَيْلُولَة بعد ثُبُوت الِاسْتِحْقَاق وَتوجه الْمُطَالبَة هَذَا تَمام القَوْل فِي السّلم

(3/450)


الْقسم الثَّانِي من الْكتاب النّظر فِي الْقَرْض وَالنَّظَر فِي حَقِيقَته وركنه وَشَرطه وَحكمه
أما الْحَقِيقِيَّة
فَهِيَ مكرمَة جوزتها الشَّرِيعَة لحَاجَة الْفُقَرَاء لَيْسَ على حقائق الْمُعَاوَضَات وَلذَلِك لَا يجوز شَرط الْأَجَل فِيهِ لِأَن الْمقْرض مُتَبَرّع والمتبرع بِالْخِيَارِ فِي تبرعه بِالرُّجُوعِ وَالْأَجَل يمْنَع الرُّجُوع وَلَو لزم الْأَجَل لَكَانَ مُعَاوضَة وَلَو جب التَّقَابُض فِي الْمجْلس فَإِنَّهُ مُقَابلَة دَرَاهِم بِمِثْلِهَا
وَقَالَ مَالك رَحمَه الله يثبت الْأَجَل
وَلذَلِك لَو رَجَعَ عَن الْإِقْرَاض فِي الْحَال قبل تصرف الْمُسْتَقْرض وطالب بِهِ جَازَ
وَقَالَ مَالك رَحمَه الله لَا يجوز وطرد ذَلِك فِي العواري وَكَأن الْقَرْض

(3/451)


عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذن فِي الْإِتْلَاف بِشَرْط الضَّمَان فَهُوَ قريب مِنْهُ إِن لم يكن عينه أما رُكْنه
فالمقرض والمقرض والصيغة
أما الصِّيغَة فَقَوله أقرضتك أَو أَخذه بِمثلِهِ وَهل يشْتَرط الْقبُول وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ أَن فِي الْإِتْلَاف بعوض

وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ يملكهُ الْمُسْتَقْرض بِالْقَبْضِ أَو التَّصَرُّف فَلَيْسَ إتلافا مَحْضا
وَأما الْمقْرض فَلَيْسَ يشْتَرط فِيهِ الا أَهْلِيَّة التَّمْلِيك والتبرع فَإِنَّهُ تبرع وَلذَلِك لَا يجوز فِي مَال الطِّفْل الا لضَرُورَة وَكَذَا الْمكَاتب على مَا سَيَأْتِي فِي الرَّهْن
أما الْمقْرض فَكل مَا يجوز السّلم فِيهِ ويتسلط قرضه الا الْجَوَارِي فَفِيهِ قَولَانِ منصوصان
الْقيَاس الْجَوَاز كَمَا فِي العبيد
وَوجه الْمَنْع أَن الْمُسْتَقْرض يتسلط على الْوَطْء ويتسلط على الِاسْتِرْدَاد فَيبقى الطء فِي صُورَة إِبَاحَة
وَلَا خلاف فِي أَنه لَو كَانَت الجاريه محرما للمستقرض جَازَ إقراضها وَقد نقل عَن الصَّحَابَة النَّهْي عَن إقراض الْجَوَارِي فَاسْتحْسن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ ذَلِك

(3/452)


وَقَالَ الْأَصْحَاب بِنَاء الْقَوْلَيْنِ على أَن الْمُسْتَقْرض يملك بِالْقَبْضِ أم بِالتَّصَرُّفِ
فَإِن قُلْنَا يملك بِالْقَبْضِ فَلَا يجوز الْإِقْرَاض لِأَنَّهُ يُؤَدِّي الى اسْتِبَاحَة الْوَطْء
وَإِن قُلْنَا بِالتَّصَرُّفِ فَعم
وَمِنْهُم من عكس التَّرْتِيب وَقَالَ إِن قُلْنَا يملك بِالتَّصَرُّفِ فَلَا لِأَنَّهُ يَقع فِي يَده من غير ملك فَفِيهِ خطر الْوَطْء وَلَا خطر إِذا ملكناه فليطأها فَإِن قيل وَمَا لَا يجوز السّلم فِيهِ وَلَا يجوز بيع بعضه بِبَعْض هَل يجوز إقراضه
قُلْنَا أطلق الْأَصْحَاب مَنعه
وَذكر الشَّيْخ أَبُو على وَجها فِي جواره وَهل هُوَ مَبْنِيّ على أَن الْمقْرض يرد الْمثل فِي ذَوَات الْقيم فَإِن قُلْنَا يرد الْقيمَة أَو الْقيمَة جَازَ إقراض كل مَال مُتَقَدم
أما شَرطه
فَهُوَ أَن لَا يجر مَنْفَعَة لنهي رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قرض جر مَنْفَعَة

(3/453)


فَإِن شَرط زِيَادَة أَو مَنْفَعَة فسد حَتَّى لَا يُفِيد الْملك وَصِحَّة التَّصَرُّف فِيهِ
وللشرط صور
أَحدهَا إِن شَرط الْكَفِيل وَالرَّهْن وَالشَّهَادَة فِي الْقَرْض يجوز لِأَنَّهُ أَحْكَام لَهُ لَا زِيَادَة عَلَيْهِ
وَلَو شَرط رهنا فِي دين آخر فَهُوَ مَنْفَعَة وَكَذَا إِذا شَرط فِي المكسرة رد الصَّحِيح أَو أَن يَشْتَرِي مِنْهُ شَيْئا
الثَّانِيَة أَن يشْتَرط فِي الصَّحِيح رد المكسور فَهَذَا غير مُفسد لِأَنَّهُ وعد بمسامحة ثمَّ لَا يلْزم
وَكَذَلِكَ إِذا شَرط الْأَجَل لَا يلْزم وَلَا يفْسد الا إِذا كَانَ فِي زمَان نهب وغارة فَهُوَ مُفسد لِأَن فِيهِ غَرضا
الثَّالِثَة أَن يَقُول أقرضتك هَذَا بِشَرْط أَن أقرضك غَيره صَحَّ وَلم يلْزم الشَّرْط لِأَنَّهُ وعد وَكَذَا إِذا قَالَ وهبت بِشَرْط أَن أهب
بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ بِعْتُك بِشَرْط أَن أهبك شَيْئا فَيفْسد البيع لِأَن الْعِوَض يكون مبذولا فِي مُقَابلَة الْمَبِيع والمتوقع هِبته فيتطرق إِلَيْهِ خلل وَجَهل
هَذَا فِي الربويات أما فِي غير الربويات فَفِي شَرط الزِّيَادَة وَجْهَان
أَحدهمَا التَّسْوِيَة لعُمُوم النَّهْي
وَالثَّانِي الْجَوَاز لِأَن الزِّيَادَة تلْزم بِالْعقدِ والمقابلة وَقد وجدت وَلَكِن يمْتَنع ذَلِك

(3/454)


فِي الربويات وَهَذَا فَاسد لِأَن صِيغَة الْمُعَارضَة لم تشْتَرط فَإِن شَرط فَهُوَ بيع فَاسد وَلَيْسَ بقرض وَالْقَرْض بمطلقه لَيْسَ لَهُ حكم البيع وَلذَلِك عِنْد ترك الزِّيَادَة فِي الربويات لم يشْتَرط التَّقَابُض
فَإِن قيل نقل أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أستسلف بَعِيرًا ببعيرين
قُلْنَا كَانَ ذَلِك فِي عقد السّلم
أما حكمه
فَهُوَ التَّمْلِيك وَلَكِن بِالْقَبْضِ أَو بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ قَولَانِ مفهومان من مَعَاني كَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ
أقيسهما أَنه بِالْقَبْضِ لِأَنَّهُ لَا يتقاعد عَن الْهِبَة مَعَ أَنه للعوض فِيهِ مدْخل وَلِأَنَّهُ يملك التَّصَرُّف بعد الْقَبْض فَيدل على تقدم الْملك

(3/455)


وَالثَّانِي أَنه يملك بِالتَّصَرُّفِ فيتبين تقدم الْملك عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَفْوِيت بالأذن بِشَرْط الضَّمَان وَلَيْسَ بِتَمْلِيك وَعقد والتفويت يحصل بِإِزَالَة الْعين أَو الْملك
التَّفْرِيع

إِن قُلْنَا يملك بِالْقَبْضِ فَلهُ أَن يردهُ بِعَيْنِه إذله أَن يرد بدله فَهُوَ أولى وَلَو رَجَعَ الْمقْرض فِي عينه جَازَ لَهُ لِأَنَّهُ أقرب من بدله وَله أَخذ بدله
وَذكر الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد وَجها أَن النّظر فِيهِ الى جَانب الْمُسْتَقْرض وإرادته فَإِن لم يرد عينه فَلهُ ذَلِك
وَأَن قُلْنَا يملك بِالتَّصَرُّفِ فَلَا خلاف فِي أَنه يملك بِكُل تصرف مزيل للْملك كَالْبيع وَالْإِعْتَاق وَمَا يستباح بِالْإِبَاحَةِ كالاعاره والاستخدام فَلَا يملك بِهِ
واما الْإِجَارَة وَالرَّهْن وَالْبيع بِشَرْط الْخِيَار فَفِيهِ طرق
قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد كل مَا يقطع رُجُوع الْوَاهِب وَالْبَائِع فِي عين مَتَاع الْمُفلس يملك نه هَاهُنَا

(3/456)


وَقَالَ آخَرُونَ كل تصرف لَا ينْعَقد بِدُونِ الْملك فَيخرج الرَّهْن عَنهُ فَإِنَّهُ يجوز فِي الْمُسْتَعَار بِخِلَاف الْإِجَارَة
وَقَالَ آخَرُونَ كل تصرف لَازم يتَعَلَّق بِالرَّقَبَةِ فَيدْخل فِيهِ الرَّهْن وَيخرج مِنْهُ الْإِجَارَة وَالْبيع الْجَائِز
وَقَالَ آخَرُونَ لَا يملك الا بِتَصَرُّف مزيل للْملك أصلا
فَإِن قيل الْمُسْتَقْرض مَاذَا يُؤَدِّي قُلْنَا الْمثل فِي الْمِثْلِيَّات
وَفِي ذَوَات الْقيم وَجْهَان
أشبههما بِالْحَدِيثِ رد الْمثل لما رُوِيَ انه عَلَيْهِ السَّلَام أستقرض بكرا ورد بازلا وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام خَيركُمْ أحسنكم قَضَاء وَلِأَنَّهُ لَو

(3/457)


وَجب الْقيمَة لافتقر الى الْإِعْلَام
وَالثَّانِي وَهُوَ الْقيَاس وجوب الْقيمَة وَالله أعلم وَأحكم

(3/458)