الوسيط في المذهب

= كتاب الرَّهْن وَفِيه أَرْبَعَة أَبْوَاب=

(3/459)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَان عقد الرَّهْن ومصححاته وأركانه أَرْبَعَة الرَّاهِن والمرهون والمرهون بِهِ وَصِيغَة العقد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الرُّكْن الأول فِي الْمَرْهُون

وَفِيه ثَلَاثَة شَرَائِط الشَّرْط الأول أَن يكون عينا
فَلَو رهن دينا لم يَصح لِأَنَّهُ يلْزم بِالْقَبْضِ وَالْقَبْض لَا يُصَادف غير مَا يتَنَاوَلهُ العقد وَلَا مُسْتَحقّا بِالْعقدِ وَلذَلِك لَا يَصح هبة الدّين فَإِنَّهُ لَا يلْزم إِلَّا بِالْقَبْضِ بِخِلَاف بيع الدّين فَإِنَّهُ يَصح على رَأْي
وَكَذَلِكَ لَو بَاعَ درهما بدرهم ثمَّ عين فِي الْمجْلس صَحَّ لِأَن البيع سَبَب اسْتِحْقَاق قبل الْقَبْض فَيتَعَيَّن بِالْقَبْضِ بِخِلَاف الْهِبَة وَالرَّهْن

(3/461)


فرع
الْإِفْرَاز لَيْسَ بِشَرْط بل يَصح رهن الْمشَاع خلافًا لأبي حنيفَة ثمَّ تجْرِي الْمُهَايَأَة بَين الرَّاهِن وَالْمَالِك
نعم لَو رهن نصِيبه من بَيت معِين من جملَة دَار مُشْتَركَة فَفِيهِ وَجْهَان
ومنشأ الْمَنْع أَنه رُبمَا يقتسم الشَّرِيك فَيَقَع الْجَمِيع فِي حِصَّته فَلَا يبْقى للرَّهْن مقرّ
فَلَو صححنا فَوَقع ذَلِك احْتمل أَن يُقَال هُوَ تلف وَاحْتمل أَن يُقَال الرَّاهِن ضَامِن والتفويت مَنْسُوب إِلَيْهِ
الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون الْمَرْهُون قَابلا للْبيع عِنْد حُلُول الْحق
فَلَا يجوز رهن الْمَوْقُوف وَأم الْوَلَد وكل مَا لَا يجوز بَيْعه
وَبَيَان هَذَا الشَّرْط برسم ثَمَان مسَائِل

(3/462)


الْمَسْأَلَة الأولى رهن سَواد الْعرَاق من عبادان إِلَى الْموصل طولا وَمن الْقَادِسِيَّة إِلَى حلوان عرضا فَإِن اعْتِقَاد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَخذهَا من الْغَانِمين وحبسها على الْمُسلمين وَالْخَرَاج عَلَيْهِم أُجْرَة فِيهَا
وَقَالَ ابْن سُرَيج بل بَاعهَا من أهل الْعرَاق فَهُوَ ملك
وَأما أشجارها وأبنيتها فَيجوز رَهنهَا وفَاقا فَإِنَّهَا مستحدثة
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة رهن الْمَبِيع فِي زمَان الْخِيَار جَائِز إِن كَانَ الْخِيَار للْمُشْتَرِي وَحده وَلزِمَ البيع هَكَذَا ذكره الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ
وَفِيه وَجه أَنه لَا ينْعَقد بل لَا بُد من تَقْدِيم الْإِلْزَام
وَوجه أخر أَنه يلْزم البيع وَلَا ينْعَقد الرَّهْن وَقد ذَكرْنَاهُ فِي كتاب البيع
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ رهن الْأُم دون وَلَدهَا جَائِز إِذا لاتفرق فِيهِ
اخْتلف الْأَصْحَاب مِنْهُم من قَالَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تبَاع عِنْد الْحَاجة مَعَ الْوَلَد

(3/463)


وَمِنْهُم من قَالَ لَا بل أَرَادَ بِهِ أَنه لَا تفرقه فِي نفس الرَّهْن وَإِلَّا فتباع دون الْوَلَد فَإِن الرَّهْن لم يرد على الْوَلَد وَلَكِن يَقع ذَلِك قهريا لَا اختياريا فَلَا يمْتَنع التَّفْرِيق التَّفْرِيع
إِن قُلْنَا تبَاع مُفردا فَلَا كَلَام
وَإِن قُلْنَا تبَاع مَعَ الْوَلَد فَيتَعَلَّق حق الْمُرْتَهن بِمَا يخص من الثّمن وَفِي تَقْدِيره وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه تقوم الْأُم مُفردا فَإِذا هِيَ تَسَاوِي مائَة فتقدر مَعَ الْوَلَد فَإِذا هِيَ تَسَاوِي مائَة وَعِشْرُونَ فَالْوَلَد سدس الْجُمْلَة فَيخْتَص الْمَالِك بسدس جملَة الثّمن وَلَا يتَعَلَّق الرَّهْن بِهِ
وَالثَّانِي أَن الْوَلَد أَيْضا يقدر مُفردا كَمَا قدرت الْأُم مُفْردَة فَيُقَال الْوَلَد دون الْأُم كم يُسَاوِي وَفِي هَذَا تقل قِيمَته لِأَنَّهُ يكون ضائعا فَإِذا قَالُوا خمسين مثلا وَقِيمَة الْأُم مائَة فَالْوَلَد ثلث
وَهَذَا الْخلاف جَار فِي أَرض بَيْضَاء رهنت ثمَّ أنبتت غراسا لِأَن الْغِرَاس غير مَرْهُون
وَذكر صَاحب التَّقْرِيب أَن الْأُم أَيْضا تقوم مَعَ الْوَلَد فَيُقَال أم لَهَا ولد

(3/464)


كم قيمتهَا فينقص إِذْ يكون قَلبهَا إِلَى وَلَدهَا لِأَنَّهَا رهنت مَعَ وجود الْوَلَد
نعم لَو حدث الْوَلَد بعد الرَّهْن كَانَ نظيرا لمسألة الْغِرَاس
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة رهن مَا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد بِالدّينِ الْحَال أَو بدين مُؤَجل يحل قبل توقع الْفساد جَائِز فَيُبَاع عِنْد الإشراف على الْفساد فِي الدّين
وَإِن كَانَ يفْسد قبل الْحُلُول وَشرط بَيْعه عِنْد الإشراف وَجعل ثمنه رهنا صَحَّ أَيْضا
وَإِن شَرط أَن لَا يُبَاع بَطل وَإِن أطلق فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يَصح مُطلقَة مشْعر بِالْإِذْنِ فِي البيع وتحول الوثيق إِلَى الثّمن
وَالثَّانِي الْفساد لِأَنَّهُ لَيْسَ مفهوما بِمُطلق الرَّهْن
فَإِن قيل لَو طَرَأَ دواما مَا يعرضه للْفَسَاد
قُلْنَا لم يفْسد الرَّهْن وَلَكِن يُبَاع عِنْد الإشراف على الْفساد وَيجْعَل بدله رهنا
فَإِن قيل لَو تطابق المتعاقدان على نقل الْوَثِيقَة من عين الْمَرْهُون إِلَى غَيره فَيَنْبَغِي أَن يجوز كَمَا لَو شَرط ذَلِك فِيمَا يشرف على الْهَلَاك فِي ابْتِدَاء العقد

(3/465)


قُلْنَا فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن مَا يحْتَمل فِي الدَّوَام إِذا طَرَأَ بِالضَّرُورَةِ لَا يحْتَمل ابْتِدَاء وَلذَلِك لَا يجوز رهن الدّين وَإِن تعلق فِي الدَّوَام بِالْقيمَةِ فِي ذمَّة الْمُتْلف
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة رهن العَبْد الْمُرْتَد صَحِيح بِنَاء على الصَّحِيح فِي جَوَاز بَيْعه
ثمَّ إِن قتل فِي يَد الْمُرْتَهن وَكَانَ الرَّهْن مَشْرُوطًا فِي بيع فثبوت الْفَسْخ للْمُرْتَهن فِي البيع يبتنى على أَن من اشْترى عبدا مُرْتَدا وَقتل فِي يَده هَل يكون من ضَمَان البَائِع
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة رهن العَبْد الْجَانِي يبتنى على صِحَة بَيْعه فَإِن منعناه فَهُوَ مَمْنُوع وَإِلَّا فَوَجْهَانِ
وَوجه الْمَنْع أَنه يمْنَع الْوَثِيقَة وَلذَلِك يمْتَنع رهن الْمَرْهُون وَإِن قدر الرَّاهِن على بَيْعه إِذا قضى الدّين وَهَاهُنَا يقدر على بيع شَرط الْفِدَاء بعده وَقد يتعوق فَيفْسخ بَيْعه فَلَا تحصل مَعَه الْوَثِيقَة وَلذَلِك يقدم أرش الْجِنَايَة فِي دوَام الرَّهْن على الرَّهْن
فرع لَو حفر العَبْد بِئْرا فرهن فتردى فِيهَا إِنْسَان فَتعلق الضَّمَان بِرَقَبَتِهِ فَفِي تَبْيِين فَسَاد الرَّهْن وَجْهَان مستندهما إِسْنَاد التَّعَلُّق إِلَى أول السَّبَب فَيكون كالمقارن
وَلَو قتل قتلا مُوجبا للْقصَاص وَقُلْنَا مُوجب الْعمد الْقود الْمَحْض فرهن ثمَّ عفى

(3/466)


على مَال فَفِي إِسْنَاد انْتِقَال التَّعَلُّق وَجْهَان
وَهَاهُنَا الِاسْتِنَاد أولى لِأَن الْقَتْل سَبَب تَامّ دون حفر الْبِئْر
الْمَسْأَلَة السَّابِعَة إِذا علق عتق العَبْد بِصفة ثمَّ رَهنه فَإِن قُلْنَا لَو وجدت الصّفة فِي حَالَة الرَّهْن نفذ إِمَّا لقُوَّة الْعتْق أَو لِأَن الْعبْرَة بِحَالَة التَّعْلِيق خرج ذَلِك على رهن مَا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد
فَإِن قُلْنَا لَا ينفذ فَهُوَ بِالرَّهْنِ مدافع حكم التَّعْلِيق فَالْأَصَحّ جَوَازه

(3/467)


كَمَا لَو دَفعه بِالْبيعِ
وَفِيه وَجه آخر أَنه يفْسد لضعف الرَّهْن بِخِلَاف البيع
أما الْمُدبر فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلَو دبره ثمَّ رَهنه كَانَ الرَّهْن مفسوخا وَهَذَا مُشكل لِأَن بيع الْمُدبر جَائِز عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلَيْسَ ينْدَفع التدبر أَيْضا بِالرَّهْنِ فَإِنَّهُ إِذا مَاتَ يقْضى دُيُونه وَيعتق الْمُدبر وَإِن لم يكن فِي مَاله وَفَاء فالمدبر لَا يعْتق وَإِن لم يرْهن فَذهب أَكثر الْأَصْحَاب لذَلِك إِلَى صِحَة الرَّهْن
وَوجه النَّص أَن يُقَال لَعَلَّه يَمُوت وَله مَال فَلَا يُمكن تَنْجِيز الْعتْق قبل أَدَاء دينه وتأخيره إِلَى الْأَدَاء دفع لِلْعِتْقِ فالرهن لَا يقوى عَلَيْهِ
ويتأيد بِالْوَجْهِ الْمَذْكُور فِي إبِْطَال رهن العَبْد الْمُعَلق عتقه بِصفة
الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة إِذا رهن الثِّمَار على الْأَشْجَار نظر إِن كَانَ بعد بَدو الصّلاح وَالدّين حَال جَازَ ذَلِك ثمَّ يقطف فِي أَوَانه وَيُبَاع بعضه وَيجْعَل مُؤنَة على القطاف ويجفف إِن أمكن وَإِلَّا الْتحق بِمَا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد
وَإِن كَانَ قبل بَدو الصّلاح فللفساد ثَلَاث مثارات
أَحدهَا تسارع الْفساد بعد التجفيف وَقد سبق

(3/468)


وَالثَّانِي امْتنَاع بَيْعه إِلَّا بِشَرْط الْقطع فَإِن أذن فِي البيع بِشَرْط الْقطع جَازَ وَإِن صرح بِمَنْع البيع بِشَرْط الْقطع فسد وَإِن أطلق فَالظَّاهِر أَنه يَصح وبشرط الْقطع فِي بَيْعه وَيُبَاع
وَذكر صَاحب التَّقْرِيب قَوْلَيْنِ فِي مُوجب الْإِطْلَاق وَوَجهه أَنه لم يرض بِنُقْصَان الْمَالِيَّة فعلى هَذَا يفْسد الرَّهْن وَله الْتِفَات على إِطْلَاق الرَّهْن فَمَا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد أَنه هَل يكون كالمصرح بتجويز بَيْعه
المثار الثَّالِث للْفَسَاد توقع الآفة والجوائح وَيظْهر ذَلِك إِذا قدر الدّين مُؤَجّلا
وَفِي الْمَنْع بِهَذَا السَّبَب قَولَانِ أَحدهمَا يمْنَع كَمَا يمْنَع البيع
وَالثَّانِي لَا لِأَن الْمَحْذُور ثمَّ ضيَاع الثّمن عِنْد الاجتياح وَهَاهُنَا لَا يفوت أصل الْحق
فرع إِذا تلاحقت الثِّمَار بعد الرَّهْن فَفِي انْفِسَاخ الرَّهْن قَولَانِ كَمَا فِي التلاحق فِي الثِّمَار الْمَبِيعَة قبل الْقَبْض
وَالأَصَح أَنه لَو كَانَ قبل الْقَبْض يَنْفَسِخ
وَفِيه وَجه مستخرج من الْخلاف فِي الْعصير إِذا صَار خمرًا قبل الْقَبْض وَهُوَ بعيد لِأَن ذَلِك يتَوَقَّع مصيره خلا بِخِلَاف التلاحق فَإِنَّهُ لَا يَزُول
وَلَو رهن زرعا يتزايد وَشرط قطعه فِي الْحَال جَازَ

(3/469)


وَإِن شَرط التبقية فَحكمه حكم الثِّمَار الَّتِي تتلاحق غَالِبا وَالرَّهْن بَاطِل فيهمَا كَمَا فِي البيع الشَّرْط الثَّالِث أَن لَا يمْتَنع إِثْبَات يَد الْمُرْتَهن عَلَيْهِ وَقَبضه لَهُ
فَإِن الْقَبْض ركن فِي الرَّهْن وَفِيه مَسْأَلَتَانِ
إِحْدَاهمَا رهن الْمُصحف وَالْعَبْد الْمُسلم من الْكَافِر فَهُوَ مُرَتّب على البيع وَأولى بِالصِّحَّةِ لِأَن إِثْبَات الْيَد أَهْون من إِثْبَات الْملك
وَكَذَا رهن السِّلَاح من الْحَرْبِيّ مُرَتّب على بَيْعه مِنْهُ وَرَهنه من الذِّمِّيّ جَائِز وفَاقا كَبَيْعِهِ
الثَّانِيَة رهن الْجَوَارِي صَحِيح على الْمَذْهَب الظَّاهِر
وَذكر الشَّيْخ أَبُو عَليّ قولا أَن رهن الْجَارِيَة الْحَسْنَاء بَاطِل إِلَّا أَن تكون محرما للْمُرْتَهن فَالْوَجْه الْقطع بِالصِّحَّةِ
ثمَّ إِن كَانَ محرما أَو عدل على يَد عدل أَو كَانَ الْمُرْتَهن يوثق بديانته أَو كَانَ مَعَه جمَاعَة من أَهله ترعه الحشمة عَنْهَا لم يكره التَّسْلِيم وَإِلَّا فَيكْرَه إِثْبَات يَده عَلَيْهَا
وعَلى الْجُمْلَة فَهُوَ قريب من رهن الْمُصحف من الْكَافِر

(3/470)


فَإِن قيل فَهَل يشْتَرط أَن يكون الْمَرْهُون ملك الرَّاهِن
قُلْنَا لَا فَإِن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ نَص على أَنه لَو رهن الْمُسْتَعَار بِإِذن الْمُعير صَحَّ الرَّهْن
وغمض حَقِيقَة هَذَا العقد على الْأَصْحَاب وَاسْتَخْرَجُوا من تردد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي بعض الْأَحْكَام قَوْلَيْنِ فِي أَن هَذَا عَارِية أم ضَمَان
فَمن قَالَ إِنَّه عَارِية أشكل عَلَيْهِ لُزُومه
وَمن قَالَ ضَمَان أشكل عَلَيْهِ تعلق الضَّمَان بِرَقَبَة المَال
ثمَّ بنوا الْأَحْكَام على قَوْلَيْنِ وَهَذَا الْبناء غير مرتض عندنَا بل نعلل كل حكم بِمَا يَلِيق بِهِ من غير بِنَاء
وَحَقِيقَة هَذَا العقد لَا يتمحض بل هُوَ فِيمَا يَدُور بَين الْمُرْتَهن والراهن رهن مَحْض وَفِيمَا بَين الْمُعير وَالْمُسْتَعِير عَارِية وَفِيمَا بَين الْمُعير وَالْمُرْتَهن حكم الضَّمَان يزدحم عَلَيْهِ مشابه الْعَارِية وَالضَّمان ويتبين ذَلِك بِالنّظرِ فِي ثَلَاثَة أَحْكَام

(3/471)


الأول اللُّزُوم فِي حق الْمُعير
وَلَا يلْزم قبل قبض الْمُرْتَهن بِحَال وَإِذا قبض الْمُرْتَهن فَالصَّحِيح أَنه يلْزم فِي حق الْمُعير لِأَنَّهُ أثبت بعاريته شَيْئا من حَقه أَن لَا يعير وَتلْزم فَهُوَ كَمَا لَو أعَار الأَرْض لدفن الْأَمْوَات إِذْ لزم لِأَن فِيهِ هتك حُرْمَة الْمَيِّت كَذَلِك فِي رُجُوعه إبِْطَال وَثِيقَة الْمُرْتَهن بِعَين مَاله وَقد أذن فِي إثْبَاته
وَقَالَ القَاضِي لَهُ الرُّجُوع إِذا فرعنا على قَوْلنَا إِنَّه عَارِية وَهَذَا ضَعِيف لِأَنَّهُ لَا يبْقى للرَّهْن معنى
وَقد حكى الْعِرَاقِيُّونَ عَن ابْن سُرَيج أَنا إِذا قُلْنَا إِنَّه عَارِية فَلَا يَصح هَذَا العقد إِذْ لَا يبْقى لَهُ فَائِدَة وَهُوَ فَاسد لِأَنَّهُ خلاف نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ
وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب إِن كَانَ الدّين حَالا رَجَعَ وَإِن كَانَ مُؤَجّلا فَوَجْهَانِ يقربان مِمَّا إِذا أعَار أَرضًا للْبِنَاء إِلَى مُدَّة وَفِيه كَلَام
فَإِن قيل فَهَل يقدر على إِجْبَار الرَّاهِن على فك الرَّهْن وَإِن لم يقدر على فسخ الرَّهْن
قُلْنَا إِن كَانَ الدّين حَالا فَلَا خلاف فِي أَنه يملك إِجْبَاره وَقبل حُلُول للأجل قَولَانِ

(3/472)


أَحدهمَا أَنه يملك لِأَنَّهُ عَارِية فِي حق الْمُسْتَعِير
وَالثَّانِي لَا يملك لِأَن فِيهِ أَدَاء الدّين قبل لُزُومه وَهُوَ مُتَعَلق بالمرتهن
فَإِن قيل فَهَل يُبَاع هَذَا فِي حق الْمُرْتَهن فَقَط
قُلْنَا إِن كَانَ للرَّاهِن مَالا فَلَا يُبَاع بِحَال لِأَن مُطلق الرَّهْن لَا يُسَلط عَلَيْهِ إِلَّا إِذا جدد بِهِ إِذْنا
وَإِن صَار مُعسرا فَفِيهِ خلاف إِذْ أطلق الْأَصْحَاب أَن إِذا قُلْنَا إِنَّه عَارِية فَلَا يُبَاع إِلَّا بِإِذن مُجَدد وَهَذَا أَيْضا يضعف القَوْل بِصِحَّة الرَّهْن فَإِنَّهُ أخص فَوَائده فليجعل الْإِذْن حَاصِل بِالرَّهْنِ ولازما بِحكم الْحَال وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ فقه الْمَسْأَلَة وَلَا يتْرك الْفِقْه بقول الْقَائِل إِن هَذَا لَا نَظِير لَهُ فَإِن سَببه أَن يُقَال إِن مثل هَذِه الْوَاقِعَة غير مُتَصَوّر
وَيَنْبَنِي على مَا تقدم خلاف لَا محَالة فِي أَن عتقه هَل ينفذ
الحكم الثَّانِي أَن العَبْد لَو تلف فِي يَد الْمُرْتَهن فَهُوَ غير ضَامِن تمحيصا للرَّهْن فِي حَقه وَالْمُسْتَعِير هَل يضمن
قَالُوا يَنْبَغِي على أَنه عَارِية أَو ضَمَان
فَإِن قُلْنَا ضَمَان لَا يضمن وَهُوَ ضَعِيف بل هُوَ مستعير مَحْض فِي حق الْمُعير فَيَنْبَغِي أَن يضمن
وَلَكِن نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ وَلَو أذن لَهُ فرهنه فجنى فَأشبه

(3/473)


الْأَمريْنِ أَنه لَا يضمن بِخِلَاف الْمُسْتَعِير وَفرع على أَن الْمُسْتَعِير يضمن مَا فَاتَ بِجِنَايَة العَبْد بِنَاء على أحد الرأيين فِي ان الْمُسْتَعِير يضمن ضَمَان الْمَغْصُوب وَهَاهُنَا لم يضمنهُ فَعَن هَذَا اضْطر الْأَصْحَاب إِلَى ذكر قَول فِي أَنه لَيْسَ بعارية وَإِنَّمَا هُوَ ضَمَان
فرع لَو بيع العَبْد فِي الدّين بِإِذن مُجَدد أَو بِأَصْل الرَّهْن يرجع الْمُعير على الْمُسْتَعِير بِقِيمَتِه أَو بِالثّمن فِيهِ خلاف
قَالَ القَاضِي إِذا قُلْنَا (إِنَّه) عَارِية يرجع بِالْقيمَةِ وَهُوَ بعيد فَإِن مَا زَاد على الْقيمَة مُسْتَفَاد فِي مُقَابلَة ملكه فَكيف يسلم للْمُسْتَعِير
الحكم الثَّالِث أَنه هَل يشْتَرط فِي هَذِه الْإِعَارَة معرفَة قدر الدّين وجنسه وحلوله وتأجيله فِيهِ خلاف
يحْتَمل أَن لَا يشْتَرط ذَلِك وَيجْعَل عَارِية فِي هَذَا الحكم وَيحْتَمل أَن يشْتَرط لِأَن الْأَغْرَاض تَتَفَاوَت بِهِ وَيَنْتَهِي إِلَى اللُّزُوم وَبنى الْأَصْحَاب ذَلِك على أَنه عَارِية أَو ضَمَان
فرع إِذا عين الْمُعير شَيْئا من ذَلِك
إِن قُلْنَا إِنَّه لَا يشْتَرط فَلَا يجوز مُخَالفَته إِذا عين إِلَّا فِي النُّقْصَان كَمَا إِذا أذن فِي الرَّهْن بِأَلف فرهن بِخَمْسِمِائَة فَإِنَّهُ زَاد خيرا
وَلَو قَالَ أعرني لأرهن بِأَلف فأعاره هَل يتَقَيَّد بِمَا ذكره الْمُسْتَعِير تَنْزِيلا للإسعاف على تَفْصِيل الالتماس فِيهِ وَجْهَان

(3/474)


الرُّكْن الثَّانِي الْمَرْهُون بِهِ

وَله ثَلَاث شَرَائِط (وَهُوَ) أَن يكون دينا ثَابتا لَازِما
الأول أَن يكون دينا فَلَا يجوز الرَّهْن بِعَين معصوبة وَلَا مستعارة
وَإِن جَوَّزنَا كَفَالَة الْأَعْيَان على الرَّأْي فالرهن وَثِيقَة دين فِي عين وَالضَّمان تَوْثِيق دين بِضَم ذمَّة إِلَى ذمَّة فَلَا يُفَارق الرَّهْن الضَّمَان إِلَّا فِي ضَمَان الْعهْدَة فَإِنَّهُ جَائِز
وَالصَّحِيح أَن الرَّهْن بِهِ غير جَائِز لِأَنَّهُ جوز للْمصْلحَة ترغيبا فِي مُعَاملَة من لَا يعرف حَاله وَلَا ضَرَر على الضَّامِن وَفِي الرَّهْن ضَرَر لَا ينظر لَهُ آخر
وَفِيه وَجه أَنه يجوز كالضمان لِأَنَّهُ إِذا رَضِي بِهِ فقد أضرّ بِنَفسِهِ
الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون الدّين ثَابتا فَلَو قَالَ رهنت مِنْك هَذَا بِأَلف تقرضنيه فَقَالَ ارتهنت ثمَّ أقْرض لم ينْعَقد الرَّهْن بل يجب إِعَادَته
وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ بِأَلف تبيع بِهِ هَذَا الثَّوْب مثلا فثبوت الدّين حَالَة الرَّهْن لَا بُد مِنْهُ
وَقيل إِنَّه لَو جرى الْإِقْرَاض وَالْبيع فِي مجْلِس الرَّهْن صَحَّ وَهُوَ فَاسد
فرع لَو مزجا شقي البيع بشقي الرَّهْن كَمَا إِذا قَالَ بِعْت مِنْك العَبْد بِأَلف وارتهنت مِنْك هَذَا الثَّوْب بِهِ فَقَالَ اشْتريت ورهنت
قَالَ الْأَصْحَاب هَذَا صَحِيح بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ لعَبْدِهِ كاتبتك على ألف

(3/475)


وبعت مِنْك هَذَا الثَّوْب بِدِينَار فَقَالَ قبلت الْكِتَابَة واشتريت فَإِنَّهُ فِيهِ وَجْهَيْن لتقدم شقّ البيع على تَمام الْكِتَابَة
وَالْفرق أَن الرَّهْن من مصَالح البيع وَلذَلِك جَازَ شَرطه فِيهِ مَعَ امْتنَاع شَرط عقد فِي عقد فمزجه بِهِ أكد فَيحْتَمل للْمصْلحَة
وَذكر القَاضِي وَجها مخرجا فِي الرَّهْن من الْكِتَابَة وَالْفرق وَاضح
هَذَا إِذا وَقع الْخَتْم بِأحد شقي الرَّهْن والبداية بِأحد شقي البيع فَإِن وَقع الْخَتْم بِأحد شقي البيع فَلَا يَصح لتقدم تَمام الرَّهْن على صِحَة البيع وَثُبُوت الدّين
الشَّرْط الثَّالِث لُزُوم الدّين والديون منقسمة فَمَا لَا مصير لَهُ إِلَى اللُّزُوم فَلَا رهن بِهِ كنجوم الْكِتَابَة فَإِن للْعَبد أَن يعجز نَفسه مهما شَاءَ
وَمَا وَضعه على اللُّزُوم وَالْجَوَاز فِيهِ طَارِئ يجوز الرَّهْن بِهِ كَالثّمنِ فِي مُدَّة الْخِيَار وَهُوَ تَفْرِيع على قَول زَوَال الْملك وَاسْتِحْقَاق الثّمن
وَمَا وضع على الْجَوَاز وَلَكِن قد يصير إِلَى اللُّزُوم كَالرَّهْنِ بالجعل فِي الْجعَالَة قبل الْعَمَل فِيهِ وَجْهَان

(3/476)


وَلَعَلَّ سَبَب الْمَنْع التَّخْرِيج على الشَّرْط الثَّانِي وَهُوَ أَن سَبَب ثُبُوت الدّين هُوَ الْعَمَل الْمَأْذُون فِيهِ دون مُجَرّد الْإِذْن فَكَأَن سَبَب الثُّبُوت لم يجز بِخِلَاف البيع فِي زمَان الْخِيَار فَإِنَّهُ سَبَب تَامّ على الْجُمْلَة فِي الِاسْتِحْقَاق
فَإِن قيل وَهل يشْتَرط للدّين أَن لَا يكون بِهِ رهن
قُلْنَا لَا بل يجوز أَن يُزَاد فِي الْمَرْهُون وَإِن اتَّحد الدّين لِأَن الدّين غير مَشْغُول بِالرَّهْنِ فَزِيَادَة الْوَثِيقَة فِيهِ معقولة وَهل تجوز الزِّيَادَة فِي الدّين مَعَ اتِّحَاد الْمَرْهُون فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله الْمَنْع لِأَن رهن الْمَرْهُون بَاطِل وَإِلَيْهِ يرجع حَاصِلَة
وَالثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ الصِّحَّة لِأَن الْحق لَا يعدوهما وَلَا مُقَابلَة بَين الْمَرْهُون وَالدّين إِلَّا من جِهَة الْوَثِيقَة وَإِنَّمَا لَا يجوز رَهنه من غير الْمُرْتَهن لحقه وَإِن رَضِي فَمن ضَرُورَة أَن يَجْعَل فسخا لِأَن الْجمع بَين حقيهما غير مُمكن
فرع لَو جنى العَبْد الْمَرْهُون جِنَايَة فَقَالَ الْمُرْتَهن أَنا أفديه ليَكُون مَرْهُونا عِنْدِي بِالْفِدَاءِ وأصل الدّين

(3/477)


فَإِن جَوَّزنَا الزِّيَادَة فِي الدّين فَلَا كَلَام
وَإِن منعنَا فَقَوْلَانِ مفهومان من مَعَاني كَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي أَن المشرف على الزَّوَال كالزائل أم لَا
فَإِن قُلْنَا كالزائل فَهُوَ جَائِز فَكَأَنَّهُ ابْتِدَاء رهن بالدينين جَمِيعًا

(3/478)


الرُّكْن الثَّالِث الصِّيغَة وَشَرطهَا وموجبها

ونريد بالصيغة الْإِيجَاب وَالْقَبُول وَلَا بُد مِنْهُمَا
وَفِيه مسَائِل خَمْسَة
الأولى كل شَرط يُوَافق وضع الرَّهْن كَقَوْلِه بِشَرْط أَن يُبَاع فِي حَقك أَو يقبض أَو (غَرَض) لَا يتَعَلَّق بِالْعقدِ كَقَوْلِه بِشَرْط أَن لَا يَأْكُل إِلَّا الشّعير وَلَا يلبس إِلَّا الْحَرِير فَهُوَ لَغْو لَا يضر اقترانه بالصيغة
وكل شَرط يُنَاقض مُقْتَضَاهُ كَقَوْلِه بِشَرْط أَن لَا أَقبض وَلَا يتَقَدَّم بِهِ على الْغُرَمَاء فَهُوَ مُفسد للرَّهْن
وكل شَرط لَا يُنَاقض وَلَكِن لَا يَقْتَضِيهِ لمُطلق العقد ويرتبط بِهِ غَرَض كَقَوْلِه بِشَرْط أَن تكون الْمَنَافِع أَو النِّتَاج أَو الثِّمَار الْحَاصِلَة من الْمَرْهُون لَك فَفِي فَسَاد الرَّهْن قَولَانِ
وَوجه التَّصْحِيح أَن الشَّرْط لَيْسَ يتَعَرَّض لمقاصد الْمَرْهُون بالتغير بل يزِيد مَالا يَقْتَضِيهِ فيلغى
وَلَا خلاف فِي أَنه لَو بَاعَ بِشَرْط أَن يرْهن بِالثّمن مَا يسلم للْبَائِع مَنَافِعه فَالْبيع فَاسد لِأَن الطمع يتَعَلَّق بالزوائد وَيصير كالجزء من الْعِوَض فَيرجع الْفساد إِلَى

(3/479)


ركن العقد وَأما الرَّهْن فَلَيْسَ بمعاوضة
الثَّانِيَة إِذا قَالَ رهنت الْأَشْجَار بِشَرْط أَن تكون الثِّمَار رهنا إِذا حدد فَفِي صِحَة الشَّرْط قَولَانِ
وَوجه الصِّحَّة أَن الرَّهْن عندنَا لَا يسري لضَعْفه فَإِذا قوي بِالشّرطِ سرى
الثَّالِثَة إِذا قَالَ أقرضتك هَذَا الْألف بِشَرْط أَن ترهن بِهِ وبالألف الْقَدِيم الَّذِي لي عَلَيْك شَيْئا فالقرض فَاسد لِأَنَّهُ جر مَنْفَعَة وَلَكِن إِذا أَخذ ووفى بِالشّرطِ وَرهن بالألفين لم يَصح بِالْألف الَّذِي فسد قرضه لِأَنَّهُ مَا ملكه بعد وَلم يتْلف إِلَّا إِذا أتْلفه فَيكون ذَلِك دينا
وَإِذا لم يَصح بِهِ فَهَل يَصح بِالْألف الْقَدِيم فِيهِ قولا تَفْرِيق الصَّفْقَة
فَإِن صححنا فَلَا يوزع بل يَجْعَل الْكل مَرْهُونا بِهِ بِخِلَاف البيع فَإِن وضع الرَّهْن على أَن كال جُزْء مَرْهُون بِجَمِيعِ الدّين
هَذَا إِذا علم أَن الرَّهْن غير وَاجِب عَلَيْهِ لفساد الشَّرْط فَإِن ظن وُجُوبه لأجل الشَّرْط قَالَ القَاضِي لَا يَصح كَمَا لَو أدّى ألفا على ظن أَنه عَلَيْهِ فَلم يكن فَإِنَّهُ يسْتَردّ لِأَن الرَّهْن تبرع وَهُوَ يظنّ الْآن وُجُوبه
وَقطع الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد وَغَيره بِالصِّحَّةِ لِأَن الْأَدَاء لَا يتَصَوَّر إِلَّا بِوُجُوب سَابق وَلَا وجوب وَالرَّهْن يتَصَوَّر من غير وجوب

(3/480)


ومساق كَلَام القَاضِي يلْزمه أَن يَقُول لَو شَرط بيعا فِي بيع فَبَاعَ وفى بِالشّرطِ على ظن الْوُجُوب يفْسد بَيْعه
وَالشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد يصحح البيع وَلَا ينظر إِلَى اعْتِقَاده
الرَّابِعَة إِذا قَالَ رهنتك هَذِه الخريطة بِمَا فِيهَا وَمَا فِيهَا غير مرئي خرج على بيع الْغَائِب فَإِن أبطل خرج فِي الخريطة على تَفْرِيق الصَّفْقَة فَإِن كَانَت الخريطة لَا يقْصد رَهنه فِي مثل هَذَا الدّين فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا الصِّحَّة لظَاهِر اللَّفْظ
وَالثَّانِي الْمَنْع لفهم الْمَقْصُود
وَلَو قَالَ رهنت الخريطة وَلم يتَعَرَّض لما فِيهَا وَكَانَت الخريطة لَا تقصد فَهَل تجْعَل عبارَة عَمَّا فِي الخريطة مجَازًا بِقَرِينَة الْحَال يخرج على هذَيْن الْوَجْهَيْنِ
الْخَامِسَة هَل ينْدَرج الأس والمغرس تَحت اسْم الشَّجَرَة والجدار فِي الرَّهْن
فِيهِ خلاف مُرَتّب على البيع وَأولى بِأَن لَا ينْدَرج لضعف الرَّهْن
وَفِي الثِّمَار غير المؤبرة وَجْهَان بِخِلَاف ضعف الرَّهْن

(3/481)


وَكَذَا فِي الْجَنِين خلاف وَأولى بِأَن يدرج من الثِّمَار لِأَن الثِّمَار قد تفرد بِالِاسْتِثْنَاءِ والتصرفات
وَاللَّبن فِي الضَّرع مِنْهُم من ألحقهُ بالجنين وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا ينْدَرج لتحَقّق وجوده فَهُوَ كالثمار المؤبرة
والأوراق من التوت كالثمار المؤبرة وَمن غَيره ينْدَرج
وَفِي الصُّوف على ظهر الْحَيَوَان ثَلَاثَة أوجه من حَيْثُ إِنَّه يضاهي الثِّمَار المؤبرة من وَجه والأغصان من وَجه وَفِي الثَّالِث يفرق بَين مَا استجز وَبَين الْقصير الَّذِي لَا يعْتَاد جزه
وأغصان الْخلاف كالصوف المستجز وأغصان سَائِر الْأَشْجَار ينْدَرج

(3/482)


الرُّكْن الرَّابِع الْعَاقِد

وَيعْتَبر فِيهِ مَا يعْتَبر فِي البيع وَزِيَادَة أَمر وَهُوَ أَن يكون من أهل التَّبَرُّع بالمرهون لِأَن الرَّهْن تبرع فَلَا يجوز لوَلِيّ الطِّفْل وللمكاتب والمأذون فِي التِّجَارَة على كل حَال بل لَا بُد من تَفْصِيل
أما ولي الطِّفْل فالنظر فِي رَهنه وارتهانه
أما ارتهانه فَيجوز عِنْد الْعَجز عَن اسْتِيفَاء الدّين وَلَا يجوز مَعَ الْقُدْرَة وَيجوز عِنْد تَأْجِيل الدّين ويتأجل دينه بِالْبيعِ بِالنَّسِيئَةِ وَله ذَلِك إِذا ظَهرت فِيهِ الْغِبْطَة وَلَكِن بِشَرْط الارتهان حَتَّى قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَو بَاعَ مَا يُسَاوِي مائَة بِمِائَة نَقْدا وَعشْرين نَسِيئَة لم يجز الإ بِشَرْط الارتهان بالعشرين
وَهُوَ سرف بل الْوَجْه جَوَازه دون الرَّهْن إِذا كَانَ يَثِق بِذِمَّة من عَلَيْهِ الدّين فَلَا يزِيد ذَلِك على إيضاعه مَال الْيَتِيم للتِّجَارَة وَهُوَ جَائِز لأجل الزِّيَادَة بِخِلَاف الْإِقْرَاض فَإِنَّهُ يحرم فِيهِ الزِّيَادَة فَلَا يجوز إِلَّا فِي زمَان نهب وغارة
أما رهن مَاله فَلَا يجوز إِلَّا بغبطة ظَاهِرَة كَمَا إِذا بيع مِنْهُ مَا يُسَاوِي أَلفَيْنِ

(3/483)


بِأَلف وَأخذ مِنْهُ رهن يُسَاوِي ألفا لِأَن أقْصَى مَا فِي الْبَاب أَن يتْلف الْمَرْهُون أَمَانَة فَيكون قد حصل على أَلفَيْنِ فِي مُقَابلَة أَلفَيْنِ
فَإِن زَاد قيمَة الْمَرْهُون وَجُمْلَة الثّمن على المُشْتَرِي لم يجز لانه حجر ناجز فِي أَلفَيْنِ من غير حُصُول على أَلفَيْنِ
قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد لَو رهن عقارا وَكَانَ فِي الشِّرَاء غِبْطَة جَازَ إِذْ لَا يخَاف فَوت الْعقار وَالْمَنْفَعَة لَهُ
وَبيع عقار الطِّفْل لَا يجوز إِلَّا لحَاجَة حَتَّى نفك الْحجر عَنهُ
وَيجوز الرَّهْن أَيْضا لحَاجَة فاقة كَمَا إِذا افْتقر الصَّبِي إِلَى طَعَام وَله عقار يتَوَقَّع من ريعه مَا يَفِي بِثمن الطَّعَام فَلهُ أَن يَشْتَرِي ويرهن
وَحكم الْمكَاتب حكم ولي الطِّفْل وَحكم الْمَأْذُون مُرَتّب على الْمكَاتب وَأولى بِالْمَنْعِ لِأَن الرَّهْن قد لَا يتَنَاوَلهُ اسْم التِّجَارَة وَلذَلِك لَا يقدر على إِجَارَة نَفسه

(3/484)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الْقَبْض والطوارئ قبله وَفِيه قِسْمَانِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الْقسم الأول فِي الْقَبْض

وَهُوَ ركن فِي الرَّهْن لَا يلْزم إِلَّا بِهِ خلافًا لمَالِك رَحمَه الله فَإِنَّهُ قَالَ يلْزم بِنَفسِهِ وطرد ذَلِك فِي الْهِبَة والإعارة وكل تبرع
ثمَّ يشْتَرط لصِحَّة الْقَبْض من التَّكْلِيف والأهلية مَا يشْتَرط للْعقد وَالْيَد مُسْتَحقَّة للْمُرْتَهن

(3/485)


وَلَو أناب فِيهِ نَائِبا جَازَ وَلَا يجوز أَن ينيب الرَّاهِن وَلَا عَبده الْقِنّ وَلَا مستولدته لآن يدهم يَد الرَّاهِن وَيجوز أَن ينيب مكَاتبه
وَفِي عَبده الْمَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة ثلَاثه أوجه يفرق فِي الثَّالِث بَين أَن تركبه الدُّيُون فتنقطع سلطته السَّيِّد عَمَّا فِي يَده ويضاهي الْمكَاتب وَبَين أَن لَا تركبه الدُّيُون
وَالنَّظَر الْآن فِي صوره الْقَبْض وَهُوَ التخليه فِي الْعقار وَالنَّقْل فِي الْمَنْقُول
وَفِي الِاكْتِفَاء فِي الْمَنْقُول فِي التخليه خلاف كَمَا فِي البيع وَقطع القَاضِي بِالْفرقِ لِأَن البيع يُوجب اسْتِحْقَاق الْقَبْض فَيَكْفِي التَّمْكِين فِيهِ وَهَاهُنَا لَا اسْتِحْقَاق بل الْقَبْض سَبَب الِاسْتِحْقَاق فَلَا وَقع لمُجَرّد التَّمْكِين
أما إِذا رهن الْمُودع من الْمُودع الْوَدِيعَة فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَا يلْزم بِمُجَرَّد قَوْله رهنت بل لابد من إِذن جَدِيد فِي الْقَبْض وَنَصّ فِي الْهِبَة على خِلَافه
فَقَالَ الْأَصْحَاب قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَمن قرر النصين فرق بالضعف وَالْقُوَّة
وتوجيه الْقَوْلَيْنِ من قَالَ يَكْتَفِي بِهِ جعل قَوْله رهنت بِقَرِينَة الْحَال رضَا بِالْقَبْضِ وَمن لم يكتف بِهِ نظر إِلَى مُجَرّد الصِّيغَة وَهِي لَا تدل على الْقَبْض

(3/486)


وَلذَلِك لَا يجوز للْمُرْتَهن أَخذ الْمَرْهُون إِذا لم يكن فِي يَده إِلَّا بِإِذن جَدِيد ثمَّ سَوَاء قُلْنَا لَا يفْتَقر إِلَى إِذن جَدِيد أَو قُلْنَا يفْتَقر فَإِذا فَلَا بُد من مُضِيّ مُدَّة يتَصَوَّر تَحْقِيق صُورَة الْقَبْض فِيهَا حَتَّى يلْزم
فَهَل يشْتَرط الرُّجُوع إِلَى بَيِّنَة ومشاهدة الْمَرْهُون فِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه لَا بُد مِنْهُ ليتَحَقَّق التَّمَكُّن يكون كَالْقَبْضِ لنَفسِهِ وَهُوَ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذْ قَالَ وَلَو كَانَ فِي الْمَسْجِد والوديعة فِي بَيته لم يكن قبضا حَتَّى يصير إِلَى منزله
وَالثَّانِي أَنه لَا يشْتَرط الرُّجُوع إِذْ لَا فَائِدَة للرُّجُوع
وَالثَّالِث أَنه إِن استيقن وجوده أَو غلب على ظَنّه فَلَا فَائِدَة فِي الرُّجُوع وَإِلَّا فَيرجع ليتيقن وجوده
فَإِن قُلْنَا يشْتَرط الرُّجُوع فَفِي اشْتِرَاط نَقله من مَكَان إِلَى مَكَان وَجْهَان وَاشْتِرَاط النَّقْل هُوَ الْغَايَة فَلَا ذَاهِب إِلَى أَنه يجب رده على الرَّاهِن واسترداده بعد ذَلِك
وروى الْعِرَاقِيُّونَ عَن حَرْمَلَة أَنا إِذا لم يشْتَرط إِذْنا جَدِيدا فَلَا يشْتَرط أَيْضا

(3/487)


مُضِيّ الزَّمَان وَهُوَ مُحْتَمل لكنه بعيد من الْمَذْهَب
ثمَّ إِن شرطنا شَيْئا سوى مُضِيّ الزَّمَان فَهَل تجوز الِاسْتِنَابَة فِيهِ فعلى وَجْهَيْن
وَوجه الْمَنْع أَنه إِنَّمَا يصير قَابِضا بِالضَّمِّ إِلَى مَا سبق من النَّقْل فَلَا يقبل التَّعَدُّد
وَالأَصَح أَن البيع من الْمُودع مسلط على التَّصَرُّف وناقل للضَّمَان دون إِذن جَدِيد بِخِلَاف الرَّهْن فَإِنَّهُ مُحَصل للْملك وَهُوَ فِي يَده
وَفِيه وَجه أَنه كَالرَّهْنِ
وَالأَصَح أَن الرَّهْن من الْغَاصِب كَالرَّهْنِ من الْمُودع
وَفِيه وَجه أَنه لَا بُد من إِذن جَدِيد قطعا إِذْ لم يسْبق هَاهُنَا إِذن حَتَّى ينْصَرف الْآن إِلَى جِهَة الرَّهْن
فَإِن قيل فَهَل يبرأ الْغَاصِب عَن ضَمَان الْغَصْب بِالرَّهْنِ
قُلْنَا عندنَا لَا يبرأ خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَن يَد الْغَاصِب لم تَنْقَطِع فَلَا يَنْقَطِع حكمه بِخِلَاف مَا إِذا أودع عِنْد الْغَاصِب فَإِن الطَّاهِر

(3/488)


يَنْقَطِع لِأَنَّهُ عَاد إِلَى الْمَالِك حكما إِذْ يَده يَد الْمُودع وَيَد الْمُرْتَهن لنَفسِهِ
وَلَو آجره فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ مردد بَين أَن نجْعَل للآجر لما فِيهِ من تَقْرِير أجرته أَو للْمُسْتَأْجر للِانْتِفَاع
وَفِي الْوكَالَة بِالْبيعِ وَجْهَان مرتبان على الْإِجَارَة وَأولى بِأَن لَا يبرأ لِأَنَّهُ كالمستأجر فِيهِ إِلَّا أَن غَرَض الْمَالِك هَاهُنَا فِي الْيَد أظهر
وَلَو رهن من الْمُسْتَعِير فَفِي بَرَاءَته عَن ضَمَان الْعَارِية وَجْهَان مبنيان على أَنه هَل يضمن ضَمَان الْمَغْصُوب
وَلَو أَبْرَأ الْغَاصِب صَرِيحًا عَن الضَّمَان مَعَ بَقَاء الْيَد فَفِي الْبَرَاءَة وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه إِبْرَاء عَمَّا لم يتم سَبَب وُجُوبه إِذْ تَمام الْوُجُوب بالتلف
ثمَّ إِذا قُلْنَا لَا يبرأ الْغَاصِب فَلهُ أَن يرد على الرَّاهِن وَيسْتَرد وَيجْبر الرَّاهِن على الْأَخْذ وَالرَّدّ بعد لُزُوم الرَّهْن

(3/489)


الْقسم الثَّانِي من الْبَاب الْكَلَام فِي الطوارئ قبل الْقَبْض

وَالنَّظَر فِي تَصَرُّفَات الرَّاهِن وأحوال الْعَاقِد وأحوال الْمَعْقُود عَلَيْهِ
أما التَّصَرُّفَات فَكل مَا يزِيل الْملك فَهُوَ رُجُوع عَن الرَّهْن لِأَنَّهُ جَائِز وَهُوَ ضِدّه وَمَا لَا يزِيل الْملك كالتزويج لَيْسَ بِرُجُوع إِذْ لَا مضادة وَالْإِجَارَة رُجُوع عَن الرَّهْن إِن قُلْنَا يمْنَع البيع وَإِلَّا فَالظَّاهِر أَنه لَيْسَ بِرُجُوع كالتزويج
وَالتَّدْبِير بِحكم نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه رُجُوع إِذْ جعله مَانِعا من الرَّهْن كَمَا سبق
وعَلى تَخْرِيج الرّبيع لَيْسَ بِرُجُوع وَهُوَ الْقيَاس
أما أَحْوَال الْعَاقِدين فموت الرَّاهِن نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه سَبَب للْفَسْخ وَنَصّ فِي موت الْمُرْتَهن على أَنه يسلم إِلَى الْوَرَثَة فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج

(3/490)


وَوجه التَّرَدُّد متشابهته للجعالة وَالْوكَالَة وَهِي تَنْفَسِخ بِالْمَوْتِ وللبيع الْجَائِز فَإِن مصيره إِلَيّ اللُّزُوم وَهُوَ لَا يَنْفَسِخ
وَمن قرر النصين فرقة من حُقُوق الْغُرَمَاء وَالْوَرَثَة يتَعَلَّق بالمرهون عِنْد موت الرَّاهِن فَإِن مصيره إِلَى اللُّزُوم وَهُوَ لَا يَنْفَسِخ
وَمن قرر فرق من حُقُوق الْغُرَمَاء وَالْوَرَثَة يتَعَلَّق بالمرهون عِنْد موت الرَّاهِن وعماد الرَّهْن من جَانب الْمُرْتَهن الدّين واستحقاقه لَا يتأثر مَوته
وَفِي جُنُون الْعَاقِدين خلاف مُرَتّب على الْمَوْت وَفِي السَّفه خلاف مُرَتّب على الْجُنُون وَأولى بِأَن لَا يَنْفَسِخ فَإِن عدم الْعقل دون عدم الرّوح
أما الْأَحْوَال الْمَعْقُود عَلَيْهِ فَفِي انْفِسَاخ الرَّهْن بإنقلاب الْعصير خمرًا وَجْهَان وَفِي جِنَايَة العَبْد وإباقه وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن لَا يَنْفَسِخ وَهُوَ قريب من الْخلاف فِي الْجُنُون
وأنقلاب الْعصير خمرًا أولى بِالْفَسْخِ لِأَنَّهُ يُنَافِي الْمَالِيَّة وَلذَلِك يَزُول الرَّهْن بعد الْقَبْض بِهِ وَلَكِن إِذا عَاد خلا عَاد وَثِيقَة الرَّهْن بِسَبَب اخْتِصَاص الْيَد كَمَا عَاد ملك الْمَالِك بِسَبَب الِاخْتِصَاص بِالْعينِ
وَيُمكن أَن يُقَال كَانَ الرَّهْن مَوْقُوفا كَمَا نقُول فِي وقف النِّكَاح على انْقِضَاء الْعدة فِي ردة الْمَنْكُوحَة ومصير الْعصير خمرًا فِي البيع قبل الْقَبْض كَهُوَ فِي الرَّهْن بعد الْقَبْض
التَّفْرِيع إِذا قُلْنَا لَا يَنْفَسِخ بِهِ قبل الْقَبْض بل إِذا عَاد خلا عَاد الرَّهْن كَمَا

(3/491)


بعد الْقَبْض فَلَو أَقبض وَهُوَ خمرًا فالقبض فَاسد فَلَو صَار خلا أمْسكهُ لنَفسك لم يكف وَلَو قَالَ أقبضهُ لنَفسك فَيكون هُوَ الْقَابِض والمقبض وَفِي مثله خلاف فِي البيع هَكَذَا قَالَه الْأَصْحَاب
قَالَ صَاحب التَّقْرِيب أَبُو الْقَاسِم بن قَاسم الْقفال الشَّاشِي يَنْبَغِي أَن يكون هَذَا كإذن الْمُودع بعد الرَّهْن مِنْهُ إِذْ لَا فرق بَينهمَا
فَإِن قيل وَهل يجوز السَّعْي فِي التَّخْلِيل
قُلْنَا التَّخْلِيل حرَام عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لحَدِيث أبي طَلْحَة ثمَّ الْخمر إِن لم يكن مُحْتَرما وَهُوَ مَا أعتصر لأجل الخمريه فَإِن خلل بالقاء ملح

(3/492)


فَهُوَ تجس لعلتين إِحْدَاهمَا تَحْرِيم الْخَلِيل
وَالْأُخْرَى ثُبُوت حكم النَّجَاسَة للمتحلل وَذَلِكَ لَا يَزُول إِلَّا بِالْمَاءِ تعبدا بِخِلَاف أجراء الدن فَإِن فِيهِ ضَرُورَة
فَإِن خلل بِالنَّقْلِ من ظلّ إِلَى شمس فَوَجْهَانِ بِنَاء على العلتين وَإِن لم يجر إِلَّا مُجَرّد قصد الْإِمْسَاك ليتخلل فَالظَّاهِر أَنه طَاهِر وَفِيه وَجه فَإِن أعتصره للخمريه فَصَارَ خلا من غير قصد فَهُوَ طَاهِر إِذْ لَا قصد وَلَا فعل وَإِن كَانَت الْخمْرَة محترمه وَفِي الَّتِي أعتصرت للخل فَهُوَ طَاهِر فِي جَمِيع الصُّور إِلَّا إِذا القي فِيهِ ملح فَإِن نقل من الظل إِلَى الشَّمْس فَالظَّاهِر طَهَارَته

(3/493)


فَإِن قيل فالعناقيد إِذا استحالت بواطنها وأشتدت مَا حكمهَا
قُلْنَا بواطئها نَجِسَة وَفِي جَوَاز بيعهَا وَجْهَان يجريان فِي الْبَيْضَة المذرة
وَوجه التَّصْحِيح الِاعْتِمَاد فِي الْحَال على طَهَارَة الظَّاهِر وَفَائِدَته المنتظرة عِنْد التخلل والتفرخ

(3/494)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي حكم الرهون بعد الْقَبْض فِي حق الْمُرْتَهن والراهن

فَهَذَا يَبْنِي على فهم حَقِيقَة الرَّهْن وَحَقِيقَته إِثْبَات الْوَثِيقَة لدين الْمُرْتَهن فِي الْعين حَتَّى يثبت عَلَيْهِ الْيَد وَيخْتَص بِهِ فَيقدم على الغرباء عِنْد الزحمة وبأمن فَوَات الدّين بالإفلاس
فيتضمن الرَّهْن تَجْدِيد سلطنة للْمُرْتَهن لم تكن وَقطع سلطنة للرَّاهِن كَانَت فالنظر يتَعَلَّق بِمَا انْقَطع من الرَّاهِن وَمَا تجدّد للْمُرْتَهن وَبَيَان مَحل الْوَثِيقَة وغايتها الَّتِى عِنْدهَا يَنْقَطِع فَهِيَ أَرْبَعَة أَطْرَاف

(3/495)


الطّرف الأول فِيمَا حجر على الْمَالِك فِيهِ
وَهُوَ كل مَا يفوت وَثِيقَة الْمُرْتَهن أَو بَعْضهَا أَو ينقصها وَتصرف الرَّاهِن من ثَلَاثَة أوجه
الأول التَّصَرُّف القولي

فَكل مَا ينْقل الْملك الى غَيره كَالْبيع وَالْهِبَة اَوْ ينقص الْملك كالتزويج والاجارة إِذْ يقلل الرَّغْبَة فِي الْحَال أَو يزحم الْمُرْتَهن كَالرَّهْنِ من غَيره هـ فَهُوَ مَمْنُوع وَلَا منع من إِجَارَة تَنْقَضِي مدَّتهَا قبل حُلُول الدّين
أما مَا يسْقط الْملك كالإعتاق فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا انه لَا ينفذ فانه يفوت الْوَثِيقَة من الْعين كَالْبيع
وَالثَّانِي ينفذ وَيغرم فانه يسري الى ملك الشَّرِيك وَحقّ الْمُرْتَهن لايزيد عَلَيْهِ
وَالثَّالِث أَنه أَن كَانَ مُوسِرًا نفذ وَغرم وَإِلَّا فَلَا فانه إِذا لم يُمكن تغريمه يبْق الْعتْق فِي الْمُرْتَهن تفويتا مَحْضا
أما إِذا رهن نصف العَبْد فَالصَّحِيح آن أعتاقه فِي النّصْف المستبقى إِذا نفذ سرى الى الْمَرْهُون مهما كَانَ مُوسِرًا ألانه فِي معنى صُورَة السَّرَايَة إِلَى ملك الْغَيْر لوُجُوده محلا فَارغًا فِي الِابْتِدَاء بل أولى مِنْهُ

(3/496)


التَّفْرِيع إِن قُلْنَا ينفذ وَيغرم فَفِي وَقت نُفُوذ الْعتْق طَرِيقَانِ
أَحدهمَا أَنه ينفذ فِي الْحَال لِأَنَّهُ صَادف ملكه
وَالثَّانِي أَنه يخرج على الْأَقْوَال فِي ملك الشَّرِيك فعلى قَول متنجز وعَلى آخر يتَوَقَّف على بذل الْبَدَل وعَلى الثَّالِث على بذل الْبَدَل يتَبَيَّن حُصُوله من وَقت الانشاء
وَإِن وَإِن قُلْنَا لَا ينفذ الْعتْق فَفِي نُفُوذه عِنْد فك الرَّهْن وَجْهَان
أَحدهمَا بلَى إِذْ صَادف ملكه وأندفع لمَانع وألان فقد أرتفع
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بمعلق وَلم يتنجر فَلَا يعود بعد اندفاعه
وَلَا خلاف فِي أَنه لَو بيع فِي حق الْمُرْتَهن وَعَاد إِلَيْهِ يَوْمًا من الدَّهْر لَا ينفذ أما تَعْلِيق الْعتْق فِي الْمَرْهُون إِن أتصل بِالصّفةِ قبل فك الرَّهْن فَحكمه حكم الْعتْق وَإِن وجد الصّفة بعده فَالْأَصَحّ النّفُوذ
وَفِيه وَجه أَنه لَا ينْعَقد التَّعْلِيق فِي حَاله لَا يملك التنجير فِيهَا وَهُوَ ملتف تَعْلِيق الطَّلقَة الثَّالِثَة فِي حق العَبْد
الْوَجْه الثَّانِي لتصرفه الْوَطْء
وَهُوَ مَمْنُوع لِأَنَّهُ يعرض الْملك لنُقْصَان الْولادَة

(3/497)


وَفِي الصَّغِيرَة والآيسة وَجه وَالأَصَح حسم الْبَاب فَإِن أقدم فَلَا حدو لَا مهر وَالْولد حر نسيب لَهُ
وَفِي الِاسْتِيلَاد خلاف مُرَتّب على الْعتْق وَأولى بالحصول لِأَنَّهُ من جملَة الْأَفْعَال فَإِن حكمنَا بِهِ وَجب عَلَيْهِ قيمتهَا يَوْم الاحبال فيجعلها رهنا بدلهَا
وَإِن قُلْنَا لَا يحصل فَإِن بِيعَتْ وَفِي بَطنهَا الْوَلَد الْحر صَحَّ وَفِيه وَجه أَنه يبطل وَيجْعَل ذَلِك كاستثناء الْحمل وَإِن أَنْفك الرَّهْن فَالْأَصَحّ هَاهُنَا عود الِاسْتِيلَاد وَإِن مَاتَت من طلق هَذَا الِاسْتِيلَاد فَعَلَيهِ الْقيمَة لِأَنَّهُ الْمُتْلف بِوَطْئِهِ وَكَذَلِكَ إِذا وطئ أمه بِالشُّبْهَةِ الْغَيْر فَمَاتَتْ فِي الطلق
وَفِيه وَجه آخر ذكره الفوراني أَنه لَا يجب إِذْ يبعد إِحَالَة الْهَلَاك على الْوَطْء مَعَ تخَلّل أَسبَاب حبلية
وَلَو مَاتَت زَوجته من الطلق فَلَا ضَمَان قطعا لِأَنَّهُ تولد من مُسْتَحقّ وَفِي الْحرَّة

(3/498)


الْمَوْطُوءَة بِالشُّبْهَةِ وَجْهَان
وَوجه الْفرق أَن الْحِوَالَة عَلَيْهَا مُمكن فَإِنَّهَا صَاحِبَة الْحق وَالْيَد لَهَا فِي نَفسهَا بِخِلَاف الْأمة وَكَذَلِكَ فِي الزِّنَا فَإِن كَانَ مَعَ استكراه فَلَا يُمكن الْحِوَالَة عَلَيْهَا لأَنا لَا نَعْرِف كَون الْوَلَد مِنْهُ وَالشَّرْع منع النّسَب
فَإِن أقرّ بإنه من إحباله فَفِي كَلَام الْأَصْحَاب مَا يدل على أَنه لَا يجب أَيْضا فَإِن السَّبَب ضَعِيف وَكَأَنَّهُ فِي الْأمة حصل مثل إِثْبَات الْيَد عَلَيْهَا بِاسْتِعْمَال رَحمهَا فِي تربية الْوَلَد فَكَانَ كالهلاكه تَحت الْيَد
التَّفْرِيع إِذا أَوجَبْنَا الْقيمَة فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه بِاعْتِبَار أقْصَى الْقيم من يَوْم الاحبال الى يَوْم الْمَوْت وَكَأن الاحبال غصب وأستيلاد
وَالثَّانِي بِاعْتِبَار يَوْم الْمَوْت
وَالثَّالِث بِاعْتِبَار يَوْم الاحبال

الْوَجْه الثَّالِث الِانْتِفَاع

وَهُوَ جَائِز عندنَا للرَّاهِن فِي الدَّار المرهونه بِالسُّكُونِ وَفِي العَبْد

(3/499)


المحترف بالاستكساب وَفِي الْفَحْل بإنزائه على الْإِنَاث إِن لم ينقص من قِيمَته وَكَذَا الإنزاء على الْأُنْثَى إِن لم ينقص الإحبال من قيمتهَا
أما الْغِرَاس فِي الأَرْض فَمَمْنُوع لِأَنَّهُ يقلل الرَّغْبَة فِي الأَرْض إِذا بِيعَتْ دون الْغِرَاس
وَذكر الرّبيع فِي الدّين الْمُؤَجل وَجها أَنه لَا يمْنَع من الْغِرَاس فَرُبمَا تفي الأَرْض بِجَمِيعِ الدّين أَو توفى الزِّيَادَة من مَوضِع آخر فَإِن لم يكن قلع عِنْد البيع أما فِي الْحَال فَلَا منع وَهُوَ منقاس
التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يمْنَع فَلَو غرس قلع وَلَو حمل السَّيْل النَّوَى فأنبت لَا يقْلع فِي الْحَال وَلَكِن عِنْد البيع يقْلع إِن لم يتَعَلَّق حق الْغُرَمَاء بِهِ بِالْحجرِ عَلَيْهِ بالفلس فَإِن تعلق لم يقْلع وَكَذَلِكَ على مَذْهَب الرّبيع إِذا جوز الْغِرَاس بل يُبَاع الْكل ويوزع الثّمن وَفِي كَيْفيَّة التَّوْزِيع كَلَام سبق فِي التَّفْرِيق بَين الْوَلَد وَالأُم فِي الرَّهْن
فرع لَيْسَ للرَّاهِن المسافرة بِالْعَبدِ الْمَرْهُون أصلا لِأَنَّهُ حيلولة عَظِيمَة وَالْيَد مُسْتَحقَّة للْمُرْتَهن فَلَا تزَال إِلَّا لضَرُورَة والضرورة فِي الِانْتِفَاع لَا فِي السّفر
وَكَذَلِكَ لَا يُسَافر زوج الْأمة بهَا ويسافر بهَا سَيِّدهَا تَقْدِيمًا لحقه وترغيبا لَهُ فِي تَزْوِيجهَا ويسافر الزَّوْج بِزَوْجَتِهِ الْحرَّة لِأَن مَقْصُود النِّكَاح أغلب وَهُوَ صَاحبه وَهِي صَاحِبَة الْحق والحظ فِي النِّكَاح

(3/500)


وَكَذَلِكَ لَو أمكن استسكاب العَبْد فِي يَد الْمُرْتَهن لم ينتزع من يَده فَإِن لم يحسن إِلَّا الْخدمَة انتزع من يَده نَهَارا ورد لَيْلًا وللمرتهن أَن يكلفه الْإِشْهَاد عِنْد الانتزاع فِي كل يَوْم وَهل لَهُ أَن يُكَلف الرَّاهِن ذَلِك وَهُوَ مَشْهُور الْعَدَالَة فِيهِ وَجْهَان فَإِن قيل مَا منعتموه من التَّصَرُّفَات لَو أذن فِيهِ الْمُرْتَهن
قُلْنَا لايمتنع مِنْهُ بِإِذْنِهِ فَالْحق لَا يعدوهما ثمَّ مَا من ضَرُورَته فسخ الرَّهْن كالإعتاق وَالْهِبَة يرفع الرَّهْن وَلَا قيمَة عَلَيْهِ إِذا أعتق بِإِذْنِهِ وَله أَن يرجع عَن الْإِذْن قبل وُقُوع التَّصَرُّف فَإِذا أذن فِي الْهِبَة فَلهُ الرُّجُوع قبل الْقَبْض إِذْ بِهِ يتم الْمَأْذُون فِيهِ
وَفِي الرُّجُوع عَن الْإِذْن فِي البيع فِي مُدَّة الْخِيَار وَجْهَان فَإِن قيل هَل يتَعَلَّق حَقه بِالثّمن إِذا أذن فِي البيع فِي مُدَّة الْخِيَار قُلْنَا إِن كَانَ بعد حُلُول الدّين وَأذن لأجل قَضَاء حَقه فَلَا شكّ وَإِن كَانَ قبله

(3/501)


فَإِن أطلق لم يكن الثّمن عندنَا رهنا خلافًا لأبي حنيفَة رَحْمَة الله عَلَيْهِ
فَإِن قَالَ بِشَرْط أَن يَجْعَل الثّمن رهنا فَفِي ذَلِك قَولَانِ مأخذه جَوَاز نقل الْوَثِيقَة إِلَى عين أُخْرَى
وَإِن قَالَ بِشَرْط أَن يعجل حَقي من الثّمن فَالشَّرْط فَاسد وَكَذَا الْإِذْن لِأَنَّهُ مَا رَضِي بِالْبيعِ إِلَّا بعوض وَهُوَ التَّعْجِيل وَلم يسلم الْعِوَض بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ للْوَكِيل بِعْ وَلَك من الثّمن عشرَة أُجْرَة فَإِنَّهُ لم يفْسد الْإِذْن وَفَسَد الشَّرْط لِأَنَّهُ لم يُقَابل الْعِوَض بِالْإِذْنِ بل قابله بِالْعَمَلِ فَعِنْدَ الْفساد يرجع إِلَى أُجْرَة الْمثل
فَإِن قيل فَمن مَاتَ وَعَلِيهِ دين فتعلقت الدُّيُون بِتركَتِهِ فَمَا قَوْلكُم فِي تصرف الْوَرَثَة فِيهَا بِالْبيعِ

(3/502)


قُلْنَا فِيهِ طَرِيقَانِ
مِنْهُم من خرج على قولي العَبْد الْجَانِي لِأَنَّهُ ثَبت شرعا لَا اخْتِيَارا بِخِلَاف الرَّهْن
وَمِنْهُم من قطع بِالْمَنْعِ نظرا للْمَيت ومبادرة إِلَى تبرئة ذمَّته
ثمَّ اخْتلفُوا فِي أَن قَول الْمَنْع هَل يطرد فِي الدّين إِذا لم يسْتَغْرق
وَمن لم يطرد علل بِأَن أَكثر التركات لَا تَخْلُو عَن دين مَا فيبعد الْحجر بِسَبَب دِرْهَم فِي مَال كثير
فَإِن قيل فَلَو ظهر دين برد عوض بِالْعَيْبِ وتوجهت الْمُطَالبَة بِالثّمن بعد أَن بَاعَ الْوَرَثَة التَّرِكَة
قُلْنَا إِن فرعنا على الْمَنْع من البيع فَفِي تتبعه بِالنَّقْضِ وَجْهَان من حَيْثُ إِن الدّين متراخ وَسَببه مُتَقَدم وَكَذَلِكَ لَو كَانَ حفر بِئْرا فتردى فِيهِ بعد مَوته إِنْسَان وَهَاهُنَا أولى بِأَن لَا يسند إِذْ الْحفر لَيْسَ سَببا للهلاك بِمُجَرَّدِهِ
فَإِن قُلْنَا لَا يتبع بِالنَّقْضِ فَإِن وفوا بِالدّينِ فَذَاك وَإِلَّا فَالْأَصَحّ أَنه الْآن

(3/503)


يفْسخ إِذْ لَا دين عَلَيْهِم حَتَّى يطالبوا
وَفِيه وَجه أَن مَا مضى وَتعلق بِهِ حق المُشْتَرِي لَا يفْسخ فكأنهم قد فوتوا التَّرِكَة فَعَلَيْهِم الضَّمَان

(3/504)


الطّرف الثَّانِي فِي بَيَان جَانب الْمُرْتَهن

وَقد تحدد لَهُ اسْتِحْقَاق الْيَد فِي الْحَال وَاسْتِحْقَاق البيع فِي تأني الْحَال
وَلأَجل اسْتِحْقَاق الْيَد وَجب على الرَّاهِن التعهد والمؤنة لبَقَائه فِي يَده وَلَا يجب على الْمُرْتَهن الضَّمَان بِحكم هَذِه الْيَد وَلَا يملك الِانْتِفَاع والاستمتاع
فَهَذِهِ خَمْسَة أُمُور فِي جَانِبه لَا بُد من مَعْرفَتهَا الأول اسْتِحْقَاق الْيَد فِي الْحَال
وَهُوَ ثَابت بِمُطلق الرَّهْن عِنْد اللُّزُوم بِالْقَبْضِ وَلذَلِك يرد لَيْلًا إِلَيْهِ عِنْد الِانْتِفَاع نَهَارا وَلَا تزَال يَده إِلَّا خوفًا من فَوَات مَنْفَعَة مَقْصُودَة فَتقدم الْمَنْفَعَة الْمَقْصُودَة على الْيَد التابعة للحق لِأَنَّهَا لَا تطلب إِلَّا لحفظ مَحل الْحق
وَلَو شَرط التَّعْدِيل على يَد ثَالِث جَازَ وَيكون الْعدْل نَائِبا عَن الْمُرْتَهن لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ الْيَد وَلذَلِك لَا يجوز شَرط التَّعْدِيل على يَد الْمَالِك لِأَن يَده لَا تصلح للنيابة عَن غَيره وَهُوَ مُسْتَقل بِالْملكِ
وللراهن أَيْضا حَظّ فِي يَد الْعدْل فَإِنَّهُ رُبمَا لَا يَثِق بيد الْمُرْتَهن فَلهَذَا لَا يجوز للعدل أَن يسلم إِلَى أَحدهمَا دون إِذن صَاحبه وَلَا أَن يسلم إِلَى ثَالِث دون إذنهما فَإِن فعل ضمن ثمَّ إِن سلم إِلَى الْمُرْتَهن ضمن للرَّاهِن والقرار على الْمُرْتَهن مهما تلف فِي يَده
وَإِن سلم إِلَى الرَّاهِن ضمن للْمُرْتَهن الْقيمَة لتَكون عِنْده رهنا فَإِذا قضي الدّين ردَّتْ إِلَيْهِ الْقيمَة وَله أَن يُكَلف الرَّاهِن الْقَضَاء لفك ملكه كَمَا فِي الْمُعير لأجل الرَّهْن
فرع لَو تغير حَال الْعدْل بِفِسْقِهِ أَو جِنَايَته على العَبْد قصدا أَو بِزِيَادَة فسق على مَا عهد من قبل فَلِكُل وَاحِد طلب إِزَالَة يَده إِلَى عدل آخر

(3/505)


الْأَمر الثَّانِي اسْتِحْقَاق البيع
وَهُوَ ثَابت عِنْد حُلُول الدّين إِن لم يوف الرَّاهِن الدّين من مَوضِع آخر وَلَكِن لَا يسْتَقلّ بِهِ الْمُرْتَهن وَلَا الْعدْل الَّذِي فِي يَده دون إِذن الرَّاهِن أَو إِذن القَاضِي وَلَو بَاعَ الْعدْل بِإِذن أَحدهمَا لم يَصح بل لَا بُد من إذنهما وَفِيه فروع أَرْبَعَة
الأول أَنه لَو رَجَعَ أَحدهمَا عَن الْإِذْن امْتنع الْعدْل عَن البيع فرجوع الرَّاهِن عزل فَإِنَّهُ الْمُوكل وَإِذن الْمُرْتَهن شَرط وَلَيْسَ بتوكيل وَلذَلِك لَو عَاد الْمُرْتَهن وَأذن بعد رُجُوعه جَازَ وَلم يجب تَجْدِيد التَّوْكِيل من الرَّاهِن
ومساق هَذَا الْكَلَام من الْأَصْحَاب مشْعر بِأَنَّهُ لَو عزل الرَّاهِن ثمَّ عَاد ووكل افْتقر الْمُرْتَهن إِلَى تَجْدِيد الْإِذْن وَعَلِيهِ يلْزم لَو قيل بِهِ أَن لَا يعْتد بِإِذْنِهِ للعدل قبل تَوْكِيل الرَّاهِن فليؤخر عَنهُ
وَيلْزم عَلَيْهِ الحكم بِبُطْلَان رضَا الْمَرْأَة للْوَكِيل بِالنِّكَاحِ قبل تَوْكِيل الْوَلِيّ وكل ذَلِك مُحْتَمل
وَوجه المساهلة إِقَامَة دوَام الْإِذْن مقَام الِابْتِدَاء تعلقا بِعُمُومِهِ وَأَنه إِن لم يكن يعْمل فِي الْحَال أولى بِالِاحْتِمَالِ فليقدر مُضَافا إِلَى وَقت التَّوْكِيل وَإِذا احتملت الْوكَالَة التَّأْقِيت وَالتَّعْلِيق كَانَ الْإِذْن أولى بِالِاحْتِمَالِ
الثَّانِي لَو إِذن الرَّاهِن للعدل عِنْد الرَّهْن بِالْبيعِ عِنْد حُلُول الْأَجَل لم يفْتَقر إِلَى مُرَاجعَته ثَانِيًا عِنْد الْحُلُول

(3/506)


وَفِيه وَجه أَنه لَا بُد مِنْهُ إِذْ قد يسمح بِالْإِذْنِ فِي غير وَقت البيع ثمَّ يرى أَن يُوفي الدّين من مَوضِع آخر فِي وَقت الْحُلُول
الثَّالِث أَنه لَو ضَاعَ الثّمن فِي يَد الْعدْل فَهُوَ أَمَانَة فَلَو سلمه إِلَى أَحدهمَا دون إِذن الثَّانِي فَهُوَ ضَامِن
وَلَو أذن لَهُ الرَّاهِن فِي التَّسْلِيم إِلَى الْمُرْتَهن فَسلم وَأنكر الْمُرْتَهن فَهُوَ ضَامِن لعَجزه عَن الْإِثْبَات فَإِن صدقه الرَّاهِن وَنسبه إِلَى التَّقْصِير فِي ترك الْإِشْهَاد فَفِي الضَّمَان وَجْهَان
وَلَو كَانَ قد شَرط الْإِشْهَاد فَلَا شكّ أَنه يضمن وَلَو ادّعى موت الشُّهُود وَصدق لم يضمن وَإِن كذب فَوَجْهَانِ
الرَّابِع إِذا بَاعَ الْعدْل بِالْغبنِ بَطل بَيْعه وَإِن بَاعَ بِثمن الْمثل وَهُوَ فِي الْحَال يطْلب بِزِيَادَة لم يَصح وَإِن طلب فِي الْمجْلس أَيْضا انْفَسَخ العقد لِأَنَّهُ فِي حكم الِابْتِدَاء
فَإِن أَبى الرَّاغِب من قبُول البيع بعد إِظْهَاره فَالْأَصَحّ أَنا نتبين أَن الِانْفِسَاخ لم يكن إِذْ بَان أَن الزِّيَادَة لم يكن لَهَا حَقِيقَة
وَفِيه وَجه أَنه لَا بُد من تَجْدِيد العقد فَإِن الْفَسْخ قد وَقع
ثمَّ فِي تَجْدِيد البيع من الأول وَالْبيع من الرَّاغِب الثَّانِي عِنْد إِطْلَاق الْإِذْن وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه لَا يجوز إِلَّا بِإِذن مُجَدد إِذا الْوكَالَة الأولى انْفَسَخت بالامتثال بِالْبيعِ الأول
وَالثَّانِي الْجَوَاز وتنزيل البيع على مَا يُفِيد ويتقرر وَإِخْرَاج الأول عَن كَونه امتثالا

(3/507)


الْأَمر الثَّالِث تعهد الْمَرْهُون ومؤنته على الرَّاهِن
وَلَيْسَ يمْنَع مِنْهُ حَتَّى من الفصد والحجامة والختان وَيمْنَع عَن قطع سلْعَة يخَاف مِنْهَا سرَايَة وَيجب عَلَيْهِ كِرَاء الإصطبل للدابة مَعَ الْعلف
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا رَهنه ثَمَرَة الشَّجَرَة فعلى الرَّاهِن سقيها وإصلاحها وجذاذها وتشميسها كَمَا يكون عَلَيْهِ نَفَقَة العَبْد وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى من يحلبه ويركبه نَفَقَته لَهُ غنمه وَعَلِيهِ غرمه
فَإِن امْتنع أجْبرهُ القَاضِي لحق الْمُرْتَهن هَذَا مَذْهَب الْعِرَاقِيّين وَقَالَت المراوزة لَا يلْزمه الْإِنْفَاق على الْحَيَوَان إِلَّا لحق الله تَعَالَى فَلم يرْهن مِنْهُ إِلَّا على ذَلِك
فَإِن امْتنع بيع جُزْء من الْمَرْهُون وَجعل نَفَقَة لَهُ فَإِن خيف اسْتِيعَاب الْمَرْهُون بِالنَّفَقَةِ ألحق بِمَا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد وَبيع بِمَا لَا يحْتَاج إِلَى نَفَقَة
وَكَذَلِكَ يحذر من بيع الْبَعْض لِأَنَّهُ تشقيص فينفق عَلَيْهِ من منفعَته وَكَسبه وَإِلَّا

(3/508)


فَيُبَاع وَلَعَلَّ الأول أصح 0 ويتأيد بالمكري فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ عمَارَة الدَّار من عِنْده وَفَاء بِتَقْدِير مَا الْتزم
الْأَمر الرَّابِع الْمَرْهُون أَمَانَة فِي يَد الْمُرْتَهن
لَا يسْقط بتلفه شَيْء من الدّين خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله فَلَو تصرف فِيهِ بِمَا لَا يجوز ضمن ضَمَان الْمَغْصُوب
فروع أَرْبَعَة
أَحدهَا لَو رهن عِنْده أَرضًا وَأذن لَهُ فِي الْغِرَاس بعد شهر فَهُوَ قبل الْغِرَاس أَمَانَة وَبعده عَارِية مَضْمُونَة وَالرَّهْن مُسْتَمر فَإِن غرس قبل الشَّهْر قلع مجَّانا وَإِن غرس بعد الشَّهْر لم يقْلع إِلَّا بِبَدَل
الثَّانِي إِذا كَانَ الدّين مُؤَجّلا بِشَهْر فَقَالَ رهنت مِنْك بِشَرْط أَن يكون مَبِيعًا مِنْك بِالدّينِ عِنْد حُلُول الْأَجَل فالرهن فَاسد وَالشّرط فَاسد وَلكنه فِي الشَّهْر الأول أَمَانَة لِأَنَّهُ مَقْبُوض على حكم الرَّهْن وَفِي الثَّانِي مَضْمُون لِأَنَّهُ مَقْبُوض على حكم شِرَاء فَاسد وللفاسد حكم الصَّحِيح فِي الضَّمَان

(3/509)


وَمِنْهُم من اسْتثْنى مَا إِذا عرف فَسَاد البيع فأمسكه عَن جِهَة الرَّهْن
التَّفْرِيع لَو غرس بعد مُضِيّ الشَّهْر على ظن صِحَة البيع لم يقْلع غرسه مجَّانا لِأَنَّهُ مَأْذُون فِيهِ فِي ضمن البيع وَلَو علم الْفساد قلع مجَّانا لِأَنَّهُ حرم عَلَيْهِ ذَلِك فَلَا حُرْمَة لقلعة
الثَّالِث إِذا ادّعى الْمُرْتَهن رد الرَّهْن أَو تلفه فَالْقَوْل قَوْله عِنْد المراوزة كَمَا فِي الْمُودع وطردوا ذَلِك فِي الْمُسْتَأْجر وأيدي الْأَمَانَات كلهَا
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ ذَلِك من خَصَائِص الائتمان لِأَنَّهُ مُصدق بقوله إِذا ائتمنه وألحقوا الْوَكِيل بِغَيْر أُجْرَة بالمودع وَذكروا فِي الْوَكِيل بِأُجْرَة وَجْهَيْن
الرَّابِع قَالَ المراوزة الْمُرْتَهن من الْغَاصِب وَالْمُسْتَأْجر مِنْهُ على جهل حكمهمَا حكم الْمُودع على جهل حَتَّى إِنَّهُم يطالبون بِالضَّمَانِ والقرار على الْغَاصِب

(3/510)


والعراقيون سووا بَين الْكل وَذكروا فِي مطالبتهم وَجْهَيْن وَعند الْمُطَالبَة ذكرُوا فِي قَرَار الضَّمَان وَجْهَيْن
الْأَمر الْخَامِس تَصَرُّفَات الْمُرْتَهن
وَهُوَ مَمْنُوع من جَمِيعهَا قولا وفعلا وَلَيْسَ لَهُ الِانْتِفَاع أَيْضا وَلَو وطئ مَعَ الْعلم بِالتَّحْرِيمِ فَحكمه الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ حكم الزِّنَا وَإِن جهل وَكَانَ حَدِيث الْعَهْد بِالْإِسْلَامِ فَحكمه حكم الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ وَمِنْهُم من قطع بِسُقُوط الْحَد وَتردد فِي الْمهْر وَالنّسب وحرية الْوَلَد لضعف هَذِه الشُّبْهَة وَهُوَ بعيد
ثمَّ قَالَ القَاضِي من لَا يعرف هَذَا الْقدر فَكَأَنَّهُ لَا معرفَة لَهُ فَإِذا اكتفينا بِهَذَا فِي إِثْبَات الْأَحْكَام فَيَنْبَغِي أَن نقُول الْمَجْنُون إِذا زنا فَحكمه حكم الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ وَإِن إِذن الرَّاهِن وَعلم التَّحْرِيم فَهُوَ زَان
وَقيل إِن مَذْهَب عَطاء إِبَاحَة الْوَطْء بِالْإِذْنِ فَيصير شُبْهَة ويلتحق بِالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ فَأَما إِذا ظن الْإِبَاحَة فَهَذِهِ الشُّبْهَة أقوى

(3/511)


وَفِي الْمهْر وَجْهَان أَحدهمَا السُّقُوط لإذنه
وَالثَّانِي الْوُجُوب كَمَا للمفوضة إِذْ لَا يُؤثر الْإِذْن فِي إِسْقَاط عوض الأبضاع
وَفِي قيمَة الْوَلَد طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه كالمهر لِأَنَّهُ نتيجة الْوَطْء
وَالثَّانِي الْقطع بِالْوُجُوب لِأَنَّهُ لم يَأْذَن فِي الِاسْتِيلَاد وَهَذَا ينْقضه أَن الْمُرْتَهن لَو إِذن للرَّاهِن نفد استيلاده قطعا

(3/512)


الطّرف الثَّالِث فِي مَحل الْوَثِيقَة

وَهُوَ عين الْمَرْهُون أَو بدلهَا
فَأَما بدل الْمَنْفَعَة كالكسب والعقر أَو الزِّيَادَة الْحَاصِلَة من الْعين كَالْوَلَدِ وَاللَّبن وَالثَّمَر وَالصُّوف فَلَا يتَعَدَّى الرَّهْن إِلَيْهَا عندنَا
وَخَالف أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فِي الزِّيَادَات الْحَاصِلَة من الْعين وَفِي الْعقر أَيْضا هَذَا إِذا كَانَ الْوَلَد حَادِثا علوقه بعد الرَّهْن وانفصاله قبل الْحَاجة إِلَى البيع فَإِن كَانَ مجتنا فِي الْحَالَتَيْنِ جَمِيعًا فَيُبَاع الْحَامِل فِي حَقه وَلَا ينظر إِلَى مَا فِي بَطنهَا وَإِن كَانَ مجتنا عِنْد العقد مُنْفَصِلا حَال البيع فَفِيهِ قَولَانِ مأخذه التَّرَدُّد فِي الاستتباع وَأَن الْحمل هَل يعرف فَإِنَّهُ إِن لم يعرف لم ينْدَرج وَكَأَنَّهُ حدث الْآن

(3/513)


وَإِن علق بعد الرَّهْن وَكَانَ مجتنا عِنْد البيع فَكَذَلِك فِيهِ قَولَانِ
فَإِن قُلْنَا إِنَّه لَا يعرف فَكَأَنَّهُ زِيَادَة مُتَّصِلَة فَلَا كَلَام
فَإِن قُلْنَا لَا يتَعَلَّق بِالْحملِ فَلَا يُمكن بيع الْأُم دون الْحمل وَلَا بيع الْكل مَعَ التَّوْزِيع فَإِن قيمَة الْحمل لَا تعرف وَقد تنقص الْقيمَة بِالْحملِ فتؤخر إِلَى وَقت انْفِصَال الْوَلَد
أما بدل الْعين فيتعدى إِلَيْهِ الرَّهْن ونعني بِهِ أرش الْجِنَايَة فَإِنَّهُ يوضع رهنا وَمَا دَامَ فِي ذمَّة الْجَانِي هَل نُسَمِّيه مَرْهُونا أم نقُول زَالَ الرَّهْن ثمَّ عَاد عِنْد التَّعْيِين كَمَا نقُول فِي الْعصير إِذا انْقَلب خمرًا ثمَّ خلا فِيهِ خلاف
ثمَّ الرَّاهِن بالمطالبة أولى فَهُوَ الْمَالِك فَإِن تكاسل فللمرتهن الْمُطَالبَة فَإِن أَبْرَأ الرَّاهِن لم ينفذ قطعا وَلم يلْحق بِالْإِعْتَاقِ وَإِن أَبْرَأ الْمُرْتَهن لم يَصح وَلَكِن هَل يكون ذَلِك فسخا للرَّهْن فِي حَقه فعلى وَجْهَيْن
وَوجه الْمَنْع أَن الْفَسْخ كَانَ تحصل ضمنا للإبراء فَإِذا لم يحصل المتضمن فَلَا عُمُوم لقَوْله فَلَا يحصل الضمن

(3/514)


الطّرف الرَّابِع فِي غَايَة الرَّهْن وَمَا بِهِ انفكاكه

وَهُوَ بِفَسْخ الرَّهْن أَو فَوَات الْمَرْهُون بِغَيْر بدل أَو قَضَاء الدّين
أما الْفَسْخ
فَلَا يخفى وَكَذَا فَوَات عين الْمَرْهُون بأفة سَمَاوِيَّة ويلتحق بِهِ مَا إِذا فَاتَ الْملك فِيهِ بِغَيْر بدل وَذَلِكَ إِنَّمَا يكون بِجِنَايَة العَبْد فَإِنَّهُ يتَعَلَّق الْأَرْش بِرَقَبَتِهِ
فَإِن فدَاه السَّيِّد اسْتمرّ الرَّهْن وَإِن بيع فِي الْجِنَايَة فقد فَاتَ الْملك وَفَاتَ وَثِيقَة الرَّهْن وَلَا ضَمَان على الرَّاهِن لِأَنَّهُ لم يكن من جِهَته وَإِنَّمَا لم يمْنَع الرَّهْن حق الْجِنَايَة لِأَنَّهُ لَا يزِيد على حق الْمَالِك وَقدم حق الْمَجْنِي عَلَيْهِ على حق الْمَالِك مصلحَة فِي حسم الْجِنَايَات
فَأَما إِذا كَانَت الْجِنَايَة مُتَعَلقَة بالسيد فلهَا ثَلَاثَة أَحْوَال
إِحْدَاهَا أَن يجني على طرفه أَو على عَبده بِمَا يُوجب الْقصاص فَلهُ قَتله لِأَن مرتبته لَا تتقاعد عَن رُتْبَة الْأَجْنَبِيّ وَإِن عَفا عَن الْقصاص على مَال فَلَا مطمع فِي فك الرَّهْن فِي قدر الْجِنَايَة لِأَن السَّيِّد لَا يثبت لَهُ دين فِي ذمَّة عَبده حَتَّى يَنْبَنِي عَلَيْهِ التَّعَلُّق بِالرَّقَبَةِ ثمَّ البيع فِيهِ ثمَّ فك الرَّهْن بِهِ
وَفِيه وَجه عَن ابْن سُرَيج أَن لَهُ فك الرَّهْن فِي قدر الْجِنَايَة وَيظْهر أثر الْجِنَايَة فِي حق الْمُرْتَهن وَإِن لم يظْهر فِي حق العَبْد
الثَّانِيَة إِذا جنى على ابْن الرَّاهِن فَمَاتَ الابْن وانتقل الْحق إِلَى الرَّاهِن فَلهُ الْقصاص وَإِن عَاد إِلَى مَال فَهَل يسْتَحق فك الرَّهْن بِهِ يَنْبَنِي على أَن الْملك الطَّارِئ هَل يقطع دوَام الدّين الَّذِي اسْتحق قبل الْملك وَفِيه خلاف
وَهَذَا فِي حكم دوَام دين لِأَنَّهُ اسْتحق من قبل وَالْإِرْث دوَام فَإِن قتل ابْن الرَّاهِن وَقُلْنَا إِن الدِّيَة تثبت للقتيل أَولا ثمَّ للْوَارِث فَحكمه مَا سبق

(3/515)


وَإِن قُلْنَا إِنَّه للْوَارِث ابْتِدَاء فَهُوَ كَمَا لَو جنى على الرَّاهِن ابْتِدَاء
وَلَو قتل الرَّاهِن فَلَيْسَ للِابْن فك الرَّهْن بِهِ قطعا لِأَنَّهُ لَيْسَ يُفِيد فِي حق الْمُورث وَالْوَارِث فَإِن الْمُورث هَا هُنَا هُوَ الْمَالِك
الثَّالِثَة إِذا جنى على عبد آخر لَهُ مَرْهُون إِن كَانَ من شخص آخر فللراهن الْقصاص وَلَا مبالاة بِفَوَات حق الْمُرْتَهن فَإِن عَفا على مَال تعلق حق مُرْتَهن الْقَتِيل بِالْعَبدِ وَإِن عَفا مُطلقًا أَو من غير مَال فَهُوَ كعفو الْمُفلس الْمَحْجُور عَلَيْهِ لِأَن الرَّاهِن مَحْجُور عَلَيْهِ كالمفلس وعفو السَّيِّد عَن المَال ينزل جِنَايَة الْعمد منزلَة الْخَطَأ
وَإِن كَانَ مُوجبه المَال فَيُبَاع الْجَانِي فِي حق مُرْتَهن الْقَتِيل فَإِن كَانَ حَقه يتَأَدَّى بِبَعْض العَبْد الْقَاتِل لكَونه دون قِيمَته بيع ذَلِك الْقدر فِي حَقه وَبَقِي الْبَاقِي رهنا عِنْد مُرْتَهن الْقَاتِل
وَإِن لم يرض مُرْتَهن الْقَاتِل بِعَيْب التشقيص يُبَاع الْكل وَيُوضَع الْفَاضِل عَن أرش الْجِنَايَة رهنا عِنْده
وَلَو تَسَاوَت القيمتان وتراضى الْمَالِك ومرتهن الْقَتِيل بِأَن يَجْعَل العَبْد رهنا بدل الْقَتِيل جَازَ وَإِن أَبى الْمُرْتَهن أَعنِي مُرْتَهن الْقَتِيل فَهَل يجْبر عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان

(3/516)


أما إِذا كَانَ الْقَتِيل مَرْهُونا عِنْده أَيْضا فَإِن كَانَ بذلك الدّين بِعَيْنِه فَهُوَ فَوَات مَحْض فِي حَقه وَإِن كَانَ بدين آخر يُخَالِفهُ فِي الْقدر أَو الْجِنْس أَو مِقْدَار الْأَجَل فَلهُ أَن يفك الاول ليباع وَيجْعَل رهنا بِالثَّانِي
وَإِن اسْتَوَى الدينان من كل وَجه قدرا وجنسا وأجلا فَقَالَ بيعوه لينتقل حَقي إِلَى ثمنه فَإِنِّي لَا آمن جِنَايَته فَهَل يكون هَذَا من الْأَغْرَاض الْمُعْتَبرَة فِيهِ وَجْهَان
السَّبَب الآخر فِي فك الرَّهْن قَضَاء الدّين

وَهُوَ قِسْمَانِ
الأول أَن يقْضى من غير الْمَرْهُون فَإِن قضي جَمِيع الدّين انْفَكَّ الرَّهْن وَإِن بَقِي من الدّين دِرْهَم بَقِي جَمِيع الْمَرْهُون رهنا فَلَا يَنْفَكّ بِبَعْض الدّين بعض الْمَرْهُون بل الدّين ينبسط على أَجزَاء الْمَرْهُون
وَلذَلِك نقُول لَو مَاتَ أحد الْعَبْدَيْنِ بَقِي الثَّانِي رهنا بِالْجَمِيعِ وَكَذَلِكَ لَو رهن عَبْدَيْنِ بِأَلف وَسلم أَحدهمَا كَانَ رهنا عندنَا بِجَمِيعِ الْألف خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله
فإمَّا إِذا تعدد العقد لم يكن أَحدهمَا مُتَعَلقا بِالْآخرِ وَذَلِكَ بتعدده فِي نَفسه كَمَا إِذا رهن نصفي عبد فِي صفقتين بِأَلفَيْنِ ثمَّ قضي أَحدهمَا انْفَكَّ أحد النصفين
وَلذَلِك لَو تعدد مُسْتَحقّ الدّين كَمَا إِذا رهن من رجلَيْنِ وَقضى دين أَحدهمَا أَو تعدد الْمُسْتَحق عَلَيْهِ فارتهن من رجلَيْنِ فَلَا يقف حكم أَحدهمَا على الآخر

(3/517)


وَلَا نظر إِلَى اتِّحَاد الْوَكِيل وتعدده فِي بَاب الرَّهْن لِأَنَّهُ لَيْسَ عقد عُهْدَة بِخِلَاف صَفْقَة البيع فَإِنَّهَا قد تَتَعَدَّد بِتَعَدُّد الْوَكِيل
وَهل تَتَعَدَّد بِتَعَدُّد الْمَالِك فِيهِ وَجْهَان
وَصورته أَن يستعير عبدا من رجلَيْنِ ويرهنه بِأَلفَيْنِ عَلَيْهِ ويرهن من شخص وَاحِد ثمَّ سلم ألفا وَقصد بِهِ فك نصيب أَحدهمَا فَمنهمْ من قَالَ لَا يَنْفَكّ نظرا إِلَى اتِّحَاد الدّين وَالْعقد وَمِنْهُم من نظر إِلَى تعدد الْمَالِك
وَلَو اسْتعَار عَبْدَيْنِ من رجلَيْنِ فَفِي التَّعَدُّد وَجْهَان مرتبان وَأولى لانضمام تميز الْمَرْهُون إِلَى تميز الْمَالِك
وَلَو مَاتَ الرَّاهِن وَخلف ابْنَيْنِ ذكر صَاحب التَّقْرِيب قَوْلَيْنِ وَالصَّحِيح أَن لَهُ حكم الِاتِّحَاد نظرا إِلَى حَال الرَّهْن
نعم لَو مَاتَ الرَّاهِن قبل الرَّهْن وَتعلق الدّين بِالتَّرِكَةِ بِإِقْرَار الِابْنَيْنِ

(3/518)


فَقضى أَحدهمَا نصِيبه فَفِي انفكاك نصِيبه قَولَانِ ظاهران من حَيْثُ إِن التَّعَدُّد مقترن بِالِابْتِدَاءِ وَهُوَ بِنَاء على أَن أَحدهمَا لَو أقرّ هَل يُطَالب بِتمَام الدّين
فرع حَيْثُ يتَمَيَّز الحكم بِتَعَدُّد الْمَالِك فَإِذا قضى أحد الشَّرِيكَيْنِ نصِيبه واستقسم الْمُرْتَهن فَكَانَ الشَّيْء مَكِيلًا أَو مَوْزُونا
قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَهُ ذَلِك وَهُوَ تَفْرِيع على أَن الْقِسْمَة إِفْرَاز حق لَا بيع حَتَّى يتَصَوَّر فِي الْمَرْهُون ثمَّ يُرَاجع القَاضِي الرَّاهِن فِيهِ فَإِن أَبى أجْبرهُ عَلَيْهِ
وَفِي مُرَاجعَة الْمُرْتَهن وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه لَا ملك لَهُ وَلَكِن لَهُ حق فَإِن كَانَت الْقِسْمَة قسْمَة تَعْدِيل كَمَا لَو رهن رجلَانِ عَبْدَيْنِ مشتركين ثمَّ قضى أَحدهمَا نصِيبه وهما مُتَسَاوِيا الْقيمَة فَفِي الْإِجْبَار عَلَيْهَا قَولَانِ
فَإِن قُلْنَا يجْبر فالرجوع إِلَى الْمُرْتَهن هَا هُنَا أولى لِأَنَّهُ أقرب إِلَى حَقِيقَة البيع من قسْمَة الْجِزْيَة

(3/519)


الْقسم الثَّانِي فِي قَضَاء الدّين من ثمن الْمَرْهُون وَذَلِكَ بِبيعِهِ عِنْد حُلُول الدّين فَلَا يسْتَقلّ الْمُرْتَهن بِهِ بل يرفعهُ إِلَى القَاضِي ثمَّ القَاضِي لَا يَبِيع بل يُكَلف الرَّاهِن قَضَاء الدّين أَو الْإِذْن فِي البيع فَإِن أذن وَقَالَ للْمُرْتَهن بِعْهُ لي وَاسْتَوْفِ الثّمن لي ثمَّ اقبضه لنَفسك صَحَّ بَيْعه واستيفاؤه لَهُ
وَفِي قَبضه لنَفسِهِ خلاف منشؤه اتِّحَاد الْقَابِض والمقبض فَإِن قَالَ بِعْهُ لي وَاسْتَوْفِ لنَفسك صَحَّ البيع وَبَطل اسْتِيفَاؤهُ لنَفسِهِ لِأَنَّهُ لم يتَعَيَّن بعد ملك الرَّاهِن إِذْ لم يسْتَوْف لَهُ أَولا وَلَكِن يدْخل فِي ضَمَانه لِأَنَّهُ اسْتِيفَاء فَاسد فَلهُ فِي الضَّمَان حكم الصَّحِيح
وَلَو قَالَ بِعْهُ لنَفسك بَطل الْإِذْن إِذْ لَا يتَصَوَّر أَن يَبِيع مَال الْغَيْر لنَفسِهِ فَلْيقل بِعْهُ لي فَإِن قَالَ بِعْ مُطلقًا فَفِيهِ خلاف
وَاخْتلفُوا فِي تَعْلِيل الْمَنْع مِنْهُم من علل بِأَنَّهُ مُسْتَحقّ للْبيع فَيَنْصَرِف مُطلق اللَّفْظ إِلَى جَانِبه فَهُوَ كَقَوْلِه بِعْ لنَفسك
وَمِنْهُم من علل بِأَنَّهُ مُتَّهم فِي ترك المماكسة لِأَنَّهُ فِي غَرَض نَفسه يَتَحَرَّك فعلى هَذِه الْعلَّة لَو قدر الثّمن أَو كَانَ قبل حُلُول الْأَجَل أَو كَانَ الرَّاهِن حَاضرا

(3/520)


قَالُوا بِصِحَّة بَيْعه
فرع لَو حضر الرَّاهِن مجْلِس القَاضِي وكلف الْمُرْتَهن إِحْضَار الرَّهْن حَتَّى يقْضِي دينه لم يلْزمه مُعَاملَة بل عَلَيْهِ قَضَاء الدّين فَإِذا قضى فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَيْضا إِحْضَاره فَإِنَّهُ أَمَانَة فِي يَده فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا التَّمْكِين من الْأَخْذ

(3/521)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فِي النزاع بَين الْمُتَعَاقدين وَهُوَ فِي أَرْبَعَة أُمُور العقد وَالْقَبْض وَالْجِنَايَة وَمَا يُوجب فك الرَّهْن بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
النزاع الأول فِي العقد
وَمهما اخْتلفَا فِيهِ فَالْقَوْل قَول الرَّاهِن لِأَن الأَصْل عدم الرَّهْن

فروع ثَلَاثَة

الأول إِذا تنَازعا فِي قدر الْمَرْهُون فَالْقَوْل قَول الرَّاهِن لِأَن الأَصْل عدم الرَّهْن فَلَو صادفنا فِي يَد الْمُرْتَهن أَرضًا وفيهَا نخيل وَادّعى كَون النخيل رهنا فَأنْكر الرَّاهِن وجوده لَدَى العقد كفائه ذَلِك إِن أمكن صدقه وَيحلف عَلَيْهِ
وَإِن كذبه الْحس فَلهُ أَن يحلف على نفي الرَّهْن لَا على نفي الْوُجُود فَلَو أستمر على إِنْكَار الْوُجُود على خلاف الْحس جعل ناكلا عَن الْيَمين وَردت الْيَمين على الْمُرْتَهن فَإِن ترك ذَلِك وَرجع الى أنكار الرَّهْن لم يمْنَع مِنْهُ وَإِن كذب نَفسه فِيمَا سبق من أنكار الْوُجُود
الثَّانِي إِذا أدعى رجل على رجلَيْنِ رهن عبد وَاحِد لَهما عِنْده فكذبه أَحدهمَا وَصدقه الآخر فللمصدق أَن يشْهد على المكذب لِأَن الشَّرِيك يشْهد على الشَّرِيك
وَلَو ادّعى رجلَانِ على رجل رهن عبد وَاحِد مِنْهُمَا فكذب أَحدهمَا فَشهد

(3/522)


الْمُصدق للمكذب فَفِي قبُوله وَجْهَان بنبليان على أَنه لَو لم يشْهد لَهُ هَل كَانَ المكذب يُشَارِكهُ فِي نصفه مُؤَاخذَة لَهُ بِتَصْدِيق
وَكَذَا الْخلاف فِيمَا لَو ادّعَيَا هبة عبد فَصدق أَحدهمَا فَهَل يَأْخُذ المكذب مِمَّا سلم لَهُ النّصْف
وَلَا خلاف فِي أَنَّهُمَا لَو أدعيا وراثة عبد فَصدق أَحدهمَا يُشَارِكهُ المكذب فِيهِ
الثَّالِث لَو أدعى رجلَانِ على رجل وَاحِد أَنه رهن عَبده مِنْهُ على الْكَمَال فَصدق أَحدهمَا سلم إِلَيْهِ وَهل يحلف للثَّانِي
يَنْبَنِي على أَنه لَو أقرّ للثَّانِي هَل كَانَ يغرم لَهُ وَفِيه قولا ضَمَان الْحَيْلُولَة
فَإِن قَالَ رهنت من أَحَدكُمَا ونسيت فَيحلف على نفي الْعلم فَإِن نكل رد الْيَمين عَلَيْهِمَا فَإِن تحَالفا أَو تناكلا فسخ القَاضِي الرَّهْن لتعذر الْإِمْضَاء
وَأَن حلف الرَّاهِن على نفي الْعلم فَالصَّحِيح أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ كَمَا لَو نكل وَفِيه

(3/523)


وَجه أَنه انْتَهَت الْخُصُومَة
أما إِذا كَانَ فِي يَد أَحدهمَا وَأقر الرَّاهِن للثَّانِي بعد وُقُوع الِاتِّفَاق على جَرَيَان رهن وَقبض مَعَ كل وَاحِد لَكِن وَقع النزاع فِي السَّبق فَقَوْلَانِ
اخْتِيَار الْمُزنِيّ تَرْجِيح الْيَد على الْإِقْرَار وَهُوَ ضَعِيف
وَالأَصَح النّظر إِلَى مُوجب الْإِقْرَار
ثمَّ فرغ الْمُزنِيّ وَقَالَ لَو قَالَ صَاحب الْيَد كَانَ فِي يَد الْمقر لَهُ قبل هَذَا وَلَكِن غصبا فَيُقَال لَهُ اعْترفت بِالْيَدِ وادعيت الْغَصْب فَهُوَ فِي يَده إِذا لَا فِي يدك

(3/524)


النزاع الثَّانِي فِي الْقَبْض

وَالْقَوْل فِيهِ ايضا قَول الرَّاهِن ايضا إِذْ الأَصْل عَدمه إِذا كَانَ فِي يَد الرَّاهِن فَإِن كَانَ عِنْد النزاع فِي يَد الْمُرْتَهن فَكَذَلِك القَوْل قَوْله إِن قَالَ غصبتنية وَفِيه وَجه بعيد
وَأَن قَالَ أعرتكه أَو أكريتكه أَو أودعتكه فَوَجْهَانِ
وَوجه الْفرق أَنه أقرّ بِقَبض مَأْذُون فِيهِ ويجريان الرَّهْن وَهُوَ يَدعِي صرفه عَن جِهَة الرَّهْن فَالظَّاهِر خِلَافه
وَكَذَا الْخلاف إِذا قَالَ المُشْتَرِي للْبَائِع أعرتك الْمَبِيع بعد قبض الْمَبِيع عَن جِهَة البيع وَقَالَ البَائِع بل هُوَ مَحْبُوس بِأَصْل الثّمن وَحقّ الْحَبْس لَا يبطل بالإعارة
وَلَو اتفقَا على أَن الرَّاهِن أذن فِي الْقَبْض وَقَالَ الرَّاهِن لم نقبض بعد فَإِن كَانَ فِي يَده فَالْقَوْل قَوْله وَإِن كَانَ فِي يَد الْمُرْتَهن فَهُوَ الْمُصدق بِهِ
فرع لَو قَامَت بَيِّنَة على الرَّاهِن بالإقباض بعد إِنْكَاره فَقَالَ كذب الشُّهُود لم

(3/525)


يلْتَفت اليه فَلَو شهدُوا على إِقْرَاره فَقَالَ صدقُوا لكني كذبت فِي الْإِقْرَار فِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه لَا يقبل كَمَا لَو أقرّ فِي مجْلِس الْقَضَاء ثمَّ رَجَعَ
وَالثَّانِي يقبل لِأَنَّهُ مُمكن فليتمكن من تَحْلِيف الْخصم على نفي الْعلم بذلك
وَالثَّالِث وَهُوَ الاعدل أَنه قَالَ غَلطت لوصول كتاب وَكيل لي أَو أشهدت على الرَّسْم فِي القبالة قبل التَّحْقِيق فَيسمع حَتَّى يحلف الْخصم وَإِن قَالَ كذبت عمدا فَلَا يسمع

(3/526)


النزاع الثَّالِث فِي الْجِنَايَة

أَن جنى على الْمَرْهُون واعترف الْجَانِي وَصدقه الرَّاهِن دون الْمُرْتَهن غرمه للرَّاهِن وَلم يتَعَلَّق بالارش حق الْمُرْتَهن وَإِن صدقه الْمُرْتَهن دون الرَّاهِن غرم للْمُرْتَهن
فَإِن قضى الرَّاهِن دينه من مَوضِع آخر أَنْفك الرَّهْن وَبَقِي هَذَا مَالا لَا يَدعِيهِ أحد لنَفسِهِ فَهُوَ لبيت المَال أَو يرد على الْجَانِي فِيهِ خلاف
أما إِذا جنى الْمَرْهُون واعترف بِهِ الْمُرْتَهن فَالْقَوْل قَول الرَّاهِن
وَإِذا بيع العَبْد فِي دين الْمُرْتَهن لم يكن للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ إِخْرَاج الثّمن من يَد الْمُرْتَهن مُؤَاخذَة لَهُ بقوله لِأَن حق الْمَجْنِي عَلَيْهِ لَا يتَعَلَّق بِالثّمن إِن صَحَّ البيع وَإِن بَطل فكمثل لآن الثّمن للْمُشْتَرِي لَا للْمُرْتَهن والراهن
أما إِذا أعترف بِهِ الرَّاهِن دون الْمُرْتَهن أَو قَالَ الرَّاهِن ابْتِدَاء رهنته بعد الْجِنَايَة المستغرقة أَو كَانَ مَغْصُوبًا أَو معتقا فَفِي قبُول إِقْرَاره ثَلَاثَة أَقْوَال كَمَا فِي الْعتْق إِذا تعَارض قيام الْملك وَانْتِفَاء التُّهْمَة مَعَ تعلق حق الْمُرْتَهن ويجرى هَذَا الْخلاف فِي العَبْد الْمُسْتَأْجر

(3/527)


وَالصَّحِيح أَنه لَا يجْرِي فِي الْمَبِيع إِذا قَالَ كنت أَعتَقته قبل البيع إِذْ لَا ملك فِي الْحَال
وَالصَّحِيح أَنه لَا يجْرِي فِيهِ إِذا لم تكن الْجِنَايَة مستغرقة لِأَن التُّهْمَة قَائِمَة التَّفْرِيع
ان قُلْنَا لَا يقبل اقراره فَيحلف الْمُرْتَهن على نفي الْعلم فَإِن حلف فَهَل يغرم الرَّاهِن للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ يَنْبَنِي على قولي الْغرم بالحيلوله وَإِن نكل فَترد الْيَمين على الْمَجْنِي عَلَيْهِ أَو الرَّاهِن فِيهِ قَولَانِ
إِن قُلْنَا على الْمَجْنِي عَلَيْهِ فَإِن حلف اسْتحق عَلَيْهِ وَلم يغرم الرَّاهِن للْمُرْتَهن لِأَنَّهُ أبطل حق نَفسه بِنُكُولِهِ وَإِن نكل فَاتَ الْمُرْتَهن بِهِ وَلم يغرم الرَّاهِن للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ شَيْئا لِأَنَّهُ أبطل حق نَفسه بِنُكُولِهِ
وَإِن قُلْنَا ترد على الرَّاهِن فَإِن حلف سلم للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ وَإِن نكل فَهَل للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ أَن يحلف لَهُ وَيَقُول لَيْسَ لَك أَن تبطل حَقي بنكولك فِيهِ

(3/528)


قَولَانِ
وَوجه الْمَنْع أَن يَمِين الرَّد قد انْتَهَت نهايتها بنكول الْمَرْدُود عَلَيْهِ أَعنِي الرَّهْن
وَإِن قُلْنَا يقبل إِقْرَاره فَهَل للْمُرْتَهن تَحْلِيفه وَجْهَان
وَوجه الْمَنْع انه أقرّ على ملك نَفسه
فَإِن قُلْنَا لَا يحلف فقد تَبينا بطلَان الرَّهْن تَصْدِيقًا لَهُ فَلَيْسَ للْمُرْتَهن إِلَّا الْخِيَار فِي البيع الَّذِي شَرط فِيهِ الرَّهْن إِن كَانَ قد شَرط
وَكَذَلِكَ إِن قُلْنَا إِنَّه يحلف فَحلف وَإِن نكل الْمقر حلف الْمُرْتَهن وَفِي نتيجة حلفه قَولَانِ أَحدهمَا تَقْرِير العَبْد فِي يَده
وَالثَّانِي أَن يغرم لَهُ الرَّاهِن
فَإِن قُلْنَا بالغرم فَهَل يثبت لَهُ خِيَار الْفَسْخ فِي البيع الْمَشْرُوط فِيهِ وَلم يسلم عين العَبْد الْمَشْرُوط وَإِنَّمَا يسلم قِيمَته فِيهِ وَجْهَان
وَوجه منع الْخِيَار أَنه يَجْعَل بِإِقْرَارِهِ متلفا بعد الْإِقْبَاض وغارما وَذَلِكَ لَا يُوجب الْخِيَار فَإِن قيل فَلَو أقرّ الرَّاهِن بالاستيلاد

(3/529)


قُلْنَا يثبت حريَّة الْوَلَد وَالنّسب وَفِي أُمِّيّه الْوَلَد مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْعتْق وَزيد هَاهُنَا أَمر وَهُوَ أَنَّهَا لَو أَتَت بِولد لأَقل من سِتَّة أشهر من وَقت الرَّهْن كَانَ كدعوى الْعتْق قبل الرَّهْن وَإِن كَانَ لأكْثر فَلَا لِأَنَّهُ يحْتَمل تراخيه عَن الرَّهْن فَلَا يقبل فَهُوَ كَمَا لَو أعترف باستيلاد متراخ فَإِن قُلْنَا لَا ينفذ أستيلاده إِذا صدق فَلَا كَلَام
وَإِن قُلْنَا ينفذ فَفِي اقراره وَجْهَان مأخذه إِقْرَار المبذر بِإِتْلَاف أَو طَلَاق لِأَنَّهُ أقرّ بِمَا ينفذ لَو أنشأه وَلكنه مَمْنُوع من إنشائه شرعا

(3/530)


النزاع الرَّابِع فِيمَا يفك الرَّهْن

وَفِيه أَرْبَعَة فروع
الأول إِذا كَانَ الْمُرْتَهن أذن فِي بيع الرَّهْن وَبَاعَ الرَّاهِن وَرجع الْمُرْتَهن وَادّعى أَنه رَجَعَ قبل بَيْعه وَقَالَ الرَّاهِن بل رجعت بعد البيع فَالْأَظْهر أَن القَوْل قَوْله فَإِن الأَصْل عدم الرُّجُوع ويعارضه أَن الأَصْل عدم البيلبع فَيبقى أَن الأَصْل اسْتِمْرَار الرَّهْن
وَقيل إِن القَوْل قَول الرَّاهِن إِذْ الْمُرْتَهن أعترف بِالْإِذْنِ وَالْبيع ويدع رُجُوعا سَابِقًا وَالْأَصْل عَدمه
الثَّانِي لَو سلم إِلَى الْمُرْتَهن ألفا بِهِ رهن وَله على الرَّاهِن ألف آخر لَا رهن بِهِ فتنازعا وَقَالَ الرَّاهِن سلمته عَن جِهَة الرَّهْن فانفك فَالْقَوْل قَوْله لِأَنَّهُ يخْتَلف بنيته وَهُوَ أعرف بِهِ وَالْعبْرَة بنيته حَتَّى لَو ظن الْمُرْتَهن أَنه أودعهُ وَهُوَ قصد قَضَاء الدّين حصل الْملك دون قصد التَّمْلِيك
وَلَو قَالَ الْمُؤَدِّي مَا قصدت شَيْئا فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا التَّوْزِيع على الدينَيْنِ
وَالثَّانِي أَنه يُقَال لَهُ الْآن يَنْبَغِي أَن تنوي مَا تُرِيدُ

(3/531)


وَكَذَا الْخلاف فِي الْوَكِيل عَن جِهَة مستحقين إِذا قبض ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْجِهَة
الثَّالِث إِذا بَاعَ الْعدْل الْمَرْهُون بِالْإِذْنِ وَادّعى تَسْلِيم الثّمن الة الْمُرْتَهن فَالْقَوْل قَول الْمُرْتَهن لِأَنَّهُ لَيْسَ أَمِينه إِلَّا فِي حفظ الْمَرْهُون فَلَا يلْزمه تَصْدِيقه فِي الثّمن الَّذِي هُوَ بذل الْمَرْهُون وَلَا يجوز صرفه إِلَيّ الْمُرْتَهن إِلَّا بِإِذن الرَّاهِن ثمَّ للْمُرْتَهن مُطَالبَة من شَاءَ من الْعدْل والراهن فَإِن ضمن الْعدْل لم يرجع على الرَّاهِن لِأَنَّهُ مظلوم بِزَعْمِهِ وَلَا يرجع إِلَّا على من ظلمه
الرَّابِع إِذا تنَازعا فِي عيب الْمَرْهُون أَنه قديم يثبت خِيَار الْفَسْخ فِي البيع الْمَشْرُوط فِيهِ أم حَادث
القَوْل قَول الرَّاهِن إِذْ الأَصْل عدم الْعَيْب وَلذَلِك كَانَ القَوْل قَول البَائِع فِي مثل هَذِه الصُّورَة
وَلَو قَالَ الْمُرْتَهن أقبضتني الْعصير الْمَرْهُون بعد انقلابه خمرًا وَقَالَ الرَّاهِن بل قبله وَلَا فسخ لَك فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَن الأَصْل بَقَاء الْحَلَاوَة
وَالثَّانِي أَن الأَصْل عدم الْقَبْض الصَّحِيح والراهن يَدعِيهِ وَهَذَا يلْتَفت على أَن الْمُدَّعِي هُوَ الَّذِي يَحْكِي وسكوته وَهُوَ الْمُرْتَهن هَاهُنَا أَو من يَدعِي خلاف الظَّاهِر وَهُوَ الرَّاهِن هَاهُنَا وَفِيه قَولَانِ
وَهَذَا تنَازع بِالْحَقِيقَةِ يرجع إِلَيّ العقد وَالْقَبْض فليلحق بالقسم الأول

(3/532)