الوسيط في المذهب

= كتاب الْحجر=

(4/35)


أَسبَاب الْحجر خَمْسَة الصبى وَالْجُنُون وَالرّق والفلس وَقد ذَكرنَاهَا والتبذير وَهُوَ عبارَة عَن الْفسق مَعَ صرف المَال إِلَى وَجه لَيْسَ فِيهِ غَرَض صَحِيح ديني أَو دُنْيَوِيّ
وَأَبُو حنيفَة رَحمَه الله خَالَفنَا فِي هَذَا الْحجر وَفِي حجر الْمُفلس وَفِيه فصلان

(4/37)


الْفَصْل الأول فِي السَّبَب

وَهُوَ يتَّصل تَارَة بِالصَّبِيِّ وَتارَة يطْرَأ بعد الْبلُوغ
فَإِن اتَّصل بِالصَّبِيِّ بِأَن بلغ الصَّبِي غير رشيد اطرد حجر الصَّبِي وَيَكْفِي لدوام الْحجر أحد الْمَعْنيين وَهُوَ الْفسق أَو الْإِسْرَاف فِي المَال لِأَن كل وَاحِد يُنَافِي اسْم الرشد وَقد قَالَ الله تَعَالَى {فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا}
وَإِن طَرَأَ بعد أَن بلغ رشيدا فَلَا بُد من مَجْمُوع الْأَمريْنِ فَإِن طَرَأَ التبذير بِأَن كَانَ يصرف المَال إِلَى ملذ الْأَطْعِمَة على وَجه لَا يَلِيق بِهِ اقْتضى الْحجر
ثمَّ فِي عود الْحجر أَو الْحَاجة إِلَى إِعَادَة القَاضِي وَجْهَان أظهرهمَا الْحَاجة إِلَى الْإِعَادَة فَإِنَّهُ يدْرك بِضَرْب من الِاجْتِهَاد
وَلَو طَرَأَ مُجَرّد الْفسق أَو مُجَرّد التبذير بِأَن كَانَ يصرف المَال إِلَى ملاذ الْأَطْعِمَة على وَجه لَا يَلِيق بِهِ فَفِي اقتضائه الْحجر وَجْهَان
وَالْمذهب أَنه لَا يَقْتَضِيهِ

(4/38)


بِخِلَاف مَا لَو اتَّصل بِالصَّبِيِّ لِأَن الْحجر ثمَّ مستيقن فَلَا يرفع إِلَّا بِيَقِين وَلَا يتَيَقَّن الرشد مَعَ الْفسق وَالْإِطْلَاق هَاهُنَا مستيقن فَلَا يُعَاد الْحجر إِلَّا بِيَقِين
وَلَيْسَ من الْإِسْرَاف أَولا صرف المَال إِلَى وُجُوه الْخيرَات فَلَا سرف فِي الْخَيْر
ثمَّ ولي المبذر وَالْمَجْنُون أَبوهُ أَو جده إِن اتَّصل الْجُنُون والتبذير بِالصَّبِيِّ وَإِن عَاد بعد زَوَال ولَايَة الْوَلِيّ فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا أَنه من كَانَ فِي حَالَة الصغر
وَالثَّانِي أَنه القَاضِي لِأَنَّهُ صَار مُسْتقِلّا بِنَفسِهِ فَلم يكن تبعا لأصله
وَمهما عرف رشده قبل الْبلُوغ فَبلغ انْفَكَّ الْحجر بِمُجَرَّد الْبلُوغ
وَأَسْبَاب الْبلُوغ أَرْبَعَة
الأول السن وَهُوَ خمس عشرَة سنة فِي الْغُلَام وَالْجَارِيَة

(4/39)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة ثَمَان عشرَة سنة وَفِي رِوَايَة اقْتصر فِي الْجَارِيَة على سبع عشرَة سنة
ومعتمدنا مَا روى الدَّارَقُطْنِيّ أَنه قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اسْتكْمل الْمَوْلُود خمس عشرَة سنة كتب مَاله وَمَا عَلَيْهِ وأقيمت عَلَيْهِ الْحُدُود
الثَّانِي الِاحْتِلَام وَيصدق فِيهِ الصَّبِي إِذْ لَا يُمكن فِيهِ الْمعرفَة إِلَّا بقوله وَفِي احْتِلَام الصبية وَجْهَان لخفاء خُرُوج المَاء مِنْهَا فِي الْغَالِب
فَقيل أقيم الْحيض مقَام ذَلِك فِي حَقّهَا
ثمَّ قَالَ الْأَصْحَاب إِذا احْتَلَمت وَإِن لم يحكم ببلوغها أمرناها بالاغتسال كَمَا نأمرها بِالْوضُوءِ من الْحَدث وكما إِذا احْتَلَمت بعد الْبلُوغ

(4/40)


الثَّالِث الْحيض فِي حق النِّسَاء
الرَّابِع نَبَات الْعَانَة فِي حق صبيان الْكفَّار إِذْ أَمر عَلَيْهِ السَّلَام بالكشف عَن مؤتزرهم وَكَانَ يقتل من أنبت مِنْهُم
وَفِي تعرف ذَلِك فِي صبيان الْمُسلمين خلاف وَالْأَظْهَر أَنه لَا يتبع إِذْ هى أَمارَة تعلقنا بهَا للعجز عَن معرفَة سنهم واحتلامهم إِلَّا بقَوْلهمْ ثمَّ لاشك أَن بقول الْوَجْه وإنبات الْإِبِط أبلغ فِي الدّلَالَة
وَأما انفراق الأرنبة ونهود الثدي وبحوحة الصَّوْت فَلَا تعويل عَلَيْهِ
فرع الْخُنْثَى إِذا احْتَلَمَ بفرج الرِّجَال أَو حاض بفرج النِّسَاء لم يحكم بِبُلُوغِهِ للاحتمال فَإِن اجْتمع الْأَمْرَانِ فَوَجْهَانِ

(4/41)


أَحدهمَا لَا لتعارض الْأَمر فِي الْعَلامَة إِذْ كل وَاحِد أسقط حكم الآخر
وَالثَّانِي أَنه الْأَصَح أَنه يقْضى بِبُلُوغِهِ وَيبقى الْإِشْكَال فِي الذُّكُورَة وَالْأُنُوثَة وينقدح ظَاهرا أَن يحكم بِالْبُلُوغِ بِأَحَدِهِمَا كَمَا نحكم بالذكورة وَالْأُنُوثَة بِأَحَدِهِمَا بِنَاء على ظن غَالب ثمَّ ننقض ذَلِك الظَّن إِن ظهر نقيضه

(4/42)


الْفَصْل الثَّانِي فِيمَا ينفذ من التَّصَرُّفَات وَمَا لَا ينفذ

والضبط فِيهِ أَن كل مَا كَانَ لَا يدْخل تَحت حجر الْوَلِيّ فِي حق الصَّبِي كَالطَّلَاقِ وَالظِّهَار وَالْخلْع واستلحاق النّسَب وَالْإِقْرَار بِمَا يُوجب الْقصاص أَو الْحَد مِمَّا لَا يتَعَلَّق بِالْمَالِ مَقْصُودا فَهُوَ مُسْتَقل بِهِ لِأَنَّهُ مُكَلّف والمتضي للحجر صِيَانة مَاله وَذَلِكَ لَا يتضى الْحجر فِي هَذِه التَّصَرُّفَات
وَمَا يتَعَلَّق بِالْمَالِ ينظر فِيهِ فَمَا هُوَ فِي مَظَنَّة الضَّرَر هُوَ مسلوب الِاسْتِقْلَال فِيهِ كالتبرعات وَالْبيع وَالشِّرَاء وَالْإِقْرَار بِالدّينِ
وَلَو عين لَهُ الْوَلِيّ تَصرفا أَو وَكله أَجْنَبِي فَفِي سلب عِبَارَته خلاف وَالظَّاهِر صِحَة عِبَارَته كَمَا فِي الطَّلَاق وَغَيره
وَقيل إِنَّه مسلوب الْعبارَة لِأَن الْحجر قد اطرد فِي المَال فَلم يُؤثر الْبلُوغ فِيهِ وَكَذَلِكَ فِي الْعبارَة الْمُتَعَلّقَة بِهِ
وَمِنْهُم من قَالَ تصح عِبَارَته فِي النِّكَاح دون الْأَمْوَال وعَلى الْعبارَة يخرج قبُوله الْهِبَة وَالْوَصِيَّة فَإِنَّهُ لَا ضَرَر فِيهِ
فَأَما تَدْبيره ووصيته فَفِيهِ قَولَانِ مرتبان على الصَّبِي وَأولى بالنفوذ

(4/43)


فروع ثَلَاثَة

الأول لَو أقرّ بِإِتْلَاف مَال الْغَيْر فِيهِ وَجْهَان
الْقيَاس الْمَنْع كَالصَّبِيِّ
وَالثَّانِي أَنه يقبل لِأَنَّهُ مُكَلّف قَادر على الْإِتْلَاف فليقدر على الْإِقْرَار
الثَّانِي بيع الاختبار الذى يبتلى بِهِ الصَّحِيح فَسَاده إِن جرى قبل الْبلُوغ وَإِنَّمَا المُرَاد الامتحان بمقدمات البيع ثمَّ مهما امتحن فَبلغ انْفَكَّ أَيْضا الْحجر لمُجَرّد الْبلُوغ من غير حَاجَة إِلَى إنْشَاء الفك
وَلَو بلغ غير رشيد ثمَّ صَار رشيدا فَالْأَظْهر أَنه يَنْفَكّ أَيْضا من غير حَاجَة إِلَى إنْشَاء الفك
الثَّالِث لَو أحرم بِالْحَجِّ انْعَقَد إِحْرَامه ثمَّ إِن كَانَ عَن فرض إِسْلَامه هيأ الْوَلِيّ أَسبَابه والأمتعة من الزَّاد وَالرَّاحِلَة ثمَّ فِيهِ وَجْهَان

(4/44)


أَحدهمَا أَنه كالمحصر فيتحلل
وَالْآخر أَنه كالمفلس لَا يتَحَلَّل إِلَّا بلقاء الْبَيْت

(4/45)