الوسيط في المذهب

= كتاب الصُّلْح = وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب

(4/47)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي الصَّحِيح وَالْفَاسِد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَالصُّلْح عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَيْسَ عقدا مُخَالفا للْبيع أَو للهبة وَلكنه إِن كَانَ بمعاوضة فَهُوَ بيع يَصح بِلَفْظ البيع وَيصِح البيع بِلَفْظِهِ
وَاسْتثنى صَاحب التَّلْخِيص الصُّلْح عَن أرش الْجِنَايَات فَقَالَ لَا يَصح بِلَفْظ البيع
وَاسْتثنى بعض الْأَصْحَاب البيع ابْتِدَاء من غير تقدم خُصُومَة فَقَالُوا لَا يَصح بِلَفْظ الصُّلْح فَلَا يُطلق لفظ الصُّلْح إِلَّا بعد تقدم خصومه فَلَا يحسن أَن يُقَال لصَاحب الْمَتَاع صالحني عَن متاعك على كَذَا
أما اسْتثِْنَاء صَاحب التَّلْخِيص فقد استدرك الشَّيْخ أَبُو عَليّ عَلَيْهِ وَقَالَ هُوَ بيع دين وَيجوز أَن يسْتَعْمل فِيهِ لفظ البيع إِن كَانَ مَعْلُوم الْقدر وَالصّفة
وَلَا يجوز لفظ الصُّلْح أَيْضا إِن كَانَ مَجْهُول الْقدر وَالصّفة وَإِن كَانَ مَعْلُوم الْقدر مَجْهُول الصّفة كإبل الدِّيَة فَفِي جَوَاز بَيْعه بطرِيق الِاعْتِيَاض عَنهُ وَجْهَان بِلَفْظ الصُّلْح وَالْبيع جَمِيعًا
نعم لَو قُلْنَا مُوجب الْعمد الْقود الْمَحْض فالمصالحة عَنهُ على مَال جَائِز وَلَا يَصح إِطْلَاق لفظ البيع فِيهِ

(4/49)


وَأما اسْتثِْنَاء الْأَصْحَاب وَهُوَ إِطْلَاق لفظ الصُّلْح ابْتِدَاء أَيْضا خَالف فِيهِ بعض الْأَصْحَاب أَيْضا وَقَالُوا إِنَّه جَائِز فتحصلنا فِيهِ على وَجْهَيْن
الِاسْتِثْنَاء الثَّالِث أَن يُصَالح على بعض الْمُدعى فَالظَّاهِر صِحَّته وَيكون هبة للْبَعْض فَيُؤَدِّي معنى الْهِبَة وَلَفظ البيع لَا يحصل بِهِ هَذَا الْغَرَض فصلح الحطيطة بِلَفْظ البيع بَاطِل
وَمن الْأَصْحَاب من حكى عَنهُ أَن الشَّيْخ أَبُو عَليّ منع هَذَا لِأَنَّهُ يُنبئ عَن الْمُعَاوضَة أَعنِي لفظ الصُّلْح وَلَا مُعَاوضَة هَاهُنَا
هَذَا إِذا صَالح عَن عين فَإِن صَالح عَن دين نظر فَإِن صَالح عَن دين آخر فَلَا بُد من التَّسْلِيم فِي الْمجْلس فَإِنَّهُ بيع كالئ بكالئ وَإِن صَالح على عين وَسلم فِي الْمجْلس صَحَّ وَإِن لم يسلم فَالْأَظْهر الصِّحَّة لِأَنَّهُ عين
وَفِيه وَجه يجْرِي ذَلِك فِي لفظ البيع
وَصلح الحطيطة فِي الدّين بِمَعْنى الْإِبْرَاء عَن الْبَعْض صَحِيح وَلَكِن فِي افتقاره إِلَى الْقبُول خلاف كَمَا فِي الْإِبْرَاء بِلَفْظ الْهِبَة
فرع لَو صَالح من ألف حَال على مُؤَجل فَهُوَ بَاطِل لِأَنَّهُ وعد مَحْض لَا يلْزم وَمن الْمُؤَجل على الْحَال وعد من الْجَانِب الآخر وَكَذَا من الصَّحِيح على المكسر وَمن المكسر على الصَّحِيح

(4/50)


وَلَو صَالح من ألف صَحِيح على خَمْسمِائَة مكسر كَانَ إِبْرَاء عَن خَمْسمِائَة ووعدا من الْبَاقِي وَكَذَا عَن ألف حَال على خَمْسمِائَة مُؤَجّلَة فإمَّا عَن ألف مُؤَجل على خَمْسمِائَة حَالَة أَو عَن ألف مكسر على خَمْسمِائَة صَحِيحَة ففاسد لِأَنَّهُ نزل عَن قدر للحصول على وصف زَائِد فَهُوَ فَاسد وَلَا يَصح نُزُوله إِذْ لم يسلم لَهُ مَا طمع فِيهِ
وَلَو اعتاض عَن ألفي دِرْهَم لَهُ عَلَيْهِ ألفا دِرْهَم وَخمسين دِينَارا فَالْأَصَحّ صِحَّته وَيجْعَل مُسْتَوْفيا للألف معتاضا عَن الْبَاقِي خمسين دِينَارا
وَفِيه وَجه آخر أَنه مَسْأَلَة مد عَجْوَة لِأَن لفظ الصُّلْح للمعاوضة هَذَا كُله فِي الصُّلْح على الْإِقْرَار فَأَما الصُّلْح على الْإِنْكَار فَهُوَ بَاطِل عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِن جرى مَعَ الْمُدعى عَلَيْهِ على عين أُخْرَى

(4/51)


وَفِي صلح الحطيطة على الْإِنْكَار وَجْهَان
وَوجه الصِّحَّة أَنه بِمَعْنى الْهِبَة وَالْإِبْرَاء وَذَلِكَ لَيْسَ يَسْتَدْعِي عوضا فَإِذا سلم لَهُ الْبَعْض واتفقا على أَنه ملكه إِذْ يملكهُ بزعم الْمُدعى عَلَيْهِ بِكَوْنِهِ هبة وبزعم الْمُدعى بِكَوْنِهِ مُسْتَحقّا لم يبْق إِلَّا الْخلاف فِي الْجِهَة
وَهَذَا كُله إِذا قَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ صالحني عَن دعواك أَو صالحني مُطلقًا فَلَو قَالَ بِعني الدَّار فَهُوَ إِقْرَار
وَلَو قَالَ صالحني عَن الدَّار فَهَل يَجْعَل إِقْرَارا ليَصِح الصُّلْح على الْإِقْرَار فَوَجْهَانِ الظَّاهِر أَنه لَيْسَ بمقر
أما الصُّلْح على الْإِنْكَار مَعَ الْأَجْنَبِيّ إِن قَالَ الْأَجْنَبِيّ هُوَ مقرّ وَأَنا وَكيله صَحَّ لتقار الْمُتَعَاقدين
وَإِن قَالَ هُوَ مُنكر وَلَكِنِّي أعرف أَنَّك محق وَإِنَّمَا أصالح لَهُ فَوَجْهَانِ

(4/52)


ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى إِقْرَار متعاطي العقد وَفِي الثَّانِي إِلَى من يَقع العقد لَهُ
فَإِن كَانَ الْمُدعى دينا فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْجَوَازِ لِأَنَّهُ مُسْتَقل بِقَضَاء دين غَيره دون قَوْله فَلَا يُؤثر إِنْكَاره فِيهِ
فرعان

أَحدهمَا لَو قَالَ الْأَجْنَبِيّ أَنْت محق وَأَنا أشتريه لنَفْسي فَإِنِّي قَادر على الانتزاع من يَده فَفِي صِحَة شِرَائِهِ وَجْهَان وَجه الْمَنْع أَن الشَّرْع يمنعهُ من الانتزاع فَإِن ظَاهر الْيَد يدل على أَن ذَلِك لَهُ وَالْعجز الشَّرْعِيّ كالعجز الْحسي
الثَّانِي إِذا أسلم على عشرَة نسْوَة وَمَات قبل الْبَيَان فالميراث مَوْقُوف بَينهُنَّ وَيصِح الِاصْطِلَاح على عين التَّرِكَة وَيكون التَّفَاوُت فِيهِ مَحْمُولا على الْمُسَامحَة وَالْهِبَة وَذَلِكَ مُحْتَمل وَإِن كَانَ مَجْهُولا للضَّرُورَة
وَلَو جرى على غير التَّرِكَة لم يجز لِأَن من أَخذ عوضا فَلَا بُد وَأَن يثبت لَهُ ملك فِي معوض

(4/53)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي التزاحم على الْأَمْلَاك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَالنَّظَر فِيهِ يتَعَلَّق بالطرق والجدار الْحَائِل بَين الْملكَيْنِ والسقف الْحَائِل بَين السّفل والعلو
أما الطّرق والشوارع لَا يتَعَلَّق بهَا الِاسْتِحْقَاق
الطّرق وَهِي الْمَوَاضِع الَّتِى ألفيت شوارع فِي الْبِلَاد والصحاري ومبداها فِي الْبِلَاد أَن يَجْعَل الْإِنْسَان ملك نَفسه شوارع أَو يتَّفق الْملاك فِي الْأَحْيَاء على فتح أَبْوَاب الدّور إِلَى صوب وَاحِد
فَلَو انْفَرد بِالتَّصَرُّفِ فِي الشوارع بِفَتْح بَاب إِلَيْهِ لم يكن جَازَ وَكَذَا لَو أخرج جنَاحا لَا يضر بالمارة لِأَن الْهَوَاء بَقِي على أصل الْإِبَاحَة والاختصاص بِالْأَرْضِ للشروع فليوضع الْجنَاح إِلَى حَيْثُ لَا يمْنَع الْمحمل مَعَ الْكَنِيسَة
وَأبْعد مبعدون فَقَالُوا إِلَى أَن لَا يمْنَع الرمْح الْمَنْصُوب فِي يَد فَارس
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله وَإِن فعل ذَلِك فلآحاد الْمُسلمين الْمَنْع وَإِن

(4/54)


لم يمْنَع فَلهُ الِاعْتِمَاد على السُّكُوت
أما التَّصَرُّف فِي أَرض الشوارع بِنصب دكة أَو غرس شَجَرَة حَيْثُ لَا يضيق على الْمَارَّة فِيهِ وَجْهَان
قَالَ القَاضِي الشوارع كالموات فِيمَا عدا الطروق فَلَا يمْنَع إِلَّا مِمَّا يبطل الطروق
وَقَالَ آخَرُونَ بل تعين الأَرْض للطروق فَلَا تصرف إِلَى غَيره فالزقاق قد يتضايق فَيُؤَدِّي إِلَى الضَّرَر
أما السِّكَّة المنسدة الْأَسْفَل فَهِيَ كالشوارع عِنْد الْعِرَاقِيّين وَهُوَ بعيد إِذْ يلْزم عَلَيْهِ أَن يجوز أَن يفتح إِلَيْهَا بَاب وَإِن لم يكن وَفِيه ضَرَر حَاضر وتجويزه بعيد
والمراوزة قَالُوا هُوَ ملك مُشْتَرك بَين السكان
وَمن هُوَ فِي أَعلَى السِّكَّة هَل هُوَ شريك فِيمَا دون بَاب دَاره إِلَى أَسْفَل السِّكَّة
فِيهِ وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه قد يَدُور فِي جَمِيع السِّكَّة لأغراضه فعلى هَذَا يمْتَنع إِحْدَاث زِيَادَة انْتِفَاع لم تكن إِلَّا برضاء الشُّرَكَاء فَإِن رَضوا فَهُوَ إِعَارَة وَلَهُم الرُّجُوع
فَمن فتح بَابا جَدِيدا أَو أشرع جنَاحا فَلِمَنْ تَحْتَهُ الِاعْتِرَاض دبادة وفيمن فَوْقه وَجْهَان

(4/55)


وَلَو سد الْبَاب الْقَدِيم وَفتح بَابا جَدِيدا أقرب إِلَى بَاب الدَّرْب فَلَا منع مِنْهُ وَإِن ترك ذَلِك الْبَاب فَوَجْهَانِ من حَيْثُ إِنَّه قد يجْتَمع الدَّوَابّ وَالنَّاس على الْبَاب الآخر فَكَأَنَّهُ زِيَادَة انْتِفَاع
وَكَذَا الْخلاف إِذا فتح إِلَى دَاره بَاب دَار أُخْرَى ملاصقة لَهُ كَانَ بَابهَا إِلَى الشَّارِع فَإِنَّهُ يكَاد يكون زِيَادَة فِي الِانْتِفَاع فَأَما فتح الكوة للاستضاءة فَلَا منع مِنْهُ
وَأما الْجِدَار الْحَائِل إِن كَانَ ملك وَاحِد فَلَيْسَ للْآخر التَّصَرُّف فِيهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَإِن اسْتَأْذن فِي وضع جذع عَلَيْهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْإِجَابَة إِن تضرر
وَإِن لم يتَضَرَّر فالجديد أَنه لَا يجب وَهُوَ الْقيَاس
وَالْقَدِيم وُجُوبه لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر

(4/56)


فَلَا يمنعن جَاره من أَن يضع خَشَبَة على جِدَاره وَلَعَلَّه تَأْكِيد للاستحباب
التَّفْرِيع إِذا لم يُوجب فَلَو رَضِي فَهُوَ إِعَارَة فَلَو انْهَدم الْجِدَار فَالظَّاهِر انْفِسَاخ الْإِعَارَة فيفتقر إِلَى إِعَادَتهَا وَإِن رَجَعَ قبل الانهدام فَلهُ ذَلِك وَفَائِدَته التسلط على النَّقْض بِشَرْط أَن يغرم الْأَرْش إِذا بنى بِإِذْنِهِ
وَقَالَ القَاضِي فَائِدَته الْمُطَالبَة بِالْأُجْرَةِ فِي الْمُسْتَقْبل فَإِن الطّرف الآخر فِي الْملك الْخَالِص للْمُسْتَعِير فَلَا يُمكنهُ أَن ينقص ذَلِك
أما الْجِدَار الْمُشْتَرك فالنظر فِي الِانْتِفَاع وَالْقِسْمَة والعمارة
أما الِانْتِفَاع فَلَا يجوز إِلَّا بعد التَّرَاضِي كَسَائِر الْأَمْلَاك الْمُشْتَركَة وَأما الِاسْتِنَاد إِلَيْهِ فَفِي الْمَنْع مِنْهُ تردد لِأَنَّهُ عناد مَحْض
أما الْقِسْمَة فجائزة بِالتَّرَاضِي فِي الطول وَالْعرض جَمِيعًا ثمَّ لَا يتَصَرَّف كل وَاحِد بِمَا يضر بِصَاحِبِهِ لِأَن الْأَمْلَاك متلاصقة وَلَا يجْبر على قسْمَة الْجِدَار فِي كل الطول وَنصف الْعرض لِأَنَّهُ لَا يُسَلط على الِانْتِفَاع بِوَضْع الْجُذُوع وَلِأَن الْقرعَة قد تخرج على نقيض المُرَاد

(4/57)


وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب لَا قرعَة بل يتَعَيَّن لكل وَاحِد جَانِبه أما فِي جَمِيع الْعرض وَبَعض الطول فالإجبار عَلَيْهِ يبْنى على الْمَعْنيين فَإِن الِانْتِفَاع يتَعَذَّر للاتصال وَلَكِن الْقرعَة لَا تتعذر
أما الأساس فَلَا مَانع من الْإِجْبَار على قسمته إِلَّا أَمر الْقرعَة وَفِي مَذْهَب صَاحب التَّقْرِيب مَا يدْفع عسره
أما الْعِمَارَة فَإِذا استرم الْجِدَار فَهَل لأحد الشَّرِيكَيْنِ أَن يجْبر الآخر على الْعِمَارَة فِي قَولَانِ
أَحدهمَا وَهُوَ الْقَدِيم بلَى للْمصْلحَة حذارا من تَعْطِيل الْأَمْلَاك
والجديد لَا لِأَنَّهُ رُبمَا يتَضَرَّر هُوَ بِصَرْف مَاله إِلَى الْعِمَارَة إِذا كَانَ لَا يتفرغ لَهُ فالضرر متقابل فعلى هَذَا لَيْسَ لَهُ منع الشَّرِيك إِلَّا من الاستبداد بالعمارة لِأَنَّهُ عناد مَحْض
وَكَذَا الْخلاف فِي أَن صَاحب الْعُلُوّ هَل لَهُ أَن يجْبر صَاحب السّفل على إِعَادَته ليبني عَلَيْهِ علوه وَلَا خلاف فِي أَن لصَاحب الْعُلُوّ الاستبداد بِبِنَاء السّفل وَإِن كَانَ

(4/58)


متصرفا فِي ملك غَيره دفعا للضَّرَر
فروع ثَلَاثَة

أَحدهَا الْجِدَار الْمُشْتَرك إِن أَعَادَهُ أَحدهمَا فالنقض الْمُشْتَرك عَاد مُشْتَركا وَلَو أعَاد السّفل بِالنَّقْضِ الذى كَانَ عَاد ملكا لصَاحب السّفل فَلَو هَدمه بعد أَن بناه غرم لَهُ لِأَنَّهُ دخل فِي ملكه مَبْنِيا وَلِصَاحِب السّفل أَن ينْتَفع بِهِ
وَكَذَا لَو أعَاد صَاحب الْعُلُوّ ينْقض نَفسه فَلَا يمْنَع صَاحب السّفل من السّكُون فِي ملكه وَإِن أحَاط بِهِ جدران غَيره
وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب لَهُ أَن يمنعهُ مِنْهُ إِلَى أَن يغرم لَهُ الْقيمَة وَهَذَا يَلِيق بالْقَوْل الْقَدِيم ثمَّ على القَوْل الْقَدِيم لَا يجْبرهُ إِلَّا على الْقدر الذى يُخرجهُ عَن كَونه خرابا ضائعا وللقاضي أَن يستقرض عَلَيْهِ إِن كَانَ غَائِبا فالشريك لَو استبد بالِاتِّفَاقِ دون إِذن القَاضِي فَفِي رُجُوعه ثَلَاثَة أوجه يفرق فِي الثَّالِث بَين أَن لَا يكون فِي الْبَلَد قَاض فَيكون مَعْذُورًا أَو يكون
الثَّانِي لَو أعَاد أحد الشَّرِيكَيْنِ لاجدار بِالنَّقْضِ الْمُشْتَرك بِشَرْط أَن يكون

(4/59)


ثلثا الْملك لَهُ فِي النَّقْض جَازَ فَكَأَنَّهُ جعل سدس النَّقْض أُجْرَة لَهُ على عمله
وَلَو تعاونا وشرطا التَّفَاوُت قَالَ الْأَصْحَاب لَا يجوز لِأَن النَّقْص متساو وَالْعَمَل متساو
وَفِيه وَجه إِذْ لأَحَدهمَا أَن يتَبَرَّع بِالْعَمَلِ على الآخر ويبذل للْآخر على عمله الذى صَادف ملكه عوضا من النَّقْض وكل ذَلِك يجوز بِشَرْط أَن يملك النَّقْض دون الْجِدَار فَإِن ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى تَعْلِيق الْملك فِي الْعِوَض
الثَّالِث من لَهُ حق إِجْرَاء المَاء فِي أَرض الْغَيْر فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْعِمَارَة إِذا استرمت الأَرْض وَكَذَا إِن كَانَ من جِهَة المَاء على الظَّاهِر من الْمَذْهَب
أما السّقف الْحَائِل بَين الْعُلُوّ والسفل فَلصَاحِب الْعُلُوّ الْجُلُوس عَلَيْهِ وَلِصَاحِب السّفل الاستظلال بِهِ وَإِنَّمَا يتَصَوَّر ذَلِك بِأَن يَبِيع صَاحب السّفل حق الْبناء على سطحه من غَيره فيبني الْغَيْر

(4/60)


وَقَالَ الْمُزنِيّ هَذَا البيع بَاطِل إِذْ لَا مَبِيع وَإِنَّمَا هُوَ إِجَارَة فلبؤقت وَشبه هَذَا بالاعتياض عَن الْجنَاح المشرع فِي دَار الْغَيْر فَإِنَّهُ مَمْنُوع وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ جوز أَن يُبَاع حق الْملك إِذا كَانَ مَقْصُورا كعين الْملك فِي حق الْمَمَر ومجرى المَاء ومسيله وَكَذَلِكَ حق وضع الْجُذُوع
فروع

الأول اخْتلفُوا فِي أَن هَذَا هَل ينْعَقد بِلَفْظ الْإِجَارَة مَعَ مَا فِيهِ من التأييد
الثَّانِي يجب عَلَيْهِ أَن يعلم مَوضِع الْبناء وَقدره وَأَن اللبنات فِي الْجِدَار منضدة أَو متجافية الأجواف وَلَا حَاجَة على الْأَظْهر إِلَى ذكر الْوَزْن فَلَو بَاعَ حق الْبناء على الأَرْض فَإِنَّهُ لَا يحْتَاج إِلَى ذكر تنضيد اللبنات أَيْضا لِأَن الأَرْض لَا تتأثر بِهِ
الثَّالِث صَاحب السّفل إِذا هدم السّفل غرم لصَاحب الْعُلُوّ حق الْبناء وَلم يَنْفَسِخ لِأَن حكم البيع غَالب على هَذَا العقد فَإِذا أعَاد السّفل اسْتردَّ مَا غرمه إِذْ كَانَ ذَلِك للْحَيْلُولَة

(4/61)


وَكَذَا الْأَجِير يغرم فِي الْحَال مَا يَشْتَرِي بِهِ حق الْبناء ثمَّ يسْتَردّ عِنْد إِعَادَة السّفل

(4/62)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي التَّنَازُع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَفِيه مسَائِل خَمْسَة
الأولى إِذا ادّعى رجلَانِ دَارا فِي يَد ثَالِث زعما أَنَّهُمَا شريكان فِيهِ فَصدق أَحدهمَا يساهمه المكذب فِي الْقدر الذى يسلم لَهُ إِن ادّعَيَا عَن جِهَة إِرْث وَإِن ادّعَيَا عَن جِهَة شرائين أَو هبتين أَو جِهَتَيْنِ مختلفتين فَلَا يساهم وَإِن ادّعَيَا عَن جِهَة شِرَاء وَاحِد أَو هبة وَاحِدَة فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا لَا لِأَن الصَّفْقَة تَتَعَدَّد بِتَعَدُّد المُشْتَرِي
وَالثَّانِي بلَى لِأَن العقد اقْتضى الْملك فِي كل جُزْء على الشُّيُوع فعلى هَذَا يلْتَفت مَا إِذا باعا عبدا مُشْتَركا فَأخذ أَحدهمَا نصِيبه من الثّمن هَل يستبد بِهِ أم يُقَال كل جُزْء من الثّمن فَهُوَ مُشْتَرك إِلَى الْقِسْمَة
وَلَا خلاف أَن كل جُزْء من النُّجُوم فِي العَبْد الْمُشْتَرك إِذا كُوتِبَ مُشْتَرك لِأَن تَنْجِيز الْعتْق فِي نصيب أَحدهمَا مُضر الآخر
الثَّانِيَة ادّعى رجل على رجلَيْنِ دَارا فِي يدهما فَأقر أَحدهمَا ثَبت نصِيبه
فَلَو صَالحه على مَال وَأَرَادَ الْمُنكر أَخذه بِالشُّفْعَة فَلهُ ذَلِك إِن تعدد جِهَة ملكيهما
وَإِن كَانَ عَن جِهَة إِرْث فَلَا لِأَنَّهُ بإنكاره كذبه فِي أصل الدَّعْوَى فَبَطل الصُّلْح بِزَعْمِهِ وَبَقِي الْملك لشَرِيكه فَهُوَ مؤاخذ بقوله وَفِيه وَجه

(4/63)


الثَّالِثَة إِذا تنَازعا جدارا حَائِلا بَين ملكهمَا فَالظَّاهِر أَنه فِي يدهما فَيحكم بِالشّركَةِ
فَلَو اتَّصل طرف الْجِدَار بجدار خَالص لأَحَدهمَا اتِّصَال ترصيف صَار هُوَ صَاحب الْيَد
وَكَذَلِكَ لَو كَانَ على خَشَبَة وأصل تِلْكَ الْخَشَبَة دَاخل فِي خَالص ملك أَحدهمَا
وَلَو كَانَ لأَحَدهمَا عَلَيْهِ جُذُوع لم تكن الْيَد لَهُ خلافًا لأبي حنيفَة لِأَنَّهُ اخْتِصَاص بِزِيَادَة انْتِفَاع فضاهى مَا لَو تنَازعا دَارا وهما فِيهَا ولأحدهما فِيهَا أقمشة وَلَيْسَ كَمَا لَو تنَازعا دَابَّة أَحدهمَا آخذ بِلِجَامِهَا وَالْآخر رَاكب فَإِنَّهَا فِي يَد الرَّاكِب إِذْ لَيْسَ ثمَّ عَلامَة ظَاهِرَة للاشتراك وَهَاهُنَا كَون الْجِدَار حَائِلا عَلامَة ظَاهِرَة للاشتراك فَلَا يُغير إِلَّا بِسَبَب ظَاهر
وَكَذَلِكَ لَو كَانَ معاقد القمط أَو الطاقات الْمرتبَة أَو الْأَطْرَاف الصَّحِيحَة من اللبنات فِي أحد الْجَانِبَيْنِ فَلَا مبالاة بشئ من ذَلِك
فرع لَو شهِدت بَيِّنَة لأَحَدهمَا بِملك الْجِدَار وتنازعا فِي الأس فالمشهود لَهُ صَار صَاحب الْيَد فِي الأس إِذْ لَيْسَ الأس حَائِلا بَين الْملكَيْنِ حَتَّى يُقَال الِاشْتِرَاك فِيهِ ظَاهر بِخِلَاف الْجِدَار إِذا كَانَ عَلَيْهِ جذع
الرَّابِعَة تنَازع صَاحب الْعُلُوّ والسفل فِي السّقف فَهُوَ بَينهمَا لِأَنَّهُ حَائِل بَين ملكيهما وَهُوَ لأَحَدهمَا أَرض وَللْآخر سَمَاء
وَذَلِكَ إِذا كَانَ يُمكن إحداثه بعد بِنَاء الْعُلُوّ بِوَضْع أَطْرَاف الْجُذُوع عَلَيْهِ فِي

(4/64)


ثقبة الْجِدَار فَإِن لم يُمكن إِلَّا قبل بِنَاء الْعُلُوّ فَهُوَ مُتَّصِل بالسفل اتِّصَال ترصيف فاليد لصَاحب السّفل ثمَّ إِذا قضينا بالاشتراك فَفِي جَوَاز التَّعْلِيق لصَاحب السّفل مِنْهُ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا الْجَوَاز مُكَافَأَة لصَاحب الْعُلُوّ فَإِنَّهُ يستبد بِالْجُلُوسِ عَلَيْهِ
وَالثَّانِي الْمَنْع لِأَن ذَلِك الْقدر ضَرُورَة فِي حَقه
وَالثَّالِث أَنه إِذا افْتقر إِلَى شقّ السّقف بوتد لم يجز وَإِلَّا جَازَ لَهُ ذَلِك فَإِنَّهُ حَقِيقَة الْمُكَافَأَة على التَّسَاوِي
الْخَامِسَة إِذا كَانَ علو الخان لوَاحِد وسفله لآخر وتنازعا فِي الْعَرَصَة فَإِن كَانَ المرقي فِي أَسْفَل الخان فالعرصة فِي يدهما وَإِن كَانَ فِي وَسطه فالعرصة إِلَى المرقى فِي يدهما وَمَا تَحْتَهُ فِيهِ وَجْهَان وَكَذَا لَو كَانَ فِي الدهليز
أما إِذا كَانَ خَارِجا فالعرصة فِي يَد صَاحب السّفل
وَلَو تنَازعا فِي نفس المرقى فَهُوَ فِي يَد صَاحب الْعُلُوّ إِلَّا إِذا كَانَ تَحْتَهُ بَيت لصَاحب السّفل ينْتَفع بِهِ فَهُوَ سقف لَهُ كَمَا أَنه مرقى لصَاحب الْعُلُوّ فَهُوَ فِي يدهما

(4/65)