الوسيط في المذهب

= كتاب الشُّفْعَة = وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب

(4/67)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَان الِاسْتِحْقَاق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وهى ثَلَاثَة الْمَأْخُوذ والآخذ والمأخوذ مِنْهُ
الرُّكْن الأول الْمَأْخُوذ

وَهُوَ كل عقار يجْبر فِيهِ على الْقِسْمَة
أما قَوْلنَا عقارا احترزنا بِهِ عَن المنقولات فَلَا شُفْعَة فِيهَا إِذْ لَا يتأبد الضرار فِيهَا فَلم تكن فِي معنى الْعقار
نعم يستتبع الْعقار الجدران وَالْأَشْجَار لاتصالها بهَا على التَّأْبِيد
وَلَا يتَعَلَّق حق الشَّفِيع بالثمار المؤبرة وَسَوَاء تأبرت بعد العقد أَو حَال العقد مهما كَانَت مؤبرة عِنْد الْآخِذ وَإِن لم تكن مؤبرة فَقَوْلَانِ سَوَاء كَانَت مَوْجُودَة حَالَة العقد أَو وجدت بعده إِذا بقيت عِنْد الْآخِذ غير مؤبرة
أَحدهمَا يَأْخُذهُ الشَّفِيع لِأَن مَا يتبع فِي العقد يتبع فِي الشُّفْعَة كأغصان الشّجر
وَالثَّانِي لَا لِأَن الأغصان تبقى فِي معنى الثوابت بِخِلَاف الثِّمَار
وَأما قَوْلنَا يجْبر فِيهِ على الْقِسْمَة احترزنا بِهِ عَن الْحمام والطاحونة والبئر الَّتِى يسقى بهَا النَّوَاضِح إِذا كَانَت صَغِيرَة فَلَا شُفْعَة فِيهَا إِذْ لَيْسَ فِيهَا ضرار مُؤنَة الْقِسْمَة وتضييق الْمرَافِق وَهُوَ منَاط الشُّفْعَة ولأجله لم تثبت للْجَار

(4/69)


وَقَالَ ابْن سُرَيج تثبت فِيهِ الشُّفْعَة لِضِرَار المداخلة على التَّأْبِيد
ونعني بالمنقسم مَا تبقى منفعَته بعد الْقِسْمَة وَلَو على تضايق فَيبقى حَماما فِيهِ وطاحونة
وَقيل الْمَعْنى أَن يبْقى فِيهِ مَنْفَعَة مَا وَلَو للسكون
وَقيل أَن تبقى تِلْكَ الْمَنْفَعَة من غير تضايق كَالدَّارِ الفيحاء وعرصة الأَرْض
والوجهان بعيدان
فروع ثَلَاثَة

أَحدهَا من لَهُ فِي الدَّار الصَّغِيرَة عشرهَا لَيْسَ لَهُ إِجْبَار صَاحبه على الْقِسْمَة لِأَنَّهُ تعنت من غير فَائِدَة فَلَا يجْبر صَاحب الْعشْر على الْقِسْمَة وَلِصَاحِب الْكثير غَرَض فِيهِ وَجْهَان فَإِن منع فَلَا شُفْعَة من الْجَانِبَيْنِ
الثَّانِي الْأَشْجَار إِذا بِيعَتْ مَعَ قَرَارهَا دون الْبيَاض المتحلل بَينهمَا فِي ثُبُوت الشُّفْعَة للشَّرِيك فِيهَا وَكَذَا الْجِدَار العريض إِذا بيع مَعَ الأس وَجْهَان
أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ بيع مَعَ الأَرْض فَصَارَ كالبائع وَالدَّار

(4/70)


وَالثَّانِي لَا لِأَن الأَرْض فِيهِ تبع والمتبوع مَنْقُول وَالْعبْرَة للمتبوع لَا للتابع
الثَّالِث دَار سفلها لوَاحِد وعلوها مُشْتَرك
إِن كَانَ السّقف لصَاحب السّفل فَلَا شُفْعَة فِي الْعُلُوّ لِأَنَّهُ لَا أَرض لَهُ فَلَا ثبات وَإِن كَانَ السّقف لشركاء الْعُلُوّ فَوَجْهَانِ
وَوجه الْمَنْع أَنه لَا أَرض لَهُ والسقف لَا ثبات لَهُ

(4/71)


الرُّكْن الثَّانِي الْآخِذ

وَتثبت الشُّفْعَة لكل شريك فِي الدَّار وَإِن كَانَ كَافِرًا إِلَّا إِذا كَانَت شركته بِالْوَقْفِ فَإِن قُلْنَا لَا يملكهُ الْمَوْقُوف فَلَا شُفْعَة
وَإِن قُلْنَا يملك فَوَجْهَانِ مبنيان على أَنه هَل يقسم الْوَقْف وَالْملك
وَلَا تثبت للْجَار وَإِن كَانَ ملاصقا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يثبت للْجَار ووإن لم يكن شَرِيكا
وَقيل للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَول مثله وَحكي عَن ابْن سُرَيج وَهُوَ غير صَحِيح
نعم لَو قضى حَنَفِيّ لشفعوي بِهِ فَهَل يحل لَهُ بَاطِنا فِيهِ وَجْهَان
فرع

الشَّرِيك فِي الْمَمَر إِذا لم يكن شَرِيكا فِي الدَّار لَا شُفْعَة لَهُ فِي الدَّار

(4/72)


وَإِذا بيع الْمَمَر وَهُوَ مَمْلُوك منسد الْأَسْفَل فَإِن لم يقبل الْقِسْمَة أَي لَا يصلح للممر بعد الْقِسْمَة فَلَا شُفْعَة على الْمَذْهَب
وَإِن كَانَ يَنْقَسِم نظر فَإِن كَانَ للْمُشْتَرِي فِي غير الْمَأْخُوذ طَرِيق آخر إِلَى دَاره سوى الْمَمَر ثبتَتْ الشُّفْعَة وَإِن لم يكن فَثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا لَا لِأَن فِيهِ ضَرَرا بالمشتري فِي غير الْمَأْخُوذ بِالشُّفْعَة
وَالثَّانِي أَنه يثبت لِأَن حق الْمَمَر تَابع
وَالثَّالِث أَنه إِن أَرَادَ الْأَخْذ وَجب لَهُ تَجْوِيز الِاخْتِيَار للْمُشْتَرِي جمعا بَين الْحَقَّيْنِ وَإِن أَبى ذَلِك فَلَا شُفْعَة لَهُ

(4/73)


الرُّكْن الثَّالِث الْمَأْخُوذ مِنْهُ

وَهُوَ كل من اسْتَفَادَ الْملك اللَّازِم بمعاوضة فِي الشّقص الْمشَاع
أما الْمُعَاوضَة فقد احترزنا بهَا عَن الْهِبَة فَلَا شُفْعَة فِيهَا كَمَا فِي الْإِرْث لِأَنَّهُ لَا عوض حَتَّى يُؤْخَذ بِهِ
وَقَالَ مَالك رَحمَه الله يُؤْخَذ بِقِيمَتِه وحوينا فِيهِ الشّقص إِذا جعل أُجْرَة فِي إِجَارَة أَو صَدَاقا فِي نِكَاح أَو عوضا فِي خلع أَو كِتَابَة أَو صلح عَن دم أَو مُتْعَة فَيُؤْخَذ بِالشُّفْعَة بِقِيمَة مُقَابِله فَإِن الشَّرْع قد قوم جَمِيع ذَلِك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يُؤْخَذ إِلَّا الْمَبِيع
وَقَوْلنَا بمعاوضة احترزنا بِهِ عَن الْملك الْعَائِد بالإقالة وَالرَّدّ بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذ بِالشُّفْعَة كَمَا إِذْ أسقط الشَّفِيع حَتَّى بَاعَ المُشْتَرِي وَعَاد إِلَيْهِ بإقالة فَلَا يَتَجَدَّد الْحق لِأَن الْعَائِد هُوَ ملك المُشْتَرِي بذلك الشِّرَاء فَلَيْسَ حَاصِلا بِخُرُوج

(4/74)


الثّمن عَن ملكه على طَرِيق الرَّد
وَقَوْلنَا لَازم احترزنا بِهِ عَن الْمَبِيع فِي زمَان الْخِيَار إِذا كَانَ الْخِيَار للْبَائِع لم يُؤْخَذ إِذْ لَا سَبِيل إِلَى البَائِع للشَّفِيع
وَإِن كَانَ للْمُشْتَرِي وَحده فطريقان
أَحدهمَا أَنه لَا يُؤْخَذ لِأَن العقد لم يسْتَقرّ بعد وَرُبمَا قُلْنَا لَا ملك لَهُ
وَالثَّانِي أَنه يخرج على الْقَوْلَيْنِ فِي أَنه لَو وجد بِهِ عَيْبا فَهُوَ أولى بِالرَّدِّ على البَائِع أَو الشَّفِيع بِالْأَخْذِ فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا الشَّفِيع أولى لِأَن حَقه ثَابت بِالْعقدِ وَلَا ضَرَر عله إِذا سلم لَهُ كَمَال الثّمن
وَالثَّانِي المُشْتَرِي أولى إِذْ لَا يحِق للشَّفِيع إِلَّا بعد العقد وَرُبمَا يكون للْمُشْتَرِي غَرَض فِي عين ثمنه
فَإِن قُلْنَا الشَّفِيع أولى فَلَو حضر بعد الرَّد فَفِي رده الرَّد وَجْهَان
فَإِن قُلْنَا يرد فَهُوَ بطرِيق تبين الْبطلَان أَو بطرِيق الْإِنْشَاء فِي الْحَال فِيهِ وَجْهَان وَيقرب من هَذَا أَن الشّقص الْمَشْفُوع إِذا كَانَ صَادِقا وهم الشَّفِيع بِأَخْذِهِ

(4/75)


فَطلق الزَّوْج قبل الْمَسِيس قَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي الزَّوْج أولى لِأَن سَببه سَابق
وَقَالَ ابْن الْحداد لَو أفلس مُشْتَرِي الْمَشْفُوع بِالثّمن فالشفيع أولى بِالْأَخْذِ من البَائِع بِالرُّجُوعِ
فَقَالَ الْأَصْحَاب هما جوابان متناقضان فَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِلشَّيْخَيْنِ وَجْهَان
فَإِن قُلْنَا فِي مَسْأَلَة الإفلاس الشَّفِيع أولى فالبائع هَل يخْتَص بِالثّمن فِيهِ وَجْهَان
وَاخْتِيَار ابْن الْحداد أَنه يضارب لِأَن حَقه قد بَطل
فروع عشرَة

الأول إِذا اشْترى ذمِّي شِقْصا مشفوعا من ذمِّي بِخَمْر وَفِيه لمُسلم أَو ذمِّي شركَة فَلَا يحكم بِالشُّفْعَة لِأَن الشِّرَاء الْفَاسِد لَا يُفِيد الْملك فملكه قَائِم
وَلَو أَخذ الذِّمِّيّ ثمن خمر وَسلمهُ عَن الْجِزْيَة لم نقبله إِذا رَأينَا ذَلِك وَإِن لم نره واعترف بِهِ فَفِيهِ وَجْهَان
وَوجه الْجَوَاز أَنه لَا اعْتِمَاد على قَوْلهم
الثَّانِي سلم العَبْد عَن نُجُوم الْكِتَابَة شِقْصا ثمَّ رد إِلَى الرّقّ فَفِي بطلَان حق الشُّفْعَة وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه كَانَ عوضا أَولا ثمَّ خرج عَن كَونه عوضا
الثَّالِث أوصى لمستولدته بشقص إِن خدمت أَوْلَاده شهرا فَفِي الشُّفْعَة

(4/76)


وَجْهَان لِأَنَّهُ مردد بَين الْوَصِيَّة والمعاوضة
الرَّابِع العَبْد الْمَأْذُون لَهُ الْأَخْذ بِالشُّفْعَة إِن كَانَ شَرِيكا لِأَنَّهُ من التِّجَارَة وَإِن عَفا لم يسْقط حق سَيّده وَإِن عَفا سَيّده لم يكن لَهُ الْأَخْذ وَإِن كَانَ بعد إحاطة الدُّيُون بِهِ
الْخَامِس الْوَصِيّ إِن اشْترى للطفل شِقْصا وَهُوَ شريك فَلهُ أَخذه وَإِن بَاعَ فَأخذ من المُشْتَرِي لم يجز لِأَنَّهُ مُتَّهم فِيهِ فَكَأَنَّهُ يَبِيعهُ من نَفسه وَللْأَب ذَلِك لِأَنَّهُ يَبِيع من نَفسه فَهَذَا لَا يزِيد عَلَيْهِ
وَقيل إِنَّه يحْتَمل التجويز فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِأَن الْغِبْطَة لَا تخفى
وَالْوَكِيل بِالْبيعِ هَل يَأْخُذ مَا بَاعَ بِالشُّفْعَة فِيهِ وَجْهَان
وَوجه الْمَنْع التُّهْمَة وَالأَصَح الْجَوَاز
السَّادِس يجب على الْأَب أَن يَأْخُذ بِالشُّفْعَة لطفله إِذا كَانَ فِيهِ مصلحَة فَإِن لم يَفْعَله فعله القَاضِي فَإِن أسقط الْأَب الشُّفْعَة كَانَ للصَّبِيّ الطّلب بعد الْبلُوغ
وَإِن بيع بشئ فِيهِ غِبْطَة للصَّبِيّ فَفِي وجوب الشِّرَاء وَجْهَان

(4/77)


وَالْفرق أَن الشُّفْعَة تثبت وَفِي الإهمال تَفْوِيت والتفويت مُمْتَنع وَإِن لم يكن الِاكْتِسَاب وَاجِبا
السَّابِع إِذا كَانَ المُشْتَرِي أحد الشُّرَكَاء فِي الدَّار فَلَا يُؤْخَذ الْجَمِيع مِنْهُ بل يتْرك عَلَيْهِ مَا كَانَ يَخُصُّهُ لَو لم يكن مُشْتَريا
وَقَالَ ابْن سُرَيج يُؤْخَذ الْكل لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى أَن يَأْخُذهُ بِالشُّفْعَة من نَفسه وَهُوَ محَال وَالشِّرَاء لَا يُوجب ملكا لَازِما فِي الْمَشْفُوع فليؤخذ وَالْمذهب الأول
الثَّامِن حكى الْقفال عَن ابْن سُرَيج أَنه قَالَ أَن عَامل الْقَرَاض إِذا اشْترى بِمَال الْقَرَاض شِقْصا للْمَالِك فِيهِ شركَة فَلهُ الْأَخْذ ثمَّ أنكر الْقفال وَقَالَ كَيفَ يَأْخُذ ملك نَفسه
وَفِيه احْتِمَال من حَيْثُ إِن الْعَامِل يسْتَحق بَيْعه لينض المَال وَفِي ذَلِك إِضْرَار بِهِ فَلهُ دفع هَذَا الضَّرَر كَمَا لَهُ دفع ضَرَر أصل الْملك
التَّاسِع إِذا بَاعَ الْمَرِيض شِقْصا يُسَاوِي أَلفَيْنِ بِأَلف من أَجْنَبِي وَثلث مَاله واف بِهِ وَلَكِن الشَّفِيع وَارِث فَلَو أَخذه لوصلت الْمُحَابَاة إِلَيْهِ ولصار ذَلِك ذَرِيعَة فَفِيهِ خَمْسَة أوجه
أَحدهمَا يَصح وَلَا يثبت الشُّفْعَة حذارا من وُصُول الْمُحَابَاة وَالشُّفْعَة على

(4/78)


الْجُمْلَة تسْقط بأعذار فَهَذَا من جُمْلَتهَا
وَالثَّانِي يَصح وَتثبت الشُّفْعَة وَتَكون الْمُحَابَاة من الْمَرِيض مَعَ الْأَجْنَبِيّ لَا مَعَ الْوَارِث وحسم الْحِيَل غير مُمكن
وَالثَّالِث لَا يَصح البيع إِذا لَو صَحَّ لاستحال نفي الشُّفْعَة واستحال إِثْبَاتهَا أَيْضا وَمَا أدّى إِلَى محَال فَهُوَ محَال
وَالرَّابِع أَن هَذِه الإحالة فِي النّصْف فَيصح البيع على النّصْف بِأَلف وَتبطل فِي الْبَاقِي
وَالْخَامِس أَن الإحالة فِي حق الشَّفِيع فَيَأْخُذ النّصْف بِأَلف وَيتْرك الْبَاقِي على المُشْتَرِي
الْعَاشِر تساوق رجلَانِ إِلَى مجْلِس الحكم وهما شريكان فِي دَار يزْعم كل وَاحِد مِنْهُمَا أَنه السَّابِق فِي الشِّرَاء وَأَنه يسْتَحق نصيب الآخر بِالشُّفْعَة فَيعرض الْيَمين عَلَيْهِم فَإِن تحَالفا أَو تناكلا تساقط قَوْلهمَا وَإِن حلف أَحدهمَا أَخذ نصيب الآخر
وَإِن أَقَامَ كل وَاحِد بَيِّنَة نظر إِلَى التَّارِيخ فَإِن أرخا بِيَوْم وَاحِد فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا يتساقطان فَكَأَن لَا بَيِّنَة على الآخر لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة
الثَّانِي أَنه يحكم بهما وَيقدر جَرَيَان الْعقْدَيْنِ مَعًا فَلَا شُفْعَة لأَحَدهمَا على الآخر إِذْ لَيْسَ أَحدهمَا قَدِيما بِالْإِضَافَة إِلَى الآخر

(4/79)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الْأَخْذ وَحكم الْمَأْخُوذ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول
الْفَصْل الأول فِيمَا يحصل بِهِ الْملك

وَلَا بُد من رضَا الشَّفِيع فَإِنَّهُ غير مجبر وَلَا يشْتَرط رضَا المُشْتَرِي فَإِنَّهُ مقهور وَلَا يَكْفِي قَول الشَّفِيع أخذت وتملكت وَأَنا طَالب بل يحصل الْملك بأمرين
أَحدهمَا بذل الثّمن
وَالْآخر تَسْلِيم المُشْتَرِي الشّقص إِلَيْهِ رَاضِيا بِذِمَّتِهِ
فَإِن وجد الرِّضَا دون تَسْلِيم الشّقص وَالثمن فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا يحصل لِأَنَّهُ مُعَاوضَة فَبعد التَّرَاضِي لَا يشْتَرط الْقَبْض
وَالثَّانِي لَا إِذْ لَا عِبْرَة بِرِضا المُشْتَرِي وَهُوَ مقهور فَلَا بُد من أَمر زَائِد وَهُوَ تَسْلِيم الشّقص أَو أَخذ الثّمن
وَلَو رفع الشَّفِيع الْأَمر إِلَى القَاضِي وَطلب وَقضى لَهُ القَاضِي فَفِي حُصُول الْملك وَجْهَان
وَلَو أشهد على الطّلب وَلم يقْض القَاضِي فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا يحصل ثمَّ إِن

(4/80)


قصر فِي تَسْلِيم الثّمن بَطل ملكه بطرِيق التبين لَهُ أم بطرِيق الِانْقِطَاع فِيهِ وَجْهَان
هَذَا إِن رَضِي المُشْتَرِي فَإِن أَبى إِلَّا أَخذ الثّمن فَهَل يبْقى خِيَار الشَّفِيع إِلَى أَن يسلم الثّمن فِيهِ وَجْهَان وَالْأَظْهَر أَن الْملك لَا يحصل بِالْقضَاءِ وَالْإِشْهَاد
وَإِن حصل فَلَا يبْقى الْخِيَار وَيمْتَنع التَّصَرُّف على المُشْتَرِي وَفَاء بتحصيل الْملك وعَلى الْأَحْوَال كلهَا فَلِلْمُشْتَرِي حبس الشّقص إِلَى تَسْلِيم الثّمن بِخِلَاف البَائِع فَإِن فِيهِ أقوالا لِأَنَّهُ رَضِي بِزَوَال الْملك
فرع

هَل تلتحق مُعَاوضَة الشَّفِيع بِالْبيعِ فِي ثُبُوت خِيَار الْمجْلس من جَانب الشَّفِيع بعد التَّمَلُّك فِيهِ وَجْهَان ذكرناهما فِي أول البيع
وَوجه الْفرق أَن إِثْبَات خِيَار الْمجْلس من أحد الْجَانِبَيْنِ بعيد وَلَا خلاف فِي أَن خِيَار الشَّرْط لَا يثبت
وَكَذَا الْخلاف فِي أَن تصرف الشَّفِيع قبل الْقَبْض وَبعد التَّمَلُّك هَل ينفذ وَوجه الْفرق أَن ملك الشُّفْعَة كَأَنَّهُ ملك بِنَاء قهري يضاهي الْإِرْث بِخِلَاف البيع وَكَذَا ثُبُوت الْملك بِالشُّفْعَة فِيمَا لم ير فِيهِ خلاف مُرَتّب على البيع وَأولى بالثبوت
فَإِن أثبتنا الْملك فَلهُ الْخِيَار عِنْد الرُّؤْيَة وَللْمُشْتَرِي الِامْتِنَاع عَن قبُول الثّمن إِلَى أَن يرَاهُ الشَّفِيع فَإِنَّهُ لَا يَثِق بِالتَّصَرُّفِ فِي الثّمن

(4/81)


الْفَصْل الثَّانِي فِيمَا يبْذل من الثّمن
وَفِيه مسَائِل
الأولى أَن الشَّفِيع يَأْخُذ الشّقص بِمَا بذله المُشْتَرِي إِن كَانَ مثلِيا فبمثله وَإِن كَانَ مُتَقَوّما فبقيمته يَوْم العقد ليجبر مَا فَاتَ عَلَيْهِ إِذا أَخذ مَا حصل لَهُ
وَإِذا كَانَ الثّمن مائَة منا من الْحِنْطَة قَالَ الْقفال وَالْأَئِمَّة يُكَال وَيسلم مثله كَيْلا فَإِن الْمُمَاثلَة فِي الربويات بمعيار الشَّرْع
وطردوا هَذَا فِي إقراض الْحِنْطَة بِالْوَزْنِ ومنعوه
وَقَالَ القَاضِي يَكْفِي الْوَزْن فِي مَسْأَلَتنَا إِذْ المبذور فِي مُقَابلَة الشّقص وَقدر الثّمن معياره لَا عوضه وَكَذَا فِي الْقَرْض فَإِنَّهُ لَو كَانَ مُعَاوضَة لشرط التَّقَابُض فِي الْمجْلس
الثَّانِيَة اشْترى شِقْصا بِأَلف إِلَى سنة فَثَلَاثَة أَقْوَال الْجَدِيد وَهُوَ الْأَصَح أَن الشَّفِيع يتَخَيَّر بَين أَن يعجل الْألف وَيَأْخُذ أَو يُؤَخر إِلَى حُلُول الْأَجَل فَيَأْخُذ وَيسلم بعد الْحُلُول إِذْ إِثْبَات الْأَجَل عَلَيْهِ يضر بالمشتري فَإِنَّهُ قد لَا يرضى بِذِمَّتِهِ
وعَلى هَذَا إِن أخر وَأشْهد على الطّلب لم تبطل شفعته وَإِن لم يشْهد فَوَجْهَانِ وَوجه بَقَاء الشُّفْعَة أَنه مَعْذُور
وَلَو مَاتَ المُشْتَرِي وَحل عَلَيْهِ الدّين لم يحل على الشَّفِيع لِأَنَّهُ حَيّ فَهُوَ كضامن لدين مُؤَجل مَاتَ الْمَضْمُون عَنهُ

(4/82)


وَالْقَوْل الثَّانِي حَكَاهُ حَرْمَلَة أَنه يملك الشَّفِيع بِثمن فِي ذمَّته مُؤَجل كَمَا لَو ملكه المُشْتَرِي ثمَّ إِن كَانَ مَلِيًّا أَو كَانَ لَهُ كَفِيل سلم إِلَيْهِ الشّقص وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ مَذْهَب مَالك
وَمن الْأَصْحَاب من لم يشْتَرط الْكَفِيل واليسار وَقَالَ هُوَ كالمشتري
الثَّالِث حَكَاهُ ابْن سُرَيج أَن الشَّفِيع يَأْخُذ فِي الْحَال بعوض يُسَاوِي ألفا إِلَى أجل إِذْ التَّأْخِير إِضْرَار وتكليفه النَّقْد إِضْرَار وتنقيص النَّقْد عَن الْمبلغ وُقُوع فِي الرِّبَا فَهَذَا هُوَ الْأَقْرَب
الثَّالِثَة إِذا اشْترى شِقْصا وسيفا بِأَلف وَقِيمَة السَّيْف مائَة وَقِيمَة الشّقص مِائَتَان أَخذ الشّقص بِثُلثي الْألف وَترك السَّيْف بِالْبَاقِي ثمَّ لم يكن للْمُشْتَرِي خِيَار التَّبْعِيض لِأَنَّهُ دخل على بَصِيرَة من الْأَمر
وَلَو انْهَدم الدَّار قبل الْأَخْذ نقل الْمُزنِيّ أَنه يَأْخُذ بِكُل الثّمن وَنقل

(4/83)


الرّبيع أَنه يَأْخُذ بِحِصَّتِهِ فَاخْتلف طرق الْأَصْحَاب فِي تَنْزِيل النصين وَالْأَقْرَب من جملَة ذَلِك أَنه إِن ارتجت الدَّار وَلم ينْفَصل مِنْهَا شئ فَهُوَ عيب مَحْض فَيَأْخُذ بِكُل الثّمن كَمَا يَأْخُذ المُشْتَرِي الْمَبِيع قبل الْقَبْض إِذا تعيب
وَإِن انْهَدم نظر فَإِن فَاتَ بعض الْعَرَصَة بسيل يَغْشَاهُ مَعَ بعض الْبناء أَخذ الْبَاقِي يحصته
فَإِن كَانَ جَمِيع الْعَرَصَة بَاقِيَة نظر فَإِن تلف بعض النَّقْض فيبني على أَن السقوف من الدَّار كَالْيَدِ من العَبْد أَو كَأحد الْعَبْدَيْنِ فِي مُقَابلَته بِقسْطِهِ من الثّمن فِيهِ قَولَانِ
فَإِن قُلْنَا كَالْيَدِ فَهَذَا تعيب فَيَأْخُذ بِالْكُلِّ كَمَا قَالَه الْمُزنِيّ
وَإِن قُلْنَا كَأحد الْعَبْدَيْنِ فَيَأْخُذ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ
وَإِن كَانَ النَّقْض قَائِما فقد صَار مَنْقُولًا فِي الدَّوَام وَلَا شُفْعَة فِي الْمَنْقُول فَفِي بَقَائِهِ فِي الِاسْتِصْحَاب قَولَانِ ذكرناهما وَيدل عَلَيْهِمَا هَذِه النُّصُوص
فَإِن قُلْنَا يُؤْخَذ النَّقْض فَيُؤْخَذ الْجَمِيع بِكُل الثّمن إِذْ يبْقى الانهدام عَيْبا مَحْضا
وَإِن قُلْنَا لَا يُؤْخَذ النَّقْض وجعلناه كَأحد الْعَبْدَيْنِ أَخذ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ
وَإِن قُلْنَا إِنَّه كَالْيَدِ احْتمل الْقَوْلَيْنِ إِذْ يبعد أَن يفوز المُشْتَرِي بشئ مجَّانا

(4/84)


وَكَذَا الْخلاف لَو تلف النَّقْض بجنابة أَجْنَبِي وَحصل الْغرم للْمُشْتَرِي
الرَّابِعَة إِذا اشْترى الشّقص بِأَلف ثمَّ انحطت مائَة فللحط أَرْبَعَة أَسبَاب
الأول أَن يكون ببإبراء البَائِع فَإِن كَانَ بعد اللُّزُوم فَهُوَ مُسَامَحَة مَعَ المُشْتَرِي لَا يلْحق الشَّفِيع خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله
وَإِن كَانَ فِي زمَان الْخِيَار فَالْأَظْهر أَنه يلْحقهُ
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يَنْبَنِي على أَقْوَال الْملك فَإِن قُلْنَا الْخِيَار لَا يمْنَع الْملك فَيصح الْإِبْرَاء وَفِي اللحوق بِالْعقدِ وَالشَّفِيع وَجْهَان
وَإِن قُلْنَا يمْنَع الْملك فَلم يسْتَحق البَائِع الثّمن فَفِي نُفُوذ الْإِبْرَاء خلاف فَإِن صَحَّ فَيلْحق الشَّفِيع وَالأَصَح صِحَة الْإِبْرَاء واللحوق لِأَنَّهُ يُمكنهُ فِي الِابْتِدَاء أَن تصير الزِّيَادَة وَسِيلَة إِلَى دفع الشُّفْعَة فَيُبَاع بأضعاف الثّمن وَيبرأ فِي الْمجْلس
السَّبَب الثَّانِي أَن يجد البَائِع بِالثّمن عَيْبا
فَإِن كَانَ الثّمن عبدا فَإِن رده قبل أَخذ الشَّفِيع فَهُوَ أولى أم الشَّفِيع فِيهِ قَولَانِ

(4/85)


مرتبان على المُشْتَرِي إِذا أَرَادَ رد الشّقص بِالْعَيْبِ
وَالْأولَى هَاهُنَا تَقْدِيم البَائِع فَإِنَّهُ لَا حق للشَّفِيع عَلَيْهِ وَلم يسلم لَهُ العَبْد
وَإِن وجد الْعَيْب بعد أَخذ الشَّفِيع فَالصَّحِيح أَن الشُّفْعَة لَا تنقض
وَلَكِن يرد العَبْد وَيرجع إِلَى قيمَة الشّقص فَإِن كَانَ تِسْعمائَة أَو كَانَ ألفا وَمِائَة فَهَل يجْرِي التراجع من الشَّفِيع وَالْمُشْتَرِي بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَان وَجْهَان
أَحدهمَا لَا لِأَن الشُّفْعَة بِنَاء على العقد وَهَذَا أَمر حَادث
وَالثَّانِي نعم يرجع الشَّفِيع على المُشْتَرِي إِن نقص وَالْمُشْتَرِي على الشَّفِيع إِن زَاد إِذْ صَار هَذَا مقَام الشّقص بِهِ على الْمُشْتَرى
السَّبَب الثَّالِث الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا وَقد طَرَأَ على العَبْد عيب حَادث منع الرَّد فطالب البَائِع المُشْتَرِي بِالْأَرْشِ فقد اسْتمرّ بِمِقْدَار الثّمن
فَإِن رَضِي بِالْعَيْبِ فَهَل يقْتَصر من الشَّفِيع بِقِيمَة الْمَعِيب فِيهِ وَجْهَان من

(4/86)


حَيْثُ إِنَّه قد يظنّ أَن هَذِه مُسَامَحَة مَعَ المُشْتَرِي على الْخُصُوص
السَّبَب الرَّابِع أَن يجد المُشْتَرِي عَيْبا بالشقص
فَإِن كَانَ بعد أَخذ الشَّفِيع فَلَا رد لَهُ وَلَا أرش لِأَنَّهُ روج على غَيره كَمَا روج عَلَيْهِ إِلَّا أَن يرد الشَّفِيع عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ فَعِنْدَ ذَلِك لَهُ الرَّد على البَائِع
فَإِن وجد الْعَيْب قبل أَخذ الشَّفِيع وَقد حدث بِهِ عيب مَانع فاسترد الْأَرْش فَهَذَا يلْحق الشَّفِيع قطعا لِأَنَّهُ مُوجب العقد فِي عين الشّقص
وَلَو تصالحا على عوض وَصحح الصُّلْح فَفِي لُحُوق ذَلِك بالشفيع وَجْهَان إِذْ قد يظنّ أَنه عوض عَن حق الْخِيَار
الْخَامِسَة إِذا اشْترى بكف من الدَّرَاهِم مَجْهُولَة الْمِقْدَار نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على سُقُوط الشُّفْعَة إِذْ الْأَخْذ بِالْمَجْهُولِ غير مُمكن
نعم لَو ادّعى على المُشْتَرِي الْعلم بِهِ فَيحلف على نفي الْعلم
وَقَالَ ابْن سُرَيج لَا تسْقط الشُّفْعَة بل يعين الشَّفِيع قدرا وَيحلف الْمُشْتَرى عَلَيْهِ فَإِن أصر على قَوْله لَا أعرف جعل ناكلا وَحلف الشَّفِيع
فَإِن حلف على مِقْدَار يظنّ أَنه صدق فِيهِ فقد اسْتحق

(4/87)


وَإِن حلف المُشْتَرِي على أَن مَا عينه الشَّفِيع هُوَ دون مَا اشْتَرَاهُ بِهِ وَلكنه لَا يدْرِي قدر الزِّيَادَة فَيُقَال للشَّفِيع زد وادع إِلَى أَن يحلف المُشْتَرِي أَو ينكل وَهُوَ كَمَا لَو ادّعى ألفا على إِنْسَان دينا فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ لَا أَدْرِي مِقْدَاره فَإِنَّهُ لَا يسمع بل يَجْعَل ناكلا إِن اسْتمرّ عَلَيْهِ وَالْمذهب الأول
السَّادِسَة الشَّفِيع يسلم الثّمن إِلَى المُشْتَرِي وَالْمُشْتَرِي إِلَى البَائِع وَلَا مُعَاملَة بَين الشَّفِيع وَالْبَائِع هَذَا هُوَ الْمَذْهَب
وَفِيه وَجه أَنه يسلم إِلَى البَائِع وَكَأن المُشْتَرِي عقد لَهُ
وَلَو كَانَ الْمَبِيع فِي يَد البَائِع وتعلل المُشْتَرِي بِهِ لم يكن ذَلِك عذرا فَإِنَّهُ إِذا سلم الثّمن أجبر البَائِع على أَخذ الثّمن وَرفع الْيَد
وَلَو خرج الثّمن مُسْتَحقّا نظر إِن خرج ثمن العقد مُسْتَحقّا فقد بَان بطلَان العقد وَانْتِفَاء الشُّفْعَة
وَإِن خرج ثمن الشَّفِيع مُسْتَحقّا بعد أَن أَخذ فَإِن لم يعرف الشَّفِيع فَهُوَ مَعْذُور وَالْقَوْل قَوْله أَنه لم يعرف
وَلَكِن هَل يتَبَيَّن أَنه لم يحصل ملكه بذلك الثّمن وَإِنَّمَا يحصل بِالثَّانِي فِيهِ وَجْهَان

(4/88)


وَإِن عرف كَونه مُسْتَحقّا فَفِي بطلَان شفعته بتقصيره وَجْهَان وَوجه بَقَاء الْحق أَنه لم يقصر فِي الطّلب وَالْأَخْذ
ثمَّ فِي تَبْيِين بطلَان الْملك بِالثّمن الْمُسْتَحق وَجْهَان مرتبان وَهَاهُنَا أولى بِأَن يتَبَيَّن وَيُقَال حصل الْملك بِالثّمن الثَّانِي
وَتظهر فَائِدَة ذَلِك فِي ارْتِفَاع الْملك وزيادته
وَلَو خرج الثّمن زُيُوفًا لَا يبطل الْملك الْحَاصِل وَلَا حق الشُّفْعَة لِأَن ذَلِك مِمَّا يُمكن الرضاء بِهِ
فرع لَو خرج الشّقص مُسْتَحقّا بعد أَن بنى فِيهِ الشَّفِيع نقض الْمُسْتَحق بناءه مجَّانا
قَالَ القَاضِي وَيرجع الشَّفِيع على المُشْتَرِي بِأَرْش النَّقْض إِذا قُلْنَا يرجع المُشْتَرِي على الْغَاصِب أخذا من قَاعِدَة الْغرُور
وَفِيه إِشْكَال لِأَن المُشْتَرِي مقهور هَاهُنَا فَكيف يُحَال الْغرُور إِلَيْهِ ثمَّ قد يكون جَاهِلا

(4/89)


فَإِن كَانَ مقهورا لم ينقدح الرُّجُوع وَإِن رَضِي بِالثّمن أَو طلبه انقدح ثمَّ إِن كَانَ جَاهِلا انقدح أَن يرجع هُوَ بِهِ على البَائِع فَإِنَّهُ منشأ الْغرُور
السَّابِعَة أَن يزِيد الثّمن على الشَّفِيع بِأَن يَبْنِي المُشْتَرِي ويغرس فَلَيْسَ لَهُ قلعة مجَّانا بل عَلَيْهِ أَن يبْذل قِيمَته ويتملك عَلَيْهِ أَو ينْقضه بِأَرْش أَو يبقيه باجره كَمَا يفعل الْمُعير بالمستعير خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله فَإِنَّهُ قَالَ ينْقضه مجَّانا
فَأَما زرعه فيبقيه بِغَيْر أُجْرَة لِأَن أمده مَعْلُوم وَكَأن الْمَنْفَعَة كالمستوفاة بالزراعة فَهُوَ كَمَا لَو اشْترى أَرضًا مزروعة إِذْ الشَّفِيع من المُشْتَرِي كالمشتري من البَائِع وَفِي الْعَارِية تبقى بِأُجْرَة
وَقد خرج فِي مَسْأَلَتنَا أَيْضا مِنْهُ وَجه وَلكنه غَرِيب
وَقد اعْترض الْمُزنِيّ على الْمَسْأَلَة وَقَالَ عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا يثبت

(4/90)


شُفْعَة الْجوَار وَلَا يتَصَوَّر الْبناء على الْمُشْتَرك إِلَّا بِالرِّضَا فَإِن لم يكن رضَا فَهُوَ عدوان منقوض
فَقَالَ الْأَصْحَاب يتَصَوَّر بِأَن يقاسم الشَّرِيك المُشْتَرِي على ظن أَنه وَكيل البَائِع أَو يكون غَائِبا فَيقسم القَاضِي عَنهُ أَو يكون قد وكل وَكيلا فِي الْقِسْمَة وَهُوَ غَائِب فَلَا يسْقط حَقه بشئ من ذَلِك
فَإِن قيل فَالشُّفْعَة لرفع ضَرَر مُؤنَة الاستقسام وكيفما كَانَ فقد انْقَطع وَهُوَ الْآن جَار لَا يحذر الاستقسام
قُلْنَا ذَلِك يعْتَبر حَالَة الِاسْتِحْقَاق ودوامه حَالَة الْأَخْذ لَا تعْتَبر
فَإِن قيل فَلَو بَاعَ نصِيبه مَعَ الْجَهْل بِالشُّفْعَة فَفِي بطلَان الشُّفْعَة خلاف لانْقِطَاع السَّبَب عَن الْأَخْذ فالانقطاع بِالْقِسْمَةِ هلا كَانَ كالانقطاع بِالْبيعِ حَتَّى يخرج على الْخلاف
قُلْنَا قطع الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ هَاهُنَا لِأَنَّهُ إِن زَالَت الشّركَة بَقِي الْجَوَاز وَهُوَ نوع اتِّصَال كَانَ شركَة فِي الِابْتِدَاء فَلَا يَنْقَطِع حكمهَا مَا لم يزل تَمام الِاتِّصَال فَكَأَن الْجَوَاز يصلح للاستصحاب إِن لم يصلح للابتداء
أما تَصَرُّفَات المُشْتَرِي بِالْوَقْفِ وَالْهِبَة وَالْوَصِيَّة فَكلهَا منقوضة
وَإِن بَاعَ فالشفيع بِالْخِيَارِ بَين أَن يَأْخُذ بِالثَّانِي أَو ينْقض الثَّانِي وَيَأْخُذ بِالْأولِ
وَعَن أبي إِسْحَاق الْمروزِي أَنه لَا ينْقض بَيْعه لِأَن الْأَخْذ بِهِ مُمكن كَمَا لَا ينْقض بِنَاؤُه مجَّانا
الثَّامِنَة إِذا تنَازع المُشْتَرِي وَالشَّفِيع فَإِن تنَازعا فِي قدر الثّمن فَالْقَوْل قَول

(4/91)


المُشْتَرِي لِأَنَّهُ أعرف بِهِ وَالْملك ملكه فَلَا يزَال إِلَّا بِحجَّة
وَإِن أنكر المُشْتَرِي كَونه شَرِيكا فَعَلَيهِ إِثْبَات كَونه شَرِيكا وَإِلَّا فَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي يحلف على أَنه لَا يعلم لَهُ فِي الدَّار شُرَكَاء وَلَا يلْزمه الْبَتّ بِخِلَاف مَا لَو ادّعى ملكا فِي يَده فَإِنَّهُ يجْزم الْيَمين على نفي ملك الْغَيْر لِأَن هَذَا ينزل منزلَة نفي فعل الْغَيْر
وَإِن أنكر المُشْتَرِي الشِّرَاء فَإِن كَانَ للشَّفِيع بَيِّنَة أَقَامَهَا وَأخذ الشّقص وَالثمن يسلم إِلَى المُشْتَرِي إِن أقرّ وَإِن أصر على الْإِنْكَار فَثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه يبْقى فِي يَد الشَّفِيع
وَالثَّانِي يحفظ كَمَا يحفظ المَال الضائع
وَالثَّالِث أَنه يجْبر المُشْتَرِي على الْقبُول حَتَّى تَبرأ الشَّفِيع وَيحصل لَهُ الْملك
أما إِذا لم يكن لَهُ بَيِّنَة وَكَانَ البَائِع مقرا
فاختيار الْمُزنِيّ أَنه تثبت الشُّفْعَة لِأَن البَائِع وَالشَّفِيع متقاران على أَن قَرَار الْملك للشَّفِيع فَلم يمْتَنع بقول من لَا قَرَار لملكه
وَالثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَار ابْن سُرَيج وَمذهب أبي حنيفَة أَنه لَا يثبت لِأَنَّهُ فرع المُشْتَرِي وَلَا يثبت الشِّرَاء إِلَّا بقول المُشْتَرِي أَو بِحجَّة

(4/92)


التَّفْرِيع

إِن قُلْنَا لَهُ الشُّفْعَة فَمَاذَا يصنع بِالثّمن نظر إِن قَالَ البَائِع مَا قبضت الثّمن فَيسلم إِلَيْهِ وَفِي كيفيته وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يسلم إِلَيْهِ ابْتِدَاء لِأَنَّهُ الْأَقْرَب
وَالثَّانِي أَنه ينصب القَاضِي عَن المُشْتَرِي نَائِبا ليقْبض لَهُ ثمَّ يسلم عَن جِهَته إِلَى البَائِع
وَفِيه إِشْكَال إِذْ نصب النَّائِب عَمَّن يُنكر الْحق لنَفسِهِ بعيد
وَإِن قَالَ البَائِع قبضت الثّمن فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا أَنه يتْرك فِي يَد الشَّفِيع فَلَعَلَّ المُشْتَرِي يقر
وَالثَّانِي يحفظه القَاضِي فَإِنَّهُ ضائع
وَقيل إِنَّه تسْقط الشُّفْعَة إِذا أقرّ البَائِع بِالْقَبْضِ لعسر الْأَمر

(4/93)


الْفَصْل الثَّالِث فِي الْأَخْذ عِنْد تزاحم الشُّرَكَاء
وَله ثَلَاثَة أَحْوَال
الْحَالة الأولى

إِذا توافقوا فِي الطّلب وزع القَاضِي عَلَيْهِم بِالسَّوِيَّةِ فَأن تفاوتت حصصهم فَقَوْلَانِ
أَحدهمَا أَنه يوزع على عدد الرؤوس وَهُوَ القَوْل الْقَدِيم وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله والمزني
وَالثَّانِي أَنه يوزع على الحصص وَهُوَ الْجَدِيد وتوجيهه مَذْكُور فِي الْخلاف
فروع ثَلَاثَة

الأول إِذا مَاتَ الشَّفِيع وَخلف ابْنا وبنتا وَقُلْنَا الشُّفْعَة على قدر الرؤوس فهاهنا فِي التَّفَاوُت وَجْهَان ومأخذه أَن الْوَارِث يَأْخُذ بشركته الناجزة أَو يَرث حق الشُّفْعَة وَالأَصَح أَنه يَرث ويتفاوتان للتفاوت فِي الْإِرْث
وَالثَّانِي مَاتَ رجل وَخلف ابْنَيْنِ ودارا بَينهمَا فَمَاتَ أحد الِابْنَيْنِ وَخلف وَلدين فَبَاعَ أَحدهمَا نصِيبه

(4/94)


فالجديد وَهُوَ الْقيَاس الْحق أَن الشُّفْعَة يشْتَرك فِيهَا أَخُوهُ وَعَمه
وَالْقَوْل الْقَدِيم أَن الْأَخ مقدم لقرب الإداء بالأخوة وَهُوَ بعيد
الثَّالِث إِذا بَاعَ أحد الشَّرِيكَيْنِ نصِيبه من شَخْصَيْنِ فِي صفقتين متعاقبتين فَإِن المُشْتَرِي الأول شَرِيكه عِنْد الشِّرَاء الثَّانِي فَهَل يساهم الشَّرِيك الْقَدِيم فِي الشُّفْعَة مَعَ أَن حِصَّته الَّتِى بهَا اسْتِحْقَاقه معرضة لنقض الشَّرِيك الْقَدِيم فِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا لَا لِأَنَّهُ ملك مزلزل معرض للنقض فَكيف ينْقض بِهِ غَيره وَهُوَ غير مصون عَن النَّقْض فِي نَفسه
وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ شريك حَالَة الشِّرَاء فتوقع زَوَال ملكه لَا يمنعهُ من الْحق
وَالثَّالِث أَن الشَّرِيك الْقَدِيم إِن عَفا عَن الشُّفْعَة فِي نصِيبه فقد اسْتَقر ملكه فَلهُ الْأَخْذ وَإِن كَانَ يَأْخُذهُ فَلَا يحسن الْأَخْذ بالمأخوذ فِي نَفسه
الْحَالة الثَّانِيَة أَن يعْفُو بعض الشُّرَكَاء
نقدم عَلَيْهِ أَن الْمُنْفَرد لَو عَفا عَن بعض حَقه سقط كل حَقه لِأَن التجزئة إِضْرَار بالمشتري وَمَا امْتنع تجزئته فإسقاط بعضه إِسْقَاط كُله كَالْقصاصِ وَفِيه وَجْهَان غَرِيبَانِ
أَحدهمَا أَنه لَا يسْقط شئ أصلا لِأَن مبْنى الْقصاص على السُّقُوط بِخِلَاف الشُّفْعَة

(4/95)


وَالثَّانِي أَنه يسْقط مَا أسْقطه وَيبقى الْبَاقِي إِن رَضِي بِهِ المُشْتَرِي
أما إِذا عَفا أحد الشُّرَكَاء فَالْمَذْهَب أَن الشَّرِيك الآخر يَأْخُذ الْكل وَيسْقط حق الْمسْقط
وَقيل إِنَّه يَأْخُذ الثَّانِي نصِيبه
وَقيل لَا يسْقط نصيب الآخرين كَمَا فِي الْقصاص
وَقيل لَا يسْقط حق السقط وَالْكل بعيد
الْحَالة الثَّالِثَة إِن تغيب بعض الشُّرَكَاء فالحاضر يَأْخُذ حذارا من التشطير على المُشْتَرِي فَإِذا حضر الآخر شاطر الأول فَإِن حضر ثَالِث قاسمهما فَإِن أخر الأول تَسْلِيم كل الثّمن وَقَالَ أؤخر إِلَى حُضُور الآخرين فَفِي بطلَان حَقه وَجْهَان
ثمَّ إِذا أَخذ الثَّانِي من الأول لم يُطَالِبهُ بالغلة للمدة الْمَاضِيَة لِأَنَّهُ متملك عَلَيْهِ كَمَا أَن الشَّفِيع متملك على المُشْتَرِي
فرع

لَا يجوز التَّبْعِيض على المُشْتَرِي مهما اتّحدت صفقته فَإِن تعدّدت الصَّفْقَة بِتَعَدُّد البَائِع أَو بِتَعَدُّد المُشْتَرِي فَلهُ أَخذ مَضْمُون أَحدهمَا وَفِيمَا إِذا اتَّحد المُشْتَرِي وتعدد البَائِع وَجه أَنه لَا يَأْخُذ إِلَّا الْكل
أما إِذا اشْترى شقصين من دارين وَالشَّرِيك فيهمَا وَاحِد فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يَأْخُذ الْكل حذارا من تَفْرِيق الصَّفْقَة وَهِي متحدة
وَالثَّانِي لَهُ الِاقْتِصَار على وَاحِد كَمَا لَو لم يكن شَرِيكا إِلَّا فِي أَحدهمَا

(4/96)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِيمَا يسْقط بِهِ حق الشُّفْعَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَقد اخْتلف فِي مدَّته قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فَالصَّحِيح وَهُوَ الْجَدِيد أَنه على الْفَوْر لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام
الشُّفْعَة كحل العقال وَلِأَنَّهُ قريب الشّبَه من الرَّد بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ نقض ملك لدفع ضَرَره
وَالثَّانِي وَهُوَ الذى رَوَاهُ حَرْمَلَة أَنه يتمادى إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام لِأَن التَّأْبِيد إِضْرَار بالمشتري وَإِيجَاب الْفَوْر إِضْرَار بالشفيع فَإِنَّهُ قد يحْتَاج إِلَى روية وَمُدَّة النّظر فِي الشَّرْع ثَلَاثَة أَيَّام بِدَلِيل مُدَّة الْخِيَار
ويطرد هَذَانِ الْقَوْلَانِ فِي قتل الْمُرْتَد وتارك الصَّلَاة وَطَلَاق المؤلي وَنفي الْوَلَد بِاللّعانِ وَفسخ الزَّوْجَة بإعسار الزَّوْج وَخيَار الْأمة إِذا عتقت
وَالثَّالِث أَنه على التأييد كحق الْقصاص وَهَذَا القَوْل لَا يطرد إِلَّا فِي خِيَار الْأمة

(4/97)


وعَلى هَذَا اخْتلفُوا فِي أَمريْن
أَحدهمَا أَنه يسْقط بِصَرِيح الْإِبْطَال وَهل يسْقط بِدلَالَة الْإِبْطَال كَقَوْلِه بِعْهُ مِمَّن شِئْت فِيهِ وَجْهَان
وَالثَّانِي أَن المُشْتَرِي هَل يرفع الشَّفِيع إِلَى القَاضِي ليَأْخُذ أَو يسْقط حَتَّى يكون على ثِقَة فِي التَّصَرُّف فِيهِ قَولَانِ
والتفريع بعد هَذَا على الصَّحِيح وَهُوَ أَنه على الْفَوْر فَيسْقط بِكُل مَا يعد فِي الْعرف تقصيرا فِي الطّلب وَمَا لَا يعد تقصيرا فَلَا وَبَيَانه بِسبع صور
الأولى أَنه إِذا بلغه الْخَبَر فَيَنْبَغِي أَن يشْهد على الطّلب وينهض إِلَى طلب المُشْتَرِي أَو يبْعَث وَكيلا
فَإِن كَانَ عَاجِزا عَن طلبه بِمَرَض أَو حبس فِي بَاطِل فَإِنَّهُ إِن كَانَ فِي دين حق فَهُوَ غير قَادر على الْأَدَاء أَو كَانَ المُشْتَرِي غَائِبا وَلم يجد فِي الْحَال رفْقَة يخرج مَعهَا وَكيله فَلَا يسْقط حَقه فَإِنَّهُ مَعْذُور
فَإِن كَانَ المُشْتَرِي حَاضرا فَخرج بِنَفسِهِ وَلم يشْهد فَالْمَذْهَب أَنه لَيْسَ بتقصير وَإِن لم يخرج بِنَفسِهِ لعذر وَقدر على التَّوْكِيل فَلم يُوكل فَثَلَاثَة

(4/98)


أوجه الثَّالِث أَنه كَانَ يلْزمه فِيهِ منَّة أَو مُؤنَة فَهُوَ مَعْذُور وَإِلَّا فَلَا
فَإِن عجز عَن التَّوْكِيل فليشهد فَإِن لم يفعل فَقَوْلَانِ
أَحدهمَا أَن الْإِشْهَاد مُسْتَحبّ قطعا للنزاع وَإِلَّا فَلَا حَاجَة إِلَيْهِ
وَالثَّانِي أَنه فِي الْحَال لَا أقل من الْإِشْهَاد إِذا لم ينْهض للطلب
الثَّانِيَة أَنه لَو كَانَ فِي حمام أَو على طَعَام أَو فِي نَافِلَة فَالْأَصَحّ أَنه لَا يلْزمه الْقطع وَمُخَالفَة الْعَادة بل يجْرِي على الْمُعْتَاد وَفِيه وَجه أَنه يلْزمه ذَلِك تَحْقِيقا للبدار
الثَّالِثَة أَنه لَو أخر ثمَّ قَالَ إِنَّمَا أخرت لِأَنِّي لم أصدق الْمخبر نظر فَإِن أخبرهُ عَدْلَانِ فَلَا يعْذر وَإِن أخبرهُ فَاسق أَو صبي أَو كَافِر وَمن لَا تقبل رِوَايَته فمعذور
وَإِن أخبرهُ عدل وَاحِد أَو عبيد وَمن تقبل رِوَايَته لاشهادته فَوَجْهَانِ وَالأَصَح أَنه لَا يعْذر
وَلَو كذب الْمخبر وَقَالَ بيع بِأَلفَيْنِ فَإِذا هُوَ بِأَلف أَو بِالصَّحِيحِ فَإِذا هُوَ مكسر

(4/99)


أَو بالمؤجل فَإِذا هُوَ حَال أَو بِالْعَكْسِ أَو بيع من زيد فَإِذا هُوَ من عَمْرو أَو قيل اشْترى النّصْف بِخَمْسِينَ فَإِذا هُوَ اشْترى الْكل بِمِائَة أَو بيع بِالدَّرَاهِمِ فَإِذا هُوَ بِالدَّنَانِيرِ أَو بِالْعَكْسِ فَعَفَا ثمَّ تبين كذب الْمخبر فحقه بَاقٍ وَله الطّلب وَلَو أخبر أَنه بيع بِأَلف فَإِذا هُوَ بِأَلفَيْنِ فَعَفَا ثمَّ طلب فَلَا لِأَن من رغب عَن ألف فَهُوَ عَن أَلفَيْنِ أَرغب
وَلَو قَالَ جهلت بطلَان الْحق بِالتَّأْخِيرِ وَكَانَ مِمَّن يشْتَبه على مثله فَهُوَ أَيْضا مَعْذُور
الرَّابِعَة إِذا ألفى المُشْتَرِي فَقَالَ السَّلَام عَلَيْك جِئْت طَالبا لم يبطل حَقه لِأَنَّهُ إِقَامَة سنة
وَلَو قَالَ اشْتريت رخيصا وَأَنا طَالب بَطل حَقه لِأَنَّهُ اشْتغل بِفُضُول لَا فَائِدَة لَهُ فِيهِ
فَإِن قَالَ بَارك الله لَك فِي صَفْقَة يَمِينك وَأَنا طَالب
قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا يبطل لِأَنَّهُ تهنئة وَقِيَاس المراوزة الْإِبْطَال لِأَنَّهُ فضول فِي هَذَا الْموضع
وَلَو قَالَ بكم اشْتريت قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يبطل
وَقَالَ المراوزة لَا لِأَن لَهُ غَرضا فَلَعَلَّهُ يستنطقه بِالْإِقْرَارِ وَيبين الْمِقْدَار إِذْ عَلَيْهِ تبتنى رغبته فِي الطّلب

(4/100)


الْخَامِسَة إِذا زرع المُشْتَرِي الأَرْض ثمَّ علم الشَّفِيع فَأخر تَسْلِيم الثّمن لِأَنَّهُ لَا ينْتَفع فِي الْحَال لَا يبطل حَقه لِأَنَّهُ لَا يتَحَصَّل على فَائِدَة فِي الْحَال وَلَكِن يَنْبَغِي أَن يعجل الطّلب وَيُؤَخر الثّمن
السَّادِسَة لَو بَاعَ ملكه قبل الْأَخْذ مَعَ الْعلم بِالشُّفْعَة فَهُوَ إِسْقَاط للشفعة وَإِن كَانَ جَاهِلا فَقَوْلَانِ
أَحدهمَا يسْقط إِذْ لم يبْق شَرِيكا فَلَا يبْقى ضَرَر عَلَيْهِ
وَالثَّانِي أَنه لَا يبطل لِأَن الْحق ثَبت وَلم يجر إِسْقَاطه فَيبقى
وَمثله جَار فى الْأمة إِذا لم تشعر حَتَّى عتق العَبْد وَالْمُشْتَرِي إِذا لم يشْعر بِالْعَيْبِ حَتَّى زَالَ
السَّابِعَة لَا يجوز أَخذ الْعِوَض عَن حق الشُّفْعَة وَلَا عَن حق حد الْقَذْف وَلَا عَن مقاعد الْأَسْوَاق
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي أَنا أُخَالِف الْأَصْحَاب فِي هَذِه الْمسَائِل الثَّلَاث
وَالْمَقْصُود أَنه لَو صَالح الشَّفِيع بطلت شفعته وَلم يثبت الْعِوَض إِن كَانَ عَالما بِالْبُطْلَانِ فَإِن ظن الصِّحَّة فَوَجْهَانِ وَالْأولَى أَن لَا يبطل

(4/101)


فرع

إِذا تنَازعا فِي الْعَفو فَالْقَوْل قَول الشَّفِيع أَنه عَفا فَلَو أَقَامَ بَيِّنَة على أَنه أَخذ بِالشُّفْعَة وَالشَّيْء فِي يَده وَأقَام المُشْتَرِي بَيِّنَة على الْعَفو فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا بَيِّنَة الشَّفِيع أولى لِأَنَّهُ صَاحب الْيَد
وَالثَّانِي بَيِّنَة المُشْتَرِي لِأَنَّهُ يشْتَمل على مزِيد وَلَيْسَ فِيهِ تَكْذِيب الآخر
فَلَو شهد البَائِع على الْعَفو قبل قبض الثّمن لم يجز إِذْ بَقِي لَهُ علقَة الرُّجُوع بالإفلاس
وَبعد الْقَبْض فَوَجْهَانِ من حَيْثُ توقع التراد بالأسباب
وَلَو شهد بعض الشُّرَكَاء على الْبَعْض بِالْعَفو فَإِن كَانَ قد عَفا الشَّاهِد قبلت شَهَادَته وَإِلَّا فَلَا فَإِنَّهُ يجر إِلَى نَفسه نفعا وَالله أعلم بِالصَّوَابِ

(4/102)