الوسيط في المذهب

= كتاب الْقَرَاض = وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب

(4/103)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَان الصِّحَّة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَهِي سِتَّة العاقدان والعوضان وَرَأس المَال وَصِيغَة العقد
ومستند صِحَة الْقَرَاض الْإِجْمَاع وَقد عرف ذَلِك بِمَا رُوِيَ أَن عبد الله بن عمر وَعبيد الله بن عمر لما انصرفا من غَزْوَة نهاوند أتحفهما وَالِي الْعرَاق بإقراض مَال من بَيت المَال ليشتريا بِهِ أَمْتعَة فيربحان عَلَيْهِ ويسلمان قدر رَأس المَال إِلَى عمر فكلفهما عمر رَضِي الله عَنهُ رد الرِّبْح وَقَالَ مَا فعل ذَلِك إِلَّا لمكانتكما مني فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف لَو جعلته قراضا على النّصْف فَأجَاب إِلَيْهِ
فَدلَّ ذَلِك على أَن الْقَرَاض كَانَ بَينهم مَعْرُوفا مفروغا مِنْهُ
وَلَعَلَّ مستندهم فِيهِ صِحَة الْمُسَاقَاة إِذْ كل وَاحِد مِنْهُمَا مُعَاملَة يحْتَاج إِلَيْهِ رب المَال لتنميته وَهُوَ عَاجز عَنهُ بِنَفسِهِ لقصوره وَعَن اسْتِئْجَار غَيره لجَهَالَة الْعَمَل
فنبدأ بالركن الأول وَهُوَ رَأس المَال وَله أَرْبَعَة شَرَائِط

(4/105)


الأول كَونه نَقْدا فَلَا يُورد الْقَرَاض إِلَّا على النَّقْدَيْنِ وَهِي الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير المسكوكة أما النقرة وَسَائِر الْعرُوض فَلَا
وَكَذَا على الْمَغْشُوش على الصَّحِيح لِأَن النّحاس فِيهِ سلْعَة وَلَا يُورد على الْفُلُوس قطعا
وَعلة هَذَا الشَّرْط أَمْرَانِ
أَحدهمَا أَن مَقْصُود العقد الاتجار وَإِنَّمَا جوز رخصَة وَفِي الْإِيرَاد على الْعرُوض تضييق فقد لَا تروج فِي الْحَال
وَالثَّانِي أَنه لَا بُد عِنْد الْقِسْمَة من الرَّد إِلَى رَأس المَال ليتبين الرِّبْح فَلَو أورد على وقر حِنْطَة وَقِيمَته فِي الْحَال دِينَار فقد يربح تِسْعَة ثمَّ تغلو الْحِنْطَة فَلَا يُوجد الوقر إِلَّا بِعشْرَة دَنَانِير فَصَاعِدا فيحبط الرِّبْح لَا بخسران فِي التِّجَارَة
الثَّانِي أَن يكون مَعْلُوم الْمِقْدَار فَلَو قارض على صبرَة من الدَّرَاهِم بَطل لِأَن جَهله يُؤَدِّي إِلَى جهل الرِّبْح وَهُوَ عوض فِي العقد
الثَّالِث التَّعْيِين فَلَو أورد على ألف لم يعين فسد إِلَّا إِذا عين فِي الْمجْلس فَيصح كَبيع الدَّرَاهِم بِالدَّرَاهِمِ
وَلَو سلم إِلَيْهِ أَلفَيْنِ فِي كيسين وَقَالَ أودعتك أَحدهمَا وقارضتك على الآخر وَلم يعين فيوجهان فِي الصِّحَّة

(4/106)


أَحدهمَا الْجَوَاز للتساوي وَالثَّانِي لَا لعدم التَّعْيِين
وَلَو قارضه على ألف وَهُوَ عِنْده وَدِيعَة جَازَ وَكَذَا لَو كَانَ عِنْده غصبا
وَلَكِن هَل يَنْقَطِع الضَّمَان فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا كَالرَّهْنِ
وَالثَّانِي نعم لِأَن الْأَمَانَة مَقْصُودَة فِي هَذَا العقد فَهُوَ إِلَى الْوَدِيعَة أقرب
وَفِي طَريقَة الْعرَاق ذكر الْوَجْهَانِ فِي صِحَة الْقَرَاض وَلَعَلَّه غلط إِذْ لَا مُسْتَند لاشْتِرَاط عدم الْغَصْب فَإِذا صحت الْوَدِيعَة وَالرَّهْن وَالْوكَالَة فبأن يَصح الْقَرَاض أولى
الرَّابِع أَن يكون رَأس المَال مُسلما إِلَى الْعَامِل يدا لَا يداخله الْمَالِك بِالتَّصَرُّفِ وَالْيَد فَلَو شَرط لنَفسِهِ يدا أَو تَصرفا مَعَه فَهُوَ فَاسد لِأَنَّهُ تضييق وَكَذَا إِذا

(4/107)


شَرط مُرَاجعَته فِي التَّصَرُّف أَو مُرَاجعَة مشرفه وَلَو شَرط أَن يعْمل مَعَه غُلَامه فالنص الْجَوَاز فِي الْمُسَاقَاة والقراض جَمِيعًا وَفِيه وَجه لِأَن يَد الْغُلَام يَد الْمَالِك
الرُّكْن الثَّانِي عمل الْعَامِل فَإِنَّهُ أحد الْعِوَضَيْنِ وَفِيه ثَلَاث شَرَائِط
الأول أَن يكون تِجَارَة أَو من لواحقها أما الْحَرْف والصناعات فَلَا
فَلَو سلم إِلَيْهِ دَرَاهِم ليَشْتَرِي حِنْطَة فيطحن ويخبز وَيكون الرِّبْح بَينهمَا فَهُوَ فَاسد وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا أُجْرَة الْمثل بل إِذا لم يشْتَرط عَلَيْهِ فَاشْترى الْحِنْطَة وطحن وخبز انْفَسَخ الْقَرَاض لِأَن الرِّبْح حصل بِالْعَمَلِ وَالتِّجَارَة جَمِيعًا وَمَا لَيْسَ تِجَارَة لَا يُقَابل بِالرِّبْحِ الْمَجْهُول والتمييز غير مُمكن
أما النَّقْل وَالْوَزْن ولواحق التِّجَارَة فَهِيَ تَابِعَة
أما إِذا سلم إِلَيْهِ مَالا لينقل إِلَى بلد وَيَشْتَرِي بِهِ سلْعَة وَيبِيع وَالرِّبْح بَينهمَا فَفِيهِ وَجْهَان من حَيْثُ إِن النَّقْل عمل مَقْصُود انْضَمَّ إِلَى التِّجَارَة وَلَكِن لما كَانَ يعْتَاد السّفر فِي التِّجَارَة ترددوا فِيهِ

(4/108)


فرع

لَو قَالَ قارضتك على الْألف الذى عَلَيْك فاقبضه لي من نَفسك واتجر فِيهِ فَهُوَ فَاسد إِذْ لَا يَصح قَبضه لَهُ من نَفسه فَلَا يملك فَلَو اشْترى لَهُ بِدَرَاهِم نَفسه شَيْئا فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ اشْتَرِ لي هَذَا الْفرس بثوبك فَفعل فَفِي وُقُوعه عَن الْآمِر وَجْهَان
أَحدهمَا لَا لِأَن عوضه ملك غَيره
وَالثَّانِي بلَى وَلَكِن يقدر انْتِقَال الْملك فِي الْعِوَض ضمنا إِمَّا هبة وَإِمَّا قرضا وَفِيه أَيْضا وَجْهَان
الشَّرْط الثَّانِي أَن لَا يعين الْعَمَل تعيينا مضيقا فَلَو قَالَ لَا تتجر إِلَّا فِي الْخَزّ الأدكن وَالْخَيْل الايلق فسد
وَكَذَلِكَ إِذا عين للمعاملة شخصا لِأَنَّهُ قد لَا يربح عَلَيْهِ وَلَو عين جنس الْبَز أَو الْخَزّ جَازَ ثمَّ يتبع فِيهِ مُوجب الِاسْم فَكل مَا يُسمى بزا يتَصَرَّف فِيهِ وَذَلِكَ مُعْتَاد لَا تضييق فِيهِ
الثَّالِث إِطْلَاق الْقَرَاض قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا يجوز الْقَرَاض إِلَى مُدَّة فاتفق الْأَصْحَاب أَنه لَو أقت إِلَى سنة وَصرح بِمَنْع البيع بعده فَهُوَ بَاطِل إِذْ قد

(4/109)


لَا يجد رَاغِبًا قبله
وَإِن قَالَ لَا تشتر بعده وبع أَي وَقت شِئْت فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ تضييق
وَالثَّانِي يجوز إِذْ لَهُ مَنعه من الشِّرَاء مهما أَرَادَ وَلَيْسَ لَهُ الْمَنْع من البيع فَلهُ أَن يؤقت فِي الِابْتِدَاء مَاله أَن يفعل فِي الدَّوَام
وَلَو أطلق وَقَالَ قارضتك سنة فطريقان
أَحدهمَا الْبطلَان تَنْزِيلا على الصُّورَة الأولى
وَالثَّانِي الْوَجْهَانِ تَنْزِيلا على الْأَخِيرَة وترجيحا لجَانب الصِّحَّة
وَلَو قَالَ لَا تتصرف إِلَّا فِي الرطب فَالْمَذْهَب جَوَازه وَإِن كَانَ ذَلِك يتَضَمَّن تأقيتا بِحكم الْحَال

(4/110)


الرُّكْن الثَّالِث الرِّبْح

وَهُوَ الْعرض الْمُقَابل للْعَمَل وجهالته وَالْغرر فِي وجوده للْحَاجة وَله أَرْبَعَة شَرَائِط
الأول الاستهام فَلَو شَرط للْمَالِك فَهُوَ فَاسد
وَهل يسْتَحق أُجْرَة الْمثل عل تصرفه فَإِنَّهُ يَصح التَّصَرُّف بِحكم الْإِذْن اخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنه لَا يسْتَحق لِأَنَّهُ خَاضَ فِي الْعَمَل غير طامع فِي الرِّبْح
وَقَالَ ابْن سُرَيج يسْتَحق لِأَن العقد يَقْتَضِي الْعِوَض بِوَضْعِهِ فَشرط النَّفْي لَا يَنْفِيه كالمهر فِي النِّكَاح
وَلَو شَرط الْكل لَهُ فَهُوَ فَاسد وَالرِّبْح كُله للْمَالِك وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ إِلَّا أُجْرَة الْمثل فَإِنَّهُ طمع فِي عوض
وَلَو قَالَ خُذ المَال وَتصرف فِيهِ وكل الرِّبْح لَك فَهُوَ منزل على الْقَرْض فَيكون الرِّبْح لِلْعَامِلِ
وَإِذا ذكر لفظ الْقَرَاض لم ينزل على الْقَرْض على الصَّحِيح من الْمَذْهَب
وَلَو قَالَ على أَن النّصْف لي وَسكت عَن جَانب الْعَامِل لم يَصح على الْمَذْهَب لِأَن الْإِضَافَة إِلَى الْعَامِل هى النتيجة الْخَاصَّة للقراض
وَقَالَ ابْن سُرَيج يَصح أخذا من الفحوى وَالْعرْف

(4/111)


وَلَو قَالَ على أَن النّصْف لَك فَالْمَذْهَب صِحَّته وَفِيه وَجه بعيد
الثَّانِي أَن لَا يُضَاف جُزْء إِلَى ثَالِث فَإِنَّهُ إِثْبَات اسْتِحْقَاق بِغَيْر مَال وَلَا عمل إِلَّا أَن يُضَاف إِلَى غُلَام أَحدهمَا فَهُوَ كالإضافة إِلَى مَالِكه
الثَّالِث أَن لَا يقدر الرِّبْح
فَلَو قَالَ لَك من الرِّبْح دِرْهَم أَو ألف لم يَصح فَرُبمَا لَا يزِيد الرِّبْح على مَا ذكره فَيخْتَص الْكل بِمن شَرط لَهُ
وَكَذَلِكَ إِذْ قَالَ لي دِرْهَم أولك دِرْهَم من الْجُمْلَة وَالْبَاقِي بَيْننَا
وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ على أَن لي ربح العبيد من مَال الْقَرَاض
وَلَو قَالَ على أَن لي ربح أحد الْأَلفَيْنِ وَهُوَ مختلط
قَالَ ابْن سُرَيج لَا يَصح للتخصيص
وَقَالَ القَاضِي يَصح إِذْ لَا فرق بَين أَن يَقُول لي ربح النّصْف أَو نصف الرِّبْح أَو ربح الْألف وَالْمَال أَلفَانِ
الرَّابِع أَن يكون الْجُزْء الْمَشْرُوط مَعْلُوما
فَلَو قَالَ على أَن لَك من الرِّبْح مَا شَرطه فلَان لفُلَان وَهُوَ مَجْهُول لَهما

(4/112)


أَو لأَحَدهمَا فَهُوَ فَاسد كَنَظِيرِهِ فِي البيع
وَلَو قَالَ على أَن لَك سدس تسع عشر الرِّبْح وَهُوَ لَيْسَ حيسوبا يفهم مَعْنَاهُ فِي الْحَال فَوَجْهَانِ وَوجه الصِّحَّة أَن اللَّفْظ مَعْرُوف والقصور فيهمَا
وَلَو قَالَ على أَن الرِّبْح بَيْننَا فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا يَصح وَينزل على الشّطْر
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَا يتَعَيَّن للتشطير فَهُوَ مَجْهُول

(4/113)


الرُّكْن الرَّابِع الصِّيغَة

وَهُوَ أَن يَقُول قارضتك أَو ضاربتك أَو عاملتك على أَن لَك من الرِّبْح كَذَا فَيَقُول قبلت
فَلَو قَالَ خُذ المَال واتجر فِيهِ وَلَك من الرِّبْح نصفه فقد قَالَ القَاضِي يَكْفِي الْقبُول بِالْفِعْلِ كَنَظِيرِهِ فِي الْوكَالَة وَهُوَ هَاهُنَا أبعد إِذْ فِيهِ معنى الْمُعَاوضَة

(4/114)


الرُّكْن الْخَامِس وَالسَّادِس وهما العاقدان

وَلَا يشْتَرط فيهمَا إِلَّا مَا يشْتَرط فِي الْمُوكل وَالْوَكِيل بِالْأُجْرَةِ
وَهل يشْتَرط كَون الْمُقَارض مَالِكًا حَتَّى لَا يَصح قِرَاض الْعَامِل مَعَ عَامل آخر بِإِذن الْمَالِك فعلى وَجْهَيْن
فرعان

أَحدهمَا لَو كَانَ الْمَالِك مَرِيضا وَشرط لَهُ أَكثر من أُجْرَة الْمثل لم يحْسب من الثُّلُث لِأَن تَفْوِيت الْحَاصِل هُوَ الْمُقَيد بِالثُّلثِ وَالرِّبْح لَيْسَ بحاصل وَلذَلِك تزوج الْمَرْأَة نَفسهَا بِأَقَلّ من مهر الْمثل فَيجوز
وَفِي نَظِيره من الْمُسَاقَاة وَجْهَان لِأَن النخيل حَاصِل وَالثَّمَر على الْجُمْلَة قد يحصل دون الْعَمَل بِخِلَاف الرِّبْح
الثَّانِي إِذا تعدد الْمَالِك وقارض رجلا وَاحِدًا صَحَّ فَيشْتَرط لَهُ شئ وَالْبَاقِي بَين المالكين على نِسْبَة الْملك لَا يجوز فِيهِ شَرط تفَاوت
وَإِن كَانَ الْعَامِل مُتَعَددًا فَهُوَ أَيْضا جَائِز فَإِن التعاون على مَقْصُود وَاحِد لَا يفوت مَقْصُود العقد

(4/115)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي حكم الْقَرَاض الصَّحِيح - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه مسَائِل
الأولى أَن الْعَامِل وَكيل فِي التَّصَرُّف
فيتقيد تصرفه بالغبطة فَلَا يَبِيع بِالْغبنِ وَلَا يَشْتَرِي بِالزِّيَادَةِ وَلَا يَبِيع بِالنَّسِيئَةِ إِلَّا إِذا أذن فِيهِ لِأَن النَّاس يتفاوتون فِي الرِّضَا بِهِ وَفِيه غرر وَلَا يَشْتَرِي بِالنَّسِيئَةِ لِأَنَّهُ رُبمَا يفوت رَأس المَال فَيتَعَلَّق الْعهْدَة بالمالك بِخِلَاف ولي الطِّفْل فَإِنَّهُ قد يفعل ذَلِك عِنْد الْمصلحَة
وَلَا شكّ فِي أَنه يَشْتَرِي وَيبِيع بِالْعرضِ فَإِنَّهُ عين التِّجَارَة
فَإِذا أذن لَهُ فِي البيع بِالنَّسِيئَةِ يلْزمه الْإِشْهَاد فَإِن فَاتَ الثّمن بإنكار وَقد قصر فِي الْإِشْهَاد ضمن
وَله أَن يَشْتَرِي الْمَعِيب إذاكان فِيهِ غِبْطَة وَإِن اشْترى على أَنه سليم فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا الرَّد فَإِن اخْتلفَا قدم مَا يَقْتَضِيهِ الْمصلحَة وَالْغِبْطَة
وَلَا يُعَامل رب المَال بِمَال الْقَرَاض فَإِنَّهُ ملكه كَالْعَبْدِ الْمَأْذُون لَا يُعَامل سَيّده
وَلَا يَشْتَرِي بِجِهَة الْقَرَاض بِأَكْثَرَ من رَأس المَال فَإِن سلم إِلَيْهِ ألفا فَاشْترى بِعَينهَا عبدا تعين الْألف للتسليم فَلَو اشْترى عبدا آخر بِعَيْنِه بَطل وَلَو اشْترى فِي الذِّمَّة وَقع عَنهُ لَا عَن الْقَرَاض
وَلَو صرف إِلَيْهِ مَال التراض ضمن كصرفه إِلَى عبد نَفسه

(4/116)


وعَلى الْجُمْلَة هُوَ فِي هَذِه القضايا يُقَارب الْوَكِيل وَقد استقصينا حكمه فِي الْوكَالَة
الثَّانِيَة لَو اشْترى من يعْتق على الْمَالِك بِغَيْر إِذْنه لم يَقع عَنهُ لِأَنَّهُ على نقيض التِّجَارَة
وَلَو اشْترى زَوجته فَوَجْهَانِ من حَيْثُ إِن الرِّبْح فِيهِ مُمكن وَلَكِن ضَرَر انْفِسَاخ النِّكَاح لَاحق فبالحري أَن يُخرجهُ عَن عُمُوم اللَّفْظ
وَالْوَكِيل إِذا قيل لَهُ اشْتَرِ عبدا فَاشْترى من يعْتق على الْمُوكل فِيهِ وَجْهَان ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى عُمُوم اللَّفْظ وَفِي الثَّانِي إِلَى الضَّرَر كَمَا فِي شِرَاء زَوْجَة الْمُقَارض
أما العَبْد الْمَأْذُون إِن قيل لَهُ اتّجر فَهُوَ كالعامل وَإِن قيل اشْتَرِ عبدا فَهُوَ كَالْوَكِيلِ وَإِن اشْترى من يعْتق على الْمَالِك بِإِذْنِهِ صَحَّ وَعتق وسرى إِلَى نصيب الْعَامِل إِن كَانَ فِيهِ ربح وَغرم لَهُ الْمَالِك
وَإِن قُلْنَا لَا يملك بالظهور لِأَنَّهُ يملك عِنْد الِاسْتِرْدَاد وَهَذَا فِي حكم اسْتِرْدَاد المَال وَسَيَأْتِي حكمه
ووَإِن اشْترى الْعَامِل قريب نَفسه وَلَا ربح فِي المَال صَحَّ
فَإِن ارْتَفع السُّوق عتق نصِيبه وَلم يسر لِأَن ارْتِفَاع السُّوق لَيْسَ إِلَى اخْتِيَاره فَهُوَ كَالْإِرْثِ

(4/117)


وَإِن كَانَ فِيهِ ربح وَقُلْنَا إِنَّه لَا يملك بالظهور فَهُوَ كَمَا إِذا لم يكن ربح وَإِن قُلْنَا يملك فَفِي صِحَة التَّصَرُّف قَولَانِ حَكَاهُمَا صَاحب التَّقْرِيب وَوجه الْمَنْع بعده عَن مَقْصُود التِّجَارَة
فَإِن صححنا فَفِي نُفُوذ الْعتْق وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن نصِيبه وقاية لرأس المَال فَنزل تعلق حق الْمَالِك بِهِ منزلَة تعلق الرَّهْن بِهِ
فَإِن قُلْنَا ينفذ فيسرى لِأَن الشِّرَاء بِاخْتِيَارِهِ
فرع لَيْسَ لأَحَدهمَا الِانْفِرَاد بِكِتَابَة عبد لِأَنَّهُ بعيد عَن التِّجَارَة
فَإِن توافقا عَلَيْهِ وَلَا ربح فِي المَال فَفِي انْفِسَاخ الْقَرَاض وَجْهَان وَالْأَظْهَر أَنه يسْتَمر على بذله
وَإِن كَانَ فِيهِ ربح لم يَنْفَسِخ وَعتق العَبْد وَكَانَ الْوَلَاء لَهَا على نِسْبَة ملكيهما
الثَّالِثَة إِن عَامل عَامل الْقَرَاض عَاملا آخر بِإِذن الْمَالِك لينسلخ هُوَ من الْقَرَاض وَيكون الْعَامِل هُوَ الثَّانِي صَحَّ وَيكون هُوَ وَكيلا فِي العقد
وَإِن أَرَادَ أَن ينزل الْعَامِل مِنْهُ مَنْزِلَته من الْمَالِك ليَكُون لَهُ شئ من

(4/118)


حِصَّته فَوَجْهَانِ ذكرناهما
وَوجه الْمَنْع أَن وضع الْقَرَاض أَن يجْرِي بَين مَالك وعامل وَإِن فعل ذَلِك بِغَيْر إِذن الْمَالِك فَهُوَ فَاسد
وَإِن اتّجر الْعَامِل الثَّانِي فَيخرج على اتجار الغاضب فِي المعضوب وَفِيه قَولَانِ أَحدهمَا النّفُوذ مهما كثرت التَّصَرُّفَات وَظهر الرِّبْح نظرا للْمَالِك حَتَّى لَا يفوتهُ الرِّبْح فَلهُ الْإِجَارَة
فَإِن قُلْنَا الرِّبْح للْمَالِك تَفْرِيعا على القَوْل الْقَدِيم قَالَ الْمُزنِيّ هَاهُنَا لرب المَال نصف الرِّبْح وَالنّصف الآخر بَين العاملين نِصْفَيْنِ كَمَا شَرط
فَإِن قيل فقد طمع الْعَامِل فِي نصف الْكل قُلْنَا هُوَ منزل على نصف مَا رزق الله تَعَالَى لَهما وَنصف الْكل هُوَ رزقهما
وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ يرجع بِأُجْرَة الْعَمَل فِي النّصْف الذى فَاتَهُ وَخَالف الْمُزنِيّ
فَإِن قيل وَلم اسْتحق الْعَامِل الثَّانِي وَالْأول شَيْئا وتفريع الْقَدِيم فِي الْغَصْب يُوجب أَن يكون الْكل للْمَالِك
قُلْنَا لِأَنَّهُ جرى هَاهُنَا مشارطة ومراضاة ويبنى هَذَا القَوْل على الْمصلحَة وَفِي الْغَضَب لم تجر مشارطة ومراضاة

(4/119)


وَإِن فرعنا على الْجَدِيد قَالَ الْمُزنِيّ الرِّبْح كُله لِلْعَامِلِ الأول وللعامل الثَّانِي أُجْرَة مثله على الأول
قَالَ بعض الْأَصْحَاب هَذَا غلط إِذْ الرِّبْح على الْجَدِيد للْغَاصِب وَالْعَامِل الثَّانِي هُوَ الْغَاصِب
وَمِنْهُم من وَافقه لِأَن الْعَامِل الثَّانِي مَا اشْترى لنَفسِهِ بل اشْترى لِلْعَامِلِ الأول فَكَأَن الأول هُوَ المُشْتَرِي كَمَا أَن الْغَاصِب هُوَ المُشْتَرِي لنَفسِهِ
الرَّابِعَة لَيْسَ لِلْعَامِلِ أَن يُسَافر بِمَال الْقَرَاض دون الْإِذْن فَإِنَّهُ اقتحام خطر فَإِن فعل صَحَّ تَصَرُّفَاته وَلكنه يضمن الْأَعْيَان والأثمان جَمِيعًا لِأَن الْعدوان بِالنَّقْلِ يتَعَدَّى إِلَى الثّمن
وَإِن سَافر بِالْإِذْنِ جَازَ وَنَفَقَة النَّقْل وَحفظ المَال على مَال الْقَرَاض كَمَا أَن نَفَقَة الْوَزْن والكيل وَالْحمل الثقيل الذى لَا يعتاده التَّاجِر أَيْضا فِي الْبَلَد على رَأس المَال
فَإِن تعاطى شَيْئا من ذَلِك بِنَفسِهِ فَلَا أُجْرَة لَهُ
وَأما نشر الثَّوْب وطيه وَحمل الشئ الْخَفِيف فَهُوَ عَلَيْهِ للْعَادَة
فَإِن اسْتَأْجر عَلَيْهِ فَعَلَيهِ الْأُجْرَة وَكَذَا عَلَيْهِ نَفَقَته وسكناه فِي الْبَلَد وَأُجْرَة الْحَانُوت لَيْسَ عَلَيْهِ
أما نَفَقَته فِي السّفر فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن لَهُ نَفَقَته بِالْمَعْرُوفِ

(4/120)


وروى الْبُوَيْطِيّ أَنه لَا نَفَقَة لَهُ
فَمنهمْ من قطع بِنَفْي النَّفَقَة عَن مَال الْقَرَاض قِيَاسا على الْحَضَر وَحمل النَّص على أُجْرَة النَّقْل وَالْحمل وَمِنْهُم من قَالَ قَولَانِ
وَوجه الْفرق أَنه فِي السّفر متجرد لهَذَا الشّغل دون غَيره فضاهى الْحرَّة المحتبسة بِسَبَب النِّكَاح بِخِلَاف الْحَاضِر فَإِنَّهُ لَيْسَ محتبسا على هَذَا المَال
وعَلى هَذَا فَلَو استصحب مَعَه مَال نَفسه توزع النَّفَقَة على الْمَالَيْنِ
وَإِن لم يستصحب فَفِي مِقْدَار الْوَاجِب قَولَانِ
أَحدهمَا مَا يزِيد بِالسَّفرِ وَالثَّانِي جَمِيع النَّفَقَة
وَلَو فاصله الْمَالِك أَو لقِيه فِي بلد فَفِي لُزُوم نَفَقَة إيابه إِلَى الْبَلَد وَجْهَان
وَالْمذهب أَنه إِذا عَاد إِلَى الْبَلَد رد السفرة والمطهرة وبقايا آلَات السّفر إِلَى الْمَالِك
الْخَامِسَة اخْتلف قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي أَن الْعَامِل يملك الرِّبْح بالظهور أَو بالمقاسمة

(4/121)


أَحدهمَا أَنه بالظهور فَإِن مُوجب الشَّرْط أَن مَا يحصل من ربح فَهُوَ لَهما وَقد حصل
وَالثَّانِي لَا لِأَن الْعَمَل مَجْهُول وَلم يتم فَأشبه الْجعَالَة وَلِأَنَّهُ لَو ملك لصار شَرِيكا وَلم يكن نصِيبه وقاية الخسران وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ
التَّفْرِيع

إِن قُلْنَا لَا يملك فَلَو أتلف الْمَالِك المَال غرم حِصَّته لِأَن الْإِتْلَاف كالقسمة والاستيفاء وَكَذَا إِذا أتلف الْعَامِل شَيْئا غرم نصِيبه
وَلَو أَرَادَ الْعَامِل التنضيض لتَحْصِيل نصِيبه لم يمْنَع
وَلَو مَاتَ قَامَ ذُريَّته مقَامه لِأَن الْحق متأكد حَتَّى لَو كَانَ فِي مَال الْقَرَاض جَارِيَة لم يجر للْمَالِك وَطْؤُهَا لتأكد حَقه
وَكَذَا إِذا لم يكن لَهُ ربح لِأَن الرِّبْح بارتفاع السُّوق لَا يُوقف عَلَيْهِ وَالْوَطْء يحرم بِالشُّبْهَةِ
وَإِن قُلْنَا يملك بالظهور فَلَا يسْتَقرّ بل هُوَ وقاية رَأس المَال مَا دَامَ العقد بَاقِيا فَإِن فسخ وَقسم اسْتَقر وَإِن فسخ وَالْمَال ناض وَلم يقسم بعد

(4/122)


فَالصَّحِيح الِاسْتِقْرَار فَإِن فسخ وَالْمَال عرُوض فَإِن قُلْنَا الْعَامِل يجْبر على البيع فَلَا اسْتِقْرَار وَإِن قُلْنَا لَا يجْبر كَمَا سَيَأْتِي فَوَجْهَانِ
السَّادِسَة فِي الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان العينية
أما الزِّيَادَة فَهِيَ من مَال الْقَرَاض كَمَا إِذا نتجت شَاة أَو أثمرت حديقة أَو ولدت جَارِيَة فَهُوَ من مَال الْقَرَاض ويعد ذَلِك من الرِّبْح
وَكَذَا أُجْرَة الْمَنَافِع إِذا آجر دَوَاب المَال أَو تعدى غَيره باستعمالها
وَكَذَا مهر الْجَارِيَة إِذا وطِئت حَتَّى لَو وَطئهَا السَّيِّد جعل مستردا مِقْدَار الْعقر وَلَو اسْتَوْلدهَا كَانَ مستردا قدر الْجَارِيَة وَهل يُضَاف إِلَيْهِ العقد أَيْضا فِيهِ تردد
وَأما النُّقْصَان فَمَا يَقع بانخفاض الأسعار فَهُوَ خسران عَلَيْهِ جبره وَكَذَلِكَ مَا يَقع يتعيب المَال وَمرض الدَّوَابّ
فَأَما مَا يَقع بِتَلف المَال أَو سَرقَة فَفِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا أَن عَلَيْهِ جبره لِأَن التَّاجِر بصدد ذَلِك وَقد حَسبنَا لَهُ الزِّيَادَة العينية فيحسب عَلَيْهِ النُّقْصَان الْعَيْنِيّ أَيْضا وكما حَسبنَا عَلَيْهِ التعييب فِي الصِّفَات هَذَا إِذا كَانَ بعد التَّصَرُّف الثَّانِي

(4/123)


فَإِن كَانَ قبل التَّصَرُّف بِأَن سلم إِلَيْهِ أَلفَيْنِ فَتلف ألف وَبَقِي ألف فرأس المَال ألف أم أَلفَانِ فِيهِ وَجْهَان
وَوجه قَوْلنَا ألف أَن ذَلِك فَاتَ قبل الْخَوْض فِي التِّجَارَة فَلَا تكون التِّجَارَة متناولة لَهُ فَلَا يجْبر
وَإِن اشْترى بِأَلفَيْنِ عَبْدَيْنِ فَقبل بيعهمَا تلف أَحدهمَا فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِأَن يجْبر لِأَنَّهُ خَاضَ فِي التَّصَرُّف
وَوجه الآخر أَن التِّجَارَة هُوَ البيع وَتَحْصِيل الرِّبْح بِبيعِهِ أما الشِّرَاء فَإِنَّهُ تهيئة مَحل التِّجَارَة
فرع

إِذا سلم إِلَيْهِ ألفا فَاشْترى عبدا فَتلف الْألف نظر إِن اشْترى بِعَيْنِه انْفَسَخ وَإِن اشْترى فِي الذِّمَّة لَا يَنْفَسِخ وَفِي انصراف العقد إِلَى الْعَامِل وَجْهَان
فَإِن قُلْنَا لَا ينْصَرف فعلى الْمَالِك تَسْلِيم ألف آخر ثمَّ إِذا سلم فرأس المَال ألف

(4/124)


أم أَلفَانِ فِيهِ وَجْهَان مرتبان وَهَاهُنَا أولى بِأَن يكون رَأس المَال ألفا لِأَنَّهُ لم يبْق مِمَّا يتَنَاوَلهُ العقد الأول شئ هَذَا إِذا تلف بِآفَة سَمَاوِيَّة
أما إِذا تلف رَأس المَال أَو بعضه بِإِتْلَاف أَجْنَبِي فالقراض مُسْتَمر وَالْبدل ثَابت فِي ذمَّته
وَإِن أتْلفه الْمَالِك فَهُوَ مسترد وَعَلِيهِ حِصَّة الْعَامِل
وَإِن كَانَ بِإِتْلَاف الْعَامِل انْفَسَخ إِذْ لَا يدْخل الْبَدَل فِي ملك الْمَالِك إِلَّا بِقَبْضِهِ مِنْهُ

(4/125)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي حكم التفاسخ والتنازع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه أَربع مسَائِل
الْمَسْأَلَة الأولى إِذا انْفَسَخ الْقَرَاض بِفَسْخ أحد الْمُتَعَاقدين فَإِنَّهُ جَائِز من الْجَانِبَيْنِ فللمال ثَلَاثَة أَحْوَال
الأولى أَن يكون ناضا من جنس رَأس المَال فَازَ بِهِ الْمَالِك إِن لم يكن ربح وَلم يكن لِلْعَامِلِ مَنعه ليستربح وَإِن كَانَ ربح عمل بِمُوجب الشَّرْط
الْحَالة الثَّانِيَة أَن يكون عرُوضا فَإِن لم يكن ربح فَهَل للْمَالِك إِجْبَار الْعَامِل على الرَّد إِلَى النضوض وَجْهَان
أَحدهمَا لَا لِأَن العقد قد انْفَسَخ وَهُوَ لم يلْتَزم أمرا
وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ مُلْتَزم أَن يرد جنس مَا أَخذ مِنْهُ ليخرج عَن الْعهْدَة
فَإِن رَضِي الْمَالِك بِأَن لَا يُبَاع فَأبى الْعَامِل إِلَّا البيع فَهُوَ مَمْنُوع مِنْهُ إِلَّا إِذا صَادف زبونا يَشْتَرِي بِزِيَادَة يَسْتَفِيد بِهِ ربحا على رَأس المَال فَعِنْدَ ذَلِك يُمكن
فَلَو لم يبع ورد الْعرُوض فارتفعت الْأَسْوَاق وَظهر ربح بعد الرَّد فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا لَهُ طلب نصِيبه فَإِنَّهُ رد على ظن أَنه لَا ربح فِيهِ وَقد ظهر الْآن
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ ظُهُور بعد الْفَسْخ
وَإِن كَانَ فِي المَال ربح وَجب على الْعَامِل أَن ينض رَأس المَال فَيبقى الْبَاقِي

(4/126)


مُشْتَركا وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَيْعه فَإِنَّهُ لم يلتزمه
وَإِن امْتنع الْعَامِل من البيع أجبر فَإِن الرِّبْح لَا يظْهر إِلَّا بِظُهُور قدر رَأس المَال بالتنضيض
فَإِن قَالَ دَعونِي فقد تركت ربحي فَإِن قُلْنَا ملك بالظهور فَلَا يسْقط بالإسقاط وَإِن قُلْنَا لَا يملك فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا يسْقط كالغنيمة قبل الْقِسْمَة
وَالثَّانِي لَا لِأَن الْغَنِيمَة غير مَقْصُودَة فِي الْجِهَاد الذى هُوَ إعلاء كلمة الله تَعَالَى وَالرِّبْح مَقْصُود وَقد تَأَكد سَببه
فَإِن قُلْنَا لَا يسْقط فَعَلَيهِ البيع وَإِن قُلْنَا يسْقط فَهُوَ كَمَا إِذا لم يكن ربح فَفِيهِ وَجْهَان

فرع
لَيْسَ لأَحَدهمَا أَن يطْلب قسْمَة الرِّبْح لِأَنَّهُ يعرض جبر الخسران فيتضرر الْعَامِل برده إِن طلب الْمَالِك وَالْمَالِك بِخُرُوجِهِ عَن جبر الخسران إِن طلب الْعَامِل
الْحَالة الثَّالِثَة أَن يرد المَال إِلَى نقد لَا من جنس رَأس المَال
فَيلْزمهُ الرَّد إِلَى ذَلِك الْجِنْس وَإِن كَانَ هُوَ النَّقْد الْغَالِب لِأَن الرِّبْح لَا يظْهر إِلَّا بِهِ
فَإِن كَانَ مكسرا وَرَأس المَال صِحَاح فيشتري بهَا مثله إِن وجد وَإِلَّا فيحذر من الرِّبَا وَيَشْتَرِي بِهِ الذَّهَب إِذا كَانَ رَأس المَال فضَّة غير مكسرة وبالذهب الصِّحَاح
فَلَو اشْترى بِهِ عرضا ليَبِيعهُ بِالذَّهَب فَهَل يُمكن فِيهِ وَجْهَان

(4/127)


وَوجه الْمَنْع أَن الْعرض قد يصير معوقا عَلَيْهِ
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا تفاسخا وَكَانَ الْمَالِك قد اسْتردَّ من قبل طَائِفَة من المَال فَإِن لم يكن وَقت الِاسْتِرْدَاد لَا ربح وَلَا خسران فَلَا إِشْكَال إِذْ رَأس المَال هُوَ الْبَاقِي وَإِن كَانَ فِيهِ ربح فَمَا استرده وَقع شَائِعا فالقدر الذى يخص الرِّبْح يسْتَقرّ لِلْعَامِلِ نصِيبه مِنْهُ فَلَا يضيع بعد ذَلِك بخسران
وَإِن كَانَ فِي المَال خسران فَمَا استرده بِحِصَّة جُزْء من الخسران فَلَا يجب على الْعَامِل جبر الْقدر الذى يخص المسترد من الرِّبْح الذى بعده بَيَانه صُورَتَانِ
إِحْدَاهمَا المَال مائَة وَربح عشْرين فاسترد الْمَالِك عشْرين ثمَّ خسر عشْرين فَعَاد إِلَى ثَمَانِينَ فَلَيْسَ للْمَالِك أَن يَأْخُذ الْكل وَيَزْعُم أَن رَأس المَال كَانَ مائَة لِأَنَّهُ إِذا اسْتردَّ عشْرين وَهُوَ سدس جملَة المَال فسدس الْعشْرين ربح وَهُوَ ثَلَاثَة وَثلث فقد اسْتَقر لِلْعَامِلِ نصفه وَهُوَ دِرْهَم وَثُلُثَانِ فَلَا يلْزمه جبر ذَلِك بل يَأْخُذ هَذَا الْقدر من الثَّمَانِينَ وَيرد الْبَاقِي
الثَّانِيَة المَال مائَة وخسر عشْرين واسترد الْمَالِك عشْرين فَصَارَ سِتِّينَ ثمَّ ربح عشْرين فترقى إِلَى ثَمَانِينَ فَلَيْسَ للْمَالِك أَن يَقُول ربح عشْرين بخسران عشْرين وَالْكل لي لِأَنَّهُ خسر أَولا عشْرين فتوزع على الْبَاقِي وَهُوَ ثَمَانُون فيخص كل وَاحِد من عشْرين خَمْسَة فَلَا يلْزمه جبر تيك الْخَمْسَة فَكَأَنَّهُ بَقِي المَال خَمْسَة وَسبعين وَإِذا صَار الْآن ثَمَانِينَ تكون الْخَمْسَة فضلا فَيقسم بَينهمَا نِصْفَيْنِ

(4/128)


حَتَّى يفوز الْمَالِك بسبعة وَسبعين وَنصف من جملَة الثَّمَانِينَ الْبَاقِيَة
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة الْقَرَاض يَنْفَسِخ بالجنون وَالْمَوْت
فَلَو مَاتَ الْمَالِك فلوارثه مُطَالبَة الْعَامِل بالتنضيض حَيْثُ كَانَ يجوز للْمَالِك لَو فَسخه بِنَفسِهِ وَهُوَ حَيّ ثمَّ يقدر ربح الْعَامِل وَلَا يصرف إِلَى دُيُون الْمَالِك لِأَن حَقه وَإِن لم يملك بالظهور لَا يتقاعد عَن حق الْمُرْتَهن فَيقدم على الدُّيُون فَلَو أَرَادَ وَارِث الْمَالِك تَقْرِيره فَقَالَ قررتك على مَا مضى فَقَالَ قبلت فَفِيهِ وَجْهَان يجْرِي مثلهمَا فِي الْوَارِث إِذا قَالَ أجزت الْوَصِيَّة وَقُلْنَا إِنَّهَا ابْتِدَاء عَطِيَّة وَوجه الْمَنْع ظَاهر لِأَن مَا مضى قد بَطل فَلَا معنى للتقرير
وَوجه الْجَوَاز أَن التَّقْرِير يبْنى على إِعَادَة مثل مَا سبق حَتَّى طردوا هَذَا فِيمَا إِذا قَالَ البَائِع للْمُشْتَرِي بعد فسخ البيع قررتك على مَا مضى وَلم يسمح بِهَذَا فِي النِّكَاح بِحَال لما فِيهِ من التَّعَبُّد
هَذَا إِذا كَانَ المَال ناضا فَإِن كَانَ عرضا فَوَجْهَانِ وَوجه الْجَوَاز أَنه عرض هُوَ اشْتَرَاهُ فَلَا يضيق عَلَيْهِ وَقد تعين جنس رَأس المَال من قبل فَأمكن الرُّجُوع إِلَيْهِ بِخِلَاف العقد على الْعرُوض ابْتِدَاء
أما إِذا مَاتَ الْعَامِل فقد انْفَسَخ العقد فَإِن قرر الْمَالِك وَارثه فَالْخِلَاف الْوَاقِع فِي لفظ التَّقْرِير كَمَا مضى

(4/129)


أما إِذا كَانَ المَال عرُوضا لم يجز لِأَن وَارِث الْعَامِل لم يشتر المَال بِنَفسِهِ فَيكون الْعرُوض كلا عَلَيْهِ وَإِن لم يكن على الْعَامِل المُشْتَرِي
وعَلى الْأَحْوَال كلهَا فلوارثه طلب نصيب الْعَامِل من الرِّبْح وَقطع الْأَصْحَاب يتجويز اسْتِئْنَاف الْقَرَاض مَعَه وَإِن كَانَ فِي المَال ربح إِذا كَانَ المَال ناضا وَهَذَا يدل على أَن الْقَرَاض مَعَ الشَّرِيك جَائِز إِذا كَانَ الْعَامِل مستبدا بِالْيَدِ فَيقسم الرِّبْح على نِسْبَة الْملك ثمَّ يقسم الْبَاقِي بِالشّرطِ
فَأَما إِذا كَانَ الشريكان متعاونين على الْعَمَل وَالْمَال فِي يدهما لَا يجوز تَغْيِير نِسْبَة الْملك بِالشّرطِ وَلَو اخْتصَّ أَحدهمَا بمزيد عمل فَفِي جَوَاز ذَلِك وَجْهَان
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة فِي التَّنَازُع وَله صور
الأولى إِذا تنَازعا فِي تلف المَال فَالْقَوْل قَول الْعَامِل لِأَنَّهُ أَمِين مَا لم يَتَعَدَّ كَالْمُودعِ وَإِن تنَازعا فِي الرَّد فَكَذَلِك
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ فِي الرَّد وَجْهَان وَزَعَمُوا أَنه لَا يلْحق فِي هَذَا بالمودع على أحد الْوَجْهَيْنِ
الثَّانِيَة لَو اخْتلفَا فِي قدر الرِّبْح الْمَشْرُوط فيتحالفان لِأَنَّهُ نزاع فِي قدر الْعِوَض فَإِذا تحَالفا سلم كل الرِّبْح للْمَالِك وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ إِلَّا أُجْرَة الْمثل
الثَّالِثَة إِذا اخْتلفَا فِي قدر رَأس المَال وَلَا ربح فَالْقَوْل قَول الْعَامِل لِأَنَّهُ نزاع فِي الْقَبْض وَالْأَصْل عَدمه
وَإِن كَانَ فِيهِ ربح فَهُوَ كَذَلِك على الْأَصَح وَقيل إنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ لِأَن

(4/130)


قدر الرّيح يتَفَاوَت بِهِ
الرَّابِعَة فِي المَال عبد فَقَالَ الْمَالِك اشْتَرَيْته للقراض وَقَالَ الْعَامِل بل لنَفْسي أَو بِالْعَكْسِ فَالْقَوْل قَول الْعَامِل لِأَنَّهُ أعرف بنيته
الْخَامِسَة لَو قَالَ كنت نهيتك عَن شِرَاء العَبْد فَأنْكر فَالْقَوْل قَوْله إِذْ الأَصْل عدم النَّهْي
السَّادِسَة تنَازعا فِي الرِّبْح ووجوده فَالْقَوْل قَول الْعَامِل فَإِن أقرّ بِالرِّبْحِ ثمَّ قَالَ غَلطت أَو كذبت خيفة أَن ينتزع المَال من يَدي لم يسمع رُجُوعه
وَإِن قَالَ صدقت وَلَكِن خسرت بعده فَالْقَوْل قَوْله
السَّابِعَة سلم رجلَانِ كل وَاحِد ألفا إِلَى رجل فَاشْترى لكل وَاحِد عبدا والتبس واعترفوا بالإشكال فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على قَوْلَيْنِ
أَحدهمَا أَنه يُبَاع العبدان وَيقسم الثّمن عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ
وَالثَّانِي أَنَّهُمَا ينقلبان إِلَى الْوَكِيل وَيغرم هُوَ لَهما قيمتهمَا بِالسَّوِيَّةِ
فَإِن زَاد فَذَاك وَإِن نقص غرم قدر النُّقْصَان وَكَأَنَّهُ مقصر بِالنِّسْيَانِ وَهَذَا فِيهِ مزِيد نظر ذَكرْنَاهُ فِي الْمَذْهَب الْبَسِيط وَالله أعلم بِالصَّوَابِ

(4/131)