الوسيط في المذهب

= كتاب الْمُسَاقَاة = وَفِيه بَابَانِ

(4/133)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَانه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي أَرْبَعَة

الرُّكْن الأول فِي الأَصْل الذى يعْقد عَلَيْهِ العقد وَله شَرَائِط

الأول أَن يكون شَجرا والنخيل هُوَ الأَصْل إِذْ ساقى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل خَيْبَر على النّصْف مِمَّا يخرج من تمر وَزرع وَهَذِه الْمُعَامَلَة قريبَة من الْقَرَاض وَلَكِن تخالفها فِي اللُّزُوم والتأقيت فَإِنَّهُمَا لَا يليقان بالقراض وَفِي أَن الثِّمَار تملك بِمُجَرَّد الظُّهُور فَإِنَّهُ لَيْسَ وقاية للنخيل بِخِلَاف الْقَرَاض وَفِي طَريقَة الْعرَاق وَجه أَنه كالربح حَتَّى يخرج على الْقَوْلَيْنِ ثمَّ لَا خلاف فِي أَن الْكَرم بِمَعْنى النخيل لِأَن الْعَمَل عَلَيْهِمَا يتقارب وَالزَّكَاة تجب فيهمَا وَفِي سَائِر الْأَشْجَار المثرة قَولَانِ
أَحدهمَا أَنَّهَا فِي مَعْنَاهُمَا للْحَاجة إِلَيْهِ
وَالثَّانِي لَا لِأَن الْعَمَل عَلَيْهِمَا يقل فَيمكن الِاسْتِئْجَار عَلَيْهِ

(4/135)


ونعني بِالشَّجَرِ كل مَا يثبت أَصله فِي الأَرْض ويفصل ثمره
أما الْمزَارِع وقصب السكر والبطيخ والقثاء والباذنجان فَلَا يعْقد عَلَيْهَا هَذِه الْمُعَامَلَة لِأَن جَمِيعهَا فِي معنى المخابرة والمزارعة
وَالْمُخَابَرَة هِيَ صُورَة هَذِه الْمُعَامَلَة على الأَرْض وَالْبذْر من الْعَامِل
والمزارعة هى بِعَينهَا وَالْبذْر من الْمَالِك
وَقد نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْهُمَا وساقى
فَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا يرد إِحْدَى السنتين بِالْأُخْرَى خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله حَيْثُ أبطل الْمُسَاقَاة قِيَاسا على الْمُزَارعَة

(4/136)


ثمَّ البقل من قبيل الزَّرْع وَإِن ثبتَتْ أُصُوله
فَإِن قيل فقد ساقى عَلَيْهِ السَّلَام على الزَّرْع وَالتَّمْر جَمِيعًا قُلْنَا لَا جرم بقول تصح الْمُزَارعَة تبعا للمساقاة فِي الأَرْض المتحللة بَين النخيل بِخَمْسَة شَرَائِط اثْنَان مُتَّفق عَلَيْهِمَا
وَهُوَ أَن يكون الْعَامِل على النخيل وَالزَّرْع وَاحِدًا
وَالثَّانِي أَن تكون الْأَرَاضِي بِحَيْثُ لَا يُمكن إفرادها بِالْعَمَلِ إِذْ بسقيها وتقليبها ينْتَفع النخيل
وَاخْتلفُوا فِي ثَلَاث شَرَائِط
أَحدهَا اتِّحَاد الصَّفْقَة فَلَو عقدهَا فِي صفقتين فَثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه يَصح ثمَّ إِن أخرت الْمُزَارعَة تبِعت الْمُسَاقَاة السَّابِقَة وَإِن قدمت كَانَت مَوْقُوفَة الصِّحَّة على الْمُسَاقَاة بعْدهَا
وَالثَّانِي لَا يَصح مُطلقًا لِانْعِدَامِ التّبعِيَّة بالتمييز

(4/137)


وَالثَّالِث إِن قدمت الْمُزَارعَة فَسدتْ إِذْ لَا متبوع وَإِن أخرت صحت ثمَّ لَو جَمعهمَا فِي صَفْقَة وَاحِدَة وَلَكِن جعل لِلْعَامِلِ من الثِّمَار النّصْف وَمن الزَّرْع جُزْءا آخر أقل أَو أَكثر فَفِيهِ أَيْضا تردد لِأَن التَّغَيُّر يكَاد يقطع حكم التّبعِيَّة
وَالثَّانِي أَن لَا تكْثر الْأَرَاضِي فَإِن كثرت إِمَّا بِكَثْرَة الِارْتفَاع بِالْإِضَافَة إِلَى النخيل أَو باتساع الساحة بِالْإِضَافَة إِلَى مغارس النخيل فَوَجْهَانِ وَالأَصَح الصِّحَّة مهما لم يُمكن إفرادها بِالْعَمَلِ مَعَ الْكَثْرَة
الثَّالِث أَن يكون الْبذر من رب النخيل فَإِن كَانَ من الْعَامِل فقد حصل نوع مُغَايرَة بَين الجنسين فَفِي انْقِطَاع التّبعِيَّة وَجْهَان
الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون شَجرا غير بارزة الثِّمَار عِنْد الْمُسَاقَاة فَإِن برزت الثِّمَار نَص فِي الْقَدِيم أَنَّهَا فَاسِدَة إِذْ لم تخرج الثِّمَار بِعَمَلِهِ وَهُوَ مَوْضُوع العقد وَنَصّ فِي

(4/138)


الْجَدِيد على أَنه إِذا جَازَ قبل البروز فبعده أجوز وَعَن الْغرَر أبعد لِأَنَّهُ بَقِي الْعَمَل وَالثَّمَر صَار موثوقا بِهِ
الشَّرْط الثَّالِث أَن تكون الحديقة مرئية

فَإِن ساقاه على مَا لم ير فطريقان
أَحدهمَا فِيهِ قَولَانِ كَبيع الْغَائِب
وَالثَّانِي الْبطلَان لِأَنَّهُ عقد غرر فَلَا يحْتَمل فِيهِ هَذَا الْجَهْل
الرُّكْن الثَّانِي فِي الْمَشْرُوط لِلْعَامِلِ وَهُوَ الثِّمَار

فَلْيَكُن مَشْرُوطًا على الاستهام ومخصوصا بهما ومعلوما بالجزئية لَا بالتقدير كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الرِّبْح فِي الْقَرَاض وننبه هَاهُنَا على أُمُور ثَلَاثَة
الأول أَنه لَو ساقى على ودي نظر فَإِن لم يكن مغروسا فَقَالَ خُذْهُ واغرسه فَإِن علق فَهُوَ بَيْننَا فَهُوَ فَاسد لِأَنَّهُ تَسْلِيم بذر فَهُوَ فِي معنى الْمُزَارعَة
فَإِن قَالَ اغرسه ونمه وَمَا حصل من الثِّمَار فَهُوَ بَيْننَا فَهُوَ أَيْضا فَاسد إِذْ الْغَرْس لَيْسَ من أَعمال الْمُسَاقَاة وَقد ضم إِلَيْهَا فَكَانَ كَمَا إِذا ضم غير التِّجَارَة إِلَيْهَا فِي الْقَرَاض

(4/139)


وَفِي الصُّورَتَيْنِ وَجه أَنه لَا يَصح حَكَاهُ صَاحب التَّقْرِيب
أما إِذا كَانَ مغروسا نظر فَإِن ساقاه عَلَيْهِ مُدَّة لَا يُثمر فِيهَا إِلَّا بثمرة تحصل بعد الْمدَّة فَهُوَ بَاطِل إِذْ مَا يحصل بعد مُضِيّ الْمدَّة لَا يتَعَلَّق بِهِ العقد
وَإِن كَانَ يعلم حُصُوله فِي الْمدَّة وَلَو فِي آخر السنين وساقاه على عشر سِنِين مثلا فَهُوَ صَحِيح وخلو أول الْمدَّة عَن الثِّمَار كخلو أول السّنة الْوَاحِدَة
وَإِن كَانَ يتَوَهَّم الثَّمَرَة وَلَا يعلم قَالَ القَاضِي إِن غلب الْوُجُود صَحَّ وَإِن غلب الْعَدَم بَطل وَإِن تساوى الِاحْتِمَال فَوَجْهَانِ
وَقيل إِن غلب الْعَدَم بَطل وَإِن غلب الْوُجُود فَوَجْهَانِ وَقيل عَكسه أَيْضا
أما إِذا كَانَ بِحَيْثُ يُثمر كل سنة فساقاه عشر سِنِين على جُزْء من ثَمَرَة السّنة الْأَخِيرَة فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا أَنه يجوز وليقدر مَا سبق مَعْدُوما
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ تعرية الْعَمَل عَن الْعِوَض فِي مُدَّة وجود مَا حَقه أَن يكون عوضا فِي هَذَا العقد

(4/140)


وَفِي أصل زِيَادَة مُدَّة الْمُسَاقَاة على سنة كَلَام يجْرِي مثله فِي كل إِجَارَة وَسَيَأْتِي فِي كتاب الْإِجَارَة
الْأَمر الثَّانِي لَو كَانَ فِي الْبُسْتَان عَجْوَة وصيحاني فَقَالَ ساقيتك على أَن لَك من الصيحاني نصفه وَمن الْعَجْوَة ربعه لَا يَصح مَا لم يعرف قدر الْعَجْوَة والصيحاني أَعنِي الْأَشْجَار نظرا أَو تخمينا
وَإِن شَرط النّصْف مِنْهُمَا فَلَا يشْتَرط هَذِه الْمعرفَة وَكَذَلِكَ إِذا ساقي رجلَانِ وَاحِدًا على أَن لَهُ النّصْف من نصيبهما وَلَا يشْتَرط مَعْرفَته بِقدر النَّصِيبَيْنِ وَإِن تفَاوت الشَّرْط وَجَبت الْمعرفَة
وَلَو قَالَ ساقيتك على النّصْف إِن سقيت بالنضح أَو الرّبع إِن سقيت بالسماء فَهُوَ فَاسد لِأَنَّهُ مردد بَين جِهَتَيْنِ
الْأَمر الثَّالِث أَن أحد الشَّرِيكَيْنِ فِي النخيل لَو ساقى شَرِيكه على أَن يتعاونا على الْعَمَل فَهُوَ فَاسد إِذْ رب النخيل لَا يَنْبَغِي أَن يَخُوض فِي الْعَمَل
وَلَو كَانَ الشَّرِيك الْعَامِل يستبد بِجَمِيعِ الْعَمَل صحت الْمُسَاقَاة بِشَرْط أَن يشْتَرط لَهُ مزيدا على مَا تَقْتَضِيه نِسْبَة الْملك
فَلَو كَانَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ فَشرط لَهُ النّصْف فَلم يشرط لَهُ شئ فتفسد الْمُسَاقَاة وَلَا يسْتَحق أُجْرَة الْمثل عِنْد الْمُزنِيّ وَيسْتَحق عِنْد ابْن سُرَيج
وَلَو شَرط لَهُ الْكل فَيفْسد وَفِي أُجْرَة الْمثل وَجْهَان مأخذهما أَنه لم ينْو

(4/141)


بِعَمَلِهِ مستأجره فضاهى الْأَجِير فِي الْحَج إِذا نوى بعد التَّلْبِيَة صرف الْحَج إِلَى نَفسه فَلَا ينْصَرف إِلَيْهِ وَهل تسْقط أجرته فِيهِ وَجْهَان
الرُّكْن الثَّالِث الْعَمَل الموظف على الْعَامِل

وَله شَرَائِط يُنَبه عَنْهَا مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْقَرَاض
الأول أَن يكون لَا يشْتَرط عَلَيْهِ عمل لَيْسَ من الْمُسَاقَاة
الثَّانِي أَن يستبد بِالْيَدِ فِي الحديقة ليتَمَكَّن من الْعَمَل لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَو شَرط الْمَالِك الْيَد لنَفسِهِ فسد وَلَو سلم الْمِفْتَاح إِلَيْهِ وَلَكِن بِشَرْط أَن يدْخل هُوَ أَيْضا فَفِيهِ خلاف وَالأَصَح الْجَوَاز
الثَّالِث أَن يعرف بتأقيت مُدَّة العقد لَا بِتَعْيِين الْعَمَل ثمَّ يجوز التَّعْرِيف بِالسنةِ الْعَرَبيَّة وَهل يجوز التَّعْرِيف بِإِدْرَاك الثِّمَار فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ يتَفَاوَت بالبرد وَالْحر
وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ الْمَقْصُود وَهُوَ مُتَقَارب
وَإِن عرف بِالْأَشْهرِ فَجَائِز

(4/142)


فرع

لَو ساقى سنتَيْن فَهُوَ شريك فِي كل سنة فَلَو برز شئ فِي آخر السّنة الْأَخِيرَة من الثِّمَار وَانْقَضَت الْمدَّة قبل الْإِدْرَاك فالعامل شريك فِيمَا برز فِي مُدَّة عمله
الشَّرْط الرَّابِع أَن ينْفَرد الْعَامِل بِعَمَلِهِ وَأَن لَا يشْتَرط مُشَاركَة الْمَالِك فِي الْعَمَل فَإِن شَرط فَهُوَ فَاسد لِأَنَّهُ تَغْيِير الْموضع كَمَا فِي الْقَرَاض
وَإِن شَرط أَن يعْمل غُلَام الْمَالِك مَعَه فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على الْجَوَاز وَذكر الْأَصْحَاب ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا الْمَنْع هَاهُنَا وَفِي الْقَرَاض لِأَن يَد العَبْد يَد الْمَالِك فَيبْطل الاستبداد بِالْيَدِ
وَالثَّانِي الْجَوَاز لِأَن العَبْد يكون مستعارا على التَّحْقِيق فالإعانة بِهِ كالإعانة بالثيران وَلَا خلاف فِي جَوَازهَا شرطا
وَالثَّالِث أَنه يَصح فِي الْمُسَاقَاة إِذْ من الْأَعْمَال مَا يجب على الْمَالِك كبناء الجدران وَحفظ الْأُصُول كَمَا سَيَأْتِي بِخِلَاف الْقَرَاض فَلَا عمل فِيهِ على الْمَالِك

(4/143)


التقريع إِذا حكمنَا بِالْجَوَازِ فنفقه الْغُلَام على من
إِن شَرط على الْمَالِك أَو أطلق فَهُوَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ شَرط إِعَانَة
وَإِن شَرط على الْعَامِل فَفِي جَوَاز ذَلِك وَجْهَان
أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ قطع لنفقة الْملك عَن الْمَالِك
وَالثَّانِي نعم لِأَن الأَصْل أَن الْعَمَل عَلَيْهِ فَلَا يبعد أَن ينْفق على من يُعينهُ وَفِي طَريقَة الْعرَاق أَنه يتبع فِيهِ الشَّرْط قطعا
وَإِن أطلق فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه على الْمَالِك وَالثَّانِي أَنه على الْعَامِل
وَالثَّالِث أَنه من الثَّمَرَة وَهُوَ بعيد إِذْ رد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على مَالك رَحمَه الله حَيْثُ أوجب نَفَقَة العبيد على الْعَامِل عِنْد الْإِطْلَاق فَقَالَ أوجب أُجْرَة مثل أُجْرَة العبيد إِن كنت توجب النَّفَقَة

(4/144)


فرع لَو شَرط أَن يسْتَأْجر الْعَامِل أَجِيرا وَالْأُجْرَة على الْمَالِك لم يجز إِن لم يبْق لِلْعَامِلِ عمل وَإِن بَقِي لَهُ الدهقنة والتحذق فِي الِاسْتِعْمَال فَوَجْهَانِ
الرُّكْن الرَّابِع فِي الصِّيغَة

وَهِي أَن يَقُول ساقيتك على أَن لَك نصف الثِّمَار أَو عاملتك فَيَقُول قبلت أَو أَن يَقُول اعْمَلْ على هَذِه النخيل من الثِّمَار فَقبل فَلَا بُد من الْقبُول فَإِن هَذَا العقد لَازم بِخِلَاف الْقَرَاض وَالْوكَالَة ففيهما وَجه تقدم
وَلَو قَالَ استأجرتك على الْعَمَل بِالنِّصْفِ فَالظَّاهِر الْبطلَان لِأَنَّهُ يستدعى شُرُوطًا
وَفِيه وَجه أَنه يجوز لِأَنَّهُ مُسَاقَاة وَلَكِن بِلَفْظ الْإِجَارَة
نعم لَو كَانَت الثِّمَار بارزة وَعين الْعَمَل واستأجره بِجُزْء من الثَّمر جَازَ بعد بَدو الصّلاح وَقَبله غير جَائِز لِأَنَّهُ شَرط الْقطع ايضا فَقطع الشَّائِع غير مُمكن إِلَّا بتغيير عين الْمَبِيع فَيكون كَبيع بعض النصل

(4/145)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي حكم الْمُسَاقَاة الصَّحِيحَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلها أَحْكَام سِتَّة
الحكم الأول أَن الْعَامِل يلْزمه كل مَا يتَعَلَّق بِهِ صَلَاح الثِّمَار مِمَّا يتَكَرَّر فِي كل سنة كالسقي وتقليب الأَرْض وَقطع القضبان وتنحية الْحَشِيش وكنس الْبِئْر وَالنّهر وتصريف الجريد وَنقل الثِّمَار إِلَيْهِ
وَمَا لَا يتَكَرَّر فِي كل سنة بل تبقى فَائِدَته سِنِين كبناء الْحِيطَان وَشِرَاء الثيران ونضب الدولاب وحفر الْأَنْهَار والقنى الجديدة فَهُوَ على الْمَالِك وترددوا فِي حفظ الثِّمَار بالناظور وَفِي جذاذها وَفِي ردم ثلم يتَّفق فِي أَطْرَاف الجدران فَمنهمْ من رأى ذَلِك على الْعَامِل فِي الْعرف
وَمن هَذَا ذكر خلاف فِي صِحَة الْمُسَاقَاة الْمُطلقَة دون تَفْصِيل الْأَعْمَال لاضطراب الْعرف فِي هَذِه الْأُمُور وَالصَّحِيح الصِّحَّة عِنْد الْإِطْلَاق ثمَّ يحكم كل فريق بِمَا يرَاهُ لائقا بالعامل
الحكم الثَّانِي إِذا هرب الْعَامِل قبل تَمام الْعَمَل فَالْقَاضِي يسْتَأْجر من يعْمل ويقترض عَلَيْهِ

(4/146)


فَإِن عمل الْمَالِك بِنَفسِهِ أَو اسْتَأْجر عَلَيْهِ أَو اسْتقْرض فَهُوَ مُتَبَرّع وَلَا رُجُوع لَهُ وكل الثِّمَار لِلْعَامِلِ
هَذَا إِن قدر على الرُّجُوع إِلَى القَاضِي فَإِن لم يقدر وَعمل بِنَفسِهِ أَو اسْتَأْجر عَلَيْهِ فَثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا لَا يرجع لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى أَن يكون حَاكما لنَفسِهِ على غَيره
وَالثَّانِي نعم للضَّرُورَة
وَالثَّالِث إِن أشهد يرجع وَإِلَّا فَلَا
ثمَّ لَهُ أَن يفْسخ عِنْد هرب الْعَامِل
فَإِن عجز عَن اسْتِيفَاء الْمَعْقُود عَلَيْهِ فَلَو قَالَ الْأَجْنَبِيّ لَا تفسخ حَتَّى أنوب عَنهُ جَازَ لَهُ الْفَسْخ فَرُبمَا لَا يرضى بِدُخُولِهِ بستانه
فَلَو عمل الْأَجْنَبِيّ قبل أَن يشْعر بِهِ الْمَالِك فالثمرة لِلْعَامِلِ وَالْأَجْنَبِيّ مُتَبَرّع عَلَيْهِ لَا على الْمَالِك
ثمَّ إِذا فسخ فَإِن كَانَ قد مضى شئ من الْعَمَل فللعامل أُجْرَة مثل ذَلِك الْمِقْدَار وَلَا نقُول توزع الثِّمَار على نِسْبَة أُجْرَة الْمثل إِذْ الثِّمَار لَيْسَ مَعْلُوم الْمِقْدَار فِي أول

(4/147)


العقد حَتَّى يَقْتَضِي العقد فِيهِ توزيعا
الحكم الثَّالِث إِذا ادّعى الْمَالِك عَلَيْهِ خِيَانَة أَو سَرقَة فَالْقَوْل قَوْله فَإِنَّهُ أَمِين
فَإِن أَقَامَ حجَّة نصب عَلَيْهِ مشرف إِن أمكن أَن يحفظ بِهِ وَألا تزَال يَده ويستأجر عَلَيْهِ ثمَّ أُجْرَة المشرف على الْعَامِل إِن ثَبت خيانته بِإِقْرَارِهِ أَو بِبَيِّنَة وَإِلَّا فعلى الْمَالِك
الحكم الرَّابِع إِذا مَاتَ الْمَالِك لم يَنْفَسِخ العقد وَبَقِي مَعَ الْوَرَثَة وَإِن مَاتَ الْعَامِل لم يَنْفَسِخ أَيْضا قطع بِهِ الْمُزنِيّ وَهُوَ الْمَذْهَب وَفِيه وَجه
ثمَّ على الْوَارِث إتْمَام الْعَمَل من تركته وَله حِصَّة من الثِّمَار إِذا تمم وَإِن لم يكن لَهُ تَرِكَة فَلهُ أَن يتمم لأجل الثِّمَار فَإِن أَبى لم يجْبر عَلَيْهِ إِذْ لَا تَرِكَة وَلَا يلْزمه عمل غَيره هَذَا إِذا أوردت الْمُسَاقَاة على الذِّمَّة وَهُوَ شَرطهَا فَإِن أوردت على الْعين فَفِي صِحَّتهَا نظر لِأَن فِيهِ نوع تضييق فَإِن صحّح فينفسخ بِمَوْت الْعَامِل
الحكم الْخَامِس إِذا خرجت الْأَشْجَار مُسْتَحقَّة بعد تَمام الْعَمَل يرجع الْعَامِل بِأُجْرَة مثله على الْغَاصِب
وَقيل إِنَّه يخرج على قولي الْغرُور
وَأما الثِّمَار إِن بقيت فَكلهَا للْمَالِك

(4/148)


وَإِن تلفت بعد أَن قسم فَمَا قَبضه الْعَامِل لنَفسِهِ مَضْمُون عَلَيْهِ ويستقر عَلَيْهِ الضَّمَان لِأَنَّهُ أَخذه عوضا كالمشتري
وَأما حِصَّة الْغَاصِب إِن تلف قبل الْقِسْمَة أَو على الْأَشْجَار أَو تلف شئ من الْأَشْجَار فَفِي مُطَالبَة الْعَامِل بِهِ وَجْهَان
أَحدهمَا نعم لِأَن أقل درجاته أَن يكون كَالْمُودعِ فِيهِ
وَالثَّانِي لَا لِأَن يَده تثبت على الْأَشْجَار وَنصِيب الْمَالِك تَحْقِيقا وَإِنَّمَا هُوَ عَامل عَلَيْهَا وَيَد الْمَالِك مستدامة حكما وَهُوَ ضَعِيف
الحكم السَّادِس إِذا تنَازع العاقدان فِي الْقدر الْمَشْرُوط من الثِّمَار تحَالفا وتفاسخا وَحكم تنازعهما مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْقَرَاض

(4/149)