الوسيط في المذهب

= كتاب الْجعَالَة=

(4/207)


وَهِي مُعَاملَة صَحِيحَة لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَلمن جَاءَ بِهِ حمل بعير وَأَنا بِهِ زعيم}
وَلما رُوِيَ أَن قوما من أَصْحَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نزلُوا بحي من أَحيَاء الْعَرَب فلدغ سيدهم فالتمسوا مِنْهُم رقية فَأَبَوا إِلَّا بِجعْل فَجعلُوا لَهُم قطيعا من الشَّاة وَمضى إِلَيْهِم وَاحِد وَقَرَأَ أم الْقُرْآن وتفل فِيهِ بلعابه فبرئ فَسلم القطيع فَقَالُوا لَا نَأْخُذ حَتَّى نسْأَل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فحكي ذَلِك لَهُ فَضَحِك وَقَالَ
مَا أَدْرَاك أَنَّهَا رقية خذوها واضربوا لي فِيهَا بِسَهْم
ويتأيد ذَلِك بِالْحَاجةِ إِذْ قد تمس الْحَاجة إِلَى ذَلِك فِي رد عبد آبق أَو ضَالَّة وَمَا لَا يدرى من الذى تعذر عَلَيْهِ

(4/209)


وَالنَّظَر فِي أَحْكَامهَا وأركانها أما الْأَركان فَأَرْبَعَة

الرُّكْن الأول الصِّيغَة وَهِي قَول الْمُسْتَعْمل من رد عَبدِي الْآبِق أَو ضالتي أَو عمل الْعَمَل الذى يُريدهُ مِمَّا يجوز فعله ويستباح فَلهُ دِينَار أَو مَا يُرِيد صَحَّ العقد وَلم يشْتَرط الْقبُول لفظا بل اكل من سَمعه اشْترك فِي حكمه فَمن قَامَ بِالْعَمَلِ اسْتحق
وَلَو لم يصدر مِنْهُ لفظ فَرد إِنْسَان عَبده الْآبِق أَو عمل لَهُ عملا لم يسْتَحق شَيْئا لِأَنَّهُ مُتَبَرّع
وَلَو قَالَ رد عَبدِي وَلم يقطع لَهُ أُجْرَة فَرد فَفِي اسْتِحْقَاقه مَا ذَكرْنَاهُ فِي اسْتِعْمَال الْقصار والدلاك والمزين
وَكَذَا إِذا نَادَى وَلَكِن رد العَبْد من لم يسمع نداءه فَلَا يسْتَحق شَيْئا لِأَن النداء يتَنَاوَل من سمع وَهُوَ قصد التَّبَرُّع بِهِ
وَكَذَا الْفُضُولِيّ إِذا كذب وَقَالَ قَالَ فلَان من رد عَبدِي فَلهُ دِينَار فَرده إِنْسَان لَا يسْتَحق لَا على الْمَالِك وَلَا على الْفُضُولِيّ
وَلَو قَالَ من رد عبد فلَان فَلهُ دِينَار وَجب على الْفُضُولِيّ لِأَنَّهُ ضمنه بقوله

(4/210)


الرُّكْن الثَّانِي الْعَاقِد

وَلَا يشْتَرط فِي الْجَاعِل إِلَّا أَهْلِيَّة الِاسْتِئْجَار وَلَا فِي المجعول لَهُ إِلَّا أَهْلِيَّة الْعَمَل وَلَا يشْتَرط التَّعْيِين إِذْ يُخَالف اشْتِرَاط تعْيين الشَّخْص مصلحَة العقد
الرُّكْن الثَّالِث الْعَمَل

وَهُوَ كل مَا يجوز الِاسْتِئْجَار عَلَيْهِ وَلَكِن لَا يشْتَرط كَونه مَعْلُوما فَإِن رد الْآبِق لَا يَنْضَبِط الْعَمَل فِيهِ وَكَانَ ينقدح أَن يشْتَرط كَون الْعَمَل مَجْهُولا وَلَا يتَقَدَّر كالمضاربة وَلَكِن قطع الْعِرَاقِيُّونَ بِأَنَّهُ لَو قَالَ من بني حائطي أَو خاط ثوبي فَلهُ كَذَا أَن ذَلِك لَا يجوز
وَكَذَا إِذا قَالَ أول من يحجّ عني فَلهُ دِينَار اسْتحق الدِّينَار هَذَا رَوَاهُ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي المنثور ثمَّ قَالَ الْمُزنِيّ يَنْبَغِي أَن يسْتَحق أُجْرَة الْمثل لِأَنَّهُ إِجَارَة فَلَا يَصح بِغَيْر تعْيين
وَهَذَا يدل على أَن الْمُزنِيّ اعْتقد اخْتِصَاص الْجعَالَة بِالْمَجْهُولِ الذى لَا يسْتَأْجر عَلَيْهِ
وَقد نسب الْعِرَاقِيُّونَ الْمُزنِيّ إِلَى الْغَلَط فِيهِ وَقَالُوا هَذِه جعَالَة
الرُّكْن الرَّابِع الْجعل

وَشَرطه أَن يكون مَالا مَعْلُوما فَلَو شَرط مَجْهُولا فسد وَاسْتحق الْعَامِل

(4/211)


أُجْرَة الْمثل كَمَا فِي الْمُضَاربَة الْفَاسِدَة
فروع ثَلَاثَة

أَحدهَا لَو قَالَ من رد عَبدِي من الْبَصْرَة فَلهُ دِينَار وَهُوَ بِبَغْدَاد فَرده من نصف الطَّرِيق اسْتحق نصف الدِّينَار
وَمن الثُّلُث الثُّلُث لِأَنَّهُ قدر الْمسَافَة
وَإِن رد من مَكَان أبعد لم يسْتَحق للزِّيَادَة شَيْئا لِأَنَّهُ لم يشْتَرط عَلَيْهِ شَيْئا
الثَّانِي إِذا قَالَ من رد عَبدِي فَلهُ دِينَار فاشترك فِي رده اثْنَان اشْتَركَا فِي الْجعل
وَإِن عين شخصا وَقَالَ إِن رددت فلك دِينَار فشاركه غَيره وَقَالَ قصدت معاونه الْعَامِل اسْتحق الْعَامِل الدِّينَار وَإِن قَالَ قصدت المساهمة فللعامل نصف الدِّينَار وَلَا شئ للمعين فَإِنَّهُ لم يشرط لَهُ شئ
الثَّالِث إِذا قَالَ لأَحَدهمَا إِن رددت عَبدِي فَللَّه دِينَار وَقَالَ لآخر إِن رددت فلك دِينَار فاشتركا فَلِكُل وَاحِد نصف مَا شَرط لَهُ وَإِن شَرط لأَحَدهمَا دِينَارا وَللْآخر ثوبا مَجْهُولا فاشتركا اسْتحق من شَرط لَهُ الدِّينَار نصفه وَللْآخر نصف أُجْرَة الْمثل

(4/212)


أما أَحْكَامهَا فَأَرْبَعَة

الأول أَنه جَائِز من الْجَانِبَيْنِ كالمضاربة إِذْ لَا يَلِيق بهَا اللُّزُوم ثمَّ إِن فَسخه الْمَالِك قبل الْعَمَل انْفَسَخ
وَإِن كَانَ بعد الشُّرُوع فِي الْعَمَل وَقبل الْفَرَاغ انْفَسَخ وَلَزِمَه أُجْرَة الْمثل
وَإِن كَانَ بعد الْفَرَاغ من الْعَمَل فَلَا معنى للْفَسْخ
الثَّانِي جَوَاز الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان
فَلَو قَالَ من رد عَبدِي فَلهُ عشرَة ثمَّ قَالَ من رد عَبدِي فَلهُ دِينَار فَمن رده اسْتحق الدِّينَار وَكَذَا على الْعَكْس وَالِاعْتِبَار بالأخير
فَإِن لم يسمع الْعَامِل النداء النَّاقِص الْأَخير فينقدح أَن يُقَال يرجع إِلَى أُجْرَة الْمثل
الثَّالِث أَن الْعَامِل لَا يسْتَحق شَيْئا إِلَّا بالفراغ من الْعَمَل فَلَو رد العَبْد إِلَى بَاب دَاره فهرب أَو مَاتَ قبل التَّسْلِيم لم يسْتَحق شَيْئا لِأَن الْمَقْصُود قد فَاتَ وَهُوَ الرَّد
الرَّابِع لَو تنَازعا فِي أصل شَرط الْجعل فَأنكرهُ الْمَالِك أَو فِي عين عبد فَأنْكر الْمَالِك الشَّرْط فِيهِ وَقَالَ إِنَّه شَرط فِي عبد غَيره أَو أنكر الْمَالِك سَعْيه فِي الرَّد وَقَالَ رَجَعَ العَبْد بِنَفسِهِ فَالْقَوْل فِي ذَلِك كُله قَول الْمَالِك فَإِن الْعَامِل مُدع فليثبت
وَإِن اخْتلفَا فِي مِقْدَار الْمَشْرُوط تحَالفا وَرجع إِلَى أُجْرَة الْمثل كَمَا فِي الْإِجَارَة

(4/213)