الوسيط في المذهب

= كتاب قسم الْفَيْء والغنائم = وَفِيه بَابَانِ

(4/519)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي الْفَيْء - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَهُوَ كل مَال لكَافِر فَاء إِلَى الْمُسلمين من غير إيجَاف خيل وَلَا ركاب
كَمَا إِذا انجلوا عَنهُ خوفًا من الْمُسلمين من غير قتال أَو بذلوه للكف عَن قِتَالهمْ وَهُوَ مخمس كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيله
وَكَذَلِكَ مَا أَخذ بِغَيْر تخويف كالجزية وَالْخَرَاج عَن أراضيهم وَالْعشر من تِجَارَتهمْ
وَمَال الْمُرْتَد وَمَال من مَاتَ مِنْهُم وَلَا وَارِث لَهُ فَالصَّحِيح أَن هَذَا أَيْضا يُخَمّس لعُمُوم قَوْله تبَارك وَتَعَالَى {وَمَا أَفَاء الله على رَسُوله}

(4/521)


الطّرف الأول فِي الْخمس

وَهُوَ مقسوم بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخَمْسَة أسْهم إِذْ كَانَ الْفَيْء كُله لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
السهْم الأول لله وَلِرَسُولِهِ

فَهُوَ مَصْرُوف إِلَى مصَالح الْمُسلمين لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تنَاول من الأَرْض وبرة من بعير فَقَالَ
والذى نَفسِي بِيَدِهِ مَا لي مِمَّا أَفَاء الله إِلَّا الْخمس وَالْخمس مَرْدُود عَلَيْكُم
وَأَرَادَ بِهِ مَا بعد الْوَفَاة
وَالرَّدّ على الْجُمْلَة بِالصرْفِ إِلَى الْمصَالح الْعَامَّة كسد الثغور وَعمارَة القناطر وأرزاق الْقُضَاة وَغَيرهَا
وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ يصرف سهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الإِمَام فَإِنَّهُ خَلِيفَته
السهْم الثَّانِي لِذَوي الْقُرْبَى

وهم المدلون بِقرَابَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كبني هَاشم وَبني الْمطلب دون غرهم من

(4/522)


بني عبد شمس وَبني نَوْفَل لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قسم على هَؤُلَاءِ وَمنع أُولَئِكَ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله الْخمس يقسم بِثَلَاثَة أسْهم فَأَما سهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسم ذَوي الْقُرْبَى فقد سقطا بوفاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَالَ بعض الْعلمَاء يقسم بِسِتَّة أسْهم وَسَهْم الله تَعَالَى يتَمَيَّز عَن سهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيصْرف إِلَى زِينَة الْكَعْبَة ومصالحها
وَهُوَ بَاطِل لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام
الْخمس مَرْدُود عَلَيْكُم
وَلَو صَحَّ ذَلِك لَكَانَ نصِيبه سدسا
وَإِذا ثَبت أَنه لِذَوي الْقُرْبَى فيشترك فِي اسْتِحْقَاقه أغنياؤهم وفقراؤهم لِأَن الْعَبَّاس كَانَ يَأْخُذ مِنْهُ وَكَانَ من أغنيائهم ويشترك فِيهِ الصَّغِير وَالْكَبِير وَالنِّسَاء وَالرِّجَال والحاضر فِي ذَلِك الإقليم وَالْغَائِب تعلقا بِعُمُوم الْقَرَابَة ويفضل

(4/523)


الذّكر على الْأُنْثَى لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ بِالْقَرَابَةِ فَيُشبه الْمِيرَاث هَذَا نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ
وَقَالَ الْمُزنِيّ يسوى كَالْوَصِيَّةِ للأقارب وَهُوَ الْقيَاس
فرع

قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ أَوْلَاد الْبَنَات لَا يسْتَحقُّونَ فَإِنَّهُ لَا نسب من جِهَة الْأُمَّهَات وَهَذَا مُسْتَحقّ بِالنّسَبِ
وَذكر القَاضِي حُسَيْن أَن من يُدْلِي بجهتين يفضل على من يُدْلِي بِجِهَة وَاحِدَة كَمَا يقدم الْأَخ من الْأَب وَالأُم على الْأَخ للْأَب
وَهَذَا يدل على أَن الإدلاء بِالْأُمِّ لَهُ أثر فِي الِاسْتِحْقَاق عِنْد الِاجْتِمَاع فَلَا يبعد عَن الْقيَاس أَن يُؤثر عِنْد الِانْفِرَاد مَعَ شُمُول اسْم الْقَرَابَة
السهْم الثَّالِث لِلْيَتَامَى

وَهُوَ كل طِفْل لم يبلغ الْحلم وَلَا كافل لَهُ من أَوْلَاد المرتزقة وَغَيرهم
وَقَالَ الْقفال يخْتَص بأولاد المرتزقة وَهُوَ بعيد
نعم هَل يشْتَرط كَونه فَقِيرا فعلى وَجْهَيْن
أَحدهمَا لَا كَمَا لَا يشْتَرط فِي ذَوي الْقُرْبَى لِأَنَّهُ زِيَادَة شَرط على الْوَصْف الْمَذْكُور
وَالثَّانِي نعم لِأَن لفظ الْيَتِيم يُنبئ عَن الْحَاجة إِلَى التعهد والغني الذى يتعهد غَيره من مَاله بِالزَّكَاةِ وَالنَّفقَة يبعد فهمه عَن الْآيَة

(4/524)


السهْم الرَّابِع سهم الْمَسَاكِين

وَيجوز صرفه إِلَى الْفَقِير فَإِنَّهُ أَشد حَاجَة مِنْهُ
السهْم الْخَامِس لأبناء السَّبِيل وَسَيَأْتِي بَيَان الصِّنْفَيْنِ فِي تَفْرِيق الصَّدقَات

فَإِن قيل فَهَل يجب التَّسْوِيَة بَينهم
قُلْنَا أما الأسهم الْخمس فَلَا بُد وَأَن تتساوى فِي الأَصْل
وَأما سهم ذَوي الْقُرْبَى فَيقسم على السوية إِلَّا بِسَبَب الذُّكُورَة وَالْأُنُوثَة
وَأما الْمُسْتَحق باليتم والمسكنة وَالسّفر فيتفاوت بتفاوت الْحَاجة

(4/525)


الطّرف الثَّانِي فِي الْأَخْمَاس الْأَرْبَعَة

وَقد كَانَ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ الْخمس وَبعده فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا أَنه مَرْدُود إِلَى الْمصَالح كالخمس من الْخمس الْمُضَاف إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَالثَّانِي أَنه يقسم على الْجِهَات كَمَا يقسم الْخمس فعلى هَذَا يقسم جملَة الْفَيْء بِخَمْسَة أَقسَام وَعَلِيهِ يدل ظَاهر قَوْله تبَارك وَتَعَالَى {مَا أَفَاء الله على رَسُوله}
وَالثَّالِث وَهُوَ الْأَظْهر أَنه للمرتزقة المقاتلين كأربعة أَخْمَاس الْغَنِيمَة فَإِنَّهَا للحاضرين فِي الْقِتَال إِذْ كَانَ يَأْخُذهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن الْكفَّار كَانُوا يحذرون مِنْهُ والآن يحذرون من جند الْإِسْلَام
وَذهب بعض الشِّيعَة إِلَى أَنه موروث مِنْهُ لأقاربه وَهُوَ بَاطِل لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة

(4/526)


وَإِذا ثَبت أَنه للمقاتلين فليراع الإِمَام فِي الْقِسْمَة سَبْعَة أُمُور
الأول أَن يضع ديوانا يحصي فِيهِ المرتزقة بِأَسْمَائِهِمْ وَينصب لكل عشرَة مِنْهُم عريفا يجمعهُمْ فِي وَقت الْعَطاء ليَكُون أسهل عَلَيْهِ
الثَّانِي أَن يُسَوِّي وَلَا يفضل أحدا بسبق فِي الْإِسْلَام وَلَا سنّ نسب بل يُعْطي كل وَاحِد على قدر حَاجته فيزيد بِزِيَادَة الْحَاجة وَلَا يُعْطِيهِ مَا يقصر عَن كِفَايَته وكفاية زَوجته وَأَوْلَاده لأَنهم كفوا الْمُسلمين أَمر الْجِهَاد فليكفوا أَمر النَّفَقَة
فَلَو كَانَ لوَاحِد أَربع زَوْجَات أنْفق على الْكل ويبفق على عَبده وفرسه فَإِن لم يكن لَهُ عبد وَفرس وَاحْتَاجَ إِلَيْهِ اشْتَرَاهُ لَهُ
وَلَو كَانَ لَهُ عبيد للْخدمَة لَا ينْفق على أَكثر من وَاحِد لِأَنَّهُ لَا حصر لَهُم بِخِلَاف الزَّوْجَات
وَيُعْطِي الْوَلَد الصَّغِير كَمَا يُعْطي الْكَبِير وَكلما كبر فزادت حَاجته زَاد فِي جرايته
وَكَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ يفضل الْبَعْض على الْبَعْض وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ كَانَ يُسَوِّي بَينهم فَرَأى الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الِاقْتِدَاء بِالصديقِ رضوَان الله عَلَيْهِ تَشْبِيها بِالْغَنِيمَةِ فيسوي فِيهَا بَين الشجاع والضعيف
الثَّالِث أَن يقدم فِي الْإِعْطَاء الأولى بالتقديم

(4/527)


فَيقدم قُريْشًا وَيقدم من جُمْلَتهمْ بني هَاشم وَبني عبد الْمطلب فيسوي بَينهم لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام شَبكَ بَين أَصَابِعه فِي تمثيلهم تَنْبِيها على التَّسْوِيَة
نعم إِن كَانَ فيهم مسن قدم الأسن ثمَّ يُعْطي بعدهمْ بني عبد شمس وَبني نَوْفَل وَبني عبد منَاف وَيقدم بني عبد شمس لِأَن عبد شمس أَخُوهَا هَاشم من أَبِيه وَأمه وَنَوْفَل أَخُوهُ من أَبِيه لَا من أمه ثمَّ يعْطى بَنو عبد الْعُزَّى وَبَنُو عبد الدَّار وَيقدم بَنو عبد الْعُزَّى على بني عبد الدَّار لِأَن فيهم أَصْهَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَكَذَلِكَ يعْطى الْأَقْرَب حَتَّى تَنْقَضِي قُرَيْش ثمَّ يقدم الْأَنْصَار على سَائِر الْعَرَب
وَيُعْطى بعد ذَلِك الْعَجم
وَإِذا تَسَاوَت الرتب قدم بِالسِّنِّ أَو بِالسَّبقِ إِلَى الْإِسْلَام وَلم يقدم بِسَبَب سوى مَا ذَكرْنَاهُ

(4/528)


الرَّابِع لَا يثبت ابْتِدَاء فِي الدِّيوَان اسْم صبي وَلَا مَجْنُون وَلَا عبد وَلَا ضَعِيف إِذْ لَا كِفَايَة فيهم بل يثبت اسْم الأقوياء الْبَالِغين المستعدين للغزو إِذا أمروا
فَإِن طَرَأَ الضعْف وَالْجُنُون
فَإِن طَرَأَ الضعْف وَالْجُنُون فَإِن كَانَ يُرْجَى زَوَاله فَلَا يسْقط الِاسْم وَإِن كَانَ لَا يُرْجَى فَيسْقط اسْمه وَإِذا مَاتَ فَمَا كَانَ يُعْطي زَوجته وَأَوْلَاده فِي حَيَاته هَل يبْقى عَلَيْهِ بعد مَوته وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يسْقط إِذا كَانَ ذَلِك بطرِيق التّبعِيَّة والآن فقد مَاتَ الْمَتْبُوع وَلَيْسَ فِي أنفسهم قُوَّة الْجِهَاد
وَالثَّانِي أَنه يستصحب إِذْ الْمُجَاهِد إِذا علم أَن ذُريَّته مضيعون بعد وَفَاته اشْتغل بِالْكَسْبِ فِي أنفسهم قُوَّة الْجِهَاد
فعلى هَذَا يُعْطي للزَّوْجَة إِلَى أَن تتَزَوَّج فَإِذا استغنت بزوجها سقط حَقّهَا وَيبقى حق الصّبيان إِلَى الْبلُوغ فَإِن بلغُوا عاجزين بجنون أَو ضعف أَو أنوثة اسْتمرّ مَا كَانَ وَكَأَنَّهُم لم يبلغُوا
وَإِن صلحوا لِلْقِتَالِ خيروا فَإِن اخْتَارُوا الْجِهَاد استقلو باثبات الِاسْم وَإِن أَعرضُوا التحقوا بالمكتسبين انْقَطع حَقهم
الْخَامِس يَنْبَغِي أَن تفرق أَرْزَاقهم فِي أول كل سنة وَلَا يُكَرر الْقِسْمَة فِي كل أُسْبُوع وَشهر فَإِن الْحَاجة فِي المَال تَتَكَرَّر بِتَكَرُّر السّنة إِلَّا أَن تَقْتَضِي الْمصلحَة ذَلِك فَلهُ اتباعها

(4/529)


فَلَو مَاتَ وَاحِد بعد أَن جمع المَال وَمَضَت السّنة كَانَ نصِيبه لوَرثَته والحول فَلَا حق لورته
وَإِن كَانَ بعد الْجمع وَإِن مَاتَ قبل الْجمع وَقبل انْقِضَاء السّنة فَقَوْلَانِ
ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى حُصُول المَال وَفِي الثَّانِي إِلَى أَن النُّصْرَة لم تكمل بِالسنةِ وَهِي لَا تجزأ
السَّادِس إِن كَانَ من جملَة الْفَيْء أراض فخمسها لأهل الْخمس وَأَرْبَعَة أخماسها يكون وَقفا هَكَذَا قَالَه الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ
فَمن الْأَصْحَاب من قَالَ هُوَ تَفْرِيع مِنْهُ على أَنه للْمصَالح والمصلحة فِي الْوَقْف لتبقى الْغلَّة على الْمُسلمين فِي الدَّوَام وعَلى القَوْل الآخر يقسم على المرتزقة كالمنقول

(4/530)


وَمِنْهُم من قَالَ وَإِن قُلْنَا إِنَّهَا للمرتزقة فنجعلها وَقفا لتَكون رزقا مُؤَبَّدًا عَلَيْهِم بِخِلَاف الْغَنِيمَة إِذْ لَا مدْخل للِاجْتِهَاد فِيهَا فَلذَلِك لَا يفضل أحد على غَيره لحَاجَة ومصلحة
فَإِن قُلْنَا بِالْوَقْفِ فَمنهمْ من قَالَ أَرَادَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْوَقْف الشَّرْعِيّ الَّذِي يحرم بِهِ البيع وَالْقِسْمَة
وَمِنْهُم من قَالَ أَرَادَ التَّوَقُّف عَن قسْمَة الرَّقَبَة وَقِسْمَة الْغلَّة دون الْوَقْف الشَّرْعِيّ
السَّابِع إِذا فضل شَيْء من الْأَخْمَاس الْأَرْبَعَة عَن قدر حَاجتهم فَيرد عَلَيْهِم ويوزع وَإِن زَاد على كفايتهم
إِلَّا إِذا فرعنا على أَنه للْمصَالح وَأَنه يصرف إِلَيْهِم لِأَنَّهُ أهم الْمصَالح فَحِينَئِذٍ إِن ظَهرت مصلحَة أهم مِنْهُ لم ترد الزِّيَادَة عَلَيْهِم وَالله أعلم

(4/531)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي قسم الْغَنَائِم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَالْغنيمَة كل مَال تَأْخُذهُ الفئة الْمُقَاتلَة على سَبِيل الْقَهْر وَالْغَلَبَة من الْكفَّار
فخمسها يقسم بِخَمْسَة أَقسَام كخمس الْفَيْء وَأَرْبَعَة أخماسها للغانمين فيتطرق إِلَيْهَا النَّفْل والرضخ وَالسَّلب ثمَّ الْقِسْمَة بعده

(4/532)


النّظر الأول فِي النَّفْل

وَهُوَ زِيَادَة مَال يَشْتَرِطه أَمِير الْجَيْش لمن يتعاطى فعلا مخاطرا يُفْضِي إِلَى الظفر بالعدو كتقدمه طَلِيعَة أَو تهجمه على قلعة أَو دلَالَته على طَرِيق بلد وَالنَّظَر فِي قدره وَمحله
أما مَحَله فَيجوز أَن يكون من بَيت مَال الْمُسلمين لِأَنَّهُ من الْمصَالح فَإِن شَرط مِنْهُ فَلْيَكُن قدر المَال مَعْلُوما لِأَنَّهُ جعَالَة
وَيجوز أَن يكون مِمَّا يتَوَقَّع أَخذه من مَال الْمُشْركين من خمس الْخمس وَعند ذَلِك لَا يشْتَرط كَونه مَعْلُوما فقد شَرط رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الثُّلُث فِي الرّجْعَة وَالرّبع فِي البدأة
وَحكى القَاضِي عَن الْقَدِيم قولا أَنه لَا يخْتَص بِخمْس الْخمس والمصالح بل يُعْطون الثُّلُث وَالرّبع مِمَّا أخذُوا من أصل المَال لَا من خمس الْخمس وَالْبَاقِي يكون غنيمَة مُشْتَركَة
وعَلى هَذَا فَهَل يُخَمّس مَا اختصوا بِهِ فِيهِ قَولَانِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الرضخ

(4/533)


فرع

لَو قَالَ الْأَمِير من أَخذ شَيْئا فَهُوَ لَهُ وَأَرَادَ أَن يَجْعَل كل مَا أَخذه نفلا
فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَو قَالَ قَائِل بذلك كَانَ ذَلِك مذهبا وَقد قَالَ بِهِ أَبُو حينفة رَضِي الله عَنهُ
فَقَالَ الْأَصْحَاب هُوَ ترديد قَول
فعلى قَول يجوز لما روى أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ يَوْم بدر من أَخذ شَيْئا فَهُوَ لَهُ
وَالأَصَح أَنه لَا يجوز والْحَدِيث غير صَحِيح
وَقد قيل إِن غَنَائِم بدر كَانَت لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خَاصَّة يفعل فِيهَا مَا يَشَاء

(4/534)


أما قدره فباجتهاد الإِمَام وَليكن على قدر خطره فِي الْعَمَل وَلذَلِك زَاد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الرّجْعَة لِأَن خطر التَّخَلُّف عَن الْعَسْكَر فِي آخر الْقِتَال أعظم من خطر التَّقَدُّم قبل الْقِتَال
وَالْأَظْهَر أَن ذَلِك كَانَ ثلث خمس الْخمس وَربع خمس الْخمس
وَقيل مَعْنَاهُ إِن يُزَاد لكل وَاحِد مثل ثلث حِصَّته أَو مثل ربعه

(4/535)


النّظر الثَّانِي فِي الرضخ

وَهُوَ قدر من المَال تَقْدِيره إِلَى رَأْي الإِمَام بِشَرْط أَن لَا يزِيد على سهم رجل من الْغَانِمين بل ينقص كَمَا ينقص التَّعْزِير من الْحَد
ومصرفه العبيد وَالصبيان المراهقون وَالنِّسَاء
وَالْكفَّار الَّذين حَضَرُوا الْوَاقِعَة فَلَيْسَ لَهُم رُتْبَة الْكَمَال حَتَّى يدخلُوا فِي الْقِسْمَة
وَفِي الْمحل الَّذِي يخرج مِنْهُ ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا أَنه من أصل الْغَنِيمَة تَقْدِيمًا على الْكل كَأُجْرَة النَّقْل وَالْحمل
وَالثَّانِي أَنه من خمس الْخمس كالنقل على الرَّأْي الْأَصَح
وَالثَّالِث وَهُوَ الأقيس أَنه من الْأَخْمَاس الْأَرْبَعَة لِأَنَّهُ سهم من الْغَنِيمَة اسْتِحْقَاقه بِشُهُود الْوَقْعَة لكنه دون سَائِر السِّهَام
فرع

الْكَافِر إِذا حضر بِغَيْر إِذن الإِمَام أَو حضر بِأُجْرَة قدرهَا الإِمَام فَلَا شَيْء لَهُ من الرضخ وللأمام أَن يسْتَأْجر أهل الذِّمَّة بِشَيْء من المَال
فَأَما العَبْد إِذا حضر اسْتحق الرضخ مَأْذُونا كَانَ من جِهَة السَّيِّد أَو الإِمَام أَو لم يكن قَاتل أَو لم يُقَاتل
وَكَذَا النِّسَاء وَالصبيان وَاعْتِبَار الْإِذْن فِي حق الْكَافِر لِأَنَّهُ مُتَّهم

(4/536)


النّظر الثَّالِث فِي السَّلب

وَهُوَ الْقَاتِل نَادَى الإِمَام أَو لم يناد خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لعُمُوم قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه
ثمَّ النّظر فِي أَرْبَعَة أَرْكَان

الرُّكْن الأول فِي سَبَب الِاسْتِحْقَاق

وَهُوَ ركُوب الْغرَر فِي قهر كَافِر مقبل على الْقِتَال بِمَا يَكْفِي بِالْكُلِّيَّةِ شَره فالحد مُقَيّد بِثَلَاث شَرَائِط
الأول ركُوب الْغرَر فَلَو رمى من حصن أَو من وَرَاء الصَّفّ وَقتل لم يسْتَحق لِأَن السَّلب حث على الهجوم على الْخطر
وَالثَّانِي أَنه إِن قهر الْكَافِر بالإثخان وَإِن لم يقْتله

(4/537)


اسْتحق وَإِن قَتله غَيره لم يسْتَحق قتل ابْن مَسْعُود أَبَا جهل فَلم يُعْط سلبه إِذْ كَانَ أثخنه غَيره
وَلَو اشْترك رجلَانِ فِي الْقَتْل اشْتَركَا فِي السَّلب
وَقطع الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ جَمِيعًا إثخان وَقطع الْيَدَيْنِ دون الرجلَيْن أَو الرجلَيْن دون الْيَدَيْنِ فِيهِ قَولَانِ لِأَنَّهُ يعدو بِرجلِهِ عِنْد فقد الْيَد فَيجمع الْعَسْكَر وَيُقَاتل بِيَدِهِ رَاكِبًا عِنْد فقد الرجل
أما إِذا أسر كَافِرًا وَسلمهُ إِلَى الإِمَام فَقَوْلَانِ
الْأَصَح أَنه يسْتَحق سلبه لِأَنَّهُ قهر تَامّ بِمَا يَكْفِي شَره
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لم يقتل وَلَا مهد سَبِيل الْقَتْل بالجراحة

(4/538)


وعَلى الصَّحِيح لَو فاداه الإِمَام أَو استرقه فَفِي رقبته وَمَال الْفِدَاء قَولَانِ فِي أَنه هَل يكون من جملَة السَّلب
الشَّرْط الثَّالِث كَون الْقَتِيل مُقبلا على الْقِتَال فَلَو قتل مُنْهَزِمًا أَو نَائِما أَو مَشْغُولًا بِالْأَكْلِ لم يسْتَحق
الرُّكْن الثَّانِي فِي الْمُسْتَحق

وَهُوَ كل من يسْتَحق السهْم الْكَامِل من الْغَانِمين
ومستحق الرضخ هَل يسْتَحق السَّلب إِذا قتل فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا نعم لعُمُوم قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه
وَالثَّانِي لَا لأَنهم كَمَا استثنوا عَن عُمُوم آيَة الْغَنِيمَة يستثنون عَن عُمُوم الحَدِيث
أما الذِّمِّيّ إِذا قتل فَلَا يسْتَحق السَّلب قطع بِهِ القَاضِي وَذكر وَجْهَيْن فِيمَن قتل امْرَأَة كَافِرَة أَو مراهقا كَافِرًا فِي أَنه هَل يسْتَحق سلبه

(4/539)


ومنشأ التَّرَدُّد تعلق التَّحْرِيم بِالْقَتْلِ
الرُّكْن الثَّالِث فِي حد السَّلب

وَهُوَ كل مَا تثبت يَد الْقَتِيل عَلَيْهِ مِمَّا هُوَ عدَّة الْقِتَال وزينة الْمقَاتل كثيابه وسلاحه وفرسه
وَمَا خَلفه فِي خيمته من كرَاع وَسلَاح لَا يسْتَحقّهُ الْقَاتِل
وَالصَّحِيح أَنه يسْتَحق مَا مَعَه من الْخَاتم والسوار والمنطقة
وَمَا مَعَه من الدَّنَانِير الَّتِي استصحبها للنَّفَقَة فَقَوْلَانِ مشهوران
أقيسهما أَنه يسْتَحق لِأَن جملَة مَا مَعَه مطمع الْمقَاتل
وَالثَّانِي لَا يسْتَحق كالحقيبة المشدودة على فرسه وفيهَا أقمشة ودنانير فَإِنَّهُ لَا يملك اتّفق عَلَيْهِ الْأَصْحَاب

(4/540)


وَقَالَ القَاضِي لَا بُد من أجراء الْخلاف فِيهِ وَالْقِيَاس مَا قَالَه
وَأما الدَّابَّة الَّتِي مَعَه فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا لَا يسْتَحق لِأَنَّهُ لَيْسَ مُقَاتِلًا عَلَيْهَا
وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ قد يعجز الْوَاحِد فَيُقَاتل على الثَّانِي فَهُوَ كَمَا لَو كَانَ يُقَاتل رَاجِلا وَهُوَ قَابض للجام فرسه فَإِنَّهُ يسْتَحق سهم الْفرس
الرُّكْن الرَّابِع فِي حكم السَّلب

وَحكمه أَنه يفرز من رَأس المَال الْغَنِيمَة لصَاحبه ثمَّ تقسم الْغَنِيمَة بعده وَلَا ينْحَصر فِي خمس الْخمس بِخِلَاف الرضخ وَالنَّفْل على رَأْي
وَهل يخرج الْخمس من السَّلب
ذكر الفوراني قَوْلَيْنِ وَالْقِيَاس
أَنه يخرج وَلَكِن نقل عَن خَالِد بن الْوَلِيد أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بالسلب للْقَاتِل وَلم يُخَمّس فاتباع الحَدِيث أولى

(4/541)


النّظر الرَّابِع فِي قسْمَة الْغَنِيمَة
وَفِيه مسَائِل
الأولى إِذا ميز الإِمَام الْخمس وَالسَّلب والرضخ وَالنَّفْل على التَّفْضِيل الَّذِي تقدم قسم الْبَاقِي على الْغَانِمين بِالسَّوِيَّةِ وَقسم الْعقار كَمَا يقسم الْمَنْقُول وَيُعْطِي الْفَارِس ثَلَاثَة أسْهم والراجل سَهْما وَاحِدًا وَلَا يُؤَخر الْقِسْمَة إِلَى دَار السَّلَام هَكَذَا فعله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يجوز الْقِسْمَة فِي دَار الْحَرْب وَلَا يعْطى الْفَارِس إِلَّا سَهْمَيْنِ وَيتَخَيَّر الإِمَام فِي الْعقار بَين الرَّد على الْكفَّار أَو الْوُقُوف على الْمُسلمين أَو الْقِسْمَة على الْغَانِمين
وَالْكل مَرْدُود عَلَيْهِ بالأحاديث
الثَّانِيَة مُسْتَحقّ الْغَنِيمَة من شهد الْوَقْعَة مَعَ تَجْرِيد الْقَصْد لنصرة الْمُسلمين فَلَو لم يحضر فِي الِابْتِدَاء وَلحق بعد حِيَازَة الْغَنِيمَة وانقضاء الْحَرْب لم

(4/542)


يشْتَرك فِي الِاسْتِحْقَاق
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يشْتَرك فِي الِاسْتِحْقَاق إِذا لحق فِي دَار الْحَرْب
وَإِن لحق قبل انْقِضَاء الْحَرْب شَارك فِي الِاسْتِحْقَاق لشهود الْوَقْعَة وَحُصُول الْغناء
وَإِن كَانَ بعد انْقِضَاء الْحَرْب وَقبل حِيَازَة الْغَنِيمَة فَقَوْلَانِ ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى سَبَب الْحِيَازَة وَهُوَ الْقِتَال وَفِي الثَّانِي إِلَى نفس الْحِيَازَة
أما الثَّانِي إِذا حضر فِي الِابْتِدَاء ثمَّ مَاتَ فَإِن كَانَ بعد انْقِضَاء الْقِتَال انْتقل سَهْمه إِلَى ورثته لِأَنَّهُ ملك بِتمَام الْقِتَال
وَإِن كَانَ قبل الشُّرُوع فِي الْقِتَال فَلَا حق لوَرثَته
وَإِن كَانَ فِي أثْنَاء الْقِتَال نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَنه لَا حق لوَرثَته وَلَكِن نَص فِي موت الْفرس فِي أثْنَاء الْقِتَال أَنه يسْتَحق سَهْمه
فَمن الْأَصْحَاب من قَالَ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج إِذْ لَا فرق بَين الْفرس والفارس
فَفِي قَول يسْتَحق بشهوده بعض الْوَقْعَة

(4/543)


وَفِي قَول لَا يسْتَحق نظرا إِلَى آخر الْأَمر فَإِنَّهُ مَحل الْخطر
وَمِنْهُم من قرر النصين وَقَالَ إِذا مَاتَ الْفرس فالمتبوع قَائِم بِخِلَاف مَا إِذا مَاتَ الْفَارِس
وَمهما مرض مَرضا لَا يرجي زَوَاله قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ هُوَ كالموت
وَذكر الفوراني قَوْلَيْنِ وَوجه القَوْل الآخر الْمصلحَة فِي حَاجَة الْمَرِيض إِلَى المعالجة وَنَفَقَة الإياب بِخِلَاف الْمَيِّت وَإِن كَانَ الْمَرَض مِمَّا يُرْجَى زَوَاله فَلَا يمْتَنع الِاسْتِحْقَاق لَا فِي ابْتِدَاء الْقِتَال وَلَا فِي دَوَامه
أما إِذا هرب عَن الْقِتَال سقط سَهْمه إِلَى إِذا هرب متحيزا إِلَى فِئَة أُخْرَى أَو متحرفا لقِتَال وَمهما ادّعى ذَلِك فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه
وَأما المخذل للجيش والمضعف لقُلُوبِهِمْ يَنْبَغِي أَن يخرج من الصَّفّ فَإِن حضر لم يسْتَحق لَا السَّلب وَلَا الْغَنِيمَة وَلَا الرضخ فَإِنَّهُ أَسْوَأ حَالا من المنهزم
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة إِذا وَجه الإِمَام سَرِيَّة من جملَة الْجَيْش فَغنِمت شَيْئا شَارك فِي اسْتِحْقَاقهَا جَيش الإِمَام إِذا كَانُوا بِالْقربِ مُتَرَصِّدِينَ لنصرتهم

(4/544)


وحد الْقرب مَا يتَصَوَّر فِيهِ الْإِمْدَاد عِنْد الْحَاجة
وَقَالَ الْقفال الْقرب بالاجتماع فِي دَار الْحَرْب وَإِن تباعدوا وَهُوَ بعيد
وَلَو بعث سريتين فَمَا أَخذ كل وَاحِد مِنْهَا مقسوم على جَمِيع الْجَيْش وعَلى السريتين عِنْد التقارب
وَذكر القَاضِي وَجها أَن إِحْدَى السريتين لَا تشارك الْأُخْرَى وَلَكِن الْجَيْش يشاركهما جَمِيعًا
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة الَّذين حَضَرُوا لَا لقصد الْجِهَاد كالأجير والتاجر والأسير

(4/545)


فَفِي الْأَجِير على سياسة الدَّوَابّ وَغَيره ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا لَا يسْتَحق شَيْئا لِأَنَّهُ لم يخرج الْقَصْد للنصرة
وَالثَّانِي يسْتَحق لِأَنَّهُ قَاتل فَجمع بَين القصدين فَإِن لم يُقَاتل فَلَا يسْتَحق قطعا
وَالثَّالِث أَن قَصده مَرْدُود فَيُخَير بَين إِسْقَاط الْأُجْرَة وَبَين طلبَهَا فَإِن أعرض عَن الْأُجْرَة اسْتحق السهْم وَإِلَّا فَلَا
وَمن أَي وَقت تسْقط أجرته إِذا أعرض فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا من وَقت دُخُول دَار الْحَرْب
وَالثَّانِي من وَقت ابْتِدَاء الْقِتَال إِذْ هُوَ السَّبَب الْخَاص فِي الْملك
هَذَا فِي أجِير اُسْتُؤْجِرَ لَا لأجل الْجِهَاد فَإِن اُسْتُؤْجِرَ للْجِهَاد وَهُوَ مُسلم فَالْإِجَارَة فَاسِدَة إِذْ يجب عَلَيْهِ الصَّبْر عِنْد الْوُقُوف فِي الصَّفّ
وَإِذا سَقَطت أجرته فَهَل يسْتَحق السهْم وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنه أعرض

(4/546)


عَنهُ طَمَعا فِي الْأُجْرَة
وَإِن كَانَ كَافِرًا واستأجره الإِمَام صحت الْإِجَارَة وَإِن اسْتَأْجرهُ أحاد الرعايا فَلَا
وَأما التَّاجِر إِذا قَاتل فَقَوْلَانِ كَمَا فِي الْأَجِير إِذْ القَوْل الثَّالِث بِإِسْقَاط مَال الْإِجَارَة غير مُمكن
أما الْأَسير إِذا كَانَ من هَذَا الْجَيْش وَعَاد اسْتحق قَاتل أَو لم يُقَاتل لِأَنَّهُ فِي مقاساة أَمر الْكفَّار
وَإِن كَانَ من جَيش آخر وَأسر من قبل فَإِن الْتحق بالصف وَقَاتل اسْتحق وَإِلَّا فَقَوْلَانِ
وَإِن كَانَ كَافِرًا وَأسلم والتحق بجند الْإِسْلَام اسْتحق السهْم قَاتل أَو لم يُقَاتل لِأَنَّهُ قصد إعزاز الْإِسْلَام والأسير دونه فَإِن قَصده الْخَلَاص والأجير دون الْأَسير لِأَن قَصده الإفلات وقهر الْكفَّار بِخِلَاف قصد الْأَجِير
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة لَا يُعْطي سهم الْفرس إِلَّا لراكب الْخَيل دون رَاكب الْفِيل والناقة وَالْبَغْلَة لِأَن الْكر والفر من خاصية الْخَيل

(4/547)


ثمَّ يَسْتَوِي فِيهِ الْعَتِيق وَهُوَ الَّذِي أَبَوَاهُ عربيان والبرذون وَهُوَ الَّذِي أَبَوَاهُ أعجميان والمقرف وَهُوَ الَّذِي أمه عَرَبِيَّة وَأَبوهُ غير عَرَبِيّ والهجين وَهُوَ عكس ذَلِك
ثمَّ لَا يدْخل الإِمَام فِي الصَّفّ من الْخَيل إِلَّا شَدِيدا أما الْفرس الضَّعِيف والأعجف قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْأُم قد قيل يُسهم لَهُ وَقيل لَا يُسهم لَهُ
فَقَالَ الْأَصْحَاب قَولَانِ ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى الْجَيْش ويعرض عَن الْأَحْوَال وَينظر فِي الثَّانِي إِلَى تعذر الْقِتَال عَلَيْهِ
وَلَا شكّ أَنه إِذا أمكن الْقِتَال عَلَيْهِ اسْتحق سَهْمه
فروع

الأول لَو أحضر فرسين لم يسْتَحق إِلَّا لفرس وَاحِد
قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله لَو أعْطى للثَّانِي أعْطى للثَّالِث أَي لَا ضبط بعده
الثَّانِي أَن الْقِتَال إِذا كَانَ على خَنْدَق أَو على حصن وَاسْتغْنى عَن الْفرس فللفارس سَهْمه لِأَنَّهُ رُبمَا يحْتَاج إِلَيْهِ

(4/548)


الثَّالِث لَو كَانَ الْفرس مستعارا أَو مُسْتَأْجرًا فسهمه لراكبه
وَإِن كَانَ مَغْصُوبًا فَقَوْلَانِ على أَن سَهْمه للْمَالِك أَو للْغَاصِب يقربان من الْقَوْلَيْنِ فِي أَن مَا ربحه التَّاجِر على المَال الْمَغْصُوب بِالتِّجَارَة للْغَاصِب أم لَا

(4/549)