الوسيط في المذهب

= كتاب قسم الصَّدقَات = وَفِيه بَابَانِ

(4/551)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي الْمُسْتَحقّين - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول
الْفَصْل الأول فِي بَيَان الْأَصْنَاف الثَّمَانِية الْمَذْكُورَة فِي كتاب الله تَعَالَى

الصِّنْف الأول الْفَقِير

وَهُوَ الَّذِي لَا يملك شَيْئا أصلا وَلَا يقدر على الْكسْب
وَالظَّاهِر أَنه لَا يشْتَرط الزمانة وَلَا التعفف عَن السُّؤَال وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَولَانِ قديم فِي اشتراطهما
فروع

أَحدهَا أَن الْفَقِير الْقَادِر على الْكسْب إِذا لم يقدر إِلَّا بِآلَة جَازَ أَن يعْطى الْآلَة من سهم الْفُقَرَاء حَتَّى لَو لم يعرف إِلَّا التِّجَارَة وافتقر إِلَى ألف دِرْهَم يَجعله رَأس المَال يجوز أَن يُعْطي
فَكَذَلِك من يقدر أَن يكْتَسب كسبا لَا يَلِيق بمروءته يجوز أَن يعْطى

(4/553)


وَكَذَا المتفقه إِذا كَانَ يتشوش عَلَيْهِ التفقه إِن اشْتغل بِالْكَسْبِ يعْطى سهم الْفُقَرَاء
والمتصرف الَّذِي يمنعهُ الْكسْب عَن استغراق الْوَقْت بالعبادات لَا يعْطى سهم الْفُقَرَاء لِأَن الْكسْب أولى مِنْهُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
الْكسْب فَرِيضَة بعد الْفَرِيضَة
وَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ كسب فِي شُبْهَة خير من مَسْأَلَة النَّاس
الثَّانِي المكفي بِنَفَقَة أَبِيه فِيهِ وَجْهَان
أَحدهَا لَا يعْطى سهم الْفُقَرَاء لاستغنائه بِهِ
وَالثَّانِي يعْطى لِأَنَّهُ اسْتحق النَّفَقَة لفقره فتزال بِالصَّدَقَةِ حَاجته إِلَى الْأَب
لِأَنَّهُ يدْفع بِهِ اسْتِحْقَاق النَّفَقَة عَن نَفسه

وعَلى هَذَا لَا يجوز للْأَب أَن يصرف إِلَيْهِ زَكَاته لِأَنَّهُ يدْفع بِهِ اسْتِحْقَاق النَّفَقَة عَن نَفسه وَله أَن يصرف إِلَيْهِ سهم الغارمين لِأَن قَضَاء دينه غير وَاجِب عَلَيْهِ
الثَّالِث الفقيرة الَّتِى لَهَا زوج غَنِي

(4/554)


وَفِي صرف سهم الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين إِلَيْهَا وَجْهَان قريبان على المكفي بِالْأَبِ وَأول بِالْمَنْعِ لِأَن استحقاها النَّفَقَة لَيْسَ بِالْحَاجةِ بل عوضا عَن الْحَبْس فَكَانَ كَمَا لَو استغنت بِاسْتِحْقَاق الْمهْر
فَإِن جوزهما فَلَا فرق بَين الزَّوْج وَالْأَجْنَبِيّ إِذْ لَا تنْدَفع النَّفَقَة عَن الزَّوْج بِزَوَال فقرها
الصِّنْف الثَّانِي الْمَسَاكِين

وَهُوَ كل من ملك مَا يَقع من كِفَايَته موفقا وَلَكِن لَا يَفِي بكفايته وَيدخل فِيهِ كل من لَهُ كسب وَلَكِن لَا يَفِي دخله بخرجه
والقادر على كسب يَفِي بخرجه لم يُعْط
وَقَالَ مَالك من ملك نِصَابا لم يُعْط بِحَال وَإِن لم يملك أعطي وَإِن كَانَ كسوبا
وَالْفَقِير عندنَا أَشد حَالا من الْمِسْكِين خلافًا لأبي حنيفَة إِذْ قَالَ الْمِسْكِين من لَا شَيْء لَهُ
وَقد قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى {أما السَّفِينَة فَكَانَت لمساكين يعْملُونَ فِي الْبَحْر}
وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَعَوَّذ من الْفقر وَيَقُول
اللَّهُمَّ أحيني مِسْكينا

(4/555)


وأمتني مِسْكينا
فتدل الْآيَة على أَن الْمِسْكِين لَهُ شَيْء وَالْخَبَر دلّ على أَن الْفَقِير أَشد حَالا
الصِّنْف الثَّالِث الْعَامِلُونَ على الزَّكَاة

وهم السعاة والحساب وَالْكتاب والقسامون والحاشر والعريف
وَأما القَاضِي وَالْإِمَام فَلَا ورزقهم فِي خمس الْخمس المرصد للْمصَالح الْعَامَّة لِأَن عَمَلهم عَام
وَرُوِيَ أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أرصد لنَفسِهِ نَاقَة من الْفَيْء يفْطر على لَبنهَا فأبطأت لَيْلَة فِي المرعى فَحلبَ لَهُ من نعم الصَّدَقَة فأعجبه ذَلِك فَسَأَلَ عَنهُ فَقيل لَهُ إِنَّه من نعم الصَّدَقَة فَأدْخل أُصْبُعه فِي حلقه واستقاءه وَغرم قِيمَته من الْمصَالح
فرعان

أَحدهمَا فِي أُجْرَة الكيال وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه من سهم العاملين إِذْ بِهِ يتم الْعَمَل وإيجابه على الْمَالِك

(4/556)


إِيجَاب زِيَادَة على الْعشْر وَهُوَ اخْتِيَار أبي إِسْحَاق
وَقَالَ ابْن أبي هُرَيْرَة على الْمَالِك لِأَنَّهُ للإيفاء وَهُوَ وَاجِب عَلَيْهِ
الثَّانِي إِن فضل الثّمن عَن أُجْرَة مثل الْعَامِل صرف إِلَى بَقِيَّة الْأَصْنَاف وَلَا يُزَاد على أُجْرَة الْمثل لِأَنَّهُ عوض الْعَمَل
وَإِن نقص عَن أُجْرَة عَمَلهم فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يتمم من بَيت المَال وَلَو قيل يتمم من بَقِيَّة الْأَصْنَاف فَلَا بَأْس
فَمن الْأَصْحَاب من قَالَ قَولَانِ وَمِنْهُم من قَالَ يتَخَيَّر الإِمَام وَينظر إِلَى سَعَة الصَّدقَات وسعة بَيت المَال وَيتبع فِيهِ الْمصلحَة
الصِّنْف الرَّابِع الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم

وَمن ينْطَلق عَلَيْهِم هَذَا الِاسْم ثَلَاثَة أَقسَام
الأول كَافِر يتألف قلبه لارتقاب إِسْلَامه وَإِمَّا لاتقاء شَره وَإِمَّا لِأَنَّهُ رجل مُطَاع يسلم بِإِسْلَامِهِ جمَاعَة مِنْهُم
فَهَذَا لَا يعْطى أصلا أما من الصَّدقَات فَلِأَنَّهُ لَا صَدَقَة لكَافِر وَأما من الْمصَالح فلَانا لَا تُعْطِي على الْإِسْلَام شَيْئا فَمن شَاءَ فليؤمن وَمن شَاءَ فليكفر هَكَذَا قَالَ عمر

(4/557)


رَضِي الله عَنهُ
وَقد أعْطى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَفْوَان بن أُميَّة لهَذَا التَّأْلِيف وَلَكِن أعْطى من خمس الْخمس فَكَانَ خَاص ملكه
الْقسم الثَّانِي مُسلم لَهُ شرف وَله نظراء فِي الْكفْر يتَوَقَّع بإعطائه رَغْبَة نظرائه فِي الْإِسْلَام
أعْطى أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ عدي بن حَاتِم الطَّائِي ثَلَاثِينَ بَعِيرًا
ويلتحق بِهِ من غير صَادِق فِي الْإِسْلَام فيخشى عَلَيْهِ التَّغَيُّر فَيعْطى تقريرا على الْإِسْلَام
أعْطى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُيَيْنَة بن حصن والأقرع بن حَابِس كل وَاحِد مِنْهُمَا مائَة من الْإِبِل
وَفِي الْإِعْطَاء بِهَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ لهَذَا الْقسم قَولَانِ
أَحدهمَا لَا لِأَن الْإِسْلَام غَنِي عَن التَّأْلِيف بعد أَن أعزه الله تَعَالَى بالظهور
وَالثَّانِي نعم تأسيا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى هَذَا قَولَانِ

(4/558)


أَحدهمَا يعْطى من الْمصَالح لِأَن هَذِه مصلحَة الْإِسْلَام
وَالثَّانِي من الزكوات إِذا ثَبت سهم الْمُؤَلّفَة وَهَؤُلَاء أقرب قوم إِلَى مُوجب اللَّفْظ إِذْ تَنْزِيله على الْكفَّار غير مُمكن
الْقسم الثَّالِث قوم لَا يَأْخُذُونَ شَيْئا من الْفَيْء وهم بِالْقربِ من الْكفَّار ونيتهم غير صَادِقَة فِي الْجِهَاد وتألف قلبهم بِإِعْطَاء شَيْء للْجِهَاد أَهْون من بعث سَرِيَّة إِلَى تِلْكَ الْجِهَة
ويلتحق بهؤلاء قوم لَا تصدق نيتهم فِي أَخذ الزَّكَاة مِمَّن يقربون مِنْهُم وتألفهم لطلب الزكوات من الْأَغْنِيَاء بِأَنْفسِهِم حَتَّى يَسْتَعِين سعاة الإِمَام عَن التَّوَجُّه إِلَيْهِم أيسر من بعث سَرِيَّة السَّعَادَة
فَهَؤُلَاءِ يُعْطون بِهَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ قولا وَاحِدًا وَلَكِن فِي مَحل الْعَطاء أَرْبَعَة أوجه
أَحدهَا أَنه من الْمصَالح إِذْ الْمصلحَة عَامَّة
وَالثَّانِي من الصَّدقَات وَهُوَ سهم الْمُؤَلّفَة
وَالثَّالِث من سهم سَبِيل الله فَإِنَّهُ تألف على الْجِهَاد والغزو
وَالرَّابِع إِن رأى الإِمَام أَن يجمع بَين سهم الْمُؤَلّفَة وَسَهْم سَبِيل الله تَعَالَى فعل لِاجْتِمَاع الْمَعْنيين
الصِّنْف الْخَامِس الرّقاب

وَيصرف من الصَّدقَات إِلَى المكاتبين الَّذين عجزوا عَن أَدَاء النُّجُوم

(4/559)


وَقَالَ مَالك رَحمَه الله يَشْتَرِي بِهِ عبيدا ويعتقون
فروع أَرْبَعَة

الأول لَيْسَ للسَّيِّد صرف زَكَاته إِلَى مكَاتب نَفسه لِأَنَّهُ عَبده مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم
الثَّانِي يعْطى الْمكَاتب قدر دينه بعد حُلُول النَّجْم وَهل يعْطى قبله فِيهِ وَجْهَان ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى الْوُجُوب وَفِي الآخر إِلَى عدم الْمُطَالبَة
الثَّالِث إِذا سلم إِلَيْهِ فَأعْتقهُ السَّيِّد مُتَبَرعا أَو أَبرَأَهُ عَن النُّجُوم أَو تبرع غَيره بإعطائه وَبِالْجُمْلَةِ اسْتغنى عَمَّا أَخذه
فَإِن كَانَ ذَلِك قد تلف فِي يَده قبل الْعتْق وَلَو بإتلافه فَلَا غرم عَلَيْهِ
وَإِن كَانَ بَاقِيا فِي يَده فَالظَّاهِر أَنه يسْتَردّ مِنْهُ لانْتِفَاء الْحَاجة وَقيل فِيهِ قَولَانِ
وَإِن كَانَ قد سلم إِلَى السَّيِّد ثمَّ عَجزه السَّيِّد بِبَقِيَّة النُّجُوم وَالْعين قَائِمَة فِي يَد السَّيِّد فَالظَّاهِر أَنه يسْتَردّ وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ
الرَّابِع الأولى أَن يدْفع إِلَى السَّيِّد لإذن الْمكَاتب فَلَو سلم بِغَيْر إِذْنه لم يجز وَلَو سلم إِلَى الْمكَاتب بغي إِذن السَّيِّد جَازَ لِأَنَّهُ الأَصْل فِي الِاسْتِحْقَاق
الصِّنْف السَّادِس الغارمون
والديون ثَلَاثَة

(4/560)


الأول دين لزمَه بِسَبَب نَفسه فَيقْضى من الصَّدقَات بِثَلَاث شَرَائِط
أَن يكون الدّين حَالا وَالسَّبَب الَّذِي فِيهِ الاستقراض مُبَاحا وَأَن يكون هُوَ مُعسرا
فَإِن كَانَ مُوسِرًا فَلَا يعْطى
وَإِن كَانَ مُؤَجّلا وَله صَنِيعَة وقف يدْخل مِنْهَا قدر الدّين فَلَا يعْطى وَإِن لم يكن فَوَجْهَانِ كَالْمكَاتبِ
إِن كَانَ السَّبَب مَعْصِيّة كَثمن الْخمر أَو السَّرف فِي الْإِنْفَاق فَإِن كَانَ مصرا لَا يعْطى وَإِن كَانَ تَائِبًا فَوَجْهَانِ ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى الْحَال وَفِي الثَّانِي إِلَى أول الدّين
الثَّانِي مَا لزمَه بِسَبَب حمالَة تبرع بهَا تطفية لثائرة فتْنَة بَين شَخْصَيْنِ فِي قَتِيل أَو فِي أَمر تعظم الْفِتْنَة فِيهِ
فَإِن كَانَ مُعسرا يقْضى دينه وَكَذَا إِن كَانَ يسَاره بالضباع وَالْعرُوض
وَإِن كَانَ غَنِيا بِالنَّقْدِ فَوَجْهَانِ

(4/561)


أَحدهمَا يقْضى كالغني بالعقار لِأَن سَبَب قَضَائِهِ كَونه مصروفا إِلَى مصلحَة
وَالثَّانِي لَا لِأَن فِي تَكْلِيف بيع الْعقار هتكا لمروءته
الدّين الثَّالِث دين لزمَه بطرِيق الضَّمَان عَن شخص فَإِن كَانَا معسرين أُغني الضَّامِن والمضمون عَنهُ قضي من سهم الغارمين
وَإِن كَانَا موسرين أَو كَانَ الْمَضْمُون عَنهُ مُوسِرًا فَلَا يقْضى لِأَنَّهُ فَائِدَته ترجع إِلَى الْمُوسر
وَإِن كَانَ الضَّامِن مُوسِرًا والمضمون عَنهُ مُعسرا فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا يقْضى كَمَا فِي الْحمالَة لِأَن الضَّمَان أَيْضا من المروءات
وَالثَّانِي لَا إِذْ صرفه إِلَى الْمَضْمُون عَنهُ الْمُعسر مُمكن وَفِيه إِسْقَاط للضَّمَان
أما إِذا كَانَ الْمَضْمُون عَنهُ مُوسِرًا وَلَكِن امْتنع الرُّجُوع بِسَبَب فمطالبته الْمُوسر بِقَضَاء الدّين حَتَّى يبرأ الضَّامِن مُمكن بِخِلَاف مَسْأَلَة الحملة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ لَا يقْضى دين غَنِي قطّ
وَهُوَ مُخَالف لقَوْل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لَا تحل الصَّدَقَة لَغَنِيّ إِلَّا لخمسة غاز فِي سَبِيل الله

(4/562)


أَو عَامل أَو غَارِم أَو رجل اشْتَرَاهَا بِمَالِه أَو رجل لَهُ جَار مِسْكين فَتصدق عَلَيْهِ فأهداها إِلَيْهِ
الصِّنْف السَّابِع المجاهدون فِي سَبِيل الله

وهم المطوعة من الْغُزَاة الَّذين لَا يَأْخُذُونَ من الْفَيْء وَلَا اسْم لَهُم فِي الدِّيوَان
يُعْطون هَذَا السهْم للصرف إِلَى السِّلَاح وَالْفرس وَالنَّفقَة إِعَانَة على الْغَزْو وَإِن كَانُوا أَغْنِيَاء
فَأَما من لَهُ اسْم فِي الدِّيوَان فَلَا يعْطى من الصَّدَقَة لِأَن حَقهم فِي الْفَيْء إِلَّا إِذا قَاتلُوا مانعي الزَّكَاة وَكَانَ قِتَالهمْ كالعمل على تَحْصِيل الزَّكَاة فَلَا يبعد أَن يُعْطوا سهم العاملين
الصِّنْف الثَّامِن ابْن السَّبِيل

وَهُوَ الَّذِي شخص من بَلَده أَو اجتاز بِهِ يصرف إِلَيْهِ سهم وَإِن كَانَ مُعسرا وَإِن كَانَ لَهُ بِبَلَد آخر مَال أعطي قدر بلغته إِلَيْهِ
وَهَذَا بِشَرْط أَن يكون السّفر طَاعَة فَإِن كَانَ مَعْصِيّة فَلَا وَإِن كَانَ مُبَاحا فَيعْطى
وَفِي طَريقَة الْعرَاق وَجه أَنه يشْتَرط كَونه طَاعَة

(4/563)


فرع

إِذا منعنَا نقل الصَّدَقَة فالشاخص من بلد من أَبنَاء سَبِيل ذَلِك الْبَلَد قولا وَاحِدًا
وَكَذَا المجتاز بِهِ على الْأَظْهر
وَفِي المجتاز وَجه أَنه لَيْسَ من أَبنَاء سَبِيل ذَلِك الْبَلَد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة المجتاز هُوَ من أَبنَاء سَبِيل ذَلِك الْبَلَد دون الشاخص

(4/564)


الْفَصْل الثَّانِي فِي مَوَانِع الصّرْف مَعَ الاتصاف بِهَذِهِ الصِّفَات

وَهِي سِتَّة الأول الْكفْر
فَلَا تصرف زَكَاة إِلَى كَافِر وَإِن وجد الْفقر والمسكنة
الثَّانِي أَن يكون مُسْتَحقّا للنَّفَقَة على من يخرج الزَّكَاة كالابن مَعَ الْأَب
الثَّالِث أَن يكون المَال غَائِبا عَن بلد الْآخِذ فَيمْتَنع على رَأْي من جِهَة نقل الصَّدَقَة
الرَّابِع أَن يكون الْآخِذ من المرتزقة ثَابت الِاسْم فِي الدِّيوَان فَلَا تصرف إِلَيْهِم الصَّدقَات كَمَا لَا يصرف خمس الْخمس إِلَى أهل الصَّدقَات لِأَن لكل حزب مَالا مَخْصُوصًا بهم بِنَصّ الْكتاب
فَإِن لم يكن فِي بَيت المَال شَيْء للمرتزقة واتسع مَال الصَّدقَات ذكر الْعِرَاقِيُّونَ قَوْلَيْنِ
أَحدهمَا يصرف إِلَيْهِم لتحَقّق صفة الِاسْتِحْقَاق مَعَ عجزهم عَن مَالهم

(4/565)


وَالثَّانِي لَا لِأَن مَالهم هُوَ الْفَيْء بِنَصّ الْكتاب
فعلى هَذَا إِن خفت الضَّرُورَة وَلم يسْتَغْن الإِمَام عَن المرتزقة وَجب على أَغْنِيَاء الْمُسلمين إعانتهم من رُءُوس أَمْوَالهم
فَإِن قُلْنَا يُعْطون من الصَّدقَات فَإِنَّمَا يُعْطون من سهم سَبِيل الله تَعَالَى
الْخَامِس أَن يكون من بني هَاشم وَبني الْمطلب فقد حرم عَلَيْهِم أوساخ أَمْوَال النَّاس بِمَا أعْطوا من خمس الْخمس
فَأَما سهم العاملين هَل يجوز أَن يصرف إِلَيْهِم إِذا عمِلُوا وَجْهَان وَكَذَا فِي المرتزقة إِذا عمِلُوا بِنَاء على أَنه أُجْرَة أَو صَدَقَة
وَهُوَ مركب من الشَّيْئَيْنِ إِذْ لَا تصرف إِلَى كَافِر قطعا وَلَا يسْتَعْمل الْكَافِر وَلَا يُزَاد على أجر الْمثل فِي حق الْمُسلم فَهَذَا يدل على اجْتِمَاع الْمَعْنيين
وَهل يصرف إِلَى مولى ذَوي القربي فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا نعم إِذْ لَا نسب لَهُ

(4/566)


وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنه سُئِلَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك فَقَالَ
إِنَّا أهل بَيت لَا تحل لنا الصَّدَقَة وَإِنَّمَا مولى الْقَوْم مِنْهُم
السَّادِس أَن يكون قد أَخذ سهم الصَّدقَات بِجِهَة واتصف بِجِهَة أُخْرَى كالفقير الْغَارِم إِذا أَخذ سهم الْفُقَرَاء وطالب سهم الغارمين فَفِيهِ طرق ثَلَاثَة
أَحدهَا أَنه لَا يجمع بل يُقَال لَهُ اختر أَيهمَا شِئْت لِأَن عدد الْأَصْنَاف مَقْصُود
وعَلى هَذَا سهم العاملين يجوز أَن يجمع إِلَى غَيره إِذا غلبنا مشابه الْأُجْرَة
الثَّانِي أَن فِيهِ قَوْلَيْنِ ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى اتِّحَاد الشَّخْص وَفِي الآخر إِلَى تعدد الصّفة
الثَّالِث أَنه إِن تجانس السببان مثل أَن يسْتَحق الْكل لِحَاجَتِهِ كالفقر وَغرم لزمَه لغَرَض نَفسه فَلَا يجمع
وَكَذَا الْغَازِي الْغَارِم لإِصْلَاح ذَات الْبَين فَإِن كل وَاحِد لحَاجَة الْمُسلمين لَا لِحَاجَتِهِ
وَإِن اخْتلف السَّبَب بِأَن اسْتحق أَحدهمَا لِحَاجَتِهِ وَالْآخر لحَاجَة غَيره فَيجمع

(4/567)


الْفَصْل الثَّالِث فِيمَا يعرف بِهِ وجود الصِّفَات
وَهِي منقسمة إِلَى خُفْيَة وجلية
أما الْخفية كالفقر والمسكنة فَلَا يُطَالب بِالْبَيِّنَةِ لتعذرها إِلَّا إِذا ادّعى الْمِسْكِين عيالا فَيُطَالب لإظهاره لإمكانه
وَهل يحلف الْفَقِير إِذا اتهمَ فِيهِ وَجْهَان
فَإِن قُلْنَا يحلف فاستحباب أم إِيجَاب فَوَجْهَانِ
أما مَا يظْهر فَإِن كَانَ يَأْخُذ لغَرَض مُرَتّب كالغازي وَابْن السَّبِيل فَيعْطى بِغَيْر يَمِين ثمَّ إِن لم يغز وَلم يُسَافر اسْتردَّ
وَمن يَأْخُذ لغَرَض ناجز كَالْمكَاتبِ والغارم فَيُطَالب بِالْبَيِّنَةِ لإمكانها وَإِقْرَاره مَعَ حُضُور مُسْتَحقّ الدّين كالبينة
وَفِيه وَجه أَنه لَا يقبل لتهمة المواطأة
وَإِن استفاض كَونه مديونا أَو مكَاتبا وَحصل غَلَبَة الظَّن فَلَا بَأْس بترك الِاسْتِقْصَاء فِي الْبَيِّنَة
أما الْمُؤلف قلبه إِن قَالَ أَنا شرِيف مُطَاع طُولِبَ بِالْبَيِّنَةِ لإمكانها
وَإِن قَالَ نيتي فِي الْإِسْلَام ضَعِيفَة صدق لِأَن كَلَامه برهَان كَلَامه

(4/568)


الْبَاب الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الصّرْف إِلَى الْمُسْتَحقّين

وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول
الْفَصْل الأول فِي الْقدر المصروف إِلَى كل وَاحِد مِنْهُم
وَفِيه مسَائِل
الأولى اسْتِيعَاب الْأَصْنَاف الثَّمَانِية وَاجِب إِن كَانُوا موجودين
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يجوز صرفه إِلَى صنف وَاحِد
أما آحَاد كل صنف فَلَا يجب استيعابهم إِذْ لَا حصر لَهُم ثمَّ يقْتَصر على أقل الدراجات وَهُوَ ثَلَاثَة لِأَنَّهُ أقل الْجَمِيع فَإِن أمكن الِاسْتِيعَاب لانحصارهم فَهُوَ أولى
وَيحْتَمل أَن يُقَال يجب الِاسْتِيعَاب عِنْد الْإِمْكَان
الثَّانِيَة يجب التَّسْوِيَة بَين سِهَام الْأَصْنَاف الثَّمَانِية فَلِكُل صنف ثمن الصَّدَقَة فَإِن عدم صنف وزع الْكل على الْبَاقِي فَلِكُل سبع وعَلى هَذَا الْحساب وَإِنَّمَا هُوَ على الْمَالِك
فَأَما السَّاعِي فَيجوز لَهُ أَن يصرف صَدَقَة وَاحِد إِلَى شخص وَاحِد لِأَنَّهُ إِذا وصل

(4/569)


إِلَيْهِ فَكَأَنَّهُ وصل إِلَى الْمُسْتَحقّين
فالنظر إِلَى الإِمَام فِي التَّعْيِين فَجَمِيع الزكوات فِي يَده كَزَكَاة رجل وَاحِد فِي يَد نَفسه
أما آحَاد الصِّنْف فَلَا يجب التَّسْوِيَة بَينهم بل المتبع مقادير الْحَاجة فَإِن تَسَاوَت أَحْوَالهم فالتسوية أولى وَقيل بِالْوُجُوب
فَإِن صرف إِلَى اثْنَيْنِ غرم للثَّالِث أقل مَا يتمول على أَقيس الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ يَكْفِيهِ ذَلِك الْقدر لَو سلمه إِلَيْهِ ابْتِدَاء وعَلى الْوَجْه الثَّانِي يغرم الثُّلُث
الثَّالِثَة يعْطى الْغَارِم وَالْمكَاتب قدر دينهما وَلَا يُزَاد وَيُعْطى الْفَقِير والمسكين مَا بلغ بِهِ أدنى الْغنى وَلَا يزِيد وَهُوَ كِفَايَة سنة
وَيُعْطى الْمُسَافِر مَا يبلغهُ إِلَى الْمَقْصد أَو إِلَى مَوضِع مَاله وَيُعْطى الْغَازِي الْفرس وَالسِّلَاح وَإِن شَاءَ أَعَارَهُ أَو اسْتَأْجر لَهُ أَو اشْترى بِهَذَا السهْم أفراسا وأرصدها لسبيل الله وفقا عَلَيْهِم
ويعطيهم من النَّفَقَة مَا زَاد بِسَبَب السّفر وَهل يُعْطي أصل النَّفَقَة وَجْهَان
أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَة بَيِّنَة وَإِن لم يُسَافر فَلَا يعْطى مَا يزِيدهُ بِسَفَرِهِ
وَالثَّانِي أَنه يُعْطي الْكل فَإِنَّهُ متجرد للغزو

(4/570)


الْفَصْل الثَّانِي فِي نقل الصَّدقَات إِلَى بَلْدَة أُخْرَى
وَفِيه ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهمَا الْجَوَاز لعُمُوم الْآيَة
وَالثَّانِي الْمَنْع لمَذْهَب معَاذ وَلقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أنبئهم أَن عَلَيْهِم صَدَقَة تُؤْخَذ من أغنيائهم وَترد فِي فقرائهم فَيدل على الْحصْر فِي الْبَلَد وَلِأَن أعين الْمَسَاكِين ممدودة إِلَى المَال وَفِي النَّقْل إِضْرَار
وَالثَّالِث أَنه لَا يجوز النَّقْل وَلَكِن تَبرأ ذمَّته كَمَا لَا يجوز التَّأْخِير فِي الزَّكَاة وَلَكِن تَبرأ ذمَّته
وَمن الْأَصْحَاب من طرد هَذَا الْخلاف فِي مَال الْوَصِيَّة وَالْكَفَّارَات وَالنُّذُور وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ لَا تمتد إِلَيْهِ الْأَعْين فَإِنَّهَا غير متكررة

(4/571)


فَأَما صَدَقَة الْفطر فَحكمهَا حكم الزَّكَاة فِي منع النَّقْل وَوُجُوب الِاسْتِيعَاب
وَقَالَ الْإِصْطَخْرِي يجوز صرفهَا إِلَى صنف وَاحِد لقلته
فَإِن منعنَا النَّقْل فَفِيهِ مسَائِل
الأولى تعْتَبر بَلْدَة المَال وَيفرق بهَا لَا بَلْدَة الْمَالِك
وَفِي صَدَقَة الْفطر وَجْهَان وَالْأَظْهَر رِعَايَة بَلْدَة الْمَالِك لِأَن ذَلِك صَدَقَة الرُّءُوس وَهَذِه صَدَقَة الْأَمْوَال
ثمَّ لَو كَانَ المَال فِي الْحول فِي بلدتين فالنظر إِلَى وَقت الْوُجُوب والبلدي هُوَ الْحَاضِر فِي الْبَلَد وَقت أَخذ الصَّدَقَة وَإِن كَانَ غَرِيبا
الثَّانِيَة لَو امْتَدَّ طول الْبَلدة فرسخا محكمها وَاحِد
نعم الصّرْف إِلَى الْجِيرَان أولى كَمَا أَنه إِلَى الْأَقَارِب أولى والقريب الذى لَيْسَ بجار أولى من الْجَار الْأَجْنَبِيّ أما الْقرْيَة فَلَا تنقل مِنْهَا الصَّدَقَة إِلَى قَرْيَة أُخْرَى بِخِلَاف المحلتين
فَأَما أهل الْخيام فَإِن كَانُوا مجتازين لَا مقَام لَهُم فصدقتهم لمن يَدُور مَعَهم من الْأَصْنَاف فَإِن لم يكن مَعَهم فلأقرب بَلْدَة إِلَيْهِم وَقت تَمام الْحول
وَإِن كَانُوا ساكنين مُجْتَمعين على التقارب فَيحل النَّقْل إِلَى مادون مَسَافَة الْقصر وفوقها إِذْ لَا فاصل سواهُ

(4/572)


وَإِن كَانَ كل حلَّة بعيدَة عَن الأخري فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا أَنَّهَا كالقرى
الثَّانِي أَنَّهَا كالخيام المتواصلة فيضبط بمسافة الْقصر
الثَّالِثَة إِن عدم بعض الْأَصْنَاف فِي بلد
فَإِن عدم الْعَامِل فقد سقط سَهْمه للاستغناء عَنهُ
وَإِن عدم غَيره وَوجد فِي مَكَان آخر فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا ينْقل لِأَن اسْتِيعَاب الْأَصْنَاف أهم من ترك النَّقْل
وَالثَّانِي هُوَ اخْتِيَار القَاضِي أَنه يرد البَاقِينَ لِأَن من عدا أهل الْبَلَد كَالْمَعْدُومِ فِي حَقه
فعلى هَذَا إِن رددنا عَلَيْهِم ففضل عَن حَاجتهم فالفاضل لَا بُد من نَقله لِأَنَّهُ فقد مُسْتَحقّه فَهُوَ كَمَا إِذا عدم كل الْأَصْنَاف إِذْ يتَعَيَّن النَّقْل
الرَّابِعَة للْمَالِك إِيصَال الصَّدَقَة بِنَفسِهِ سَوَاء كَانَ المَال ظَاهرا كالنعم والزروع أَو بَاطِنا كالنقد
وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَول قديم أَن زَكَاة الْأَمْوَال الظَّاهِرَة يجب صرفهَا إِلَى الْأَمَام

(4/573)


فَفِي الْأَفْضَل خلاف إِن كَانَ الإِمَام عادلا فَإِن كَانَ جَائِزا فَالْأَصَحّ أَن مُبَاشَرَته بِنَفسِهِ أولى
وَلَا خلاف فِي أَن يَد الإِمَام لَو طلب وَجَبت الطَّاعَة لِأَنَّهُ فِي مَحل الِاجْتِهَاد
وَهل لَهُ الْمُطَالبَة بِمَال النذور وَالْكَفَّارَة فِيهِ وَجْهَان
الْخَامِسَة إِن نصب الإِمَام ساعيا فَلْيَكُن مُسلما مُكَلّفا حرا عدلا فَقِيها بِأَبْوَاب الزَّكَاة غير هاشمي وَلَا من المرتزقة إِلَّا على أحد الْوَجْهَيْنِ
وليعلم السَّاعِي فِي السّنة شهرا يَأْخُذ فِيهِ صَدَقَة الْأَمْوَال فيسم الصَّدقَات فَيكْتب على نعم الصَّدَقَة لله وعَلى نعم الْفَيْء صغَار
وَفَائِدَته تَمْيِيز أحد الْمَالَيْنِ عَن الآخر
ثمَّ مَوضِع وسم الْغنم آذانها لِكَثْرَة الشّعْر على غَيره وللبقر وَالْإِبِل أفخاذها وَليكن ميسم الْغنم ألطف من ميسم الْبَقر وَالْإِبِل

(4/574)


الْفَصْل الثَّالِث فِي صَدَقَة التَّطَوُّع
وَفِيه مسَائِل
الأولى لَا تحرم صَدَقَة التَّطَوُّع على الْهَاشِمِي والمطلبي
وَهل كَانَ يحرم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ خلاف مأخذه أَن امْتِنَاعه عَن الْقبُول كَانَ ترفعا أَو تورعا
الثَّانِيَة صَدَقَة السِّرّ أفضل قَالَ الله تَعَالَى {إِن تبدوا الصَّدقَات فَنعما هِيَ} الْآيَة
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
صلَة الرَّحِم تزيد من الْعُمر وَصدقَة السِّرّ تُطْفِئ غضب الرب وصنائع الْمَعْرُوف تَقِيّ مصَارِع السوء
الثَّالِثَة صرفهَا إِلَى الْأَقَارِب أولى لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لِزَيْنَب

(4/575)


امْرَأَة عبد الله بن مَسْعُود
زَوجك وولدك أَحَق من تَصَدَّقت عَلَيْهِ
الرَّابِعَة الْإِكْثَار مِنْهَا فِي شهر رَمَضَان مُسْتَحبّ
قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَجود النَّاس بِالْخَيرِ وَكَانَ أَجود مَا يكون فِي شهر رَمَضَان
الْخَامِسَة من احْتَاجَ إِلَى المَال لِعِيَالِهِ فَلَا يسْتَحبّ لَهُ الصَّدَقَة لِأَن نَفَقَة الْعِيَال كَالدّين قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
كفى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَن يضيع من يقوته
فَإِن فضل عَنْهُم فَإِن كَانَ يَثِق بِالصبرِ على الإضاقة فَيُسْتَحَب لَهُ التَّصَدُّق بِالْجَمِيعِ بعد فَرَاغه من قوت يَوْمه لما رُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالتصدق فَوَافَقَ ذَلِك مَالا عِنْدِي فَقلت الْيَوْم أسبق أَبَا بكر إِن سبقته يَوْمًا فَجئْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنصْف مَالِي فَقَالَ لي مَاذَا أبقيت لأهْلك

(4/576)


قلت مثله فجَاء أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ بِجَمِيعِ مَاله فَقَالَ لَهُ
مَاذَا أبقيت لأهْلك فَقَالَ الله وَرَسُوله فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
بَيْنكُمَا مَا بَين كلمتيكما فَقلت لَا أسابقك إِلَى شئ أبدا
فَأَما من لَا يصبر على الْإِضَافَة كره لَهُ التَّصَدُّق بِجَمِيعِ المَال
قَالَ جَابر بَينا نَحن عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا جَاءَهُ رجل بِمثل الْبَيْضَة من الذَّهَب أَصَابَهَا من بعض الْمَعْدن فَقَالَ يَا رَسُول الله خُذْهَا صَدَقَة فوَاللَّه مَا أَصبَحت أملك مَالا غَيرهَا فَأَعْرض عَنهُ حَتَّى جَاءَ من جوانبه وَأعَاد عَلَيْهِ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
هَاتِهَا مغضبا وَرمى رميته لَو أَصَابَته لَأَوْجَعَتْهُ أَو عقرته ثمَّ قَالَ
يَأْتِي أحدكُم بِمَالِه كُله وَيتَصَدَّق بِهِ ثمَّ يجلس بعد ذَلِك يَتَكَفَّف وُجُوه النَّاس إِنَّمَا الصَّدَقَة عَن ظهر غنى وَالله أَعم بِالصَّوَابِ
وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ

(4/577)