الوسيط في المذهب

= كتاب النِّكَاح=

(5/3)


اعْلَم أَن النّظر فِي أَحْكَام النِّكَاح تحصره خَمْسَة أَقسَام
الأول فِي الْمُقدمَات
وَالثَّانِي فِي مصححات العقد من الْأَركان والشرائط
وَالثَّالِث فِي مَوَانِع العقد من النّسَب والمصاهرة وَالْكفْر وَالرّق وَغَيره
وَالرَّابِع فِي مُوجبَات الْخِيَار فِيهِ
وَالْخَامِس فِي لواحق النِّكَاح وتوابعه

(5/5)


الْقسم الأول فِي الْمُقدمَات

وَهِي خَمْسَة
الأولى فِي بَيَان خَصَائِص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَله اخْتِصَاص بواجبات ومحرمات ومباحات ومخففات لم تشاركه أمته فِيهَا
أما الْوَاجِبَات فكالضحى والأضحى وَالْوتر
قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب عَليّ ثَلَاث لم تكْتب عَلَيْكُم الضُّحَى والأضحى وَالْوتر

(5/6)


وكالتهجد قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {فتهجد بِهِ نَافِلَة لَك} أَي زِيَادَة لَك على درجاتك وَقَالَ تَعَالَى {وشاورهم فِي الْأَمر} فَظَاهره للْإِيجَاب

(5/8)


وَقيل إِنَّه اسْتِحْبَاب لاستمالة الْقُلُوب وترددوا فِي وجوب السِّوَاك عَلَيْهِ
وَإِنَّمَا اخْتصَّ فِي أَمر النِّكَاح بِوُجُوب التَّخْيِير لنسائه بَين التسريح والإمساك وَلَعَلَّ سره فِيهِ أَن الْجمع بَين عدد مِنْهُنَّ يوغر صدورهن بالغيرة الَّتِي هِيَ أعظم الآلام وَهُوَ إِيذَاء يكَاد ينفر الْقلب ويوهن الِاعْتِقَاد وَكَذَلِكَ إلزامهن الصَّبْر على الضّر والفقر يؤذيهن
وَمهما ألقِي زِمَام الْأَمر إلَيْهِنَّ خرج عَن أَن يكون بصدد التأذي والإيذاء فنزه عَن ذَلِك منصبه الْعلي وَقيل لَهُ {يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك} وَنزل ذَلِك عَلَيْهِ حِين ضَاقَ صَدره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من كَثْرَة خصامهن واقتراحهن زِينَة الدُّنْيَا حَتَّى آلى عَنْهُن وَمكث فِي غرفته شهرا فابتدأ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِتَخْيِير عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَقَالَ إِنِّي ملق إِلَيْك أمرا فَلَا تبادريني بِالْجَوَابِ حَتَّى تؤامري أَبَوَيْك وتلا الْآيَة فَقَالَت أفيك

(5/9)


أؤامر أَبَوي اخْتَرْت الله وَرَسُوله وَالدَّار الْآخِرَة ثمَّ قَالَت لَا تخبر زوجاتك باختياري إياك وأرادت أَن يخْتَار سَائِر أَزوَاجه الْفِرَاق فَطَافَ على نِسَائِهِ وَكَانَ يخبرهن بِاخْتِيَار عَائِشَة إِيَّاه فاخترن الله وَرَسُوله بأجمعهن
وَالصَّحِيح أَن وَاحِدَة لَو اخْتَارَتْ الْفِرَاق لما بَانَتْ بِنَفس الِاخْتِيَار لقَوْله تَعَالَى {فتعالين أمتعكن وأسرحكن} وَأَن الْجَواب لم يجب عَلَيْهِنَّ على الْفَوْر بِدَلِيل قَوْله حَتَّى تؤامري أَبَوَيْك

(5/10)


وَهل كَانَ يحرم طَلَاق من اختارته مِنْهُنَّ فِيهِ خلاف وَدَلِيل التَّحْرِيم قَوْله تَعَالَى {لَا يحل لَك النِّسَاء من بعد وَلَا أَن تبدل بِهن من أَزوَاج} وَمذهب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه حرم عَلَيْهِ الزِّيَادَة عَلَيْهِنَّ ثمَّ نسخ ذَلِك وَعند أبي حنيفَة رَحمَه الله دَامَ التَّحْرِيم وَلم ينْسَخ
وَأما الْمُحرمَات فقد حرم عَلَيْهِ الزَّكَاة وَالصَّدَََقَة صِيَانة لَهُ ولمنصبه عَن

(5/11)


أوساخ الْأَمْوَال الَّتِي تُعْطى على سَبِيل الترحم وتنبئ عَن ذل الْآخِذ وأبدل بالفيء الْمَأْخُوذ على سَبِيل الْقَهْر وَالْغَلَبَة المنبيء عَن عز الْآخِذ وذل الْمَأْخُوذ عَنهُ وشاركه فِي هَذَا الْفَيْء ذَوُو الْقُرْبَى وَقيل إِنَّهُم لم يشاركوه فِي تَحْرِيم الصَّدَقَة بل فِي الزَّكَاة فَقَط

(5/12)


وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَأْكُل الثوم وَقَالَ لَا آكل مُتكئا
فَقيل إِنَّه حرم عَلَيْهِ ذَلِك وَقيل كَانَ ذَلِك مِنْهُ تنزها وترفعا
ونكح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم امْرَأَة فعلمتها نساؤه أَن تَقول عِنْد لِقَائِه أعوذ بِاللَّه

(5/13)


مِنْك وقلن هَذِه كلمة تعجبه فَقَالَت ذَلِك لما دخل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَيْهَا فَقَالَ لقد استعذت بمعاذ فالحقي بأهلك ففهم مِنْهُ أَنه حرم عَلَيْهِ نِكَاح امْرَأَة تكره صحبته وجدير أَن يكون ذَلِك محرما عَلَيْهِ لِأَنَّهُ نوع من الْإِيذَاء وَيشْهد لذَلِك إِيجَاب التَّخْيِير
وَاخْتلفُوا فِي أَنه هَل كَانَ يحرم عَلَيْهِ نِكَاح الْكِتَابِيَّة الْحرَّة وَنِكَاح الْأمة وَأَنه لَو جَازَ لَهُ نِكَاح الْأمة هَل كَانَ ينْعَقد وَلَده على الرّقّ
وَنحن لَا نرى الْخَوْض فِي تَصْحِيح أَدِلَّة ذَلِك وتزييفها لِأَنَّهَا أُمُور تخمينية إِذْ لَا قَاطع

(5/14)


فِيهَا وتخمين الظَّن فِيمَا لَا حَاجَة فِيهِ إِلَى الْعَمَل فِي الْحَال تَضْييع زمَان واقتحام خطر
وَأما الْمُبَاحَات والتخفيفات فقد أُبِيح لَهُ الْوِصَال فِي الصَّوْم وَصفِيَّة

(5/15)


الْمغنم والاستبداد بِخمْس الْخمس

(5/16)


وَدخُول مَكَّة بِغَيْر إِحْرَام وَحرم مِيرَاثه فَقَالَ إِنَّا معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة
وَفِي النِّكَاح أُبِيح لَهُ الزِّيَادَة على أَربع وَفِي الزِّيَادَة على التسع خلاف وَكَذَلِكَ فِي انحصار الطَّلَاق فِي الثَّلَاث خلاف وَكَانَ ينْعَقد نِكَاحه بِلَفْظ الهيه وَقَالُوا إِذا وَقع بَصَره على امْرَأَة فَوَقَعت مِنْهُ موقعا وَجب على الزَّوْج تطليقها لقصة زيد وَلَعَلَّ السِّرّ

(5/17)


فِيهِ من جَانب الزَّوْج امتحان إيمَانه بتكليفه النُّزُول عَن أَهله وَمن جَانِبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابتلاؤه ببلية البشرية وَمنعه من خَائِنَة الْأَعْين وَمن إِضْمَار مَا يُخَالف الْإِظْهَار وَلذَلِك قَالَ تَعَالَى {وتخفي فِي نَفسك مَا الله مبديه وتخشى النَّاس وَالله أَحَق أَن تخشاه} وَلَا شَيْء أدعى إِلَى غض الْبَصَر وَحفظه عَن لمحاته الاتفاقية من هَذَا التَّكْلِيف

(5/19)


وَهَذَا مِمَّا يُورِدهُ الْفُقَهَاء فِي صنف التَّخْفِيف وَعِنْدِي أَن ذَلِك فِي حَقه غَايَة التَّشْدِيد إِذْ لَو كلف بذلك آحَاد النَّاس لما فتحُوا أَعينهم فِي الشوارع والطرقات خوفًا من ذَلِك وَلذَلِك قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا لَو كَانَ رَسُول الله يخفي آيَة لأخفى هَذِه الْآيَة
وَاخْتلفُوا فِي انْعِقَاد نِكَاحه بِغَيْر ولي وشهود وَفِي حَالَة الْإِحْرَام وَهل كَانَ يجب عَلَيْهِ الْقسم أَو كَانَ يقسم تَبَرعا وتكرما فِيهِ خلاف
وَلَا خلاف فِي تَحْرِيم نِسَائِهِ بعد وَفَاته على غَيره فَإِنَّهُنَّ أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَلَا نقُول بناتهن أَخَوَات الْمُؤمنِينَ وَلَا إخوانهن أخوال الْمُؤمنِينَ بل يقْتَصر على مَا ورد من الأمومة ويقتصر التَّحْرِيم عَلَيْهِنَّ

(5/20)


وَفِي تَحْرِيم مطلقاته على غَيره ثَلَاثَة أوجه
أعدلها أَنَّهَا إِن كَانَت مَدْخُولا بهَا حرم لما رُوِيَ أَن ألأشعث بن قيس نكح المستعيذة فِي زمَان عمر رَضِي الله عَنهُ فهم عمر رَضِي الله عَنهُ برجم الْأَشْعَث فَذكر لَهُ أَنَّهَا لم تكن مَدْخُولا بهَا فَكف عَنهُ
وَلَا شكّ فِي أَن المخيرات لَو اخْتَارَتْ وَاحِدَة مِنْهُنَّ الْفِرَاق لحل لَهَا النِّكَاح إِذْ بذلك يتم التَّمَكُّن من زِينَة الدُّنْيَا
وَقد مَاتَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن تسعه عَائِشَة وَحَفْصَة وَأم حَبِيبَة وَأم سَلمَة ومَيْمُونَة وَصفِيَّة والجويرة وَسَوْدَة وَزَيْنَب وَهِي امْرَأَة زيد رَضِي الله عَنْهُن

(5/21)


وَأعْتق صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَفِيَّة وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا وَفِيه خاصية لَهُ بالِاتِّفَاقِ مِنْهُم من قَالَ خاصيته أَن قيمتهَا كَانَت مَجْهُولَة وَالصَّدَاق الْمَجْهُول لَا يجوز لغيره وَقيل إِنَّه وَجب عَلَيْهِ الْوَفَاء بِالنِّكَاحِ بعد الْإِعْتَاق وَلَا يجب على غَيرهَا إِذا أعتقت بِشَرْط النِّكَاح الْإِجَابَة

(5/22)


الْمُقدمَة الثَّانِيَة فِي التَّرْغِيب فِي النِّكَاح

وَقد قَالَ الله تَعَالَى {وَأنْكحُوا الْأَيَامَى مِنْكُم} وَقَالَ
تناكحوا تكثروا فَأَنِّي أباهي بكم الْأُمَم يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى بِالسقطِ وَقَالَ
معاشر الشبَّان عَلَيْكُم بِالْبَاءَةِ فَإِنَّهُ أَغضّ لِلْبَصَرِ وَأحْصن لِلْفَرجِ فَمن لم يسْتَطع فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ فَإِن الصَّوْم لَهُ وَجَاء وَقَالَ عَلَيْهِ

(5/23)


السَّلَام
من تزوج فقد أحرز ثُلثي دينه أَلا فليتق الله فِي الثُّلُث الْبَاقِي وَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ لرجل أتزوجت فَقَالَ لَا فَقَالَ لن يمْنَع من النِّكَاح إِلَّا عجز أَو فجور

(5/24)


وَلما حضرت معَاذًا الْوَفَاة قَالَ زوجوني كي لَا ألْقى الله عزبا
وَهَذِه الْأَحَادِيث رُبمَا توهم أَن النِّكَاح أفضل من التخلي لعبادة الله تَعَالَى كَمَا ظَنّه أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَكِن الصَّحِيح أَن من لَا تتوق نَفسه إِلَى الوقاع فالتخلي لِلْعِبَادَةِ أولى بِهِ وَلذَلِك تَفْصِيل وغور استقصيناه فِي كتاب آدَاب النِّكَاح من

(5/25)


ربع الْعَادَات من كتب إحْيَاء عُلُوم الدّين فليطلب مِنْهُ
وَقد ندب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النِّكَاح إِلَى أَرْبَعَة أُمُور
أَحدهَا طلب الحسيبة فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام
تخَيرُوا لنُطَفِكُمْ فَلَا تضعوها فِي غير الْأَكفاء وَقَالَ
إيَّاكُمْ وخضراء الدمن وَهِي الْمَرْأَة الْحَسْنَاء فِي المنبت السوء كَذَلِك فسره عَلَيْهِ السَّلَام

(5/26)


الثَّانِي النّدب إِلَى الْبكر فَإِنَّهَا أَحْرَى بالمؤالفة وَقَالَ لجَابِر هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك وَكَانَ تزوج ثَيِّبًا
الثَّالِث النّدب إِلَى الْوَلُود قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
انكحوا الْوَدُود الْوَلُود فَإِنِّي مُكَاثِر بكم الْأُمَم وَقَالَ
لحصير فِي نَاحيَة الْبَيْت خير من امْرَأَة لَا تَلد
الرَّابِع النّدب إِلَى الاجنبية قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لَا تنْكِحُوا الْقَرَابَة الْقَرِيبَة فَإِن الْوَلَد يخلق ضاويا أَي نحيفا وَلَعَلَّ ذَلِك لنُقْصَان الشَّهْوَة بِسَبَب الْقَرَابَة
الْخَامِس النّدب إِلَى الصَّالِحَة قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام
عَلَيْك بِذَات الدّين تربت يداك

(5/27)


الْمُقدمَة الثَّالِثَة فِي النّظر إِلَيْهَا بعد الرَّغْبَة فِي نِكَاحهَا

وَذَلِكَ مُسْتَحبّ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
من أَرَادَ نِكَاح امْرَأَة فَلْينْظر إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَن يُؤْدم بَينهمَا وَيَنْبَغِي أَن يقْتَصر على النّظر إِلَى الْوَجْه وَذَلِكَ بعد الْعَزْم على النِّكَاح إِن ارتضاها وَلَا يشْتَرط استئذانها فِي هَذَا النّظر بل يَكْفِي فِيهِ إِذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلافًا

(5/28)


لمَالِك وَقد رخص فِي هَذَا النّظر للْحَاجة وَإِلَّا فَالْأَصْل تَحْرِيم النّظر إِلَى الأجنبيات
وَقد جرت الْعَادة هَا هُنَا بِذكر مَا يحل النّظر إِلَيْهِ وَالْكَلَام فِيهِ فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع
الأول نظر الرجل إِلَى الرجل وَهُوَ مُبَاح إِلَّا إِلَى الْعَوْرَة وَذَلِكَ مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة وَيحرم اللَّمْس كَمَا يحرم النّظر وَلَا يحرم نظر الْإِنْسَان إِلَى فرج نَفسه وَلَكِن يكره من غير حَاجَة
فرعان

أَحدهمَا أَنه يحرم النّظر إِلَى المرد بالشهوة وَيحل بِغَيْر شهوه عِنْد الْأَمْن من الْفِتْنَة

(5/29)


وَعند خوف الْفِتْنَة وَجْهَان أَحدهمَا التَّحْرِيم لأَنهم فِي معنى الْمَرْأَة
وَالثَّانِي الْحل لما رُوِيَ أَن قوما وفدوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِيهِمْ غُلَام حسن فأجلسه وَرَاءه وَقَالَ
أَلا أَخَاف على نَفسِي مَا أصَاب أخي دَاوُد وَلم يَأْمُرهُ بالاحتجاب عَن النَّاس بِخِلَاف النِّسَاء
وَلم يزل الصّبيان بَين النَّاس مكشوفين فَالْوَجْه الْإِبَاحَة إِلَّا فِي حق من أحس فِي نَفسه بالفتنة فَعِنْدَ ذَلِك يحرم عَلَيْهِ بَينه وَبَين الله تَعَالَى إِعَادَة النّظر
الثَّانِي أَن يكره للرجلين الِاضْطِجَاع فِي ثوب وَاحِد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُفْضِي الرجل إِلَى الرجل فِي ثوب وَاحِد وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَة إِلَى الْمَرْأَة فِي ثوب وَاحِد
الْموضع الثَّانِي نظر الْمَرْأَة إِلَى الْمَرْأَة وَهُوَ مُبَاح إِلَّا فِيمَا بَين السُّرَّة وَالركبَة وَقيل إِنَّه كالنظر إِلَى الْمَحَارِم وَسَيَأْتِي وَالصَّحِيح أَن الذِّمِّيَّة كالمسلمة وَقيل إِنَّه لَا يحل للمسلمة التكشف

(5/30)


للذمية
الْموضع الثَّالِث نظر الرجل إِلَى الْمَرْأَة فَإِن كَانَت مَنْكُوحَة أَو مَمْلُوكَة حل النّظر إِلَى جَمِيع بدنهَا وَفِي النّظر إِلَى فرجهَا فِيهِ تردد وَحمل الْأَصْحَاب النَّهْي على أَنه أَرَادَ بِهِ كَرَاهِيَة والكراهية فِي بَاطِن الْفرج أَشد

(5/31)


وَإِن كَانَت محرما نظر إِلَى مَا يَبْدُو فِي حَالَة المهنة كالوجه والأطراف وَلَا ينظر إِلَى الْعَوْرَة وَفِيمَا بَين ذَلِك وَجْهَان وَقيل إِن الثدي قد يلْتَحق بِالْوَجْهِ لِأَنَّهُ قد يَبْدُو كثيرا فَأمره أخف
وَإِن كَانَت أَجْنَبِيَّة حرم النّظر إِلَيْهَا مُطلقًا وَمِنْهُم من جوز النّظر إِلَى الْوَجْه حَيْثُ تؤمن الْفِتْنَة وَهَذَا يُؤَدِّي إِلَى التَّسْوِيَة بَين النِّسَاء والمرد وَهُوَ بعيد لِأَن الشَّهْوَة وَخَوف الْفِتْنَة أَمر بَاطِن فالضبط بالأنوثة الَّتِي هِيَ من الْأَسْبَاب الظَّاهِرَة أقرب إِلَى الْمصلحَة وَكَذَلِكَ لَا يجوز للمخنث

(5/32)


والعنين وَالشَّيْخ الْهم النّظر حسما للباب ونظرا إِلَى الفحولة الظَّاهِرَة دون الشَّهْوَة الْبَاطِنَة نعم يجوز للممسوح عِنْد الْأَكْثَرين لِأَن الْجب سَبَب ظَاهر فِي قطع غائلة الفحولة وَعَلِيهِ يحمل

(5/33)


قَوْله تَعَالَى {غير أولي الإربة من الرِّجَال} وَكَذَلِكَ الطفولة سَبَب ظَاهر فَلَا يجب الاحتجاب عَنْهُم نعم تستر الْعَوْرَة عَن الَّذِي ظهر فِيهِ دَاعِيَة الْحِكَايَة فَإِذا قَارب الْبلُوغ وَظهر مبادئ الشَّهْوَة وَجب الاحتجاب
وَقَالَ الْقفال ثَبت الْحل فَلَا يرْتَفع إِلَّا بِسَبَب ظَاهر وَهُوَ الْبلُوغ
وَلَا يسْتَثْنى عَن هَذِه الْقَاعِدَة إِلَّا نظر الْغُلَام إِلَى سيدته فَإِنَّهُ مُبَاح لقَوْله تَعَالَى {أَو مَا ملكت أيمانهن}

(5/34)


وَلَعَلَّ السَّبَب فِيهِ الْحَاجة وَقد قيل بِتَحْرِيم ذَلِك لما فِيهِ من الْخطر
وَلَكِن ذَلِك يحوج إِلَى تعسف فِي تَأْوِيل الْآيَة
وَمن المستثنيات النّظر إِلَى الْإِمَاء حَتَّى رُوِيَ أَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ لجارية مُتَقَنعَة أتتشبهين بالحرائر يَا لكعاء وَلَعَلَّ السَّبَب فِيهِ أَن الرقيقة تحْتَاج إِلَى التَّرَدُّد فِي الْمُهِمَّات وَمِنْهُم من قَالَ إِنَّهَا كَالْحرَّةِ لَا ينظر إِلَيْهَا إِلَّا لحَاجَة الشِّرَاء وَهُوَ الْقيَاس
فرعان

أَحدهمَا مَا أبين من الْمَرْأَة يجوز النّظر إِلَيْهِ إِن لم يتَمَيَّز بصورته عَمَّا للرِّجَال كالقلامة وَمَا ينتف من الشّعْر والجلدة المتكشطة وَإِن تميز كالعضو المبان والعقيصة فَلَا يحل النّظر إِلَيْهِ

(5/35)


الثَّانِي الصبية لَا يحل النّظر إِلَى فرجهَا وَفِي النّظر إِلَى وَجههَا وَجْهَان
أَحدهمَا الْجَوَاز لِأَنَّهَا خرجت عَن مَظَنَّة الشَّهْوَة بِسَبَب ظَاهر
وَالثَّانِي التَّحْرِيم نظرا إِلَى جنس الْأُنُوثَة وعَلى الْجُمْلَة أمرهَا أَهْون من أَمر الْعَجُوز فَإِنَّهَا مَحل للْوَطْء والشهوات لَا تنضبط
الْموضع الرَّابِع نظر الْمَرْأَة إِلَى الرجل أما نظرها إِلَى زَوجهَا فكنظره إِلَيْهَا ونظرها إِلَى الْأَجَانِب فِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه كنظر الرجل إِلَيْهَا

(5/36)


وَالثَّانِي أَنه كنظره إِلَى الْمَحَارِم
وَالثَّالِث وَهُوَ الْأَصَح أَنَّهَا تنظر إِلَى مَا وَرَاء الْعَوْرَة وتحترز عِنْد خوف الْفِتْنَة كَمَا يحْتَرز الرجل من النّظر إِلَى الْأَمْرَد إِذْ لَو اسْتَوَى النظران لأمر الرِّجَال أَيْضا بالتنقب كَمَا أَمر النِّسَاء
هَذَا كُله فِي النّظر بِغَيْر حَاجَة فَإِن مست الْحَاجة لتحمل شَهَادَة أَو رَغْبَة نِكَاح جَازَ النّظر إِلَى الْوَجْه وَلَا يحل النّظر إِلَى الْعَوْرَة إِلَّا لحَاجَة مُؤَكدَة كمعالجة مرض شَدِيد يخَاف عَلَيْهِ فَوت الْعُضْو أَو طول الضنى ولتكن الْحَاجة فِي السوأتين آكِد وَهُوَ أَن تكون بِحَيْثُ لَا يعد التكشف لأَجله هتكا للمروءة وَتعذر فِيهِ فِي الْعَادة فَإِن ستر الْعَوْرَة من المروءات الْوَاجِبَة

(5/37)


وَلم يجوز الْإِصْطَخْرِي النّظر إِلَى الْفرج لتحمل شَهَادَة الزِّنَا وَخَالف فِيهِ الْأَصْحَاب
وَمَا ذكره غير بعيد لِأَن ستر الْعَوْرَة وَستر الْفَوَاحِش كِلَاهُمَا مقصودان فَيخْتَص تحمل الشَّهَادَة بِمَا إِذا وَقع الْبَصَر عَلَيْهِ وفَاقا

(5/38)


الْمُقدمَة الرَّابِعَة فِي الْخطْبَة وآدابها

وَيَنْبَغِي أَن يقدم النّظر عَلَيْهَا إِذْ فِي الرَّد بعد الْخطْبَة إيحاش وَالتَّصْرِيح بِخطْبَة الْمُعْتَدَّة حرَام والتعريض جَائِز فِي عدَّة الْوَفَاة وَحرَام فِي عدَّة الرَّجْعِيَّة وَفِي عدَّة البائنة وَجْهَان
وَسبب التَّحْرِيم أَنَّهَا مستوحشة بِالطَّلَاق فَرُبمَا كذبت فِي انْقِضَاء الْعدة مسارعة إِلَى مُكَافَأَة الزَّوْج
والتعريض هُوَ أَن يَقُول رب رَاغِب فِيك وَإِذا حللت فآذنيني كَمَا قَالَ رَسُول الله

(5/39)


صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا تجوز الْخطْبَة على خطْبَة الْغَيْر بعد الْإِجَابَة وَتجوز قبل الْإِجَابَة وَهل يكون السُّكُوت كالإجابة فِيهِ قَولَانِ وَقد رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لفاطمة بنت قيس إِذا حللت فآذنيني فَلَمَّا حلت قَالَ انكحي أُسَامَة فَقَالَت خطبني أَبُو جهم وَمُعَاوِيَة قَالَ أما مُعَاوِيَة فصعلوك لَا مَال لَهُ وَأما أَبُو جهم فَلَا يضع عَصَاهُ عَن عاتقة أَي يداوم الضَّرْب وَقيل يدوام السّفر وَذَلِكَ يدل على جَوَاز ذكر الْغَائِب بِمَا يكرههُ إِذا كَانَ فِيهِ مصلحَة لغيره وَلذَلِك قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام

(5/40)


اذْكروا الْفَاسِق بِمَا فِيهِ كي يحذرهُ النَّاس

(5/41)


الْمُقدمَة الْخَامِسَة فِي الْخطْبَة

وَيسْتَحب ذَلِك عِنْد الْخطْبَة وَعند إنْشَاء العقد وَسَوَاء يخْطب العاقدان أَو غَيرهمَا فَهُوَ حسن وَإِن قَالَ الْوَلِيّ الْحَمد لله وَالصَّلَاة على رَسُول الله زَوجتك فُلَانُهُ فَقَالَ الزَّوْج الْحَمد لله وَالصَّلَاة على رَسُول الله قبلت صَحَّ النِّكَاح وَكَانَ أحسن وتخلل هَذِه الْكَلِمَة الْيَسِيرَة وَهِي مُتَعَلقَة بغرض العقد لَا يقطع الْجَواب عَن الْخطاب وَفِيه وَجه

(5/42)


بعيد أَنه يقطع
هَذَا هُوَ الْكَلَام فِي قسم الْمُقدمَات جرينا فِيهِ على تَرْتِيب الْوُجُود إِذْ الْبِدَايَة بالرغبة ثمَّ بِالنّظرِ ثمَّ بِالْخطْبَةِ ثمَّ بِالْخطْبَةِ فنشرع فِي شرح العقد

(5/43)


الْقسم الثَّانِي من الْكتاب فِي الْأَركان والشرائط

وَهِي أَرْبَعَة الصِّيغَة وَالْمحل وَالشَّاهِد وَالْوَلِيّ
الأول الصِّيغَة وَهِي الْإِيجَاب وَالْقَبُول الدالان على جزم الرِّضَا دلَالَة صَرِيحَة قَاطِعَة وَفِيه مسَائِل سِتَّة
الأولى أَن الصَّرِيح هُوَ كلمة الْإِنْكَاح وَالتَّزْوِيج فَلَا يقوم لفظ آخر مقامهما لِأَن النِّكَاح يشْتَمل على أَحْكَام غَرِيبَة لَا يُحِيط بجميعها لفظ من حَيْثُ اللُّغَة فَيتَعَيَّن اللَّفْظ الْمُحِيط بهَا شرعا وَلذَلِك لَا نزيد أَيْضا فِي صرائح الطَّلَاق على مَا ورد فِي الْقُرْآن
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله ينْعَقد النِّكَاح بِلَفْظ الْهِبَة وَالْبيع وَالتَّمْلِيك وكل مَا يُفِيد معنى التَّمْلِيك

(5/44)


فرع
الصَّحِيح أَن ترجمتها بِالْفَارِسِيَّةِ وَسَائِر اللُّغَات يقوم مقَامهَا لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا
وَقيل يقوم مقَامهَا عِنْد الْعَجز فَقَط وَقيل لَا يجوز ذَلِك أَيْضا وعَلى الْعَاجِز أَن يَسْتَنِيب الْقَادِر
الثَّانِيَة لَا ينْعَقد النِّكَاح بالكنايات مَعَ النِّيَّة لِأَنَّهَا تتَعَلَّق بتفهيم الشَّاهِد وَلَا مطلع لَهُ على النِّيَّة وَيصِح بهَا الْإِبْرَاء وَالْفَسْخ وَالطَّلَاق وَمَا يسْتَقلّ بِهِ الْإِنْسَان
وَأما البيع وَمَا ليفتقر إِلَى الْقبُول فَفِيهِ وَجْهَان مأخذهما أَن الْقَائِل هَل يكون كالشاهد حَتَّى لَا يَكْفِي تفهيمه بِقَرِينَة الْحَال

فرع
إِذا قَالَ زوجتكها فَيَنْبَغِي أَن يَقُول الزَّوْج قبلت نِكَاحهَا أَو قبلت هَذَا النِّكَاح فَلَو اقْتصر على قَوْله قبلت فَفِيهِ وَجْهَان مأخذهما أَن قَوْله قبلت لَيْسَ صَرِيحًا لنَفسِهِ مَا لم يَنْضَم فِيهِ الْإِيجَاب السَّابِق

(5/46)


الثَّالِثَة نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَن النِّكَاح ينْعَقد بالاستيجاب والإيجاب وَهُوَ قَوْله زوجنيها وَقَول الْوَلِيّ وزجتكها وَنَصّ فِي البيع على قَوْلَيْنِ وَقطع الْأَصْحَاب بِأَن ذَلِك يَكْفِي فِي الْخلْع وَالْعِتْق على المَال وَالصُّلْح عَن دم الْعمد لِأَن الْعِوَض غير مَقْصُود فِيهَا وَإِنَّمَا لَا ينْعَقد البيع على قَول لِأَنَّهُ قد يَقُول بِعني على سَبِيل استبانة الرَّغْبَة من غير بت الرِّضَا فِي الْحَال لِأَنَّهُ قد يَقع بِعته بِخِلَاف النِّكَاح وَمن الْأَصْحَاب من طرد الْقَوْلَيْنِ فِي النِّكَاح وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ فِي الْخلْع وَالصُّلْح وَغير هَذَا وَهُوَ غَرِيب لكنه منقاس جدا
الرَّابِعَة النِّكَاح لَا يقبل حَقِيقَة التَّعْلِيق مثل أَن يَقُول إِذا جَاءَ رَأس الشَّهْر فقد زَوجتك وَلَا يحْتَمل أَيْضا لَفظه مثل أَن يَقُول إِن كَانَ قد ولد لي بنت فقد زوجتكها

(5/47)


ثمَّ بَان أَنه كَانَ قد ولدت فَلَا يَصح النِّكَاح بِصِيغَة التَّعْلِيق وَكَذَلِكَ لَو قَالَ إِن انْقَضتْ عدتهَا فقد زَوجتك وَكَانَ قد انْقَضتْ وَفِيه وَجه أَنه يَصح مَأْخُوذ من الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إِذا قَالَ إِن كَانَ أبي مَاتَ فقد بِعْت مِنْك مَاله
الْخَامِسَة نِكَاح الشّغَار بَاطِل للنَّهْي الْوَارِد فِيهِ وَصورته الْكَامِلَة أَن يَقُول زَوجتك ابتني على أَن نزوجني ابْنَتك أَو أختك على أَن يكون بضع كل وَاحِد مِنْهُمَا صدَاق الْأُخْرَى وَمهما انْعَقَد لَك نِكَاح ابْنَتي انْعَقَد لي نِكَاح ابْنَتك وَهَذَا يشْتَمل على ثَلَاثَة أُمُور تَعْلِيق وَشرط عقد واشتراك فِي الْبضْع بجعله صَدَاقا وَقد قَالَ الْقفال إِنَّمَا يبطل العقد بِالتَّعْلِيقِ وَهُوَ المُرَاد بالشغار مأخوذا من قَوْلهم شغر الْكَلْب بِرجلِهِ أَي

(5/48)


لَا ترفع رجل ابْنَتي مَا لم أرفع رجل ابْنَتك وَكَانَ ذَلِك من عَادَة الْعَرَب لأنفتها من التَّزْوِيج فَقَالَ لَو اقْتصر على شَرط التَّزْوِيج فِي العقد وعَلى إصداق الْبضْع صَحَّ العقد لِأَن النِّكَاح لَا يفْسد بالشرائط الْفَاسِدَة وجماهير الْأَصْحَاب عللوا بالاشتراك فِي الْبضْع بجعله صَدَاقا وَقَالُوا يشبه ذَلِك مَا لَو نكحت الْحرَّة عبدا على أَن تكون رقبته صَدَاقا لَهَا فَإِن ذَلِك يُبطلهُ وَمِنْهُم من قَالَ لَو قَالَ زَوجتك ابْنَتي على أَن تزَوجنِي ابْنَتك وَاقْتصر عَلَيْهِ بَطل أَيْضا لما فِيهِ من الْخُلُو عَن الْمهْر
وَأخذ الشّغَار من قَوْلهم شغر الْبَلَد إِذا خلا من الْوَالِي وَمَا ذكره الْقفال أَقيس وَمَا ذكره الجماهير إِلَى الْخَبَر أقرب وَأما الْإِبْطَال بِمُجَرَّد اشْتِرَاط العقد والخلو عَن الْمهْر فبعيد
السَّادِسَة تأقيت النِّكَاح بَاطِل وَهُوَ أَن يَقُول زَوجتك شهرا وَذَلِكَ هُوَ نِكَاح

(5/49)


الْمُتْعَة سمي بهَا لِأَن مَقْصُوده مُجَرّد التَّمَتُّع

(5/50)


الرُّكْن الثَّانِي الْمحل

وَهِي الْمَنْكُوحَة وَشَرطهَا أَن تكون خلية من الْمَوَانِع وَهِي قريب من عشْرين أَلا تكون مَنْكُوحَة الْغَيْر أَو فِي عدَّة الْغَيْر أَو مرتدة أَو مَجُوسِيَّة أَو زنديقة لَا تنْسب إِلَى مِلَّة أَو كِتَابِيَّة دَانَتْ بدينهم بعد التبديل أَو بعد المبعث وَلَيْسَت مَعَ ذَلِك من بني إِسْرَائِيل أَو تكون رقيقَة والناكح حر وَاجِد طول حرَّة أَو غير خَائِف من الْعَنَت أَو مَمْلُوكَة للناكح بَعْضهَا أَو كلهَا أَو كَانَت من الْمَحَارِم إِمَّا من نسب أَو رضَاع أَو مصاهرة أَو تكون خَامِسَة بِأَن يكون تَحْتَهُ أَربع أَو يكون تَحت الزَّوْج أُخْتهَا أَو عَمَّتهَا أَو خَالَتهَا فَيكون بِالنِّكَاحِ جَامعا بَينهمَا أَو يكون الناكح قد طَلقهَا ثَلَاثًا وَلم يَطَأهَا بعده زوج أخر أَو يكون الناكح قد لَاعن عَنْهَا أَو تكون مُحرمَة بِحَجّ أَو عمْرَة أَو تكون ثَيِّبًا صَغِيرَة أَو يتيمة أَو

(5/51)


كَانَت من أَزوَاج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذَلِكَ لَا يُوجد فِي هَذَا الزَّمَان فَهَذِهِ مجامع الْمَوَانِع وَسَيَأْتِي شرحها فِي الْقسم الثَّالِث من الْكتاب

(5/52)


الرُّكْن الثَّالِث الشُّهُود

وَهُوَ شَرط وَلَكِن تساهلنا بتسميته ركنا وَلَا ينْعَقد النِّكَاح إِلَّا بِحُضُور عَدْلَيْنِ وَلَا ينْعَقد بِحُضُور رجل وَامْرَأَتَيْنِ خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَقَالَ دَاوُد لَا حَاجَة إِلَى الشَّهَادَة وَقَالَ مَالك يَكْفِي الإعلان وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نِكَاح إِلَّا

(5/53)


بولِي وشاهدي عدل فَنَقُول لَا بُد من حُضُور من هُوَ أهل للشَّهَادَة فَلَا يَكْفِي حُضُور الصَّبِي وَالذِّمِّيّ وَالرَّقِيق والأصم وَالْفَاسِق وَفِي حُضُور الْأَعْمَى خلاف

(5/54)


لِأَنَّهُ أهل لبَعض الشَّهَادَات
وَلَو حضر ابْن الزَّوْجَيْنِ أَو أَبُو الزَّوْجَيْنِ فَفِيهِ أَرْبَعَة أوجه
أَحدهَا الِانْعِقَاد لِأَنَّهُ أهل على الْجُمْلَة
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهلا فِي هَذَا النِّكَاح
وَالثَّالِث أَنه إِن حضر ابْن الزَّوْج وَابْن الزَّوْجَة لم يكتف لِأَنَّهُ لَا يتَصَوَّر الْإِثْبَات وَإِن حضر ابْنَانِ لأَحَدهمَا جَازَ لِأَنَّهُ يُمكن الْإِثْبَات على والدها
وَالرَّابِع أَنَّهُمَا إِن كَانَا ابنيها صَحَّ وَإِن كَانَا ابْني الزَّوْج لم يَصح لِأَن الْحَاجة إِلَى الْإِثْبَات عَلَيْهَا عِنْد الْجُحُود لَا على الزَّوْج فَيقبل عَلَيْهَا قَول ابنيها
وتجري هَذِه الزوجه فِي عدوي الزَّوْجَيْنِ
وَلَو حضر من حَاله فِي الْفسق مَسْتُور على الزَّوْجَيْنِ جَمِيعًا صَحَّ العقد على الْأَصَح وَذكر الْمحَامِلِي فِيهِ خلافًا ويعضده أَن مَسْتُور الْحُرِّيَّة لَا يَكْفِي حُضُوره على الْأَظْهر

(5/55)


لَكِن الْحُرِّيَّة مكشوفة فِي الْغَالِب وَالْفِسْق خَفِي وَفِي الْمَنْع من المستور حرج وتضييق
فَإِن صححنا فَبَان بَينه عادلة فسقهما حَالَة العقد فَفِي تبين بطلَان العقد قَولَانِ كالقولين فِي نقض الْقَضَاء الْمَبْنِيّ على قَوْلهمَا
وَلَا الْتِفَات إِلَى قَوْلهمَا كُنَّا فاسقين وَلَو قَالَ الزَّوْج كنت أعرف فسقه حَالَة العقد وَأنْكرت الْمَرْأَة قَالَ الصيدلاني ينزل منزلَة الطَّلَاق حَتَّى يتشطر الْمهْر قبل الدُّخُول وَبعده يجب جَمِيع الْمهْر وتعود إِلَيْهِ بطلقتين إِن نَكَحَهَا وَنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَن الْحر إِذا نكح أمة ثمَّ قَالَ كنت واجدا طول الْحرَّة بَانَتْ مِنْهُ بِطَلْقَة
أما تشطير الْمهْر فمعقول لِأَنَّهُ فِرَاق حصل بجهته لَا بزعم الْمَرْأَة وَأما جعله طَلَاقا وَلم يجر عقد فَلَيْسَ يتَبَيَّن لي وَجهه إِلَّا أَن يَجْعَل طَلَاقا فِي حق الْمَرْأَة الْمُنكرَة خَاصَّة أَو يَجْعَل فِي حق الزَّوْج طَلَاقا فِي الظَّاهِر لجَرَيَان الشَّهَادَة على ظَاهر النِّكَاح لَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى

(5/56)


فرع تردد الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد فِي أَن الْمُعْلن بِالْفِسْقِ إِذا تَابَ فِي مجْلِس العقد هَل يلْتَحق بالمستور وَكَانَ عَادَته اسْتِتَابَة الْحَاضِرين وَوَجهه أَنه يُمكن أَن يكون صَادِقا فِي تَوْبَته
وَلَا خلاف فِي أَنه لَا يشْتَرط الْإِشْهَاد على رِضَاء الْمَرْأَة

(5/57)


الرُّكْن الرَّابِع العاقدان

وَهُوَ الزَّوْج وَالْوَلِيّ لِأَن الْمَرْأَة مسلوبة الْعبارَة عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي عقد النِّكَاح فَلَا تصح عبارتها بالنيابة وَلَا بِالْوكَالَةِ وَلَا بالاستقلال لَا فِي التَّزْوِيج وَلَا فِي الْقبُول وَيصِح إِقْرَارهَا بِالنِّكَاحِ على الْجَدِيد لِأَن شَرط الْوَلِيّ إِنَّمَا ورد فِي الْإِنْشَاء قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نِكَاح إِلَّا بولِي إِلَّا أَنَّهَا لَو أقرَّت وكذبها الْوَلِيّ قَالَ الْقفال لَا تقبل لِأَنَّهَا أقرَّت على الْوَلِيّ بِالتَّزْوِيجِ وَمِنْهُم من قَالَ تقبل لِأَنَّهَا مقرة على نَفسهَا بِالرّقِّ
ثمَّ إِن اعْتبرنَا تَصْدِيق الْوَلِيّ فَكَانَ غَائِبا سلمناها فِي الْحَال إِلَى الزَّوْج بإقرارها للضَّرُورَة

(5/58)


إِذْ يعسر مُلَازمَة الْوَلِيّ حضرا وسفرا لَكِن لَو رَجَعَ وَكذب فَالظَّاهِر أَنه يُحَال بَينهمَا لزوَال الضَّرُورَة
وَصِيغَة الْإِقْرَار أَن تَقول زَوجنِي الْوَلِيّ مِنْهُ فَلَو أقرَّت بالزوجيه وَلم تضف إِلَى الْوَلِيّ فَفِيهِ خلاف مَبْنِيّ على أَن دَعْوَى النِّكَاح مُطلقًا من غير التَّقْيِيد بِالشّرطِ هَل تسمع
فَأَما إِقْرَار الْوَلِيّ الْمُجبر فنافذ إِن أقرّ فِي حَالَة الْقُدْرَة على الْإِجْبَار وَأما أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فقد قضى بِأَنَّهَا تزوج نَفسهَا

(5/59)


لَكِن الْوَلِيّ يفْسخ العقد إِن وضعت نَفسهَا تَحت غير كفؤ وَقَالَ مَالك تزوج الدنية نَفسهَا دون الشَّرِيفَة

(5/61)


وَعِنْدنَا أَن الْوَطْء فِي النِّكَاح بِغَيْر ولي يُوجب الْمهْر للشُّبْهَة وَلَا يُوجب الْحَد وَقَالَ الصَّيْرَفِي يجب الْحَد وَقَالَ بعض الْأَصْحَاب ينْقض قَضَاء الْحَنَفِيّ بِصِحَّة نِكَاح بِلَا ولي لمُخَالفَته الحَدِيث الظَّاهِر وتفاصيل أَحْكَام الْولَايَة يَسْتَوْفِيه بَابَانِ بَاب فِي الْوَلِيّ بَاب فِي الْمولي عَلَيْهِ

(5/62)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي الْأَوْلِيَاء وَفِيه فُصُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الْفَصْل الأول فِي أَسبَاب الْولَايَة
وَهِي أَرْبَعَة
الْأُبُوَّة والجدودة فِي مَعْنَاهَا
والعصوبة بِالنّسَبِ
وَالْوَلَاء
والسلطنة أما الْأَب وَالْجد أَب الْأَب فَلَهُمَا منصب الْإِجْبَار فِي حَالَة الْبكارَة وَلَو بعد الْبلُوغ وَفِي الْبَنِينَ فِي الصغر دون الْكبر وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ الْبكر الْبَالِغَة لَا تجبر على النِّكَاح وَالثَّيِّب الصَّغِيرَة يجوز أجبارها عِنْده

(5/63)


وَنظر الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِلَى الثيابة والبكارة لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الثّيّب أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا وَالْبكْر تستأمر فِي نَفسهَا وإذنها صماتها
وَمعنى إجبارها أَن الْأَب لَو زَوجهَا من كفؤ وَهِي ساخطة نفذ وَلَو التمست التَّزْوِيج من الْوَلِيّ وَجَبت الْإِجَابَة وَإِن كَانَت مجبرة كَالصَّبِيِّ الَّذِي يلْتَمس الطَّعَام
وَلَو عينت كُفؤًا وَعين الْوَلِيّ كُفؤًا فَمنهمْ من قَالَ يجب رِعَايَة حَقّهَا فِي الْأَعْيَان

(5/65)


وَإِنَّمَا حَظّ الْوَلِيّ فِي الْكَفَاءَة فَقَط وَمِنْهُم من قَالَ تعْيين الْوَلِيّ أولى
وَمهما ثَابت وَلَو بِالزِّنَا لم تجبر وَلَو انفتق جلد الْعذرَة بوثبة أَو طفرة فَالْأَظْهر أَنَّهَا بكر لِأَن واطئها مبتكر
وَلم ير أَبُو حنيفَة للزِّنَا أثرا فِي إِزَالَة حكم الْبكارَة

(5/66)


فَأَما الْعَصَبَات من جِهَة النّسَب كالإخوة والأعمام وَأَوْلَادهمْ فَلَيْسَ لَهُم الْإِجْبَار بِحَال وَإِنَّمَا لَهُم تَزْوِيج الْبكر وَالثَّيِّب بعد الْبلُوغ برضاهها وَهل لَهُم الِاكْتِفَاء بصمت الْبكر وَجْهَان
أَحدهمَا نعم لظَاهِر الحَدِيث
وَالثَّانِي لَا لِأَن السُّكُوت مردد وَمعنى الحَدِيث حث الْمُجبر على مراجعتها من غير تَكْلِيف نطق
وَأما الْوَلِيّ الْمُعْتق فولايته كولاية الْعَصَبَات وَأما السُّلْطَان فولي فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع عِنْد عدم الْوَلِيّ وغيبته وعضله وَإِذا أَرَادَ الْوَلِيّ أَن يُزَوّج من نَفسه وَلَيْسَ للسُّلْطَان ولَايَة الْإِجْبَار خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله
وَلَيْسَ للْوَصِيّ ولَايَة التَّزْوِيج وَإِن فوض إِلَيْهِ الْمُوصي إِذْ لَيْسَ لَهُ قرَابَة تَدعُوهُ إِلَى الشَّفَقَة وَالنَّظَر وَلَا حَظّ لَهُ فِي الْكَفَاءَة

(5/67)


الْفَصْل الثَّانِي فِي تَرْتِيب الْأَوْلِيَاء من الْقَرَابَة وَالْوَلَاء والسلطنه

وجهة الْقَرَابَة مُقَدّمَة على الْوَلَاء وَالْوَلَاء مقدم على السلطنة والازدحام يفْرض فِي النّسَب وَالْوَلَاء
أما النّسَب فالأب ثمَّ الْجد وَلَهُمَا ولَايَة الْإِجْبَار ثمَّ تَرْتِيب بَاقِي الْعَصَبَات كترتيبهم فِي الْمِيرَاث إِلَّا فِي ثَلَاث مسَائِل
إِحْدَاهَا أَن الابْن عصبَة فِي الْمِيرَاث وَلَا يُزَوّج بِحكم النُّبُوَّة خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله نعم إِن كَانَ قَاضِيا أَو عصبَة أَو ابْن عَم أَو معتقا زوج بِهَذِهِ الْأَسْبَاب فالبنوة لَا تمنع وَلَا تفِيد
الثَّانِيَة الْجد فِي الْمِيرَاث يقاسم الْإِخْوَة وَهَاهُنَا يقدم الْجد لِأَنَّهُ على عَمُود النّسَب

(5/68)


وشفقته أكمل
الثَّالِثَة أَن الْأَخ من الْأَب وَالأُم مقدم على الْأَخ من الْأَب فِي الْمِيرَاث وَكَذَلِكَ فِي الصَّلَاة على الْجِنَازَة وَفِي الْولَايَة قَولَانِ لِأَن جِهَة الأمومة لَا مدْخل لَهَا فِي الْولَايَة فَيجوز أَن لَا توجب تَرْجِيحا وَاخْتَارَ الْمُزنِيّ التَّقْدِيم فِي التَّزْوِيج أَيْضا
وَيجْرِي الْقَوْلَانِ فِي الْعم من الْأَب وَالأُم وَالْعم من الْأَب وابنيهما وَلَا يجْرِي فِي ابْني عَم أَحدهمَا أَخ لأم لِأَن أخوة الْأُم هَاهُنَا لَا تفِيد عصوبة فِي الْمِيرَاث وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ لَهَا ابْنا ابْن عَم أَحدهمَا ابْنهَا أَو ابْنا مُعتق أَحدهمَا مِنْهَا فَلَا تَرْجِيح وَنَصّ ابْن الْحداد على أَن ابْنهَا من الْمُعْتق مقدم على سَائِر الْبَنِينَ وَهُوَ بعيد
أما تَرْتِيب الْوَلَاء فالمتعق أولى فَإِن لم يكن فعصباته فَإِن لم يَكُونُوا فمعتق الْمُعْتق ثمَّ عصباته وترتيب عصبات الْمُعْتق كترتيب عصبات النّسَب إِلَّا فِي مسَائِل
إِحْدَاهَا إِذا اجْتمع جد الْمُعْتق وَأَخُوهُ من الْأَب فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَن الْأَخ أولى لِأَنَّهُ يُدْلِي ببنوة الْأَب وَهِي أقوى من الْأُبُوَّة فِي الْعُصُوبَة
وَالثَّانِي يتساويان لِأَن أَحدهمَا أَب الْأَب وَالْآخر ابْن الْأَب وَلَيْسَ الْجد هَاهُنَا أصل الزَّوْجَة حَتَّى يقدم
الثَّانِيَة ابْن الْمُعْتق مقدم على أَبِيه لِأَنَّهُ الْعصبَة دون الْأَب هُنَا لقُوَّة الْبُنُوَّة
الثَّالِثَة الْجد وَابْن الْأَخ إِن قُلْنَا إِن الْجد مَعَ الْإِخْوَة يتساويان فهاهنا الْجد يقدم وَإِن

(5/69)


قُلْنَا يقدم الْأَخ على الْجد فهاهنا يتساويان وَقيل الْجد مقدم لقُرْبه وَقيل ابْن الْأَخ لقُوَّة الْبُنُوَّة
الرَّابِعَة أَخ الْمُعْتق من الْأَب وَالأُم وَأَخُوهُ من الْأَب قيل لَا تَرْجِيح إِذْ الْوَلَاء يجْرِي بمحض الْعُصُوبَة وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ
فرعان

أَحدهمَا الْمَرْأَة إِذا أعتقت فلهَا الْوَلَاء وَلَكِن يُزَوّج العتيقة من يُزَوّج السيدة بِرِضا العتيقة وَلَا يحْتَاج إِلَى رضَا الْمُعتقَة لِأَنَّهَا لَا تلِي العقد على نَفسهَا وَلَا غَيرهَا وَلَيْسَ لَهَا الْإِجْبَار
وَفِيه وَجه أَنه لَا بُد من رِضَاهَا فَإِن عضلت يُزَوّجهَا وَليهَا بِرِضا السُّلْطَان وَيكون السُّلْطَان نَائِبا عَنْهَا فِي الرِّضَا الْوَاجِب عَلَيْهَا
وَإِن كَانَ للمعتقة أَب وَابْن فيزوجها فِي حَيَاتهَا الْأَب فَإِن مَاتَت يُزَوّج الابْن لِأَنَّهُ الْعصبَة الْآن وَقيل باستصحاب ولَايَة الْأَب وَهُوَ بعيد وَقيل يُزَوّجهَا ابْنهَا فِي حَال حَيَاتهَا كَمَا يُزَوّجهَا بعد مماتها وَهُوَ بعيد
الثَّانِي جَارِيَة أعتق نصفهَا يُزَوّجهَا الْمَالِك وعصبتها إِن قُلْنَا إِن مثل هَذِه الْجَارِيَة تورث وَإِن قُلْنَا لَا تورث فيزوجها الْمَالِك والقضاي وَقد قيل يُزَوّجهَا الْمُعْتق وَالْمَالِك
وَقيل لَا تزوج لعسر الْأَمر وَهُوَ بعيد والأحوط التَّزْوِيج بِاتِّفَاق الْجَمِيع

(5/70)


الْفَصْل الثَّالِث فِي سوالب الْولَايَة
وَهِي سَبْعَة
الأول الرّقّ فَلَا ولَايَة للرقيق على نَفسه فَكيف على غَيره نعم تصح عِبَارَته فِي شقي عقد النِّكَاح بِالْوكَالَةِ وَإِن لم يَأْذَن لَهُ سَيّده إِذْ لَا ضَرَر على سَيّده فِيهِ وَمِنْهُم من منع عِبَارَته فِي شقّ التَّزْوِيج وَزعم أَن نَائِب الْوَلِيّ يَنْبَغِي أَن يكون بِصفة الْوُلَاة بِخِلَاف نَائِب الزَّوْج
الثَّانِي كل مَا يقْدَح فِي النّظر كَالصَّبِيِّ وَالْجُنُون وَالْإِغْمَاء والعتة والسفه الْمُوجب للحجر وَالْمَرَض المؤلم الملهي عَن النّظر لِشِدَّتِهِ فَجَمِيع ذَلِك يسلب الْولَايَة وينقلها إِلَى الْأَبْعَد إِلَّا فِي الْإِغْمَاء وَالْجُنُون المتقطع ففيهما ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنَّهَا تنْتَقل إِلَى السُّلْطَان لِأَن زَوَالهَا منتظر كالغيبة
وَالثَّانِي أَنَّهَا تنْتَقل إِلَى الْأَبْعَد لِأَن الْغَيْبَة لَا تخل بِالنّظرِ وَالْجُنُون وَالْإِغْمَاء يخلان بِالنّظرِ
وَالثَّالِث أَن الْإِغْمَاء ينْتَقل إِلَى القَاضِي وَالْجُنُون إِلَى الْأَبْعَد

(5/71)


ثمَّ الْمغمى عَلَيْهِ ينْتَظر مِقْدَار مُدَّة سفر الْعَدْوى أَو سفر الْقصر كَمَا فِي مُدَّة الْغَائِب وَعِنْدِي أَن تَقْدِير الِانْتِظَار هَاهُنَا بِثَلَاثَة أَيَّام أولى
الثَّالِث الْعَمى وَفِيه وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه لَا يَلِي الْأَعْمَى لاختلال نظره
وَالثَّانِي يَلِي لِأَن مَقَاصِد النِّكَاح لَا ترتبط بالبصر
الرَّابِع الْفسق وَظَاهر نُصُوص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قَدِيما وجديدا أَنه يَلِي وَقَالَ لَا يَلِي السَّفِيه قَالَ الْقفال أَرَادَ بِهِ الَّذِي لَا ينظر لنَفسِهِ وَيدل على ولَايَة الْفَاسِق النَّاظر لدنياه ترك الْأَوَّلين النكير على سلاطين الظلمَة والفساق فِي التَّزْوِيج وَلِأَنَّهُ نَاظر لنَفسِهِ فَكَذَلِك لوَلَده فَإِنَّهُ من أهم أُمُوره الْخَاصَّة بِهِ وَلِأَن عود الْفسق بعد الْبلُوغ لَا يُعِيد الْحجر وفَاقا وَإِن كَانَ عود السَّفه يُعِيدهُ على وَجه مَعَ أَن اتِّصَال الْفسق بِالْبُلُوغِ يمْنَع

(5/72)


ارْتِفَاع الْحجر لِأَنَّهُ ثَبت بِيَقِين فَلَا يرْتَفع بِالشَّكِّ فِي الرشد واتصال الْفسق يُوجب الشَّك فَإِذا ارْتَفع بِيَقِين لم يعد أَيْضا بِالشَّكِّ بِسَبَب الْفسق وَالْمَشْهُور تَخْرِيج ولَايَة الْفَاسِق على قَوْلَيْنِ وَقيل شَارِب الْخمر لَا يَلِي خَاصَّة وَقيل ولَايَة الْإِجْبَار تسْقط بِالْفِسْقِ دون غَيره وَقيل عَكسه فَهَذِهِ خَمْسَة طرق

(5/73)


وَلَا خلاف فِي أَن المستور يَلِي لترك الْأَوَّلين النكير وتوكيل الْفَاسِق فِي العقد كتوكيل العَبْد وَفِيه خلاف على قَوْلنَا لَا يَلِي الْفَاسِق
فَأَما السَّكْرَان المختل الْعقل فَلَا يَصح تَزْوِيجه قولا وَاحِدًا وَلَا وَجه لبِنَاء ذَلِك على أَنه يسْلك بِهِ مَسْلَك الصاحي أم لَا فَإِن هَذَا يتَعَلَّق بِالنّظرِ للْغَيْر
الْخَامِس اخْتِلَاف الدّين يسلب النّظر فيسلب الْولَايَة الْخَاصَّة حَتَّى لَا يُزَوّج الْمُسلم ابْنَته الْكَافِرَة وَأما الْكَافِر فيزوج ابْنَته الْكَافِرَة من مُسلم قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَولي الْكَافِرَة كَافِر لِأَنَّهُ ينظر لوَلَده بِخِلَاف الْفَاسِق الْمُسلم على رَأْي وَقَالَ الْحَلِيمِيّ لَا يُزَوّج الْكَافِر إِذا قُلْنَا لَا يُزَوّج الْفَاسِق وَهَذَا خلاف النَّص
وَلَا يقبل الْمُسلم نِكَاح الْكَافِرَة من قَاضِي الْكفَّار لِأَنَّهُ لَا وَقع لقضائهم وَفِي كَلَام صَاحب التَّقْرِيب إِشَارَة إِلَى خِلَافه
السَّادِس غيبَة الْوَلِيّ وَهِي لَا تسلب الْولَايَة عندنَا لِأَن النّظر قَائِم وَلَكِن يَنُوب السُّلْطَان عَنهُ لتعذر الْأَمر لغيبته وَلذَلِك لَا يَنْعَزِل الْوَكِيل بطرآن الْغَيْبَة على الْمُوكل

(5/74)


وينعزل بطرآن الْجُنُون
ثمَّ السُّلْطَان يُزَوّج إِن كَانَ السّفر فَوق مَسَافَة الْقصر وَلَا يُزَوّج إِن كَانَ دون مَسَافَة الْعَدْوى وَهُوَ الَّذِي يرجع عَنهُ المبكر إِلَيْهِ قبل اللَّيْل وَفِيمَا بَينهمَا وَجْهَان يجريان فِي قبُول شَهَادَة الْفَرْع عِنْد غيبَة الأَصْل وَفِي الاستعداء عِنْد القَاضِي
ثمَّ إِذا طلبت من السُّلْطَان التَّزْوِيج قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا يُزَوّجهَا مَا لم يشْهد عَدْلَانِ أَنه لَيْسَ لَهُ ولي حَاضر وَلَيْسَت فِي زوجية وَلَا عدَّة فَمنهمْ من قَالَ ذَلِك وَاجِب احْتِيَاطًا للنِّكَاح خَاصَّة وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ اسْتِحْبَاب لِأَن اعْتِمَاد الْعُقُود على قَول أَرْبَابهَا وَكَذَلِكَ يحلفها القَاضِي على أَن وَليهَا لم يُزَوّجهَا فِي الْغَيْبَة إِن رأى ذَلِك
وَمثل هَذِه الْيَمين الَّتِي لَا تتَعَلَّق بِدَعْوَى اسْتِحْبَاب أَو إِيجَاب فِيهِ خلاف
السَّابِع الْإِحْرَام وَالْمحرم مسلوب الْعبارَة فِي عقد النِّكَاح بِالْوكَالَةِ والنيابة والاستقلال فِي شقي الْقبُول والإيجاب وَهل يمْنَع الرّجْعَة فِيهِ وَجْهَان
وَهل ينْعَقد النِّكَاح بِشَهَادَة الْمحرم فِيهِ خلاف للتردد فِي الرِّوَايَة إِذْ ورد فِي بَعْضهَا لَا ينْكح الْمحرم وَلَا يشْهد

(5/75)


وَهل تَنْقَطِع هَذِه التحريمات بالتحلل الأول فِيهِ وَجْهَان وَالْأَظْهَر أَنه لَا تَنْقَطِع لبَقَاء اسْم الْإِحْرَام
ثمَّ اخْتلفُوا فِي أَن الْولَايَة تنْتَقل إِلَى السُّلْطَان أَو إِلَى الْأَبْعَد ومأخذه أَنه كالغيبة أَو منَاف للولاية فَإِن قُلْنَا إِنَّه منَاف فَلَو أحرم الْمُوكل انْعَزل وَكيله وَإِن قُلْنَا لَا فَلَا يَنْعَزِل وَلَكِن قَالَ الصيدلاني يصبر الْوَكِيل إِلَى تحلل الْمُوكل إِذْ يبعد أَن يتعاطى عَنهُ فعلا فِي وَقت يعجز عَنهُ هُوَ فِي نَفسه

(5/76)


الْفَصْل الرَّابِع فِي تولي طرفِي العقد

أعلم أَن الْأَب يتَوَلَّى طرفِي البيع فِي مَال وَلَده وَكَذَا الْجد لقُوَّة الْولَايَة ولكثرة الْحَاجة فِي البيع وعسر مُرَاجعَة السُّلْطَان وَهل يتَوَلَّى الْجد طرفِي النِّكَاح فِي حفدته فِيهِ وَجْهَان مبنيان على أَن الْعلَّة فِي البيع قُوَّة الْولَايَة وَحدهَا أم مَعَ كَثْرَة الْحَاجة إِلَى البيع فَإِن النِّكَاح نَادِر
فَإِن قُلْنَا يتَوَلَّى فَهَل يَكْفِيهِ النُّطْق بِأحد الشقين فِيهِ وَفِي البيع ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا يَكْفِي لِأَن رِضَاهُ بِأحد الطَّرفَيْنِ رضَا بِالْآخرِ فَلَا معنى لجوابه نَفسه
وَالثَّانِي لَا لِأَن معنى التَّحْصِيل غير معنى الْإِزَالَة فَلَا بُد من لفظين

(5/77)


وَالثَّالِث أَنه لَا يَكْفِي فِي النِّكَاح للتعبد فِي صيغته بِخِلَاف البيع
وَإِن قُلْنَا لَا يتَوَلَّى فيفوض إِلَى السُّلْطَان أحد الطَّرفَيْنِ وَقيل إِنَّه يُوكل لِأَن الْجِهَة قَوِيَّة وَإِنَّمَا يحْتَاج إِلَى الْغَيْر لنظم التخاطب وللتعبد
فَأَما الْجِهَة الَّتِي لَا تفِيد الْإِجْبَار فَلَا تفِيد تولي الطَّرفَيْنِ للْعقد فَلَا يُزَوّج ابْن الْعم من نَفسه بل يُزَوجهُ من فِي دَرَجَته أَو السُّلْطَان وَلَا يَكْفِيهِ التَّوْكِيل فَإِن وَكيله بمثابته وَكَذَا الْمُعْتق وَالْقَاضِي وَالْحَاكِم الْمَنْصُوب عَن جِهَة القَاضِي يُزَوّج مِنْهُ لِأَن حكمه نَافِذ عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ من جِهَة السُّلْطَان لَا كَالْوَكِيلِ وَمِنْهُم من اسْتثْنى الإِمَام الْأَعْظَم وَقَالَ لَهُ تولي الطَّرفَيْنِ لقُوَّة الْإِمَامَة
وَالصَّحِيح أَن الْوَكِيل من الْجَانِبَيْنِ فِي النِّكَاح لَا يتَوَلَّى طرفِي العقد وَكَذَا فِي البيع وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يجوز للْوَلِيّ وَالْوَكِيل تولي طرفِي النِّكَاح دون البيع

(5/78)


الْفَصْل الْخَامِس فِي تَوْكِيل الْوَلِيّ وإذنه

أما الْوَلِيّ الْمُجبر فَلهُ التَّوْكِيل قطعا وَهل عَلَيْهِ تعْيين الزَّوْج قَولَانِ
احدهما لَا لَكِن على الْوَكِيل طلب الكفؤ فَإِن الْإِذْن يتَقَيَّد بالغبطة
وَالثَّانِي يَلِي لِأَن النّظر فِي أَعْيَان الْأَكفاء دَقِيق وَالنِّكَاح مخطر فَيَنْبَغِي أَن يَتَوَلَّاهُ الْوَلِيّ
أما الْمَرْأَة إِن أَذِنت للْوَلِيّ الَّذِي لَا يجْبر وَلم تعين فَفِيهِ قَولَانِ مرتبات وَأولى بِالْجَوَازِ لِأَن الْوَلِيّ ذُو خطّ فَينْظر بِخِلَاف الويكل
وَإِن صرحت بِإِسْقَاط الْكَفَاءَة تخير الْوَلِيّ وَهل يجب التعين مَعَ ذَلِك فِيهِ طَرِيقَانِ وَإِن قَالَت زَوجنِي مِمَّن شِئْت فَالصَّحِيح أَنه لَا يُزَوّج إِلَّا من كفؤ وَمَعْنَاهُ مِمَّن شِئْت من الْأَكفاء وَلَيْسَ لغير الْمُجبر التَّوْكِيل إِن منعت من ذَلِك وَإِن رضيت جَازَ وَإِن أطلقت الْإِذْن فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا لَا كَالْوَكِيلِ بِالْبيعِ
وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ على الْجُمْلَة ذُو ولَايَة وحظ

(5/79)


فرع

لَو عينت زوجا ورضيت بِالتَّوْكِيلِ فعين الْوَلِيّ فِي التَّوْكِيل ذَلِك جَازَ وَإِن اطلق فاتفق أَن زوج الْوَكِيل من الْمعِين فَفِي الصِّحَّة وَجْهَان وَوجه الْفساد صِيغَة التَّوْكِيل كَمَا لَو قَالَ الْوَلِيّ بِعْ مَال الطِّفْل بِالْغبنِ فَبَاعَ بالفبطة فَإِنَّهُ لَا يَصح ويتصل هَذَا النّظر فِي كَيْفيَّة تعَاطِي الْوَكِيل وَليقل الْوَلِيّ للْوَكِيل فِي الْقبُول زوجت فُلَانَة من فلَان وَلَا يقل مِنْك وَيَقُول الْوَكِيل قبلت لفُلَان فَلَو اقْتصر على قَوْله قبلت فَفِيهِ وَجْهَان لتردده بَينه وَبَين الْمُوكل وَلَو قَالَ قبلت لنَفْسي لم يَصح لَهُ وَلَا للْمُوكل لِأَنَّهُ مُخَالف للخطاب
وَلَو قَالَ زوجت مِنْك فَقَالَ قبلت وَنوى مُوكله لم يَقع للْمُوكل وَفِي البيع يَقع مثله للْمُوكل لِأَن مَعْقُود البيع قَابل للنَّقْل بِخِلَاف مَعْقُود النِّكَاح

(5/80)


الْفَصْل السَّادِس فِيمَا يجب على الْوَلِيّ

فَنَقُول أما غير الْمُجبر فَتجب عَلَيْهِ الْإِجَابَة إِذا طلبت إِن لم يكن فِي دَرَجَته غَيره فَإِن كَانَ فَهُوَ كشاهد لَا يتَعَيَّن وَفِيه خلاف فَإِن تعين وعضل وأحوجها إِلَى السُّلْطَان عصى لما فِيهِ من الْإِضْرَار وخرق الْمُرُوءَة وَالنَّهْي عَن العضل
وَأما الْمُجبر فَيجب عَلَيْهِ تَزْوِيج الْمَجْنُونَة إِذا تاقت وَلَا يجب التَّزْوِيج من الابْن الصَّغِير لِأَنَّهُ لَا يلْزمه الْمهْر والنفقه وَلَا يجب تَزْوِيج الْبِنْت إِلَّا إِذا ظَهرت الْغِبْطَة فَيحْتَمل الْإِيجَاب كَمَا إِذا طلب مَال الطِّفْل بِزِيَادَة فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ البيع وَيحْتَمل تَجْوِيز التَّأْخِير إِلَى بُلُوغهَا
وَأما مَال الطِّفْل فَلَا يجب على الْوَلِيّ أَن يكد نَفسه بِالتِّجَارَة والاستنماء وَلَكِن يجب

(5/81)


صونه عَن الضّيَاع وَقدر من الاستمناء الْمُعْتَاد الَّذِي يصونه عَن أَن تَأْكُله النَّفَقَة وَلَو طلب مَاله بِزِيَادَة وَجب البيع وَلَو بيع شَيْء بِأَقَلّ فَلهُ أَن يَشْتَرِي لنَفسِهِ فَإِن لم يرد فليشتر لطفله وَإِن قبل نِكَاح ابْنه لم يلْزمه الصَدَاق فِي الْجَدِيد لِأَنَّهُ لم يضمن وَفِي الْقَدِيم يصير بِالْعقدِ ضَامِنا وَهل يرجع بِهِ بعد الْبلُوغ فِيهِ احْتِمَال على الْقَدِيم وَإِن تبرم بِحِفْظ مَال الطِّفْل فَلهُ أَن يسْتَأْجر من مَال الطِّفْل من يعْمل لَهُ أَو يُطَالب السُّلْطَان بِأُجْرَة يقدرها لَهُ من مَال الطِّفْل إِن لم يجد متبراعا وَإِن وجد مُتَبَرعا فَالظَّاهِر أَنه لَا يُعْطي الْأُجْرَة بِخِلَاف الْأُم فَإِن إرضاعها بِالْأُجْرَةِ أولى من إِرْضَاع متبرعة أَجْنَبِيَّة لما فِيهِ من التَّفَاوُت الظَّاهِر

(5/82)


الْفَصْل السَّابِع فِي الْكَفَاءَة وخصالها

وَاعْلَم أَن الْكَفَاءَة حق الْمَرْأَة والأولياء فَلَو رَضوا بِغَيْر كفؤ جَازَ خلافًا للشيعة فَإِنَّهُم حرمُوا العلويات على غَيرهم وَكَيف يحرمن وَلم تحرم بَنَات رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على عُثْمَان وَعلي وَأبي الْعَاصِ وَأَيْنَ كفؤ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْعَالم قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ

(5/83)


كَيفَ كَانَ عَليّ كفؤ فَاطِمَة وَأَبوهُ كَافِر وأبوها سيد الْبشر وَلَو كَانَ يَكْفِي النّسَب فِي الْكَفَاءَة فَالنَّاس كلهم إولاد آدم عَلَيْهِ السَّلَام فَلم تفاوتوا وَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاطِمَة بنت قيس وَهِي قرشيه أَن تنْكح أُسَامَة وَهُوَ مولى
وَالصَّحِيح أَن الَّتِي لَا ولي لَهَا يُزَوّجهَا السُّلْطَان من غير كفؤ بِرِضَاهَا إِذْ لَا حَظّ للْمُسلمين فِي الْكَفَاءَة وَذكر الصيدلاني خِلَافه
ثمَّ الْكَفَاءَة ترجع إِلَى مَنَاقِب

(5/84)


وَالْمُعْتَبر مِنْهَا خمس التنقي من الْعُيُوب المثتبة للخيار وَالْحريَّة وَالنّسب وَالصَّلَاح فِي الدّين والتنقي من الْحَرْف الدنية وَالْجمال لَا يعْتَبر لِأَنَّهُ يرجع إِلَى ميل النَّفس واليسار يعْتَبر فِي أَضْعَف الْوَجْهَيْنِ وَلَعَلَّ ذَلِك قدر الْبَلَاغ دون التَّسَاوِي فِي الْمَقَادِير وَلَا مبالاة بالانتساب إِلَى الظلمَة بل إِلَى أرومة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِلَى الْعلمَاء لأَنهم وَرَثَة الْأَنْبِيَاء وَإِلَى الصلحاء الْمَشْهُورين

(5/85)


الَّذين لَا ينسى أَمرهم بعد الْمَوْت فَإِنَّهُ الْمُوجب للتفاوت
وَأما صَلَاح الزَّوْج فَيَكْفِي فِيهِ التنقي من الْفسق وَلَا تعْتَبر الْمُسَاوَاة فِي دَرَجَة الصّلاح والاشتهار
والحرف الدنية هِيَ الَّتِي تدل على سُقُوط النَّفس وأكثرها يرجع إِلَى مُلَابسَة القاذورات وَالرُّجُوع فِي تَفْصِيل جَمِيع ذَلِك إِلَى الْعَادَات

(5/86)


وَتَمام هَذَا النّظر بِثَلَاث مسَائِل

إِحْدَاهَا أَن هَذِه الْخِصَال تعْتَبر فِي تَزْوِيج الْبِنْت لَا فِي الابْن إِذْ لَا عَار على الرِّجَال فِي غشيان خسيسة نعم لَا تزوج مِنْهُ مَعِيبَة بالعيوب المثبتة للخيار وَلَا يتَصَوَّر تَزْوِيج الرقيقة مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يخَاف الْعَنَت وَفِي اعْتِبَار الْكَفَاءَة بجانبه أَيْضا وَجه بعيد
الثَّانِيَة هَذِه الْخِصَال هَل تجبر بالفضائل
ينظر فَإِن كَانَ الْفَائِت نسب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا يوازيها الانتساب إِلَى غَيره من الْعلمَاء والصلحاء وَهل يوازيه الصّلاح الظَّاهِر الْمَشْهُور فِي الْخطاب الْأَصَح أَنه لَا يوازيه وَقيل تجبر بِهِ وَاعْتمد فِيهِ هم عمر رَضِي الله عَنهُ بتزويج ابْنَته سلمَان الْفَارِسِي وبأمثال ذَلِك

(5/87)


وَأما الْعُيُوب فَلَا يجبرها غَيرهَا وَأما الْيَسَار فَيجْبر بِغَيْرِهِ والحرفة لَا تعَارض النّسَب وَرُبمَا يُعَارضهُ الصّلاح والمحكم فِي جَمِيع ذَلِك الْعَادَات وَنفي الْعَار
الثَّالِثَة إِذا زَوجهَا من غير كفؤ بَطل العقد على الصَّحِيح وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ فِي تَزْوِيج السليمة من الْمَعِيب قَوْلَيْنِ وَهُوَ أجْرى فِي سَائِر الْخِصَال ثمَّ قَالُوا إِن قُلْنَا ينْعَقد العقد فَهَل يثبت للْوَلِيّ الْفَسْخ قَولَانِ وأجروا ذَلِك وَإِن كَانَ عَالما بِهِ لِأَن الْحق للطفل فَلَا يسْقط بِعِلْمِهِ وَإِن بلغت فَهَل يثبت لَهَا الْخِيَار فَفِيهِ تردد وكل ذَلِك بعيد وَوَجهه أَن فِي النِّكَاح مصَالح خُفْيَة وَالْأَب مؤتمن غير مُتَّهم فَرُبمَا يتعاطى تَحْصِيل مصلحَة خُفْيَة قد تتقاضى ترك الْكَفَاءَة إِلَّا أَنه إِذا روعي ذَلِك فَلَا يتَّجه إِثْبَات الْخِيَار

(5/88)


الْفَصْل الثَّامِن فِي اجْتِمَاع الْأَوْلِيَاء فِي دَرَجَة وَاحِدَة

وَإِذا اجْتَمعُوا فَكل وَاحِد يسْتَقلّ لَكِن الأحب تَقْدِيم الأسن وَالْأَفْضَل فَإِن تزاحموا فَالْعقد إِلَى من تعين الْمَرْأَة فَإِن أَذِنت للْكُلّ أَقرع بَينهم فَإِن عقد من لم تخرج لَهُ الْقرعَة مبادرا انْعَقَد وَإِن زوج أحدهم من غير كفؤ بِرِضَاهَا قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ النِّكَاح مفسوخ فَقيل إِن مَعْنَاهُ أَن للآخرين فسخ العقد اعتراضا وَقيل مَعْنَاهُ أَنه لَا ينْعَقد لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى لُحُوق الْعَار بالولي قبل أَن يتدارك وَقيل الْمَسْأَلَة على قَوْلَيْنِ
فرع إِذا أَذِنت لوليين وَلم تعين الزَّوْج وجوزنا ذَلِك فعقد كل وَاحِد مِنْهُمَا مَعَ شخص فَإِن اتَّحد الْوَقْت تدافعا وَإِن لم يعلم السَّبق وَأمكن التوافق تدافعا أَيْضا إِذْ لَيْسَ نستيقن صِحَة نِكَاح أَحدهمَا فَإِن سبق أَحدهمَا وَتعين وَلَكِن نسيناه وَتعذر بَيَانه فَالنِّكَاح بَينهمَا مَوْقُوف وَلَا نبالي بتضررها طول الْعُمر كَمَا لَو غَابَ زَوجهَا وَلم تعرف حَيَاته وكما لَو انْقَطع دم الشَّابَّة بِمَرَض فَإِن عَلَيْهَا انْتِظَار سنّ اليائس من الضرار فِيهِ وَإِن علم السَّبق وَلَكِن لم يتَعَيَّن السَّابِق مِنْهُمَا أصلا وَحصل الْيَأْس من الْبَيَان فَقَوْلَانِ مبنيان على الْقَوْلَيْنِ فِي جمعتين عقدتا فِي بَلْدَة وَاحِدَة على هَذَا الْوَجْه وَهَاهُنَا أولى بِالْفَسْخِ لِأَن الصَّلَاة لَا تحْتَمل الْفَسْخ فَفِي قَول يتَوَقَّف كَمَا لَو تعين ثمَّ نسي وَفِي قَول يفْسخ لدوام الضرار وإطباق الْإِشْكَال من أول الْأَمر إِلَى آخِره وَيشكل على هَذَا إِذا تعين ثمَّ نسي وَقد قيل بطرد الْقَوْلَيْنِ فِيهِ لكنه غَرِيب

(5/89)


التَّفْرِيع حَيْثُ رَأينَا الْفَسْخ فقد حكى الصيدلاني عَن الْقفال أَنه يَنْفَسِخ وَلَا حَاجَة إِلَى إنْشَاء الْفَسْخ وَالأَصَح أَنه يحْتَاج إِلَى إنْشَاء الْفَسْخ ثمَّ فِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه يتَعَيَّن بِتَعْيِين القَاضِي لِأَنَّهُ مَحل التباس
وَالثَّانِي لَهَا الْإِنْشَاء لتضررها كَمَا فِي الْجب والعنة فَإِن الزَّوْج يقدر على الطَّلَاق
وَالثَّالِث أَن للزوجين أَيْضا الْفَسْخ
وَإِن تَأَخّر الْفَسْخ فنفقتها تقسم على الزَّوْجَيْنِ لِأَنَّهَا محبوسة بسببهما وَلَا مهر عَلَيْهِمَا إِذْ النَّفَقَة قد تجب بعلة الْحَبْس دون الْمهْر وَفِي النَّفَقَة وَجه منقدح أَنه تجب لِأَنَّهُ لَيْسَ الْحَبْس بتقصير مِنْهُمَا وَلَا النِّكَاح مستيقن فِي حق وَاحِد مِنْهُمَا
هَذَا كُله عِنْد الِاعْتِرَاف بالإشكال فَإِن ادّعى كل وَاحِد مِنْهُمَا أَنه السَّابِق قَالَ الصيدلاني لَيْسَ لأحد الزَّوْجَيْنِ أَن يَدعِي على الآخر إِذْ لَيْسَ فِي يَده شَيْء وَلَيْسَ أَحدهمَا بِأَن يكون مُدعيًا أولى من أَن يكون مدعى عَلَيْهِ
وَإِن ادّعى على الْوَلِيّ وَهُوَ غير مجبر لم يجز وَإِن كَانَ مجبرا فَوَجْهَانِ لااختصاص لَهما بِمحل التَّنَازُع
أَحدهمَا أَنه لَا يتَوَجَّه عَلَيْهِ أصلا إِذْ لَا حَظّ لَهُ فِي الْملك وَإِنَّمَا هُوَ عَاقد كَالْوَكِيلِ
وَالثَّانِي يتَوَجَّه لِأَن إِقْرَاره يقبل بِخِلَاف الْوَكِيل وَالَّذِي لَا يجْبر

(5/90)


قَالَ الإِمَام إِذا لم يُمكن دَعْوَى الْعلم على الْمَرْأَة فَلَا يبعد أَن يَدعِي أَحدهمَا على صَاحبه وَتجْعَل الْمَرْأَة كَمَال فِي يَد ثَالِث تداعاه رجلَانِ ثمَّ ذكر القَاضِي فِي الْبِدَايَة بالتحليف أَنه يقرع بَينهمَا
أما إِن ادّعى عَلَيْهِمَا الْعلم بِالسَّبقِ فلهَا ثَلَاثَة أَحْوَال
إِحْدَاهَا أَن تقر لوَاحِد وفرعنا على الصَّحِيح فِي صِحَة إِقْرَارهَا ثبتَتْ زوجيته فِي الْحَال لَكِن هَل للثَّانِي أَن يحلفها فِيهِ قَولَانِ مبنيان على أَن من أقرّ بِشَيْء لزيد ثمَّ أقرّ بِهِ لعَمْرو هَل يغرم للثَّانِي بالحيلولة فَإِن قُلْنَا يغرم فهاهنا أَيْضا يتَوَقَّع إِقْرَارهَا فيحلفها حَتَّى تقر فتغرم أَو تنكل فيستفيد الثَّانِي بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَة تغريمها
وَإِن قُلْنَا لَا تغرم فَلَا يحلفها إِذْ لَا فَائِدَة لَهُ فِي نكولها وَلَا فِي إِقْرَارهَا وَفِي الْقَدِيم قَول أَنه يحلفها حَتَّى يَسْتَفِيد بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَة إِن نكلت ثُبُوت الزَّوْجِيَّة لَهُ وَكَأن إِقْرَارهَا الأول لم يثبت زوجية الأول إِلَّا بِشَرْط الْحلف للثَّانِي فَأَما مَعَ النّكُول فَلَا وَهَذَا بعيد إِذْ نكولها كَيفَ يرد إِقْرَارهَا ويزاحمه
الْحَالة الثَّانِيَة أَن تنكر الْعلم بِالسَّبقِ وتحلف على نفي الْعلم فَيبقى التداعي بَين الزَّوْجَيْنِ وَذَلِكَ جَائِز وَإِن منعناه فِي الِابْتِدَاء قبل تَوْجِيه الدَّعْوَى عَلَيْهَا فَإِن الدَّعْوَى الْآن وجد مُتَعَلقا ثمَّ لم يفد قطع الْخُصُومَة وَقيل إِنَّه لَا يسمع تداعيهما كَمَا فِي الِابْتِدَاء ويكفيها يَمِين وَاحِدَة على نفي الْعلم إِن حضر الزَّوْجَانِ مَعًا وَإِن بَادر أَحدهمَا فَهَل للثَّانِي تحليفها مرّة أُخْرَى فِيهِ وَجْهَان يجريان فِي كل شَرِيكَيْنِ يدعيان شَيْئا وَاحِدًا

(5/91)


الْحَالة الثَّالِثَة أَن تنكر وتنكل حلف الْمُدَّعِي على السَّبق وَلَا يتَعَرَّض لعلمهما فَإِن ذَلِك شَرط فِي الدَّعْوَى لترتبط بهَا الدَّعْوَى
هَذَا كُله إِذا ادعِي عَلَيْهَا الْعلم فَإِن أطلق دَعْوَى الزوجيه فَفِي سَماع الدَّعْوَى الْمُطلقَة خلاف وَالله تَعَالَى أعلم

(5/92)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الْمولي عَلَيْهِ وَفِيه فُصُول ثَلَاثَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الأول فِي الْمولي عَلَيْهِ بالجنون

وَفِيه مسَائِل ثَلَاثَة
الأولى الْبكر الْمَجْنُونَة لَا شكّ فِي أَن الْأَب يُزَوّجهَا لَكِن الثّيّب إِن كَانَت كَبِيرَة يُزَوّجهَا بِمُجَرَّد الْمصلحَة من غير حَاجَة على الْأَصَح وَقيل لَا يُزَوّجهَا لِأَن الْأَب فِي حق الثّيّب كالأخ وَهُوَ لَا يُزَوّجهَا
وَأما الثّيّب الصَّغِيرَة الْمَجْنُونَة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يُزَوّجهَا كالعاقلة وَبِخِلَاف الْبَالِغَة فَإِنَّهَا فِي مَظَنَّة الشَّهْوَة على الْجُمْلَة وَإِن لم يشْتَرط ظُهُور حَاجَة الشَّهْوَة فِي حق الْأَب
وَالصَّحِيح أَنَّهَا إِذا بلغت عَاقِلَة ثمَّ عَاد الْجُنُون عَاد ولَايَة الْبضْع وَإِن كَانَ فِي عود ولَايَة المَال خلاف لِأَن تَفْوِيض الْبضْع إِلَى السُّلْطَان مَعَ حَيَاة الْأَب قَبِيح
الثَّانِيَة للْأَب التَّزْوِيج من الابْن الْكَبِير الْمَجْنُون وَفِي الصَّغِير وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنه تكْثر عَلَيْهِ الْمُؤَن وَخرج بالجنون عَن مَظَنَّة الاستصلاح وَبِالْجُمْلَةِ تَزْوِيج الْبِنْت

(5/93)


الصَّغِيرَة أولى من التَّزْوِيج من الابْن
ثمَّ لَا يَنْبَغِي أَن يُزَاد فِي التَّزْوِيج من الْمَجْنُون على وَاحِدَة وَظَاهر الْمَذْهَب أَنه يُزَوّج من الصَّغِير الْعَاقِل أَربع لِأَنَّهُ فِي مَظَنَّة الاستصلاح وَفِيه وَجه أَنه لَا يزِيد على وَاحِدَة أَيْضا
الثَّالِثَة إِذا لم يكن للمجنونة أَب وَلَا جد يُزَوّجهَا السُّلْطَان أَو الْعَصَبَات فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا الْعَصَبَات لأَنهم على الْجُمْلَة ذُو حَظّ وشفقتهم أكمل نعم السُّلْطَان يَنُوب عَنْهَا فِي الرِّضَا
وَالثَّانِي أَن السُّلْطَان يُزَوّجهَا كَمَا أَنه يَلِي مَالهَا نعم قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يُرَاجع أهل الرَّأْي من أقاربها ويشاورهم وَاخْتلفُوا فِي أَن ذَلِك إِيجَاب أَو اسْتِحْبَاب فَإِن جَعَلْنَاهُ إِيجَابا رَجَعَ الْأَمر إِلَى أَنه لَا بُد من رضَا الْوَلِيّ وَالسُّلْطَان وَيرجع الْخلاف إِلَى تعْيين من يتعاطى العقد
ثمَّ هَل يشْتَرط فِي تزويجهم حكم الْأَطِبَّاء بِظُهُور حَاجَتهَا إِلَى الْوَطْء وَجْهَان
أَحدهمَا لَا يشْتَرط بل يجوز بالاستصلاح كَمَا يجوز للْأَب
وَالثَّانِي نعم إِذْ لَيْسَ لهَؤُلَاء رُتْبَة الْإِجْبَار فَلَا يقدمُونَ عَلَيْهِ إِلَّا عَن ضَرُورَة

(5/94)


الْفَصْل الثَّانِي فِي الْمولي عَلَيْهِ بالسفه

فَإِذا بلغ الصَّبِي سَفِيها لم يجْبرهُ الْوَلِيّ على النِّكَاح لِأَنَّهُ بَالغ وَلَا يسْتَقلّ هُوَ بِالنِّكَاحِ لِأَنَّهُ سَفِيه لَكِن ينْكح بِإِذن الْوَلِيّ وَعبارَته صَحِيحَة ويستقل بِالطَّلَاق لِأَنَّهُ لَا ينْدَرج تَحت الْحجر وَمهما التمس النِّكَاح بعلة الْحَاجة وَجب الْإِسْعَاف لِأَنَّهُ أعرف بحاجته فَإِن التمس بعلة الْمصلحَة فَفِي وجوب إسعافه تردد وَلِأَنَّهُ بَين الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَهُوَ أولى بالاستصلاح من الْمَجْنُون وَإِذا وَجب الْإِجَابَة فَامْتنعَ الْوَلِيّ فَليُرَاجع السُّلْطَان فَإِن لم يجد السُّلْطَان فَفِي صِحَة استقلاله تردد بِخِلَاف مَا إِذا اسْتَقل بشرَاء الطَّعَام فِي مثل هَذِه الصُّورَة لِأَن الطَّعَام فِي مَحل الضَّرُورَة دون الوقاع وَلذَلِك يجب على الْأَب الْإِنْفَاق على الابْن دون الإعفاف
وَمهما اسْتَقل دون مُرَاجعَة الْوَلِيّ لم ينْعَقد النِّكَاح فَإِن وطئ فَفِي الْمهْر ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا لَا يجب كَمَا إِذا اشْترى وأتلف فَإِن البَائِع هُوَ الَّذِي قصر وسلط
وَالثَّانِي يجب إِذْ تعرية الْوَطْء عَن الْمهْر غير مُمكن تعبدا

(5/95)


وَالثَّالِث يَكْتَفِي بِأَقَلّ مَا يتمول لحق التَّعَبُّد وَحقّ السَّفِيه وَأما السَّفه فِي جَانبهَا فَلَا يظْهر لَهُ أثر
فرع يَنْبَغِي للْوَلِيّ أَن يعين الْمهْر وَالْمَرْأَة جَمِيعًا إِذا أذن فَإِن عين الْمَرْأَة دون الْمهْر جَازَ وَتعين مهر الْمثل إِنَّه زَاد سَقَطت الزِّيَادَة وَصَحَّ العقد وَإِن عين الْمهْر وَزَاد ثمَّ يثبت وَصَحَّ العقد بِخِلَاف الْوَكِيل إِذا زَاد لِأَنَّهُ عَاقد لنَفسِهِ ومقصود الْإِذْن رفع الْحجر ثمَّ الْغِبْطَة تعين مِقْدَار الْمهْر

أما إِذا عين امْرَأَة فنكح غَيرهَا لم يَصح لِأَنَّهُ حاد عَن الأَصْل والمصلحة تَتَفَاوَت بِهِ كَمَا أَن الزِّيَادَة أَيْضا لَا تصح وَإِن صَحَّ العقد دونهَا
أما إِذا أذن مُطلقًا وَلم يعين الْمَرْأَة فَفِي صِحَة هَذَا الْإِذْن وَجْهَان لمُخَالفَته للْمصْلحَة غَالِبا فَإِن قُلْنَا يَصح فَلهُ أَن ينْكح من شَاءَ بِمهْر الْمثل بِشَرْط أَن لَا ينْكح شريفة يسْتَغْرق مهرهَا جَمِيع مَاله فَإِن ذَلِك يُخَالف الْغِبْطَة وَالْإِذْن الْمُطلق ينزل على الْغِبْطَة أما الْمَرْأَة فالشفة فِي حَقّهَا لَا يُؤثر فِي تَغْيِير أَمر الْولَايَة

(5/96)


الْفَصْل الثَّالِث فِي الْمولي عَلَيْهِ بِالرّقِّ

وَللسَّيِّد إِجْبَار الْأمة على النِّكَاح وَهل لَهُ إِجْبَار العَبْد فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا نعم كالأمة
وَالثَّانِي لَا لِأَن مستمتعه غير مَمْلُوك لَهُ وَلَا هُوَ أهل للنَّظَر لَهُ
وَالثَّالِث أَنه يجْبر نظرا إِلَيْهِ دون الْكَبِير وَهل للْعَبد إِجْبَار السَّيِّد على التَّزْوِيج مِنْهُ فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا نعم لِأَن مَنعه يورطه فِي الْفُجُور وَالرّق لَا آخر لَهُ وَلَا بُد من التحصن
وَالثَّانِي لَا لِأَن ذَلِك يشوش مَقَاصِد الرّقّ
وَلَعَلَّ الْأَصَح أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا لَا يجْبر الاخر بل لَا بُد من تراضيهما وَهَذَا خلاف جَار فِي أَنه هَل يجب تَزْوِيج الْأمة إِذا طلبت وَهُوَ أبعد لِأَن لَهَا مطمعا فِي الِاسْتِمْتَاع بالسيد
ثمَّ تَزْوِيج الْمَالِك رقيقَة حَيْثُ قُلْنَا بِهِ طَريقَة الْولَايَة أَو الْملك فِيهِ وَجْهَان

(5/97)


أَحدهمَا أَنه الْملك إِذْ لَا قرَابَة لَهُ حَتَّى ينظر لَهُ وَإِن نظر فَينْظر لمصَالح ملكه وَقد لَا تكون مصلحَة ملكه مصلحَة للرقيق فِي نَفسه
وَالثَّانِي أَنه بطرِيق الْولَايَة لِأَن مستمتع العَبْد لَا يملكهُ ومستمتع الْأمة وَإِن ملكه فَلَيْسَ الْمَنْقُول إِلَى الزَّوْج ملكه وَلذَلِك يملك الزَّوْج مَا لَا يملكهُ من طَلَاق وظهار وَلَا يقدر الزَّوْج على نقل الْبضْع من نَفسه وَلَا هُوَ واطئ بِملك الْيَمين وَلذَلِك لَا يجوز لَهُ تَزْوِيجهَا من معيب بالعيوب الْخَمْسَة فَإِن فعل فلهَا الْخِيَار وَلَا خِيَار للسَّيِّد إِذا جهل ذَلِك لِأَنَّهُ مَأْخُوذ من دفع ضرار الِاسْتِمْتَاع وَلَو بَاعهَا من معيب فَلَيْسَ لَهَا الْخِيَار
فَإِن قُلْنَا إِنَّه بِالْولَايَةِ فَلَا يُزَوّج الْفَاسِق أمته وَعَبده إِن قُلْنَا لَا يَلِي الْفَاسِق
وَلَا يُزَوّج الْمُسلم رَقِيقه الْكَافِر أمة كَانَت أَو عبدا وَلَا الْكَافِر يجْبر رَقِيقه الْمُسلم لَكِن يرضى فَيسْقط حَقه وينكح العَبْد انفسه
فروع ثَلَاثَة

الأول الْوَلِيّ هَل يُزَوّج رَقِيق طِفْله فِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا نعم لِأَنَّهُ من مصَالح المَال
وَالثَّانِي لَا لِأَن مصلحَة المَال لَا تَقْتَضِي النِّكَاح
وَالثَّالِث أَنه يُزَوّج الْأمة لحظ الْمُؤْنَة دون العَبْد
الثَّانِي أمة الْمَرْأَة يُزَوّجهَا وَليهَا بِرِضَاهَا وَقَالَ صَاحب التَّلْخِيص يُزَوّجهَا السُّلْطَان بِرِضَاهَا إِذْ وَليهَا لَيْسَ مَالِكهَا وَلَا وَلَاء لَهَا وَهَذَا لَهُ وَجه على قَوْلنَا إِن تَزْوِيج الرَّقِيق

(5/98)


بِالْملكِ لَا بِالْولَايَةِ ثمَّ لَا يجْبر الْوَلِيّ أمة الْبكر الْبَالِغَة وَإِن أجبرها فَلَا يَكْتَفِي بسكوتها فِي أمتها وَإِن اكْتفي بذلك فِي نَفسهَا
الثَّالِث قَالَ ابْن الْحداد الْمُعتقَة فِي الْمَرَض لَا يُزَوّجهَا قريبها لِأَنَّهُ رُبمَا ينقص المَال وَيَمُوت الْمَرِيض وتعود رقيقَة فَمن الْأَصْحَاب من خَالفه وَقَالَ يَنْبَنِي التَّصَرُّف على الْحَال كَمَا لَو وهب الْمَرِيض جَازَ للمتهب وَطْؤُهَا مَعَ هَذَا الِاحْتِمَال لَكِن قِيَاس ابْن الْحداد يَقْتَضِي الْمَنْع فِي هَذَا أَيْضا وَيحسن هَذَا الِاحْتِيَاط للبضع إِذا كَانَ الْمَرَض مخطرا أَولا مَال لَهُ سواهُ إِذْ يظْهر هَذَا الِاحْتِمَال

(5/99)


الْقسم الثَّالِث من الْكتاب فِي الْمَوَانِع للنِّكَاح فِي الناكح والمنكوحة

وَهِي أَرْبَعَة أَجنَاس
الأول مَا يُوجب الْمَحْرَمِيَّة
وَالثَّانِي مَا يتَعَلَّق بِعَدَد وَلَا يُوجب حُرْمَة مُؤَبّدَة
وَالثَّالِث الرّقّ وَالْملك
وَالرَّابِع الْكفْر

(5/100)


الْجِنْس الأول الْمَحْرَمِيَّة

وَذَلِكَ يحصل بِنسَب أَو رضَاع أَو مصاهرة
الْمَانِع الأول النّسَب وَيحرم جَمِيع الْأَقَارِب إِلَّا أَوْلَاد الْأَعْمَام والعمات والأخوال والخالات وأصناف الْمُحرمَات سَبْعَة ذكرهن الله تَعَالَى فِي قَوْله {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم} الْآيَة
أما الْأُم فَهِيَ كل أُنْثَى انْتَهَيْت إِلَيْهَا بِالْولادَةِ بِوَاسِطَة أَو غير وَاسِطَة كَانَت الْوَاسِطَة ذكرا أَو أُنْثَى واندرجت تَحْتَهُ الْجدَّات
وَأما الْبِنْت فَهِيَ كل أُنْثَى تَنْتَهِي إِلَيْك بِالْولادَةِ بِوَاسِطَة وَغير وَاسِطَة كَمَا سبق واندرج فِيهِ الأحفاد

(5/101)


وَأما الْأُخْت فَهِيَ كل أُنْثَى وَلَدهَا أَبوك وأمك أَو أَحدهمَا وَبَنَات الْأَخ وَبَنَات الْأُخْت كبناتك مِنْك
والعمة كل امْرَأَة وَلَدهَا أجدادك أَو جداتك من قبل الْأَب وَلَا يحرم أَوْلَادهَا
وَالْخَالَة كل امْرَأَة وَلَدهَا أجدادك أَو جداتك من قبل الْأُم
والفظ الْجَامِع أَنه يحرم على الرجل أُصُوله وفصوله وفصول أول أُصُوله وَأول فصل من كل أصل بعده أصل

(5/102)


فرع
إِذا ولدت من الزِّنَا لم يحل لَهَا نِكَاح وَلَدهَا والمخلوقة من مَاء الزِّنَا لَا يحرم نِكَاحهَا على الزَّانِي لِأَنَّهَا تنفصل عَن الْأُم وَهِي إِنْسَان وَبَعض مِنْهَا وتنفصل عَن الْفَحْل وَهُوَ نُطْفَة فعلة تَحْرِيمه النّسَب الشَّرْعِيّ وَقد انْتَفَى وَلَو كَانَ بَعْضًا حَقِيقِيًّا مِنْهُ لما انْعَقَد ولد الْحر رَقِيقا فِي مَنْكُوحَة رقيقَة كَمَا لَا تَلد الْحرَّة رَقِيقا من زوج رَقِيق
أما المنفية بِاللّعانِ فَهَل تحرم على النَّافِي فِيهِ وَجْهَان وَجه التَّحْرِيم أَنَّهَا عرضة اللحوق بِسَبَب الْفراش إِن كذب نَفسه

(5/103)


الْمَانِع الثَّانِي الرَّضَاع قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب فَتحرم مِنْهُ الْأُم وَالْبِنْت وَالْأَخ وَالْأُخْت وبناتهما والعمة وَالْخَالَة
وأمك كل امْرَأَة أَرْضَعتك أَو أرضعت من أَرْضَعتك أَو أرضعت من يرجع نسبك إِلَيْهِ من جِهَة أَبِيك أَو أمك وَكَذَلِكَ كل امْرَأَة يرجع نسب الْمُرضعَة إِلَيْهَا
وكل امْرَأَة يرجع نَسَبهَا إِلَى هَذِه الْمُرضعَة من قبل أَبِيهَا أَو أمهَا فَهِيَ أختك وَكَذَلِكَ كل

(5/104)


امْرَأَة أرضعتها أمك بلبان أَبِيك فَهِيَ أختك من الْأَب وَالأُم وَإِن أرضعتها أمك بلبان غير أَبِيك فَهِيَ أختك من الْأُم وَإِن أرضعتها أجنيبة بلبان أَبِيك فَهِيَ أختك من الْأَب وَكَذَلِكَ قِيَاس العمات وَسَيَأْتِي فِي كتاب الرَّضَاع شَرحه
فرع لَو اخْتلطت أُخْته من الرَّضَاع بِأَهْل بلد أَو قَرْيَة لَا ينحصرون فِي الْعَادة فَلهُ أَن ينْكح من شَاءَ كَمَا لَو غصب شَاة فِي بَلْدَة فَلَا يحرم عَلَيْهِ اللَّحْم

(5/105)


وَلَو اخْتلطت بِعشر أَو عشْرين أَو عدد مَحْصُور على الْجُمْلَة فَيلْزمهُ اجْتِنَاب الْكل لِأَن يَقِين التَّحْرِيم عَارض يقيت الْحل فِي عدد وَقيل يجوز الهجوم وَهُوَ بعيد
الْمَانِع الثَّالِث الْمُصَاهَرَة والمحرمات بالمصاهرة أَربع
أم الزَّوْجَة وجداتها من الرَّضَاع وَالنّسب
وبنتها وحفدتها من الرَّضَاع وَالنّسب
وَزَوْجَة الابْن والحفدة
وَزَوْجَة الْأَب وَالْجد
وَيحرم الْجَمِيع بِمُجَرَّد النِّكَاح إِلَّا بنت الزَّوْجَة فَلَا تحرم إِلَّا بِالدُّخُولِ قَالَ الله تَعَالَى {وربائبكم اللَّاتِي فِي حجوركم من نِسَائِكُم اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهن}
وَالْوَطْء الْحَلَال بِملك الْيَمين وَالْوَطْء بِالشُّبْهَةِ يحرم الْأَرْبَع كَالْوَطْءِ فِي النِّكَاح

(5/106)


بِخِلَاف الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا يحرم خلافًا لأبي حنيفَة إِذْ الشُّبْهَة كالحقيقة فِي جلب الْمُحرمَات كالعدة وَالْمهْر وَالنّسب وَسُقُوط الْحَد لَكِن يرجع فِي وجوب الْمهْر إِلَى الِاشْتِبَاه عَلَيْهَا فَقَط وَينظر فِي ثُبُوت النّسَب وَالْعدة إِلَى الِاشْتِبَاه عَلَيْهِ وَقيل فِي الْمُصَاهَرَة إِنَّه تَكْفِي الشُّبْهَة من أحد الْجَانِبَيْنِ وَقيل لَا بُد من الِاشْتِبَاه على الرجل لِأَنَّهُ قرينَة النّسَب فِي كتاب الله تَعَالَى وَقيل لَا بُد فِيهِ من الِاشْتِبَاه عَلَيْهِمَا جَمِيعًا

(5/107)


وَالصَّحِيح أَن مُجَرّد الْمُلَامسَة لَا يقوم مقَام الْوَطْء فِي تَحْرِيم الْمُصَاهَرَة كَانَت بِالشُّبْهَةِ أَو فِي النِّكَاح وَفِيه قَول آخر أَنه يلْتَحق بِهِ وَقيل يطرد ذَلِك القَوْل فِي النّظر بِالشُّبْهَةِ أَيْضا

(5/108)


الْجِنْس الثَّانِي مَا يتَعَلَّق بتعبد عددي وَلَا تتأبد بِهِ الْحُرْمَة

وَهِي ثَلَاث
الْمَانِع الأول نِكَاح الْأُخْت فِي عدَّة الْأُخْت

قَالَ الله تَعَالَى {وَأَن تجمعُوا بَين الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قد سلف} فَقيل أَرَادَ مَا سلف قبل التَّحْرِيم فَلَا يرد وَقيل مَا سلف فِي الْجَاهِلِيَّة
ثمَّ ألحق بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَمِيع الْمَحَارِم فَقَالَ لَا تنْكح الْمَرْأَة على عَمَّتهَا وَلَا على خَالَتهَا وَالضَّابِط أَن كل شَخْصَيْنِ بَينهمَا قرَابَة أَو رضَاع لَو كَانَ أَحدهمَا ذكرا وَالْأُخْرَى أُنْثَى حرم النِّكَاح بَينهمَا فَلَا يجوز الْجمع بَينهمَا

(5/109)


واحترزنا بِالْقَرَابَةِ وَالرّضَاع عَن الْجمع بَين الْمَرْأَة وَأم زَوجهَا أَو ابْنة زَوجهَا فَإِن ذَلِك جَائِز وَإِن كَانَ النِّكَاح يحرم بَينهمَا لَو كَانَ أَحدهمَا ذكرا
ثمَّ ألحق الْفُقَهَاء ملك الْيَمين بِالنِّكَاحِ حَتَّى قَالُوا لَو اشْترى أمة وَوَطئهَا حرمت عَلَيْهِ أُخْتهَا وخالتها وعمتها فَإِن ملك الْجَمِيع فَمَا لم يحرم الْمَوْطُوءَة على نَفسه بِبيع أَو عتق أَو تَزْوِيج أَو كِتَابَة فَلَا يحل لَهُ وَطْء الْبَاقِيَات وَلَا تقوم الْعَوَارِض الْمُحرمَة مقَام البيع كالحيض وَالْعدة بِالشُّبْهَةِ وَالرِّدَّة وَالْإِحْرَام وَفِي الرَّهْن وَالْبيع بِشَرْط الْخِيَار خلاف وَتحل الْأُخْت بِالطَّلَاق الْبَائِن وَلَا تحل بِالطَّلَاق الرَّجْعِيّ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا تحل أَيْضا بالبائن وَكَذَا الْخلاف فِي نِكَاح الْخَامِسَة
فرع لَو وطئ أمة ثمَّ نكح أُخْتهَا الْحرَّة صَحَّ النِّكَاح وَحرمت الْأمة وَلَيْسَ كَمَا لَو

(5/110)


نَكَحَهَا ثمَّ نكح عَلَيْهَا أُخْتهَا فَإِن الطَّارِئ لَا يَصح لِأَن ملك الْيَمين ضَعِيف فِي مَقْصُود الْوَطْء فَلَا يدْفع النِّكَاح الْمَقْصُود بل يدْفع بِهِ حلّه
وَلَو اشْترى الرجل منكوحته صَحَّ الشِّرَاء وانفسخ النِّكَاح لِأَن ملك الْيَمين أقوى فِي نَفسه

(5/111)


الْمَانِع الثَّانِي

الزِّيَادَة على الْأَرْبَع مُمْتَنع على الْحر وَالثَّالِثَة فِي حق العَبْد كالخامسة فِي حق الْحر فَلَا يزِيد العَبْد على اثْنَتَيْنِ وَقَالَ مَالك ينْكح العَبْد أَرْبَعَة
فرع لَو نكح خمْسا فِي عقد فَالْعقد بَاطِل فِيهِنَّ وَلَو كَانَ فِيهِنَّ أختَان بَطل فيهمَا وَفِي الْبَاقِيَات قولا تَفْرِيق الصَّفْقَة وَكَذَا لَو جمع بَين مُعْتَدَّة وخلية من الْعدة فَفِي الخلية الْقَوْلَانِ

(5/112)


الْمَانِع الثَّالِث اسْتِيفَاء عدد الطَّلَاق

فَلَا تحل الْمُطلقَة ثَلَاثًا حَتَّى تنْكح زوجا غَيره ويطأ فِي نِكَاح صَحِيح ثمَّ يطلقهَا وتنقضي عدتهَا وَلَا يحصل بِالْوَطْءِ فِي ملك الْيَمين وَالْمذهب أَنه لَا يحصل بِالْوَطْءِ فِي نِكَاح فَاسد وَيحصل بِوَطْء الصَّبِي ونزولها على الزَّوْج وَهُوَ نَائِم وبالاستدخال خَال من غير انتشار وَفِيه وَجه بعيد وَيحصل بِمُجَرَّد تغييب الْحَشَفَة أَو مِقْدَار الْحَشَفَة من مَقْطُوع الْحَشَفَة وَمِنْهُم من قَالَ لَا بُد من تغييب الْجَمِيع إِذا زَالَت الْحَشَفَة
وَمن لطائف الْحِيَل للفرار من الغيظ أَن يَشْتَرِي عبدا صَغِيرا ويزوجها مِنْهُ ثمَّ يستدخل زبيبة الصَّغِير وَلَو مَعَ حَائِل من ثوب ثمَّ يَبِيع العَبْد مِنْهَا حَتَّى يَنْفَسِخ النِّكَاح فَيحصل التَّحْلِيل إِلَّا إِذا قُلْنَا لَا يجوز إِجْبَار الصَّغِير
فَإِن قيل فَمَا معنى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لعن الله الْمُحَلّل والمحلل لَهُ

(5/114)


قُلْنَا قيل أَرَادَ بِهِ طَالب الْحل من نِكَاح الْمُتْعَة وَهُوَ الْمُؤَقت رسما وَسمي محللا وَإِن لم يحلل لَهُ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدهُ وَيطْلب الْحل مِنْهُ وَأما طَالب الْحل من طَرِيقه فَلَا يسْتَوْجب اللَّعْن وَقيل إِنَّمَا لعن مَعَ حُصُول التَّحْلِيل لِأَن التمَاس ذَلِك هتك للمروءة والملتمس هُوَ الْمُحَلّل لَهُ وإعارة النَّفس فِي الْوَطْء لعرض الْغَيْر أَيْضا رذيلة فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَطَؤُهَا ليعرضها لوطء الْغَيْر وَهُوَ قلَّة حمية وَلذَلِك قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام ذَلِك هُوَ التيس الْمُسْتَعَار

(5/115)


وَإِنَّمَا يكون ذَلِك مستعارا إِذا سبق مِنْهُ التمَاس من الْمُطلق وَمن عرض الْوَطْء الْغَيْر من هِيَ منكوحته أَو من كَانَت منكوحته أَو سَتَكُون منكوحته فَهُوَ مزموم جدا فَلَا يبعد أَن يلعن وَلَا يَقْتَضِي هَذَا اللَّعْن بطلَان العقد لِأَنَّهُ سَمَّاهُ مَعَ ذَلِك محللا إِلَّا أَنه إِذا شَرط الطَّلَاق فِي نفس العقد فَإِنَّهُ يفْسد على وَجه كالتأقيت وَلَا يفْسد على وَجه لِأَنَّهُ شَرط فَاسد كَمَا لَو شَرط أَن لَا يتسرى عَلَيْهَا وَلَا يُسَافر بهَا وكسائر الشَّرَائِط الْمفْسدَة للمهر
وَأما التَّأْقِيت فَإِنَّهُ وضع للْعقد قاصرا على مُدَّة وَلَا يُمكن الِاقْتِصَار وَلَا التسرية
أما إِذا قَالَ بِشَرْط أَن لَا تحل لَك فَيَنْبَغِي أَن يفْسد لِأَنَّهُ يَجْعَل اللَّفْظ متناقضا وَلَو قَالَ بِشَرْط أَن لَا تطأها فَفِيهِ وَجْهَان

(5/116)


وَهَذِه الشُّرُوط إِذا لم تقارن العقد لَا تضر وَفِيه وَجه بعيد أَن الْمُقدم كالمقارن أخذا من مهر السِّرّ وَالْعَلَانِيَة كَمَا سَيَأْتِي وعَلى هَذَا لَا يَصح التَّحْلِيل بالالتماس إِلَّا إِذا زوج مُطلقًا ثمَّ التمس الطَّلَاق بعد العقد

(5/117)


الْجِنْس الثَّالِث من الْمَوَانِع الرّقّ وَالْملك

أما الرّقّ فمانع على الْجُمْلَة عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي بعض الْأَحْوَال فَلَا يجوز للْحرّ الْمُسلم أَن ينْكح الْأمة إِلَّا بِخَمْسَة شَرَائِط
ثَلَاثَة فِيهِ وَهُوَ فقد الْحرَّة تَحْتَهُ وفقد طول الْحرَّة وَخَوف الْعَنَت
وَاثْنَانِ فِي الْأمة وَهِي أَن تكون مسلمة ومملوكة لمُسلم
الشَّرْط الأول أَلا يكون تَحْتَهُ حرَّة فَإِن كَانَت تَحْتَهُ رتقاء أَو هرمة أَو غَائِبَة أَو كِتَابِيَّة لم يجز أَيْضا نِكَاح الْأمة بل يجب عَلَيْهِ طَلاقهَا بِخِلَاف مَا إِذا وجد مَالا وَلكنه

(5/118)


غَائِب فَإِنَّهُ كالفاقد للطول
الشَّرْط الثَّانِي فقد طول الْحرَّة فَمن لَيْسَ تَحْتَهُ حرَّة وَلكنه قَادر عَلَيْهَا لم يجز لَهُ نِكَاح الْأمة لقَوْله تَعَالَى {وَمن لم يسْتَطع مِنْكُم طولا أَن ينْكح الْمُحْصنَات} الْآيَة
وَيجوز للْمُفلس نِكَاح الْأمة وَإِن وجد حرَّة ترْضى بِمهْر مُؤَجل جَازَ لِأَن الْأَجَل سيحل وَهُوَ مُعسر وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ لَهُ مَال غَائِب وَهُوَ يخَاف الْعَنَت فِي الْحَال قبل الْقُدْرَة على المَال وَكَذَلِكَ إِذا رضيت الْحرَّة بِدُونِ مهر الْمثل وَملك ذَلِك الْقدر لِأَنَّهُ لَا يلْزمه تحمل الْمِنَّة وَفِيه وَجه آخر اخْتَارَهُ الصيدلاني أَنه لَا يجوز لَهُ نِكَاح الْأمة لِأَن الْمِنَّة بِالْمهْرِ مستحقر فِي النِّكَاح بِخِلَاف الْمِنَّة فِي بيع المَاء وَالثَّوْب السَّاتِر للعورة فِي الصَّلَاة
وَلَو وجد مَالا وَلم يجد حرَّة ينْكِحهَا جَازَ لَهُ نِكَاح الْأمة وَلَو لم يجد إِلَّا حرَّة تغاليه فِي الْمهْر مغالاة يعد احْتِمَال ذَلِك سَرفًا بِالْإِضَافَة إِلَى مَقَاصِد النِّكَاح فَلهُ نِكَاح الْأمة وَإِن كَانَ ذَلِك قدرا قَرِيبا لم يرخص بِسَبَبِهِ
وَكَذَلِكَ الْوَلِيّ إِذا نقص من مهر الْمثل قدرا يحْتَمل ذَلِك لأغراض النِّكَاح فَلَا يَنْبَغِي أَن يثبت الْإِعْرَاض للْمَرْأَة بل إِذا أفرط فِي النُّقْصَان فَإِن مَقَاصِد النِّكَاح تغطي على هَذِه المحقرات وَكَذَلِكَ لَو لم يجد إِلَّا حرَّة غَائِبَة غيبَة قريبَة يحْتَمل مثلهَا فِي مَقَاصِد النِّكَاح لم ينْكح الْأمة وَإِن كَانَت بَعيدا نكح الْأمة
وَلَو لم يجد إِلَّا حرَّة كِتَابِيَّة جَازَ لَهُ نِكَاح الْأمة على أحسن الْوَجْهَيْنِ لِأَن الحذر

(5/119)


من مُخَالطَة المشركات مُهِمّ وَيشْهد لَهُ ظَاهر قَوْله {الْمُحْصنَات الْمُؤْمِنَات}
الشَّرْط الثَّالِث خوف الْعَنَت وَإِنَّمَا يتم ذَلِك بِغَلَبَة الشَّهْوَة وَضعف عِصَام التَّقْوَى وَلَا يشْتَرط فِي الْخَوْف غَلَبَة وُقُوع الزِّنَا بل توقع وُقُوعه كَمَا أَن الطَّرِيق الْمخوف هُوَ الَّذِي يتَوَقَّع فِيهِ الْهَلَاك وَإِن لم يغلب والأمن هُوَ أَن لَا يتَوَقَّع وَإِن كَانَ ذَلِك مُمكنا على الندور
وَمن ضعفت شَهْوَته وَقَوي تقواه فَهُوَ آمن وَمن غلب عَلَيْهِ شَهْوَته وَلكنه راسخ التَّقْوَى فَإِن كَانَ يُفْضِي بِهِ الصَّبْر إِلَى مرض فَلْيَنْكِح الْأمة وَإِلَّا فالصبر أحسن من إرقاق الْوَلَد وَلَا يبعد أَن يترخص وَلَا يُكَلف الْمَشَقَّة فِي مصابرة الشَّهْوَة
وَمن قدر على التَّسَرِّي فَالظَّاهِر أَنه لَا ينْكح الْأمة لِأَنَّهُ لَا يخَاف الْعَنَت وَفِيه وَجه أَنه ينْكح لِأَن ملك الْيَمين لَا يقْصد بِهِ التحصن
الشَّرْط الرَّابِع فِي الْأمة وَهِي أَن تكون مسلمة فَلَا يحل عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ للْمُسلمِ نِكَاح الْأمة الْكِتَابِيَّة بِحَال لقَوْله تَعَالَى {من فَتَيَاتكُم الْمُؤْمِنَات} وَكَأن الأَصْل فِي المشركات وَالْإِمَاء التَّحْرِيم وَهَذَا مُسْتَثْنى مَعَ التَّقْيِيد
الشَّرْط الْخَامِس أَن تكون مَمْلُوكَة لمُسلم حَتَّى لَا يرق ولد الْمُسلم لكَافِر وَفِي هَذَا الشَّرْط خلاف وَلَعَلَّ الظَّاهِر أَنه لَا يشْتَرط لِأَنَّهُ إِن رق لكَافِر فَيُبَاع عَلَيْهِ فِي الْحَال

(5/120)


واختتام الشَّرَائِط بأمرين
أَحدهمَا أَن العَبْد لَا تعْتَبر فِيهِ الشَّرَائِط كلهَا إِلَّا الشَّرْط الرَّابِع وَالْخَامِس بل الْأمة فِي حَقه كَالْحرَّةِ حَتَّى يجوز لَهُ الْجمع بَين الأمتين وَلَا يجوز للْحرّ الْجمع بَين أمتين بِحَال وَهَذَا لِأَن الْمَحْذُور من نِكَاح الْإِمَاء إرقاق الْوَلَد وَالْعَبْد رَقِيق لَيْسَ عَلَيْهِ النّظر لوَلَده الْمَوْجُود فَلَا يُؤمر بِالنّظرِ لوَلَده الْمَفْقُود
وَالْمكَاتب وَمن نصفه رَقِيق فِي هَذَا كَالْعَبْدِ كَمَا أَن من نصفهَا رَقِيق كالأمة حَتَّى تفْتَقر إِلَى الشَّرَائِط فِي نِكَاح الْحر إِيَّاهَا نعم يحْتَمل تردد فِي أَن من قدر على مثلثها هَل يجوز لَهُ نِكَاح أمة كَامِلَة الرّقّ لِأَن إرقاق بعض الْوَلَد أَهْون من إرقاق جَمِيعه
وَأما الْحر الْكِتَابِيّ فَهُوَ كَالْمُسلمِ فِي شَرَائِط النِّكَاح إِلَّا فِي نِكَاح الْأمة الْكِتَابِيَّة إِذْ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَن الْكَافِر يُزَوّج أمته وَذَلِكَ يدل على أَن تَزْوِيجهَا مُمكن وَيتَّجه ذَلِك من حَيْثُ إِن الْكفْر لَيْسَ نقصا فِي حق الْكَافِر وَلَكِن هَذَا ينْقضه نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن العَبْد الْمُسلم لَا ينْكح الْأمة الْكِتَابِيَّة وَالرّق لَيْسَ نقصا بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ لما اعتورها نُقْصَان فِي حَقه فَمن الْأَصْحَاب من جعل الْمَسْأَلَتَيْنِ على قَوْلَيْنِ وَيرجع الْخلاف إِلَى أَن الْأمة الْكِتَابِيَّة هَل هِيَ مُحرمَة فِي عينهَا كالوثنيات أَو هِيَ مُحرمَة لِاجْتِمَاع النقصين
الْأَمر الثَّانِي أَن شَرط فقد الْحرَّة وطولها وَخَوف الْعَنَت يعْتَبر فِي ابْتِدَاء النِّكَاح دون دَوَامه فَلَو نكح حره على أمة يجوز وَقَالَ الْمُزنِيّ يَنْقَطِع نِكَاحهَا بوجدان طول الْحرَّة وَالْقُدْرَة عَلَيْهَا فضلا عَن وجودهَا وَلم يطرد ذَلِك فِي زَوَال خوف الْعَنَت

(5/121)


وَأما إِسْلَام الْمَالِك إِن شرطناه فَلَا شكّ فِي أَنه لَا يعْتَبر فِي الدَّوَام
فرع لَو جمع بَين حرَّة وَأمة فِي عقد وَاحِد بَطل نِكَاح الْأمة وَفِي نِكَاح الْحرَّة قولا تَفْرِيق الصَّفْقَة الْأَصَح وَهُوَ نَص الْقَدِيم صِحَة نِكَاح الْحرَّة لِأَن النِّكَاح لَا يفْسد بِفساد الْمهْر فَكيف يفْسد بِفساد الْقَرِينَة المباينة لَهُ
وَلَو جمع بَينهمَا من يحل لَهُ نِكَاح الْأمة مَعَ الْقُدْرَة على الْحرَّة وَهِي أَن تكون هَذِه الْحرَّة رضيت بِدُونِ مهر الْمثل وَقُلْنَا لَا يلْزمه تقلد الْمِنَّة فَلَا يَصح هَاهُنَا نِكَاح الْأمة لِأَن الْأمة لَا تضام الْحرَّة فَلَا يَصح إِلَّا إِذا سبق نِكَاحهَا وَهَا هُنَا لم يسْبق وَأما نِكَاح الْحرَّة فطريقان
أَحدهمَا طرد الْقَوْلَيْنِ
والاخر الْقطع بِالْفَسَادِ كَمَا لَو جمع بَين أُخْتَيْنِ فَإِنَّهُ الْآن قَادر عَلَيْهِمَا جَمِيعًا وَهَذَا بعيد لِأَن إِحْدَى الْأُخْتَيْنِ لَيست أولى بِالدفع وَهَاهُنَا الْأمة أولى بِالدفع

(5/122)


الْمَانِع الثَّانِي الْملك

وَهُوَ وَرَاء الرّقّ فَإِن من يحل لَهُ نِكَاح الْأمة لَا يحل لَهُ أَن ينْكح أمة نَفسه وَإِن قُلْنَا إِن الْقُدْرَة على التَّسَرِّي لَا تمنع نِكَاح الْأمة بل لَو اشْترى زَوجته أَو ورثهَا انْفَسَخ النِّكَاح
وَكَذَلِكَ لَا تنْكح الْحرَّة عبد نَفسهَا وَلَو اشترت زَوجهَا العَبْد أَو ورثته انْفَسَخ النِّكَاح

(5/123)


الْجِنْس الرَّابِع من الْمَوَانِع
الْكفْر وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول
الْفَصْل الأول فِي أَصْنَاف الْكفَّار

وَهِي ثَلَاثَة
الصِّنْف الأول أهل الْكتاب وهم الْيَهُود وَالنَّصَارَى وكفرهم أخف فَتحل مناكحتهم وذبائحهم وحكمهم فِي حُقُوق النِّكَاح كالمسلمات إِلَّا فِي الْمِيرَاث إِذْ لَا إِرْث مَعَ اخْتِلَاف الدّين وَلَا كَرَاهِيَة فِي نِكَاحهنَّ فَإِن الاستفراش إهانة والكافرة جديرة بذلك
وَقَالَ مَالك يكره نِكَاحهنَّ نعم الحربية الْكِتَابِيَّة يكره نِكَاحهَا فَإِن صُحْبَة الْكفَّار فِي دِيَارهمْ توجب الافتتان وَرُبمَا تسبى الحربية وَهِي حَامِل بِولد مُسلم والكراهية تثبت بِأَقَلّ من هَذَا

(5/124)


الصِّنْف الثَّانِي عَبدة الْأَوْثَان والمعطلة والدهرية وَمن لَا يقر بالجزية فَلَا يحل نكاحهم وذبائحهم وَتدْخل فيهم الْمُرْتَدَّة
الصِّنْف الثَّالِث الْمَجُوس ويسلك بهم مَسْلَك أهل الْكتاب فِي التَّقْرِير بالجزية دون المناكحة والذبيحة وَحكي فِي مناكحتهم قَول بعيد للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ وَلَا وَجه لَهُ وَقيل كَانَ لَهُم كتاب فَأُسْرِيَ بِهِ
ثمَّ حق الْكِتَابِيَّة فِي الْقسم وَالنَّفقَة وَسَائِر الْحُقُوق كالمسلمة وللمسلم منعهَا من الْخُرُوج إِلَى الْكَنَائِس كَمَا لَهُ منع الْمسلمَة من الْمَسَاجِد وَله أَن أَن يلْزمهَا الْغسْل من الْحيض حَتَّى تحل لَهُ
وَهل يلْزمهَا الْغسْل من الْجَنَابَة لأجل العيافة فِيهِ قَولَانِ وَكَذَلِكَ فِي إِلْزَام الاستحداد الَّذِي يكسر

(5/125)


الشَّهْوَة تَركه وَكَذَلِكَ فِي الْمَنْع من تنَاول الْخِنْزِير والمستقذرات وَأكل الثوم وكل ذَلِك فِي الْمسلمَة أَيْضا

(5/126)


الْفَصْل الثَّانِي فِي أَقسَام أهل الْكتاب

فَنَقُول من آمن أول آبَائِهِ قبل التحريف أَو بعده وَلَكِن علم المحرف وَلم يُؤمن بِهِ وَكَانَت من نسب بني إِسْرَائِيل فقد اجْتمع لَهما الشرفان فَيصح نِكَاحهَا قطعا وَإِن لم تكن من بني إِسْرَائِيل فَفِي جَوَاز نِكَاحهَا قَولَانِ وَإِن كَانَ أول آبائها آمن بعد التحريف فَفِي جَوَاز نِكَاحهَا أَيْضا قَولَانِ وَإِن شككنا فِي ذَلِك فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِالْجَوَازِ
وَلَا خلاف فِي أَن من آمن أول آبَائِهِ بعد المبعث أَو شككنا فِي ذَلِك لم تحل مناكحته
وَإِذا آمن أول آبَاء الْيَهُودِيَّة بعد نزُول عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَهَل يكون كَمَا بعد المبعث فِيهِ وَجْهَان والأقيس أَلا يعْتَبر نسب بني إِسْرَائِيل وَلَا يقدم إِيمَان الْآبَاء على التحريف

(5/127)


وَأما الصابئون والسامرة وهم من طوائف الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَبينهمْ خلاف فِي الِاعْتِقَاد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي مَوضِع على جَوَاز مناكحتهم وَنَصّ فِي مَوضِع على خِلَافه وَاتفقَ جَمَاهِير الْأَصْحَاب على أَن الْمَسْأَلَة لَيست على قَوْلَيْنِ وَلَكِن ظن

(5/128)


الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مرّة أَنهم يخالفون الْقَوْم فِيمَا يُوجب التَّكْفِير فتلتحق بالزنادقة وَظن مرّة أَنهم يخالفون فِيمَا يُوجب الْبِدْعَة وَنِكَاح المبتدعة صَحِيح وَأطلق الشَّيْخ أَبُو عَليّ طرد الْقَوْلَيْنِ

(5/129)


الْفَصْل الثَّالِث فِي تَبْدِيل الدّين

وَله صور
إِحْدَاهَا أَن يتنصر يَهُودِيّ أَو يتهود نَصْرَانِيّ فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا أَنه يُقرر عَلَيْهِ لِأَنَّهُمَا دينان متساويان الْآن
وَالثَّانِي أَنه لَا يقنع مِنْهُ إِلَّا بِالْإِسْلَامِ وَلَو عَاد إِلَى تنصره لم يكفه لِأَنَّهُ أبطل تِلْكَ الْعِصْمَة فَلَا يستحدثه بعد المبعث عصمَة
وَالثَّالِث أَنه لَا يقنع مِنْهُ إِلَّا بِالْإِسْلَامِ أَو بِالْعودِ إِلَى التنصر فَإِن أصر وَقُلْنَا لَا يقر عَلَيْهِ فيلتحق بمأمنه أَو يقتل قتل الْمُرْتَد فِيهِ قَولَانِ
الصُّورَة الثَّانِيَة أَن يتنصر وَثني فَلَا يقر عَلَيْهِ أصلا لِأَنَّهُ لم يكن مَعْصُوما وَيُرِيد استحداث عصمَة بدين بَاطِل وَإِن توثن النَّصْرَانِي فَلَا يقر أصلا وَلَكِن فِي قَول لَا يقنع إِلَّا بِالْإِسْلَامِ وَفِي قَول يقنع بِالْإِسْلَامِ أَو بِالْعودِ إِلَى التنصر وَفِي قَول يقنع وَإِن عَاد إِلَى التهود
الصُّورَة الثَّالِثَة أَن يرْتَد مُسلم وَالْعِيَاذ بِاللَّه فالأديان فِي حَقه سَوَاء وَلَا يقنع مِنْهُ إِلَّا بِالسَّيْفِ أَو الْإِسْلَام
وَيمْتَنع نِكَاح الْمُرْتَد والمرتدة وَإِن طَرَأَ على دوَام النِّكَاح تنجزت الفرقه قبل الْمَسِيس وَإِن جرى بعد الْمَسِيس توقف على انْقِضَاء الْعدة عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فَإِن عَاد إِلَى

(5/130)


الْإِسْلَام اسْتمرّ العقد وَإِلَّا تبين بطلَان النِّكَاح بِنَفس الرِّدَّة وَكَذَلِكَ لَو ارتدا مَعًا فَهُوَ كَمَا لَو ارْتَدَّ أَحدهمَا وَكَذَلِكَ لَو أسلم أحد الزَّوْجَيْنِ المجوسيين أَو الوثنيين أَو أسلمت الْكِتَابِيَّة تَحت كَافِر تنجزت الْفرْقَة قبل الْمَسِيس وَتوقف على الْعدة بعد الْمَسِيس وَلَو أسلما مَعًا اسْتمرّ النِّكَاح
فرع متولد من يَهُودِيّ ومجوسي فَفِي حل مناكحته قَولَانِ
أَحدهمَا التَّحْرِيم تَغْلِيبًا لجَانب الْحُرْمَة
وَالثَّانِي النّظر إِلَى جَانب الْأَب اعْتِبَارا للنسب
ثمَّ قَالَ الْقفال هَذَا فِي الصَّغِير فَإِن بلغ وتمجس فَلهُ ذَلِك وَهُوَ مَجُوسِيّ وَيحْتَمل أَن يُقَال إِذا كَانَ أَبوهُ يَهُودِيّا لم يُمكن من التمجس بعد الْبلُوغ وَجعل كاليهودي يمجس

(5/131)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَذَا بَاب نِكَاح المشركات - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَهَذَا أَوَان ذكره لانشعاب مسَائِله عَن الْمَوَانِع السَّابِقَة وَفِيه فُصُول
الْفَصْل الأول فِي حكم أنكحة الْكفَّار فِي الصِّحَّة وَالْفساد

وَكَانَ مُقْتَضى قِيَاس الشَّرْع وَعُمُوم خطابه أَن لَا يُخَالف نِكَاح الْكَافِر نِكَاح الْمُسلم ويرعى فِيهِ جَمِيع الشَّرَائِط حَتَّى لَا يحْتَاج إِلَى إِفْرَاد نِكَاحهنَّ بِنَظَر لَكِن رُوِيَ أَن فَيْرُوز الديلمي أسلم على أُخْتَيْنِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اختر إِحْدَاهمَا وَفَارق الْأُخْرَى وَأسلم غيلَان على عشر نسْوَة فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمسك أَرْبعا وَفَارق سائرهن فَحمل أَبُو

(5/132)


حنيفَة قَوْله اختر على الِاسْتِئْنَاف ووفى برعاية تَمام الشُّرُوط وَقضى بِأَن من أسلم على أُخْتَيْنِ تعيّنت السَّابِقَة واندفعت الثَّانِيَة وَإِن نَكَحَهَا فِي عقدَة اندفعتا جَمِيعًا كَمَا لَو أرضعت امْرَأَة صغيرتين نكحهما وَاحِد فَإِنَّهُمَا يندفعان إِلَّا أَن التَّأْوِيل الَّذِي ذكره بَاطِل لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمسك وَلِأَنَّهُ لم يعلمهُمْ شَرَائِط النِّكَاح وَلم ينْقل إنْشَاء العقد وَترك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استفصال نِكَاح الْأُخْتَيْنِ مَعَ أَن الْغَالِب أَن تسبق إِحْدَاهمَا ففهم مِنْهُم أَنهم إِذا أَسْلمُوا لم يؤاخذوا بشرائط الْإِسْلَام وَلَكِن وَلَكِن إِن كَانَ الْمُفْسد مُقَارنًا دفعناه وَلذَلِك أمرناه بِاخْتِيَار إِحْدَاهمَا إِذْ الْجمع مُفسد مُقَارن فَتحصل من هَذَا أَنه لَو نكح بِغَيْر ولي وشهود أَو فِي عدَّة وَأسلم بعد انْقِضَاء الْعدة قَرَّرْنَاهُ على النِّكَاح
وَأما إِن كَانَ الْمُفْسد مُقَارنًا لحَال الْإِسْلَام لم يُقرر كَمَا لَو أسلم على محرم

(5/133)


نَكَحَهَا من أم أَو بنت أَو غَيرهمَا أَو نَكَحَهَا مُعْتَدَّة وأسلما أَو أَحدهمَا قبل انْقِضَاء الْعدة وَكَذَلِكَ لَو نكح مؤقتا واعتقدوا صِحَّته مؤقتا وأسلما قبل انْقِضَاء الْوَقْت لَا يُقرر عَلَيْهِ لِأَن التَّأْبِيد على خلاف اعْتِقَادهم وَتَقْرِيره مؤقتا فَاسد فِي الْإِسْلَام وَإِن اعتقدوه مأبدا قرروا عَلَيْهِ
وَلَو اغتصب كَافِر امْرَأَة واعتقدوه نِكَاحا قَالَ الْقفال لَا نقررهم عَلَيْهِ إِذْ لَا أقل من عقد وَقَالَ الصيدلاني يقرورن إِذْ اقامة الْفِعْل مقَام العقد لَيْسَ فِيهِ الا إخلال بِشُرُوط وَهُوَ مُتَّجه
وَلَو نكحوا نِكَاحا واعتقدوه فَاسِدا وَهُوَ صَحِيح عندنَا قررناهم على الصَّحِيح وَإِن كَانَ فَاسِدا عندنَا لم نقررهم لِأَن الرُّخْصَة بالتقرير إِنَّمَا ورد فِيمَا اعتقدوه نِكَاحا أما الْمُفْسد الطَّارِئ بعد العقد كالعدة بِالشُّبْهَةِ فَلَا يدْفع النِّكَاح وَإِن اقْترن بِالْإِسْلَامِ لِأَن طارئها لَا يقْدَح فِي نِكَاح الْمُسلم فَكيف يقْدَح فِي نِكَاح الْكَافِر
وَلَو نكح أمة ثمَّ حرَّة وَأسلم عَلَيْهِمَا انْدفع نِكَاح الْأمة لِأَن إِذا لم نَنْظُر إِلَى التَّقَدُّم والتأخر فِي العقد على أُخْتَيْنِ فَكَذَا لَا نَنْظُر فِي العقد على حرَّة وَأمة وَيجْعَل ذَلِك كمفسد لنكاح الْأمة قَارن العقد وَالْإِسْلَام واليسار الطَّارِئ بعد نِكَاح الامة إِذا دَامَ إِلَى إسلامهما يدْفع نِكَاح الْأمة وَهَذَا يُخَالف مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْعدة الطارئة وَالْفرق غامض وَوَجهه أَن فقد قدرَة الطول أحد شرطي نِكَاح الْأمة فَكَانَ بطرآن الْحرَّة أشبه وَلِأَن إرقاق الْوَلَد مُفسد نِكَاح الْقَادِر وَهُوَ مُقَارن لِلْإِسْلَامِ دَائِما فَيُشبه الْمَحْرَمِيَّة

(5/134)


الْمُقَارنَة وَأما الْعدة الطارئة فينتظر زَوَالهَا على قرب وَكَذَلِكَ لَو أسلم أحد الزَّوْجَيْنِ وَأحرم فَأسلم الثَّانِي لم ينْدَفع النِّكَاح كَمَا فِي الْعدة الطارئة وَبِخِلَاف وجود الْحرَّة وَحكي عَن الْقفال أَنه ألحق الْعدة وَالْإِحْرَام بِالْحرَّةِ وَقضى باندفاع النِّكَاح وَاسْتشْهدَ على ذَلِك بِنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو أسلم أَحدهمَا بعد الْمَسِيس وارتد ثمَّ أسلم الثَّانِي انْدفع نِكَاحهَا وَهَذَا فِيهِ نظر لِأَن الرِّدَّة تضَاد النِّكَاح وَلذَلِك نتبين بعد انْقِضَاء الْعدة من وَقت الرِّدَّة إِذا أصر وَالْعدة وَالْإِحْرَام لَا يضادهما وَلذَلِك لَا تصح رَجْعَة الْمُرْتَدَّة وَتَصِح رَجْعَة الْمُحرمَة والمعتدة عَن الشبة على الصَّحِيح ثمَّ قطع الصيدلاني والجماهير بِأَن الْمُفْسد إِن قَارن إِسْلَام أَحدهمَا كفى إِلَّا فِي الْيَسَار فَإِنَّهُ لم يلْتَفت إِلَى وجوده إِلَّا حَالَة اجْتِمَاعهمَا فِي الْإِسْلَام
وَلَو نكح مُعْتَدَّة فَأسلم أَحدهمَا قبل تَمام الْعدة وَالْآخر بعد تَمام الْعدة لم يُقرر
وَكَذَلِكَ لَو أسلم على حرَّة وَأمة فاسلمت الْحرَّة وَمَاتَتْ ثمَّ أسلمت الْأمة اندفعت الْأمة بِوُجُود الْحرَّة عِنْد إِسْلَام الزَّوْج
وَلَو أسلم مُوسِرًا على أمة ثمَّ أعْسر فَأسْلمت قرر عَلَيْهَا وَغَايَة الْفرق أَن تَأْثِير الْيَسَار فِي دفع الْأمة أَضْعَف لِأَنَّهُ مَأْخُوذ من ظَاهر الْخطاب الْوَارِد مَعَ الْمُؤمنِينَ فَلَا يظْهر أَثَره فِي حق الْكَافِر إِلَّا عِنْد الِاجْتِمَاع فِي الْإِسْلَام بِخِلَاف الْعدة والحرة ولضعف هَذَا الْفرق طرد أَبُو يحيى الْبَلْخِي الْقيَاس وَقضى بِأَنَّهُ إِذا أسلم مُوسِرًا وتخلف ثمَّ أسلمت بعد

(5/135)


إِعْسَاره لم يُقرر عَلَيْهَا وَزَاد فَقَالَ لَو أسلم مُعسرا ثمَّ أيسر فَأسْلمت قرر لِأَنَّهُ إِذا اعْتبر تِلْكَ الْحَالة فَمَا بعد ذَلِك طَارِئ لَا يُؤثر
وَقد ثار الْخلاف بَين الْأَصْحَاب فِي أصلين
أَحدهمَا أَن التَّقْرِير عِنْد الْإِسْلَام فِي حكم ابْتِدَاء نِكَاح أَو فِي حكم الإدامة فَقَالُوا فِيهِ قَولَانِ مستنبطان من كَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ غير سديد إِذْ كَيفَ يَجْعَل فِي حكم الِابْتِدَاء وَالصَّحِيح أَنه لَا تَمنعهُ عدَّة الشُّبْهَة وَالْإِحْرَام وَكَيف يَجْعَل إدامة واليسار الْمُقَارن وَإِن كَانَ طارئا بعد النِّكَاح يَدْفَعهُ بل الصَّحِيح أَنه مردد بَينهمَا لَا يتمحض فِيهِ أحد الْحكمَيْنِ وَكَأَنَّهُ بالرجعة أشبه فَإِنَّهُ أَيْضا كالمردد
الثَّانِي أَن أنكحه الْكفَّار يحكم بِصِحَّتِهَا أَو فَسَادهَا أَو يتَوَقَّف إِلَى الْإِسْلَام ذكرُوا فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا أَنَّهَا فَاسِدَة لِأَنَّهَا تخَالف الشَّرْع وَلَكنَّا نصححها بعد الْإِسْلَام رخصَة
وَالثَّانِي أَنَّهَا صَحِيحَة بِدَلِيل التَّقْرِير فَإِن القَوْل بِالْفَسَادِ مَعَ التَّقْرِير محَال وَلِأَنَّهُ يحصل التَّحْلِيل بِوَطْء الذِّمِّيّ ويرجم الذِّمِّيّ لكَونه مُحصنا وَإِذا ترافعوا إِلَيْنَا قضينا بِالْمهْرِ والنفقه من غير بحث عَن شروطهم
وَالثَّالِث أَنا نتوقف فَإِن أَسْلمُوا بَان الصِّحَّة فِيمَا يُقرر عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَام حَتَّى لَو نكح أُخْتَيْنِ فَاخْتَارَ فِي الْإِسْلَام إِحْدَاهمَا بَان صِحَة نِكَاحهَا وَفَسَاد نِكَاح الْأُخْرَى وميل ابْن

(5/136)


الْحداد إِلَى التَّوَقُّف وَهَذَا أقرب أما الْإِفْسَاد مَعَ إِيقَاع طلاقهم وَمَعَ التَّحْلِيل والإحصان والتقرير بعد الْإِسْلَام فَلَا وَجه لَهُ

التَّفْرِيع
إِن قضينا بِالْفَسَادِ من الأَصْل أَو التَّوَقُّف فَلَا مهر للَّتِي انْدفع نِكَاحهَا بِالْإِسْلَامِ إِذْ بَان الْفساد من الأَصْل وَلذَلِك إِذا طلق الْكَافِر زَوجته ثَلَاثًا ثمَّ أسلم لم يفْتَقر إِلَى الْمُحَلّل إِن قضينا بِفساد نِكَاحه وَإِن صححنا افْتقر إِلَيْهِ وَقَالَ ابْن الْحداد لَو نكح أُخْتَيْنِ وطلق كل وَاحِدَة ثَلَاثًا ثمَّ أَسْلمُوا خيرناه فَإِن اخْتَار وَاحِدَة تعيّنت للنِّكَاح وَنفذ الطَّلَاق الثَّلَاث فِيهَا وافتقر فِيهَا إِلَى مُحَلل وللأخرى نصف الْمهْر إِذا جرى الْإِسْلَام قبل الْمَسِيس قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ إِن حكمنَا بِصِحَّة أنكحتهم فَلَا حَاجَة إِلَى الِاخْتِيَار بل نفذ الطَّلَاق فيهمَا جَمِيعًا ويفتقر إِلَى مُحَلل فيهمَا وَإِن حكمنَا بِالْفَسَادِ لم ينفذ الطَّلَاق ويختار وَاحِدَة وَلَا مهر للثَّانِيَة وَإِن توقفنا فَهُوَ كَمَا قَالَه ابْن الْحداد إِلَّا فِي الْمهْر لِأَن على قَول التَّوَقُّف نتبين فَسَاد نِكَاح المندفعة بِالْإِسْلَامِ فَلَا مهر لَهَا لِأَنَّهَا اندفعت بِاخْتِيَار الثَّانِيَة وَالثَّانيَِة لما تعيّنت للنِّكَاح نفذ الطَّلَاق الثَّلَاث فِيهَا وافتقر إِلَى الْمُحَلّل
فَإِن قيل فَمَا حكم صداقهن الْفَاسِد بعد الْإِسْلَام قُلْنَا إِذا أصدقهَا خمرًا أَو خنزيرا وقبضت ثمَّ أسلما فَلَا مهر لَهَا وَإِن كَانَ الْإِسْلَام قبل الْمَسِيس
وَإِن أسلما قبل الْقَبْض وَبعد الْمَسِيس فلهَا مهر الْمثل وَلَا سَبِيل إِلَى قبض الْخمر

(5/137)


وَكَذَلِكَ فِي تقابضهم ثمن الْخمر وَقيمتهَا عِنْد الْإِتْلَاف لم نتعرض لما سبق اسْتِيفَاؤهُ وَلَا ننشئ فِي الْإِسْلَام حكما لأجل اعْتِقَادهم فَلَو قبض الْبَعْض دون الْبَعْض رَجَعَ إِلَى بعض مهر الْمثل فَلَو أصدقهَا ثَلَاثَة من الْكلاب وخنزيرين ورزق خمر فقبضت الْكلاب فَالصَّحِيح أَنه يقوم الْجَمِيع فَإِن كَانَ مَا قَبضته قدر الثُّلُث رَجَعَ إِلَى ثُلثي الْمهْر وَمِنْهُم من قَالَ لَا قيمَة لهَذِهِ الْأَشْيَاء فيوزع على الْعدَد وَترجع إِلَى نصف الْمهْر وَمِنْهُم من قَالَ يوزع على الْأَجْنَاس وَصورته أَن الْكلاب كلهَا تجْعَل كَلْبا وَاحِدًا وَكَذَلِكَ الزقاق وَكَذَلِكَ الْخَنَازِير
وَلَو نحكت بِغَيْر مهر واعتقدوا أَن لَا مهر للمفوضة فَلَا مهر لَهَا بعد الْإِسْلَام وَإِن أسلم قبل الْمَسِيس فَلَا مهر لأَنا لَا نتعرض لما سبق وَقد سبق اسْتِحْقَاق وَطْء بِلَا مهر
هَذَا كُله إِذا أَسْلمُوا فَإِن ترافعوا إِلَيْنَا فِي أنكحتهم أَو فِي غَيرهَا قبل الْإِسْلَام فَيجوز لحاكمنا أَن يحكم بَينهم بِالْحَقِّ ويستتبعهم
وَهل يجب عَلَيْهِ الحكم إِن كَانَ أحد الْخَصْمَيْنِ مُسلما وَجب وَإِن لم يكن فَقَوْلَانِ
أَحدهمَا لَا يجب لقَوْله تَعَالَى {فاحكم بَينهم أَو أعرض عَنْهُم}

(5/138)


وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح أَنه يجب إِذا التزمنا الذب عَنْهُم وَدفع الظُّلم من جملَة الذب وَالْآيَة لم تنزل فِي أهل الذِّمَّة
وَكَذَلِكَ إِذا كَانَا مختلفي الْملَّة وَجب الحكم قطعا وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ
وَأما المعاهدون فَلَا يلْزمنَا الحكم بَينهم وَإِن كَانُوا مختلفي الْملَّة لأَنا شرطنا الْكَفّ عَنْهُم وَلم نلتزم لَهُم شَيْئا إِذْ لم يلتزموا لنا شَيْئا
ثمَّ إِذا أَوجَبْنَا الْإِجَابَة فمهما استعدى أحد الْخَصْمَيْنِ فَحَضَرَ الآخر وَلم يرض بحكمنا لم نحكم لأَنا إِنَّمَا نحكم عَلَيْهِم إِذا رَضوا بحكمنا فَإِن أَبَوا فَلَا نكلفهم مُوجبَات شرعنا

(5/139)


ثمَّ مهما طلبُوا تَقْدِير النَّفَقَة وَاسْتِيفَاء الْمهْر فِي انكحتهم حكمنَا بهَا وَإِن عقدوها بِغَيْر ولي وَلَا شُهُود وَهَذَا يُقَوي قَول التَّصْحِيح لَكِن لَو كَانَ الْمُفْسد قَائِما لم نحكم كَمَا لَو طلبت نَفَقَة فِي نِكَاح الْمَحَارِم
وَلَو طلبت الْمَجُوسِيَّة النَّفَقَة فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا كالمحرم فَإِنَّهَا مُحرمَة فِي عينهَا
وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ لَا بُد للمجوس من الْأَنْكِحَة وَهَذَا يُشِير إِلَى أَنَّهَا مُحرمَة على الْمُسلم خَاصَّة
وَلَو طلبت نَفَقَة أُخْتَيْنِ فِي نِكَاح وَاجِد فَيَنْبَغِي أَن لَا نحكم لِأَن الْمَانِع قَائِم مُقَارن وَهُوَ مُخَالفَة ظَاهِرَة للشَّرْع بل الْقدر المسامح بِهِ أَن لَا يبْحَث عَمَّا سبق من شُرُوط أنكحتهم
وَإِذا لم نحكم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَهَل يفرق بَينهم فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا تركا للتعرض
وَالثَّانِي نعم لأَنهم أظهرُوا ذَلِك عندنَا فَصَارَ كَمَا لَو أظهرُوا خمورهم أرقناها

(5/140)


الْفَصْل الثَّانِي فِي أَن يسلم الْكَافِر على عدد من النسْوَة لَا يُمكن الْجمع بَينهُنَّ

كَمَا لَو أسلم على أُخْتَيْنِ أَو على خمس نسْوَة أَو على امْرَأَة وابنتها أَو على حرَّة وَأمة أَو على إِمَاء كَثِيرَة فَهَذِهِ خمس صور
الأولى أَن يسلم على أُخْتَيْنِ فيختار إِحْدَاهمَا وتندفع الْأُخْرَى سَوَاء نَكَحَهَا فِي عقد وَاحِد أَو فِي عقدين فَإِن أسلمت مَعَه وَاحِدَة وَتَخَلَّفت الْأُخْرَى انْدفع نِكَاح المتخلفة إِلَّا إِذا كَانَ بعد الْمَسِيس فَإِنَّهُ ينْتَظر إسْلَامهَا قبل مُضِيّ الْعدة فَإِن أسلمت اخْتَار إِحْدَاهمَا وَإِن أصرت اندفعت المصرة وَهَذَا فِيهِ إِذا كَانَت المتخلفة وثنية أَو مَجُوسِيَّة فَإِن كَانَت كِتَابِيَّة فَلَا ينْدَفع نِكَاحهَا بالإصرار بل يجْرِي الِاخْتِيَار وَإِن أصررن على الْكفْر
الثَّانِيَة إِذا أسلم على خمس نسْوَة فَصَاعِدا اخْتَار أَرْبعا واندفعت الْأُخْرَى سَوَاء نكحهن فِي عقد وَاحِد أَو فِي عُقُود وَحكم انْتِظَار إِسْلَام المتخلفة مِنْهُنَّ كانتظار الْأُخْت
الثَّالِثَة أَن يسلم على امْرَأَة وابنتها فَإِن كَانَ قد دخل بهما فهما محرمان ومحرمتان فَلَا تَقْرِير عَلَيْهِمَا إِذْ وَطْء كل وَاحِدَة بِالشُّبْهَةِ يحرم الثَّانِيَة بالمصاهرة فَإِن

(5/141)


لم يدْخل بهما فَقَوْلَانِ
أَحدهمَا أَنه يتَخَيَّر بَينهمَا كالأختين
وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ أَن الْأُم تنْدَفع وَيبقى نِكَاح الْبِنْت لِأَن مُجَرّد نِكَاح الْبِنْت يدْفع نِكَاح الْأُم وَمُجَرَّد نِكَاح الْأُم لَا يَدْفَعهَا وَأما الْأخْتَان فَلَا تَرْجِيح لإحداهما على الْأُخْرَى
وَيَنْبَنِي هَذَا الْخلاف على قَوْلَيْنِ فِي صِحَة أنكحتهم وفسادها وَقَول التَّخْيِير يستمد من قَول الْإِفْسَاد فَإِنَّهُ إِذا انْتَفَت الصِّحَّة لم يعْهَد نِكَاح الْبِنْت صَحِيحا قبل الْإِسْلَام حَتَّى يدْفع نِكَاح الْأُم لَكِن الْخلاف مُحْتَمل دون هَذَا الْبناء بل هُوَ مُحْتَمل فِيمَا لَو نكح الْمُسلم امْرَأَة وَأمّهَا فِي عقد وَاحِد إِذْ يحْتَمل أَن ينْعَقد على الْبِنْت بِهَذَا التَّرْجِيح كَمَا لَو جمع بَين حرَّة مُسَامَحَة بِالْمهْرِ وَأمة وَقد ذكرنَا خلافًا فِي أَنه هَل ينْعَقد نِكَاح الْحرَّة لترجيح جَانبهَا بِأَن نِكَاحهَا يدْفع نِكَاح الْأمة وَنِكَاح الْأمة لَا يَدْفَعهَا
ثمَّ قَالَ ابْن الْحداد وَإِن قُلْنَا بالتخيير فللمفارقة نصف الْمهْر لِأَنَّهَا بَانَتْ بِاخْتِيَارِهِ
قَالَ الْقفال هَذَا بِالْعَكْسِ أولى فَإِن التَّخْيِير بِنَاء على القَوْل بِفساد أنكحتهم قبل الْإِسْلَام فَتبين بإختيارها أَن نِكَاح الْأُخْرَى لم ينْعَقد فَلَا مهر لَهَا

(5/142)


وَإِن عينا الْبِنْت فالأم قد اندفعت بِالْإِسْلَامِ فلهَا الْمهْر وَيُمكن أَن يُقَال إِنَّهَا اندفعت بالمحرمية وَلَا مهر للْمحرمِ إِنَّمَا الْمهْر على قَول صِحَة أنكحتهم للزائدات على الْعدَد الشَّرْعِيّ وَمن لَا يَتَّصِف بِصفة تنَافِي النِّكَاح كالأخت وَالْخَامِسَة

(5/143)


أما إِذا وطئ إِحْدَاهمَا نظر فَإِن وطئ الْبِنْت حرمت الْأُم فَصَارَت مُحرمَة وتعينت الْبِنْت عِنْد الْإِسْلَام وَإِن وطئ الْأُم صَارَت الْبِنْت محرحه واندفعت وَهل يبْقى نِكَاح الْأُم إِذا أسلمتا إِن قُلْنَا يَصح نِكَاح الْكفَّار فَهِيَ أَيْضا صَارَت محرما بِنِكَاح الْبِنْت فَلَا يبْقى وَإِلَّا دَامَ نِكَاحهَا
الرَّابِعَة أَن يسلم الْحر على إِمَاء فَإِن كَانَ عَاجِزا عِنْد الالتقاء فِي الْإِسْلَام اخْتَار وَاحِدَة وَلَو أسلم على ثَلَاث إِمَاء فَأسْلمت مَعَه وَاحِدَة وَهُوَ مُعسر ثمَّ أسلمت الثَّانِيَة وَهُوَ مُوسر ثمَّ أسلمت الثَّالِثَة وَهُوَ مُعسر وكل ذَلِك قبل انْقِضَاء عدتهن اخْتَار وَاحِدَة من الأولى وَالثَّالِثَة واندفعت الثَّانِيَة وَهَذَا بِنَاء على الْمَذْهَب الصَّحِيح فِي أَن اقتران الْيَسَار بِإِسْلَام إِحْدَاهمَا لَا يدْفع بِخِلَاف الْعدة الْمُقَارنَة للنِّكَاح وَهَذَا على مُخَالفَة الْبَلْخِي
الْخَامِسَة أَن يسلم على حرَّة وإماء فَإِن أسلمن مَعَه انْدفع نِكَاح الْإِمَاء وتعينت الْحرَّة وَإِن أسلمن مَعَه وَتَخَلَّفت الْحرَّة وأصرت أَو مَاتَت قبل الْعدة اخْتَار وَاحِدَة من الْإِمَاء إِن كَانَ عَاجِزا عِنْد الْإِسْلَام وَلَا يعْتَبر عَجزه عِنْد الاختيارلأنه كالبيان لما قَرَّرَهُ الْإِسْلَام فالنظر إِلَى حَالَة الْإِسْلَام وَإِن أسلمت قبل انْقِضَاء عدتهَا انْدفع نِكَاح الْإِمَاء لِأَنَّهُ أسلم وَتَحْته حرَّة

(5/144)


اسْتَقر نِكَاحهَا وَلَا تَجْتَمِع الْأمة مَعَ حرَّة فِي النِّكَاح وَإِن كَانَت كَافِرَة
وَلَو أسلم مَعَ الْحر وَبقيت أَو مَاتَت وَتَخَلَّفت الْإِمَاء انْدفع نِكَاحهنَّ وَلَا ينتظرن لِأَنَّهُ اسْتَقر نِكَاح الْحرَّة بإسلامها فَلَا معنى للانتظار وكل من ينْتَظر إِسْلَامه فَمَاتَ وَلم يسلم قبل الْقَضَاء الْعدة فَهُوَ كَمَا لَو أصر وَكَذَلِكَ لَو أسلم على وَاحِدَة وَمَات قبل إِسْلَام الْبَاقِيَات فالميراث للمسلمة وَلَا شيئ للباقيات لِأَن التَّخَلُّف إِلَى مَوته كالتخلف إِلَى انْقِضَاء الْعدة إِذْ لَا انْتِظَار بعد الْمَوْت وانتهاء النِّكَاح
فرع مَا ذَكرْنَاهُ من أَن الْحرَّة إِذا تقدّمت مَعَ الزَّوْج فِي الْإِسْلَام انْدفع نِكَاح الْإِمَاء وَلَا ينتظرن وَذَلِكَ فِيهِ إِذا بَقينَ على الرّقّ فَإِن عتقن ثمَّ أسلمن قبل الْعدة التحقن بالحرائر الأصليات حَتَّى لَو لم يكن تَحْتَهُ حرَّة فَأسلم على إِمَاء وتخلفن ثمَّ عتقن وأسلمن اخْتَار أَرْبعا مِنْهُنَّ وَلَو أسلم على إِمَاء وَتَخَلَّفت وَاحِدَة وعتقت وَأسْلمت قبل انْقِضَاء الْعدة تعيّنت للنِّكَاح
وَالْمَقْصُود أَن طرآن الْحُرِّيَّة قبل الِاجْتِمَاع فِي الْإِسْلَام يلْحقهَا بالحرائر الأصليات
وَلَو أسلم على أمتين وَتَخَلَّفت أمتان فعتقت وَاحِدَة من الْمُتَقَدِّمين ثمَّ أسلمت المتخلفتان رقيقتين انْدفع نِكَاحهمَا إِذْ تَحت زَوجهمَا عتيقة أما الْمُتَقَدّمَة الرقيقة فَلَا تنْدَفع لِأَن عتق الْأُخْرَى كَانَ بعد اجْتِمَاعهم فى الْإِسْلَام فَلَا يُؤثر فِي دَفعهَا بل يخْتَار إِحْدَى الْمُتَقَدِّمين

(5/145)


الْفَصْل الثَّالِث فِي حكم العبيد وَالْإِمَاء وطرآن الْعتْق عَلَيْهِم

وَله طرفان
الأول فِي العبيد

وَمهما أسلم العَبْد على إِمَاء أَو حرائر أَو إِمَاء وحرائر اخْتَار اثْنَتَيْنِ لِأَن الْحرَّة فِي حَقه كالأمة نعم إِذا أسلم مَعَ حرَّة فَهَل لَهَا الْخِيَار لرقه الْقيَاس أَنه لَا يثبت لِأَنَّهَا رضيت برقه أَولا وَاخْتَارَ الْمُزنِيّ ثُبُوت الْخِيَار كَمَا إِذا عتقت تَحت عبد وَكَأن حكم حريتها إِنَّمَا يثبت بِالْإِسْلَامِ فَيكون كالحرية الطارئة وَالْمَقْصُود بَيَان طرآن الْعتْق عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يؤثران إِن كَانَ بعد الْإِسْلَام وَإِن كَانَ بَين الْإِسْلَام مين يُؤثر حَتَّى لَو أسلمن وتخلف وَعتق ثمَّ أسلم فيختار من الْحَرَائِر أَرْبعا وَيرجع فِي الْإِمَاء إِلَى وَاحِدَة وَإِن أسلم وَأسْلمت مَعَه حرتان ثمَّ عتق فَأسْلمت الْبَاقِيَات من الْحَرَائِر فَلَا يزِيد على اثْنَتَيْنِ لِأَنَّهُ صَادف كَمَال عدد العَبْد قبل الْحُرِّيَّة
وَلَو أسلم مَعَ وَاحِدَة وَعتق وَأسْلمت الْبَاقِيَات اخْتَار أَرْبعا لطرآن الْعتْق قبل كَمَال عدد العبيد وشبهوا هَذَا بمسألتيتن

(5/146)


إِحْدَاهمَا العَبْد لَو استوفى طَلْقَتَيْنِ من زَوجته ثمَّ عتق لم ينْكِحهَا وَلَو استوفى طَلْقَة ثمَّ عتق نَكَحَهَا وَملك عَلَيْهِ طَلْقَتَيْنِ
الثَّانِيَة الْأمة لَو عتقت فِي يَوْم قسمهَا استوفت مُدَّة الْحَرَائِر وَلَو عتقت مُتَّصِلا بآخر مدَّتهَا اقتصرت

فرع
لَو أسلم على أَربع إِمَاء فَأسْلمت مَعَه ثِنْتَانِ فَعتق ثمَّ أسلمت الأخريان جَازَ لَهُ اخْتِيَار ثِنْتَيْنِ لِأَنَّهُ تمّ لَهُ عدد العبيد قبل الْعتْق فَلَا يجب عَلَيْهِ الرُّجُوع إِلَى وَاحِدَة وَلكنه هَل تتَعَيَّن الأوليان أم لَا قَالَ الإِمَام لَا تتَعَيَّن بل هُوَ كَمَا أسلم حر على أَربع إِمَاء فأسلمن على التوالي وطرآن الْحُرِّيَّة لَا يزِيد على الْحُرِّيَّة الْأَصْلِيَّة وَقَالَ الفوراني لَا يجوز لَهُ اخْتِيَار الْأُخْرَيَيْنِ لِأَنَّهُ اجْتمع بِهن فِي الْإِسْلَام وَهُوَ حر فَكيف يجمع بَينهمَا ويختار الْأَوليين
وَهل يخْتَار وَاحِدَة من الْأَوليين وَوَاحِدَة من الْأُخْرَيَيْنِ فِيهِ وَجْهَان وتوجيه الْجَوَاز أَن الْحُرِّيَّة تَمنعهُ من الْجمع بَين الْأُخْرَيَيْنِ وَلَا تَمنعهُ من أصل الْعدَد فيختار وَاحِدَة مِنْهُمَا وَوَاحِدَة

(5/147)


من الْأَوليين وَقد قَالَ القَاضِي حُسَيْن لَو أسلم على اثْنَتَيْنِ فَأسْلمت مَعَه وَاحِدَة ثمَّ عتق فَأسْلمت الثَّانِيَة لَا يخْتَار إِلَّا وَاحِدَة لِأَنَّهُ عتق قبل كَمَال الْعدَد وَلَكِن قَالَ تتَعَيَّن الأولى وَهَذَا لَا وَجه لَهُ أصلا
الطّرف الثَّانِي فِي عتقهن

وتأثيره فِي إلحاقها بالحرائر مهما تقدم على الِاجْتِمَاع فِي الْإِسْلَام ويطهر أَثَره فِي إِثْبَات الْخِيَار لَهَا إِذا كَانَت تَحت عبد وَيكون خِيَار الْعتْق على الْفَوْر لَكِنَّهَا لَو أسلمت وعتقت فلهَا أَلا تبادر الْفَسْخ فَإِن الزَّوْج رُبمَا يصر فتستغني عَن هَذَا الْفَسْخ وَكَذَلِكَ الرَّجْعِيَّة إِذا عتقت لَهَا التَّأْخِير إِلَى انْقِضَاء الْمدَّة فَإِن هَذَا عذر فِي التَّأْخِير وَلَو فسخت قبل إِسْلَام الزَّوْج نفذ وَلَا فَائِدَة لَهُ إِن أصر الزَّوْج وَفَائِدَته إِن أسلم الزَّوْج تظهر فِي قُصُور مُدَّة الْعدة إِذْ لَو أخرت وَأسلم الزَّوْج وفسخت طَال عَلَيْهَا الِانْتِظَار وَلَا نقُول فَسخهَا مَوْقُوف على إِصْرَار الزَّوْج فَلَا ينفذ فَإِن الْفَسْخ جنس وَاحِد فَلَا يمْتَنع بِإِمْكَان فسخ آخر بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ تَحْتَهُ حرَّة وإماء فأسلمن وَتَخَلَّفت الْحرَّة وَاخْتَارَ وَاحِدَة من الْإِمَاء ثمَّ مَاتَت

(5/148)


المتخلفة أَو أصرت فَإِن صِحَة الِاخْتِيَار تنبني على وقف الْعُقُود لِأَنَّهَا لَو أسملت لبطل اخْتِيَاره لاندفاع نِكَاح الْإِمَاء وَهُوَ أولى بِالصِّحَّةِ من الْعُقُود لِأَنَّهُ لَيْسَ ابْتِدَاء عقد
نعم لَو أسلمت امْرَأَة وتخلف الزَّوْج ونكح أُخْتهَا ثمَّ أسلم وَأسْلمت يُخَيّر بَينهمَا لِأَنَّهُ جرى فِي حَالَة الشّرك
وَلَو أسلم أَولا ونكح أُخْت المتخلفة وَأسْلمت المتخلفة بَطل النِّكَاح الَّذِي جرى فِي الْإِسْلَام لِأَنَّهَا طارئة بعد الْإِسْلَام فَلَو أصرت المتخلفة انبنى صِحَة نِكَاح الْأُخْرَى على الْقَوْلَيْنِ فِيمَا لَو بَاعَ مَال أَبِيه وَلم يدر أَنه ميت فَإِذا هُوَ ميت
فَأَما إِذا أسلمت وعتقت وأجازت قبل إِسْلَام الزَّوْج بطلت الْإِجَازَة وَبَقِي حَقّهَا فِي الْفَسْخ إِذْ لَيْسَ لَهَا الْمقَام تَحت كَافِر فَلَا حكم لإجازتها فِي الْحَال
وَلَو عتقت الرَّجْعِيَّة وفسخت نفذ وَإِن أجازت فَوَجْهَانِ وَالْفرق أَن إجازتها تفِيد الزَّوْج سُلْطَان الرّجْعَة وَهُوَ من مَقَاصِد النِّكَاح وَلَا يُمكن أَن يُقَال إجازتها تَحت الْكَافِر تفيده سُلْطَان الْإِسْلَام فَإِن ذَلِك لَا يُسْتَفَاد من الْغَيْر

(5/149)


الْفَصْل الرَّابِع فِي الِاخْتِيَار وَحكمه

وَالْكَلَام فِي طرفين
أَحدهمَا فِي وجوب الِاخْتِيَار فَإِذا أسلم على ثَمَانِيَة مثلا فَعَلَيهِ تعْيين أَرْبَعَة فَإِن امْتنع فَعَلَيهِ الْإِنْفَاق على الْجَمِيع فِي مُدَّة الْحَبْس وللقاضي أَن يحْبسهُ ليعين فَإِن أصر عزره وَكَذَا كل قَادر على أَدَاء حق إِذا أصر وَلم ينجع فِيهِ الْحَبْس فَيَنْبَغِي أَن يُعَزّر
ويمهل الزَّوْج ثَلَاثَة أَيَّام للنَّظَر والتأمل وَلَا يخْتَار القَاضِي عَنهُ إِذا أصر وَإِن قُلْنَا فِي قَول إِن القَاضِي يُطلق زَوْجَة المؤلي لِأَن هَذَا أَمر مَنُوط بِالرُّؤْيَةِ وَلَا يقبل النِّيَابَة
وَلَو مَاتَ قبل التعين فعلى كل وَاحِدَة الِاعْتِدَاد بأقصى الْأَجَليْنِ للِاحْتِيَاط

(5/150)


وَيُوقف لَهُنَّ من الْمِيرَاث الرّبع أَو الثّمن كَامِلا إِلَى أَن يصطلحن وَإِن كَانَ فِيهِنَّ طفلة لم يرض وَليهَا إِلَّا بِربع الْمَوْقُوف
وَلَو جَاءَت أَربع مِنْهُنَّ لم نسلم إلَيْهِنَّ شَيْئا فلعلهن المفارقات وَإِن جَاءَت خَمْسَة سلمنَا إلَيْهِنَّ ربع الْمَوْقُوف لِأَنَّهُ المستيقن وَلَا نزيد فِي التَّسْلِيم على المستيقن وَحكي عَن ابْن سُرَيج أَنه قَالَ يوزع على جَمِيعهنَّ بِالسَّوِيَّةِ إِذْ التَّوَقُّف عِنْد انْتِظَار الْبَيَان أَو عِنْد اخْتِصَاص الْبَعْض بفرقة اشتبهت علينا كَمَا إِذا قَالَ إِن كَانَ هَذَا غرابا فعمره طَالِق وَإِن لم يكن فزينب طَالِق فَإِن الْمُطلقَة فِي علم الله وَاحِدَة واشتبهت علينا وَهَاهُنَا هن متماثلات قطعا وَهَذَا مُتَّجه جدا
فرع لَو أسلم على ثَمَان كتابيات وَأسْلمت أَربع فيختار من شَاءَ من الكتابيات أَو

(5/151)


المسلمات فَلَو مَاتَ قبل الْبَيَان لَا نقف لَهُنَّ شَيْئا من الْمِيرَاث إِذْ كَانَ يحْتَمل أَن يخْتَار الكتابيات فَلَا يرثن وَلَا يَرث الْجَمِيع فَلم يحصل حق الزَّوْجِيَّة بِتَعْيِين
وَلَو نكح مسلمة وكتابية وَقَالَ إِحْدَاكُمَا طَالِق وَمَات قبل الْبَيَان لَا نقف أَيْضا شَيْئا للشَّكّ فِي أصل الْحق
الطّرف الثَّانِي فِي أَلْفَاظ الِاخْتِيَار وَفِيه مسَائِل

الأولى إِذا قَالَ اخْتَرْت هَذِه الْأَرْبَعَة للزوجية تعيّنت الْبَاقِيَات للْفَسْخ وَلَو قَالَ اخْتَرْت هَذِه للْفَسْخ أَو هَذِه للْفَسْخ دون لفظ الِاخْتِيَار نفذ وَلَو كن ثَمَانِيَة فَطلق أَرْبعا مِنْهُنَّ فَهُوَ تعْيين للنِّكَاح وَنفذ الطَّلَاق واندفعت الأخريات بِالْفَسْخِ وَلَيْسَ لفظ الْإِيلَاء وَالظِّهَار كَلَفْظِ الطَّلَاق فَإِن ذَلِك مِمَّا يُخَاطب بِهِ الأجنبيات والأزواج جَمِيعًا
وَلَو قَالَ فسخت نِكَاح هَذِه الْأَرْبَعَة وَفسّر التَّعْيِين بالفراق نفذ وَلَو فسر بِالطَّلَاق قبل ومطلقه يحمل على التَّعْيِين للفراق
الثَّانِيَة لَو قَالَ من دخل الدَّار فقد اخترتها للنِّكَاح لم يَصح لِأَن الِاخْتِيَار لَا يقبل التَّعْلِيق وَلَو قَالَ هِيَ طَالِق نفذ الطَّلَاق وَحصل الِاخْتِيَار ضمنا وَلَو قَالَ فَهِيَ مفسوخة النِّكَاح وَأَرَادَ الْفِرَاق لم ينفذ وَإِن فسر بِالطَّلَاق نفذ الطَّلَاق وَحصل التَّعْيِين ضمنا

(5/152)


الثَّالِثَة لَو وطئ وَاحِدَة هَل يكون تعيينا للنِّكَاح فِيهِ خلاف كَمَا لَو قَالَ إِحْدَاكُمَا طَالِق ثمَّ وطئ إِحْدَاهمَا
الرَّابِعَة إِذا أسلمت أَربع وَتَخَلَّفت أَربع فَاخْتَارَ المسلمات نفذ واندفعت المتخلفات وَإِن فسخ نِكَاح المسلمات والمتخلفات وثنيات لم ينفذ لِأَن من ضَرُورَته تَقْرِير نِكَاح الوثنيات وَرُبمَا أصررن فيتعذر ذَلِك وَفَائِدَته أَنَّهُنَّ إِذا أسلمن اسْتَأْنف اخْتِيَار من شَاءَ مِنْهُنَّ وَفِيه وَجه أَنه يبْنى على الْوَقْف فَإِن أصررن تبين بطلَان فَسخه وَإِن أسلمن نفذ وَلَيْسَ هَذَا كَمَا لَو بَاعَ خمرًا فَإِنَّهُ لَا يصير مَوْقُوفا على أَن يصير خلا لِأَن الْخمر لَا يقبل العقد وَمهما أسلمت الوثنيات كَانَ العقد مُسْتَندا إِلَى مَا سبق وَإِن اخْتَار المتخلفات للْفَسْخ نفذ قطعا لِأَن التَّقْرِير يلائم المسلمات وَإِن اخْتَار المتخلفات للنِّكَاح لم ينفذ إِلَّا على وَجه الْوَقْف وَهُوَ بعيد
نعم لَو طلقهن ثمَّ أسلمن فَهَل نتبين نُفُوذ الطَّلَاق فِيهِ خلاف ظَاهر لِأَن الطَّلَاق يقبل التَّعْلِيق فَلَا يبعد فِيهِ الْوَقْف أَيْضا
الْخَامِسَة لَو قَالَ حصرت المختارات فِي سِتّ صَحَّ وَتعين الْبَاقِيَات للْفَسْخ إِلَى أَن يتمم الِاخْتِيَار
السَّادِسَة لَو أسلمت الثَّمَانِية على ترادف وَكَانَ يُخَاطب كل مسلمة بِالْفَسْخِ تعين للفراق الْأَرْبَعَة الْأَخِيرَة فَإِن المسلمات السابقات يُمكن فِيهِنَّ التَّقْرِير وعَلى الْوَجْه الْبعيد يتَعَيَّن للفراق الْأَرْبَعَة الأولى بطرِيق الْوَقْف

(5/153)


الْفَصْل الْخَامِس فِي النَّفَقَة وَالْمهْر

فَنَقُول إِن أسلم الزَّوْج أَولا وَتَخَلَّفت وأصرت فَلَا نَفَقَة لَهَا فِي مُدَّة الْعدة لِأَنَّهَا بَائِنَة وَقد أساءت بالتخلف وَلَو أسلمت قبل انْقِضَاء الْعدة فالجديد أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ النَّفَقَة لمُدَّة التَّخَلُّف لِأَنَّهَا نَاشِزَة بالتخلف وَفِي الْقَدِيم تسْتَحقّ لِأَنَّهَا مَا أحدثت شَيْئا إِنَّمَا الزَّوْج أحدث تَبْدِيل الدّين وَهَذَا ضَعِيف إِذْ لَو ابْتَدَأَ الرجل سفرا فتخلفت تسْقط نَفَقَتهَا إِذْ يجب عَلَيْهَا الْمُوَافقَة فَكَذَلِك فِي الْإِسْلَام لَكِن هَذِه مُؤَاخذَة بِحكم الْإِسْلَام فَيجوز أَن لَا تؤاخذ بِهِ هَاهُنَا
فإمَّا إِذا سبقت الْمَرْأَة ثمَّ أسلم قبل انْقِضَاء الْعدة فَالْمَذْهَب أَنَّهَا تسْتَحقّ النَّفَقَة لِأَنَّهَا أَحْسَنت بِالْإِسْلَامِ وَفِيه وَجه بعيد أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ لِأَنَّهَا أحدثت شَيْئا مَانِعا من الِاسْتِمْتَاع وَلَو أصر الزَّوْج فَوَجْهَانِ وَالْقِيَاس أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ لِأَنَّهَا بَائِنَة
قَالَ القَاضِي مَأْخَذ التَّرَدُّد أَنَّهَا هَل هِيَ كالرجعية إِذْ الزَّوْج قَادر على تَقْرِير النِّكَاح

(5/154)


عَلَيْهَا وَهَذَا بعيد لأَنا نتبين بينونتها وَكَذَلِكَ لَو طَلقهَا وأصر لم ينفذ بِخِلَاف الرَّجْعِيَّة
ثمَّ إِن صَحَّ هَذَا الْقيَاس فَلَو سبق الرجل وَتَخَلَّفت الْمَرْأَة فَلم يبْق للزَّوْج عَلَيْهَا قدرَة فَيَنْبَغِي أَن تلْحق بالبائنة قطعا
فرعان فِي الِاخْتِلَاف

أَحدهمَا إِذا قضينا بِأَنَّهَا لَا تسْتَحقّ النَّفَقَة فِي مُدَّة التَّخَلُّف فَلَو تنَازعا فَقَالَ تخلفت عني عشْرين يَوْمًا وَقَالَت بل عشرَة فَالْقَوْل قَوْله إِذْ ثَبت النُّشُوز فعلَيْهَا إِثْبَات الزَّوَال
وَلَو تنَازعا فِي السَّبق فَقَالَ سبقت وَسقط حَقك مُدَّة التَّخَلُّف وَقَالَت بل سبقت أَنا فَالْقَوْل قَوْلهَا لِأَن النَّفَقَة ثَابِتَة فَعَلَيهِ إِثْبَات الْمسْقط إِلَّا إِذا اتفقَا على أَن إِسْلَامه كَانَ أول الِاثْنَيْنِ فَقَالَ الرجل أسلمت بعدِي وَقَالَت بل قبلك فَالْقَوْل قَوْله لِأَن الأَصْل استمرارها على الْكفْر
الثَّانِي لَو قَالَت أسلمت أَنْت أَولا قبل الْمَسِيس ولي نصف الْمهْر وَقَالَ بل أسلمت أَنْت أَولا وَلَا مهر لَك فَالْقَوْل قَوْلهَا لِأَن الأَصْل ثُبُوت الْمهْر
وَلَو تنَازعا فِي بَقَاء النِّكَاح فَقَالَ أسلمنَا مَعًا وَالنِّكَاح بَاقٍ وَقَالَت بل على التَّعَاقُب فَالْأَصْل بَقَاء النِّكَاح وَلَكِن التوافق فِي الْإِسْلَام نَادِر فيبنى على أَن الْمُدعى من الظَّاهِر مَعَه وَهِي الْمَرْأَة هَاهُنَا أَو من لَا يخلى وسكوته وَهُوَ الرجل

(5/155)


وَفِيه قَولَانِ

(5/156)


الْقسم الرَّابِع من الْكتاب فِي مُوجبَات الْخِيَار

وَأَسْبَاب الْخِيَار أَرْبَعَة
الْعَيْب
والغرور
وَالْعِتْق
والعنة

(5/158)


السَّبَب الأول الْعُيُوب

وَالنَّظَر فِي الْمُوجب والموجب
النّظر الأول فِي الْمُوجب والعيوب الْمُتَّفق على ثُبُوت الْخِيَار بهَا خَمْسَة
اثْنَان يخْتَص بهما الزَّوْج وَهُوَ الْجب والعنة وَاثْنَانِ تخْتَص بهما الْمَرْأَة وَهُوَ الرتق والقرن وَثَلَاثَة مُشْتَركَة بَينهمَا وَهُوَ البرص المستحكم الَّذِي لَا يقبل الْإِصْلَاح دون أَوَائِل الوضح والجذام المستحكم الَّذِي سود الْعُضْو وَأخذ فِي التقطيع وَالْجُنُون وَلَا يعْتَبر فِي الْجُنُون أَنه لَا يقبل العلاج

(5/159)


والجب الْمُثبت للخيار هُوَ الاستئصال بِحَيْثُ يكون الْبَاقِي أقل من الْحَشَفَة فَلَا يثبت الْخِيَار بِقطع الْبَعْض
وَاخْتلفُوا فِي ثَلَاثَة أُمُور
أَحدهَا أَن البخر والصنان والعذيوط الَّذِي لَا يقبل العلاج هَل يرد بِالْعَيْبِ الْمَشْهُور أَنه لَا يدر وَلَا يُزَاد على الْخمس وَعَن زَاهِر السَّرخسِيّ أَنه أثبت بِهَذِهِ الثَّلَاث وَزَاد القَاضِي حُسَيْن على هَذَا وَقَالَ لَا تَوْقِيف وَلَا حصر والمتبع كل عيب يكسر شَهْوَة التواق فيتعذر الِاسْتِمْتَاع بِهِ إِذْ لَو اعْتبر امْتنَاع الِاسْتِمْتَاع لاقتصر على الرتق

(5/160)


والقرن وَقَالَ قد تَجْتَمِع عُيُوب آحادها لَا يثبت وَلَكِن مجموعها ينفر فَيثبت الْخِيَار بِهِ
وَلَعَلَّ ذَلِك يجْرِي فِي كل مَا يُؤثر فِي التنفير تَأْثِير الجذام والبرص
الثَّانِي لَو كَانَ أحد الزَّوْجَيْنِ خُنْثَى فَفِي ثُبُوت الْخِيَار أَرْبَعَة أوجه
أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ عيب ضفر فَاحش
وَالثَّانِي لَا إِذْ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَة ثقبة فِي الرجل وَزِيَادَة سلْعَة فِي الْمَرْأَة
وَالثَّالِث أَنه إِن انْكَشَفَ الْحَال بعلامة محسوسة تورث الْيَقِين فَلَا يرد وَإِن كَانَ بعلامة منظنونة يرد لما فِيهِ من الْخطر
وَالرَّابِع أَنه لَا يرد مَا يثبت بعلامة أَيْضا بل مَا لم يثبت إِلَّا بِالْإِقْرَارِ
الثَّالِث أَن الْعَيْب الْمُثبت للخيار إِنَّمَا يثبت من الْجَانِبَيْنِ لَو كَانَ مُقَارنًا للْعقد فَلَو طَرَأَ قبل الْمَسِيس ثَبت الْخِيَار لَهَا فَإِن كَانَ بعده فَوَجْهَانِ إِلَّا فِي الْعنَّة فَإِنَّهَا إِن طرأت بعد الْوَطْء لم يثبت الْخِيَار لِأَن الْيَأْس لَا يحصل

(5/161)


وَهل يثبت الْخِيَار لَهُ إِذا طَرَأَ الْعَيْب عَلَيْهَا فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنه يثبت إِذْ لَا يفارقها إِلَّا فِي التَّمَكُّن من الطَّلَاق وَهُوَ جَار فِي الْمُقَارن أَيْضا ثمَّ اسْتَويَا
وَالثَّانِي لَا يثبت لِأَن العقد سلم أَولا وَهُوَ قَادر على الطَّلَاق وَالْمَرْأَة مضطرة لأجل التحصن
وَأما أَوْلِيَاء الْمَرْأَة فَلَا يثبت لَهُم الْخِيَار بالعيوب الطارئة وَهل يثبت بالمقارن ينظر إِن كَانَ فِيهِ عَار ثَبت كالجنون فَإِن الْعَار فِيهِ لَا يتقاصر عَن عَار الحرفة الدنية
وَالْفِسْق وَإِن لم يكن عَار فَلَا يثبت كالجب والعنة وَهل يثبت بالبرص والجذام فِيهِ وَجْهَان وَمِنْهُم من أثبت فِي الْجَمِيع وَقَالَ فِي الْجَمِيع عَار عَلَيْهِم

(5/162)


النّظر الثَّانِي فِي حكم الْخِيَار وَهُوَ على الْفَوْر ثمَّ إِن فسخت قبل الْمَسِيس سقط الْمهْر وَكَذَلِكَ إِن فسخ الزَّوْج بعيبها بِخِلَاف مَا إِذا ارْتَدَّ فَإِنَّهُ يتشطر الْمهْر لِأَن الْفَسْخ وَإِن كَانَ من جِهَته فسببه عيب من جِهَتهَا فيحال عَلَيْهَا وَإِن فسخت بعد الْمَسِيس فعلَيْهَا الْعدة
وَالنَّظَر فِي الْمهْر وَالرُّجُوع بِهِ وَالنَّفقَة فِي الْعدة

أما الْمهْر فساقط وَالرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل لِأَن مُقْتَضى الْفَسْخ ترَاد الْعِوَضَيْنِ لَكِن نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الرِّدَّة بعد الْمَسِيس أَن الْمُسَمّى يَتَقَرَّر لِأَن الْفَسْخ بِهِ لَا يسْتَند إِلَى أصل العقد فَلَا يدْفع الْمهْر الْمُسَمّى عِنْد العقد وَنَصّ فِيمَا إِذا كَانَ الْعَيْب مُقَارنًا أَنه يسْقط الْمُسَمّى فَقيل قَولَانِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِالنَّقْلِ مُقْتَضى والتخريج
أَحدهمَا أَنه يسْقط الْمُسَمّى فيهمَا لِأَنَّهُ مُقْتَضى الْفَسْخ
وَالثَّانِي يَتَقَرَّر لِأَنَّهُ إِذا لم يكن بُد من مهر الْمثل فالمسمى أولى
فَإِن فرعنا على النَّص وأسقطنا الْمُسَمّى وَكَانَ الْعَيْب طارئا فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا السُّقُوط كالمقارن
وَالثَّانِي التَّقْرِير لِأَن الْخلَل لم يسْتَند إِلَى أول العقد
وَالثَّالِث أَنه يسْقط إِلَّا إِذْ طَرَأَ بعد الْمَسِيس لِأَن الْوَطْء إِذا جرى على السَّلامَة فَيَنْبَغِي أَن يُقرر

(5/163)


الْمهْر
أما الرُّجُوع بِالْمهْرِ على الْوَلِيّ فَغير ثَابت قطعا إِن كَانَ الْعَيْب طارئا وَإِن كَانَ مُقَارنًا فَقَوْلَانِ
أقيسهما أَنه لَا رُجُوع إِذْ هُوَ كوكيل عَاقد سكت عَن ذكر الْعَيْب إِذْ لَيْسَ يَقع العقد لَهُ
وَالثَّانِي وَهُوَ مَذْهَب عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه يرجع لِأَنَّهُ كالغار
ثمَّ اخْتلفُوا هَل يشْتَرط أَن يكون الْوَلِيّ محرما حَتَّى يكون خَبِيرا بالتواطؤ فَلَا يعْذر فِي الْإخْفَاء
وَهل يشْتَرط علمه حَالَة العقد لثُبُوت تَقْصِيره فَمنهمْ من شَرط ذَلِك وَمِنْهُم من رَآهُ مقصرا بِكُل حَال

(5/164)


فَإِذا جَعَلْنَاهُ مغرورا وَكَانَت هِيَ الْغَارة ففائدته سُقُوط الْمهْر إِذْ كَيفَ يغرم لَهَا ثمَّ يرجع عَلَيْهَا وَلَكِن قيل لَا بُد وَأَن يسلم إِلَيْهَا أقل مَا يتمول تعبدا وَقيل إِن ذَلِك الْقدر هِيَ الْغَارة بِهِ فَيسْقط إِذْ لَا معنى للتسليم إِلَيْهَا ثمَّ الِاسْتِرْدَاد مِنْهَا
أما النَّفَقَة وَالسُّكْنَى فَلَا تثبت لَهَا إِن كَانَت حَائِلا وَسُقُوط السُّكْنَى كسقوط الْمهْر وَإِن كَانَت حَامِلا فلهَا النَّفَقَة على قَوْلنَا النَّفَقَة للْحَمْل فَإِن لَوَازِم النِّكَاح سَاقِطَة عِنْد الْفَسْخ

(5/165)


السَّبَب الثَّانِي للخيار الفرور

وَفِيه نظران
الأول فِي حكم الْغرُور وَصورته فَنَقُول إِذا قَالَ الْعَاقِد زَوجتك هَذِه الْمسلمَة فَإِذا هِيَ كِتَابِيَّة أَو هَذِه القرشية فَإِذا هِيَ نبطية أَو هَذِه الْحرَّة فَإِذا هِيَ أمة أَو مَا يجْرِي مجْرَاه مِمَّا يقْصد فِي النِّكَاح ففى انْعِقَاد العقد قَولَانِ كقولين فِيمَا إِذا قَالَ بِعْتُك هَذِه الرمك فَإِذا هِيَ نعجة الْأَصَح هَا هُنَا الصِّحَّة لِأَن هَذَا تفَاوت فِي الصّفة بعد تعْيين الْمَقْصُود وَذَلِكَ تفَاوت فِي الْجِنْس
فَإِن قُلْنَا يَصح فَهَل يثبت خِيَار الْخلف كَمَا فِي البيع فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا الْقيَاس على البيع

(5/166)


وَالثَّانِي الْفرق لافتراقهما فِي خِيَار الرُّؤْيَة وَالشّرط وَغَيره وَكَذَلِكَ إِذا غرت الْمَرْأَة بنسبه أَو حُرِّيَّته جرى الْخلاف فِي انْعِقَاد العقد ثمَّ فِي ثُبُوت خِيَار الْخلف لَكِن إِن قُلْنَا لَا يثبت خِيَار الْخلف فلهَا الْخِيَار بِسَبَب فَوَات النّسَب إِذا لم يكن الزَّوْج كفؤها وَكَذَلِكَ للأولياء الْخِيَار إِن رضيت بِمن هُوَ دونهَا وَكَأن للشّرط مدخلًا أَيْضا فِي التَّأْثِير لِأَنَّهُ لَو زَوجهَا الْوَلِيّ بِرِضَاهَا من مَجْهُول فَإِذا هُوَ غير كفؤ فَلَا خِيَار لِأَن هَذَا لَيْسَ بِعَيْب وَإِنَّمَا هُوَ فَوَات منقبة وَلم يجر شَرط وَالْوَلِيّ هُوَ المقصر إِذْ لم يقدم الْبَحْث فَكَأَنَّهُ إِذا جرى شَرط أثر فِي نفي التَّقْصِير من جِهَة الْوَلِيّ والتحق عدم الْكَفَاءَة بِالْعَيْبِ فِي إِثْبَات الْخِيَار لَهَا وللولي
وَلَو نكح مَجْهُولَة ظَنّهَا مسلمة فَإِذا هِيَ كِتَابِيَّة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَهُ الْخِيَار وَلَو ظَنّهَا حرَّة فَإِذا هِيَ رقيقَة قَالَ لَا خِيَار لَهُ فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج

(5/167)


مأخذهما أَن الْكفْر وَالرّق هَل يلْتَحق بالعيوب الْخمس وَمِنْهُم من فرق وَقَالَ الْكفْر منفر فَهُوَ عيب وَإِن لم يجر شَرط وَالرّق غير منفر فَهَذَا تَقْرِير النصين وَمِنْهُم من قرر النَّص وَلَكِن قَالَ مأخذه أَن الْكِتَابِيَّة تتَمَيَّز عَن الْمسلمَة إِذْ وَليهَا كَافِر فَلَا تشتبه إِلَّا بتلبيس فمأخذه الْغرُور وَكَأَنَّهُ حصل الْغرُور بِمُجَرَّد الْفِعْل من غير قَول
وَأَنا أَقُول إِن أمكن أَن يَجْعَل هَذَا تغريرا مثبتا للخيار فَلَو نَكَحَهَا وَظن بَكَارَتهَا فَإِذا هِيَ ثيب ثمَّ يبعد إِثْبَات الْخِيَار لِأَن النفرة هَا هُنَا أعظم وَكَثِيرًا مَا يَقع هَذَا فِي الفتاوي
أما إِذا شَرط بَكَارَتهَا فِي العقد فَيجْرِي قولا الإنعقاد وقولا خِيَار الْخلف
وكل تغرير سَابق على العقد فَلَا يُؤثر فِي صِحَة العقد ويؤثر فِي إِثْبَات الرُّجُوع بِالْمهْرِ لِأَن قَول الرُّجُوع بِالْمهْرِ على الْغَار قوي هَا هُنَا بِخِلَاف مَذْهَب عمر رَضِي الله عَنهُ فِي الرُّجُوع بِسَبَب عدم ذكر الْعُيُوب
النّظر الثَّانِي فِي حكم الْوَلَد إِذا جرى التَّغْرِير بِالرّقِّ

وَله أَحْكَام
الأول أَنه إِذا غر بحريّة أمة فأحبلها انْعَقَد الْوَلَد على الْحُرِّيَّة لظَنّه الْحُرِّيَّة سَوَاء كَانَ الزَّوْج حرا أَو عبدا لِأَن العَبْد يُسَاوِي الْحر فِي الظَّن وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله ينْعَقد ولد العَبْد رَقِيقا دون الْحر

(5/168)


الثَّانِي يجب أَنه قيمَة الْوَلَد على الزَّوْج لسَيِّد الْأمة لِأَن الرّقّ فِي الْأُم يُوجب رق الْوَلَد واندفاعه بظنه فَهُوَ المتسبب فِي عتقه وَإِنَّمَا تجب قِيمَته إِذا انْفَصل حَيا بِاعْتِبَار يَوْم الإنفصال وَلَو انْفَصل مَيتا لَا بِجِنَايَة جَان فَلَا شيأ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُمكن اعْتِبَار قِيمَته قبل الإنفصال وَهُوَ فِي الْحَال لَا قيمَة لَهُ
الثَّالِث أَنه إِذا غرم رَجَعَ بِهِ على الْغَار قولا وَاحِدًا قضى بِالرُّجُوعِ بِقِيمَة الْوَلَد عمر رَضِي الله عَنهُ وَوَافَقَهُ الْعلمَاء
وَأما الْمهْر فَفِي الرُّجُوع بِهِ قَولَانِ لِأَن الْبضْع فَاتَ بِالْمُبَاشرَةِ فَلَا يبعد أَن يقدم على سَبَب الْغرُور وَأما رق الْوَلَد ففات بظنه وَهُوَ سَبَب منشأه قَول الْغَار فَكَانَ السَّبَب الأول أولى بِالِاعْتِبَارِ
الرَّابِع أَنه لَا يرجع مَا لم يغرم كالضامن لَا يرجع على الْمَضْمُون عَنهُ مَا لم يغرم وَكَذَلِكَ الدِّيَة المضروبة على الْعَاقِلَة بِشَهَادَة الشُّهُود إِذا رجعُوا يغرمونها ثمَّ يرجعُونَ على الشُّهُود

(5/169)


الْخَامِس فِي مَحل الْغرم ومتعلقه وَهُوَ الذِّمَّة إِن كَانَ الزَّوْج حرا وَإِن كَانَ عبدا فَثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا أَنه يتَعَلَّق بِكَسْبِهِ لِأَنَّهُ من لَوَازِم النِّكَاح كَالنَّفَقَةِ وَالْمهْر
وَالثَّانِي بِرَقَبَتِهِ لِأَن النِّكَاح لَا يَقْتَضِي قيمَة الْوَلَد وَهُوَ نتيجة اتلافه
وَالثَّالِث يتَعَلَّق بِذِمَّتِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ جانيا وَلَا وُجُوبه مقتضي النِّكَاح بل هُوَ مُقْتَضى ظَنّه فَسَار كَمَا لَو لزم بضمانه
وعَلى هَذَا يرجع على الْغَار بعد الْعتْق لِأَنَّهُ يغرم بعد الْعتْق وعَلى الْقَوْلَيْنِ الآخرين يرجع السَّيِّد مهما غرم من كَسبه أَو رقبته
وَأما الْمهْر فَيتَعَلَّق بِكَسْبِهِ مهما جرى الْفَسْخ بِخِيَار الْغرُور إِن أَوجَبْنَا الْمُسَمّى وَإِن رَجعْنَا إِلَى مهر الْمثل فَفِيهِ الْأَقْوَال الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة فِيمَا إِذا أذن لَهُ فِي النِّكَاح فنكح نِكَاحا فَاسِدا ووطأ فَتعلق مهر الْمثل هَا هُنَا بِكَسْبِهِ أظهر لِأَنَّهُ وَجب بِحكم نِكَاح صَحِيح
السَّادِس فِي المرجوع عَلَيْهِ وَهُوَ وَكيل السَّيِّد إِذا زوجه لِأَنَّهُ لَا يتَصَوَّر الْغرُور من السَّيِّد لِأَنَّهُ لَو قَالَ زَوجتك هَذِه الْحرَّة عتقت

(5/170)


أما إِذا كَانَت الْغَارة هِيَ الْأمة نَفسهَا تعلق الْعهْدَة بذمتها لَا بِكَسْرِهَا ورقبتها لِأَنَّهَا لَيست مأذونه وَلَا جانية بل تلطفت بِلَفْظ فيلزمها الْعهْدَة
فَإِن كَانَت مُكَاتبَة فَارَقت الْأمة فِي شييئى
أَحدهمَا أَنه لَا مهر لَهَا لِأَنَّهَا مُسْتَحقَّة الْمهْر فَكيف يغرم لَهَا وَيرجع عَلَيْهَا نعم تُعْطى قدر مَا يتمول على وَجه كَمَا سبق
وَالثَّانِي أَنا إِذا قُلْنَا وَلَده الْمُكَاتبَة قن فَتجب قِيمَته كَمَا فِي الْأمة وَإِن قُلْنَا مكَاتب فَهِيَ مُسْتَحقَّة الْقيمَة فَلَا يغرم لَهَا إِذْ عَلَيْهَا الرُّجُوع فَإِنَّهَا الْغَارة
وَإِن كَانَ الْغرُور من الْأمة وَمن وَكيل السَّيِّد جَمِيعًا فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا أَنه يرجع على أَيهمَا شَاءَ إِذْ كل وَاحِد بَاشر سَببا كَامِلا من الْغرُور لَو انْفَرد بِهِ

(5/171)


وَالثَّانِي أَنه يرجع على كل وَاحِد بِالنِّصْفِ لاشْتِرَاكهمَا فِي السَّبَب
فرع إِذا انْفَصل الْوَلَد مَيتا بِجِنَايَة جَان فعلى الجانى غرَّة عبد أَو أمة تصرف إِلَى أَب الْجَنِين وجدته بطرِيق الْإِرْث وَلَا يُمكن للجنين وَارِث مَعَ الْأَب سوى الْجدّة أم الْأُم
وَمَا الَّذِي يغرم للسَّيِّد فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا وَهُوَ اخْتِيَار القَاضِي أَنه يغرم للسَّيِّد عشر قيمَة الْأُم فَإِن هَذَا الْقدر هُوَ الَّذِي فَاتَ عَلَيْهِ بظنه
وَالثَّانِي أَنه يغرم أقل الْأَمريْنِ من قيمَة الْغرَّة الَّتِي سلمت لَهُ أَو عشر قيمَة الْأُم فَإِنَّهُ إِن كَانَ قيمَة الْغرَّة أقل فَكيف يضمن زِيَادَة وَالْولد الْمَيِّت لَا ضَمَان لَهُ وَإِنَّمَا لزم الضَّمَان لسَبَب حُصُول هَذَا الْقدر بِسَبَب الْجِنَايَة وَلَو زَادَت الْغرَّة فَالزِّيَادَة للمغرور فَإِنَّهُ زَاد بِسَبَب حريَّة الْوَلَد
التَّفْرِيع إِن أَوجَبْنَا الْعشْر فَهُوَ وَاجِب من غير تَفْصِيل وَإِن أَوجَبْنَا الْأَقَل فَينْظر إِلَى قدر مَا سلم لَهُ فَإِن كَانَ مَعَه جدة لم يحْسب عَلَيْهِ إِلَّا خَمْسَة أَسْدَاس الْغرَّة وَلَا يغرم أَيْضا مَا لم يسلم إِلَيْهِ
وَهَذَا إِن كَانَ الْجَانِي أَجْنَبِيّا ووراءه أَحْوَال وَهُوَ أَن يكون الْجَانِي هُوَ السَّيِّد أَو الْمَغْرُور أَو عبد الْمَغْرُور
فَإِن كَانَ هُوَ السَّيِّد غرم عَاقِلَته لوَرَثَة الْجَنِين الْغرَّة وَغرم الْمَغْرُور لَهُ الْعشْر أَو أقل الْأَمريْنِ على مَا سبق وَيحْتَمل أَن يُقَال لَا يغرم الْمَغْرُور شَيْئا إِذْ كَانَ سَبَب غرمه أَنه فَاتَ بظنه والآن قد فَاتَ بِجِنَايَة السَّيِّد وَلَكِن يُمكن أَن يُقَال لما غرم الْعَاقِلَة انمحى أثر جِنَايَته وَقد انْفَصل مَضْمُونا

(5/172)


فَلَا يهدر فِي حَقه
وَإِن كَانَ الْجَانِي هُوَ الْمَغْرُور وَجب الدِّيَة على عَاقِلَته لبَقيَّة الْوَرَثَة دونه فَإِنَّهُ حجب نَفسه عَن الْإِرْث بِجِنَايَتِهِ وَوَجَب عَلَيْهِ الْغرم للسَّيِّد إِن أَوجَبْنَا الْعشْر وَإِن لاحظنا الْغرَّة فَكيف نلزمه شَيْئا وَلَا نسلم لَهُ الْغرَّة قَالَ الْأَصْحَاب الْوَجْه أَن يُقَال قدر الْعشْر من الْغرَّة للسَّيِّد وَالْبَاقِي للْوَرَثَة فَإِن تفريمه من غير تَسْلِيم شيئ إِلَيْهِ على الْمَذْهَب الَّذِي يُلَاحظ الْغرَّة بعيد
وَعِنْدِي أَن ذَلِك غير بعيد لِأَن مَا صرف عَن نَفسه بجانيته كَأَنَّهُ استوفاها وَهُوَ كَمَا لَو أَخذ الْغرَّة وأتلفها
وَإِن كَانَ الْجَانِي عبد الْمَغْرُور تعلق حِصَّة بَقِيَّة الْوَرَثَة بِرَقَبَتِهِ وَأما حِصَّته فَلَا يُمكن أَن تتَعَلَّق بِرَقَبَة عَبده فَكَأَنَّهُ استوفاها وَلَا يَجْعَل ذَلِك كالساقط بحرمانه عَن الْمِيرَاث لِأَن حَقه كَالثَّابِتِ هَا هُنَا تَقْديرا

(5/173)


السَّبَب الثَّالِث للخيار الْعتْق

وَفِيه مسَائِل
الأولى أَنَّهَا إِن عتقت تَحت حر فَلَا خِيَار لَهَا وَإِن عتقت تَحت عبد فلهَا الْخِيَار لما رُوِيَ أَن بَرِيرَة عتقت تَحت عبد فَخَيرهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا يثبت لَهَا الْخِيَار إِذا عتق

(5/174)


جَمِيعهَا فَلَو عتق بَعْضهَا لم تتخير وَلَو عتقت بكمالها تَحت من نصفه حر وَنصفه رَقِيق تخيرت لحُصُول الضرار
وَلَا خِيَار بِسَبَب طرآن الِاسْتِيلَاد وَالْكِتَابَة قبل حُصُول الْعتْق
الثَّانِيَة لَو عتقت ثمَّ عتق الزَّوْج قبل علمهَا فَفِي ثُبُوت الْخِيَار وَجْهَان كالوجهين فِيمَا إِذا علم بِالْعَيْبِ بعد زَوَاله
الثَّالِثَة إِذا طَلقهَا الزَّوْج قبل الْفَسْخ طَلَاقا رَجْعِيًا فلهَا الْفَسْخ فَإِن فسخت فَهَل تسْتَأْنف عدَّة أُخْرَى فِيهِ خلاف وَإِن أجازت لم تصح إجازتها لِأَنَّهَا لَا تفِيد حلا وَهِي صائرة إِلَى الْبَيْنُونَة وَلَا يخرج على وقف الْعُقُود بل هُوَ كَمَا لَو بَاعَ خمرًا فَصَارَ خلا وَفِيه وَجه بعيد أَنه يخرج على الْوَقْف
وَإِن كَانَ الطَّلَاق بَائِنا فَلَا معنى لإجارتها وَلَا لفسخها وَنقل الْمُزنِيّ أَنه ينفذ فَسخهَا ونتبين بطلَان الطَّلَاق وَكَأن حَقّهَا كَانَ قَوِيا فِي الْفَسْخ فَلَيْسَ للزَّوْج إِبْطَاله بِالطَّلَاق
الرَّابِعَة إِذا عتق الزَّوْج وَتَحْته أمة فَلَا خِيَار لَهُ لِأَن الْخَبَر ورد فِيهَا وَلَيْسَت الْمَرْأَة كَالرّجلِ فِي هَذَا الْمَعْنى وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجها أَنه يثبت الْخِيَار لَهُ قِيَاسا لأَنا ألحقنا رق

(5/175)


الزَّوْج بالعيوب حَتَّى يثبت لَهَا الْخِيَار وَقد ثَبت اسْتِوَاء الزَّوْجَيْنِ فِي الْعُيُوب
الْخَامِسَة أَن هَذَا الْخِيَار على الْفَوْر أم لَا فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهمَا أَنه على الْفَوْر كَخِيَار الْعَيْب فِي البيع
وَالثَّانِي على التَّرَاخِي حَتَّى لَا يسْقط إِلَّا بِإِسْقَاط أَو تَمْكِين من الْوَطْء مَعَ جَرَيَان الْوَطْء لِأَن البيع لَا يقْصد مِنْهُ إِلَّا الْمَالِيَّة وَيدْرك على الْفَوْر فَوَاته بِالْعَيْبِ ومقاصد النِّكَاح كَثِيرَة تفْتَقر إِلَى التروي ثمَّ لَا يُمكن إدامته مَعَ جَرَيَان الْوَطْء وعَلى التَّأْبِيد فَيسْقط بالإسقاط أَو الْوَطْء
وَالثَّالِث أَنه يتمادى ثَلَاثَة أَيَّام وَيَكْفِي ذَلِك مهلة للتروي
وَالظَّاهِر أَن خِيَار الْعَيْب فِي النِّكَاح على الْفَوْر وَقد حكى وَجه فِي طرد الْأَقْوَال فِيهِ وَهُوَ غَرِيب ومنقاس إِذْ الْفرق عسير وغايته أَن الْأمة لم تطلع من حَال أَمر الزَّوْج على أَمر جَدِيد حَتَّى تدْرك على الْفَوْر مصْلحَته فيفتقر إِلَى التروي بِخِلَاف مَا إِذا اطلع على عيب لم يعرفهُ

التَّفْرِيع
لَو وَطئهَا العَبْد فادعت الْجَهْل نقل الْمُزنِيّ قَوْلَيْنِ فَمنهمْ من قَالَ يقبل وَمِنْهُم من قَالَ لَا يقبل
فَمنهمْ من قَالَ أَرَادَ مَا إِذا ادَّعَت الْجَهْل بِعتْقِهَا أما إِذا ادَّعَت الْجَهْل بِثُبُوت الْخِيَار فَيقبل وَمِنْهُم من قَالَ إراد إِذا ادَّعَت الْجَهْل بِثُبُوت الْخِيَار شرعا لِأَنَّهَا لَا تعذر على قَول

(5/176)


كَمَا لَو ادّعى المُشْتَرِي الْجَهْل بِخِيَار الْعَيْب وَتعذر على قَول لِأَن ذَلِك شَائِع وَهَذَا قد يخفى
أما إِذا ادَّعَت الْجَهْل بِعتْقِهَا فَيقبل لِأَنَّهُ لَا تَقْصِير مِنْهَا أصلا
وَأما إِذا ادَّعَت الْجَهْل بِأَن الْخِيَار على الْفَوْر فَلَا تعذر وَلَو ادَّعَت الْجَهْل بِخِيَار البرص والعيوب فَيَنْبَغِي أَن يخرج على الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ فِي مَظَنَّة الالتباس
السَّادِسَة إِذا عتقت قبل الْمَسِيس وفسخت سقط كَمَال الْمهْر لِأَن الْفَسْخ حصل بِسَبَبِهَا وَلنْ يسْتَند إِلَى عيب فِي الزَّوْج
وَإِن فسخت بعد الْمَسِيس قطعُوا بِأَن المسمي لَا يسْقط وَلم يطردوا القَوْل الْمخْرج هَا هُنَا وَوَجهه أَن الْمهْر هَا هُنَا للسَّيِّد وَقد اسْتَقر بِالْوَطْءِ فَلَا يظْهر أثر فَسخهَا فِي اسْتِرْدَاد الْمهْر مِنْهُ وَقد أحسن إِلَيْهَا إِذْ أعْتقهَا

(5/177)


السَّبَب الرَّابِع الْعنَّة

وَالنَّظَر فِي أَرْبَعَة أُمُور
الأول السَّبَب وَهُوَ امْتنَاع الوقاع وَحُصُول الْيَأْس مِنْهُ يجب أَو عنة وَمعنى الْعنَّة سُقُوط الْقُوَّة الناشرة للآلة وَلَو حصل ذَلِك بِمَرَض مزمن يَدُوم ثَبت الْخِيَار أَيْضا إِذْ الْعنَّة مرض فِي عُضْو مَخْصُوص وَهَذَا فِي جَمِيع الْبدن
والخصي هَل يلْتَحق بالمجبوب فِيهِ قَولَانِ وَلَعَلَّ مأخذه أَنه يفوت بِهِ الْوَلَد دون الْمُبَاشرَة والعنة الطارئة بعد الْوَطْء لَا تُؤثر قولا وَاحِدًا
وَلَو عَن عَن امْرَأَة دون أُخْرَى ثَبت الْخِيَار وَلَو عَن المأتى وَقدر على غير المأتى ثَبت الْخِيَار وَلَو امْتنع مَعَ الْقُدْرَة فَلَا يثبت الْخِيَار وَلَكِن هَل يثبت للْمَرْأَة الْمُطَالبَة بوطأة وَاحِدَة فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا يثبت لِأَن داعيته كَافِيَة فِي الاستحثاث

(5/178)


وَالثَّانِي تثبت الْمُطَالبَة لعلتين
إِحْدَاهمَا حُصُول أصل التحصن
وَالثَّانيَِة تَقْرِير الْمهْر
وَإِنَّمَا لَا تثبت الْمُطَالبَة بِكُل حَال لِأَنَّهُ قد يفتر عَن الْوَفَاء بمطالبتها لَو سلطت عَلَيْهِ وَالْمَرْأَة لَا تعجز عَن التَّمْكِين
فَإِن عللنا بتقرير الْمهْر لم تثبت الْمُطَالبَة بعد الْإِبْرَاء وَثَبت لسَيِّد الْأمة الْمُطَالبَة دون الْأمة لِأَن الْمهْر لَهُ
وَمهما غيب مِقْدَار الْحَشَفَة سَقَطت الْمُطَالبَة فَإِنَّهُ وَطْء كَامِل فِي التَّحْلِيل والإحصان وَالْعدة وَالْغسْل وَالْحَد وَغَيرهَا
النّظر الثَّانِي فِي الْمدَّة عنته إِمَّا بِإِقْرَارِهِ أَو يَمِينهَا بعد نُكُوله ضربت الْمدَّة سنة حَتَّى تَتَكَرَّر عَلَيْهِ الْفُصُول الْأَرْبَعَة فَرُبمَا يتَغَيَّر الطَّبْع فَلَو قَالَ مارست نَفسِي وَأَنا عنين فَلَا تضربوا لي الْمدَّة فَلَا نبالي بقوله بل لَا بُد من الْمدَّة
وَلَا يتَصَوَّر أَن تثبت الْعنَّة بِشَهَادَة لِأَنَّهُ لَا مطلع عَلَيْهَا نعم القَوْل قَوْله إِذا أنكر الْعنَّة فَإِن نكل حَلَفت لِأَنَّهَا بقرائن الْأَحْوَال بعد طول الممارسة تعلم وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق لَا تحلف لِأَنَّهَا لَا تعلم كَمَا لَا يشْهد الشَّاهِد وَهُوَ بعيد بل إِذا تنَازعا فِي نِيَّة الطَّلَاق فنكل قضى الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ برد الْيَمين عَلَيْهَا مَعَ أَن النِّيَّة غيب فَهَذَا أولى
وَإِذا حلف الرجل على أَنه لَيْسَ بعنين تَرَكْنَاهُ وَلم نطالبه بِإِقَامَة الْبُرْهَان بالإقدام على

(5/179)


الْوَطْء إِلَّا إِذا قُلْنَا لَهَا الْمُطَالبَة بوطأة وَاحِدَة فَذَلِك يثبت أَيْضا فِي حق غير الْعنين
والعنة بعد الْوَطْء لَا توجب الْخِيَار لِأَنَّهُ إِذا قدر مرّة فَرُبمَا تعود الْقُدْرَة
ثمَّ إِذا أقرّ أَو حَلَفت لم تضرب الْمدَّة إِلَّا بالتماسها فَإِن سكتت لم تضرب وتستوي مُدَّة الْحر وَالْعَبْد لِأَن هَذَا أَمر يتَعَلَّق بالطبع
فَإِن مَضَت الْمدَّة وَلم يجر وَطْء بالِاتِّفَاقِ رفعت الْأَمر إِلَى القَاضِي فَإِن لَهُ نظرا فِي دَعْوَاهُ الْإِصَابَة فَإِذا قضى عَلَيْهِ بالعنة فسخت كَمَا فِي الْجب وَسَائِر الْعُيُوب وَفِيه وَجه أَن القَاضِي هُوَ الَّذِي يتعاطى الْفَسْخ لِأَن ظُهُور ذَلِك فِي مَحل الِاجْتِهَاد
وَلَا خلاف فِي أَن القَاضِي لَا يُطلق عَلَيْهِ كَمَا يفعل فِي المؤلي على قَول لِأَن الْإِيلَاء كَانَ طَلَاقا فِي الْجَاهِلِيَّة فَجعل مُوجبا للطَّلَاق وَأما هَذَا ففسخ كَخِيَار الْعُيُوب
فرع إِنَّمَا تحسب الْمدَّة إِذا لم تَعْتَزِل عَنهُ فَإِن اعتزلت لم تحسب وَلَو انْعَزل الزَّوْج قصدا

(5/180)


حسب لِأَنَّهُ لَا يعجز عَن المدافعة بذلك وَلَو سَافر فَوَجْهَانِ الظَّاهِر أَنه يحْسب
النّظر الثَّالِث فِي اسْتِيفَاء الْخِيَار وَهَذَا الْفَسْخ فِي الْأَحْكَام كالفسخ بِالْعَيْبِ فِي أَنه على الْفَوْر وَأَنه إِن رضيت فَلَا اعْتِرَاض للْوَلِيّ وَلَو رضيت فَلَا عود إِلَى الطّلب بِخِلَاف رِضَاهَا بِالزَّوْجِ المؤلي فَإِن الْقُدْرَة حَاصِلَة والتوقع ثمَّ دَائِم وَأما هَا هُنَا فَحصل الْيَأْس
وَإِن فسخت فِي أثْنَاء الْمدَّة لم ينفذ وَإِن رضيت فَهَل ينفذ حَتَّى يسْقط حَقّهَا قَولَانِ
أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ لم يثبت الْفَسْخ وَالرِّضَا فِي مُقَابلَته فَلَا يثبت قبله
وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهَا تَدعِي الْمعرفَة بالعنة
وَلَو رضيت بعد الْمدَّة فَطلقهَا زَوجهَا ثمَّ رَاجعهَا وَكَانَت الْعدة وَجَبت باستدخال مائَة لم يثبت لَهَا الْمُطَالبَة ثَانِيًا وَإِن أَبَانهَا ثمَّ جدد نِكَاحهَا فَقَوْلَانِ
أَحدهمَا لَا يعود لِأَنَّهَا رضيت مرّة
الثَّانِي نعم لِأَنَّهَا رُبمَا توقعت عود قوته وَلذَلِك لَو وَطئهَا فِي النِّكَاح الأول وَعَن عَنْهَا فِي النِّكَاح الثَّانِي ثَبت لَهَا الْمُطَالبَة وَلَو عَن عَنْهَا فِي ذَلِك النِّكَاح بعد الْوَطْء لم تطالب
النّظر الرَّابِع فِي النزاع فِي الْإِصَابَة وَمهما تنَازعا فَالْقَوْل قَول من يُنكر الْإِصَابَة إِلَّا فِي

(5/181)


ثَلَاثَة مَوَاضِع
أَحدهَا إِذا تنَازعا فِي مُدَّة الْعنَّة وَالْإِيلَاء فَالْقَوْل قَوْله وَإِن كَانَ الأَصْل عدم الْإِصَابَة لِأَنَّهُ يعسر عَلَيْهِ إِقَامَة الْبَيِّنَة فَإِن أَقَامَت البية على بَكَارَتهَا رَجعْنَا إِلَى تصديقها وحلفناها لاحْتِمَال رُجُوع الْبكارَة
الثَّانِي إِذا قَالَت طلقتني بعد الْمَسِيس ولي كَمَال الْمهْر فَأنْكر فَالْقَوْل قَوْله إِلَّا إِذا أَتَت بِولد لزمان يحْتَمل أَن يكون الْعلُوق فِي النِّكَاح فَإنَّا نثبت النّسَب بِالِاحْتِمَالِ ونقوي بِهِ جَانب الْمَرْأَة فَنَجْعَل القَوْل قَوْلهَا
فَإِن لَاعن عَن الْوَلَد اسْتَقر الظَّاهِر فِي جَانِبه فنرجع إِلَى الْقيَاس وتصديقه بِيَمِينِهِ
الثَّالِث إِذا تنَازعا فِي الْوَطْء مَعَ التوافق على جَرَيَان الْخلْوَة قَالَ بعض الْأَصْحَاب الْخلْوَة تصدق من يَدعِي الْوَطْء وَالأَصَح أَن ذَلِك لَا يُؤثر فِي تَغْيِير قانون التَّصْدِيق

(5/182)


الْقسم الْخَامِس من الْكتاب
فِي فُصُول مُتَفَرِّقَة شذت عَن هَذِه الضوابط وَهِي سِتَّة فُصُول
الْفَصْل الأول فِيمَا يستباح من الِاسْتِمْتَاع بِالنِّكَاحِ

فَنَقُول يحل للرجل جَمِيع فنون الِاسْتِمْتَاع وَلَا يسْتَثْنى عَنهُ إِلَّا كَرَاهَة فِي النّظر إِلَى الْفرج وَتَحْرِيم مُؤَكد فِي الْإِتْيَان فِي الدبر وَنهي عَن الْعَزْل على وَجه وَالصَّحِيح أَن الْعَزْل جَائِز مُطلقًا وَمِنْهُم من منع مُطلقًا وَقَالَ هُوَ الوأد الْأَصْغَر وَمِنْهُم من أَبَاحَ فِي الْمَنْكُوحَة الرقيقة دون الْحرَّة خوفًا من إرقاق الْوَلَد وَمِنْهُم من جوز برضى الْمَرْأَة كَأَنَّهُ يحذر من تضررها وكل ذَلِك ضَعِيف بل الْقيَاس أَن الإمتناع عَن إرْسَال المَاء فِي الرَّحِم كالإمتناع عَن أصل الْإِنْزَال وَتَحْقِيق هَذِه الْمَسْأَلَة ذَكرنَاهَا على الإستقصاء فِي كتاب النِّكَاح من كتب إحْيَاء عُلُوم الدّين فِي ربع الْعَادَات فليطلب مِنْهُ

(5/183)


وَلَا خلاف فِي جَوَاز الْعَزْل من السّريَّة والمملوكة حفظا للْملك وَاخْتلفُوا فِي أَن الْمُسْتَوْلدَة كالسرية أَو كالمنكوحة
وَأما الْإِتْيَان فِي الدبر فمحرم فِي الْمَمْلُوك والمملوكة والمنكوحة وَمَا يحْكى عَن بعض الْأَئِمَّة من تجويزه فِي الْمَنْكُوحَة فَهُوَ اختراع بل النَّص عَن فِي النَّهْي عَن اتيان النِّسَاء فِي الْمَحِيض

(5/184)


وتعليله بِأَنَّهُ أذا مُنَبّه على تَحْرِيمه بطرِيق الأولى فَإِن الْأَذَى فِي ذَلِك الْموضع دَائِم
ثمَّ اتّفق الْأَصْحَاب على أَنه فِي معنى الْوَطْء فِي إِفْسَاد الْعِبَادَات وَوُجُوب الْغسْل من الْجَانِبَيْنِ وَوُجُوب الْكَفَّارَة وَوُجُوب مهر الْمثل فِي النِّكَاح الْفَاسِد وبالشبهة وَوُجُوب الْعدة وَحُرْمَة الْمُصَاهَرَة
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يتَعَلَّق بِهِ التَّحْلِيل والإحصان إحتياطا للتحليل ولسقوط الْحَد وترددوا فِي أَرْبَعَة أُمُور

(5/185)


أَحدهَا النّسَب وَالظَّاهِر أَنه يثبت أَن المَاء قد يسْبق وَيتَّجه هَذَا عِنْد من يثبت النّسَب فِي السّريَّة بِمُجَرَّد الْوَطْء مَعَ الْعَزْل
الثَّانِي تَقْرِير الْمُسَمّى فِي النِّكَاح وَالظَّاهِر أَنه يتَعَلَّق بِهِ وَإِنَّمَا ذكر الْعِرَاقِيُّونَ فِيهِ ترددا مَعَ قطعهم بِوُجُوب مهر الْمثل فِي النِّكَاح الْفَاسِد
وَالثَّالِث الرَّجْم وَالْجَلد ثمَّ إِذا أَوجَبْنَا بِهِ الْحَد لم نوجبه فِي الْمَمْلُوكَة والمنكوحة بل ذَلِك كإتيانهما فِي الْحيض ونوجب فِي الْمَمْلُوك لِأَن الْملك هَاهُنَا لَا ينتهض شُبْهَة بِخِلَاف وَطْء الْأُخْت الْمَمْلُوكَة فَإِن الصَّحِيح ثمَّ سُقُوط الْحَد لقِيَام الْمُبِيح
الرَّابِع فِي الاستنطاق فِي النِّكَاح وَالظَّاهِر أَنَّهَا لَا تستنطق وَفِيه وَجه أَنَّهَا كالثيب

(5/186)


الْفَصْل الثَّانِي فِي وَطْء الْأَب جَارِيَة الابْن

وَهُوَ حرَام وَلَكِن لَهُ فِي مَال ابْنه شُبْهَة الإعفاف وبمثل هَذِه الشُّبْهَة يسْقط عَنهُ حد السّرقَة فتؤثر هَذِه الشُّبْهَة أَيْضا فِي دَرْء الْحَد عَنهُ وَوُجُوب الْمهْر عَلَيْهِ وَفِي تَحْرِيم الْجَارِيَة على الابْن أبدا بِحكم الْمُصَاهَرَة وَفِي ثُبُوت النّسَب وانعقاد الْوَلَد على الْحُرِّيَّة وَهل تصير مُسْتَوْلدَة لَهُ إِذا أحبلها فِيهِ قَولَانِ
الْمَنْصُوص وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة أَنَّهَا تصير مُسْتَوْلدَة إِذْ لَا وَجه للْحكم بحريّة الْوَلَد إِلَّا نقل الْملك إِلَيْهِ رِعَايَة لحُرْمَة الْأُبُوَّة
وَالثَّانِي وَهُوَ مَذْهَب الْمُزنِيّ أَنه لَا يثبت لِأَنَّهُ لَا سَبَب لنقل الْملك إِلَيْهِ وَلَيْسَ من ضَرُورَة حريَّة الْوَلَد نقل الْملك إِلَيْهِ فَإِن الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ يُوجب حريَّة الْوَلَد وَلَا يُوجب أُميَّة الْوَلَد وَكَذَلِكَ الْمَغْرُور بحريّة الْجَارِيَة يخلق الْوَلَد حرا وَلَا تحصل أُميَّة الْوَلَد لِلْجَارِيَةِ وَلَا ينْقل الْملك إِلَيْهِ وَحكي عَن صَاحب التَّقْرِيب قَول ثَالِث فِي الْفرق بَين الْمُعسر والموسر كَمَا فِي

(5/187)


سرَايَة الْعتْق فَإِن قُلْنَا لَا تحصل فَلَا يجوز بيع الْجَارِيَة وَهِي حَامِل بِولد حر وَهل تجب قيمَة الْجَارِيَة على الْأَب لهَذِهِ الْحَيْلُولَة إِلَى وَقت الْولادَة فِيهِ وَجْهَان وَالظَّاهِر أَنه لَا يجب لِأَن يَده مستمرة وانتفاعه دَائِم وَإِنَّمَا هَذَا تَأْخِير بيع أما قيمَة الْوَلَد فَتجب على هَذَا القَوْل بِاعْتِبَار يَوْم والانفصال إِن انْفَصل حَيا
وَإِن قُلْنَا يثبت الِاسْتِيلَاد فَفِي وجوب قيمَة الْوَلَد وَجْهَان ينبنيان على أَن الْملك يقدر انْتِقَاله بعد الْعلُوق أَو مَعَ الْعلُوق مِنْهُم من قَالَ بعد الْعلُوق فَتجب الْقيمَة لِأَن الْمَعْلُول يَتَرَتَّب على الْعلَّة وَالصَّحِيح ان لَا قيمَة وَالْملك ينْتَقل مَعَ الْعلُوق والمعلول مَعَ الْعلَّة وَإِن كَانَ بَينهمَا تَرْتِيب فَهُوَ عَقْلِي لَا زماني وَإِذا قارنه فقد صَادف الْعلُوق ملك الْأَب فَلَا تجب الْقيمَة وَقد قيل يَقع قبل الْعلُوق وَهُوَ ضَعِيف يضاهي قَول أبي حنيفَة إِنَّه يَقع قبل الْوَطْء حَتَّى يسْقط الْمهْر أَيْضا وَتَقْدِيم الْمَعْلُول على الْعلَّة من غير

(5/188)


ضَرُورَة مُمْتَنع فِي الْأَحْكَام ومستحيل على الْإِطْلَاق فِي العقليات
هَذَا كُله إِذا لم تكن الْجَارِيَة مَوْطُوءَة الابْن فَإِن كَانَت مَوْطُوءَة الابْن فقد حرمت على الْأَب على التَّأْبِيد وَإِن أثبتنا الِاسْتِيلَاد لم يبح للْأَب غشيانها لِأَن التَّحْرِيم المؤبد لَا يرْتَفع بالطورئ

(5/189)


الْفَصْل الثَّالِث فِي إعفاف الْأَب

وَفِي وُجُوبه قَولَانِ
أَحدهمَا وَهُوَ الْمَذْهَب الْمَشْهُور أَنه يجب لِأَن تعريضه للزِّنَا مَعَ الْقُدْرَة على تحصينه عَن الْحَد فِي الدِّينَا وَالْعَذَاب فِي الْآخِرَة لَا يَلِيق بِحرْمَة الْأُبُوَّة
وَالثَّانِي وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة والمزني وَهُوَ الْقيَاس أَنه لَا يجب كَمَا لَا يجب إعفاف الابْن وكما لَا يجب إعفاف المحتاجين من بَيت المَال
فَإِن قُلْنَا يجب فَإِنَّمَا يجب إعفاف الْأَب الْمُحْتَاج إِلَى النِّكَاح الفاقد للمهر فَهَذِهِ ثَلَاثَة قيود
الأول الْأَب وَيدخل تَحْتَهُ الْجد وَإِن علا من جِهَة الْأَب وَمن جِهَة الْأُم وَهُوَ كل من يسْتَحق النَّفَقَة
وَلَو اجْتمع اثْنَان مِنْهُم فِي دَرَجَة وَاقْتضى الْحَال توزيع النَّفَقَة إِذا لم يقدر الابْن إِلَّا على نَفَقَة أَحدهمَا كَمَا سَنذكرُهُ فِي كتاب النَّفَقَات إِن شَاءَ الله تَعَالَى فهاهنا لَا يُمكن التَّوْزِيع فَفِيهِ وَجْهَان

(5/190)


أَحدهمَا أَنه يقرع بَينهمَا
وَالثَّانِي أَن القَاضِي يجْتَهد وَيقدم من يرى فِي مخايله أَنه أحْوج إِلَى النِّكَاح
وَأما قَوْلنَا مُحْتَاج إِلَى النِّكَاح فأردنا بِهِ صدق الشَّهْوَة فَإِذا ادعِي الشَّهْوَة وَجب قبُوله من غير تَحْلِيف فَإِن ذَلِك لَا يَلِيق بالاحترام نعم هُوَ بَينه وَبَين الله تَعَالَى لَا يحل لَهُ اقتراح ذَلِك إِلَّا إِذا صدقت بشهوته بِحَيْثُ يعسر عَلَيْهِ مصابرتها وَيحْتَمل أَن يعْتَبر مَعَ ذَلِك خوف الْعَنَت كَمَا فِي نِكَاح الْأمة
وَأما قَوْلنَا الفاقد للمهر فأردنا بِهِ أَنه لَو وجد مَالا هُوَ بلغَة نَفَقَته أَيَّامًا لكنه لَا يَفِي بِالْمهْرِ فَيجب إعفافه لِأَنَّهُ مستغن عَن النَّفَقَة دون الإعفاف وَفِيه وَجه بعيد أَنه لَا يسْتَحق لِأَنَّهُ لَا يسْتَحق النَّفَقَة وَهُوَ ضَعِيف
وَأما قَوْلنَا يجب الإعفاف فنعني بِهِ مَا تحصل بِهِ عفته عَن الزِّنَا وَيحصل ذَلِك بِأَن يُزَوّج مِنْهُ امْرَأَة مسلمة أَو كِتَابِيَّة أَو يملكهُ جَارِيَة أَو يسلم إِلَى صدَاق امْرَأَة أَو ثمن جَارِيَة ثمَّ يلْزم مُؤنَة الزَّوْجَة فِي دوَام النِّكَاح
وَلَيْسَ للْأَب أَن يعين امْرَأَة رفيعة الْمهْر وَمهما تعين مِقْدَار الْمهْر فتعيين الزَّوْجَة إِلَى الْأَب لَا إِلَى الابْن
وَلَا يَكْفِيهِ أَن يُزَوجهُ عجوزا شوهاء أَو مَعِيبَة بِبَعْض الْعُيُوب فَإِن ذَلِك لَا يعف وَيكون

(5/191)


ذَلِك كطعام فَاسد لَا ينساغ فَإِنَّهُ لَا يقبل فِي النَّفَقَة
وَلَا يلْزمه تَسْلِيم الصَدَاق إِلَى الْأَب بل لَهُ أَن لَا يَسُوق الصَدَاق إِلَّا بعد العقد
فرعان

أَحدهمَا أَنه تكفيه زَوْجَة وَاحِدَة فَلَو مَاتَت لزمَه الْأُخْرَى وَفِيه وَجه بعيد أَنه لَا يلْزمه لِأَن النِّكَاح وَظِيفَة الْعُمر فَيَكْفِي مرّة وَاحِدَة
وَمهما فسخ نِكَاحهَا بِبَعْض الْعُيُوب أَو انْفَسَخ لَا بِاخْتِيَارِهِ فَيجب التَّجْدِيد كَمَا فِي الْمَوْت أما إِذا طَلقهَا فَفِي التَّجْدِيد ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه يجب لِأَن تَكْلِيفه إمْسَاك زَوْجَة وَاحِدَة فِيهِ عسر
وَالثَّانِي لَا يجب إِذْ هُوَ الَّذِي قطع النِّكَاح بِنَفسِهِ
وَالثَّالِث أَنه إِن طلق بِعُذْر ظَاهر من رِيبَة أَو غَيرهَا كَانَ كالرد بِالْعَيْبِ فَيجب التَّجْدِيد وَإِلَّا فَلَا أما إِذا كَانَ مطلاقا بِحَيْثُ ينْسب فِي الْعرف إِلَيْهِ فَلَا يجب التَّجْدِيد
الثَّانِي لَو ملك الابْن جَارِيَة فَإِذا أَرَادَ أَن يُزَوّجهَا مِنْهُ فَهَذَا يبتنى على أصلين

(5/192)


أَحدهمَا أَن الْأَب هَل يعد مُوسِرًا بِمَال وَلَده حَتَّى يمْتَنع عَلَيْهِ نِكَاح الْأمة وَفِيه خلاف
فَإِن قُلْنَا لَا يعد مُوسِرًا فيبتني على أَن وَطْء جَارِيَة الابْن هَل يُوجب الِاسْتِيلَاد
فَإِن قُلْنَا يُوجب لم يَصح النِّكَاح لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى انْفِسَاخ النِّكَاح بِحُصُول الْوَلَد الَّذِي هُوَ مَقْصُود العقد
أما إِذا كَانَ الْأَب عبدا ونكح جَارِيَة ابْنه جَازَ لِأَن الِاسْتِيلَاد فِي حَقه غير مُمكن لَا يتَصَوَّر لَهُ الْملك فَكيف ينْتَقل الْملك إِلَيْهِ
وَلَو نكح الْحر أمة أَجْنَبِي فملكها ابْنه لم يَنْفَسِخ النِّكَاح لِأَن هَذِه الشُّرُوط والتوهمات إِنَّمَا تعْتَبر فِي ابْتِدَاء العقد لَا فِي دَوَامه نعم إِذا حصل ولد فِي ملك الابْن

(5/193)


انْفَسَخ النِّكَاح إِذْ ذَلِك وانعقد الْوَلَد على الْحُرِّيَّة وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ لَا ينْعَقد على الْحُرِّيَّة فَإِن وَطْء فِي ملك النِّكَاح لَا يَقْتَضِي حريَّة الْوَلَد فَلَا يحصل الِاسْتِيلَاد وَهُوَ بعيد وَلَو أمكن هَذَا لحكمنا بِصِحَّة النِّكَاح ابْتِدَاء كَمَا قَالَه أَبُو حنيفَة
وَلَا خلاف بَين الْأَصْحَاب أَنه لَو نكح جَارِيَة مكَاتبه لم يَصح لتوقع الِاسْتِيلَاد وانقلاب الْملك إِلَيْهِ كَمَا فِي جَارِيَة الابْن لَكِن لَو طَرَأَ ملك الْمكَاتب على زَوْجَة سَيّده فَفِي الِانْفِسَاخ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا كطرآن ملك الابْن
وَالثَّانِي يَنْفَسِخ لِأَن الْمكَاتب وَمَاله كالملك للسَّيِّد فَلَا يفرق فِي ذَلِك بَين الطَّارِئ والمقارن كَمَا فِي ملك الزَّوْج زَوجته

(5/194)


الْفَصْل الرَّابِع فِي تَزْوِيج الْإِمَاء وَحكمه فِي الِاسْتِخْدَام وَالنَّفقَة وَالْمهْر

أما الِاسْتِخْدَام فَلَا يبطل بِالتَّزْوِيجِ وَإِنَّمَا يحرم الِاسْتِمْتَاع لِأَن تَعْطِيل مَنْفَعَتهَا على السَّيِّد ينفره من الرَّغْبَة فِي التَّزْوِيج بِخِلَاف الْحرَّة فَإِنَّهُ صَاحِبَة الْحَظ فيرغب مَعَ تَعْطِيل الْمَنَافِع
ثمَّ السَّيِّد يستخدمها نَهَارا ويسلمها إِلَى الزَّوْج لَيْلًا فَلَو عكس لم يجز لِأَن اللَّيْل هُوَ وَقت الِاسْتِمْتَاع وَلذَلِك يعْتَمد عَلَيْهِ فِي الْقسم نعم هَل للسَّيِّد أَن يَقُول أبوئها بَيْتا فِي دَاري ليلقاها زَوجهَا وَلَا أسلمها إِلَيْهِ فَقَوْلَانِ
أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ يُنَاقض تَمام التَّمْكِين
وَالثَّانِي لَهُ ذَلِك لِأَن الْيَد حَقه وَلَا ضَرُورَة إِلَى إِبْطَاله كَيفَ وَلَا خلاف أَن لَهُ أَن يُسَافر بهَا وعَلى الزَّوْج إِن أَرَادَ صحبتهَا أَن يصحبها ولينفرد بهَا لَيْلًا فَإِذا جَازَ ذَلِك فَهَذَا أولى
فَإِن قُلْنَا لَيْسَ لَهُ أَن يبوئها بَيْتا فَلَو كَانَت محترفة فَقَالَ سلموها نَهَارا إِلَيّ

(5/195)


لتحترف فِي بَيْتِي وأستأنس بمشاهدتها قَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي يجب إسعافه جمعا بَين الْجَانِبَيْنِ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ لَا يجب تَسْلِيمهَا فِي مُدَّة الْعَمَل فَإِن ذَلِك نقص فِي حق السَّيِّد
أما النَّفَقَة فَتجب على الزَّوْج بكمالها إِن تسلم إِلَيْهِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَإِن لم تسلم إِلَيْهِ إِلَّا بِاللَّيْلِ فَثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَن لَهَا النَّفَقَة على السَّيِّد لِأَن النَّفَقَة إِنَّمَا تجب بِكَمَال التَّمْكِين على الزَّوْج وَلم يجر
وَالثَّانِي أَنه يجب كَمَال النَّفَقَة على الزَّوْج لِأَنَّهُ يسلم لَهُ كَمَال التَّمْكِين الْمُسْتَحق بِالنِّكَاحِ
وَالثَّالِث أَنه يتشطر لتشطر الزَّمَان
أما إِذا نشزت الْحرَّة نَهَارا وسلمت لَيْلًا فعلى وَجه تسْقط جَمِيع النَّفَقَة وعَلى وَجه يسْقط الشّطْر لِأَنَّهُ لم تسلم كَمَال الْمُسْتَحق بِالنِّكَاحِ
وَلَا خلاف فِي أَنه لَو سَافر السَّيِّد بهَا سَقَطت النَّفَقَة وَلم يلْزم الزَّوْج مصاحبتها والإنفاق عَلَيْهَا

(5/196)


وَأما الْمهْر فَإِنَّمَا يجب للسَّيِّد وَلَا يسْقط بإسقاطها
وَالنَّظَر فِي السُّقُوط بِالْقَتْلِ وَالْبيع

أما الْقَتْل فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن السَّيِّد لَو قَتلهَا قبل الْمَسِيس فَلَا مهر لَهُ مَعَ أَنه لَا خلاف فِي أَن الْحرَّة لَو مَاتَت أَو قَتلهَا أَجْنَبِي قبل الْمَسِيس اسْتَقر الْمهْر لِأَن ذَلِك نِهَايَة النِّكَاح وَلذَلِك يتَعَلَّق بِهِ الْإِرْث فَمنهمْ من خرج قولا فِي الْأمة من الْحرَّة وَمِنْهُم من قرر النَّص وَعلل بعلتين
إِحْدَاهمَا أَن السَّيِّد زوج بِحكم ملك الْيَمين فَيسْقط حَقه بإتلافه قبل الْقَبْض كَمَا فِي البيع
وَالثَّانيَِة أَن الْعَاقِد هُوَ الَّذِي فَوت الْمَعْقُود عَلَيْهِ فَيمْتَنع مِنْهُ الْمُطَالبَة
وَيَنْبَنِي على العلتين قتل الْحرَّة نَفسهَا لِأَنَّهَا عاقدة وَلَيْسَت مَمْلُوكَة وَفِيه وَجْهَان
وَكَذَلِكَ قتل الْأَجْنَبِيّ الْأمة يخرج على العلتين

(5/197)


فَأَما موت الْأمة فَلَا يخرج على العلتين وَلَا خلاف أَنه يُقرر المَاء أما إِذا بَاعَ الْأمة لم يَنْفَسِخ النِّكَاح خلافًا لِابْنِ عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وَيسلم الْمهْر للْبَائِع لِأَنَّهُ وَجب بِالْعقدِ إِلَّا فِي صُورَة التَّفْوِيض على قَوْلنَا يجب الْمهْر بالمسيس غير مُسْتَند إِلَى العقد فَعِنْدَ ذَلِك إِذا جرى الْمَسِيس فِي ملك المُشْتَرِي كَانَ لَهُ الْمهْر نعم لَو بَاعَ قبل تَسْلِيم الْمُسَمّى لم يكن لَهُ منع الْأمة وحبسها لسوق الصَدَاق إِلَيْهِ إِذْ لم يبْق لَهُ تصرف فِي الْأمة وَلم يكن أَيْضا للْمُشْتَرِي الْحَبْس لِأَنَّهُ لَا يسْتَحق الْمهْر فيستفيد الزَّوْج بِالْبيعِ سُقُوط حق الْمَنْع وَمهما أعتق الْجَارِيَة كَانَ حكم الْمهْر مَا ذَكرْنَاهُ لَكِن الْمُعتقَة تقوم مقَام المُشْتَرِي
فرعان

أَحدهمَا لَو زوج أمته من عَبده فَلَا يسْتَحق السَّيِّد الْمهْر إِذْ لَا يسْتَحق السَّيِّد على عَبده دينا وَالرّق الْمُقَارن للْعقد دفع الْمهْر بعد جَرَيَان مُوجبه وَلَو يكن هَذَا تعرية للْعقد عَن الْمهْر بل جرى الْمُوجب واقترن بِهِ الدَّافِع فَانْدفع والاندفاع فِي معنى الِانْقِطَاع لَا فِي معنى الِامْتِنَاع
الثَّانِي إِذا قَالَ لأمته أَعتَقتك على أَن تنكحيني فَلَا ينفذ الْعتْق إِلَّا بقبولها لِأَنَّهُ علق بعوض مَقْصُود ثمَّ إِذا قبلت عتقت وَفَسَد الْعِوَض وَلَو يلْزمهَا الْوَفَاء بِالنِّكَاحِ وَالرُّجُوع عَلَيْهَا بِقِيمَتِهَا للسَّيِّد كَمَا لَو أعْتقهَا على خمر ثمَّ لَو نَكَحَهَا بعد ذَلِك بِالْقيمَةِ الَّتِي عَلَيْهَا وَهِي مَجْهُولَة فَفِي صِحَة الصَدَاق وَجْهَان
أَحدهمَا وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنه لَا يَصح

(5/198)


وَالثَّانِي أَنه يَصح إِذْ الِاسْتِيفَاء غير مَقْصُود بِخِلَاف مَا لَو أتلفت الْحرَّة على إِنْسَان شَيْئا ولزمتها قيمَة مَجْهُولَة فنكحها بِتِلْكَ الْقيمَة فَالصَّحِيح فَسَاد الصَدَاق هَاهُنَا وَيتَّجه طرد الْقَوْلَيْنِ لعسر الْفرق
وَلَو قَالَت السيدة لِعَبْدِهَا أَعتَقتك على أَن تنكحني فَالصَّحِيح أَنه ينفذ من غير قبُول وَكَأَنَّهَا قَالَت أَعتَقتك على أَن أُعْطِيك بعده شَيْئا وَمِنْهُم من قَالَ يفْتَقر إِلَى الْقبُول لِأَنَّهُ مَقْصُود فِي الْعَادة وَهُوَ ضَعِيف إِذْ لَا خلاف أَنه لَو قَالَ طَلقتك على أَن لَا تَحْتَجِبِي مني وَقع الطَّلَاق من غير قبُول
ثمَّ قَالَ صَاحب التَّقْرِيب من أعتق أمة لينكحها وَلم يَأْمَن مخالفتها فسبيله أَن يَقُول إِن يسر الله بَيْننَا نِكَاحا صَحِيحا فَأَنت حرَّة قبله ثمَّ ينْكِحهَا فيبين وُقُوع الْعتْق قبله وَيصِح النِّكَاح وَمِنْهُم من خَالف فِي هَذَا وَبنى على مَا لَو بَاعَ مَال أَبِيه على ظن أَنه حَيّ فَإِذا هُوَ ميت وَهَذَا الْبناء ضَعِيف لِأَنَّهُ لَا يدْرِي أَن موت الْأَب مَعَ تَقْرِير العقد وَهَاهُنَا نتيقن مصادفة صِحَة النِّكَاح لِلْعِتْقِ وَيُمكن أَن يُقَال جعل الْعتْق مَعْلُول الصِّحَّة إِذْ

(5/199)


علق بهَا وَالصِّحَّة مَعْلُول الْعتْق فَتكون الصِّحَّة عِلّة نَفسهَا بِوَاسِطَة الْعتْق فَإِنَّهَا عِلّة الْعتْق الَّذِي هُوَ علتها وَلَا يكون الشيئ عِلّة نَفسه وَلَا مَعْلُول معلوله وَلَيْسَ هَذَا كدور الطَّلَاق فَإِن الْمُعَلق يكون مَعْلُول الْمُنجز والمنجز ر يكون مَعْلُول الْمُعَلق أصلا لِأَن

(5/200)


الْمُنجز لَا يَسْتَدْعِي وُقُوع طَلَاق قبله وَصِحَّة النِّكَاح تستدعي وُقُوع عتق قبله وَفِي الْمَسْأَلَة زِيَادَة غور لَا يحْتَمل هَذَا الْموضع كشفه

(5/201)


الْفَصْل الْخَامِس فِي تَزْوِيج العبيد

وَالنَّظَر فِيهِ فِي الْمهْر وَالنَّفقَة وهما لازمان متعلقان بأكساب العَبْد مهما نكح بِالْإِذْنِ وَإِن كَانَ فِي يَده مَال التِّجَارَة تعلق بالأرباح وَهل يتَعَلَّق بِرَأْس المَال فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ من كَسبه فَصَارَ كرقبته وَسَائِر أَمْوَال السَّيِّد
وَالثَّانِي أَنه يتَعَلَّق لِأَن الأطماع تمتد إِلَى مَا فِي يَده
وَالْقَوْل الْجَدِيد أَن السَّيِّد لَا يصير ضَامِنا للمهر بِمُجَرَّد الْإِذْن فِي العقد إِذْ الْإِذْن لَا يَقْتَضِي إِلَّا تَمْكِينه من أَدَاء لَوَازِم النِّكَاح فَيجب عَلَيْهِ ترك الِاسْتِخْدَام وَتمكن العَبْد حَتَّى يكْسب مِقْدَار الْمهْر أَولا ثمَّ يكْسب للنَّفَقَة وَالْقَوْل الْقَدِيم فِي العَبْد الَّذِي لَيْسَ بكسوب أوجه وَهُوَ مستمد من قَوْلنَا إِن عُهْدَة عُقُود الْمَأْذُون ترجع إِلَى السَّيِّد وَإِن لم يُصَرح بِالضَّمَانِ نعم اخْتلفُوا على الْجَدِيد فِي أَنه هَل يمْتَنع على السَّيِّد المسافرة بِهِ واستخدامه
فَقَالَ المراوزة لَهُ ذَلِك ثمَّ عَلَيْهِ لَوَازِم

(5/202)


النِّكَاح وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا بل تعلّقت اللوازم بِكَسْبِهِ فَلَيْسَ لَهُ استيفاءه
ثمَّ مهما استخدم يَوْمًا وَاحِدًا مثلا محقا أَو مُبْطلًا فَفِيمَا يلْزمه قلولان
أَحدهمَا أقل الْأَمريْنِ من أُجْرَة الْمثل أَو لَوَازِم النِّكَاح
وَالثَّانِي أَنه يلْزمه جَمِيع لَوَازِم النِّكَاح لِأَنَّهُ رُبمَا كَانَ يكْتَسب بالِاتِّفَاقِ فِي هَذَا الْيَوْم مَا يَفِي بِالْجَمِيعِ
ثمَّ على هَذَا القَوْل ترددوا فِي أَنه هَل يجب كَمَال النَّفَقَة إِلَى آخر الْعُمر أم يقْتَصر على الْمهْر وَنَفَقَة مُدَّة الِاسْتِخْدَام لِأَن الْعُمر مَجْهُول الآخر
وَلَا خلاف فِي أَنه لَو استخدمه أَجْنَبِي لم يلْزمه إِلَّا أُجْرَة الْمثل لِأَنَّهُ لَيْسَ عاقدا حَتَّى يُخَاطب بلوازم العقد وَالسَّيِّد كالعاقد
فرع إِذا نكح العَبْد حرَّة فاشترته انْفَسَخ النِّكَاح وَكَذَلِكَ إِذا اتهبت وَلَكِن يُضَاف الْفَسْخ إِلَى قبُولهَا أَو إِلَى ايجاب السَّيِّد حَتَّى يظْهر أَثَره فِي التشطير قبل الْمَسِيس إِن أضيف إِلَى

(5/203)


السَّيِّد وَإِسْقَاط الْجَمِيع إِن أضيف إِلَيْهَا فِيهِ قَولَانِ مأخذهما طلب التَّرْجِيح بَين الْإِيجَاب وَالْقَبُول فِي السَّبَبِيَّة مَعَ أَن السَّبَب وَاحِد وَهُوَ مركب فيهمَا جَمِيعًا
وَيُمكن أَن يُقَال أصل الْفَسْخ إِسْقَاط جَمِيع الْمهْر إِلَّا إِذا كَانَ السَّبَب من جَانب من يسْتَحق عَلَيْهِ الْمهْر خَاصَّة وَهَذَا لَيْسَ من جَانِبه خَاصَّة فَسقط الْجَمِيع وَهَذَا هُوَ الْأَوْجه
فعلى هَذَا لَو اشترته بِالصَّدَاقِ الَّذِي ملكته عَن السَّيِّد بِصَرِيح ضَمَانه فَإِن كَانَ قبل الْمَسِيس قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا يَصح الشِّرَاء إِذْ لَو صَحَّ لسقط الْمهْر ولعري الشِّرَاء عَن الْعِوَض فَيُؤَدِّي إثْبَاته إِلَى نَفْيه فَيبْطل من أَصله إِذْ يعود الْمهْر إِلَى السَّيِّد بِحكم الْفَسْخ لَا بِحكم البيع وَهَذَا من قبيل الدّور الْحكمِي
وَإِن فرعنا على قَول التشطير بَطل الدّور فِي النّصْف وَيخرج فِي الْبَاقِي على قولي تَفْرِيق الصَّفْقَة
فَإِن رَأينَا تَفْرِيق الصَّفْقَة أَو اشترته بعد الْمَسِيس حَيْثُ يَتَقَرَّر الْمُسَمّى كُله فيبتنى على أَن من اسْتحق دينا على عبد ثمَّ اشْتَرَاهُ هَل يسْقط دينه بِالْملكِ الطَّارِئ كَمَا يسْقط بالمقارن وَفِيه وَجْهَان
فَإِن قُلْنَا إِنَّه يسْقط فَيُؤَدِّي بَرَاءَته إِلَى بَرَاءَة الْكَفِيل وَهُوَ السَّيِّد فَيُؤَدِّي إِلَى خلو الشِّرَاء عَن الْعِوَض وَيعود إِلَى الدّور الْحكمِي

(5/204)


وَإِن قُلْنَا لَا يسْقط بَقِي السَّيِّد ضَامِنا فَيصح الشِّرَاء وينفسخ النِّكَاح
ولنذكر هَا هُنَا مسَائِل خمْسا فِي الدّور الْحكمِي

إِحْدَاهَا أَنه لَو أعتق أمته فِي مَرضه وَتَزَوجهَا وَكَانَت ثلث مَاله وَمَات وَلَو يزدْ مَاله لم يكن لَهَا طلب الْمهْر لِأَن ذَلِك يلْحق دينا بِالتَّرِكَةِ وَيُوجب در الْعتْق وَالنِّكَاح وَالْمهْر من أَصله فَطلب الْمهْر يُؤَدِّي إِلَى إبِْطَال أصل الْمهْر
الثَّانِيَة الْمَرِيض إِذا زوج أمته عبدا ثمَّ قبض صَدَاقهَا وأتلفه ثمَّ أعْتقهَا فَلَا خِيَار لَهَا إِذْ لَو فسخت لارتد الْمهْر وَلما خرجت من الثُّلُث فَيبْطل الْعتْق وَيبْطل الْخِيَار
الثَّالِثَة لَو مَاتَ وَخلف أَخا وعبدين فأعتقهما الْأَخ ثمَّ شَهدا على أَن للْمَيت ابْنا من زَوجته فُلَانَة ثبتَتْ الزَّوْجِيَّة وَالنّسب وَلَا يثبت الْمِيرَاث للْوَلَد بقولهمَا إِذْ لَو ثَبت لحجب الْأَخ وَبَطل إِعْتَاقه وشهادتهما
وَإِن شَهدا بِأَن لَهُ بِنْتا لم يثبت الْإِرْث لَهَا لِأَن فِي توريثها رد عتق الْأَخ فِي الْبَعْض وإرقاق بعض الْعَبْدَيْنِ وَذَلِكَ يبطل الشَّهَادَة هَذَا إِذا كَانَ مُعسرا فَإِن كَانَ مُوسِرًا يثبت الْإِرْث إِذْ لَيْسَ من ضَرُورَة الْإِرْث إرقاق العَبْد بل ينفذ فِي نصيب الْأَخ ويسري إِلَى الْبَاقِي
الرَّابِعَة لَو أوصى لَهُ بِابْنِهِ فَمَاتَ وَخلف أَخا فَلهُ الْقبُول فَإِذا قبل عتق الابْن وَلم يَرث لِأَنَّهُ ورث لحجب الْأَخ وأبطل قبُوله فَإِنَّهُ قبل لكَونه وَارِثا

(5/205)


الْخَامِسَة لَو اشْترى الْمَرِيض ابْنه أَو أَبَاهُ عتق من ثلثه ثمَّ لَا يَرث أَنه لَو ورث لصار التَّسَبُّب إِلَى عتقه بِالشِّرَاءِ وَصِيَّة لَهُ فَيبْطل الْعتْق وَلَا يَرث وَهَا هُنَا دقيقة فِي طَرِيق قطع الدّور فَإِنَّهُ تَارَة يقطع من أَوله كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي إبِْطَال شِرَاء الزَّوْجَة زَوجهَا وَتارَة من وَسطه كَمَا ذكرنَا فِي إِثْبَات النّسَب وَنفي الْمِيرَاث وَإِنَّمَا ذكرنَا ذَلِك لأجل تَأَكد بعض الْأَسْبَاب وَبعدهَا عَن قبُول الدّفع كالنسب وَضعف بَعْضهَا وقبولها للدَّفْع كَالْبيع وسر ذَلِك قد حققناه فِي كتاب غَايَة الْغَوْر فِي دراية الدّور فليطلب مِنْهُ

(5/206)


الْفَصْل السَّادِس فِي التَّنَازُع فِي النِّكَاح

وَالدَّعْوَى إِمَّا أَن تكون مِنْهُ أَو مِنْهَا فَأَما دَعْوَاهُ فصحيحه لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ الْحق وَعَلَيْهَا تتَوَجَّه الدَّعْوَى بِنَاء على الصَّحِيح فِي قبُول إِقْرَارهَا
أما الْمَرْأَة إِذا ادَّعَت فَإِن ادَّعَت الْمهْر صحت الدَّعْوَى وَإِن ادَّعَت الزَّوْجِيَّة وَلم تتعرض للوازم الدَّعْوَى فَالظَّاهِر قبُول دَعْوَاهَا فَإِن الزَّوْجِيَّة وَإِن كَانَ حَقًا عَلَيْهَا وَلكنهَا منَاط حُقُوق لَهَا وَفِيه وَجه أَنه لَا يقبل لفساد صِيغَة الدَّعْوَى إِذْ تَدعِي أَنَّهَا رقيقَة لغَيْرهَا وَهُوَ ضَعِيف بِدَلِيل أَنه تفِيد دَعْوَاهَا إِذا سكت الزَّوْج إِذْ لَو أقرّ بعد ذَلِك أَو ادّعى الزَّوْجِيَّة قبل لِأَنَّهُ مَا ثَبت التَّحْرِيم فَلَو أنكر وَجَعَلنَا إِنْكَاره طَلَاقا على أحد المذهبين

(5/207)


سقط دَعْوَاهَا وَإِن لم نجعله طَلَاقا كَانَ إِنْكَاره كسكوته
فروع خَمْسَة

الأول إِذا ادّعى زيد زوجية امْرَأَة وَادعت الْمَرْأَة أَنَّهَا زَوْجَة عَمْرو وَأقَام كل وَاحِد بَيِّنَة قَالَ ابْن الْحداد بَيِّنَة زيد أولى لِأَنَّهَا استندت إِلَى صِيغَة صَحِيحَة فِي الدَّعْوَى بِخِلَاف دَعْوَى الْمَرْأَة فَاسْتحْسن مِنْهُ بعض الْأَصْحَاب وَخَالفهُ بَعضهم وَقَالَ كَيفَ تسلم لزيد وَقد كَذبته الْبَيِّنَة الْأُخْرَى الْمُقَابلَة لَهَا وَالْمَسْأَلَة الْمَفْرُوضَة فِيمَا إِذا كَانَ عَمْرو ساكتا فَإِنَّهُ لَو أنكر رُبمَا جعل إِنْكَاره طَلَاقا
الثَّانِي إِذا زوج إِحْدَى ابْنَتَيْهِ وَمَات وَوَقع النزاع فِي عين الزَّوْجَة فللمسألة حالتان
إِحْدَاهمَا أَن يعين الزَّوْج إِحْدَاهمَا وكل وَاحِدَة تَدعِي أَن الْمُزَوجَة صاحبتها فالتي عينهَا الزَّوْج توجه الدَّعْوَى عَلَيْهَا فتجري على منهاج الْخُصُومَات وَالثَّانيَِة لَا خُصُومَة مَعهَا
الثَّانِيَة أَن تزْعم كل وَاحِدَة مِنْهُمَا أَنَّهَا الْمُزَوجَة فالتي عينهَا الزَّوْج مَنْكُوحَة بِاتِّفَاق الزَّوْجَيْنِ وَبقيت الْأُخْرَى تَدعِي الزَّوْجِيَّة وَقد سبق حكم دَعْوَاهَا
وَقَالَ بعض الْأَصْحَاب لَيْسَ من شَرط الْمَسْأَلَة تَقْدِير موت الْأَب كَمَا فَرْضه ابْن الْحداد فَإِن

(5/208)


الْأَب وَإِن كَانَ حَيا فإقرار الْمَرْأَة يقبل على الصَّحِيح وَهَذَا مُتَّجه إِذا كَانَتَا ثيبين إِذْ لَا يقبل إِقْرَار الْأَب فَهُوَ كالميت
وَأما إِذا كَانَتَا بكرين فإقرار الْأَب مَقْبُول عَلَيْهَا ويجر قبُول إِقْرَارهَا مَعَ قبُول إِقْرَاره عسرا لِأَنَّهُ رُبمَا يخْتَلف فَكيف يحكم بهَا فَيمكن أَن يُقَال يرْعَى السَّابِق من الإقرارين أَو يسْقط إِقْرَارهَا إِلَّا إِذا يكذبها الْوَلِيّ وَهُوَ الْأَوْجه
الثَّالِث إِذا ادَّعَت زوجية ومهرا وَشهد الشُّهُود وَقضى بِالْمهْرِ فَرجع الشُّهُود فَفِي تغريمهم قَولَانِ مبنيان على شُهُود المَال إِذا رجعُوا أَنهم هَل يغرمون بالحيلولة وَهَا هُنَا أولى بِأَن لَا يغرم لِأَن الشُّهُود أثبتوا الْبضْع لَهُ فِي مُقَابلَة الْمهْر وَهُوَ الَّذِي فَوت بإنكاره
التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يغرمون فَإِنَّمَا يغرمون مَا أَخذ من الزَّوْج وَإِن قُلْنَا لَا يغرمون فَإِنَّمَا لَا يغرمون فَإِن زَاد الْمَأْخُوذ على قدر مهر فِي مُقَابلَته حَقًا

التَّفْرِيع
إِن قُلْنَا يغرمون فَإِنَّمَا يغرمون مَا أَخذ من الزَّوْج وَإِن قُلْنَا لَا يغرمون فَإِنَّمَا لَا يغرمون فَإِنَّمَا لَا يغرمون مَا هُوَ قدر مهر الْمثل فَإِن زَاد الْمَأْخُوذ على قدر مهر الْمثل غرموا الزَّائِد لأَنهم لم يثبتوا فِي مُقَابلَته حَقًا
الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا وَلَو شهد الشُّهُود على النِّكَاح وَآخَرُونَ على الْإِصَابَة وَآخَرُونَ على

(5/209)


الطَّلَاق قَالَ ابْن الْحداد الْغرم على شُهُود الطَّلَاق لأَنهم المفوتون وَأما شُهُود النِّكَاح فَإِنَّهُم أثبتوا حَقًا وَالْآخرُونَ أثبتوا استمتاعا وَاتفقَ الْأَصْحَاب على تغليطه لِأَن شُهُود الطَّلَاق وافقوه إِذْ نفوا زوجية هُوَ مُنكر لَهَا بل الْغرم موزع على شُهُود النِّكَاح وشهود الْإِصَابَة إِن شهد شُهُود الْإِصَابَة على الْإِصَابَة فِي نِكَاح وَإِن شهدُوا على أصابة مُطلقَة فَذَلِك لَا يُؤثر لِأَنَّهُ يظْهر كَونه فِي نِكَاح حَتَّى يتَعَلَّق بهَا الحكم
الرَّابِع إِذا ادَّعَت الْمَرْأَة محرمية أَو رضَاعًا بعد العقد وَكَانَت مجبرة تسمع دَعْوَاهَا
وَقَالَ ابْن الْحداد القَوْل قَوْلهَا لِأَن هَذَا من الْأُمُور الْخفية فَرُبمَا انْفَرَدت بِهِ وَقَالَ ابْن سُرَيج القَوْل قَوْله وَهُوَ الْأَصَح لِأَن النِّكَاح مَعْلُوم وَالْأَصْل عدم الْمَحْرَمِيَّة وَفتح هَذَا الْبَاب للنِّسَاء طَرِيق عَظِيم فِي الْخَلَاص للفاسقات من ربقة النِّكَاح
أما إِذا كَانَت تزوجت بِرِضَاهَا فَظَاهر الْمَذْهَب أَنه لَا يقبل دَعْوَاهَا لِأَنَّهُ يُنَاقض رِضَاهَا إِلَّا إِذا أظهرت عذرا من نِسْيَان أَو غلط فَيحْتَمل أَن يقبل دَعْوَاهَا وَيحلف الزَّوْج كَمَا إِذا ادّعى الرَّاهِن قبل الرَّهْن وَزعم أَنه اعْتمد على كتاب وَكيله أَنه لم يَبِيع ثمَّ بَان أَنه مزور فَإِنَّهُ تقبل دَعْوَاهُ فِي وَجه
الْخَامِس إِذا زوج أمته ثمَّ قَالَ زوجتها وَكنت مَجْنُونا أَو مَحْجُورا عَليّ وَأنكر الزَّوْج فَإِن لم يعْهَد لَهُ جُنُون بِيَقِين فَالْقَوْل قَول الزَّوْج
وَإِن ادّعى الصبى أَو أمرا معهودا فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا أَن القَوْل قَوْله إِذْ الأَصْل بَقَاء تِلْكَ الْحَالة

(5/210)


وَالثَّانِي أَن القَوْل قَول الزَّوْج فَإِنَّهُ اعْترف بِالْعقدِ فَيحمل على الصِّحَّة فَعَلَيهِ بَيِّنَة الْإِبْطَال
وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو أحرم الْوَلِيّ بعد التَّوْكِيل بِالنِّكَاحِ ثمَّ ادّعى أَن الْوَكِيل زوج بعد الانعزال بِالْإِحْرَامِ أَن القَوْل قَول الزَّوْج لِأَن العقد معترف بِهِ فَيحمل على الصِّحَّة وَلَكِن هَذَا يُفَارق مَسْأَلَة الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ أقرّ بسبق التَّوْكِيل على الْإِحْرَام وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ

(5/211)