الوسيط في المذهب

= كتاب الصَدَاق = وَفِيه خَمْسَة أَبْوَاب

(5/213)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي حكم الصَدَاق الصَّحِيح فِي الضَّمَان وَالتَّسْلِيم والتقرير - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الحكم الأول فِي الضَّمَان فَنَقُول كل عين مَمْلُوكَة يَصح بيعهَا أَو مَنْفَعَة مُتَقَومَة تصح الْإِجَارَة عَلَيْهَا فَيصح تَسْمِيَتهَا فِي الصَدَاق حَتَّى تَعْلِيم الْقُرْآن فَلَا يتَعَيَّن للصداق مِقْدَار وَلَا جنس
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله أقل الصَدَاق نِصَاب السّرقَة وَقَالَ لَا يصدقها مَنْفَعَة

(5/215)


حر لَكِن يصدقها مَنْفَعَة العَبْد
وَيسْتَحب ترك المغالاة فِي الصَدَاق لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خير النِّسَاء أرخصهن مهورا وأحسنهن وُجُوهًا

(5/216)


ثمَّ مهما صَحَّ الإصداق فالصداق فِي يَد الزَّوْج مَضْمُون ضَمَان العقد أَو ضَمَان الْيَد فَفِيهِ قَولَانِ مشهوران

(5/217)


أَحدهمَا أَنه مَضْمُون ضَمَان العقد لِأَنَّهُ عوض فِي مُعَاوضَة كاليبع فعلى هَذَا لَو تلف قبل الْقَبْض انْفَسَخ الصَدَاق وقدرنا انْتِقَال الْملك إِلَى الزَّوْج قبل التّلف حَتَّى لَو كَانَ الصَدَاق عبدا وَمَات كَانَ مئونة التَّجْهِيز على الزَّوْج وَترجع الْمَرْأَة إِلَى مهر الْمثل وَهُوَ عوض الْبضْع إِذْ كَانَ قِيَاس الْفَسْخ رُجُوع الْبضْع إِلَيْهَا لَكِن الصَدَاق لَيْسَ ركنا فِي النِّكَاح فَتعذر رد الْبضْع وَفسخ النِّكَاح بِهِ يضاهي مَا لَو تلف الْعِوَض فِي البيع والمعوض جَارِيَة تعذر ردهَا باستيلاد متملكها فَإِنَّهُ يرجع إِلَى قيمَة الْجَارِيَة
وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه مَضْمُون ضَمَان الْيَد كَمَا فِي المستام والمستعار حَتَّى يخرج على وَجْهَيْن فِي أَنه يضمن بأقصى الْقيمَة من يَوْم الإصداق إِلَى التّلف أَو يضمن بِقِيمَة يَوْم الإصداق
ومنشأ الْقَوْلَيْنِ التَّرَدُّد فِي أَن الْغَالِب على الصَدَاق مشابه الْعِوَض أَو مشابه النحلة وَيدل على كَونه نحلة قَوْله تَعَالَى {وَآتوا النِّسَاء صدقاتهن نحلة} وَأَنه لَا يفْسد النِّكَاح بفساده وَلَا يَنْفَسِخ برده اتِّفَاقًا وَكَأَنَّهُ تحفة عجلت إِلَيْهَا لتهيئ بهَا أَسبَابهَا
وَيدل على كَونه عوضا أَنه تقَابل بِهِ الْمَرْأَة فِي العقد كَمَا فِي البيع وَأَنه يَتَقَرَّر بِتَسْلِيم المعوض وَيرجع عِنْد فَسَاده إِلَى بدله وَهَذَا هُوَ الْأَصَح وَكَأَنَّهُ عوض إِذا ثَبت وَلَكِن إثْبَاته ودوامه لَيْسَ ركنا فِي النِّكَاح
وَيتَفَرَّع على الْقَوْلَيْنِ النّظر فِي التَّصَرُّف فِي الصَدَاق قبل الْقَبْض وَحكم الزَّوَائِد

(5/218)


وَحكم التعييب والتلف وَبَيَانه بِخمْس مسَائِل
الأولى بيع الصَدَاق قبل الْقَبْض مُمْتَنع عَن قَول ضَمَان العقد جَائِز على ضَمَان الْيَد وَكَذَلِكَ الإستبدال عَنهُ إِذا كَانَ دينا يجْرِي مجْرى الإستبدال عَن الثّمن على قَول ضَمَان العقد لَا مجْرى الْمُسلم فِيهِ
الثَّانِيَة مَنَافِع الصَدَاق إِذا فَاتَ لم يضمنهُ الزَّوْج على الْقَوْلَيْنِ إِلَّا إِذا قُلْنَا إِنَّه مَضْمُون ضَمَان الْمَغْصُوب نعم لَو استخدم الزَّوْج فاستوفى الْمَنْفَعَة ضمن على قَول ضَمَان الْيَد وعَلى قَول ضَمَان العقد ينزل منزلَة البَائِع إِذا انْتفع وَفِي ضَمَانه وَجْهَان ينبنيان على أَن جِنَايَة البَائِع كجناية الْأَجْنَبِيّ أَو كآفة سَمَاوِيَّة

(5/219)


وَأما الزَّوَائِد كَالْوَلَدِ وَالثِّمَار لَا تدخل فِي ضَمَان الزَّوْج على الْقَوْلَيْنِ إِلَّا إِذا الحقناه بِضَمَان الْمَغْصُوب
الثَّالِثَة إِذا تعيب الصَدَاق قبل الْقَبْض فلهَا خِيَار فسخ الصَدَاق على الْقَوْلَيْنِ إِلَّا على وَجه حُكيَ عَن أبي حَفْص بن الْوَكِيل أَنه لَا خِيَار لَهَا على ضَمَان قَول الْغَصْب واتفاق الْجُمْهُور على إِثْبَات الْفَسْخ يُؤَيّد قَول ضَمَان العقد لَكِن الْقَائِل الآخر يَقُول هُوَ وَإِن كَانَ مَضْمُونا ضَمَان الْيَد فقد الْتزم تَسْلِيمه فِي عقد
ثمَّ إِن فسخت فعلى ضَمَان قَول العقد رجعت إِلَى مهر الْمثل وَإِن أجازت لم تطالب بِالْأَرْشِ وعَلى الثَّانِي ترجع إِلَى قيمَة الصَدَاق وَإِن أجازت طالبت بِالْأَرْشِ

(5/220)


أما إِذا اطعلت على عيب قديم فلهَا الْخِيَار وَلَكِن على قَول ضَمَان الْيَد هَل تطالب بِالْأَرْشِ إِن أجازت فِيهِ تردد الْأَصْحَاب وتبعد الْمُطَالبَة بِأَرْش مَا لم يدْخل تَحت يَده بِحكم ضَمَان الْيَد وَلَكِن لَهُ وَجه من حَيْثُ إِن الْأَصْحَاب اتَّفقُوا على طرد الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إِذا أصدقهَا عبدا فَخرج مَغْصُوبًا أَو حرا وَقَالُوا على قَول ضَمَان الْيَد ترجع إِلَى قيمَة العَبْد وتقدر قيمَة الْحر وَزَادُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا لَو أصدقهَا خمرًا أَو خنزيرا قَدرنَا الْخمر عصيرا وَالْخِنْزِير شَاة ورجعنا إِلَى قيمتهمَا على هَذَا القَوْل ثمَّ قَالَ الصيدلاني هَذَا إِذا قَالَ أصدقتك هَذَا العَبْد فَإِذا هُوَ حر أَو هَذَا الْعصير فَإِذا هُوَ خمر أَو قَالَ أصدقتك هَذَا وَلم يسم فَإِن قَالَ أصدقتك هَذَا الْحر أَو هَذَا الْخمر وَالْخِنْزِير فَسدتْ التَّسْمِيَة قطعا وَكَانَ الرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل قولا وَاحِدًا وَهَذَا يُنَبه على مَأْخَذ آخر سوى ضَمَان الْيَد وَهُوَ أَن تعْيين الصَدَاق لَهُ فَائِدَتَانِ
إِحْدَاهمَا التَّعْيِين
وَالْأُخْرَى التَّقْدِير بِقدر مَالِيَّته
وَكَأن التَّسْمِيَة إِن فَسدتْ فِي حق التَّعْيِين فَلَا تفْسد فِي حق تَقْدِير تعْيين الْمَالِيَّة فكأنهما رَضِيا بِهَذِهِ الْعين وَبِهَذَا الْقدر وَالشَّرْع قد منع من عين الْحر وَالْغَصْب وَالْخمر فَبَقيَ

(5/221)


الْمعِين معيارا للقدر فترجع إِلَيْهِ فَكَذَلِك فِي الْعَيْب الْقَدِيم يُمكن أَن يُقَال معيار الْمِقْدَار مظن حَالَة العقد وَهُوَ سليم فَيجب إكماله
الرَّابِعَة إِذا تعيب الصَدَاق بجنايتها فَذَلِك كقبضها وَإِن تعيب بِجِنَايَة أَجْنَبِي فلهَا الْخِيَار وَلكنهَا على قَول ضَمَان العقد إِن فسخت طالبة الزَّوْج بِمهْر الْمثل وَلم تطالب الْأَجْنَبِيّ بِالْأَرْشِ وَإِن أجازت طالبت الْأَجْنَبِيّ بِالْأَرْشِ إِذْ جنى على ملكهَا وعَلى قَول ضَمَان الْيَد إِن فسخت طالبت الزَّوْج بِقِيمَة الصَدَاق سالما وَإِن أجازت تخيرت بَين مُطَالبَة الزَّوْج وَالْأَجْنَبِيّ والقرار على الْأَجْنَبِيّ
الْخَامِسَة إِذا تلف بعض الصَدَاق ارْتبط النّظر على قَول ضَمَان العقد بتفريق الصَّفْقَة وَإِن تلف كُله لم يخف تَفْرِيع ضَمَان العقد لَكِن على قَول ضَمَان الْيَد لَا فسخ لَهَا بِخِلَاف مَا إِذا تعين فَإِنَّهَا تستفيد بِالْفَسْخِ الْخَلَاص بِالْعَيْبِ وَالرُّجُوع بِالْقيمَةِ
وَأما هَا هُنَا إِن أجازت أَو فسخت فرجوعها إِلَى قيمَة يَوْم الإصداق فَأَي معنى لفسخ لَا فَائِدَة لَهُ وَقد تضرر بِهِ إِذْ تسْقط مُطَالبَته عَن الْأَجْنَبِيّ
وَإِذ قُلْنَا إِنَّه يضمن ضَمَان الْمَغْصُوب وَكَانَ قِيمَته يَوْم التّلف أَكثر فَإِن أجازت أخذت قِيمَته يَوْم التّلف وَإِن فسخت رجعت إِلَى قيمَة يَوْم الإصداق فينقص حَقّهَا وتتضرر بِالْفَسْخِ وَهَذَا بِخِلَاف مَا لَو وجد بِالْمَبِيعِ عَيْبا وَهُوَ مَعَ ذَلِك يُسَاوِي أَضْعَاف الثّمن فَإِن لَهُ الرَّد لِأَن لَهُ فَائِدَة فِي الْخُرُوج من الْعهْدَة

(5/222)


الحكم الثَّانِي فِي التَّسْلِيم

وَمهما تنَازعا فِي الْبِدَايَة بِالتَّسْلِيمِ فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال كَمَا فِي البيع
أحداها أَنَّهُمَا يجبران مَعًا من غير تَقْدِيم أَحدهمَا وَطَرِيقه أَن يُكَلف الزَّوْج تَسْلِيم الصَدَاق على عدل وتكلف الْمَرْأَة التَّمْكِين فَإِذا وَطئهَا أخذت الصَدَاق
وَالثَّانِي أَنَّهُمَا لَا يجبران بل من أَرَادَ اسْتِيفَاء مَاله بَادر إِلَى تَسْلِيم مَا عَلَيْهِ حَتَّى يجْبر صَاحبه على التَّسْلِيم
وَالثَّالِث أَن الْبِدَايَة بِالزَّوْجِ لِأَن اسْتِرْدَاد الصَدَاق مُمكن دون الْبضْع وَهَذَا بِشَرْط أَن تكون مهيأة للاستمتاع فَإِن كَانَت صَغِيرَة فَفِي الْمهْر قَولَانِ كَمَا فِي النَّفَقَة وَإِن كَانَت محبوسة أَو مَمْنُوعَة بِعُذْر آخر لم يجب تَسْلِيم الصَدَاق إِلَيْهَا
وَالْقَوْل الرَّابِع وَهُوَ أَن الْبِدَايَة بِالْمَرْأَةِ وَإِن كَانَت فِي رُتْبَة البَائِع فَإِن ذَلِك لَا يجْرِي هَا هُنَا أصلا لِأَن الْبضْع يفوت بِالتَّسْلِيمِ بِخِلَاف الْمَبِيع
ثمَّ إِن الْبِدَايَة لَا تخلوا إِمَّا أَن تكون مِنْهَا أَو مِنْهُ فَإِن كَانَ مِنْهَا التَّمْكِين ثَبت لَهَا طلب الصَدَاق على الْأَقْوَال كلهَا وطِئت أَو لم تُوطأ إِذْ بذلت مَا فِي وسعهَا فَإِن رجعت إِلَى

(5/223)


الِامْتِنَاع لم يكن لَهَا طلب الصَدَاق لِأَن شَرط اسْتِمْرَار الطّلب على قَوْلنَا الِابْتِدَاء بِالزَّوْجِ اسْتِمْرَار التَّمْكِين وَإِن وَطئهَا اسْتَقر الطّلب فَإِن لم يسلم لَهَا الصَدَاق لم يكن لَهَا الْعود إِلَى الْمَنْع إِذْ سقط حق حَبسهَا بِالْوَطْءِ وَلَا يسْقط حق حَبسهَا بتمكين عَار عَن الْوَطْء
وَهل يسْقط بِوَطْء أكرهت عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان وَوجه سُقُوطه أَن الْعِوَض قد تقرر وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَهَا الِامْتِنَاع بعد الْوَطْء مهما منع الصَدَاق

(5/224)


أما إِذا بَادر الزَّوْج إِلَى تَسْلِيم الصَدَاق فامتنعت فَهَل لَهُ الِاسْتِرْدَاد إِن قُلْنَا إِنَّه يجْبر الزَّوْج على الْبِدَايَة فيسترد لِأَن ذَلِك بِشَرْط تَسْلِيم المعوض وَإِن قُلْنَا لَا يجْبر فقد تبرع وأبطل حق الْحَبْس فَلَا يسْتَردّ وَقَالَ القَاضِي إِن كَانَت معذورة عِنْد التَّسْلِيم ثمَّ زَالَ الْعذر وامتنعت فَلهُ الِاسْتِرْدَاد لِأَنَّهُ سلم على رَجَاء التَّمْكِين عِنْد زَوَال الْعذر وَالْأَظْهَر أَنه لَا يسْتَردّ كَيْفَمَا كَانَ
ثمَّ مهما سلم الصَدَاق فَلَيْسَ لَهُ أَن يرهقها بل يُمْهِلهَا ريثما تستعد بالتنظف والاستحداد وَقيل إِنَّه يُمْهل ثَلَاثَة أَيَّام
وَلَا خلاف فِي أَن الْإِمْهَال لأجل تهيئة الجهاز لَا يجب نعم لَو كَانَت صَغِيرَة لَا تطِيق الوقاع لم يجب تَسْلِيمهَا وَكَذَا إِن كَانَت مَرِيضَة فَلَو كَانَت حَائِضًا وَجب التسلم إِذْ يسْتَمْتع بهَا فَوق الْإِزَار وَيَكْفِي الدّين وازعا عَن الْوَطْء
فَإِن قَالَ أَنا أمتنع عَن وَطْء الصبية والمريضة لم يوثق بقوله فِيهِ وَذَلِكَ إِضْرَار بهما وَلَا ضَرَر على الْحَائِض نعم لَو علمت من عَادَته أَنه يتغشاها فِي الْحيض فلهَا الِامْتِنَاع من المضاجعة

(5/225)


الحكم الثَّالِث التَّقْرِير

وَلَا يَتَقَرَّر كَمَال الْمهْر إِلَّا بِالْوَطْءِ أَو موت أحد الزَّوْجَيْنِ فَأَما الْخلْوَة فَلَا تقرر على الْجَدِيد من الْقَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من قطع بِأَن الْخلْوَة لَا تقرر وَجها وَاحِدًا وَحمل نَص الْقَدِيم على أَن الْخلْوَة تُؤثر فِي جعل القَوْل قَوْلهَا إِذا تنَازعا فِي الْوَطْء لأجل التَّقْرِير
ثمَّ قَالَ المفرعون على الْقَدِيم يتَعَلَّق بالخلوة أَيْضا الْعدة وَالرَّجْعَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا تثبت الرّجْعَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْخلْوَة بالنفساء وَالْحَائِض والصائمة صَوْم الْفَرْض لَا تقرر الْمهْر وَوَافَقَهُ الْمُحَقِّقُونَ على الْقَدِيم

(5/226)


وَقَالَ الْخلْوَة بالرتقاء والقرناء تقرر الْمهْر وَخَالفهُ الْمُحَقِّقُونَ

(5/227)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي أَحْكَام الصَدَاق الْفَاسِد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَقَاعِدَة الْبَاب أَن النِّكَاح لَا يفْسد بِفساد الصَدَاق لِأَن الْمَذْهَب الصَّحِيح أَن النِّكَاح الْخَالِي عَن ذكر الصَدَاق ينْعَقد مُوجبا للصداق تعبدا فَلَا يُؤثر ذكر الصَدَاق إِلَّا فِي التَّعْيِين وَالتَّقْدِير فَيفْسد التَّعْيِين وَالتَّقْدِير وَيبقى وجوب مهر الْمثل أَو يبْقى التَّقْدِير وَيسْقط التَّعْيِين حَتَّى يرجع إِلَى قيمَة الصَدَاق إِذا كَانَ حرا أَو مَغْصُوبًا وَقَالَ مَالك رَحْمَة الله عَلَيْهِ يفْسد النِّكَاح بِفساد الصَدَاق وَقيل هُوَ قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلَا تَفْرِيع عَلَيْهِ
ثمَّ لفساد الصَدَاق أَسبَاب ومدارك

الأول أَن لَا يكون قَابلا للتَّمْلِيك كَالْخمرِ وَالْمَغْصُوب وَالْحر وَحكمه بِالرُّجُوعِ إِلَى

(5/228)


الْقيمَة على قَول وَإِلَى مهر الْمثل على قَول
الثَّانِي الشُّرُوط وَالْأَصْل أَن النِّكَاح لَا يفْسد بِكُل شَرط يُوَافق مَقْصُوده كَقَوْلِه بِشَرْط أَن أنْفق عَلَيْك أَو أجامعك وَيفْسد بِكُل شَرط يخل بمقصود الْبضْع كَقَوْلِه نكحت بِشَرْط أَن أطلق أَو لَا أجامع وَفِيه وَجه بعيد أَنه لَا يفْسد بِهِ وَأما الَّذِي لَا يخل بِالْمَقْصُودِ وَلَكِن يتَعَلَّق بِهِ غَرَض مَقْصُود ويؤثر فِيهِ كَشَرط أَن لَا يتسرى عَلَيْهَا وَأَن يُمكنهَا من الْخُرُوج مَتى شَاءَت أَو لَا يجمع بَينهَا وَبَين ضراتها فِي مسكن أَو لَا يقسم لَهَا فَهَذِهِ أغراض مَقْصُودَة وكل غَرَض مَقْصُود فَهُوَ عوض مُضَاف إِلَى الصَدَاق أَو مُقَابل لَهُ فيؤثر فِي إِفْسَاد الصَدَاق لَا فِي إِفْسَاد النِّكَاح وَكَذَلِكَ الشُّرُوط الْفَاسِدَة الْخَاصَّة بِالصَّدَاقِ تفْسد الصَدَاق دون النِّكَاح
وَلَو شَرط الْخِيَار ثَلَاثَة أَيَّام فِي الصَدَاق فحاصل الْمَنْقُول فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا أَنه يَصح الشَّرْط وَيثبت الْخِيَار لِأَن الصَدَاق فِي حكم عقد مُسْتَقل وَلذَلِك لَا يَنْفَسِخ النِّكَاح بفسخه فيفرد بِالْخِيَارِ كَالْبيع

(5/229)


وَالثَّانِي أَنه يفْسد وَيفْسد النِّكَاح لِأَن إِثْبَات الْخِيَار فِي أحد الْعِوَضَيْنِ يتداعى إِلَى الثَّانِي
وَهُوَ ضَعِيف يلْزم فِي سَائِر شُرُوطه
وَالثَّالِث أَنه يفْسد بِهِ الصَدَاق دون النِّكَاح لِأَن إِثْبَات الْخِيَار فِي الصَدَاق بعيد وَإِذا لم يَصح أفسد الصَدَاق
فرع نقل الْمُزنِيّ لفظين متقاربين وحكمين مُخْتَلفين فَقَالَ لَو عقد النِّكَاح بِأَلف على أَن لأَبِيهَا ألفا فالمهر فَاسد لِأَن الْألف الثَّانِي لَيْسَ بِمهْر وَقد اشْتَرَطَهُ
وَلَو نكح امْرَأَة بِأَلف على أَن تُعْطِي أَبَاهَا ألفا كَانَ جَائِزا وَلها مَنعه وَأَخذهَا مِنْهُ لِأَنَّهَا هبة لم تقبض أَو وكَالَة وَكَأن الْمُزنِيّ جعل هَذَا كَأَنَّهُ

(5/230)


عقد بِأَلفَيْنِ على أَن توصل إِلَى أَبِيهَا من مَالهَا ألفا فالتزم عملا لَا يلْزمه فيلغوه لَكِن اللَّفْظ يكَاد ينبو عَنهُ فَمن الْأَصْحَاب من قَالَ الْمهْر فَاسد هَاهُنَا أَيْضا لِأَنَّهُ عقد بِأَلف بِلَا فرق بَين الْإِضَافَة وَبَين الْإِعْطَاء وَمِنْهُم من قَالَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج إِذْ الْإِضَافَة إِلَى أَبِيهَا أَيْضا مشْعر بِأَنَّهُ يسلم لَهُ من جِهَتهَا الْفَا فَهُوَ كالإعطاء وَالصَّحِيح الْفرق وَتَقْرِير النصين
الْمدْرك الثَّالِث الْفساد بتفريق الصَّفْقَة وَفِيه مَسْأَلَتَانِ
إِحْدَاهمَا أَن يصدقها عبدا على أَن ترد ألفا فقد جعل العَبْد مَبِيعًا وصداقها فَجمع

(5/231)


بَين صفقتين مختلفتين فَيخرج على قولي تَفْرِيق الصَّفْقَة فَإِن أفسدنا كَانَ تَأْثِيره فِي إِفْسَاد الصَدَاق وَذكر الفوراني الْقَوْلَيْنِ فِي صِحَة النِّكَاح وَرُبمَا يعتضد ذَلِك بطرد الْأَصْحَاب الْقَوْلَيْنِ فِيمَا لَو جمع بَين أَجْنَبِيَّة ومحرم فِي صَفْقَة وَاحِدَة إِذْ أفسدوا نِكَاح الْأَجْنَبِيَّة على قَول لكنه ضَعِيف لِأَن الْفساد تطرق هَاهُنَا إِلَى بعض صِيغَة التَّزْوِيج والصيغة لَا تتبعض وَهُنَاكَ تطرق الْفساد إِلَى لفظ الصَدَاق
وَإِن فرعنا على صِحَة الصَدَاق فَلَو تلف العَبْد قبل الْقَبْض استردت الْألف وَرجعت إِلَى مهر الْمثل على قَول وعَلى قَول ترجع إِلَى قيمَة الْبَاقِي بِاعْتِبَار توزيع العَبْد على الْألف وَمهر الْمثل
وَلَو قبضت العَبْد فَوجدت بِهِ عَيْبا وأرادت أَن تفرد الْقدر الْمَبِيع أَو الصَدَاق بِالرَّدِّ فَفِيهِ قولا تَفْرِيق الصَّفْقَة وَوجه جَوَازه أَن جِهَة الصَدَاق تبَاين جِهَة البيع فَلم يكن كَمَا لَو اشْترى عبدا ورد بعضه بِالْعَيْبِ فَإِن ذَلِك مُمْتَنع لما فِيهِ من الْإِضْرَار بالتوزيع
الثَّانِيَة لَو جمع بَين نسْوَة فِي عقد وَاحِد على صدَاق وَاحِد فَالنِّكَاح صَحِيح وَفِي صِحَة الصَدَاق قَولَانِ نَص عَلَيْهِمَا الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَكَذَلِكَ فِي الْخلْع

(5/232)


وَنَصّ على أَنه لَو اشْترى عَبْدَيْنِ من رجلَيْنِ لكل وَاحِد عبد بِثمن وَاحِد فَالْبيع بَاطِل لجَهَالَة الثّمن وَنَصّ على أَنه لَو كَاتب عبيده على عوض وَاحِد فالكتابة صَحِيحَة
فَمن الْأَصْحَاب من قرر النُّصُوص وَقَالَ البيع بَاطِل لجَهَالَة الثّمن فِي حق كل وَاحِد وَالْكِتَابَة صَحِيحَة تشوفا إِلَى الْعتْق إِذْ احْتمل فِيهِ مُقَابلَة الْملك بِالْملكِ فَهَذَا أولى وَالصَّدَاق وَالْخلْع دائر بَين الرتبتين فَفِيهِ قَولَانِ وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ فِي الْجَمِيع وَهُوَ الْقيَاس وَوجه قَول الْفساد الْجَهْل بِحَق كل وَاحِد وَوجه الصِّحَّة معرفَة الْجُمْلَة وتيسير الْوُصُول إِلَى التَّفْصِيل بالتوزيع لكنه لَا خلاف أَنه لَو قَالَ بِعْتُك هَذَا العَبْد بِمَا يَقْتَضِيهِ التَّوْزِيع من الْألف إِذا قسم على قِيمَته وعَلى قيمَة ذَلِك العَبْد الآخر لم يجز ذَلِك فَأَي فرق بَين أَن يدْخل العَبْد الآخر فِي العقد أَو لَا يدْخل والصفقة تعدّدت بِتَعَدُّد البَائِع فالتصحيح بعيد فِي الْجَمِيع
التَّفْرِيع إِن قضينا بِالصِّحَّةِ وزع الصَدَاق على مُهُور أمثالهن وَفِيه وَجه بعيد أَنه يوزع على عدد الرُّءُوس
وَإِن فرعنا على الْفساد يرجع كل وَاحِد مِنْهُم إِلَى مهر الْمثل على قَول وَإِلَى قيمَة الصَدَاق كَمَا يَقْتَضِيهِ التَّوْزِيع على قَول لِأَن هَذَا مَجْهُول أمكن مَعْرفَته بِخِلَاف مَا لَو أصدقهَا مَجْهُولا لَا يُمكن مَعْرفَته فَإِنَّهُ يرجع إِلَى مهر الْمثل قولا وَاحِدًا
الْمدْرك الرَّابِع أَن يكون الصَدَاق بِحَيْثُ لَو قدر ثُبُوته لارتفع النِّكَاح كَمَا إِذا قبل نِكَاح عَبده وَجعل

(5/233)


رقبته صَدَاقا فَلَو ملكت رقبته لانفسخ النِّكَاح فَيفْسد الصَدَاق وَيفْسد النِّكَاح أَيْضا لِأَنَّهُ قرن النِّكَاح بِمَا يضاده لَو ثَبت بِخِلَاف مَا لَو أصدق خمرًا فضاهى هَذَا شَرط الطَّلَاق وَالْفَسْخ وَكَانَ يحْتَمل تَصْحِيح النِّكَاح وَلَكِن لَا صائر إِلَيْهِ
الْمدْرك الْخَامِس أَن يتَضَمَّن إِثْبَات الصَدَاق رفع الصَدَاق كَمَا لَو زوج من إبنه امْرَأَة وَأصْدقهَا أم ابْنه فَإِنَّهُ لَا بُد من تَقْدِير دُخُول الْأُم فِي ملك الابْن حَتَّى ينْتَقل إِلَى الزَّوْجَة صَدَاقا وَلَو دخل فِي ملكه لعتق عَلَيْهِ وَلما صَار صَدَاقا فَفِي إثْبَاته نَفْيه ففسد بطرِيق الدّور وَلَكِن يَصح النِّكَاح
الْمدْرك السَّادِس أَن يضمن إِضْرَارًا بالطفل كَمَا لَو قبل لِابْنِهِ الصَّغِير نِكَاحا بِأَكْثَرَ من مهر الْمثل أَو زوج ابْنَته بَاقِل من مهر الْمثل فَيفْسد الصَدَاق وَفِي صِحَة النِّكَاح قَولَانِ
أَحدهمَا الصِّحَّة كَسَائِر أَسبَاب الْفساد
وَالثَّانِي الْفساد لِأَنَّهَا إِذا لم ترض إِلَّا بِأَكْثَرَ من مهر الْمثل فَكيف ترد إِلَى مهر الْمثل وَكَيف يَصح العقد دون رِضَاهَا وَكَذَلِكَ إِذا لم يرض زوج ابْنَته إِلَّا بِأَقَلّ من مهر الْمثل فَكيف يلْزمه مهر الْمثل هَذَا إِذا زوج من ابْنه بِمَال الابْن فَإِن زوج وأصدق من مَاله بِزِيَادَة على مهر الْمثل صَحَّ وَلَا نقُول هَذَا يدْخل فِي ملك الطِّفْل وَيصير تَبَرعا من

(5/234)


مَاله لِأَنَّهُ لَا مصلحَة للطفل فِي إِفْسَاد هَذَا الصَدَاق إِذْ يفوت عَلَيْهِ الْكل فَإِذا كَانَ يحصل ذَلِك ضمنا فَلَا نبالي بِالزِّيَادَةِ
واختتام الْبَاب بمسالة السِّرّ وَالْعَلَانِيَة فَإِذا تواطأ أَوْلِيَاء الزَّوْجَيْنِ على ذكر أَلفَيْنِ فِي العقد ظَاهرا وعَلى الِاكْتِفَاء بِأَلف بَاطِنا فقد نقل الْمُزنِيّ قَوْلَيْنِ فِي أَن الْوَاجِب مهر السِّرّ أَو مهر الْعَلَانِيَة وَاخْتَارَ الْمُزنِيّ أَن الْوَاجِب مهر الْعَلَانِيَة لِأَن مَا جرى قبله وعد مَحْض وَمَا ذكره صَحِيح إِذْ لم يجز إِلَّا الْوَعْد فَأَما إِذا تواطئوا على إِرَادَة الْألف بِعِبَارَة الْأَلفَيْنِ فَيحْتَمل قَوْلَيْنِ مأخذهما أَن الِاصْطِلَاح الْخَاص هَل يُؤثر فِي الِاصْطِلَاح الْعَام وَبِغَيْرِهِ أم لَا وَفِيه نظر
الْمدْرك السَّابِع مُخَالفَة الْآمِر وَذَلِكَ أَن يَقُول للْوَكِيل زَوجنِي بِأَلف فزوج بِخَمْسِمِائَة لَا يَصح النِّكَاح لِأَنَّهُ لَا يملك الْوَكِيل إِلَّا مَا أذن لَهُ فِيهِ وَلم يُؤذن لَهُ فِي هَذَا العقد بِخَمْسِمِائَة
فَأَما إِذا قَالَت للْوَكِيل زَوجنِي مُطلقًا بِزَوْج بِأَقَلّ من مهر الْمثل فَالصَّحِيح فَسَاد النِّكَاح أَيْضا لِأَن الْمُطلق فِي الْعرف يَقْتَضِي مهر الْمثل
وَلَو زَوجهَا من غير الْمهْر فَفِي الصِّحَّة قَولَانِ
أَحدهمَا لَا يَصح لِأَن الْمُطلق ينزل على النِّكَاح بِالْمهْرِ
وَالثَّانِي الصِّحَّة لِأَنَّهُ طابق فعله إِذْنهَا

(5/235)


أما إِذا زوج الْوَكِيل أَيْضا مُطلقًا وَلم يتَعَرَّض للمهر فَيحْتَمل التَّصْحِيح وَالرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل لِأَنَّهُ طابق فعله إِذْنهَا وَيحْتَمل الْإِفْسَاد إِذا كَانَ مَفْهُوم قَوْلهَا فِي الْعرف ذكر الْمهْر
وَأما إِذا ذكر خمرًا أَو خنزيرا ظَهرت الْمُخَالفَة فَيظْهر الْإِفْسَاد وَأما إِذا أَذِنت للْوَلِيّ فَالصَّحِيح أَن الْوَلِيّ فِي هَذَا الْمَعْنى كَالْوَكِيلِ لِأَنَّهُ غير مجبر وَقيل إِن الْإِذْن يلْحقهُ بالمجبر
ثمَّ فِي تَزْوِيج الْمُجبر بِأَقَلّ من مهر الْمثل قَولَانِ وَإِنَّمَا ذكرُوا الْقَوْلَيْنِ أَيْضا فِي الْوَكِيل حَيْثُ فوضت إِلَيْهِ مُطلقًا
أما إِذا قدرت الْمهْر وَخَالف فَقطعُوا بِفساد النِّكَاح وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ أَيْضا فِي الْوَكِيل إِذا فوض إِلَيْهِ مُطلقًا
فرع لَو قَالَت زَوجنِي بِمَا شَاءَ الْخَاطِب فَقَالَ زَوجتك بِمَا شِئْت فالمهر مَجْهُول وَالرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل إِلَّا إِذا عرف المزوج مَا شَاءَ الْخَاطِب وَقَالَ القَاضِي وَإِن عرف فالصداق فَاسد فَإِنَّهُ لم يتَلَفَّظ بِهِ

(5/236)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي إخلاء النِّكَاح عَن الْمهْر وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الْفَصْل الأول فِيمَا تستحقه المفوضة

ونعني بالتفويض تخلية النِّكَاح عَن الْمهْر بِأَمْر من إِلَيْهِ الْأَمر كَمَا إِذا قَالَت الْبَالِغَة للْوَلِيّ زَوجنِي بِغَيْر مهر فَزَوجهَا وَنفى الْمهْر أَو سكت عَن ذكره وكما لَو زوج السَّيِّد أمته وَنفي الْمهْر أَو سكت عَنهُ وَلَا يتَصَوَّر ذَلِك فِي صبية وَلَا مَجْنُونَة وَلَا سَفِيهَة إِذْ لَيْسَ لأحد إِسْقَاط مهورهن نعم إِذا قَالَت السفيهة للْوَلِيّ زَوجنِي بِغَيْر مهر تسلط الْوَلِيّ على التَّزْوِيج بِإِذْنِهَا لَكِن عَلَيْهِ تَزْوِيجهَا بِمهْر الْمثل وَلَا يعْتَبر قَوْلهَا فِي إِسْقَاط الْمهْر
ثمَّ فِيمَا تستحقه المفوضة طَرِيقَانِ
قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا تسْتَحقّ بِالْعقدِ شَيْئا وتستحق بِالْوَطْءِ مهر الْمثل وَهل تسْتَحقّ

(5/237)


بِالْمَوْتِ قَولَانِ
أَحدهمَا نعم لِأَن الْمَوْت مُقَرر كَالْوَطْءِ وَلِأَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ سُئِلَ عَن المفوضة وَقد مَاتَ زَوجهَا فاجتهد شهرا ثمَّ قَالَ إِن أصبت فَمن الله وَإِن أَخْطَأت فمني وَمن الشَّيْطَان أرى لَهَا مهر نسائها وَالْمِيرَاث فَقَامَ معقل بن سِنَان وَقَالَ أشهد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى فِي تَزْوِيج بروع بنت واشق الأشجعية بِمثل قضائك هَذَا فسر بِهِ سُرُورًا عَظِيما

(5/238)


وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ لِأَن تَشْبِيه الْمَوْت بِالطَّلَاق أولى
وَلَا خلاف أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ الشّطْر عِنْد الطَّلَاق قبل الْمَسِيس وَأما حَدِيث معقل بن سِنَان فَلم يقبله عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه وَقَالَ كَيفَ نقبل فِي ديننَا قَول أَعْرَابِي بوال على عَقِبَيْهِ
هَذِه طَريقَة الْعِرَاقِيّين أما المراوزة ذكرُوا قَوْلَيْنِ فِي أَنَّهَا هَل تسْتَحقّ بِالْعقدِ وَوجه الِاسْتِحْقَاق أَنَّهَا إِذا اسْتحقَّت عِنْد الْمَوْت وَالْمَوْت لَا يُوجب بل يُقرر فقد دلّ على أَنه وَجب بِالْعقدِ فَكَذَلِك الْوَطْء وَإِن كَانَ مُوجبا فَإِنَّمَا يُوجب إِذا لم يكن مُسْتَحقّا أَعنِي الْوَطْء وَالْوَطْء هَاهُنَا مُسْتَحقّ بِالْعقدِ فَلَا يُوجب شَيْئا وَهَذَا بِخِلَاف الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ وَلذَلِك لَا يجب على السَّيِّد بِوَطْء أمته شَيْء فوجوبه بِالْوَطْءِ يدل على وُجُوبه بِالْعقدِ
وَاتفقَ الْأَصْحَاب على أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ بِالطَّلَاق قبل الْمَسِيس لِأَن الْقيَاس سُقُوط الْكل

(5/239)


بِالطَّلَاق وَلَكِن قَالَ الله تَعَالَى {فَنصف مَا فرضتم} فخصص بالمفروض
وَلَو أصدقهَا خمرًا ورجعنا إِلَى مهر الْمثل تشطر ذَلِك فِي الطَّلَاق لِأَنَّهُ مَفْرُوض صَحِيح فِي إثيات الأَصْل دون التَّعْيِين وَذكر الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد أَن مهر الْمثل فِي صُورَة التَّفْوِيض أَيْضا يتشطر كذكر الْخمر
وَاتَّفَقُوا على أَنَّهَا تسْتَحقّ بِالْوَطْءِ أَيْضا إِلَّا القَاضِي حُسَيْن فَأَنَّهُ ذكر وَجها انها لَا تسْتَحقّ مخرجا من قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْمُرْتَهن إِذا وَطْء الْجَارِيَة الْمَرْهُونَة بِإِذن الرَّاهِن على ظن أَنه مُبَاح إِن الْمهْر لَا يجب مَعَ ثُبُوت النّسَب وَالْعدة وَسُقُوط الْمهْر لَا مَأْخَذ لَهُ إِلَّا إِسْقَاط من لَهُ الْحق
فرع إِذا قُلْنَا تسْتَحقّ الْمهْر بِالْوَطْءِ فَيجب بِاعْتِبَار حَالهَا يَوْم الْوَطْء أَو يَوْم العقد فِيهِ وَجْهَان وَوجه اعْتِبَار يَوْم يُومِئ إِلَى أَن الْأَمر كَانَ مَوْقُوفا فكأنا نقُول العقد الْخَالِي عَن الْوَطْء لَا يُوجب الْمهْر والمفضي إِلَى الْوَطْء يُوجب وَلَكِن لَا يتَبَيَّن إِلَّا

(5/240)


بِالآخِرَة فَتحصل بِالْعقدِ ثَلَاثَة أَقْوَال
يجب
لَا يجب
هُوَ مَوْقُوف إِلَى أَن يَخْلُو عَن الْمَسِيس أَو يُفْضِي إِلَيْهِ

(5/241)


الْفَصْل الثَّانِي فِي الْفَرْض وَمَعْنَاهُ وَحكمه

اعْلَم أَن المفوضة إِذا قُلْنَا إِنَّهَا تسْتَحقّ الْمهْر إِمَّا بِالْعقدِ أَو بالمسيس فَمَعْنَاه أَنَّهَا تسْتَحقّ إِمَّا مهر الْمثل أَو مَا تراضى بِهِ الزَّوْجَانِ وَمَا يتراضيان بِهِ فَهُوَ أولى فَإِن عجزنا عَن ذَلِك رَجعْنَا إِلَى مهر الْمثل لِأَن إِيجَاب الْمهْر مَعَ التَّصْرِيح بنفيه تعبد والتعبد فِي أصل الْمهْر لَا فِي مبلغه لَكِن طلب مَا لَا يتَعَيَّن مبلغه غير مُمكن فَلذَلِك يجب على الرجل تعْيين الْمبلغ بِالْفَرْضِ ويحوز للْمَرْأَة أَن تمنع نَفسهَا فِي طلب الْفَرْض على الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا
فَأَما إِن قُلْنَا إِنَّهَا تسْتَحقّ بِالْعقدِ فلهَا غَرَض فِي الْفَرْض وَهُوَ تَقْرِير الشّطْر عِنْد الطَّلَاق
وَإِن قُلْنَا لَا يجب فتستحق عِنْد الْمَسِيس فلهَا أَن لَا تسلم نَفسهَا إِلَّا على ثَبت نعم لَيْسَ لَهَا حبس نَفسهَا لتسليم الْمَفْرُوض فِي صُورَة التَّفْوِيض لِأَنَّهَا أبطلت حَقّهَا إِذْ رضيت بِغَيْر مهر وَإِنَّمَا لَهَا الْفَرْض لنفي الْجَهَالَة عَمَّا أثْبته الشَّرْع أَو تثبته وَمن أَصْحَابنَا من ذكر وَجها أَن لَهَا حبس نَفسهَا لتسليم الْمَفْرُوض كَمَا لَهَا طلب الْفَرْض وَهُوَ مُتَّجه
ثمَّ لَا خلاف فِي أَن لَهما فرض غير جنس الصَدَاق وَمَا يزِيد على مهر الْمثل وَمَا ينقص إِذا لم يكن من جنس مهر الْمثل وَالصَّحِيح أَنه يجوز فرض الزِّيَادَة على مهر الْمثل وَإِن كَانَ من جنسه وَيجوز فرض الْمُؤَجل وَلَا يشْتَرط علمهما بِمهْر الْمثل عِنْد الْفَرْض

(5/242)


وَمن أَصْحَابنَا من ذكر فِي هَذِه الْمسَائِل الثَّلَاث وَجْهَيْن فَكَأَنَّهُ يَجْعَل مهر الْمثل أصلا وَالْفَرْض بَيَانا لَهُ وتقديرا فَيَقُول لَا يُمكن إِثْبَات الْأَجَل ابْتِدَاء وَلَا الْتِزَام زِيَادَة على مهر الْمثل فَإِنَّهُ لَا أصل لَهُ كَمَا أَنه لَا تجوز الْمُصَالحَة فِي دم الْعمد على مَا تبين من الْإِبِل إِذا قُلْنَا الْوَاجِب أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه وَكَأن مثل ذَلِك التَّرَدُّد جَار هَاهُنَا وَهُوَ أَن الْوَاجِب مهر الْمثل أَو الْمَفْرُوض أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه أَو مهر الْمثل هُوَ الأَصْل وَالْفَرْض بِنَاء عَلَيْهِ وتابع لَهُ وَالأَصَح أَن الْوَاجِب أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه وَلذَلِك جَازَ تعْيين مَا تزيد قِيمَته من غير جنس الْمهْر لَا على منهاج الِاسْتِبْدَال إِذْ لَا يفْتَقر إِلَى إِيجَاب وَقبُول
فروع أَرْبَعَة

الأول لَو أبرأت قبل الْفَرْض عَن الْمهْر صَحَّ على قَوْلنَا يجب بِالْعقدِ إِن كَانَ مهر الْمثل مَعْلُوما وَإِن كَانَ مَجْهُولا لم يَصح فِي الزِّيَادَة على المستيقن وَفِي الْقدر المستيقن قولا تَفْرِيق الصَّفْقَة وَإِن قُلْنَا لَا يجب إِلَّا بِالْوَطْءِ فَهُوَ كالإبراء عَمَّا لم يجب وَجرى سَبَب وُجُوبه وَفِيه قَولَانِ وَلَا يكون إبراؤه مضادا للتعبد فَإِنَّهُ فِي حكم الِاسْتِيفَاء
أما إِذا قَالَت أسقطت حَقي عَن طلب الْفَرْض فَهَذَا يَلْغُو لِأَن أصل الْحق بَاقٍ وَالْفَرْض تَابع لَهُ فَصَارَ ذَلِك كرضى الَّتِي آلى عَنْهَا زَوجهَا فَإِن ذَلِك لَا يسْقط حَقّهَا
الثَّانِي لَو فرض لَهَا خمرًا أَو خنزيرا لَغَا وَلم يتشطر بِسَبَبِهِ مهر الْمثل لِأَن الْمُؤثر فرض صَحِيح أَو مقرون بِحَال العقد فَمَا لَا يُفِيد تعيينا بعد العقد لم يُؤثر فِي تغير العقد
الثَّالِث لَو امْتنع من الْفَرْض مَعَ طلبَهَا فللقاضي أَن يفْرض وَلَكِن عَلَيْهِ أَن لَا يزِيد على مهر الْمثل كَيْلا يتَضَرَّر الزَّوْج وَكَأَنَّهُ نَائِب عَنهُ نِيَابَة قهرية

(5/243)


الرَّابِع لَو فرض الْأَجْنَبِيّ مُتَبَرعا فَفِي صِحَّته وَجْهَان
أَحدهمَا يجوز وَعَلِيهِ الْمَفْرُوض كَمَا لَهُ التَّبَرُّع بأَدَاء الصَدَاق عَنهُ دون إِذْنه
وَالثَّانِي لَا يجوز لِأَن هَذَا إِظْهَار لمراد الطّلب الَّذِي يَقْتَضِيهِ العقد فَلَا يَلِيق إِلَّا بالعاقدين

(5/244)


الْفَصْل الثَّالِث فِي تعرف مهر الْمثل

وَالْحَاجة تمس إِلَى معرفَة ذَلِك فِي المفوضة إِذْ لم يتَّفق فرض وَفِي الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ وَفِي أَخذ المهور بِالشُّفْعَة وَفِي توزيع عِنْد جمع نسْوَة فِي عقد وَاحِد وَفِي مَوَاضِع
وَالْأَصْل الْعَظِيم فِي مهر الْمثل النّسَب وَينظر إِلَى مهر الْأَخَوَات للْأَب والعمات للْأَب وَلَا ينظر إِلَى الْبَنَات والأمهات إِذْ يخْتَلف ذَلِك بِنسَب الْآبَاء وَيعْتَبر مَعَ ذَلِك الْكَمَال والعفة وسلامة الْخلق وَسَائِر الْخِصَال إِذا كَانَت الرَّغْبَة تزيد بذلك وتنقص فَإِن لم تكون نسيبة فمجرد النّظر إِلَى هَذِه الْخِصَال فَإِن هَذَا يجْرِي مجْرى معرفَة الْقيم فَينْظر إِلَى الرغبات
فروع

الأول لَو سمحت وَاحِدَة من الْعَشِيرَة لم يلْزم الْبَاقِيَات ذَلِك إِلَّا إِذا شاع التسامح فِيهِنَّ فَيدل ذَلِك على قلَّة الرغبات
الثَّانِي لَو كن ينكحن بِأَلف مُؤَجل فَلَا يُمكن التَّأْجِيل فِي قيم الْمُتْلفَات فَالْوَجْه أَن ينقص من الْألف مَا يَقْتَضِيهِ الْعُدُول إِلَى النَّقْض
الثَّالِث لَو كن يسامحن من يواصلهن من الْعَشِيرَة فَيلْزم ذَلِك فِي الْعَشِيرَة لَا فِي غَيرهم
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد رَحمَه الله لَا يلْزم ذَلِك لِأَن الْقيم لَا تخْتَلف بالأشخاص
الرَّابِع الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ يُوجب الْمهْر بِاعْتِبَار يَوْم الْوَطْء وَكَذَلِكَ فِي النِّكَاح الْفَاسِد لِأَن

(5/245)


العقد بَاطِل فَلَا معنى لاعتباره نعم إِن وَطئهَا فِي العقد الْوَاحِد مرَارًا لَا يلْزم إِلَّا مهر وَاحِد لِأَن الشُّبْهَة شَامِلَة وَكَذَلِكَ لَو ظَنّهَا مَنْكُوحَة وَوَطئهَا مرَارًا
وَمهما تعدّدت الشُّبْهَة تعدد الْمهْر
وَلَو أكره الْغَاصِب الْجَارِيَة على الْوَطْء وَوَطئهَا مرَارًا لزمَه بِكُل وَطْء مهر إِذْ لَا شُبْهَة حَتَّى يعْتَبر شمولها
وَالْأَب إِذا وطئ جَارِيَة الابْن مرَارًا وَلم تحبل فَهَل يُقَال شُبْهَة الاعفاف شَامِلَة فيكتفى بِمهْر وَاحِد فَفِيهِ وَجْهَان
ثمَّ إِذا اكتفينا بِمهْر وَاحِد فَلَو كَانَت هزيلة فِي حَال وسمينة فِي حَال اعْتبرنَا حَال زِيَادَة الْمهْر واكتفينا بِهِ وَالله أعلم

(5/246)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فِي حكم تشطر الصَدَاق بِالطَّلَاق قبل الْمَسِيس وَفِيه خَمْسَة فُصُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الْفَصْل الأول فِي مَحَله وَحكمه

فَنَقُول ارْتِفَاع النِّكَاح قبل الْمَسِيس لَا بِسَبَب من جِهَتهَا يُوجب تشطر الصَدَاق الثَّابِت بِتَسْمِيَة مقرونة بِالْعقدِ صَحِيح أَو فَاسد أَو يفْرض بعد العقد فِي صُورَة التَّفْوِيض وَيَسْتَوِي فِيهِ الطَّلَاق وَالْفَسْخ والانفساخ إِلَّا إِذا كَانَ الْفَسْخ مِنْهَا أَو بِعَيْب فِيهَا أَو بِسَبَب من جِهَتهَا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يتشطر إِلَّا مُسَمّى صَحِيح فِي نفس العقد فَأَما الْمَفْرُوض بعد العقد الْوَاجِب فِي العقد بِتَسْمِيَة فَاسِدَة فَلَا يتشطر ثمَّ الْمَذْهَب الصَّحِيح أَن معنى التشطير رُجُوع النّصْف إِلَى الزَّوْج بِمُجَرَّد الطَّلَاق من غير اخْتِيَار وَفِيه وَجه مَشْهُور أَن مَعْنَاهُ ثُبُوت خِيَار الرُّجُوع فِي الشّطْر بِالطَّلَاق مضاهيا لخيار الرُّجُوع فِي الْهِبَة وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يفْتَقر إِلَى قَضَاء القَاضِي وَهُوَ ضَعِيف جدا
وَيتَفَرَّع على وَجه الْخِيَار أَن الزِّيَادَة حَادِثَة بعد الطَّلَاق وَقبل الاختبار تسلم للزَّوْجَة وَأَنه لَو طَلقهَا على أَن لَهَا كَمَال الْمهْر يكون ذَلِك كإسقاط الْخِيَار وَيسلم لَهَا كَمَال الْمهْر وعَلى الْوَجْه الآخر وَلَا يُؤثر الشَّرْط فِي إِسْقَاط الشّطْر وَيحْتَمل ترددا فِي تصرف

(5/247)


الْمَرْأَة بَين الطَّلَاق وَالِاخْتِيَار وَفِي أَنه لَو أسقط الزَّوْج خِيَاره هَل يسْقط لتردد هَذَا الْخِيَار بَين خِيَار الْوَاهِب وَبَين خِيَار البيع وتشبيبه بِخِيَار الْوَاهِب أولى
فرع لَو تلف الصَدَاق قبل الطَّلَاق يرجع الزَّوْج بِنصْف الْقيمَة وَلَو تلف بعد الإقلاب إِلَى الزَّوْج بِآفَة سَمَاوِيَّة
قَالَ المراوزة لَا ضَمَان عَلَيْهَا وَهُوَ كَمَا لَو تلف الْمَوْهُوب فِي يَد الْمُتَّهب بعد رُجُوع الْوَاهِب
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ هُوَ مَضْمُون عَلَيْهَا لِأَنَّهُ عوض عَن الْبضْع الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهَا بِالطَّلَاق فَصَارَ كَالْمَبِيعِ إِذا تلف بعد الْفَسْخ
والمراوزة يَقُولُونَ إِن الطَّلَاق كالإعتاق وَهُوَ تصرف مَعْنَاهُ تَقْرِير النِّكَاح وَقطع مُوجبه فَلَيْسَ يعود الشّطْر لعود الْبضْع بِخِلَاف البيع ومساق الطَّرِيقَيْنِ يَقْتَضِي أَن يكون الصَدَاق مَضْمُونا فِي يَدهَا لَو تلف بعد الْفَسْخ بِالْعَيْبِ وكل فسخ يسْتَند إِلَى أصل العقد والانفساخ بردته بِالطَّلَاق أشبه إِذْ لَو كَانَ رُجُوع الْمهْر بطرِيق ترَاد الْعِوَضَيْنِ لرجع جَمِيع الصَدَاق إِلَيْهِ لَا شطره وَلَو انْفَسَخ بردتها أَو بِسَبَب آخر لَا يسْتَند إِلَى العقد وَلَا يتشطر وَهُوَ فِي مَحل الِاحْتِمَال والتردد وَالله تَعَالَى أعلم

(5/248)


الْفَصْل الثَّانِي فِي تغييرات الصَدَاق الَّتِي توجب رد الْحق إِلَى الْقيمَة أَو الْخِيَار

والتغير إِمَّا أَن يكون بِنُقْصَان مَحْض أَو بِزِيَادَة مَحْضَة أَو نُقْصَان من وَجه وَزِيَادَة من وَجه
أما النُّقْصَان الْمَحْض فكالتعيب الْحَاصِل فِي يَدهَا قبل الطَّلَاق فَلذَلِك يُوجب الْخِيَار بعد الطَّلَاق فَللزَّوْج أَن يُطَالب بِنصْف قيمَة السَّلِيم فَإِن رَجَعَ إِلَى عين الصَدَاق فَعَلَيهِ أَن يقنع بالمعيب بِخِلَاف مَا لَو اشْترى عبدا بِثَوْب فَرد الثَّوْب بِالْعَيْبِ وَالثَّوْب معيب فَإِنَّهُ يُطَالب بِالْأَرْشِ وَيَأْخُذ الثَّوْب وَهَذَا الْفرق يُمكن على طَرِيق المراوزة حَيْثُ لم يجْعَلُوا الصَدَاق مَضْمُونا فِي يَدهَا وَلَكِن مَعَ ذَلِك يشكل فَإِنَّهُ لَو تلف قبل الطَّلَاق ضمنة الْقيمَة فَمن هَذَا خرج بعض الْأَصْحَاب وَجها أَنه يُطَالب بِأَرْش الْعَيْب وَيَأْخُذ الْعين إِن شَاءَ
هَذَا إِذا تعيب فِي يَدهَا فَإِن تعيب فِي يَد الزَّوْج فَعَلَيهِ أَن يقنع بالمعيب لِأَنَّهُ تلف من ضَمَانه إِلَّا إِذا كَانَ بِجِنَايَة أَجْنَبِي وَأخذت الْأَرْش فَإِن لَهُ أَن يسْتَردّ نصف الْأَرْش لِأَنَّهُ خلف عَن الْفَائِت وَقَالَ القَاضِي حُسَيْن لَا يرجع بِالْأَرْشِ لِأَنَّهُ كزيادة مُنْفَصِلَة فِي حق الْمَرْأَة والفوات كَانَ من ضَمَان الزَّوْج فَلَا يعْتَبر فِي حَقه لإِقَامَة الْأَرْش مقَامه
أما الزِّيَادَة الْمَحْضَة فالمنفصلة مِنْهَا كَالْوَلَدِ وَاللَّبن وَالثَّمَر فتسلم لَهَا وَلَا حق للزَّوْج فِيهَا
والمتصلة تبطل حق الرُّجُوع بِالْعينِ إِلَّا بِرِضَاهَا فَإِن منعت غرمت قيمَة النّصْف قبل ظُهُور

(5/249)


الزِّيَادَة وَإِن سمحت أجبر الزَّوْج على الْقبُول وَلم يكن لَهُ الِامْتِنَاع حظرا من الْمِنَّة لِأَنَّهُ فِي حكم البَائِع والمشكل أَن الزِّيَادَة الْمُتَّصِلَة لَا تمنع الرُّجُوع فِي الرَّد بِالْعَيْبِ وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَن يكون فِي فسخ النِّكَاح بِالْعَيْبِ وَلَعَلَّ السَّبَب فِيهِ أَن الْفَسْخ يرفع العقد من أَصله بِالْإِضَافَة إِلَى حِينه فَلَا يبْقى حق فِي الزِّيَادَة وَأما هَاهُنَا فَالزِّيَادَة حصلت على ملكهَا وَالطَّلَاق سَبَب مُسْتَأْنف لَا استناد لَهُ إِلَى العقد فإبطال حَقّهَا من الزِّيَادَة غير مُمكن وَعند هَذَا يَنْبَغِي أَن تلْحق ردته بِالطَّلَاق وَفِي الِانْفِسَاخ بردتها تردد الْعِرَاقِيُّونَ لِأَنَّهُ غير مُسْتَند إِلَى سَبَب فِي العقد
أما إِذا زَاد من وَجه وَنقص من وَجه فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا الْخِيَار فَإِن أَبى الزَّوْج قبُول الْعين فَلهُ نصف الْقيمَة وَإِن أَبَت الْمَرْأَة التَّسْلِيم كَانَ على الزَّوْج قبُول نصف الْقيمَة ومثاله أَن يكون الصَدَاق عبدا صَغِيرا فَكبر وترعرع فَالزِّيَادَة لقُوته وَكبره وَالنُّقْصَان لزوَال طراوته وَكَذَا النّخل إِذا أرقلت وبسقت لَكِن قل ثَمَرهَا فَهِيَ زِيَادَة فِي الجرم ونقصان فِي الْفَائِدَة ولسنا نشترط فِي هَذِه الزِّيَادَة مَا يزِيد فِي الْقيمَة بل مَا يرتبط بِهِ غَرَض صَحِيح فَإِن العَبْد الْكَبِير وَإِن لم تزد قِيمَته فَإِنَّهُ يصلح لأغراض لَا يصلح لَهُ الصَّغِير
ولتعلم أَن الثِّمَار فِي الْأَشْجَار زِيَادَة مَحْضَة وَالْحمل فِي الْجَارِيَة زِيَادَة من وَجه ونقصان من وَجه وَفِي الْبَهَائِم زِيَادَة من وَجه وَهل فِيهَا نُقْصَان ترددوا فِيهِ وَالظَّاهِر أَنه إِن كَانَ مَأْكُولا كَانَ نُقْصَانا لِأَنَّهُ يظْهر أَثَره فِي اللَّحْم لَا سِيمَا إِذا تكَرر وَالزَّرْع فِي الأَرْض نُقْصَان مَحْض إِذْ يبْقى الزَّرْع لَهَا وَتَكون الأَرْض نَاقِصَة الْقُوَّة والحراثة فِي الْمزَارِع زِيَادَة

(5/250)


مَحْضَة وَفِي مَوَاضِع الْبناء نُقْصَان مَحْض وَالْغَرْس فِي معنى الزَّرْع
هَذِه قَاعِدَة الْفَصْل ويتهذب مَقْصُوده برسم مسَائِل
الْمَسْأَلَة الأولى لَو أصدقهَا نخيلا فأثمرت فِي يَدهَا وَطَلقهَا قبل الْجذاذ فيعسر فِي هَذِه الصُّورَة التشطير إِذْ تبقى الثِّمَار خَالِصَة لَهَا وَتصير الْأَشْجَار مُشْتَركَة وَإِن ترك السَّقْي تضرر الثَّمر وَالشَّجر لامتصاص الثَّمَرَة رُطُوبَة الشَّجَرَة وَإِن سقى انْتفع الثَّمر وَالشَّجر وَلَيْسَ الْكل مُشْتَركا حَتَّى يشتركا فِي السَّقْي فَلَا يُمكن فصل هَذِه الْوَاقِعَة إِلَّا بمسامحة أحد الْجَانِبَيْنِ أَو مُوَافقَة فَإِنَّهُ لَو أَرَادَ أَن يَأْخُذ نصف الْأَشْجَار ويكلفها قطع الثِّمَار فِي الْحَال لم يلْزمهَا لِأَنَّهَا تسْتَحقّ إبْقَاء الثَّمَرَة إِلَى الْجذاذ وَكَذَلِكَ لَو كلفها هبة شطر الثِّمَار مِنْهُ ليَكُون الْكل مُشْتَركا وَكَذَلِكَ لَا يُمكنهُ أَن يكلفها السَّقْي إِذْ لَيْسَ عَلَيْهَا أَن تَنْفَع نصِيبه من الشّجر وَلَا ترك السَّقْي إِذْ يضر ثَمَرَتهَا وَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهَا أَن تكلفه تَأْخِير الْملك إِلَى أَوَان الْجذاذ وَلَا أَن يسْقِي وَلَا أَن يتْرك السَّقْي لما ذَكرْنَاهُ
أما الْمُسَامحَة فلهَا صور

إِحْدَاهَا أَن يَقُول الزَّوْج أرجع إِلَى نصف الشّجر وَلَا أَسْقِي وَإِلَيْك الْخيرَة إِن شِئْت فاسقي وَإِن شِئْت فاتركي السَّقْي فَلَا تلزمها الْإِجَابَة لِأَنَّهَا تتضرر بترك السَّقْي وَتَنْفَع شَجَره بالسقي وَكَذَلِكَ مسامحتها على هَذَا الْوَجْه لَا تَقْتَضِي لُزُوم الْإِجَابَة
الثَّانِيَة أَن يَقُول الزَّوْج آخذ نصف الشّجر وأسقي بنفسي أَو قَالَت الْمَرْأَة ارْجع إِلَى النّصْف وَأَنا الْتزم السَّقْي فَفِي وجوب الْإِسْعَاف وَجْهَان

(5/251)


أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ انْدفع الْعسر بالمسامحة والالتزام
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ وعد لَا يلْزم الْوَفَاء بِهِ وَلِأَن الْمَرْأَة رُبمَا خَافت على ثمارها بِدُخُولِهِ الْبُسْتَان أَو خَافَ على الشّجر بِدُخُولِهَا
فَإِن قُلْنَا يُجَاب فَلَو رَجَعَ وَترك السَّقْي نتبين أَن الْملك لم يَنْقَلِب إِلَيْهِ فِي النّصْف لِأَنَّهُ كَانَ مَوْقُوفا على الْوَفَاء بالوعد وَإِن قُلْنَا لَا يُجَاب فتسلم الْقيمَة ثمَّ إِن وفى بالوعد فَفِي رد الْقيمَة وَالرُّجُوع إِلَى الْعين تردد وَالظَّاهِر أَنه لَا يرد إِذْ يبعد منع الحكم بعد إثْبَاته
الثَّالِثَة أَن تبادر إِلَى قطع ثمارها وَذَلِكَ يقطع الْعسر فَإِن وهبت نصف الثِّمَار مِنْهُ حَتَّى يصير الْكل مُشْتَركا فَفِي وجوب الْإِجَابَة وَجْهَان وَجه الْمَنْع مَا فِيهِ الْمِنَّة وَوجه الْإِيجَاب الضَّرُورَة وَهَذِه الضَّرُورَة لَا تجْرِي فِي الأَرْض المزروعة إِذْ الأَرْض لَا تنْتَفع بالسقي فَإِذا رَجَعَ فِي نصف الأَرْض كَانَ عَلَيْهَا السَّقْي لخاص زَرعهَا
وَيجْرِي هَذَا الْعسر فِيمَا لَو أصدقهَا جَارِيَة فَولدت فَطلقهَا وَالْولد رَضِيع لِأَنَّهُ لَو رَجَعَ إِلَى نصف الْجَارِيَة تضرر الْوَلَد بِقطع الرَّضَاع فَإِن قَالَ رضيت بِأَن تبقى مُرْضِعَة إِلَى الْفِطَام فَهَذَا وَجه الْمُسَامحَة فَفِي وجوب الْإِجَابَة وَجْهَان
وَأما الْمُوَافقَة فلهَا صُورَتَانِ

إِحْدَاهمَا أَن يلْتَزم أَحدهمَا السَّقْي بِرِضا صَاحبه فَهَذَا تواعد مِنْهُمَا فَإِن وفيا فَذَاك وَإِلَّا تبين أَن الْملك لم يحصل فِي الشّطْر

(5/252)


الثَّانِيَة أَن يتراضيا على أَن يَأْخُذ الزَّوْج نصف النّخل وَلَا يلْتَزم وَاحِد مِنْهُمَا سقيا بل يتْرك السَّقْي أَو يسْقِي من شَاءَ مُتَبَرعا فَلَو نَدم أَحدهمَا وَقَالَ أُرِيد السَّقْي لم يُمكن مِنْهُ بِخِلَاف مَا إِذا الْتزم السَّقْي ثمَّ نَدم لِأَن هَذَا إِسْقَاط حق والتزام ضرار فَيلْزم
وَأما الْتِزَام السَّقْي فوعد لَا يلْزم قبل التَّسْلِيم
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا أصدقهَا جَارِيَة حَامِلا فَولدت ثمَّ طَلقهَا فَيرجع إِلَى نصف الْوَلَد إِن قُلْنَا إِنَّه يُقَابل بقسط من الثّمن وَقيل لَا يرجح لِأَن أَكثر الْقيمَة حصل بالانفصال فِي ملكهَا وَهَذِه الزِّيَادَة حصلت فِي يَدهَا وَهِي لَهَا وَلَا يُمكن تَمْيِيز قيمَة الْجَنِين عَن الْمُنْفَصِل إِذْ لَا قيمَة للجنين وَإِن قُلْنَا لَا يُقَابله قسط من الثّمن فنسلم الْوَلَد لَهَا
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة لَو أصدقهَا حليا وكسرته وأعادته صَنْعَة أُخْرَى فَهُوَ زِيَادَة من وَجه ونقصان من وَجه فلهَا الْخِيَار فَإِن أعادت تِلْكَ الصَّنْعَة بِعَينهَا فَهَل لَهَا الِامْتِنَاع من تَسْلِيم النّصْف فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا كَمَا إِذا كَانَت سَمِينَة فهزلت ثمَّ عَادَتْ سَمِينَة
وَالثَّانِي لَهَا الْمَنْع وَهُوَ اخْتِيَار ابْن الْحداد لِأَنَّهَا زِيَادَة حدثت باختيارها
التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يرجع بِنصْف الْقيمَة فَالصَّحِيح أَنه يرجع بِنصْف الْقيمَة مَعَ الصَّنْعَة

(5/253)


وَقيل إِنَّه يرجع إِلَى مثل نصف تبر من الْحلِيّ وزنا بِوَزْن ثمَّ تغرم الْمَرْأَة نصف أُجْرَة الصَّنْعَة من نقد الْبَلَد
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة لَو أصدق الذِّمِّيّ زَوجته خمرًا فقبضت ثمَّ أسلما فَانْقَلَبَ خلا فَطلقهَا فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا وَهُوَ قَول ابْن حداد أَنه يرجع بِنصْف الْخلّ
وَالثَّانِي أَنه لَا يرجع لِأَن هَذَا مَالِيَّة جَدِيدَة ومالية الْخمر قبلهَا لَا تعْتَبر فِي الْإِسْلَام فَكيف يرجع فِيهَا وَهُوَ لَا يرجع فِي زِيَادَة مُنْفَصِلَة
التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يرجع فَلَو أتلفت الْخلّ ثمَّ طَلقهَا قَالَ الخضري يرجع بِمثل بِنصْف الْخلّ لِأَنَّهُ من ذَوَات الْأَمْثَال
وَقَالَ ابْن الْحداد لايرجع بشيئ لِأَنَّهُ فِي التّلف ينظر إِلَى قيمَة يَوْم الإصداق أَو الْقَبْض وَلم يكن خلا ذَلِك الْيَوْم حَتَّى يجب مثله وَلَا هُوَ مَوْجُود فِي الْحَال حَتَّى يرد عينه
وَلَو أصدقهَا جلد ميتَة فدبغته فَمنع الرُّجُوع هَاهُنَا أولى إِذْ حصلت الْمَالِيَّة باختيارها
فَإِن قُلْنَا يرجع فَقَوْل ابْن الْحداد فِي أَنه لَا يرجع عِنْد التّلف هَاهُنَا أظهر لِأَنَّهُ لَا مثل لَهُ فتتعين قِيمَته يَوْم الْقَبْض وَلَا قيمَة لَهُ إِذْ ذَاك
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة لَو أصدقهَا دينا ثمَّ سلم فَطلق فَلَيْسَ لَهَا مَنعه من عين مَا سلم وَإِن لم

(5/254)


يكن مُتَعَيّنا فِي العقد لِأَنَّهُ أقرب إِلَى حَقه لَا محَالة وَقيل إِن لَهَا الْإِبْدَال فَإِن العقد لم يرد عَلَيْهِ بِعَيْنِه
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة لَو أصدقهَا تَعْلِيم الْقُرْآن فَلم يتَّفق حَتَّى طَلقهَا فقد عسر التَّعْلِيم وَبَقِي فِي ذمَّته الشّطْر وتعسر تعْيين شطر الْقُرْآن إِذْ سوره تخْتَلف فِي الْعسر واليسر وَكَذَلِكَ خياطَة نصف الثَّوْب تعسر إِذا أصدقهَا الْخياطَة فلهَا نصف مهر الْمثل على قَول ضَمَان العقد وعَلى القَوْل الثَّانِي نصف أُجْرَة الْخياطَة أَو التَّعْلِيم
قاعدتان يَنْعَطِف حكمهمَا على الْمسَائِل

الأولى أَنا حَيْثُ أثبتنا الْخِيَار من الْجَانِبَيْنِ فَلَا نحكم بِالْملكِ قبل الاختبار وَإِن فرعنا على الْأَصَح فِي أَن الصَدَاق يتشطر بِنَفس الطَّلَاق وَلَكِن نَنْتَظِر مَا يجْرِي من اخْتِيَار أَو توَافق وَلَا يكون هَذَا الْخِيَار على الْفَوْر بل هُوَ كَخِيَار الرُّجُوع فِي الْهِبَة وَإِذا ثَبت لَهَا الْخِيَار لم يسْقط بِالتَّأْخِيرِ بل للزَّوْج الْمُطَالبَة بِحقِّهِ إِمَّا الْقيمَة وَإِمَّا الْعين فَإِن أَبَت حبس القَاضِي عين الصَدَاق عَنْهُمَا وَامْتنع تصرفها كَمَا فِي الرَّهْن
وَإِذا ثَبت الْخِيَار لَهَا فِي صُورَة الزِّيَادَة الْمُتَّصِلَة وأصرت على الْمَنْع بَاعَ القَاضِي من نصف الصَدَاق مَا بَقِي بِنصْف الْقيمَة دون تَقْدِير الزِّيَادَة فَإِن كَانَ لَا يَشْتَرِي النّصْف بِأَكْثَرَ من نصف الْقيمَة فَلَا فَائِدَة فِي البيع فَالصَّحِيح أَنه يسلم إِلَيْهِ وَلَكِن لَا يملكهُ مَا لم يقْض لَهُ القَاضِي بِهِ لِأَنَّهُ يدْرك بِالِاجْتِهَادِ وَفِي نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على هَذَا غلط من غلط حَيْثُ اعْتبر الْقَضَاء فِي أصل التشطير

(5/255)


وَالثَّانيَِة إِذا مست الْحَاجة إِلَى الْقيمَة فَأَي قيمَة تعْتَبر
ينظر إِن تلف فِي يَدهَا بعد الطَّلَاق وَقُلْنَا إِنَّه مَضْمُون عَلَيْهَا فَيعْتَبر يَوْم التّلف أما إِذا تلف من قبل أَو امْتنع الرَّد إِلَيْهِ لعيب أَو زِيَادَة فَالْوَاجِب عَلَيْهَا أقل قيمَة من يَوْم الإصداق إِلَى الْإِقْبَاض لِأَنَّهُ إِن نقص قبل الْإِقْبَاض فَهُوَ من ضَمَان الزَّوْج فَلَا يحْسب عَلَيْهَا وَإِن كَانَ يحْتَمل أَن يُقَال إِن كَانَ الْمَانِع هُوَ الزِّيَادَة وَالْعين قَائِمَة تعْتَبر حَالَة التَّقْوِيم لَكِن قدرت الزِّيَادَة كالمفوت للرُّجُوع

(5/256)


الْفَصْل الثَّالِث فِي التَّصَرُّفَات الْمَانِعَة من الرُّجُوع

وَفِيه مسَائِل
إِحْدَاهَا إِذا زَالَ ملكهَا بِجِهَة لَازِمَة من بيع أَو هبة أَو عتق امْتنع الرُّجُوع وتقرر الْقيمَة
وَإِن تعلق بِهِ حق لَازم من غير زَوَال ملك كرهن أَو إِجَارَة فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخ وَله طلب الْقيمَة فِي الْحَال فَإِن قَالَ أنْتَظر الفكاك للرُّجُوع فلهَا إِجْبَاره على قبُول الْقيمَة خيفة من غرر الضَّمَان إِن قُلْنَا إِن الصَدَاق بعد الطَّلَاق مَضْمُون فِي يَدهَا
وَإِن قُلْنَا لَا ضَمَان أَو أبرأها من الضَّمَان حَيْثُ نصحح الْإِبْرَاء عَن ضَمَان مَا لم يجب فَهَل تلزمها الْإِجَابَة فِيهِ وَجْهَان ومنشؤهما أَن هَذَا وعد وَرُبمَا يَبْدُو لَهُ الْمُطَالبَة بِالْقيمَةِ وتخلو يَدهَا فِي ذَلِك الْوَقْت عَن النَّقْد وَإِن قُلْنَا لَا يلْزمهَا الْإِجَابَة فَلَو لم تتفق الْمُطَالبَة حَتَّى انْفَكَّ فَهَل لَهُ الْآن التَّعَلُّق بِالْعينِ فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ لَا مَانع

وَالثَّانِي لَا إِذْ الْمَانِع نقل حَقه إِلَى الْقيمَة فَلَا ينْقض بعده
الثَّانِيَة لَو أصدقهَا عبدا فدبرته ثمَّ طَلقهَا نقل الْمُزنِيّ أَنه تتَعَيَّن الْقيمَة فَاخْتلف

(5/257)


الْأَصْحَاب على ثَلَاث طرق
مِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ غلط لِأَن التَّدْبِير لَا يمْنَع إِزَالَة الْملك اخْتِيَارا فَكيف يمْنَع الرُّجُوع قهرا وَمِنْهُم من قرر النَّص وَقَالَ التَّدْبِير قربَة مَقْصُودَة فَلَا يتقاعد عَن زِيَادَة مُتَّصِلَة مَقْصُودَة لَا تُؤثر فِي زِيَادَة الْقيمَة فَإِنَّهَا تمنع الرُّجُوع قهرا وَمِنْهُم من قَالَ الْمَسْأَلَة على قَوْلَيْنِ ينبنيان على أَن التَّدْبِير وَصِيَّة أَو تَعْلِيق
فَإِن قُلْنَا تَعْلِيق فَيمْتَنع الرُّجُوع لِأَن إبِْطَال التَّعْلِيق بالتصريح بِهِ مُمْتَنع وَهَذَا الْبناء ضَعِيف فَإِن التَّعْلِيق لَا يمْنَع البيع فَكيف يمْنَع التشطير
ثمَّ اخْتلف المقررون للنَّص فِي أَن صَرِيح تَعْلِيق الْعتْق هَل يكون كالتدبير وَأَن الْوَصِيَّة بِالْعِتْقِ للْعَبد هَل تكون كالتدبير وَأَن التَّدْبِير هَل يمْنَع الرُّجُوع فِي الهبه وَرُجُوع البَائِع فِي الْعِوَض المتسرد عَن رد المعوض بِالْعَيْبِ وَالْأَظْهَر أَنه لَا يمْنَع
الثَّالِثَة إِذا أصدقهَا صيدا وَالزَّوْج محرم عِنْد الطَّلَاق فَإِن قُلْنَا إِنَّه يحْتَاج إِلَى الِاخْتِيَار فَهُوَ كَشِرَاء الْمحرم للصَّيْد وَفِيه خلاف وَإِن قُلْنَا يَنْقَلِب إِلَيْهِ فهاهنا وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يَنْقَلِب إِلَيْهِ لِأَنَّهُ ملك قهري فَهُوَ كَالْإِرْثِ

(5/258)


وَالثَّانِي أَنه كالشراء لِأَن الطَّلَاق إِلَى اخْتِيَاره
فَإِن قُلْنَا لَا يَنْقَلِب فَيرجع إِلَى نصف الْقيمَة وَإِن كَانَ الْمَانِع من جِهَته وَإِن قُلْنَا يَنْقَلِب فَكيف يجب إرْسَال نصف الصَّيْد أَو كَيفَ يمسك وَنصفه لمحرم وَفِيه خلاف يبْنى على أَن الْمُقدم عِنْد التزاحم حق الله تَعَالَى أَو حق الْآدَمِيّ أم يتساويان فَإِن قدمنَا حق الله وَجب على الزَّوْج الْإِرْسَال وَغرم قيمَة نصِيبهَا وَإِن قُلْنَا حق الْآدَمِيّ بَقِي ملكا للْمحرمِ للضَّرُورَة وَإِن قُلْنَا يتساويان فإليهما الْخيرَة فَإِن أرْسلهُ الرجل بِرِضَاهَا غرم لَهَا وَإِلَّا بَقِي مُشْتَركا
الرَّابِعَة إِذا زَالَ ملكهَا بِغَيْب أَو هبة لَازِمَة ثمَّ عَاد فَهَل يمْتَنع الرُّجُوع فِيهِ قَولَانِ مأخذهما أَن الزائل الْعَائِد كَالَّذي لم يزل أَو كَالَّذي لم يعد وَإِن كَانَ الطَّارِئ هُوَ الرَّهْن وَالْإِجَارَة فَإِذا زَالَ لم يمْتَنع الرُّجُوع

وترددوا فِي الْكِتَابَة وَالتَّدْبِير وَالصَّحِيح أَنَّهُمَا بعد الِانْقِطَاع لَا يمنعان الرُّجُوع عِنْد الطَّلَاق

(5/259)


الْفَصْل الرَّابِع فِيمَا لَو وهبت الصَدَاق من زَوجهَا ثمَّ طَلقهَا

ونقدم عَلَيْهِ مقدمتين
إِحْدَاهمَا أَن الله تَعَالَى قَالَ {فَنصف مَا فرضتم إِلَّا أَن يعفون أَو يعْفُو الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح}
أما عفوهن فمعلوم أَنه يُوجب سُقُوط حقهن عَن النّصْف الْبَاقِي إِذا كَانَ الصَدَاق فِي الذِّمَّة
أما الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح فقد اخْتلفُوا فِيهِ
فمذهب ابْن عَبَّاس وَهُوَ القَوْل الْقَدِيم أَن المُرَاد بِهِ الْوَلِيّ دون الزَّوْج لِأَنَّهُ ذكر الْأزْوَاج

(5/260)


بِصِيغَة المخاطبة فَقَالَ {فَنصف مَا فرضتم} وَهَذَا بِصِيغَة المغايبة وَلِأَنَّهُ عطف على عفوها فليحمل على من يُوجب عَفوه سَلامَة الصَدَاق لَهُ
وَمذهب عَليّ وَابْن جريج وَابْن الْمسيب رَضِي الله عَنْهُم أَن المُرَاد بِهِ الزَّوْج وَهُوَ الْجَدِيد لِأَنَّهُ ذكر عفوها الْمُوجب لخلوص الْجَمِيع لَهُ ثمَّ ذكر عَفوه الْمُوجب لخلوص الْجَمِيع لَهَا وَهَذَا يُؤَيّد قَول الْحَاجة إِلَى الِاخْتِيَار وَلِأَنَّهُ قَالَ {أقرب للتقوى}

(5/261)


وعفو الْوَلِيّ لَا يُوصف بذلك

التَّفْرِيع
إِن منعنَا عَفْو الْوَلِيّ وَهُوَ الْقيَاس فَلَا كَلَام وَإِن أثبتنا عَفوه فَهُوَ مُقَيّد بِخمْس شَرَائِط
أَن يكون الْوَلِيّ مجبرا كَالْأَبِ وَالْجد
وَأَن لَا تكون مالكة أَمر نَفسهَا
وَأَن يكون قبل الْمَسِيس فَأَما مَا بعده تَعْطِيل لحقها
وَأَن يكون بعد الطَّلَاق لَا قبله فَإِن كَانَ مَعَه بِأَن اختلعها بِالْمهْرِ فَفِيهِ تردد وَالْأَظْهَر أَنه كالمتأخر
وَأَن يكون الصَدَاق دينا إِذْ لفظ الْعَفو إِنَّمَا يسْتَعْمل فِيهِ لَا فِي الْعين وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْعين فِي معنى الدّين فِي حكم الْقيَاس والمصلحة لِأَنَّهُ جوز رخصَة لتخليصها إِذا مست الْحَاجة إِلَيْهِ ثمَّ اخْتلف الْأَصْحَاب فِي ثَلَاث مسَائِل
إِحْدَاهَا أَنه هَل يعْفُو مهر الصَّغِيرَة الْمَجْنُونَة فَقيل نعم للْعُمُوم وَقيل لَا لِأَن الْغَرَض تَخْلِيصهَا لتنكح غَيره وَهَذِه لَا يرغب فِيهَا

(5/262)


الثَّانِيَة الْبكر الْبَالِغ قيل يعْفُو عَن مهرهَا للْعُمُوم وَقيل لَا لِأَنَّهَا مالكة أَمر نَفسهَا وعَلى هَذَا يَنْبَنِي أَن الْوَلِيّ هَل يسْتَقلّ بِقَبض صَدَاقهَا وَكَأن من جوز ذَلِك سحب ولَايَته على عوض الْبضْع لتَعَلُّقه بالبضع
الثَّالِثَة الْبكر الصَّغِيرَة إِذا زوجت وثابت فِي صلب النِّكَاح بِوَطْء شُبْهَة فَالظَّاهِر أَنه لَيْسَ للْوَلِيّ الْعَفو لِأَن عقدَة النِّكَاح لَيست بِيَدِهِ الْآن
الْمُقدمَة الثَّانِيَة فِي أَلْفَاظ الْعَفو إِذا كَانَ الصَدَاق دينا يسْقط بِلَفْظ الْعَفو وَالْإِبْرَاء وَلَا يحْتَاج إِلَى الْقبُول على الصَّحِيح وَلَو قَالَت وهبت فَهَل يفْتَقر إِلَى الْقبُول فِيهِ وَجْهَان وَإِن كَانَ عينا لم يسْقط بِلَفْظ الْإِبْرَاء وَإِن قبل وَفِي لفظ الْعَفو تردد وَالْأَشْهر أَنه كَلَفْظِ الْإِبْرَاء وَقَالَ القَاضِي يَكْفِي ذَلِك فِي الصَدَاق خَاصَّة لعُمُوم الْآيَة
رَجعْنَا إِلَى الْمَقْصُود فَنَقُول فِي رُجُوع الصَدَاق إِلَى الزَّوْج قبل الطَّلَاق خمس صور
إِحْدَاهَا أَن يكون بمعاوضة فَإِذا طلق رَجَعَ إِلَى الْقيمَة سَوَاء كَانَ مُحَابَاة أَو بِثمن الْمثل
الثَّانِيَة أَن يرجع بِهِبَة وَهل يمْنَع الرُّجُوع بِالْقيمَةِ عَلَيْهَا فِيهِ قَولَانِ
الثَّالِثَة أَن يكون دينا وَرجع بِالْإِبْرَاءِ فطريقان

(5/263)


مِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا يرجع بِالْقيمَةِ
وَمِنْهُم من قَالَ قَولَانِ
الرَّابِعَة أَن يكون بِهِبَة الدّين وَفِيه قَولَانِ مرتبان وَأولى بِالرُّجُوعِ
الْخَامِسَة أَن يكون بِهِبَة الدّين الْمَقْبُوض وَفِيه قَولَانِ مرتبان وَأولى بِأَن يرجع
تَوْجِيه أصل الْقَوْلَيْنِ

من قَالَ لَا يرجع جعل هبة الصَدَاق كتعجيل رده إِلَيْهِ قبل الطَّلَاق وَمن قَالَ يرجع أنكر أَن تكون الْهِبَة تعجيلا إِذْ لَو صرح بالتعجيل لم يَصح بل الْهِبَة سَبَب مُسْتَأْنف لَا يُغير حكم الطَّلَاق وترتيب الْإِبْرَاء على الْهِبَة سَببه أَن الْإِبْرَاء يضاهي الْإِسْقَاط من وَجه وَلَكِن لَا يشْتَرط فِيهِ الْقبُول فِي ظَاهر الْمَذْهَب وَيجْرِي الْقَوْلَانِ فِي الفسوخ وكل جِهَة تَقْتَضِي الرُّجُوع إِلَى عوض حَتَّى لَو بَاعَ عبدا بِجَارِيَة فوهب مِنْهُ العَبْد ثمَّ أَرَادَ رد الْجَارِيَة بِالْعَيْبِ لم يجز لَهُ طلب قيمَة العَبْد على هَذَا القَوْل وَيمْتَنع بِسَبَبِهِ رد الْجَارِيَة عِنْد بَعضهم لعروه عَن الْفَائِدَة
فرعان

أَحدهمَا لَو وهبت من الزَّوْج نصف الصَدَاق ثمَّ طَلقهَا فَإِن قُلْنَا الْهِبَة لَا تمنع الرُّجُوع فَلهُ الرُّجُوع بِالنِّصْفِ وَفِي كيفيته ثَلَاثَة أَقْوَال

(5/264)


أَحدهَا أَنه يرجع إِلَى النّصْف الْبَاقِي ليخلص لَهُ الْكل وانحصر هبتها فِي نصِيبهَا وَهُوَ المستيقن وَهَذَا يعرف بقول الْحصْر
وَالثَّانِي أَنه يرجع إِلَى نصف الْبَاقِي وَربع قيمَة الْجُمْلَة إِذْ لَا بُد من الإشاعة فَإِن الْحصْر تحكم
وَالثَّالِث أَن الإشاعة حق وَلَكِن تُؤدِّي إِلَى تبعيض حق الزَّوْج فَلهُ الْخِيَار إِن شَاءَ طلب قيمَة النّصْف وَإِن شَاءَ رَجَعَ إِلَى نصف الْبَاقِي وَربع قيمَة الْجُمْلَة
وتجري الْأَقْوَال فِيمَا لَو أصدقهَا أَرْبَعِينَ من الْغنم فأخرجت وَاحِدَة لِلزَّكَاةِ ثمَّ طَلقهَا فَفِي قَول يرجع إِلَى عشْرين من الْبَاقِي وتنحصر زَكَاتهَا فِي نصِيبهَا وَفِي قَول يرجع إِلَى نصف الْبَاقِي وَبَقِيَّة الْقيمَة
وَفِي قَول يتَخَيَّر بَين ذَلِك وَبَين قيمَة الْعشْرين وَكَذَلِكَ تجْرِي فِيمَا لَو وهبت النّصْف من الْأَجْنَبِيّ
أما إِذا فرعنا على أَن الْهِبَة تمنع الرُّجُوع فَإِن قُلْنَا بالحصر
فَمنهمْ من حصر الْهِبَة فِي جَانبهَا وَأثبت للزَّوْج الرُّجُوع بِالنِّصْفِ الْبَاقِي ليخلص لَهُ الْكل
وَمِنْهُم من حصر الْهِبَة فِي جَانِبه وَجعل الْمَوْهُوب كَأَنَّهُ الْمُعَجل فَلَا يبْقى لَهُ حق فِي التشطير فَكَأَنَّهُ عجل مَا يسْتَحق من النّصْف بِالطَّلَاق قبل الْمَسِيس
وَإِذ قُلْنَا بالإشاعة رَجَعَ إِلَى النّصْف الْبَاقِي وَهُوَ ربع الْجُمْلَة وَلَا يجْرِي قَول الْخِيَار لأَنا

(5/265)


على هَذَا القَوْل نعني على قَول منع الرُّجُوع جعلناها مُعجلَة للربع فيضاف الرّبع الْبَاقِي إِلَيْهِ
الْفَرْع الثَّانِي إِذا اخْتلعت الْمَرْأَة قبل الْمَسِيس بِعَين الصَدَاق فَيَنْبَغِي أَن تَقول اخْتلعت بِالنِّصْفِ الَّذِي يبْقى لي فَإِن قَالَت اخْتلعت بِالنِّصْفِ مُطلقًا فعلى قَول الْحصْر ينْحَصر فِي نصفهَا وَيصير كَمَا لَو صرحت بِمَا يبْقى لَهَا وعَلى قَول الشُّيُوع يفْسد نصف الْعِوَض وَفِي الْبَاقِي قولا تَفْرِيق الصَّفْقَة فَإِن جَوَّزنَا تَفْرِيق الصَّفْقَة سلم للزَّوْج من الصَدَاق ثَلَاثَة أَرْبَاعه نصف بِحكم التشطير وَربع بِحكم الْخلْع وَيرجع إِلَى قيمَة الرّبع الْبَاقِي أَو إِلَى نصف مهر الْمثل لِأَن ربع الصَدَاق هُوَ نصف عوض الْخلْع وَفِيه الْقَوْلَانِ الْمَذْكُورَان فِي فَسَاد الصَدَاق

(5/266)


الْفَصْل الْخَامِس فِي الْمُتْعَة

وَقد قَالَ الله تَعَالَى {ومتعوهن على الموسع قدره وعَلى المقتر قدره} فَهِيَ وَاجِبَة عندنَا وَعند أبي حنيفَة رَحمَه الله وَقَالَ مَالك إِنَّهَا مُسْتَحبَّة

(5/267)


وَالنَّظَر فِي مَحل وُجُوبهَا وقدرها أما الْمحل فالنظر فِي المطلقات وأنواع الْفِرَاق أما المطلقات فثلاثه ثَلَاثَة أَقسَام
إِحْدَاهَا الْمُطلقَة المفوضة وَهِي تسْتَحقّ الْمُتْعَة مهما طلقت قبل الْفَرْض والمسيس إِذْ لَيْسَ لَهَا نصف مهر وفيهَا ورد الْقُرْآن
الثَّانِيَة مُطلقَة اسْتحقَّت شطر الْمهْر قبل الْمَسِيس فَلَا تسْتَحقّ الْمُتْعَة لِأَنَّهُمَا كالمتعاقبين فِي نَص الْقُرْآن
الثَّالِثَة وَهِي الَّتِي اسْتَقر مهرهَا بالمسيس فَفِيهَا قَولَانِ
أَحدهمَا لَا تسْتَحقّ إِذْ سلم لَهَا جَمِيع الْمهْر
وَالثَّانِي تسْتَحقّ لِأَن جَمِيع الْمهْر فِي مُقَابلَة الْبضْع فَكَأَنَّهَا لم تسْتَحقّ للإبتذال شَيْئا
وَأما أَنْوَاع الْفِرَاق فَفِي معنى الطَّلَاق فِرَاق العان لِأَنَّهُ يتَعَلَّق بِمُجَرَّد لِعَانه وَكَذَا ردته وكل فِرَاق مشطر للمهر فَيُوجب الْمُتْعَة إِذا لم يشطر
وَأما مَا يسْتَند إِلَيْهَا كفسخها بِعَيْبِهِ أَو فَسخه بعيبها فَلَا يُوجب الْمُتْعَة

(5/268)


وَنقل الْمُزنِيّ فِي فَسخهَا بجبه أَنه يثبت الْمُتْعَة وَاتَّفَقُوا على تغليطه
وَأما الْخلْع فقد ترددوا فِيهِ من حَيْثُ إِنَّه مشطر وَلكنه يتَعَلَّق بِرِضَاهَا وجانبها
وَأما مَا لَا يتَعَلَّق بالجانبين كالانفساخ برضاع محرم فَيُوجب الْمُتْعَة لِأَنَّهَا تأذت بالفراق وَإِن لم يؤذها الزَّوْج وَكَأن الْمُتْعَة جبر لأَذى الْفِرَاق إِذا لم يجْبر بِالْمهْرِ
وَأما الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا فَلَا خلاف فِي أَنَّهَا لَا مُتْعَة لَهَا لِأَنَّهَا متفجعة لَا مستوحشة
النّظر الثَّانِي فِي قدرهَا وَفِيه وَجْهَان

أَحدهمَا أَن أقل مَا يتمول بِهِ يَعْنِي فَلَا تَقْدِير فِيهِ
وَالثَّانِي أَنه يجْتَهد فِيهِ القَاضِي فَمَا يرَاهُ لائقا بِالْحَال يقدره وَقيل ينظر القَاضِي الى حَاله فِي الْيَسَار والإعسار وَقيل بل إِلَى حَالهَا ومنصبها
وَالصَّحِيح أَنه ينظر إِلَيْهِمَا جَمِيعًا وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يفْرض القَاضِي لَهَا مقنعتا أَو خَاتمًا أَو ثوبا وَالْأَصْل أَنه لَا ضَابِط فِيهِ إِلَّا الِاجْتِهَاد كَمَا فِي التعزيزان فَإِنَّهَا على قدر الْجِنَايَات وعَلى

(5/269)


قدر أَخْلَاق الجناة فِي الغرامة والسلامة
ثمَّ لَا يُزَاد فِي الْمُتْعَة على نصف الْمهْر كَمَا لَا يُزَاد التَّعْزِير على الْحَد ثمَّ إِن لم يكن فِي النِّكَاح مهر فمرد الْمُتْعَة إِلَى نصف مهر الْمثل فلتنقص عَنهُ

(5/270)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الْخَامِس فِي النزاع فِي الصَدَاق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَفِيه مسَائِل خمس
الأولى إِذا تنَازعا فِي مِقْدَار الصَدَاق أَو جنسه أوصفته كَمَا وصفانه فِي البيع تحَالفا وَإِن كَانَ بعد الْمَوْت جرى التَّحَالُف مَعَ الْوَارِث لَكِن الْوَارِث النَّافِي يحلف على نفي الْعلم والمثبت يحلف على الْبَتّ وَكَذَلِكَ يجْرِي التَّحَالُف بعد ارْتِفَاع النِّكَاح لِأَن الصَدَاق مُسْتَقل بِنَفسِهِ وَفَائِدَة التَّحَالُف فِيهِ انْفِسَاخ الصَدَاق وَالرُّجُوع على مهر الْمثل إِلَى الْأَقْوَال كلهَا لِأَن منشأ التَّحَالُف الْجَهْل بِمِقْدَار الصَدَاق فَلَا يُمكن الرُّجُوع إِلَى الْقيمَة
وَقَالَ ابْن خيران إِذا كَانَ مَا تدعيه الْمَرْأَة أقل من مهر الْمثل فَلَا ترجع إِلَى مهر الْمثل بل يكفيها مَا تدعيه وَهُوَ بعيد لِأَن رُجُوعهَا إِلَى الْمهْر بِجِهَة الْفَسْخ يُخَالف جِهَة الدعْوَة
وَلَو ادَّعَت الْمَرْأَة التَّسْمِيَة وَأنكر الزَّوْج أصل التَّسْمِيَة تحَالفا وَإِنَّمَا يُفِيد ذَلِك إِذا ادَّعَت زِيَادَة على مهر الْمثل وَفِيه وَجه أَن القَوْل قَوْله لِأَن الأَصْل عدم التَّسْمِيَة وَهُوَ ضَعِيف لِأَن حَاصِل النزاع يرجع إِلَى أَن الثَّابِت مهر الْمثل أَو أَكثر
الثَّانِيَة لَو اعْترف الزَّوْج بِالنِّكَاحِ وَأنكر أصل الْمهْر أَو سكت عَنهُ قَالَ القَاضِي لَهَا مهر الْمثل وَلَكِن نحلفها لِأَن الظَّاهِر مَعهَا وَزَاد فَقَالَ لَو قَالَ هَذَا الصَّبِي ابْني من فُلَانَة فلهَا مهر الْمثل إِن حَلَفت لِأَن الظَّاهِر أَن الْوَلَد يكون من وَطْء مُحْتَرم فَإِن استدخال المَاء بعيد وَمَا ذكره فِيهِ نظر لِأَن هَذَا يدل على أصل الْمهْر فَأَما مِقْدَاره فَلَا يدل عَلَيْهِ فَإِن إِنْكَاره أصل الْمهْر أبلغ من إِنْكَاره بعض الْمهْر وَذَلِكَ يُوجب التَّحَالُف نعم مَا ذكره يستمد من مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله حَيْثُ قَالَ لَو تنَازعا وَكَانَ مَا تدعيه الْمَرْأَة مِقْدَار مهر الْمثل فَالْقَوْل قَوْلهَا وَلَا تحالف وَنحن لَا نَنْظُر إِلَى ذَلِك

(5/271)


الثَّالِثَة لَو تنَازع الزَّوْج وَولي الصبية فِي مِقْدَار الْمهْر هَل يَتَحَالَفَانِ فِيهِ وَجْهَان وَوجه تَحْلِيف الْوَلِيّ أَنه مَقْبُول الْإِقْرَار فِيهِ فَلَا يبعد أَن يحلف وَحَيْثُ لَا يقبل إِقْرَاره فَلَا يحلف
وَيجْرِي هَذَا الْخلاف فِي الْوَصِيّ والقيم وَالْوَكِيل فِيمَا يتَعَلَّق بإنشائهم أما إِذا ادّعى الْوَلِيّ على إِنْسَان أَنه أتلف مَال طِفْل فنكل الْمُدَّعِي عَلَيْهِ فَالظَّاهِر أَنه لَا ترد الْيَمين على الْوَلِيّ لِأَنَّهُ لَا يتَعَلَّق بإنشائه وَلَكِن لَا يقْضى بِنُكُولِهِ عَلَيْهِ ويتوقف إِلَى بُلُوغ الصَّبِي حَتَّى يحلف وَعَن هَذَا قَالَ بَعضهم لَا تعرض الْيَمين عَلَيْهِ بل يتَوَقَّف فِي أصل الْخُصُومَة لِأَنَّهُ لَا يعجز عَن النّكُول وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ ترد الْيَمين على الْوَلِيّ هَاهُنَا أَيْضا فَلَو نكل هَل يقْضى على الطِّفْل بِنُكُولِهِ أم لَهُ أَن يحلف بعد الْبلُوغ فِيهِ وَجْهَان
الرَّابِعَة لَو ادَّعَت أَلفَيْنِ فِي عقدين أَحدهمَا يَوْم الْخَمِيس وَالْآخر يَوْم الْجُمُعَة وأقامت الْبَيِّنَة استقحت وَحمل على تخَلّل الطَّلَاق فَإِن ادّعى الرجل أَن الطَّلَاق قبل الْمَسِيس ليسقط النّصْف وَمَا أَقَامَت بَيِّنَة على الْمَسِيس قُلْنَا لَهُ النِّكَاح مُثبت للْكُلّ وَعَلَيْك بَيَان الْمسْقط

(5/272)


الْخَامِسَة لَو كَانَ فِي ملك الرجل أَبوهَا وَأمّهَا فَأَصْدقهَا أَحدهمَا على التَّعْيِين لَكِن تنَازعا فَقَالَت الْمَرْأَة أصدقتني الْأُم وَقَالَ الزَّوْج أصدقتك الْأَب تحَالفا وَفِيه وَجه أَنَّهُمَا لَا يَتَحَالَفَانِ لِأَن الصَدَاق عقد مُسْتَقل بِنَفسِهِ وَلم يتَّفقَا على صدَاق وَاحِد فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ بعتني الْجَارِيَة بِدِينَار فَقَالَ بل بِعْتُك العَبْد بدرهم فَإِنَّهُمَا لَا يَتَحَالَفَانِ وَهَذَا ضَعِيف لِأَن الصَدَاق لَهُ حكم الأعواض
ثمَّ لَو تحَالفا رجعت إِلَى مهر الْمثل ورقت الْأُم وَعتق الْأَب على الزَّوْج بِإِقْرَارِهِ وَلَا يرجع إِلَيْهَا بِقِيمَتِه لِأَنَّهَا مُنكرَة وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوف إِذْ لَا مدعي لَهُ
وَلَو حلف الزَّوْج ونكلت الْمَرْأَة رقت الْأُم وَحكم بِأَن الصَدَاق هُوَ الْأَب وَعتق وَلَا وَلَاء لَهَا لإنكارها
أما إِذا قَالَ الزَّوْج أصدقتك الْأَب وَنصف الْأُم وَقَالَت بل أصدقتهما جَمِيعًا فَإِذا تحَالفا رجعت إِلَى مهر الْمثل وَعتق الْأَب لِأَنَّهُ مُتَّفق عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا قِيمَته وَعتق نصف الْأُم وَالْبَاقِي يعْتق بِالسّرَايَةِ إِن كَانَت موسرة
وَقد تمّ كتاب الصَدَاق ونردفه بِبَاب فِي الْوَلِيمَة والنثر على تَرْتِيب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَفِيه فُصُول ثَلَاثَة

(5/273)


الْوَلِيمَة والنثر

الْفَصْل الأول فِي وُجُوبهَا وَوُجُوب الْإِجَابَة

فَنَقُول الْوَلِيمَة عبارَة فِي اللُّغَة عَن مأدبة سَببهَا سرُور من ختان أَو قدوم أَو إملاك لَكنا نُرِيد بِهِ مأدبة الْعرس فَإِن الْأَمر فِيهِ مُؤَكد كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يتْرك الْوَلِيمَة فِي حضر وَلَا سفر وَأَوْلَمَ على صَفِيَّة بسويق وتمر فِي السّفر وَقَالَ لعبد الرَّحْمَن

(5/274)


ابْن عَوْف أولم وَلَو بِشَاة
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي سَائِر الدَّعْوَات من تَركهَا لم يبن لي أَنه عَاص كَمَا تبين لي فِي وَلِيمَة الْعرس فَاخْتلف الْأَصْحَاب فَمنهمْ من قَالَ فِيهِ قَولَانِ وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا تجب وَحمل الْأَمر على الِاسْتِحْبَاب وَحمل كَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على ترك الْإِجَابَة إِلَى الْوَلِيمَة وَمِنْهُم من قطع بِأَن الْإِجَابَة أَيْضا لَا تجب وَحمل قَوْله عَلَيْهِ

(5/275)


الصَّلَاة وَالسَّلَام من لم يجب الدَّاعِي فقد عصى أَبَا الْقَاسِم على أَنه عصى فِي سيرته والاقتداء بمحاسن أخلاقه إِذْ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أهدي إِلَيّ ذِرَاع لقبلت وَلَو دعيت إِلَى قراع لَأَجَبْت ثمَّ إِن قُلْنَا تجب الْإِجَابَة فَيسْقط الْوُجُوب بأعذار
الأول أَن يكون فِي الدعْوَة شيئ من الْمُنْكَرَات فَإِن كَانَ يهاب ويرتفع ذَلِك بِحُضُورِهِ فليحضر وَإِلَّا فليمتنع فَإِن حضر وَرَأى ذَلِك وَلم يقدر على التَّغْيِير فَليخْرجْ إِذْ الْإِقَامَة فِي مُشَاهدَة الْمُنْكَرَات حرَام

(5/276)


الثَّانِي أَن يكون فِي الْبَيْت الْمَدْعُو إِلَيْهِ صُورَة مصورة للحيوانان أَو على الستور والسقوف فَإِن ذَلِك حرَام وَلَا بَأْس بصور الْأَشْجَار وَأما صُورَة الْحَيَوَانَات فَلَا يُعْفَى عَنْهَا إِلَّا على الْفرش وَمَا تَحت الْأَقْدَام لَا المنصوبة على صور الْأَصْنَام والوسادة الْكَبِيرَة فِي الصَّدْر فِي حكم الْمَنْصُوب وَقد رَوَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى فِي دَاره ستْرَة عَلَيْهَا صور فَكَانَ يدنو مِنْهَا وينصرف فعل ذَلِك مرَارًا ثمَّ قَالَ حطيها واتخذي مِنْهَا نمارق وَلَا يجوز لبس الثِّيَاب وَعَلَيْهَا صور الْحَيَوَان لَا للرِّجَال وَلَا للنِّسَاء وَأما نسج تِلْكَ الثِّيَاب فجوزه الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد لِأَنَّهُ ينْتَفع بِهِ فِي الْفرش إِلَّا أَن الظَّاهِر تَحْرِيم ذَلِك لعُمُوم الحَدِيث حَيْثُ قَالَ يحْشر المصورون يَوْم الْقِيَامَة وَيُقَال لَهُم انفخوا الرّوح فِيمَا خلقْتُمْ وَمَا هم بنافخين وَلَا يُخَفف عَنْهُم الْعَذَاب نعم لَا يبعد أَن يُقَال مَا اتخذوه يجوز أَن

(5/277)


يوطء بالأقدام وَقد قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا تدخل الْمَلَائِكَة بَيْتا فِيهِ صُورَة وَالظَّاهِر أَن الدُّخُول مَكْرُوه وَمِنْهُم من حرم ذَلِك
الثَّالِث لَو أحضر أكواما من الأراذل والسفلة وَكَانَت مجالستهم تزري بمنصبه ومروءته فَالظَّاهِر أَنه لَا تجب الْإِجَابَة
الرَّابِع أَن الصَّوْم لَيْسَ بِعُذْر بل يحضر فَإِن صَامَ عَن فرض أمسك وَإِن كَانَ عَن نفل أفطر إِلَّا إِذا علم أَنه لَا يعز على الدَّاعِي إِمْسَاكه فَعِنْدَ ذَلِك يمسك أَيْضا
وَحَيْثُ تجب الْإِجَابَة فَإِنَّمَا تجب إِذا قَصده الدَّاعِي فَإِن قَالَ لغلامه ادْع من شِئْت فَلَا تجب على من دَعَاهُ الْغُلَام الْإِجَابَة
وَلَو دَعَا جمَاعَة وَلم يقْصد الْآحَاد سقط الْوُجُوب بِحُضُور جمَاعَة كرد السَّلَام

(5/278)


الْفَصْل الثَّانِي فِي الضِّيَافَة

وَفِيه مسَائِل
الأولى أَنه لَا يعين طَعَاما فِي الضِّيَافَة بل الْخيرَة إِلَى المضيف لَكِن فِي الْوَلِيمَة يَنْبَغِي أَن ب 180 يتَّخذ يتأخذ مَا يَلِيق بمنصبه وحاله
الثَّانِيَة أَنه لَا يفْتَقر إِلَى تَصْرِيح بِالْإِبَاحَةِ بعد إِحْضَار الطَّعَام وَقيل لَا بُد من لفظ كَقَوْلِه كلوا أَو الصَّلَاة
الثَّالِثَة الضَّيْف يَأْكُل ملك الْغَيْر بطرِيق الْإِبَاحَة وَله الرُّجُوع وَقيل إِنَّه يملك لَكِن اخْتلفُوا فِي وقته مِنْهُم من قَالَ عِنْد رفع اللُّقْمَة وَقيل عِنْد الْوَضع فِي الْفَم وَقيل عِنْد المضغ وَقيل عِنْد الازدراد نتبين أَنه يملك مَعَ الازدراد وَقيل لَا يملك أصلا وَإِنَّمَا هَذِه الترددات فِي وَقت امْتنَاع الرُّجُوع عَن الْإِبَاحَة وَالْقِيَاس أَنه لَا يملك وَلَا يمْتَنع الرُّجُوع إِلَّا بالفوات
الرَّابِعَة زلت الصُّوفِيَّة حرَام إِلَّا إِذا علم يَقِينا بِقَرِينَة الْحَال رضَا الْمَالِك فَإِن تردد فِيهِ فَالظَّاهِر التَّحْرِيم

(5/279)


الْفَصْل الثَّالِث فِي نثر السكر والجوز

وَفِيه مسَائِل
إِحْدَاهَا أَن النثر والالتقاط كِلَاهُمَا مباحان لما روى جَابر بن عبد الله أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَسلم حضر إملاكا فَقَالَ أَيْن أطباقكم فَأتي بأطباق عَلَيْهَا جوز ولوز وتمر فَنثرَتْ قَالَ جَابر فقبضنا أَيْدِينَا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَا لكم لَا تأخذون فَقَالُوا لِأَنَّك نَهَيْتنَا عَن النهبى فَقَالَ إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ عَن نَهْبي العساكر خُذُوا على اسْم الله تَعَالَى فجاذبنا وجاذبناه قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ

(5/280)


ترك ذَلِك أحب إِلَيّ وَإِنَّمَا فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للرخصة وبيانها فَلَا نقُول إِنَّه مَكْرُوه وَلَكِن رُبمَا يُؤثر الناثر بعض النَّاس دون بعض فَتَركه أولى
الثَّانِيَة مَا وَقع فِي الأَرْض فالحاضرون فِيهِ سَوَاء ويملكه من يبتدره وَمن تثبت يَده على شَيْء مِنْهُ فَلَا يسلب بل هُوَ كالصيد
الثَّالِثَة لَو وَقع فِي حجر إِنْسَان وَقد بَسطه لذَلِك ملكه فَإِن سقط مِنْهُ فَهَل لغيره أَخذه فَيحْتَمل أَن يُقَال لَهُ ذَلِك وقرار أمره مَوْقُوف على استقراره فِي يَده
أما إِذا لم يبسطه لذَلِك فلغيره أَخذه كَمَا إِذا عشش الطَّائِر فِي دَاره ثمَّ طَار أما إِذا وَقع الصَّيْد فِي الشبكة ثمَّ أفلت فَالظَّاهِر أَن ملكه لَا يَزُول وَفِي وَجه أَنه فِي الْعرف لَا يعد مُسْتَقرًّا

(5/281)