الوسيط في المذهب

= كتاب الْقسم والنشوز = وَفِيه مُقَدّمَة وَسِتَّة فُصُول

(5/283)


أما الْمُقدمَة

فَهِيَ أَن الْحق فِي النِّكَاح مُشْتَرك بَين الزَّوْجَيْنِ وَإِن كَانَ بَينهمَا تفَاوت قَالَ الله تَعَالَى {ولهن مثل الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} إِذْ لَهُنَّ النَّفَقَة والكسوه وَالْمهْر وَالْقسم كَمَا لَهُم عَلَيْهِنَّ الاستعداد للاستمتاع والتمكين وَالطَّاعَة وَلُزُوم قَعْر الْبَيْت حَتَّى يمْنَعهَا عَن زِيَارَة الْوَالِدين وتشييع جنائزهما وعيادتهما وَإِن كَانَ الأولى أَن يرخص فِي ذَلِك كَيْلا يُؤَدِّي إِلَى الوحشة وَقَطِيعَة الرَّحِم
وَلَكِن لَيْسَ للمنفردة فِي النِّكَاح مُطَالبَة الزَّوْج بالمبيت عِنْدهَا وَلَا بالوقاع اكْتِفَاء بدواعي الطَّبْع وَالْأولَى بِالزَّوْجِ أَن لَا يخليهن عَن الإيناس والوقاع تحصينا لَهُنَّ عَن الْفُجُور وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا بُد وَأَن يبيت عِنْدهَا فِي كل أَربع لَيَال لَيْلَة

(5/285)


وَاحِدَة لِأَنَّهُ أقْصَى مَا يُمكن فِي حَقه أَربع نسَاء وَذَلِكَ غير سديد بل لَو كَانَ لَهُ أَربع نسْوَة فَأَعْرض عَن جَمِيعهنَّ لم يكن لَهُنَّ مُطَالبَته نعم إِذا بَات عِنْد وَاحِدَة لزمَه مثله فِي حق الْبَاقِيَات

(5/286)


وَلَا قسم بَين المستولدات وَالْإِمَاء وَلَا بَينهُنَّ وَبَين المنكوحات بل لَهُ أَن يفعل فِيهِنَّ مَا شَاءَ وَإِن كَانَ الأولى الْإِنْصَاف بَينهُنَّ وَترك الْإِيذَاء لَكِن وجوب الْقسم من خاصية النِّكَاح هَذِه هِيَ الْمُقدمَة

(5/287)


أما الْفَصْل الأول فِيمَن يسْتَحق الْقسم وَيسْتَحق عَلَيْهِ

فَنَقُول الْمَرِيضَة والرتقاء وَالْحَائِض وَالنُّفَسَاء والمحرمة وَالَّتِي آلى عَنْهَا زَوجهَا أَو ظَاهرا وَجَمِيع أَصْنَاف النِّسَاء مِمَّن بِهن عذر شَرْعِي أَو طبعي يثبت لَهُنَّ اسْتِحْقَاق الْقسم لِأَن هَذِه الْأَشْيَاء تمنع الْوَطْء ومقصود الْقسم السكن والأنس والحذر من التَّخْصِيص المؤذي
أما النَّاشِزَة فَلَا تسْتَحقّ حَتَّى لَو كَانَ يدعوهن إِلَى منزله فامتنعت وَاحِدَة فِي نوبتها سقط حَقّهَا إِذْ يجب عَلَيْهِنَّ الْإِجَابَة إِلَّا إِذا كَانَ يساكن وَاحِدَة ويدعوا الْأُخْرَى فامتنعت فَيحْتَمل أَلا تجْعَل نَاشِزَة حَتَّى يجب عَلَيْهِ أَن يأتيهن أَو يدعوا جَمِيعهنَّ إِذْ مساكنة وَاحِدَة تَخْصِيص موحش وَيحْتَمل أَن يترخص فِي هَذَا الْقدر من التَّخْصِيص
أما المسافرة بِغَيْر إِذْنه فناشزة وَإِن سَافَرت فِي غَرَضه بِإِذْنِهِ فحقها قَائِم وتستحق الْقَضَاء وَإِن كَانَ فِي غرضها فَقَوْلَانِ والجديد الصَّحِيح
أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ الْقَضَاء لِأَنَّهَا مَشْغُولَة بغرض نَفسهَا
أما من يسْتَحق عَلَيْهِ فَهُوَ كل زوج حَتَّى الْمَجْنُون قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على الْوَلِيّ أَن يطوف بِهِ على وَيحْتَمل أَن يُقَال لَا يجب على الْوَلِيّ ذَلِك إِذْ الْعَاقِل لَو امْتنع عَن الْكل جَازَ ذَلِك وَكَذَا الْمَجْنُون وَلَكِن الْعَاقِل يَكْتَفِي بدعايته الباعثة وَالْمَجْنُون

(5/288)


بِخِلَافِهِ فَلَا يبعد أَن يجب على الْوَلِيّ ذَلِك
فَإِن قُلْنَا يجب فَعَلَيهِ مُرَاعَاة البيتوتة وَإِن قُلْنَا لَا يجب على الْوَلِيّ ذَلِك فَلَو حمله إِلَى وَاحِدَة لَيْلَة يلْزمه مثل ذَلِك لغيره وَيحْتَمل أَن يُقَال التَّخْصِيص إِنَّمَا يثقل من الزَّوْج وَهَذَا من الْوَلِيّ فَلَا يعظم ضَرَره
وَأما السَّفِيه فَلَا شكّ فِي وجوب الْقسم عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُكَلّف
فرع لَو كَانَ يجن ويفيق وَأمكن الضَّبْط فَلَا يجوز تَخْصِيص وَاحِدَة بالإفاقة وَإِن لم يُمكن فأفاق فِي نوبَة وَاحِدَة فَفِي كَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مَا يدل على أَنه يقْضِي لِلْأُخْرَى يَوْم الْجُنُون لنُقْصَان حَقّهَا

(5/289)


الْفَصْل الثَّانِي فِي مَكَان الْقسم وزمانه وعدده

أما الْمَكَان فَلَا يَنْبَغِي أَن يجمع بَين الضرتين فِي مسكن وَاحِد إِلَّا أَن تنفصل الْمرَافِق فَإِن ذَلِك ظَاهر فِي الْإِضْرَار وَلَو كن فِي بُيُوتهنَّ وَكَانَ يَسْتَدْعِي كل وَاحِدَة إِلَى منزله جَازَ وعليهن الْإِجَابَة
وَأما الزَّمَان فعماده اللَّيْل لِأَن الله تَعَالَى جعل اللَّيْل سكنا إِلَّا فِي حق الأتوني والحارس فَالْأَصْل فِي حَقّهمَا النَّهَار وَأما فِي حق الْعَامَّة فالنهار تَابع وَتظهر التّبعِيَّة فِي أَمريْن
أَحدهمَا أَنه لَا يجوز لَهُ أَن يدْخل فِي نوبَة وَاحِدَة على ضَرَّتهَا إِلَّا لضَرُورَة كَمَرَض مخوف أَو مرض يُمكن أَن يكون مخوف فيستبين حَقِيقَة الْحَال ليعود فارغ الْقلب وَقيل إِذا لم يتَحَقَّق أَنه مخوف لم يجز الْخُرُوج
فَإِن خرج إِلَيْهَا بِغَيْر عذر عصى وَيَقْضِي لَهَا من نوبَة ضَرَّتهَا إِن بلغ مكثه ثلث اللَّيْل هَكَذَا قدره القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله وَهُوَ قريب من التحكم بل وَجه أَن لَا يقدر بل يجب عَلَيْهِ قَضَاء مثله كَيْفَمَا كَانَ لَكِن ظَاهر الْمَنْقُول أَنه إِذا لم يكن مكث فَيقْتَصر على التعصية وَلَا يجب الْقَضَاء
وَأما بِالنَّهَارِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ مُلَازمَة النِّسَاء إِذْ يشْتَغل بِالْكَسْبِ بل إِذا أَرَادَ أَن يعود إِلَى لوضوء أَو طَعَام فَيرجع إِلَى بَيت صَاحِبَة النّوبَة فَإِن دخل على ضَرَّتهَا بِالنَّهَارِ فَفِيهِ ثَلَاث طرق

(5/290)


أَحدهَا أَنه كالليل
وَالثَّانِي أَنه أَن ذَلِك لَا حجر فِيهِ لِأَن النَّهَار تبع وَهُوَ وَقت الانتشار وَلَيْسَ فِيهِ اسْتِحْقَاق مُلَازمَة حَتَّى يفوت بِسَبَب الدُّخُول على الضرة
وَالثَّالِث أَن ذَلِك يجوز لغَرَض مُهِمّ وَإِن لم يكن بِمَرَض مخوف وَلَا يجوز بِاللَّيْلِ إِلَّا بِمَرَض مخوف
فَإِن تعود الانتشار فِي نوبَة وَاحِدَة وملازمة الْأُخْرَى فَيظْهر الْمَنْع فِي ذَلِك
الْأَمر الثَّانِي لَو جَامعهَا فِي نوبَة ضَرَّتهَا عصى بالاضرار وَلَكِن إِن جرى بِاللَّيْلِ فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَن يقْضِي مثل تِلْكَ الْمدَّة إِن طَالَتْ وَلَا يُكَلف الوطاء
الثَّانِي أَنه أفسد تِلْكَ اللَّيْلَة فَلَو عَاد إِلَيْهَا لَا يعْتد بِهِ لِأَن الْمَقْصُود قد فَاتَ فَيَقْضِي تَمام اللَّيْل وَإِن عَاد إِلَيْهَا
وَالثَّالِث أَنه يلْزمه قَضَاء الوقاع فِي نوبَة الْمَوْطُوءَة فَقَط وَإِن جرى بِالنَّهَارِ احْتمل الِاقْتِصَار على التعصية وَيحْتَمل أَن يَجْعَل ذَلِك كالليل
فَأَما الْمِقْدَار فأقله لَيْلَة وَإِن أَرَادَ أَن ينصف لم يجز لِأَنَّهُ يتنغص الْعَيْش إِذا بتر اللَّيْل
وَأما الْأَكْثَر فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وأكرمه مُجَاوزَة الثَّلَاث أَي يجوز

(5/291)


أَن يبيت ثَلَاث لَيَال عِنْد وَاحِدَة وَثَلَاث عِنْد أُخْرَى وَمِنْهُم من قَالَ لَا يُجَاوز الثَّلَاث إِذْ لَا مرد بعده وَمِنْهُم من قَالَ يجوز إِلَى السَّبع فَإِنَّهُ مُدَّة مُلَازمَة الْبكر أَولا وَمِنْهُم من قَالَ لَا تَقْدِير وَالِاخْتِيَار إِلَى الزَّوْج وَإِنَّمَا عَلَيْهِ التَّسْوِيَة فَقَط
فرع إِذا قرر الْقسم على مِقْدَار فالبداية يَنْبَغِي أَن تكون بِالْقُرْعَةِ وَقيل هُوَ إِلَى خيرة الزَّوْج لِأَنَّهُ مَا لم يبت عِنْد وَاحِدَة لَا يلْزمه لِلْأُخْرَى حق

(5/292)


الْفَصْل الثَّالِث فِي التَّفَاضُل

وَله سببان
الأول الْحُرِّيَّة وللحرة ليلتان وللأمة لَيْلَة لما روى الْحسن عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ للْحرَّة ثلثا الْقسم وللأمة الثُّلُث وَقَالَ مَالك يُسَوِّي بَينهمَا وَهُوَ ضَعِيف للْخَبَر وَلِأَن حق الْأمة فِيهِ نُقْصَان وَقد يتَضَرَّر برق وَلَدهَا فَلهُ الحذر من ذَلِك
فرع لَو طَرَأَ الْعتْق عَلَيْهَا نظر فَإِن كَانَ قد بَدَأَ بِالْحرَّةِ فلهَا ليلتان وللأمة لَيْلَة فَإِذا عتقت فِي هَذِه الْأَيَّام الثَّلَاثَة إِمَّا فِي نوبَة الْحرَّة أَو فِي نوبتها التحقت بِالْحرَّةِ الْأَصْلِيَّة حَتَّى تسْتَحقّ استكمال يَوْمَيْنِ فَإِن عتقت بعد تَمام يَوْمهَا اقتصرت على يَوْمهَا وَوَجَب التَّسْوِيَة بعد ذَلِك
وَإِن بَدَأَ بهَا فعتقت قبل انْقِضَاء يَوْمهَا صَارَت كَالْحرَّةِ الْأَصْلِيَّة وَإِن عتقت بعد انْقِضَاء يَوْمهَا فقد تمّ اسْتِحْقَاق الْحرَّة ليومين فَوَجَبَ تَوْفِيَة الْيَوْمَيْنِ ثمَّ بعد ذَلِك يسوى بَينهمَا

(5/293)


السَّبَب الثَّانِي فِي تجدّد النِّكَاح فَإِن نكح ثَيِّبًا فَلهُ أَن يبيت عِنْدهَا ثَلَاثًا وَلَا يقْضِي للباقيات بل يُسَوِّي بعد ذَلِك ويبيت عِنْد الْبكر سبعا ثمَّ يُسَوِّي بعد ذَلِك فَإِن طلبت الثّيّب زِيَادَة على الثَّلَاث فأجابها بَطل حَقّهَا من الثَّلَاث وَوَجَب قَضَاء الْجَمِيع للباقيات لما رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم سَلمَة وَبَات عِنْدهَا ثَلَاثًا فَلَمَّا انْقَضتْ تعلّقت بِهِ فَقَالَ إِنَّه لَيْسَ بك على أهلك هوان وَإِن شِئْت سبعت عنْدك وسبعت عِنْدهن وَإِن شِئْت ثلثث عنْدك وَدرت عَلَيْهِنَّ وَشبه الْأَصْحَاب هَذِه الْمَسْأَلَة بِمَا لَو اسْتحق الْقصاص من الْمرْفق فَقطع من الْكُوع سقط حَقه من أرش الساعد
وَلَا خلاف فِي أَنه لَو أَقَامَ بِاخْتِيَارِهِ دون التماسها لم يبطل حَقّهَا وَبَالغ الْأَصْحَاب فِي الِاقْتِصَار على الْخَبَر وَقَالُوا لَا يبطل حَقّهَا إِلَّا فِي صُورَة وُرُود الْخَبَر حَتَّى لَا يبطل حق الْبكر من السَّبع أصلا وَإِن استزادت وَلَا حق الثّيّب إِن قَامَ عِنْدهَا خمْسا بالتماسها حَتَّى يُقيم السَّبع
وَلَيْسَ يبعد عِنْدِي أَن يكون ذَلِك مُعَللا بحسم بَاب التحكم والاقتراح عَلَيْهَا فيطرد ذَلِك فِي جَمِيع الصُّور لَكِن هَذَا مَا وجدته مَنْقُولًا فِي الْمَذْهَب
فرع لَو كَانَت الجديدة أمة فلهَا مثل حق الْحرَّة فِي الثَّلَاث أَو السَّبع لِأَن هَذَا يُرَاد

(5/294)


لحُصُول الألفة والأنس وَذَلِكَ يتَعَلَّق بالطبع كمدة الْعنَّة ليستوي بَينهمَا وَفِيه وَجه أَنه ينصف
ثمَّ سَبِيل التنصيف هَاهُنَا تنصيف اللَّيْلَة وَلَا نبالي بذلك بِخِلَاف الْأَقْرَاء فِي الْعدة فَإِنَّهُ لَا يقبل التنصيف

(5/295)


الْفَصْل الرَّابِع فِي الظُّلم وَوُجُوب الْقَضَاء

وَفِيه ثَلَاث مسَائِل
الأولى لَو كَانَ تَحْتَهُ ثَلَاث نسْوَة فَبَاتَ عِنْد اثْنَتَيْنِ عشْرين لَيْلَة بِالسَّوِيَّةِ فقد اسْتحقَّت الثَّالِثَة عشر لَيَال فيقضيها على الْوَلَاء وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يفرق فيبيت عِنْدهَا لَيْلَتَيْنِ وَعند كل وَاحِدَة لَيْلَة لِأَن هَذَا حق مُجْتَمع فِي ذمَّته فليقضه من غير تَأْخِير وَمن ضَرُورَته الْوَلَاء
فَلَو كَانَت الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا فنكح جَدِيدَة فلهَا الثَّلَاث أَو السَّبع ويشتغل بِالْقضَاءِ بعد ذَلِك وَلَكِن لَو أَقَامَ عِنْد المظلومة عشر لَيَال لَصَارَتْ الجديدة مظلومة فسبيله أَن يبيت عِنْد المظلمومة ثَلَاث لَيَال وَعند الجديدة لَيْلَة وَهَكَذَا حَتَّى تَنْقَضِي ثَلَاث نوب وَقد وفاها تسع لَيَال وَاعْترض إِشْكَال وَهُوَ أَنه لَو بَات الْعَاشِرَة للْقَضَاء ثمَّ اسْتَأْنف الْقسم لم تعد النّوبَة إِلَى الجديدة إِلَّا فِي خمس لَيَال وَذَلِكَ ظلم عَلَيْهَا قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد هَذَا الْقدر من الظُّلم يَنْبَغِي أَن يحْتَمل للضَّرُورَة وَقَالَ غَيره سَبِيل الْعدْل إِذا بَات عِنْدهَا الْعَاشِرَة أَن يبيت عِنْد الجديدة بعده ثلث ليله ثمَّ يخرج إِلَى صديق أَو مَسْجِد بَقِيَّة اللَّيْل حَتَّى ينْدَفع الظُّلم إِذْ

(5/296)


يثبت بِهَذِهِ اللَّيْلَة للجديدة مثل مَا يثبت للأوليين وَحِصَّة كل وَاحِدَة من الْأَوليين من هَذِه اللَّيْلَة الثُّلُث وَلها أَيْضا ثلث اللَّيْل فيوفيها فِي لَيْلَة أُخْرَى ويستقيم الْحساب من لَيْلَة وَثلث
الثَّانِيَة إِذا بَات عِنْد وَاحِدَة نصف لَيْلَة فَأخْرجهُ السُّلْطَان أَو خرج قصدا يلْزمه أَن يبيت عِنْد ضَرَّتهَا نصف لَيْلَة ثمَّ يخرج فِي مثل ذَلِك الْوَقْت إِلَى صديق وَيحْتَمل التنصيف فِي الْقَضَاء ثمَّ بعد ذَلِك يسْتَأْنف الْحساب
الثَّالِثَة إِذا وهبت وَاحِدَة نوبتها صحت الْهِبَة وَلها الرُّجُوع مَتى شَاءَت فِي الْمُسْتَقْبل فَلَو بَات لَيْلَة بعد الرُّجُوع وَقبل بُلُوغ الْخَبَر لم يلْزمه الْقَضَاء كَمَا لَو أَبَاحَ تنَاول ثمار بُسْتَان ثمَّ رَجَعَ فَمَا تنَاول قبل بُلُوغ الْخَبَر فَلَا ضَمَان فِيهِ وَمِنْهُم من قَالَ مَسْأَلَة الْقسم تخرج على الْقَوْلَيْنِ فِي عزل الْوَكِيل
ثمَّ لهبتها ثَلَاث صِيغ

الأولى أَن تهب نوبتها من وَاحِدَة فَلَيْسَ للزَّوْج أَن يَقُول أسقطت حَقك فَأَنا أصرف اللَّيْل إِلَى من شِئْت بل هُوَ هبة بِشَرْط فَيجب الِاتِّبَاع وَكَذَلِكَ فعلت سَوْدَة ووهبت نوبتها من عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا

(5/298)


فَلَو أَبَت الْمَوْهُوب مِنْهَا فَللزَّوْج أَن يقهرها على ذَلِك إِذْ لَيْسَ هَذِه هبة مِنْهَا حَتَّى تفْتَقر إِلَى الْقبُول بل هِيَ هبة من الزَّوْج وَلذَلِك يجوز للزَّوْج أَن يمْتَنع ويبيت عِنْد الواهبة قهرا ثمَّ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إِن كَانَت نوبَة الْمَوْهُوب مِنْهَا مُتَّصِلَة بنوبة الواهبة بَات عِنْدهَا لَيْلَتَيْنِ وَإِن لم يكن فَهَل لَهُ أَن يوصلها عِنْدهَا بَين لَيْلَتَيْنِ عِنْدهَا فِيهِ وَجْهَان
الصِّيغَة الثَّانِيَة أَن تَقول وهبت مِنْك مُطلقًا فقد صَارَت كالمعدومة فيسوي بَين الْبَاقِيَات
الصِّيغَة الثَّالِثَة أَن تَقول وهبت مِنْك فخصص من شِئْت مِنْهُنَّ فَالظَّاهِر أَنه لَيْسَ لَهُ التَّخْصِيص فَإِن هَذَا يُورث الغيظ بِخِلَاف مَا إِذا وهبت من وَاحِدَة
فرع إِذا ظلمها بِعشر لَيَال مثلا وَجب الْقَضَاء فَإِن طَلقهَا تعذر الْقَضَاء وَبقيت الْمظْلمَة إِلَى الْقيمَة فَإِن رَاجعهَا وَجب الْقَضَاء فَإِن أَبَانهَا ثمَّ جدد النِّكَاح وَوَجَب الْقَضَاء أَيْضا وَقيل يثنى على عود الْحِنْث وَهُوَ ضَعِيف لِأَن الْمظْلمَة بَاقِيَة فَلَا بُد من التقضي وَإِنَّمَا يُمكن الْقَضَاء إِذا عَادَتْ وَعِنْده تِلْكَ النسْوَة الَّتِي ظلمها بِهن فَإِن نكح جديدات فَلَا يُمكن الْقَضَاء إِلَّا بظُلْم الجديدات فقد تعذر الْقَضَاء

(5/299)


الْفَصْل الْخَامِس فِي المسافرة بِهن

فَنَقُول من أنشأ سفرا فِي حَاجَة على قصد الِانْصِرَاف عِنْد نجاز حَاجته فَعَلَيهِ أَن يقرع بَينهُنَّ فَإِذا استصحب وَاحِدَة بِالْقُرْعَةِ لم يلْزمه قَضَاء أَيَّام السّفر للمخلفات لما رَوَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَعَن أَبِيهَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أَرَادَ سفرا أَقرع بَين نِسَائِهِ واستصحب وَاحِدَة ثمَّ ظهر أَنه كَانَ إِذا عَاد يَدُور على النّوبَة فَصَارَ سُقُوط الْقَضَاء من جملَة رخص السّفر على خلاف الْقيَاس وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يجب الْقَضَاء
وَهَذِه الرُّخْصَة وَردت مقرونه بأَرْبعَة أَوْصَاف مُؤثرَة فَلَا يجوز حذفهَا
الأول أَن عَلَيْهِ السَّلَام أَقرع فَمن استصحب وَاحِدَة بِغَيْر قرعَة لزمَه الْقَضَاء وَعصى بالتخصيص وَهَذَا كَمَا أَنه لَو أَقَامَ عِنْد وَاحِدَة لتمريضها قضى للباقيات إِن سلمت وَإِن مَاتَت فقد فَاتَ الْقَضَاء لِأَنَّهُ لم يبْقى لَهَا نوبَة حَتَّى يقْضِي مِنْهَا نعم لَا يعْصى إِن كَانَ

(5/300)


الْمَرَض مخوفا وَلَا ممرض سواهُ
فَإِن كَانَ مخوفا وَلها ممرض سواهُ أَو لَا ممرض وَلَكِن لَيْسَ بمخوف فَفِي جَوَاز الْإِقَامَة عِنْدهَا بِهَذَا الْعذر وَجْهَان
الثَّانِي أَن لَا يعزم على النقلَة فَيحرم أَن يعزم على النقلَة ويخلف نِسَاءَهُ لِأَنَّهُ لَا يُطَالب بالتحصين اكْتِفَاء بداعية الطَّبْع وَإِذا انْتقل انْقَطع ذَلِك فَإِن استصحب وَاحِدَة وَلَو بِالْقُرْعَةِ عصى وَلزِمَ الْقَضَاء للباقات وَعَلِيهِ الرُّجُوع وَهل يلْزمه الْقَضَاء لأيام الرُّجُوع وهومشتغل بامتثال الْأَمر فِيهِ وَجْهَان وَالظَّاهِر وُجُوبه
الثَّالِث أَن يكون السّفر طَويلا ليَكُون تعبها ومشقة السّفر فِي مُقَابلَة مَا فازت بِهِ من الصُّحْبَة فَأَما السّفر الْقصير فَهُوَ بالتفرج أشبه فَلَا يسْقط الْقَضَاء فَلَا يكون فِي معنى مورد الْخَبَر وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد يحْتَمل أَن يلْحق هَذَا بالرخص الَّذِي يفِيدهُ السّفر الْقصير
الرَّابِع أَن لَا ينْتَظر فِي مقْصده لإنجاز حَاجته فَإِن عزم الْإِقَامَة بهَا مُدَّة لزمَه قَضَاء تِلْكَ الْأَيَّام لِأَن تَعب السّفر قد انْقَطع فِيهِ متودعة فَكيف تفوز بالصحبة وَإِن لم يعزم على الْإِقَامَة لَكِن أَقَامَ يَوْمًا وَاحِدًا مثلا فَهَذَا الْقدر تَابع للسَّفر فَلَا قَضَاء فِيهِ وَإِن كُنَّا نرى أَنه لَا يترخص بِالْفطرِ وَغَيره وَإِن طَالَتْ إِقَامَته من غير عزم وَلَكِن فِي انْتِظَار نجاز الْحَاجة فَفِي

(5/301)


ترخصه خلاف فَإِن قُلْنَا يترخص فَلَا قَضَاء وَإِن قُلْنَا لَا يترخص فَيلْزمهُ الْقَضَاء
فروع ثَلَاثَة
الأول لَو لزمَه قَضَاء أَيَّام الْإِقَامَة بالعزم فَإِذا توجه للرُّجُوع فَفِي لُزُوم قَضَاء أَيَّام الرُّجُوع وَجْهَان

(5/302)


أَحدهمَا أَنه لَا يجب لِأَن عزم الْإِقَامَة يُؤثر فِي أَيَّام الْإِقَامَة
وَالثَّانِي أَنه يجب لِأَنَّهُ إِنَّمَا سقط قَضَاء أَيَّام الرُّجُوع رخصَة بِشَرْط أَن لَا يكون لَهُ عزم إِقَامَة فَإِذا عزم فقد أفسد الرُّخْصَة فنرجع إِلَى الْقيَاس وَقد قيل إِنَّه كَمَا نقض الْعَزْم سقط عَنهُ الْقَضَاء وَإِن لم ينْهض للرُّجُوع وَهُوَ وَجه ثَالِث ضَعِيف
أما إِذا كَانَ عزم على الْإِقَامَة ثمَّ أنشأ سفرا آخر مستدبرا وَطنه فَإِن لم يكن عزم عَلَيْهِ فِي أول السّفر لزمَه الْقَضَاء لِأَنَّهُ سفر بِغَيْر قرعَة وَإِن كَانَ عزم عَلَيْهِ فَفِيهِ وَجْهَان مرتبان على أَيَّام الرُّجُوع وَهَاهُنَا أولى بِوُجُوب الْقَضَاء لِأَنَّهُ فِيهِ غير مُتَوَجّه إِلَى الِامْتِثَال بِالرُّجُوعِ
الثَّانِي لَو استصحب اثْنَتَيْنِ بِالْقُرْعَةِ فَعَلَيهِ التَّسْوِيَة بَينهمَا فِي السّفر فَلَو ظلم إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى قضى لَهَا من نوبتها إِمَّا فِي السّفر وَإِمَّا فِي الْحَضَر وَلَو أَرَادَ أَن يخلف إِحْدَاهمَا فِي بعض الْمنَازل بِالْقُرْعَةِ جَازَ لَهُ ذَلِك وَلَو نكح فِي الطَّرِيق جَدِيدَة خصصها بِثَلَاث أَو سبع ثمَّ عدل بَينهَا وَبَين المستصحبات وَلَو خرج وَحده ثمَّ نكح فِي الطَّرِيق لم يلْزمه الْقَضَاء للباقيات لِأَنَّهُ تجدّد حَقّهَا حَيْثُ لم يكن عَلَيْهِ التَّسْوِيَة وَلَا يظْهر الْميل بإيثارها
الثَّالِث لَو كَانَ تَحْتَهُ امْرَأَتَانِ فنكح جديدتين فَخرجت الْقرعَة على إحدهما فسافر بهَا اندرج حق الجديدة المسافرة فِي صُحْبَة السّفر إِذا انْقَضتْ أَيَّامهَا فِي السّفر فَإِذا عَاد إِلَى الوطن فَهَل يبْقى حق الجديدة المخلفة فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا لِأَن أَيَّامهَا قد انْقَضتْ

(5/303)


وَالثَّانِي نعم لِأَن ذَلِك لإِزَالَة التوحش والتوحش قَائِم وَالَّتِي فِي السّفر قد أنست بِصُحْبَة السّفر
وَهَذَا فِيهِ إِذا زفت إِلَيْهِ الجديدتان ثمَّ سَافر أما إِذا لم تزف إِلَيْهِ فَحق المخلة قَائِم قطعا

(5/304)


الْفَصْل السَّادِس فِي الشقاق بَين الزَّوْجَيْنِ

وَله ثَلَاثَة أَحْوَال
الأول أَن يكون التَّعَدِّي مِنْهَا بالنشوز وَمعنى نشورها أَن لَا تمكن الزَّوْج وتعصي عَلَيْهِ فِي الِامْتِنَاع عصيانا خَارِجا عَن حد الدَّلال بِأَن كَانَ بِحَيْثُ لَا يُمكن الزَّوْج حملهَا على الطَّاعَة إِلَّا بتعب فَإِن كَانَت تؤذيه بالشتم وبذاءة اللِّسَان وَغير ذَلِك فَلَيْسَتْ نَاشِزَة لَكِنَّهَا تسْتَحقّ التَّأْدِيب وَهل لَهُ أَن يؤدبها أم يرفع الْأَمر إِلَى القَاضِي فِيهِ تردد
ثمَّ حكم النُّشُوز سُقُوط النَّفَقَة وتسلط الزَّوْج على ضربهَا لَكِن قَالَ الله تَعَالَى {فعظوهن واهجروهن فِي الْمضَاجِع واضربوهن} فَمنهمْ من حمل على الْجمع وَمِنْهُم من حمل على التَّرْتِيب وَالصَّحِيح أَنه إِن غلب على ظَنّه أَنَّهَا تنجر بالوعظ ومهاجرة المضطجه لم يجز الضَّرْب وَإِن علم أَن ذَلِك لَا يزجرها جَازَ الضَّرْب وَالْأولَى ترك الضَّرْب بِخِلَاف الْوَلِيّ فَإِن الأولى بِهِ أَن لَا يتْرك الضَّرْب فَإِن مَقْصُوده إصْلَاح الصَّبِي لأجل الصَّبِي وَهَذَا يصلح زَوجته لنَفسِهِ وَلذَلِك كَانَ ضرب الزَّوْج مُقَيّدا بِشَرْط سَلامَة

(5/305)


الْعَاقِبَة فَلَو أفْضى إِلَى فَسَاد عُضْو أَو روح فَعَلَيهِ الضَّمَان وَله أَن يضْربهَا وَإِن أمكنت من الْجِمَاع إِذا منعته غير ذَلِك من الاستمتاعات
وَهل تسْقط نَفَقَتهَا مَعَ الوقاع فِيهِ تردد وَأقرب مِثَال فِيهِ تَسْلِيم السَّيِّد الْأمة لَيْلًا واستخدامها نَهَارا وَذكرنَا فِيهِ خلافًا
الْحَالة الثَّانِيَة أَن يكون التَّعَدِّي مِنْهُ بِالضَّرْبِ وَسُوء الْخلق فَلَا سَبِيل إِلَّا الْحَيْلُولَة حَتَّى يعود إِلَى حسن المعاشرة وَإِنَّمَا يعول فِيهِ على قَوْلهَا أَو على قَرَائِن أَحْوَال وشهادات تدل عَلَيْهِ كَمَا يستبرأ حَال الْفَاسِق إِذا أظهر التَّوْبَة فَأَما مُجَرّد قَوْله فَلَا يعول عَلَيْهِ
الْحَالة الثَّالِثَة أَن يشكل الْأَمر فَلَا يدْرِي من الْمُتَعَدِّي فَقَالَ قَالَ تَعَالَى {فَابْعَثُوا حكما من أَهله وَحكما من أَهلهَا إِن يريدا إصلاحا يوفق الله بَينهمَا}

(5/306)


ومقصود الْحكمَيْنِ أَن يصلحا بَينهمَا إِن أنمكن أَو يفرقا
وَهل هما وكيلان من جِهَة الزَّوْجَيْنِ فَيُوقف تصرفهما على إذنهما أم هما متوليان من جِهَة القَاضِي حَتَّى ينفذ تفريقهما بِالطَّلَاق على الزَّوْج وبإلزام المَال على الْمَرْأَة عِنْد استصوابها الْخلْع فِيهِ قَولَانِ الأول وَهُوَ الْقيَاس أَنَّهُمَا وكيلان إِذْ يَتَعَدَّ دُخُول الطَّلَاق تَحت الْولَايَة
وَالثَّانِي أَنَّهُمَا متوليان لما رُوِيَ أَن عليا كرم الله وَجهه بعث حكمين بَين زَوْجَيْنِ فَقَالَ أَتَدْرِيَانِ مَا عَلَيْكُمَا عَلَيْكُمَا إِن رَأَيْتُمَا أَن تفَرقا وَإِن رَأَيْتُمَا أَن تجمعَا أَن تجمعَا فَقَالَ الزَّوْج أما الطَّلَاق فَلَا فَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ كذبت
وَيدل عَلَيْهِ أَيْضا تسميتهما حكمين فَإِنَّهُ إِذا كَانَ مسخرا لَا ينفذ حكمه فَكيف يُسمى حكما فعلى هَذ القَوْل إِن توافقا لم يجز لَهما التَّفْرِيق
وَإِن غَابَ أَحدهمَا أَو سكت فَفِي جَوَاز التَّفْرِيق وَجْهَان مِنْهُم من شَرط لنفوذ حكمهمَا قيام الْخُصُومَة فِي الْحَال ثمَّ لَا بُد على هَذَا القَوْل فِي الْحكمَيْنِ من الْعَدَالَة وَالْهِدَايَة إِلَى الْمصَالح وَلَا يشْتَرط

(5/307)


منصب الِاجْتِهَاد وَكَذَلِكَ فِي كل أَمر معِين جرى يفوضه الْقُضَاة إِلَى الْآحَاد
وَلَا يشْتَرط أَن يَكُونَا من أهلهما بل ذَلِك أولى إِذا وجدا فَإِنَّهُمَا أعرف ببواطن أحوالهما وَالله أعلم وَأحكم

(5/308)