الوسيط في المذهب

= كتاب الْخلْع = وَفِيه أَبْوَاب

(5/309)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي حَقِيقَة الْخلْع وَمَعْنَاهُ وَفِيه فصلان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الأول فِي أَثَره فِي النِّكَاح وَأَلْفَاظه

أما أَثَره فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه طَلَاق محوج إِلَى التَّحْلِيل إِذا تكَرر ثَلَاثًا وَهُوَ مَذْهَب عمر وَعُثْمَان وَعلي رَضِي الله عَنْهُم وَمذهب أبي حنيفَة والمزني رحمهمَا الله
وَالثَّانِي وَهُوَ الْقَدِيم والمنصور فِي الْخلاف أَنه فسخ

(5/311)


وَحَقِيقَة الْخلاف رَاجع إِلَى أَن النِّكَاح هَل يقبل الْفَسْخ تَرَاضيا فعلى قَول يقبل قِيَاسا على البيع
ثمَّ أَلْفَاظه ثَلَاثَة الْخلْع وَالْفَسْخ والمفاداة
أما لفظ الْخلف فصريح فِي الْفَسْخ على هَذَا القَوْل وَلَا يحْتَاج إِلَى النِّيَّة لِأَن شاع فِي لِسَان حَملَة الشَّرِيعَة لإِرَادَة الْفَسْخ وتكرر فَصَارَ كَلَفْظِ الْفِرَاق والسراح الَّذِي تكَرر فِي الْقُرْآن
وَأما الَّذِي شاع فِي لِسَان الْعَامَّة كَقَوْلِه حَلَال الله عَليّ حرَام فَهَل يصير صَرِيحًا فِي الطَّلَاق فِيهِ خلاف ظَاهر
وَأما لفظ الْفَسْخ فَالظَّاهِر أَنه صَرِيح فِي مَقْصُود الْفَسْخ لَا يحْتَاج إِلَى النِّيَّة وَفِيه وَجه بعيد أَنه يحْتَاج إِلَى النِّيَّة بِخِلَاف لفظ الْخلْع فَإِن ذَلِك تداولته أَلْسِنَة حَملَة الشَّرِيعَة وَلَفظ الْفَسْخ فِي النِّكَاح غير مُسْتَعْمل إِلَّا إِذا جرى عيب أَو سَبَب
أما لفظ المفاداة فَفِيهِ وَجْهَان مأخذهما أَنه ورد بِهِ الْقُرْآن فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ} وَلَكِن لم يتَكَرَّر وَكَذَا الْخلاف فِي لفظ الْإِمْسَاك فِي الرّجْعَة وَلَفظ الفك فِي الْعتْق فَإِذا الصَّرِيح قطعا لفظ

(5/312)


متكرر فِي الْقُرْآن أَو متكرر على لِسَان حَملَة الشَّرِيعَة أما مَا تكَرر على لِسَان الْعَامَّة أَو ورد بِهِ الْقُرْآن وَلم يتَكَرَّر فَفِيهِ خلاف
ثمَّ إِذا جعلنَا الْخلْع صَرِيحًا فِي الْفَسْخ على هَذَا القَوْل فَلَو نوى بِهِ الطَّلَاق لم يَنْقَلِب طَلَاقا على الْأَظْهر لِأَنَّهُ وجد نفاذا فِي مَوْضِعه صَرِيحًا فَلَا تُؤثر فِيهِ النِّيَّة كَمَا لَو نوى الطَّلَاق بِلَفْظ الظِّهَار فَإِنَّهُ لَا يصير طَلَاقا وَهَذَا بِخِلَاف مَا لَو قَالَ إِنَّهَا عَليّ حرَام وَنوى بِهِ الطَّلَاق فَإِنَّهُ يَقع بِهِ الطَّلَاق وَإِن كَانَ مُطلق هَذَا القَوْل صَرِيحًا فِي الْتِزَام الْكَفَّارَة لكنه لَا اخْتِصَاص لَهُ بِالنِّكَاحِ إِذْ يجْرِي فِي الْأمة الْمَمْلُوكَة وَلَفظ الْخلْع يخْتَص بِالنِّكَاحِ
أما إِذا قدر الزَّوْج على فسخ النِّكَاح بعيبها مثلا فَقَالَ فسخت وَنوى بِهِ الطَّلَاق فَيحْتَمل أَن لَا ينْصَرف إِلَى الطَّلَاق لِأَنَّهُ وجد نفاذا فِيمَا هُوَ صَرِيح فِيهِ وَقَالَ القَاضِي يَقع الطَّلَاق لِأَنَّهُ لَا اخْتِصَاص للفظ الْفَسْخ بِالنِّكَاحِ فَيحْتَمل أَن

(5/313)


يصرف إِلَى الطَّلَاق
أما إِذا فرعنا على الصَّحِيح وَهُوَ أَن النِّكَاح لَا يقبل الْفَسْخ فَلفظ الْفَسْخ كِنَايَة فِي الطَّلَاق وَفِي لفظ المفاداة وَجْهَان كَمَا سبق على قَول الْفَسْخ وَفِي لفظ الْخلْع قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه كِنَايَة أَيْضا لِأَن صرائح الطَّلَاق ثَلَاثَة وَهِي الَّتِي تَكَرَّرت فِي الْقُرْآن الْفِرَاق والسراح وَالطَّلَاق
وَالثَّانِي وَهُوَ الَّذِي نَص عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاء أَنه صَرِيح لِأَنَّهُ تكَرر فِي لِسَان حَملَة الشَّرْع لإِرَادَة الْفِرَاق فالتحق بالمتكرر فِي الْقُرْآن وَمِنْهُم من قَالَ مأخذه أَن ذكر المَال هَل ينتهض قرينَة فِي إِلْحَاق الْكِنَايَة بِالصَّرِيحِ حَتَّى لَو خلا عَن ذكر المَال كَانَ كِنَايَة قطعا وَهَذَا المأخذ ضَعِيف إِذْ قرينَة الْغَضَب وَالسُّؤَال وَغَيره لَا تغير الْكِنَايَات عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فَكَذَلِك قرينَة المَال
أما إِذا جرى الْخلْع من غير ذكر المَال فمطلقه هَل ينزل على اقْتِضَاء المَال فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا نعم لاقْتِضَاء الْعرف ذَلِك
وَالثَّانِي لَا لِأَن لم يتَلَفَّظ بِهِ
وَيجْرِي الْخلاف فِيمَا لَو قارض رجلا على أَن يتجر وَلم يشْتَرط الرِّبْح أَنه هَل

(5/314)


يسْتَحق أجر الْمثل وَاخْتَارَ القَاضِي أَنه يَقْتَضِي المَال تَشْبِيها لِلْخلعِ بِالنِّكَاحِ وتعليله بِالْعرْفِ أولى من التَّشْبِيه بِالنِّكَاحِ الْمَخْصُوص بالتعبد
فَإِن قُلْنَا يثبت المَال وَهُوَ الصَّحِيح فالثابت هُوَ مهر الْمثل إِن جَعَلْنَاهُ فسخا أَو صَرِيحًا فِي الطَّلَاق وَإِن جلناه كِنَايَة فِي الطَّلَاق وَنوى فَهُوَ كَالصَّرِيحِ وَإِن لم ينْو لَغَا وَلم يُؤثر
أما إِذا قُلْنَا لَا يثبت المَال فَإِن جَعَلْنَاهُ فسخا لَغَا إِذْ لَا فسخ إِلَّا على عوض وَإِن جَعَلْنَاهُ طَلَاقا صَرِيحًا أَو جرت النِّيَّة فَهُوَ طَلَاق رَجْعِيّ إِذْ لَا مَال وَلَكِن يتَصَدَّى أَمْرَانِ
أَحدهمَا أَن الرَّجْعِيّ لَا يفْتَقر إِلَى قبُولهَا فَهَذَا هَل يفْتَقر فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا أَنه لَا مَال
وَالثَّانِي نعم لِأَن اللَّفْظ يَسْتَدْعِي الْقبُول وَلَا يبعد ذَلِك فَإِنَّهُ لَو خَالع السفيهة لَا ينفذ إِلَّا بقبولها ثمَّ يكون الطَّلَاق رَجْعِيًا إِذْ لَا يَصح التزامها المَال
وَهَذَا إِنَّمَا يظْهر فِي قَوْله خالعت فَلَو قَالَ خلعت فيبعد انْتِظَار الْقبُول وَكَذَا لَو قَالَ خالعت وَلم يضمر التمَاس جَوَابه فَيكون كَقَوْلِه قاطعت وَفَارَقت
الْأَمر الثَّانِي أَنه إِن أضمر الرجل المَال فيبعد إِيقَاع طَلَاق من غير مَال فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه لَا أثر لنِيَّة المَال فَهُوَ كَمَا إِذا لم ينْو

(5/315)


وَالثَّانِي أَنه يُؤثر حَتَّى لَا يَقع من غير ثُبُوت المَال وَإِنَّمَا يثبت المَال إِذا نويا جَمِيعًا المَال فَإِن لم تنو الْمَرْأَة فَلَا يَقع الطَّلَاق أصلا
وَهَذَا بَيَان هَذِه الاختلافات وَالْأولَى فِي الْفَتَاوَى أَن نجْعَل الْخلْع طَلَاقا ونجعله صَرِيحًا فِيهِ ونجعل الْخَالِي عَن الْعِوَض مقتضيا للعوض بِحكم الْعرف ونجعله صَرِيحًا أَيْضا ونطرح بَقِيَّة الِاحْتِمَالَات وَإِن كَانَ لَهَا بعض الاتجاه أما جعل الْخلْع فسخا فبعيد فِي الْمَذْهَب وَالْقِيَاس إِذْ لَا خلاف أَن الزوح لَا يسْتَقلّ بِالْفَسْخِ وَلَو قبل النِّكَاح الْفَسْخ لَكَانَ لَا يمْنَع بِسَبَبِهَا كَمَا لَا يمْنَع الطَّلَاق وَفِيه إبِْطَال حَقّهَا وَلِأَنَّهُ لَا خلاف أَن الْخلْع قبل الْمَسِيس مشطر وَأَنه يجوز إِيرَاده على عوض جَدِيد وكل ذَلِك يُنَاقض معنى الْفَسْخ

(5/316)


الْفَصْل الثَّانِي فِي معنى نِسْبَة الْخلْع إِلَى الْمُعَامَلَات

فَنَقُول إِن جَعَلْنَاهُ فسخا فَهُوَ مُعَاوضَة مَحْضَة شَبيهَة بِالنِّكَاحِ وَإِن جَعَلْنَاهُ طَلَاقا أَو جرى الطَّلَاق على مَال فَهُوَ من جَانب الزَّوْج تَعْلِيق فِيهِ مشابه الْمُعَاوَضَات وَمن جَانبهَا مُعَاوضَة مَحْضَة فِيهَا فِيهَا مشابه الْجعَالَة وَلَا نعني بذلك أَن الحكم الْوَاحِد يتركب من أصلين فَإِن ذَلِك متناقض بل تجْرِي بعض الْأَحْكَام على قَاعِدَة التَّعْلِيق وَبَعضه على قانون الْمُعَاوضَة وَشرح ذَلِك من جَانِبه يَسْتَدْعِي تَفْصِيل الصَّبْغ وَله صِيغ
الأولى صِيغَة الْمُعَاوضَة وَهُوَ أَن يَقُول طَلقتك على ألف أَو أَنْت طَالِق على ألف فتتمحض فِي هَذِه الصِّيغَة قَضِيَّة الْمُعَاوَضَات وَيظْهر ذَلِك فِي أَرْبَعَة أُمُور
أَحدهَا أَنه لَو رَجَعَ قبل قبُولهَا لم يَقع الطَّلَاق كَمَا فِي البيع
وَالثَّانِي أَنه لَا بُد من قبُولهَا بِاللَّفْظِ
وَالثَّالِث أَنه لَا بُد من الْقبُول فِي الْمجْلس على الِاتِّصَال
وَالرَّابِع أَنه لَو قَالَ طَلقتك ثَلَاثًا على ألف فَقَالَت قبلت وَاحِدَة على ثلث الْألف لم يَقع كَمَا إِذا قَالَ بِعْتُك هَذَا العَبْد بِأَلف فَقَالَ قبلت ثلثه بِثلث الْألف فَإِنَّهُ لَا يَصح وَلَو قبلت وَاحِدَة على كَمَال الْألف فَالْأَصَحّ

(5/317)


أَنه يَقع لِأَنَّهَا وَافَقت فِي الْعِوَض وَلَيْسَ إِلَيْهَا عدد الطَّلَاق بِخِلَاف مَا لَو بَاعَ عَبْدَيْنِ بِأَلف فَقبل أَحدهمَا بِالْألف فَإِن الْأَصَح فِيهِ أَنه لَا يَصح لِأَن الْملك مَقْصُود للْمُشْتَرِي وَالطَّلَاق لَا يدْخل فِي ملكهَا ثمَّ قَالَ ابْن الْحداد لَا يَقع إِلَّا وَاحِدَة لِأَنَّهَا لم تقبل إِلَّا وَاحِدَة وَقَالَ الْقفال يَقع الثَّلَاث لِأَن قبُولهَا يعْتَبر للعوض فَقَط
ثمَّ الصَّحِيح أَنه يسْتَحق الْمُسَمّى وَعَن ابْن سُرَيج أَنه يسْتَحق مهر الْمثل
الصِّيغَة الثَّانِيَة أَن يُصَرح بِالتَّعْلِيقِ فَيَقُول مَتى مَا أَعْطَيْتنِي ألفا فَأَنت طَالِق فَهَذَا تَعْلِيق مَحْض من جَانِبه فَلَا يحْتَاج إِلَى الْقبُول لفظا وَلَا إِلَى الْإِعْطَاء فِي الْمجْلس وَلَا لَهُ الرُّجُوع قبل الْإِعْطَاء
الثَّالِثَة أَن يَقُول إِن أَعْطَيْتنِي ألفا فَأَنت طَالِق فَلَا يَصح رُجُوعه وَلَا يفْتَقر إِلَى قبُولهَا لفظا وَلَكِن يخْتَص الْإِعْطَاء بِالْمَجْلِسِ لِأَن قَوْله مَتى مَا صَرِيح فِي تَجْوِيز التَّأْخِير وَهَذَا مُتَرَدّد وقرينه الْعِوَض تشعر باستعجاله فِي الْمجْلس فَيخْتَص بِهِ وَلَا تطلق بالإعطاء بعد ذَلِك
أما جَانب الْمَرْأَة فاختلاعها مُعَاوضَة نازعة إِلَى الْجعَالَة لِأَن الطَّلَاق لَيْسَ إِلَيْهَا حَتَّى يتَطَرَّق إِلَى جَانبهَا مشابة التَّعْلِيق وَإِنَّمَا إِلَيْهَا بذل المَال فِي مُقَابلَة مَا يسْتَقلّ الزَّوْج بِهِ إِن شَاءَ
وَفَائِدَة هَذَا أَن لَهَا الرُّجُوع فِي جَمِيع الصُّور قبل الْجَواب حَتَّى لَو أَتَت أَيْضا بِصِيغَة التَّعْلِيق وَقَالَت إِن طلقتني فلك ألف ثمَّ رجعت قبل الْقبُول جَازَ وَيخْتَص الْجَواب أَيْضا بِالْمَجْلِسِ فَلَو طَلقهَا بعد ذَلِك لم يلْزمهَا الْعِوَض حَتَّى لَو قَالَت مَتى مَا طلقتني فلك ألف فَطلقهَا بعد مُدَّة حمل ذَلِك على الِاسْتِقْلَال لَا على الْجَواب لِأَنَّهُ قَادر على الِابْتِدَاء وَإِنَّمَا ينْصَرف إِلَى الْجَواب بِقَرِينَة التخاطب الْمُعْتَاد فِي الْمجْلس

(5/318)


وَإِنَّمَا نزوعها إِلَى الْجعَالَة يظْهر من شَيْئَيْنِ
أَحدهمَا أَنه احْتمل صِيغَة التَّعْلِيق مِنْهَا بِأَن تَقول إِن طلقتني فلك ألف كَمَا تَقول إِن رددت عَبدِي الْآبِق لِأَنَّهَا التمست مَا يسْتَقلّ الزَّوْج بِهِ وَيحْتَمل التَّعْلِيق بالأغرار
الثَّانِي أَنَّهَا لَو قَالَت طَلقنِي ثَلَاثًا على ألف فَقَالَ طَلقتك وَاحِدَة اسْتحق الثُّلُث كَمَا إِذا قَالَ إِن رددت عَبِيدِي الثَّلَاث فلك ألف فَرد وَاحِدًا اسْتحق الثُّلُث
وَكَذَلِكَ لَو قَالَتَا طلقنا على ألف فَطلق وَاحِدَة اسْتحق نصفهَا عَلَيْهَا وَهَذَا بِخِلَاف مَا لَو قَالَ الرجل طَلقتك ثَلَاثًا بِأَلف فَقَالَت قبلت وَاحِدَة على ثلث الْألف لم يَقع الطَّلَاق لِأَن مَا أَتَى بِهِ صِيغَة الْمُعَاوضَة فالتحقت بالمعاوضة وَمَا أَتَت بِهِ صِيغَة ضاهت الْجعَالَة فالتحق بهَا
وَلَو قَالَ الزَّوْج ابْتِدَاء خالعتكما على ألف وَقبلت وَاحِدَة مِنْهُمَا لم يَصح بِلَا خلاف لِأَن الْجَواب لم يُوَافق الْخطاب بِخِلَاف مَا إِذا قَالَتَا طلقتنا فَأجَاب إِحْدَاهمَا نفذ لِأَن ذَلِك مَأْخُوذ من الْجعَالَة وَكَذَلِكَ إِذا بَاعَ عبدا من رجلَيْنِ فَأجَاب أَحدهمَا وَقبل النّصْف لم يَصح على الْمَذْهَب وَإِن شغب أَصْحَاب الْخلاف بِمَنْع فِيهِ

(5/319)


وَلَو قَالَ خالعتك وضرتك فَقبلت صَحَّ لِأَنَّهَا العاقدة وَحدهَا وَإِنَّمَا المتعدد الْمَعْقُود عَلَيْهِ فَقَط وَلَو تخَلّل بَين إِيجَاب الْخلْع وقبوله كَلَام يسير لم يضر
وَقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَو قَالَتَا طلقنا وارتدتا فأجابها ثمَّ عادتا إِلَى الْإِسْلَام صَحَّ الْخلْع وَإِن تخَلّل كلمة الرِّدَّة إِلَّا أَن هَذَا كَلَام من الْمُخَاطب بعد تَمام خطابه وَإِنَّمَا النّظر فِي كَلَام الْقَابِل بعد الْإِيجَاب وَقبل الْقبُول وَالله أعلم

(5/320)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي أَرْكَان الْخلْع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَهِي خَمْسَة الصِّيغَة والعاقدان والعوضان وَإِذا تطرق الْخلَل إِلَى وَاحِدَة مِنْهَا فسد الْخلْع وَمعنى فَسَاده أَن يمْتَنع وُقُوع الطَّلَاق وَلَفظ الْبطلَان بِهَذَا أَحَق أَو يَنْقَلِب الطَّلَاق رَجْعِيًا أَو تنفذ البونه وَيفْسد الْعِوَض وَلَفظ الْفساد بِهَذَا أَحَق وتفصله بشرح الْأَركان
الرُّكْن الأول الْمُوجب وَشَرطه أَن يكون مُسْتقِلّا بِالطَّلَاق فَخلع الصَّبِي بَاطِل وخلع العَبْد صَحِيح والعوض يدْخل فِي ملك سَيّده قهرا فَهَذَا كالاكتساب
وخلع الْمَحْجُور بالفلس والسفة صَحِيح لِأَن طَلَاقه ينفذ من غير مَال فَهُوَ مَعَ المَال أولى وَلَا حجر عَلَيْهِم فِي مِقْدَار الْعِوَض وَإِن نقص عَن مهر الْمثل إِذْ ينفذ طلاقهم مجَّانا إِلَّا أَن المختلعة من السَّفِيه لَا تَبرأ عَن الْعِوَض إِلَّا بِالتَّسْلِيمِ إِلَى الْوَلِيّ فَإِن سلمت إِلَى السَّفِيه لم تَبرأ

(5/321)


الرُّكْن الثَّانِي الْعَاقِد

وَشَرطه أَن يكون أَهلا لالتزام المَال غير مَحْجُور عَلَيْهِ
وَأَسْبَاب الْحجر خَمْسَة

الأول الرّقّ فَإِذا اخْتلعت الْأمة بِإِذن سَيِّدهَا بِعَين مَاله صَحَّ وَاسْتحق الزَّوْج عين المَال وَإِن اخْتلعت بدين هَل يكون السَّيِّد ضَامِنا بِالْإِذْنِ فِيهِ خلاف كَمَا فِي نِكَاح العَبْد وَإِن اسْتَقَلت بالاختلاع فسد الْخلْع ونفذت الْبَيْنُونَة وَتعلق مهر الْمثل بذمتها تطالب بِهِ إِذا أعتقت وَفِيه وَجه أَنه تطالب بِالْمُسَمّى إِذا عتقت وَيصِح الْمُسَمّى وَهُوَ ملتفت إِلَى الْوَجْه الْمَذْكُور فِي صِحَة شِرَاء العَبْد وضمانه وتعلقه بِذِمَّتِهِ
السَّبَب الثَّانِي حجر الْمُكَاتبَة والتزامها المَال فِي الْخلْع تبرع فَإِن اسْتَقَلت فَهِيَ كالأمة وَإِن اخْتلعت بِإِذن السَّيِّد يبْنى على أَن تبرعها هَل ينفذ بِإِذن السَّيِّد وَإِنَّمَا جعل تَبَرعا لِأَنَّهُ لم يحصل فِي مُقَابلَته مَال
السَّبَب الثَّالِث الْحجر بالسفة وَإِذا اخْتلعت السفيهة وَلَو بِإِذن الْوَلِيّ لم يثبت المَال للحجر وَامْتنع الْخلْع وَنفذ طَلَاقا رَجْعِيًا إِذا قبلت لِأَن لَفظهَا صَحِيح فِي الْقبُول وَلَا بُد من الْقبُول لاقْتِضَاء الصِّيغَة ذَلِك
السَّبَب الرَّابِع الْحجر بِالصَّبِيِّ فَلَا يَصح اختلاع الصبية لفساد لَفظهَا فِي

(5/322)


الْقبُول بِخِلَاف السفيهة وَمِنْهُم من قَالَ يَقع الطَّلَاق هَا هُنَا أَيْضا رَجْعِيًا وَيكون كَمَا لَو قَالَ للصبية أَنْت طَالِق إِن شِئْت فَقَالَت شِئْت لِأَن قبُول قَول السفيهة أَيْضا سَاقِط فِي الِالْتِزَام
السَّبَب الْخَامِس الْحجر بِالْمرضِ وَيجوز اختلاع الْمَرِيضَة بِمهْر الْمثل وَلَا يحْتَسب من الثُّلُث إِذْ غايتها أَنَّهَا صرفت المَال إِلَى أغراضها فِي حَيَاتهَا وَلها ذَلِك بِخِلَاف السفيهة وَالْمُكَاتبَة وَهُوَ كَمَا لَو نكح الْمَرِيض أَبْكَارًا بمهور أمثالهن وَهُوَ مستغن عَنْهُن جَازَ ذَلِك
وَأما الزِّيَادَة على مهر الْمثل فيحسب من الثُّلُث وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحْمَة الله عَلَيْهِ أصل الْمهْر يحْسب من الثُّلُث

(5/323)


الرُّكْن الثَّالِث المعوض

وَهُوَ الْبضْع وَشَرطه أَن يكون مَمْلُوكا للزَّوْج فَلَا يجوز للزَّوْج مخالعة
المختلعة وَإِن كَانَت بعد فِي الْعدة إِذْ لَا ملك وَوَافَقَ على هَذَا أَبُو حنيفَة رَحمَه الله وَإِن خَالَفنَا فِي لُحُوق الطَّلَاق إِيَّاهَا
وَأما الْمُرْتَدَّة بعد الْمَسِيس إِذا خَالعهَا صَحَّ إِن عَادَتْ إِلَى الْإِسْلَام قبل انْقِضَاء الْعدة وَإِن أصرت تبين الْفساد وَله الْتِفَات إِلَى وقف الْعُقُود
وَأما الرَّجْعِيَّة فَفِي مخالعتها قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه يَصح لِأَن الْملك قَائِم

(5/324)


وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لأجل والطلقة الثَّانِيَة لَا تفِيد فِي حَقّهَا أمرا جَدِيدا فَينفذ طَلَاقا رَجْعِيًا كَمَا فِي السفيهة
وَفِيه وَجه آخر أَنه يَصح مخالعتها بالثالثة دون الثَّانِيَة إِذْ الثَّانِيَة لَا تفيدها شَيْئا جَدِيدا وَهُوَ بعيد

(5/325)


الرُّكْن الرَّابِع الْعِوَض

وَشَرطه أَن يكون متمولا مَعْلُوما وَبِالْجُمْلَةِ يشْتَرط فِيهِ شَرَائِط الْمَبِيع وَالثمن فَإِن خَالع على مَجْهُول فسد الْعِوَض ونفذت الْبَيْنُونَة وَالرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل
وَإِن خَالع على خمر أَو خِنْزِير أَو مَغْصُوب أَو حر أَو شَيْء مِمَّا يقْصد وَهُوَ غير مَعْلُوم فسد الْعِوَض وَالرُّجُوع إِلَى الْقيمَة أَو مهر الْمثل فِيهِ قَولَانِ كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الصَدَاق وَلَو خَالع على دم وَقع طَلَاق رَجْعِيًا لِأَن ذَلِك لَا يقْصد بِحَال وَالْميتَة كَالْخمرِ لَا كَالدَّمِ فَإِنَّهَا قد تقصد لطعمة الْجَوَارِح وَالتَّفْصِيل فِي هَذَا كالتفصيل فِي الصَدَاق
فرع إِذا قَالَ خالعتك على مَا فِي كفك صَحَّ الْخلْع إِن صححنا بيع الْغَائِب وَنزل على مَا فِي كفها وَإِن لم نصحح فسد الْعِوَض وَالرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل وَلَا يرجع إِلَى قِيمَته أصلا لِأَن مَأْخَذ الرُّجُوع إِلَى الْقيمَة الرِّضَا بالمالية وَالرِّضَا بِالْمَجْهُولِ لَا يتَصَوَّر وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِن لم يكن فِي كفها شيئ نزل على ثَلَاثَة دَرَاهِم وَلَعَلَّه يَقُول مَعْنَاهُ مَا فِي كفها الْمَقْبُوض من عُقُود الْحساب وَلَيْسَ

(5/326)


فِيهِ إِلَّا ثَلَاثَة إِذْ لَا معنى لقبض الْإِبْهَام والسبابة فِي الْحساب ثمَّ يرى تَنْزِيله من الْأَعْدَاد على النَّقْد أولى وَمن النُّقُود على الْأَدْنَى وَهُوَ الدَّرَاهِم
وَالْوَجْه تنفيذه رَجْعِيًا فَإِن مَا ذكره وَإِن تكلفنا لَهُ خيالا فَهُوَ تعسف ظَاهر
وَمِمَّا يتَعَلَّق بِالْعِوَضِ مُوَافقَة الْوَكِيل ومخالفته وَالنَّظَر فِي وَكيله ووكيلها
أما وَكيله فَإِن قَالَ لَهُ خَالع بِمِائَة فخالع بهَا أَو بِمَا فَوْقهَا صَحَّ وَإِن نقص لم ينفذ الطَّلَاق لمُخَالفَته وَإِن قَالَ خَالع مُطلقًا نفذ خلعه بِمهْر الْمثل فَمَا فَوْقه
فَإِن نقص فالنص فِي الْإِمْلَاء أَنه لَا يبطل لِأَنَّهُ أذن مُطلقًا فَيتَنَاوَل ذَلِك بِعُمُومِهِ وَإِنَّمَا ينزل فِي البيع على ثمن الْمثل للْعُرْف الْجَارِي فِي مَقْصُود الْأَمْوَال إِذْ لَا مَقْصُود فِيهَا سوى الْمَالِيَّة وَفِيه قَول مخرج أَنه يبطل كَمَا لَو عين الْمِقْدَار وَله اتجاه
وَفِي مَسْأَلَة تعْيين الْمِقْدَار قَول مخرج من هَذِه الْمَسْأَلَة أَنه لَا يبطل وَإِن نقص وَهُوَ ضَعِيف
فَإِن فرعنا على النَّص وَهُوَ أَنه لَا يبطل فَمَا الَّذِي يحصل فِيهِ طَرِيقَانِ
أَحدهمَا ذكه الشَّيْخ أَبُو عَليّ أَن للزَّوْج الْخِيَار وَلَكِن فِي تخيره قَولَانِ
أَحدهمَا أَن مَعْنَاهُ أَنه إِن رَضِي بذلك نفذ وَقد قنع بِالْمُسَمّى وَإِلَّا امْتنع الطَّلَاق وَلَا يَنْبَغِي أَن يُؤْخَذ هَذَا من وقف الْعُقُود بل مأخذه أَن لَفظه عَام وَله أَن يَقُول اردت بِهِ مهر الْمثل وعلامة ذَلِك أَن لَا يرضى بِالْمُسَمّى فَإِن رَضِي بِالْمُسَمّى

(5/327)


فَكَأَنَّهُ أَرَادَ ذَلِك بِالْعُمُومِ
وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه إِن شَاءَ قنع بِالْمُسَمّى وَإِلَّا صَار الطَّلَاق رَجْعِيًا وَامْتنع الْعِوَض أصلا إِذْ رد الطَّلَاق لخيرته بعيد وتكليفها مهر الْمثل وَمَا رضيت إِلَّا بِالْمُسَمّى بعيد
الطَّرِيقَة الثَّانِيَة نقل الْقَوْلَيْنِ على وَجه آخر
أَحدهمَا أَنه لَا خِيَار لَهُ إِلَّا بَين الْمُسَمّى وَمهر الْمثل فَأَما الطَّلَاق فَلَا خِيَار فِيهِ
وَالثَّانِي أَنه لَا خِيَار لَهُ أصلا بل فسد الْعِوَض وَالرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل وَهَذِه الطَّرِيقَة أَقيس وَيحصل من هَذِه الاختلافات خَمْسَة أَقْوَال إِذا جمعت
أما وكيلها بالاختلاع بِمِائَة إِن وَافق أَو نقص صَحَّ وَإِن زَاد فالنص وُقُوع الْبَيْنُونَة وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنه لَا ينفذ وَهُوَ الْقيَاس لِأَنَّهُ خَالف وَلم يَجْعَل اخْتِيَاره تخريجا مَعَ اتجاهه
ثمَّ فِيمَا يلْزمهَا على النَّص قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه يفْسد الْمُسَمّى وَاللَّازِم مهر الْمثل
وَالثَّانِي أَنه يلْزمهَا مَا سمت وَزِيَادَة الْوَكِيل أَيْضا تلزمها إِلَّا مَا جَاوز من زِيَادَة مهر الْمثل فَإِنَّهَا لَا تلْزم
هَذَا إِذا أضَاف الْوَكِيل الاختلاع إِلَى مَالهَا فَإِن أضَاف إِلَى نَفسه نفذ وَلزِمَ

(5/328)


الْوَكِيل تَمام مَا سمى وَلَيْسَ عَلَيْهَا شَيْء لِأَن اختلاع الْأَجْنَبِيّ بِنَفسِهِ صَحِيح
وَإِن أطلق الْوَكِيل وَلم يضف إِلَيْهَا وَلَا إِلَى نَفسه فالبينونة حَاصِلَة على النَّص وَفِيمَا يلْزمه قَولَانِ
أَحدهمَا أَن عَلَيْهَا مَا سمت وَالزِّيَادَة على الْوَكِيل كَأَنَّهُ قد افتداها بِمَا سمت وَزِيَادَة من عِنْد نَفسه
وَالثَّانِي أَن الزِّيَادَة عَلَيْهَا أَيْضا مَا لم يُجَاوز مهر الْمثل فَمَا جَاوز مهر الْمثل فَهُوَ على الْوَكِيل وَقِيَاس مَذْهَب الْمُزنِيّ صِحَة الْخلْع من الْأَجْنَبِيّ وانصرافه عَنْهَا كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِمِائَة إِذا زَاد فَإِنَّهُ يَقع عَنهُ إِذا لم يُصَرح بالأضافة إِلَى الْمُوكل
فَأَما إِذا أضَاف الْوَكِيل المَال إِلَيْهَا وَضمن قَالَ الصيدلاني هُوَ كَمَا لَو أطلق الْوَكِيل وَهَذَا ضَعِيف بل الْإِضَافَة إِذا فَسدتْ فَالضَّمَان الْمُرَتّب عَلَيْهِ لَا يَصح وَلَا يُؤثر فِيهِ
هَذَا كُله إِذا عينت مائَة فَإِن أَذِنت مُطلقًا قطع الْأَصْحَاب بِأَن ذَلِك كالمقدر بِمهْر الْمثل والمصرح بِهِ
هَذَا كُله فِي الْمُخَالفَة بالمقدار فَلَو خَالف فِي الْجِنْس بِأَن قَالَت اختلعني بِالدَّرَاهِمِ فاختلع بِالدَّنَانِيرِ قَالَ القَاضِي انْصَرف الْخلْع عَنْهَا لِأَنَّهُ مُخَالف بِخِلَاف مَا إِذا زَاد فَإِنَّهُ أَتَى بِمَا أمرت وَزِيَادَة وَهَذَا يُؤَكد اخْتِيَار الْمُزنِيّ لِأَن الْفساد هَاهُنَا أَيْضا فِي الْعِوَض

(5/329)


الرُّكْن الْخَامِس الصِّيغَة

وَفِيه مسَائِل
إحدها أَنه لَو قَالَ طَلقتك بِدِينَار على أَن لي الرّجْعَة فَفِي الْمَسْأَلَة قَولَانِ
أَحدهمَا وَهُوَ الَّذِي نَقله الْمُزنِيّ أَن الْعِوَض يسْقط وَينفذ الطَّلَاق رَجْعِيًا إِذْ لَا جمع بَين الْعِوَض وَالرَّجْعَة والعوض هُوَ الْمُحْتَاج إِلَى إثْبَاته دون الرّجْعَة فيندفع بِذكر الرّجْعَة
وَالثَّانِي وَهُوَ الْقيَاس وَقد نَقله الرّبيع وَاخْتَارَهُ الْمُزنِيّ أَن الْعِوَض يفْسد لاقتران الشَّرْط بِهِ وتنفذ بينونة على مهر الْمثل لِأَن دفع الرّجْعَة أَهْون من دفع الْبَيْنُونَة
الثَّانِيَة الْمَرْأَة تتوكل فِي الاختلاع وَهل تتوكل فِي الْخلْع فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنَّهَا لَا تقدر على الِاسْتِقْلَال بِالْخلْعِ وَيجْرِي الْخلاف فِي توكلها بالتطليق مَعَ أَنه لَا خلاف أَنه لَو قَالَ لَهَا زَوجهَا طَلِّقِي نَفسك فَقَالَت طلقت ينفذ وَلَكِن هُوَ تمْلِيك أَو تَوْكِيل فِيهِ خلاف
الثَّالِثَة الْوَكِيل بِالْخلْعِ هَل يتَوَلَّى طرفِي الْخلْع فِيهِ وَجْهَان وَمن جوز ذَلِك

(5/330)


على خلاف البيع وَالنِّكَاح علل ذَلِك بِأَن الْخلْع يَكْفِي فِيهِ اللَّفْظ من أحد الْجَانِبَيْنِ فَإِنَّهُ لَو قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي ألفا فَأَنت طَالِق فأعطت حصلت الْبَيْنُونَة
الرَّابِعَة لَو خَالعهَا على أَن ترْضع وَلَده حَوْلَيْنِ صَحَّ الِاسْتِئْجَار وَالْخلْع وَلَو أضَاف إِلَيْهِ الْحَضَانَة جَازَ وَلَو أضَاف إِلَيْهِ نَفَقَة عشر سِنِين مثلا وقدرها ووصفها بِحَيْثُ يجوز فِيهِ السّلم انبنى على تَجْوِيز الْجمع بَين صفقتين مختلفتين فَإِن أفسدنا فالرجوع إِلَى مهر الْمثل أَو إِلَى بدل هَذِه الْأَشْيَاء فعلى قَوْلَيْنِ
وَمِنْهُم من قطع هَاهُنَا بِأَن الرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل إِذْ لَو جَوَّزنَا الرُّجُوع إِلَى أبدال مُخْتَلفَة لصححنا العقد على أبدال مُخْتَلفَة وَمِنْهُم من قَالَ وَإِن لم نصحح الْجمع بَين صفقتين مختلفتين جَوَّزنَا هَاهُنَا لِأَن النَّفَقَة هَاهُنَا تَابع للحضانة غير مَقْصُود
التَّفْرِيع إِن صححنا وعاش الْوَلَد واستوفاه فَإِن كَانَ زهيدا فَالزِّيَادَة للزَّوْج وَإِن كَانَ رغيبا فَالزِّيَادَة على الزَّوْج
وَلَو مَاتَ فِي وسط الْمدَّة فَلَا يخفى حكم تَفْرِيق الصَّفْقَة بِسَبَب الِانْفِسَاخ فِي الْبَعْض وَوجه التَّفْرِيع عَلَيْهِ

(5/331)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي مُوجب لفظ الزَّوْج فِي إِلْزَام الْعِوَض وتسليمه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَفِيه فُصُول
الْفَصْل الأول فِي الْأَلْفَاظ الملزمة وَحكمهَا

وَفِيه مَسْأَلَتَانِ
الأولى أَن الملزم الصَّرِيح قَوْله أَنْت طَالِق على ألف أَو طَلقتك على ألف فَلَو قَالَ أَنْت طَالِق ولي عَلَيْك ألف وَقع الطَّلَاق رَجْعِيًا لِأَنَّهُ صِيغَة إِخْبَار لَا صِيغَة إِلْزَام وَقَوله أَنْت طَالِق مُسْتَقل فَينفذ وَيَلْغُو قَوْله ولي عَلَيْك ألف كَمَا لَو قَالَ وَعَلَيْك حجَّة وَلَو قَالَ أردْت مَا يُريدهُ أَنه قصد ذَلِك فَمن الْأَصْحَاب من قَالَ ينزل عَلَيْهِ وَتلْزم الْألف وَمِنْهُم من قَالَ لَا أثر للتوافق إِذْ اللَّفْظ غير صَالح لَهُ
أما إِذا قَالَ أَنْت طَالِق على أَن لي عَلَيْك ألفا فَظَاهر هَذَا أَنه شَرط وَالطَّلَاق

(5/332)


لَا يقبل الشَّرْط فَيلْغُو وَلكنه لَو قَالَ أردْت الْإِلْزَام فَهَذَا أدل على الْإِلْزَام
من الصِّيغَة الأولى وَلَكِن قَالَ صَاحب التَّقْرِيب لَا يقبل وَفِي كَلَام

(5/333)


غَيره مَا يدل على الْقبُول
وَإِن قَالَ عنيت أَنْت طَالِق إِن ضمنت لي ألفا قبل وَذَلِكَ لَو صرح بِهِ لاقتضى ضمانا فِي الْمجْلس كالتعليق بالإعطاء إِلَّا أَن يَقُول أَنْت طَالِق مَتى ضمنت لي ألفا فَإِن ذَلِك لَا يخْتَص بِالْمَجْلِسِ
وَلَو قَالَ أَمرك بِيَدِك فطلقي نَفسك إِن ضمنت لي ألفا فَإِن جعلنَا التَّفْوِيض تَمْلِيكًا اخْتصَّ الْجَواب بِالْمَجْلِسِ وَإِن جَعَلْنَاهُ توكيلا لم يخْتَص ثمَّ سَبِيلهَا أَن تَقول ضمنت الْألف وَطلقت أَو طلقت وضمنت الْألف فَيَقَع الطَّلَاق وَالضَّمان مَعًا
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة ذكرنَا أَن الْجَواب يخْتَص بِالْمَجْلِسِ فِيمَا يَسْتَدْعِي الْجَواب وَلَو قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي أَو أدّيت إِلَيّ ألفا أَو أقبضتنى لم يستدع الْجَواب بِاللَّفْظِ واختص بِالْمَجْلِسِ لقَرِينَة الْعِوَض وَفِيه وَجه بعيد أَنه لَا يخْتَص كالتعليقات كلهَا وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ أَنْت طَالِق إِن شِئْت اخْتصَّ الْجَواب بِالْمَجْلِسِ لِأَن

(5/334)


التَّعْلِيق بِالْمَشِيئَةِ يشبه استدعاء جَوَاب وَقبُول وَكَذَلِكَ لَو قَالَ أَنْت طَالِق على ألف إِن شِئْت فَقَالَت شِئْت وَقبلت اخْتصَّ بِالْمَجْلِسِ وَصَحَّ وَيَكْفِي قَوْلهَا شِئْت أَو قبلت إِ ذ أَحدهمَا يُؤَدِّي الْمَعْنيين جَمِيعًا وَفِيه وَجه أَنه لَا بُد مِنْهُمَا جَمِيعًا وَيلْزم عَلَيْهِ تَجْوِيز الرُّجُوع قبل الْقبُول لِأَنَّهُ يغلب فِيهِ مشابه الْمُعَاوضَة
وَلَو قَالَت الْمَرْأَة طَلقنِي على ألف فَقَالَ أَنْت طَالِق على ألف شِئْت لم يكن جَوَابا بل كَانَ كلَاما مستأنفا يَسْتَدْعِي مِنْهَا جَوَابا مستأنفا

(5/335)


الْفَصْل الثَّانِي فِي حكم الْإِعْطَاء

فَنَقُول إِذا قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي ألفا فَأَنت طَالِق فالإعطاء هُوَ أَن تضع بَين يَدَيْهِ وَلَيْسَ يشْتَرط قَبضه بِالْيَدِ إِلَّا إِذا قَالَ إِن أقبضتني فَلَا بُد من قَبضه عِنْد ذَلِك
ثمَّ إِذا وضعت بَين يَدَيْهِ وَقع الطَّلَاق وَدخل فِي ملك الزَّوْج وَلم يجز لَهَا الرُّجُوع وَفِي دُخُوله فِي ملك الرجل من غير لفظ مِنْهَا إِشْكَال يُؤَيّد تَجْوِيز المعاطاة لِأَنَّهَا لم تملك وَلَا سبق مِنْهَا الْتِزَام لقبُول إِذْ لَا يشْتَرط الْقبُول
لَكِن الْمَذْهَب مَا ذَكرْنَاهُ وَسَببه أَن التَّعْلِيق يَقْتَضِي وُقُوع الطَّلَاق عِنْد الْإِعْطَاء ثمَّ لَا يُمكن إِيقَاعه مجَّانا مَعَ قصد الْعِوَض فَيدْخل فِي ملكه لضَرُورَة وُقُوع الطَّلَاق وَعَن هَذَا الْإِشْكَال حكى الشَّيْخ أَبُو عَليّ وَجها أَن الطَّلَاق يَقع وَيرد الْمُعْطِي عَلَيْهَا ويلزمها مهر الْمثل وَهَذَا منقاس وَلكنه غَرِيب وَهَذَا الْوَجْه يجْرِي فِي قَوْله إِن ضمنت لي الْفَا فَأَنت طَالِق لِأَنَّهُ إِذا قَالَت ضمنت وَقع الطَّلَاق بِحكم التَّعْلِيق وَلذَلِك يتَصَوَّر تَأَخره عَن الْمجْلس ولزومه بِمُجَرَّد قَوْلهَا ضمنت مُشكل لدُخُوله فِي ملكه بِمُجَرَّد الْإِعْطَاء
أما إِذا قَالَ إِن أقبضتني ألفا فَأَنت طَالِق طلقت بالإقباض طَلَاقا رَجْعِيًا وَلم يملكهُ الزَّوْج لِأَن بالإعطاء ينبنيء عَن الْملك دون الْإِقْبَاض وَمِنْهُم من ألحق الْإِقْبَاض فِي اقْتِضَاء الْملك
وَمن حكم التَّعْلِيق أَيْضا أَنه لَو قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي ألفا فَأَنت طَالِق فأعطت أَلفَيْنِ طلقت وَملك الزَّوْج ألفا لِأَن الْأَلفَيْنِ مُشْتَمل على الْألف فقد وجدت الصّفة بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ خالعتك بِأَلف فَقَالَت قبلت بِأَلفَيْنِ لم يَصح لِأَنَّهُ جَوَاب لم يُوَافق الْخطاب وَالله أعلم

(5/336)


الْفَصْل الثَّالِث فِي التَّعْلِيق بِالنَّقْدِ

وَفِيه مسَائِل
الأولى إِن قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي ألف دِرْهَم فَأَنت طَالِق وَفِي الْبَلَد نقود مُخْتَلفَة كلهَا نقرة خَالِصَة لَكِن الْغَالِب فِي الْمُعَامَلَة وَاحِد فَأَتَت بالغالب طلقت وَملك الزَّوْج
وَلَو أَتَت بِغَيْر الْغَالِب طلقت وَلم يملك الزَّوْج بل يجب إِبْدَاله بالغالب وَإِنَّمَا طلقت لعُمُوم لفظ التَّعْلِيق وَالْعرْف إِنَّمَا يُؤثر فِي الْمُعَامَلَات
أما التَّعْلِيق فَلَا يَقع غَالِبا حتما يُؤثر الْعرف فِي تعْيين الْعُمُوم وَكَذَلِكَ لَا يُؤثر فِي الْإِقْرَار حَتَّى لَو قَالَ عَليّ ألف فَلهُ أَن يسلم كل مَا ينْطَلق عَلَيْهِ الِاسْم لِأَن الْمُوجب السَّبَب هُوَ الْمخبر عَنهُ وَذَلِكَ مَجْهُول فَكيف يحكم الْعرف فِيهِ نعم لَو قَالَ أَنْت طَالِق على ألف نزل على الْغَالِب لِأَن هَذِه مُعَاملَة فتفارق التَّعْلِيق وَالْإِقْرَار وَبَقِي الْإِشْكَال فِي أَنه وَجب إِبْدَاله فِي الْغَالِب وَسَببه أَن ملك من حكم الْمُعَامَلَة فَينزل على الْغَالِب وَعند هَذَا صَار وَجه الشَّيْخ أبي عَليّ فِي الرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل أوجه لِأَنَّهُ إِن لم يكن الْمُعْطى هُوَ المُرَاد فَلم طلقت وَإِن كَانَ هُوَ المُرَاد فَلم يجب الْإِبْدَال فَإِن جَازَ الْإِبْدَال فالرجوع إِلَى مهر الْمثل أولى وَقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَو كَانَ الْألف الْغَالِب معيبا فَإِذا جَاءَت بِهِ طلقت

(5/337)


وَرجع الزَّوْج عَلَيْهَا بالسليم وَهَذَا يزِيد فِي الْإِشْكَال الَّذِي ذَكرْنَاهُ
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا كَانَ فِي الْبَلَد دَرَاهِم نَاقِصَة فِي الْوَزْن عَلَيْهَا التَّعَامُل بِالْعدَدِ وَهِي نقرة خَالِصَة فلفط الْإِقْرَار وَالتَّعْلِيق لَا ينزل عَلَيْهَا بل على الوازنة الْكَامِلَة لِأَن الْعرف لَا يُؤثر فِيهَا نعم مُطلق البيع هَل ينزل عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا نعم لعرف الْمُعَامَلَة
وَالثَّانِي لَا لِأَن اللَّفْظ صَرِيح فِي الموازنة التَّامَّة وَالْفرق لَا يُغير الصَّرِيح إِنَّمَا يخصص الْعُمُوم عِنْد شُمُول اللَّفْظ
نعم لَو فسر الْإِقْرَار بالناقصة هَل يقبل فِيهَا وَجْهَان وَكَذَا فِي تَفْسِير الْمُعَلق بالمعتاد فِيهِ وَجْهَان وَإِنَّمَا يجْرِي الْخلاف فِي التَّعْلِيق فِي العددية الزَّائِدَة أما النَّاقِصَة فَيقبل التَّفْسِير فِي الْمُعَلق بهَا لِأَنَّهُ توسيع لباب الطَّلَاق
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة إِذا كَانَ الْغَالِب دَرَاهِم مغشوشة فَلَا ينزل عَلَيْهَا إِقْرَار وَتَعْلِيق لَكِن تصح الْمُعَامَلَة عَلَيْهَا إِن كَانَ قدر النقرة مَعْلُوما وَإِن كَانَ مَجْهُولا فَفِي صِحَة الْمُعَامَلَة على أعيانها وَجْهَان وَالصَّحِيح أَنه يقبل تَفْسِير الْمقر بهَا إِذا غلبت فِي الْمُعَامَلَة

(5/338)


الْفَصْل الرَّابِع فِي التَّعْلِيق بِإِعْطَاء ثوب أَو عبد

وَفِيه مسَائِل
الأولى إِذا قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي عبدا من صفته كَيْت وَكَيْت وَوَصفه إِلَى حد يجوز السّلم فِيهِ فَإِذا أَتَت بِمثلِهِ طلقت وَدخل فِي ملكه
أما إِذا قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي عبدا وَاقْتصر فمهما أَتَت بِعَبْد سليم أَو معيب كَيْفَمَا كَانَ طلقت وَالرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل لِأَنَّهُ مَجْهُول فَلَا يُمكن الرُّجُوع إِلَى قِيمَته وَإِن أَتَت بِعَبْد مَغْصُوب فَفِي وُقُوع الطَّلَاق وَجْهَان
أَحدهمَا يَقع لحُصُول الِاسْم وَلِأَن الرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل فَلَا معنى لاشْتِرَاط الْملك
وَالثَّانِي لَا يَقع لِأَن لفظ الْإِعْطَاء يُنبئ عَمَّا تقدر الْمَرْأَة على إِعْطَائِهِ
التَّفْرِيع إِن شرطنا الْملك فَلَو قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي خمرًا فَهَل تكون الْخمر الْمَغْصُوبَة المحترمة كَالَّتِي لم تغصب فِيهِ تردد من حَيْثُ إِن الْملك غير مُتَصَوّر فِيهَا لَكِن الِاخْتِصَاص الْمُمكن فِيهِ لَا يبعد أَن يعْتَبر
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا عين عبدا فَقَالَ إِن أَعْطَيْتنِي هَذَا العَبْد وَقع الطَّلَاق بإعطائه وَملكه فَإِن كَانَ معيبا طلقت بِحكم التَّعْلِيق وَلَكِن يرد عَلَيْهَا

(5/339)


وَرجع إِلَى قيمَة السَّلِيم أَو إِلَى مهر الْمثل على اخْتِلَاف قَوْلَيْنِ وَإِن خرج مُسْتَحقّا قَالَ ابْن أبي هُرَيْرَة نتبين أَن الطَّلَاق غير وَاقع لِأَنَّهُ غير قَابل للإعطاء
وَقَالَ القَاضِي طلقت وَالرُّجُوع إِلَى الْبَدَل لِأَنَّهَا أَعْطَتْ مَا عينه الزَّوْج
فَلَو صرح وَقَالَ إِن أعطتني هَذَا العَبْد الْمَغْصُوب فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِوُقُوع الطَّلَاق لتصريحه
ثمَّ إِذا صححنا رَجَعَ إِلَى مهر الْمثل وَفِيه وَجه أَنه يَقع الطَّلَاق رَجْعِيًا لِأَنَّهُ قنع بِغَيْر شَيْء وَقيل يطرد هَذَا فِيمَا لَو قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي خمرًا وَهُوَ بعيد فِي الْمَذْهَب
أما إِذا قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي هَذَا الْحر فَالظَّاهِر أَن الطَّلَاق يَقع بأعطائه رَجْعِيًا لِأَن الصِّيغَة فَاسِدَة لَا تصلح لطلب الْعِوَض وَقيل إِن ذَلِك كالمغصوب وَالْخمر
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة لَو قَالَ إِن أعطتني هَذَا الثَّوْب وَهُوَ مَرْوِيّ فَسلمت فَإِذا هُوَ هروي لم تطلق لعدم الشَّرْط
أما إِذا قَالَ إِن أعطتني هَذَا الثَّوْب الْمَرْوِيّ فَإِذا هُوَ هروي فَفِيهِ تردد لِأَنَّهُ

(5/340)


مُتَرَدّد بَين صِيغَة الشَّرْط والإخبار على وَجه خطأ فَإِن لم نجعله شرطا وَقع الطَّلَاق بِتَسْلِيمِهِ
وَلَو قَالَ خالعتك على هَذَا الثَّوْب على أَنه هروي فَإِذا هُوَ مَرْوِيّ وَقعت الْبَيْنُونَة سَوَاء وجد الْوَصْف أَو لم يُوجد وَلَكِن إِن أخلف الْوَصْف ثَبت خِيَار الْخلف فِي الْعِوَض وَفَائِدَته الرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل أَو بدله

(5/341)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فِي سُؤال الطَّلَاق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَفِيه فُصُول
الْفَصْل الأول فِي ألفاظها فِي الالتماس

وَفِيه مسَائِل
الأولى إِذا قَالَت مَتى طلقتني فلك ألف اخْتصَّ الْجَواب بِالْمَجْلِسِ
بِخِلَاف قَول الزَّوْج مَتى مَا أَعْطَيْتنِي ألفا فَأَنت طَالِق فَإِنَّهَا تطلق وَإِن أَعْطَتْ فِي غير الْمجْلس لِأَن الْغَالِب على جَانِبه التعلقق وعَلى جَانبهَا الْمُعَاوضَة فَلذَلِك افْتَرقَا
الثَّانِيَة لَو قَالَت إِن طلقتني فَأَنت بَرِيء من الصَدَاق فَقَالَ طلقت نفذ رَجْعِيًا وَلم يبرأ عَن الصَدَاق لِأَن تَعْلِيق الْإِبْرَاء لَا يَصح وَطَلَاق الزَّوْج طَمَعا فِي الْبَرَاءَة من غير لفظ صَحِيح مِنْهَا فِي الِالْتِزَام لَا يُوجب شَيْئا عَلَيْهَا
الثَّالِثَة إِذا قَالَت طَلقنِي وَلَك عَليّ ألف فَطلقهَا لَزِمَهَا الْألف وَهَذِه الصِّيغَة مِنْهَا تصلح للالتزام بِخِلَاف مَا لَو قَالَ طَلقتك ولي عَلَيْك ألف فَإِن ذَلِك لَا يصلح لإلزامها فَيحمل على الْإِخْبَار وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يلْزمهَا يالحال بذلك وَسوى فِيهِ بَين الزَّوْجَيْنِ

(5/342)


لِأَصْحَابِنَا وَجه مُوَافق مذْهبه وَلَا يطرد ذَلِك الْوَجْه فِي الْجعَالَة بل هَذِه الصِّيغَة ملزمة فِي الْجعَالَة
وَلَو قَالَ بِعني وَلَك عَليّ ألف فقد قيل إِن ذَلِك كالخلع والجعالة
وَقيل إِن ذَلِك لَا يحْتَمل فِي البيع
الرَّابِعَة لَو قَالَت طَلقنِي على ألف فَقَالَ طَلقتك وَلم يذكر المَال فَإِن قَالَ لم أقصد الْجَواب قبل وَفَائِدَته ثُبُوت الرّجْعَة بِخِلَاف مَا إِذا قيل لَهُ أطلقت زَوجتك فَقَالَ نعم ثمَّ قَالَ لم أقصد الْجَواب لم يقبل لِأَن قَوْله نعم لَا يسْتَقلّ بِنَفسِهِ فَيتَعَيَّن للجواب وَكَذَلِكَ مُجَرّد قَوْله اشْتريت

(5/343)


دون ذكر المَال يتَعَيَّن للجواب مهما قيل لَهُ بِعْت مِنْك
الْخَامِسَة إِذا صدر مِنْهَا كِنَايَة كقولها أبني وَقَوله أبنتك فَإِن نويا نفذ وَإِن لم ينويا لَغَا وَإِن نَوَت دونه لم ينفذ لِأَن اعْتِمَاد الْبَيْنُونَة على جَانِبه
وَإِن نوى دونهَا نظر
فَإِن جرى ذكر المَال من الْجَانِبَيْنِ لم ينفذ لِأَنَّهُ لَا يَصح التزامها من غير نِيَّة الْفِرَاق
وَإِن لم يجر من الْجَانِبَيْنِ نفذ الطَّلَاق رَجْعِيًا وَإِن جرى ذكر الْعِوَض فِي جَوَابه لافي التماسها لم يَقع الطَّلَاق
وَإِن جرى فِي التماسها لَا فِي جَوَابه بِأَن قَالَت أبني بِأَلف فَقَالَ فَلم يَصح أبنتك لم يَقع الطَّلَاق لِأَنَّهُ إِنَّمَا رَضِيا بِالْبَيِّنَةِ نته بعوض وَلم يُوجد مِنْهَا نِيَّة الفواق التزامها فَصَارَ كَمَا إِذا ذكر المَال من الْجَانِبَيْنِ وَفِيه وَجه بعيد أَن الطَّلَاق يَقع رَجْعِيًا وَيجْعَل قَوْله أبنتك كالمستقبل دون الالتماس
فَأَما إِذا جرى من أَحدهمَا صَرِيح وَمن الآخر كِنَايَة فالكناية مَعَ النِّيَّة كصريح وَدون النِّيَّة كَالْمَعْدُومِ
وَلَا خلاففي أَنه لَو قَالَت أبني فَقَالَ أبنتك ونويا الطَّلَاق وَلم يذكر الْعِوَض أَن هَذَا لَا يَقْتَضِي الْعِوَض بِخِلَاف لفظ الْخلْع فَإِن لفظ الْخلْع يُنبئ عَن الْعِوَض بِخِلَاف لفظ الْبَيْنُونَة

(5/344)


الْفَصْل الثَّانِي فِي التماسها طَلَاقا مُقَيّدا بِعَدَد

وَفِيه أَربع مسَائِل
إِحْدَاهَا أَن تَقول طَلقنِي ثَلَاثًا بِأَلف فَطلقهَا طَلْقَة وَاحِدَة اسْتحق ثلث الْألف كَمَا ذَكرْنَاهُ على قِيَاس الْجعَالَة بِخِلَاف جَانِبه
فَإِن لم يبْق لَهُ عَلَيْهَا إِلَّا طَلْقَة فَقَالَت طَلقنِي ثَلَاثًا بِأَلف فَطلق طَلْقَة وَاحِدَة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ اسْتحق جَمِيع الْألف لِأَن مرادها الْبَيْنُونَة الْكُبْرَى وَقد حصلت بكمالها
وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله يسْتَحق ثلث الْألف اتبَاعا لِلْحسابِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي إِن علمت أَنه لم يبْق إِلَّا وَاحِدَة اسْتحق الْجَمِيع وَإِن لم تعلم اسْتحق الثُّلُث وَلَا تَفْرِيع بعد هَذَا على مذْهبه
أما إِذا بقيت لَهُ طَلْقَتَانِ فَطلق وَاحِدَة اسْتحق الثُّلُث عِنْد الشَّافِعِي رَضِي

(5/345)


الله عَنهُ والمزني جَمِيعًا لِأَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَيْضا يتبع الْحساب إِلَّا إِذا حصلت الْبَيْنُونَة الْكُبْرَى وَإِن طَلقهَا اثْنَتَيْنِ اسْتحق الْجَمِيع عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ والثلثين عِنْد الْمُزنِيّ
فَلَو قَالَت طَلقنِي عشرا بِأَلف اسْتحق بالواحدة الْعشْر وبالثنتين الْخمس بالِاتِّفَاقِ وَأما بِالثلَاثِ اسْتحق الْجَمِيع عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَقِيَاس الْمُزنِيّ إِنَّه يسْتَحق ثَلَاثَة أعشار المَال وَقيل تخريجا على قِيَاسه إِنَّه إِنَّمَا يوزع على الْعدَد الشَّرْعِيّ ويوافق الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي اسْتِحْقَاق الجيمع بِالثلَاثِ فِي هَذِه الصُّورَة
الثَّانِيَة إِذْ قَالَت طَلقنِي ثَلَاثًا بِأَلف فَقَالَ أَنْت طَالِق وَاحِدَة بِأَلف وثنتين مجَّانا قَالَ جمَاعَة من أَئِمَّة الْمَذْهَب تقع الْوَاحِدَة بِثلث الأف وَالزِّيَادَة لَا تلزمها والثنتان بعْدهَا لَا تقعان لِأَنَّهَا صَارَت بَائِنَة بِالْأولَى وَهَذَا لَا وَجه لَهُ بل يَنْبَغِي أَن لَا تقع الأولى لِأَنَّهُ مَا رَضِي بوقوعها إِلَّا بِأَلف وَهِي مَا التزمت على وَاحِدَة إِلَّا لثلاث نعم تقع الطلقتان مجَّانا وهما رجعيتان
أما إِذا عكس فَقَالَ أَنْت طَالِق وَاحِدَة مجَّانا واثنتين بِثُلثي الاف وَقعت وَاحِدَة رَجْعِيَّة وَتخرج الثنتان على مخالعه الرَّجْعِيَّة إِن جَوَّزنَا نفذنا أَيْضا بِثُلثي الأف وَإِن منعنَا وَقعت طَلْقَتَانِ أَيْضا إِذا قبلت لِأَن الرَّجْعِيَّة يلْحقهَا الطَّلَاق وَبِالْجُمْلَةِ إِذا خَالع الرَّجْعِيَّة على قَوْلنَا لَا تصح مخالعتها كَانَ كمخالعة السفيهة حَتَّى يَقع طَلَاق بِلَا عوض

(5/346)


الثَّالِثَة إِذْ قَالَت طَلقنِي وَاحِدَة بِأَلف فَقَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ طلقت ثَلَاثًا وَاسْتحق الْألف لِأَنَّهُ أجابها وَزَاد وَإِلَيْهِ سَار أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يسْتَحق شَيْئا لِأَنَّهَا لم تلتمس الْبَيْنُونَة الْكُبْرَى وَسلم أَنَّهَا لَو قَالَت طَلقنِي ثَلَاثًا بِأَلف فَطلق وَاحِدَة إِنَّه اسْتحق ثلث الأف وَإِن خَالف
أما إِذا عَاد الزَّوْج ذكر المَال فَقَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا بِأَلف فَأكْثر الْأَصْحَاب على أَنه لَا فرق بَين أَن يُعِيد أَو لَا يُعِيد وَحكى الفوراني وَجها عَن الْقفال إِنَّه إِذا أعَاد فقد قَابل كل طَلْقَة بِثلث الْألف فَلَا يلْزمهَا إِلَّا ثلث الْألف وَوَقع الثَّلَاث
أما إِذا لم يعد ذكر المَال أمكن أَن يُقَال التمست وَاحِدَة فأجابها إِلَى بينونة أغْلظ مِنْهُ فَيرجع إِلَى زِيَادَة صفة أما هَاهُنَا فَيظْهر التَّوْزِيع وَلَكِن يلْزم على قِيَاس الْقفال أَن لَا يَقع إِلَّا وَاحِدَة لِأَنَّهُ قَابل طَلْقَتَيْنِ بِثُلثي الْألف وَهِي مَا قبلت وَقد قيل بِهَذَا أَيْضا وَيلْزم أَلا تقع الأولى أَيْضا لِأَنَّهَا التمست بِأَلف فَأجَاب بِثلث الْألف

(5/347)


فَهُوَ كَقَوْلِه بِعني بِأَلف فَقَالَ بِعْت بِخَمْسِمِائَة فَإِنَّهُ لَا يكون جَوَابا وَقد قيل بِهَذَا أَيْضا وَقد قيل فِي البيع أَيْضا إِنَّه يَصح وَيَقُول أَيْضا إِذا قَالَت طَلقنِي وَاحِدَة بِأَلف فَقَالَ طلقت وَاحِدَة بِخَمْسِمِائَة إِنَّه يسْتَحق تَمام الْألف لِأَن تَقْدِير الْعِوَض إِلَيْهَا لَا إِلَيْهِ
وعَلى الْجُمْلَة مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله فِي صُورَة إِعَادَة المَال أوجه
الرَّابِعَة إِذْ قَالَت طَلقنِي نصف طَلْقَة بِأَلف أَو طلق نصفي أَو يَدي بِأَلف فأجابها نفذ الطَّلَاق وَفَسَد الْعِوَض لفساد صِيغَة الْمُقَابلَة فَيرجع إِلَى مهر الْمثل وَفِيه وَجه منقاس أَنه يثبت الْمُسَمّى لِأَنَّهُ خصص الْعِوَض بِمَا لَا يخْتَص بِهِ وَلَكِن كمله الشَّرْع فَلَا يبعد أَن ينزل منزلَة الْمُقَابلَة بالكامل

(5/348)


الْفَصْل الثَّالِث فِي استدعائها طَلَاقا مُعَلّقا بِزَمَان

وَفِيه صور
الأولى أَن تَقول طَلقنِي غَدا وَلَك ألف فَإِن طلق بعد غَد نفذ رَجْعِيًا وَلَا مَال لَهُ لِأَنَّهُ خَالف وَإِن طلق فِي الْغَد وَقعت الْبَيْنُونَة وَفَسَد الْعِوَض لِأَنَّهُ لَا يحْتَمل التَّعْلِيق فَيرجع إِلَى مهر الْمثل
وَلَو طلق فِي الْحَال أَو قبل الْغَد فقد أجَاب وَزَاد إِذْ عجل فَيثبت مهر الْمثل
وَفِي كل حَال لَا يسْتَحق المَال قبل الطَّلَاق
الثَّانِيَة أَن تَقول خُذ مني ألف وَأَنت مُخَيّر فِي تطليقي من الْيَوْم إِلَى شهر فلك الْألف مَتى لم تُؤخر عَن الشَّهْر فمهما طَلقهَا فِي الشَّهْر على قصد الْإِجَابَة اسْتحق مهر الْمثل كالصورة الأولى وَهَذَا بِخِلَاف قَوْلهَا مَتى مَا طلقتني فلك ألف فَإِن مَتى مَا وَإِن كَانَ ظَاهرا فِي التَّأْخِير فَلَا يسْتَحق الْعِوَض إِلَّا بِطَلَاق فِي الْمجْلس لِأَن قرينَة الْعِوَض قَابل عُمُوم اللَّفْظ فخصصه بِالْمَجْلِسِ أما هَاهُنَا فَرفعت الِاحْتِمَال بالتصريح والتخيير فِي الشَّهْر وَمن الْأَصْحَاب من نقل الْجَواب من كل مَسْأَلَة إِلَى أُخْتهَا وَسوى بَينهمَا
الثَّالِثَة إِذْ قَالَ أَنْت طَالِق غَدا على ألف فَقَالَت قبلت فَإِذا جَاءَ الْغَد وَقع الطَّلَاق بَائِنا وَفِيمَا يلْزمهَا وَجْهَان
إحدهما مهر الْمثل لِأَن الْمُعَاوضَة لَا تقبل التَّعْلِيق وَهَذَا تَعْلِيق مُعَاوضَة
وَالثَّانِي أَنه يَصح وَيجب الْمُسَمّى لِأَن مُقَابلَة الْمُعَلق بِالْمَالِ كمقابلة الْمُنجز والمعاوضة إِنَّمَا صحت بِوُجُود شقي الْإِيجَاب وَالْقَبُول فِي الْحَال من غير تَعْلِيق فَإِذا

(5/349)


صَحَّ قَوْله إِذا أَعْطَيْتنِي ألفا فَأَنت طَالِق من غير قبُول مِنْهَا فبأن يَصح هَذَا التَّعْلِيق مَعَ قبُولهَا فِي الْحَال أولى وَفِيه وَجه ضَعِيف أَن الطَّلَاق لَا يَقع أصلا لِأَنَّهُ علق بِالْعِوَضِ وَلَا سَبِيل إِلَى إِثْبَات الْعِوَض بِالتَّعْلِيقِ وَلَا إِلَى إِيقَاع الطَّلَاق وَقد علقه بِالْعِوَضِ
ثمَّ إِذا أوقعنا الطَّلَاق عِنْد مَجِيء الْغَد وَجب الْعِوَض بعد نُفُوذ الطَّلَاق وَلَا يجب بِمُجَرَّد قبُولهَا فِي الْحَال وَلَيْسَ لَهَا الرُّجُوع بعد الْقبُول لِأَنَّهُ قد تمّ شقا العقد بِالْقبُولِ

(5/350)


الْفَصْل الرَّابِع فِي سُؤال الْأَجْنَبِيّ واختلاعه

وَاعْلَم أَن اختلاع الْأَجْنَبِيّ كاختلاع الْمَرْأَة فِي جَمِيع صِيغ الِالْتِزَام وَأَحْكَامه لِأَن الطَّلَاق مِمَّا يسْتَقلّ بِهِ الزَّوْج وَإِنَّمَا يحْتَاج إِلَى قبُولهَا لالتزام المَال
وللأجنبي أَن يلْتَزم المَال على سَبِيل الافتداء وَلَكِن الْأَجْنَبِيّ إِن كَانَ وَكيلا من جِهَتهَا فَلهُ أَن يعْقد لَهَا ولنفسه وَينظر إِلَى لَفظه وَنِيَّته ومطلقه يَقع من جِهَة الْوكَالَة وَلَكِن إِن لم يُصَرح بالفسادة تعلّقت بِهِ الْعهْدَة وطولب بِالْعِوَضِ كَالْوَكِيلِ فِي الشِّرَاء
وَإِن قَالَ الْأَجْنَبِيّ اخْتلعت بوكالتها ثمَّ بِأَن أَنه لم يكن وَكيلا تبين أَن الطَّلَاق لم يَقع لِأَن الْخطاب كَأَنَّهُ مَعهَا وَلم يجر قبُولهَا وَلَا قبُول نائبها
فرع أَبوهَا إِذا كَانَ هُوَ المختلع فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَإِن كَانَت طفلة فاختلعها بِمَال نَفسه فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَإِن اختلعها بمالها فَلهُ أَحْوَال
الأولى أَن يكون اخْتلعت على سَبِيل الْولَايَة بمالها أَو بِهَذَا العَبْد من مَالهَا لم يَقع الطَّلَاق بل هُوَ كَالْوَكِيلِ الْكَاذِب
الثَّانِيَة أَن يكون اخْتلعت على سَبِيل الِاسْتِقْلَال لَكِن بِهَذَا العَبْد من مَالهَا فَهُوَ كالاختلاع بِالْمَالِ الْمَغْصُوب وَقد سبق
الثَّالِثَة أَن يكون اخْتلعت بِهَذَا العَبْد الَّذِي هُوَ من مَالهَا وَلم يتَعَرَّض لما يزِيد على هَذَا من نِيَابَة أَو اسْتِقْلَال وَقع الطَّلَاق رَجْعِيًا كاختلاع السفيهة وَكَأَنَّهُ أهل للقبول

(5/351)


ومحجور عَلَيْهِ فِي مَالهَا كالسفيهة مَحْجُور عَلَيْهَا فِي مَال نَفسهَا وَهَذَا فِي غموض المختلع بالمغصوب لَو أضَاف المَال إِلَى الْمَالِك وَقع الطَّلَاق بَائِنا
وَقيل الْفساد فِي الْعِوَض فَخرج القَاضِي وَجها هَاهُنَا إِنَّه كالمغصوب وَخرج فِي الْمَغْصُوب هَاهُنَا وَجها إِن الطَّلَاق يَقع رَجْعِيًا
الرَّابِع أَن يكون اخْتلعت بِهَذَا العَبْد وَلم يذكر إِنَّه من مَالهَا فَإِن الزَّوْج جَاهِلا بِهِ فَهُوَ كَمَا لَو خرج الْعِوَض مُسْتَحقّا وَإِن كَانَ عَالما فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا أَن يصير الْمَعْلُوم كالمذكور لفظا فَيَقَع الطَّلَاق على الْمَشْهُور رَجْعِيًا
وَالثَّانِي أَن يكون كَمَا لَو كَانَ جَاهِلا نظرا إِلَى مُجَرّد اللَّفْظ
الْخَامِسَة أَن يختلعها بِالْبَرَاءَةِ عَن الصَدَاق فَإِن جَوَّزنَا لَهُ الْعَفو عَن صدقهَا فِي الاختلاع صَحَّ الْخلْع كَمَا لَو اخْتلعت بِنَفسِهَا وَإِن منعنَا بذلك وَهُوَ الصَّحِيح فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهمَا وَهُوَ ظَاهر النَّص أَن الطَّلَاق يَقع رَجْعِيًا كالسفيهة
وَالثَّانِي أَنه كَالْوَكِيلِ الْكَاذِب حَتَّى لَا يَقع الطَّلَاق لِأَن إِضَافَته إِلَى الصَدَاق وَهُوَ أَب يشْعر بِأَنَّهُ كالنائب أما إِضَافَته إِلَى العَبْد فَهُوَ الْمَغْصُوب أشبه

(5/352)


وَالثَّالِث أَن يَقع الطَّلَاق بَائِنا وَيجب مهر الْمثل كَالْعَبْدِ الْمَغْصُوب
السَّادِسَة أَن يَقُول خلعها وَإِن ضَامِن براءتك فَالْقِيَاس أَنه يَقع الطَّلَاق رَجْعِيًا وَلَا يلْزمه شَيْء لِأَن ضَمَان عين الْبَرَاءَة محَال فيلفوا الْحَال وَيصِح الْقبُول وَإِن قَالَ طَلقهَا وَإِن طولبت بِالصَّدَاقِ فَأَنا ضَامِن براءتك فَتحصل الْبَيْنُونَة وَيجب مهر الْمثل لفساد صِيغَة الِالْتِزَام
وَضَابِط النّظر فِي هَذِه الْمسَائِل أَن الْخلْع إِنَّمَا يخْتل إِمَّا بِسَبَب فِي نفس الْقبُول فَيُوجب نفي أقبل الطَّلَاق أَو لخلل فِي نفس الِالْتِزَام فَيُوجب نفي الْبَيْنُونَة لَا نفي الطَّلَاق أَو لخلل فِي الْمُلْتَزم إِلَّا فِي الِالْتِزَام كَالْخمرِ الْمَقْصُود فَيُوجب نفي الْمُسَمّى لَا نفي الْبَيْنُونَة وَيكون التَّرَدُّد فِي أصل الطَّلَاق للتردد فِي صِحَة الْقبُول والتردد فِي الْبَيْنُونَة للتردد فِي صِحَة أصل الِالْتِزَام والتردد فِي الْمُسَمّى للتردد فِي صِحَة الْمُلْتَزم وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ

(5/353)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي النزاع فِي الْخلْع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَهُوَ أَنْوَاع
الأول أَن يَقع فِي أصل عوض أَو جنسه أَو قدره
فَإِن وَقع فِي الأَصْل فَالْقَوْل قَوْلهَا إِن أنْكرت الْعِوَض وَإِن خلفت وَقعت الْبَيْنُونَة مُؤَاخذَة للرجل بقوله إِنِّي خالعت على عوض
وَإِن تنَازعا فِي الْجِنْس فَقَالَ خالعتك بِدَرَاهِم وَقَالَت بل بفلوس تحَالفا وَالرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل كَمَا فِي الصَدَاق وَكَذَلِكَ فِي الْمِقْدَار وَإِن توافقا على جَرَيَان الْخلْع بِأَلف دِرْهَم وَلَكِن قَالَ الزَّوْج أردنَا بِهِ الدَّرَاهِم وَقَالَت بل أردنَا الْفُلُوس فَهَذَا يَسْتَدْعِي مُقَدّمَة وَهِي أَنه لَو كَانَت النُّقُود مُخْتَلفَة وَلَا غَالب فِيهَا فَقَالَ بِعْت بِأَلف دِرْهَم وَقَالَ اشْتريت بِأَلف دِرْهَم وَلم يتعرضا للْجِنْس وَلَكِن توافقا على إِرَادَة نوع وَاحِد لم يَصح البيع وَلم يحْتَمل هَذِه الْجَهَالَة فِيهِ وَالْمَشْهُور الظَّاهِر فِي الْخلْع أَنه يحْتَمل ذَلِك ويكفل فِيهِ النِّيَّة أَو الْعلم بِالْعِوَضِ وَإِن كَانَ شرطا لثُبُوت الْمُسَمّى وَلَكِن يحْتَمل فِيهِ مَا لم يحْتَمل فِي البيع وَلذَلِك حصل الْملك بِمُجَرَّد الْإِعْطَاء من غير لفظ وَهَذَا لَيْسَ يَخْلُو عَن أشكال
ثمَّ لَا خلاف إِنَّه لَو قَالَ خالعتك على ألف وَقبلت وتوافقا على إِرَادَة نوع وَاحِد لم يحْتَمل هَذَا لِأَن اللَّفْظ صَرِيح فِي الِاحْتِمَال والترديد بَين الْأَنْوَاع وَإِنَّمَا الْمَذْكُور مُجَرّد الْعدَد وَهُوَ عرضي لَا يُنبئ عَن مَاهِيَّة جنسية وَلَا نوعية بِخِلَاف مَا إِذا ذكر الدَّرَاهِم فَإِنَّهُ لم يبْق إِلَّا التَّفْصِيل بِالصِّفَاتِ فَلَا يبعد تَخْصِيص عُمُومه

(5/354)


بِالنِّيَّةِ وَفِي كَلَام القَاضِي دلَالَة على أَن عُمُوم الْألف كعموم الدَّرَاهِم مَعَ أَنه قطع بِأَنَّهُ لَو قَالَ ألف شَيْء لم تُؤثر النِّيَّة لِأَن لفظ الشَّيْء آكِد فِي حَقِيقَة الِاحْتِمَال وَالنِّيَّة لَا تغيره وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد النِّيَّة فِي الدَّرَاهِم أَيْضا إِنَّمَا تُؤثر إِذا توافقا قبل العقد على مَا يقْصد أَن بِهِ فَإِن لم يسْبق التواطؤ فَلَا يُؤثر توَافق النِّيَّة وَكَأَنَّهُ يلْتَفت على معنى مَسْأَلَة السِّرّ وَالْعَلَانِيَة وَلَا يخفى أَن يعْتَبر هَذَا بِالنِّيَّةِ أقرب من إِرَادَة الْألف بالألفين فَإِن ذَلِك تَغْيِير صَرِيح فنعود إِلَى النزاع وَله صور
الأولى أَن يَقُول الزَّوْج أردنَا الدَّرَاهِم جَمِيعًا وَقَالَت بل أردنَا الْفُلُوس جَمِيعًا فَهَذَا نزاع فِي الْجِنْس فيتحالفان وَفِيه وَجه بعيد أَن التَّحَالُف لَا يجْرِي لِأَنَّهُ نزاع فِي النِّيَّة وَإِنَّمَا اخْتِلَاف فِي الْجِنْس يتَوَلَّد منع تبعا وَهُوَ ضَعِيف
الثَّانِي أَن يتوافقا على جَانب جَانب الزَّوْج وإرادته الدَّرَاهِم قَالَت الْمَرْأَة أردْت الْفُلُوس فَالْقَوْل قَوْلهَا وَإِذا حَلَفت انْتَفَى عَنْهَا الْعِوَض وَوَقعت الْبَيْنُونَة مُؤَاخذَة لَهُ بقوله
الثَّالِثَة أَن يتوافقا على جَانبهَا وإرادتها الْفُلُوس وإرادته وَلَكِن قَالَ الزَّوْج أردْت الدَّرَاهِم فَلَا فرق لاخْتِلَاف الْجَواب فَحكم هَذَا إِن الْبَيْنُونَة وَاقعَة لأننا نَنْتَظِر إِلَى الملفوظ وَقد قَالَ خالعتك على ألف فَقَالَت قبلت فَلَا مطلع على النِّيَّة وَيلْزم من هَذَا أَنَّهُمَا لَو توافقا أَيْضا على اخْتِلَاف الْقَصْد وَقعت الْبَيْنُونَة لظَاهِر اللَّفْظ وَلَو تصور إطلاع كل وَاحِد مِنْهُمَا على بَاطِن صَاحبه حَتَّى تتَحَقَّق الْمُخَالفَة فِي

(5/355)


النِّيَّة فَيَنْبَغِي أَن لَا يَقع الطَّلَاق بَاطِنا ثمَّ قَالَ القَاضِي للزَّوْج مهر الْمثل لِأَن الْبَيْنُونَة وَقعت ظَاهرا ولغا أثر النِّيَّة فَبَقيَ اللَّفْظ مَجْهُولا وَكَأن النِّيَّة عِنْده إِنَّمَا تُؤثر إِذا توافقا فِي واتفقا عَلَيْهِ فَإذْ لم يتَّفقَا لغت النِّيَّة وَنظر إِلَى مُجَرّد اللَّفْظ وَهُوَ بعيد لِأَن مُوجب قَول الزَّوْج لِأَن لَا بينونة وَلَا عوض فَالْحكم عَلَيْهِ بالبنيونة لَهُ وَجه أما الحكم لَهُ بِالْعِوَضِ وَهُوَ لَا يَدعِيهِ فبعيد
الرَّابِعَة توفقا على أَنه أَرَادَ الدَّرَاهِم فَقَالَت أردْت الدَّرَاهِم أَيْضا وحصلت الْفرْقَة وَقَالَ بل أردْت الْفُلُوس وَقَالَ وَلَا فرقة فَالْقَوْل قَوْلهَا فِي نِيَّتهَا فَإِذا حَلَفت حصلت الْفرْقَة وَعند القَاضِي لَهُ مهر الْمثل وَإِن كَانَ هُوَ مُنْكرا للفرقة وَهُوَ بعيد
الْخَامِسَة أَن يَقُول أردْت الدَّرَاهِم وَمَا ادّعى عَلَيْهَا شَيْء وَقَالَت أردْت الْفُلُوس وَمَا ادَّعَت عَلَيْهِ شَيْء فالفرقة أَيْضا حَاصِلَة وَقَالَ القَاضِي يَتَحَالَفَانِ وَهَذَا لَا وَجه لَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ يَدعِي عَلَيْهَا مَالا معينا فَكيف يحلف

(5/356)


النَّوْع الثَّانِي الِاخْتِلَاف فِي الْعِوَض

فَإِذا قَالَت سَأَلتك ثَلَاث طلقات بِأَلف فأجبتني فَقَالَ بل طَلْقَة بِأَلف فأجبتك فقد اتفقَا على الْألف وتنازعا فِي مُقَدرا المعوض فيتحالفان وَالرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل فَأَما عدد الطَّلَاق فَلَا يعْتَبر فِيهِ إِلَّا قَوْله فَلَا نزيد على وَاحِدَة فَإِن قيل فَإِذا كَانَ القَوْل قَوْله فِي عدد الطَّلَاق وَالْألف مُتَّفق عَلَيْهِ فَأَي معنى للتحالف وَلَا فَائِدَة لَهُ إِلَّا إِبْدَال الْألف الْمُتَّفق عَلَيْهِ بِمهْر الْمثل
قُلْنَا مُقْتَضى التَّحَالُف إبِْطَال الْعِوَضَيْنِ لَكِن الطَّلَاق لَا يقبل الْإِبْطَال فجرينا على قِيَاس التَّحَالُف فِي تطرق الْفَسْخ إِلَى مَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ خَاصَّة

(5/357)


النَّوْع الثَّالِث النزاع فِي الْمُسْتَحق عَلَيْهِ

فَإِذا ادّعى عَلَيْهَا الاختلاع فَقَالَت إِنَّمَا اختلعني أَجْنَبِي فَالْقَوْل قَوْلهَا فِي انكار الاختلاع وَلَا رُجُوع لَهُ على الْأَجْنَبِيّ لاعْتِرَافه بِأَنَّهُ لم يختلع
أما إِذا قَالَت أضفت الاختلاع إِلَى أَجْنَبِي وَكنت سفيرة لَهُ فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ لاتِّفَاقهمَا على أصل الِالْتِزَام واختلافهما فِي صفة الْإِضَافَة
وَالثَّانِي أَن القَوْل قَوْلهَا لِأَنَّهَا أنْكرت أصل الِالْتِزَام

(5/358)