الوسيط في المذهب

= كتاب اللّعان=

(6/67)


وَاللّعان عبارَة عَن أَيْمَان يذكر اللَّعْن فِيهَا من نسب زَوجته إِلَى الزِّنَا فيدرأ الْحَد وَالنّسب عَن نَفسه بِمُجَرَّد يَمِينه وَذَلِكَ رخصَة لمسيس الْحَاجة إِلَى صِيَانة الْأَنْسَاب وعسر إِقَامَة الْبَيِّنَة على زنا الْمَرْأَة
وَردت أَولا فِي عُوَيْمِر بن مَالك الْعجْلَاني قذف زَوجته بِشريك بن السحماء

(6/69)


فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لتأتين بأَرْبعَة شُهَدَاء أَو لأجلدن ظهرك فَاغْتَمَّ وَقَالَ أَرْجُو أَن ينزل الله قُرْآنًا يبرىء ظَهْري فَنزل قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم} الْآيَة
وَنظر الْكتاب فِي قسمَيْنِ الْقَذْف وَاللّعان

(6/70)


الْقسم الأول فِي الْقَذْف

وَفِيه بَابَانِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِيمَا يكون قذفا من كَافَّة الْخلق وَفِي مُوجبه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَفِيه فصلان
الْفَصْل الأول فِي أَلْفَاظ الْقَذْف

وَفِيه ثَلَاثَة أَقسَام صَرِيح وكناية وتعريض
أما الصَّرِيح فَهُوَ كَقَوْلِه يَا زاني أَو زَنَيْت أَو زنى فرجك وَكَذَلِكَ ذكر النيك وإيلاج الْفرج مَعَ الْوَصْف بِالتَّحْرِيمِ فَهَذَا لَا يقبل فِيهَا تَأْوِيل
أما الْكِنَايَة فكقوله للنبطي يَا عَرَبِيّ أَو للعربي با نبطي فَإِن أَرَادَ الزِّنَا فَهُوَ قذف وَإِلَّا فَلَا ثمَّ إِذا أنكر إراد الزِّنَا تَوَجَّهت الْيَمين عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يتم الْقَذْف باعترافه بِالنِّيَّةِ إِذْ بِهِ يحصل الْإِيذَاء التَّام وَيجب الْحَد بَينه وَبَين الله تَعَالَى إِذا نوى

(6/71)


وَإِن أنكر النِّيَّة كَاذِبًا فَهَل يلْزمه إِظْهَار النِّيَّة فِيهِ نظر من حَيْثُ إِن فِيهِ إِيذَاء فيبعد إِيجَابه وَستر ذَلِك لكف الْأَذَى أولى إِلَّا أَن يرهق إِلَيْهِ بِالْيَمِينِ فَلَا يُبَاح لَهُ الْيَمين الْغمُوس فَيلْزمهُ الإعتراف وَقد قَالَ الْأَصْحَاب يجب عَلَيْهِ الْإِظْهَار بِكُل حَال كَمَا لَو قَالَ فِي خُفْيَة فَيلْزمهُ الْإِظْهَار وَقد ذهب بعض الْعلمَاء إِلَى أَنه لَا قذف بِالْكِنَايَةِ لِأَن الْإِيذَاء لَا يتم بِهِ
وَأما التَّعْرِيض فكقوله يَا ابْن الْحَلَال وَكَقَوْلِه أما أَنا فلست بزان فَهَذَا لَيْسَ بِقَذْف وَإِن نوى لِأَن اللَّفْظ لَيْسَ يشْعر بِهِ وَلَقَد جَاءَ رجل من فَزَارَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ إِن امْرَأَتي ولدت غُلَاما أسود معرضًا بزناها فَلم يَجعله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَاذِفا وَلَكِن قَالَ
هَل لَك إبل فَقَالَ نعم قَالَ
مَا ألوانها قَالَ حمر قَالَ
فَهَل فِيهَا أسود قَالَ نعم قَالَ
فَلم ذَلِك قَالَ لَعَلَّ عرقا نزع فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لَعَلَّ عرقا نزع وَقَالَ مَالك رَحمَه الله التَّعْرِيض قذف والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِ

(6/72)


وَيتم النّظر فِي الْأَلْفَاظ برسم مسَائِل
إِحْدَاهَا إِذا قَالَ لامْرَأَة زَنَيْت بك فَهَذَا إِقْرَار بِالزِّنَا وَقذف للْمَرْأَة فَعَلَيهِ حدان وَكَانَ يحْتَمل أَن لَا يَجْعَل قَاذِفا لاحْتِمَال أَن يُفَسر بِأَنَّهَا كَانَت مستكرهة وَلم تكن مختارة وَلَكِن جعل قَاذِفا اعْتِمَادًا على مَا يَقْتَضِيهِ الظَّاهِر
وَلَو قَالَ لامْرَأَته أَنْت زَانِيَة فَقَالَت زَنَيْت بك فراجعناها فَإِن أَرَادَت الزِّنَا قبل النِّكَاح سقط حد الْقَذْف عَن الزَّوْج وَوَجَب عَلَيْهَا حدان حد الزِّنَا وحد الْقَذْف للزَّوْج فَإِن رجعت سقط عَنْهَا حد الزِّنَا وَلَا يسْقط حد الْقَذْف إِذْ الرُّجُوع لَا يسْقط حق الْآدَمِيّ إِنَّمَا يسْقط حُدُود الله تَعَالَى وَلَو قَالَت أردْت نفي الزِّنَا كَمَا يَقُول الْقَائِل سرقت فَيَقُول الْمُخَاطب سرقت سرقت مَعَك فَيقبل قَوْلهَا مَعَ الْيَمين وَيكون لَهَا طلب حد الْقَذْف من الزَّوْج لِأَن ذَلِك مُعْتَاد فِي الْجَواب وَقد اخْتلف أَصْحَابنَا فِيمَا لَو قَالَ لي عَلَيْك دِينَار فَقَالَ زنه أَنه هَل يكون إِقْرَارا
الثَّانِيَة لَو قَالَ يَا زَانِيَة فَقَالَت أَنْت أزنى مني فَهُوَ قَاذف وَلَيْسَت هِيَ مقرة وَلَا قاذفة للزَّوْج لِأَنَّهَا لم تنْسب لنَفسهَا زنا حَتَّى يكون هُوَ زَانيا بِكَوْنِهِ أزنى مِنْهَا وَلَا نقُول إِن التَّرْجِيح يُوجب الْمُشَاركَة فِي الأَصْل فَإِن عَادَة المشاتمة لَا تنزل على وضع اللِّسَان نعم لَو قَالَ فلَان زَان وَأَنت أزنى مِنْهُ فَهُوَ قذف للشخصين جَمِيعًا وَلَو قَالَ أَنْت أزنى من فلَان فَلَيْسَ بِقَذْف

(6/73)


وَكَذَا لَو قَالَ أَنْت أزنى من النَّاس أَو أزنى النَّاس وَلَو قَالَ فِي النَّاس زناة وَأَنت أزنى مِنْهُم كَانَ قذفا وَلَا نقُول إِنَّه يعلم أَن فِي النَّاس زناة وَإِن لم يذكر بل ينظر إِلَى لَفظه وَلَو قَالَ أَنْت أزنى من فلَان وَكَانَ قد ثَبت زنا فلَان بِالْبَيِّنَةِ وَكَانَ الْقَائِل جَاهِلا لم يكن قذفا وَإِن كَانَ عَالما كَانَ قذفا
وَلَو قَالَت أردْت أَنَّك زَان وَلست أَنا زَانِيَة فَهِيَ قاذفة فَلِكُل وَاحِد على صَاحبه حد وَلَا يتقاصان لِأَن الْمُقَاصَّة فِي الْعُقُوبَات مَعَ تفَاوت موقعها فِي النُّفُوس لَا وَجه لَهُ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يتقاصان
الثَّالِثَة إِذا قَالَ للرجل يَا زَانِيَة أَو للْمَرْأَة يَا زاني فَهُوَ قَاذف عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله فِي الصُّورَة الأولى وَالسَّبَب فِيهِ أَن الْإِشَارَة تقدم على النَّحْو والتذكير والتأنيث وَلَا خلاف أَنه لَو قَالَ للرجل زَنَيْت وللمرأة زَنَيْت أَنه قَاذف وَلَو قَالَ زنأت فِي

(6/74)


الْجَبَل وَقَالَ أردْت الترقي فِيهِ فَلَيْسَ بقاذف وَلَو قَالَ زَنَيْت فِي الْجَبَل وَقَالَ أردْت الترقي فَهَل يقبل وَجْهَان وَوجه الْقبُول أَن حذف الْهمزَة قد يغلب على اللِّسَان وقرينة ذكر الْجَبَل تشهد لَهُ وَنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو قَالَ يَا زَانِيَة فِي الْجَبَل أَنه قذف وَقيل يفرق بَين الْبَصِير فِي الْعَرَبيَّة وَالْجَاهِل فَلَا يقبل حذف الْهمزَة من الْبَصِير
الرَّابِعَة إِذا قَالَ زنى فرجك فَهُوَ قذف وَلَو قَالَ زنى عَيْنك أَو يدك أَو رجلك فَفِيهِ وَجْهَان وَظَاهر مَا نَقله الْمُزنِيّ رَحمَه الله أَنه قذف وَهُوَ فَاسد إِذْ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
العينان تزنيان وَالْيَد تزنيان

(6/75)


وَمن جعله قاذقا قَالَ ذكر صَرِيح الزِّنَا وأضافه إِلَى الْبَعْض وَمن ضَرُورَة الْإِضَافَة إِلَى الْبَعْض الْإِضَافَة إِلَى الْكل وَلَو خرج ذَلِك عَن كَونه صَرِيحًا لَكَانَ قَوْله يَا زاني غير صَرِيح إِذْ لَهُ أَن يُفَسر فَيَقُول أردْت بالزاني الْعين
الْخَامِسَة إِذا قَالَ لوَلَده لست مني أَو لست وَلَدي ثمَّ قَالَ أردْت أَنَّك لست تشبهني خلقا وخلقا لم يكن قَاذِفا نَص عَلَيْهِ وَنَصّ أَن الْأَجْنَبِيّ إِذا قَالَ لست ولد فلَان أَن ذَلِك لَا يقبل مِنْهُ وَيكون قَاذِفا فَمنهمْ من قَالَ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَإِلَيْهِ ميل الْمُزنِيّ رَحمَه الله
أَحدهمَا أَنه يقبل مِنْهُ لعرو اللَّفْظ عَن ذكر الزِّنَا وَاحْتِمَال مَا قَالَه
وَالثَّانِي أَن ذَلِك لَا يفهم مِنْهُ فِي الْعَادة
وَمِنْهُم من فرق بِأَن الْأَب يحْتَمل مِنْهُ ذَلِك فِي معرض التَّأْدِيب دون الْأَجْنَبِيّ والأقيس أَنه كِنَايَة فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا إِذْ رُبمَا ينْسبهُ إِلَى الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ أَو يُنكر وِلَادَته على فرَاشه ثمَّ إِذا فسر بِشَيْء من ذَلِك فَلَا يخفى كَيْفيَّة فصل الْخُصُومَة فِي نفي الْوَلَد ولحوقه
السَّادِسَة إِذا قَالَ للْوَلَد الْمَنْفِيّ بِاللّعانِ لست من الْملَاعن فَإِن أَرَادَ بِهِ النَّفْي الشَّرْعِيّ

(6/76)


فَلَيْسَ بقاذف وَإِن كَانَ أَرَادَ تَصْدِيق الْملَاعن فِي نِسْبَة الْوَلَد إِلَى الزِّنَا فَهُوَ قَاذف
وَلَو قَالَ لقرشي لست من قُرَيْش فَإِن قَالَ أردْت أَن وَاحِدَة من أمهاته فِي الْجَاهِلِيَّة زنت فَلَيْسَ بقاذف لِأَنَّهَا غير مُعينَة وَمن قَالَ وَاحِد من أهل الْبَلَد زنى أَو النَّاس زناة فَلَا يكون قَاذِفا مَا لم يعين

(6/77)


الْفَصْل الثَّانِي فِي مُوجب الْقَذْف

وَالْقَذْف يُوجب التَّعْزِير إِلَّا إِذا صَادف مُحصنا فَيُوجب الْحَد ثَمَانِينَ جلدَة
وخصال الْإِحْصَان التَّكْلِيف وَالْإِسْلَام وَالْحريَّة والعفة عَن الزِّنَا الْمُوجب للحد فَإِن من ثَبت مِنْهُ الزِّنَا فَكيف يصان عرضه مَعَ أَن الْقَاذِف صَادِق نعم يُعَزّر وَأما الْوَطْء الْحَرَام الَّذِي لَا يُوجب الْحَد لقِيَام ملك أَو شُبْهَة ملك فَهَل يبطل الْإِحْصَان فِيهِ خلاف وَله دَرَجَات فَإِذا وطىء مملكوته الْمُحرمَة برضاع أَو نسب فَفِيهِ وَجْهَان وَفِي الْجَارِيَة الْمُشْتَركَة أَو جَارِيَة الإبن وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن لَا يبطل الْإِحْصَان وَفِي مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا وطىء فِي النِّكَاح بِلَا ولي وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن لَا يبطل وَفِي الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ وَظن الزَّوْجِيَّة وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن لَا يبطل وَوجه إِبْطَاله أَن ذَلِك يدل على قلَّة التحفظ وَلَو كَانَ قد جرى صُورَة الْفَاحِشَة فِي الصَّبِي فَوَجْهَانِ مرتبان على الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ وَأولى بِأَن لَا يبطل
أما الْوَطْء فِي الْحيض وَالصَّوْم وَالْإِحْرَام فَلَا يبطل وَفِيه وَجه بعيد أَنه يبطل أما مُقَدمَات الوقاع من اللَّمْس والقبلة فَلَا تسْقط الْإِحْصَان

فروع

الأول لَو زنى الْمَقْذُوف بعد الْقَذْف وَقبل الْحَد نَص أَن الْحَد يسْقط وَنَصّ فِي

(6/78)


الرِّدَّة أَنه لَا يسْقط وَعلل ذَلِك بِأَن الزِّنَا لَا يَقع هجوما بل يتقدمه فِي الْغَالِب مراودات تقدح فِي الْمُرُوءَة وَهَذَا ضَعِيف لِأَن المراودات السَّابِقَة لَا تبطل الْإِحْصَان وَلَا يُمكن أَن يُقَال الزِّنَا لَا يَقع هجوما فَإِنَّهُ لَا بُد وَأَن يكون لَهُ أول وَالرِّدَّة أَيْضا لَا تَخْلُو عَن تقدم ترددات بل السَّبَب أَن من ثَبت زِنَاهُ فِي الْحَال يبعد أَن يجلد ظهر غَيره لصيانة عرضه وَهُوَ قد هتك عرضه بِخِلَاف الْمُرْتَد إِذا عَاد فَإِن الْعرض قَائِم وَقد كَانَ الْإِسْلَام مَوْجُودا عِنْد الْقَذْف وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله لَا يسْقط بطرآن الزِّنَا كَمَا لَا يسْقط بطرآن الرِّدَّة وَقيل هُوَ قَول قديم للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ
الثَّانِي من زنى مرّة فِي عمره ثمَّ عَاد وَحسنت حَاله قَالَ القَاضِي لَا حد على قَاذفه لبُطْلَان إحْصَانه فَإِن اسْم الزَّانِي لَا يسْقط عَنهُ وَهَذَا بعيد فِيمَا إِذا صرح بقذفه بزنا جَدِيد وَلَكِن كَأَن الْعرض إِذا انخرم بِالزِّنَا فَلَا يزايله الْخلَل بالعفة بعده
الثَّالِث لَو أَقَامَ الْقَاذِف بَيِّنَة على زنا الْمَقْذُوف سقط عَنهُ الْحَد ويكفيه لذَلِك شَاهِدَانِ وَلَو عجز فَطلب يَمِين الْمَقْذُوف على أَنه مَا زنى فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا لَا يجب لِأَن ظَاهره الْإِحْصَان وَلَا عهد بِالْيَمِينِ على نفي الْكَبَائِر
وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ لَو أقرّ بِهِ لسقط عَنهُ الْحَد فليحلف أَو لينكل حَتَّى يحلف الْقَاذِف
الرَّابِع لَو مَاتَ الْمَقْذُوف قبل اسْتِيفَاء حد الْقَذْف ثَبت الْحَد وَالتَّعْزِير لوَارِثه لِأَن الْغَالِب عندنَا فِي حد الْقَذْف حق الْآدَمِيّين وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يُورث

(6/79)


واعترف بِأَنَّهُ لَو قذف مَيتا فلوارثه طلب الْحَد ابْتِدَاء
وَلَو قذف مُوَرِثه فَمَاتَ الْمُورث سقط الْحَد لِأَنَّهُ صَار شَرِيكا فِي اسْتِحْقَاق الْحَد على نَفسه ثمَّ فِيمَن يَرث ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه يوزع على فَرَائض الله تَعَالَى
وَالثَّانِي أَنه يخْتَص بِالنّسَبِ إِذْ لَا مدْخل للزَّوْج فِي حماية الْعرض وَدفع الْعَار
وَالثَّالِث أَنه يخْتَص بالعصبات من النّسَب الَّذين لَهُم ولَايَة التَّزْوِيج لدفع الْعَار وعَلى هَذَا لَا يسْتَحق الإبن وَمِنْهُم من قَالَ يسْتَحق لِأَنَّهُ أقوى الْعَصَبَات فِي الْمِيرَاث
وَلَو عَفا أحد الْوَرَثَة سقط الْكل على وَجه لِأَنَّهُ لَا يتَجَزَّأ وَلم يسْقط على وَجه لِأَنَّهُ يَسْتَحِيل أَن يبطل حق البَاقِينَ من غير بدل بِخِلَاف الْقصاص الَّذِي لَهُ بدل وَالثَّالِث أَنه يوزع

(6/80)


فَيسْقط نصِيبه
الْخَامِس إِذا قذف الْمَجْنُون بزنا قبل الْجُنُون فالحد يجب وَنَصْبِر إِلَى إِفَاقَته وَلَيْسَ للْوَلِيّ الإستيفاء لِأَنَّهُ مُتَعَلق بتشفي الغيظ فَلَو مَاتَ ثَبت لوَارِثه
وَلَو قذف مَمْلُوك فَحق طلب التَّعْزِير لَهُ لَا لسَيِّده لِأَنَّهُ من خَواص حُقُوقه بل لَو قذفه سَيّده اسْتحق العَبْد تعزيره على الْمَذْهَب الظَّاهِر وَمِنْهُم من قَالَ يُقَال لَهُ لَا تعد فَإِن عَاد يُعَزّر كَمَا يُعَزّر لَو زَاد فِي استخدامه على الْحَد الْوَاجِب
وَلَو مَاتَ العَبْد بعد اسْتِحْقَاق التَّعْزِير على أَجْنَبِي فَهُوَ يَسْتَوْفِيه السَّيِّد فِيهِ وَجْهَان وَوَجهه أَنه أولى النَّاس بِهِ إِلَّا أَنه لَا قرَابَة

(6/81)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي قذف الْأزْوَاج خَاصَّة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَفِيه فُصُول
الْفَصْل الأول فِيمَا يُبِيح الْقَذْف وَاللّعان أَو يُوجِبهُ

وَاعْلَم أَن قذف الزَّوْج فِي إِيجَاب الْحَد وَالتَّعْزِير كقذف الْأَجَانِب وَلَكِن يُفَارق الْأَجَانِب فِي ثَلَاثَة أُمُور
أَحدهَا فِي أَنه قد يُبَاح لَهُ الْقَذْف وَيجب عَلَيْهِ لضَرُورَة نفي النّسَب
وَالثَّانِي أَن الْعقُوبَة الَّتِي تتَوَجَّه عَلَيْهِ من حد وتعزير تنْدَفع بِاللّعانِ
وَالثَّالِث أَن الْمَرْأَة تتعرض لحد الزِّنَا بلعانه إِلَّا إِذا دفعت عَن نَفسهَا بِاللّعانِ لقَوْله تَعَالَى {ويدرأ عَنْهَا الْعَذَاب أَن تشهد} الْآيَة
وَإِنَّمَا يُبَاح لَهُ الْقَذْف إِذا استيقن أَنَّهَا زنت أَو غلبت على ظَنّه ذَلِك وَلَكِن إِذا لم يكن ولد فَالْأولى أَن يطلقهَا وَلَا يقذف وَلَا يُلَاعن وَلَكِن لَو فعل لم يَأْثَم وَهَذَا فِيهِ غموض وَلَكِن كَأَن الْقَذْف وَاللّعان كالإنتقام مِنْهَا حَيْثُ لطخت فرَاشه
ثمَّ تحصل الْغَلَبَة على الظَّن بقول عدل حكى مشاهدته الزِّنَا وَتحصل مهما

(6/82)


استفاض بَين النَّاس أَن فلَانا يَزْنِي بهَا إِذا رأى مَعَ ذَلِك مخيلة بِأَن رَآهَا مَعَه فِي خلْوَة فَإِن تجرد أحد الْمَعْنيين لم يحل لَهُ ذَلِك لِأَن الْخلْوَة مرّة لَا تدل على الزِّنَا نعم لَو رَآهَا مَعَه تَحت شعار على نعت مَكْرُوه حل لَهُ الْقَذْف وَإِن كَانَ لَا تحل الشَّهَادَة بِهَذَا الْقدر وَإِن رَآهَا فِي الْخلْوَة مرَارًا متكررة فَهَذَا قريب من الْمرة الْوَاحِدَة إِذا انضمت إِلَيْهِ الشُّيُوع فَإِن مُسْتَند أهل الإستفاضة هُوَ مُشَاهدَة ذَلِك مرَارًا
أما نفي الْوَلَد بِاللّعانِ فَإِنَّمَا يجوز بَينه وَبَين الله تَعَالَى إِذا تَيَقّن أَن الْوَلَد لَيْسَ مِنْهُ بِأَن لم يكن وَطئهَا أَو كَانَ يعْزل قطعا أَو أَتَت بِولد قبل سِتَّة أشهر من وَقت الْوَطْء وَقَالَ مَالك رَحمَه الله لَا مبالاة بِالْعَزْلِ وَلَيْسَ لَهُ اللّعان إِذا اعْترف بِالْوَطْءِ وَأمكن إِحَالَة الْوَلَد عَلَيْهِ
أما إِذا استبرأها بِحَيْضَة بعد الْوَطْء ثمَّ أَتَت بِولد فَهَذَا هَل يُبِيح النَّفْي فِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا نعم لِأَن ذَلِك أَمارَة شَرْعِيَّة على النَّفْي وَلذَلِك ينْدَفع النّسَب عَن التَّابِع
وَالثَّانِي أَنه إِن ظهر مَعَ ذَلِك أَمارَة الزِّنَا جَازَ وَإِلَّا فَلَا يجوز لِأَن الْحيض لَيْسَ بقاطع وَالْحَامِل قد تحيض
وَالثَّالِث أَنه يجوز وَلَكِن حَيْثُ يجوز النَّفْي يجب لِأَن السُّكُوت عَن إِلْحَاق الْبَاطِل حرَام إِذْ النّسَب يتَعَلَّق بِأَحْكَام كَثِيرَة وَلَكِن هَاهُنَا وَإِن جَازَ فَلَا يجب

(6/83)


وَقَالَ الإِمَام لَا يبعد أَن لَا يُوجب اللّعان لِأَنَّهُ إفضاح وقدح فِي الْمُرُوءَة فَنَقُول إِنَّمَا يحرم الإستلحاق كَاذِبًا أما إِذا ألحق الْفراش بِهِ وَهُوَ سَاكِت فَلَا يبعد أَن لَا يحرم السُّكُوت وَهَذَا غير منقدح فِي صُورَة الْيَقِين لِأَن أَمر النّسَب عَظِيم فَلَا يقْضِي عَلَيْهِ بالرسوم والمروءات
وَلَا خلاف فِي أَنه لَا يحل النَّفْي بِمُجَرَّد مشابهة الْوَلَد لغيره فِي الْخلق والخلق ولمخالفته للْوَلَد فِي الْحسن والقبح نعم لَو كَانَ الْأَب فِي غَايَة الْبيَاض وَالْولد فِي غَايَة السوَاد أَو الْعَكْس ذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجْهَيْن وَهَذَا ينقدح إِن كَانَ مَعَ ذَلِك تظهر مخيلة الزِّنَا فَأَما مُجَرّد ذَلِك فَلَا فَلَعَلَّ عرقا قد نزع وَأَبُو حنيفَة رَحمَه الله حَيْثُ يلْحق ولد المشرقي بالمغربي فَلَا شكّ فِي أَنه يُبِيح الْقَذْف ويحرمه عِنْد إِمْكَان الْعلُوق بِالْوَطْءِ وَنحن لَا نلحق النّسَب إِلَّا بعد سِتَّة أشهر من وَقت إِمْكَان الْوَطْء
فرع إِذا أَتَت بِولد لمُدَّة الْإِمْكَان وَلَكِن الزَّوْج رَآهَا تَزني وَاحْتمل أَن يكون من الزِّنَا فَلَو قذف ولاعن انْتَفَى فِي الظَّاهِر بِدَلِيل قصَّة الْعجْلَاني وَلَكِن لَا يُبَاح لَهُ ذَلِك مَعَ تعَارض الإحتمال ثمَّ قَالَ الْأَصْحَاب لَيْسَ لَهُ الْقَذْف وَاللّعان إِن ترك نفي النّسَب وَقد صَرَّحُوا بِجَوَاز

(6/84)


الْقَذْف إِذا لم يكن ولد لمُجَرّد الإنتقام من الزِّنَا فَهَذَا مُحْتَمل وَغَايَة تَعْلِيله أَنه إِذا كَانَ ثمَّ ولد لم يجز نَفْيه فنسبتها إِلَى الزِّنَا بِغَيْر الْوَلَد وَتطلق الْأَلْسِنَة فِي نسبه فَلَا يُقَاوم هَذَا الْغَرَض غَرَض التشفي فليقتصر على طَلاقهَا إِن أَرَادَ نظرا لوَلَده وَالَّذِي لحقه

(6/85)


الْفَصْل الثَّانِي فِي أَرْكَان اللّعان ومجاريه

وللعان سَبَب وَهُوَ الْقَذْف وَثَمَرَة وَأهل أَعنِي الْملَاعن فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَرْكَان سوى أَلْفَاظه
الرُّكْن الأول الثَّمَرَة وثمرته أَرْبَعَة نفي النّسَب أَو قطع النِّكَاح أَو دفع عُقُوبَة الْقَذْف أَو دفع عَار الْكَذِب فِي الْقَذْف
أما نفي النّسَب فِي النِّكَاح إِن تجرد جَازَ اللّعان لأَجله وَإِن لم تكن عُقُوبَة بعفوها مثلا وَكَذَلِكَ إِن لم يكن قطع نِكَاح بِأَن كَانَ قد أَبَانهَا وَلَو تجرد غَرَض الدّفع للعقوبة وَلم يكن ولد وَلَا قطع نِكَاح جَازَ اللّعان كَمَا لَو قَذفهَا وأبانها وَلم يكن ولد وَلَا فرق بَين أَن تكون الْعقُوبَة حدا أَو تعزيرا بِأَن تكون الزَّوْجَة أمة أَو ذِمِّيَّة أَو غير مُحصنَة على الْجُمْلَة وَفِيه وَجه بعيد أَن اللّعان لدفع التَّعْزِير غير جَائِز وَهُوَ ضَعِيف فَإِن عُقُوبَة مَحْذُورَة وَقد تَنْتَهِي إِلَى قريب من الْحَد وَهَذَا إِذا كَانَ التَّعْزِير لتكذيبه فَيكون لَهُ غَرَض فِي تَصْدِيق نَفسه وَفِي دفع الْعقُوبَة فيجتمع الغرضان
فَإِن كَانَ تَعْزِير تَأْدِيب لَا تَعْزِير تَكْذِيب مثل أَن ينسبها إِلَى زنا قد قَامَت الْبَيِّنَة عَلَيْهِ من قبل أَو اعْترفت بِهِ فيؤدب لإيذائه بتجديد ذكر الْفَاحِشَة عَلَيْهَا وَقد نقل الْمُزنِيّ رَحمَه الله هَا هُنَا أَنَّهَا إِن طلبت ذَلِك غزر وَلم يلتعن

(6/86)


وَنقل الرّبيع رَحمَه الله عزّر إِن لم يلتعن فَمنهمْ من قطع بِأَنَّهُ يُلَاعن وَغلط الْمُزنِيّ رَحمَه الله وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا يُلَاعن وَغلط الرّبيع وَمِنْهُم من قَالَ قَولَانِ وَالأَصَح أَنه لَا يلتعن لِأَن اللّعان حجَّة تَصْدِيق فَكيف يُقَام على مَا ثَبت صدقه وَإِنَّمَا اندفاع الْعقُوبَة تَابع لظُهُور صدقه بِاللّعانِ وَهَذَا معترف بِهِ فَلَا يزِيدهُ اللّعان وضوحا
فرعان
أَحدهمَا أَن طلب الْعقُوبَة إِلَيْهَا لَا إِلَى السُّلْطَان فَإِن عفت فَهَل يُلَاعن إِذا لم يكن غَرَض آخر من نسب يدْفع فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا نعم لِأَن دفع عَار الْكَذِب مَقْصُود أَيْضا وإفضاحها أَيْضا للإنتقام مِنْهَا مَقْصُود بِاللّعانِ المؤبد للْحُرْمَة فَلهُ إِقَامَة الْحجَّة وَإِنَّمَا ينْدَفع هَذَا باعترافها لَا بعفوها
وَالثَّانِي أَنه لَا يُلَاعن لِأَن هَذَا غَرَض ضَعِيف وَاللّعان حجَّة ضَرُورَة فَلَا بُد من غَرَض مُهِمّ كدفع النّسَب أَو الْعقُوبَة أما قطع النِّكَاح فممكن بِالطَّلَاق
أما إِذا سكتت عَن الطّلب فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِجَوَاز اللّعان لِأَن غَرَضه الطّلب وَهَذَا الْخلاف يرجع إِلَى أَن طلب الْعقُوبَة هَل هُوَ شَرط اللّعان إِذا لم يكن ثمَّة غَرَض من دفع نسب وَقطع نِكَاح وَإِن كَانَت مَجْنُونَة فَوَجْهَانِ مرتبان على الْعَفو وَأولى بِالْجَوَازِ

(6/87)


الثَّانِي لَو قَالَ زنى بك مَمْسُوح أَو قَالَ للرتقاء زَيْنَب فَهُوَ كَلَام محَال وَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا التَّعْزِير للإيداء وَلَا سَبِيل إِلَى اللّعان إِذْ كَيفَ يُمكن من أَن يحلف على مَا يعلم أَنه كَاذِب فِيهِ وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ فِيهِ وَجْهَيْن كَمَا فِي تَعْزِير التَّأْدِيب وَهُوَ بعيد
الرُّكْن الثَّانِي الْملَاعن وَشَرطه أَهْلِيَّة الْيَمين مَعَ الزَّوْجِيَّة
أما أَهْلِيَّة الْيَمين فنعني بِهِ أَنه لَا يشْتَرط أَهْلِيَّة الشَّهَادَة فَيصح لعان العَبْد وَالذِّمِّيّ والمحدود فِي الْقَذْف خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله
ثمَّ الذِّمِّيّ لَا يجْبر على اللّعان إِلَّا إِذا رَضِي بحكمنا فَإِن طلبت الْمَرْأَة اللّعان وَامْتنع الزَّوْج فَهَل يجْبر فِيهِ قَولَانِ يجريان فِي كل خُصُومَة تجْرِي بَين أهل الذِّمَّة إِن رَضِي بحكمنا أحد الْخَصْمَيْنِ أما إِذا لَاعن وامتنعت وَلم ترض بحكمنا لم نجبرها على اللّعان وَلَا على الْحَد فَإِن الْحَد حق الله تَعَالَى لَا حق الزَّوْج فَلَا غَرَض للزَّوْج فِي لعانها وَهَكَذَا

(6/88)


لَو قذف الْمُسلم زَوجته الذِّمِّيَّة فامتنعت فَلَا نجبرها وَإِنَّمَا عَلَيْهَا حد الزِّنَا وَهُوَ حق الله تَعَالَى لَا حق الزروج نعم الْمسلمَة إِذا امْتنعت من اللّعان وَلم يطْلب الزَّوْج لعانها عرضناها لحد الزِّنَا حَتَّى تلاعن إِن شَاءَت الدّفع وَمن أَصْحَابنَا من أجْرى الْقَوْلَيْنِ فِي إِجْبَار الْمَرْأَة الذِّمِّيَّة وَهُوَ بعيد
الشَّرْط الثَّانِي الزَّوْجِيَّة فَلَو قذف الْأَجْنَبِيّ فَلَا يُلَاعن وَالنَّظَر فِي نِكَاح ضَعِيف بِالطَّلَاق أَو الرِّدَّة وَفِي النِّكَاح الْفَاسِد
أما الرَّجْعِيَّة فيلاعن عَنْهَا وَلَا يتَوَقَّف على الرّجْعَة بِخِلَاف الْإِيلَاء وَالظِّهَار لِأَن مَقْصُود اللّعان نفي النّسَب وَالتَّحْرِيم المؤبد وَدفع الْحَد وكل ذَلِك لَا يُنَافِيهِ حَال الرّجْعَة
أما إِذا ارْتَدَّ بعد الْمَسِيس فقذف أَو كَانَ قذفه بزنا قبل الرِّدَّة فَإِن لَاعن فِي الرِّدَّة ثمَّ عَاد إِلَى الْإِسْلَام صَحَّ لِعَانه كَمَا صَحَّ لعان الذِّمِّيّ فَإِن أصر تبين فَسَاد لِعَانه وَعند ذَلِك هَل يقْضِي بِوُجُوب الْحَد مَعَ جَرَيَان لعان فَاسد فِيهِ وَجْهَان سنذكر مأخذهما
أما إِذا نكح نِكَاحا فَاسِدا أَو وطىء بِالشُّبْهَةِ ثمَّ قذف فَإِن كَانَ ثمَّ نسب تعرض للحوق وَأَرَادَ نَفْيه فيلاعن ويندفع الْحَد لِأَن اللّعان عندنَا يسْتَقلّ بمقصود نفي النّسَب خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله

(6/89)


وَإِن لم يكن ثمَّ نسب فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ لَا يُلَاعن وَعَلِيهِ الْحَد
فَإِن ظن صِحَة النِّكَاح فلاعن عِنْد القَاضِي ثمَّ بَان فَسَاده فَهَل تنْدَفع الْعقُوبَة فِيهِ وَجْهَان كَمَا فِي الْمُرْتَد الْمصر
أَحدهمَا لَا لِأَن اللّعان فَاسد
وَالثَّانِي نعم لِأَن الْحَد ينْدَفع بِالشُّبْهَةِ وَهَذِه حجَّة قَامَت على ظن الصِّحَّة فِي مجْلِس القَاضِي
ثمَّ مهما جرى اللّعان فِي النِّكَاح الْفَاسِد فَفِي تعلق الْحُرْمَة المؤبدة بِهِ خلاف مأخذه أَنه لم يفد تَحْرِيمًا فَكَأَن التَّأْبِيد تَابع للْحُرْمَة وَقد كَانَت هِيَ مُحرمَة وَكَذَلِكَ فِي لعانها

(6/90)


خلاف يرجع حَاصله إِلَى أَنَّهَا هَل تتعرض للحد بِسَبَب لِعَانه فَمنهمْ من قَالَ نعم لقِيَام حجَّة صَحِيحَة على زنَاهَا وَمِنْهُم من قَالَ لَا لِأَن إِيجَاب الْحَد عَلَيْهَا بعيد عَن الْقيَاس فَيخْتَص بمقصود الإنتقام من تلطيخ الْفراش فَلَا يجْرِي إِلَّا فِي نِكَاح صَحِيح
أما إِذا قذف فِي نِكَاح صَحِيح ثمَّ أَبَانهَا فَلهُ أَن يُلَاعن لدرء النّسَب إِن كَانَ أَو لدفع الْعقُوبَة لِأَنَّهُ جرى الْقَذْف حَيْثُ كَانَ مَعْذُورًا فَكَانَ يجوز لَهُ اللّعان فَلَا يتَغَيَّر بِمَا يطْرَأ بعد ذَلِك
أما إِذا قَذفهَا فِي النِّكَاح بزنا قبل النِّكَاح فَإِن لم يكن نسب يَنْفِيه بِاللّعانِ لم يُلَاعن وَإِن كَانَ فَوَجْهَانِ وَوجه الْمَنْع أَنه قصر إِذْ ذكر التَّارِيخ فَكَانَ يَنْبَغِي أَن يقْتَصر على الْقَذْف وَاللّعان
أما إِذا قذف بعد الْبَيْنُونَة فَإِن كَانَ ثمَّ ولد فَلهُ اللّعان وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ قذف أَجْنَبِيَّة وَفِيه وَجه أَنه إِن أضَاف الزِّنَا إِلَى حَالَة النِّكَاح لَاعن وَهَذَا لَا وَجه لَهُ

فروع

الأول إِذا قَذفهَا فلاعن ثمَّ أَبَانهَا ثمَّ قَذفهَا فَلَا لعان لِأَنَّهُ قذف بعد الْبَيْنُونَة وَأما الْحَد فَينْظر فَإِن قَذفهَا بذلك الزِّنَا الَّذِي لَاعن عَنهُ فَلَا حد وَلَكِن يلْزمه التَّعْزِير للإيذاء وَلَو قَذفهَا بزنية أُخْرَى فَقَوْلَانِ

(6/91)


أَحدهمَا وجوب الْحَد كَمَا إِذا لم يتَقَدَّم لعان
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ سَقَطت حصانتها فِي حَقه بِحجَّة اللّعان

(6/92)


وَمن أَصْحَابنَا من قطع بِالْوُجُوب وَقَالَ اللّعان حجَّة ضَرُورَة وَهُوَ حجَّة قَاصِرَة كَيفَ وَقد عَارضه لعانها فتساقطا فَلَا وَجه لإِسْقَاط الحصانة نعم إِذا حدت وَلم تلاعن فَفِيهِ وَجْهَان مشهوران
أما إِذا قَذفهَا بزنا مَنْسُوب إِلَى مَا قبل اللّعان سوى الزِّنَا الَّذِي لَاعن عَنهُ فقد صَادف حَالَة الحصانة فَالظَّاهِر أَنه يحد وَفِيه وَجه أَن انخرام الحصانة يَنْعَطِف حكمه على مَا سبق فَلَا يحد فِي الْحَال وَهِي غير مُحصنَة فِي حَقه
أما إِذا كَانَ الْقَذْف من أَجْنَبِي فَهُوَ أولى بِالْتِزَام الْحَد لِأَن تسرية حكم اللّعان إِلَى غير الزَّوْجَيْنِ أبعد
الثَّانِي إِذا قذف أَجْنَبِيَّة ثمَّ نَكَحَهَا ثمَّ قَذفهَا فَفِي تعدد الْحَد مَعَ اتِّحَاد الْمَقْذُوف قَولَانِ فَإِن قُلْنَا يَتَعَدَّد فَإِن لم يُلَاعن استوفى الحدان وَإِن لَاعن استوفى أَحدهمَا وَإِن قُلْنَا الْحَد مُتحد فيستوفى حد وَاحِد وَإِن لَاعن فَإِن الْحَد الأول لَا يُؤثر فِيهِ اللّعان وَإِنَّمَا ينْدَرج تَحت الْحَد الثَّانِي إِذا استوفى
الثَّالِث الْمَذْهَب الصَّحِيح أَن النّسَب فِي ملك الْيَمين لَا ينفى بِاللّعانِ لِأَن اللّعان ورد فِي النِّكَاح فَلَو اشْترى زَوجته الرقيقة فَأَتَت بِولد لزمان لَا يحْتَمل أَن يكون من ملك الْيَمين فَلهُ النَّفْي بِاللّعانِ كَمَا بعد الْبَيْنُونَة بِالطَّلَاق وَإِن احْتمل أَن يكون من النِّكَاح وَملك الْيَمين جَمِيعًا لم يُلَاعن لِأَن الْفراش الْأَخير يقطع الْفراش الأول وينسخه وَلذَلِك إِذا نكحت زوجا آخر وَأَتَتْ بِولد لزمان يحْتَمل الْعلُوق من الأول وَالثَّانِي ألحق بِالثَّانِي قطعا حَتَّى فرع ابْن

(6/93)


الْحداد على هَذَا وَقَالَ لَو ادّعى المُشْتَرِي الإستبراء بعد الْوَطْء لم يلْحقهُ الْوَلَد بِملك الْيَمين للإستبراء وَلَا بِملك النِّكَاح لانْقِطَاع ذَلِك الْفراش بفراش ملك يَمِين وطابقه عَلَيْهِ جَمَاهِير الْأَصْحَاب وَفِيه وَجه أَنه يلْحقهُ وَأَن ملك الْيَمين لَا يقطع حكم فرَاش النِّكَاح من كل وَجه
الرُّكْن الثَّالِث الْقَذْف الْمُسَلط على اللّعان نسبتها إِلَى الْوَطْء الْحَرَام كَالزِّنَا وَلَو نَسَبهَا إِلَى زنا هِيَ مستكرهة فِيهِ والواطىء زَان فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا أَنه يجْرِي اللّعان لنفي النّسَب
وَالثَّانِي لَا لِأَن الْقَذْف مَخْصُوص فِي كتاب الله تَعَالَى بِالرَّمْي الَّذِي يحْتَاج فِيهِ إِلَى الشَّهَادَة وَهُوَ الزِّنَا لِأَن اللّعان انتقام مِنْهَا وإفضاح والمستكرهة لَا تسْتَحقّ ذَلِك
وَلَو نَسَبهَا إِلَى وَطْء شُبْهَة تشْتَمل الشهبة الْجَانِبَيْنِ فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بَان لَا يجْرِي وَقطع الْعِرَاقِيُّونَ بِأَنَّهُ لَا يجْرِي لِأَن الْوَلَد يُمكن أَن يلْتَحق بالواطىء بِالشُّبْهَةِ فيدور بَينهمَا ويعرض على الْقَائِف فَلَعَلَّهُ يلْحقهُ بِهِ وَإِنَّمَا اللّعان لنفي ولد لَا يكون لَهُ نسب وَهَذَا إِنَّمَا يتَّجه إِذا اعْترف الواطىء بِالشُّبْهَةِ بِالْوَطْءِ فَإِن لم يعْتَرف فَلَا بُد من تَجْوِيز اللّعان لأجل النّسَب

(6/94)


أما إِذا قَالَ لَيْسَ الْوَلَد مني وَلم يضف إِلَى جِهَة فَفِيهِ تردد لِأَنَّهُ دائر بَين المستكرهة وَبَين الشُّبْهَة وَبَين الزِّنَا
وَلَا يشْتَرط فِي الْقَذْف أَن يَقُول رَأَيْتهَا تَزني وَلَا أَن يَدعِي الِاسْتِبْرَاء خلافًا لمَالِك رَحْمَة الله عَلَيْهِ

(6/95)


الْفَصْل الثَّالِث فِي فروع مُتَفَرِّقَة

وَهِي خَمْسَة
الأول إِذا قَذفهَا بأجنبي تعرض لحد الْأَجْنَبِيّ فَإِن لَاعن سقط عَنهُ الْحَد عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لِأَنَّهُ أَقَامَ حجَّة على عين تِلْكَ الزنية فَصدق من وَجه وَالْحَد يسْقط بِالشُّبْهَةِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله أثر اللّعان مَقْصُور على الزَّوْجَيْنِ فَلَا يتَعَدَّى إِلَى الْأَجْنَبِيّ
وَهَذَا إِذا ذكره فِي اللّعان فَإِن لم يذكرهُ فِي اللّعان فَقَوْلَانِ
أَحدهمَا السُّقُوط للشُّبْهَة ولقصة الْعجْلَاني فَإِنَّهُ لم يذكر شريك بن السحماء فِي اللّعان وَذكره فِي الْقَذْف
وَالثَّانِي يجب وَهُوَ الْقيَاس لِأَنَّهُ لم يقم عَلَيْهِ حجَّة
وَأما ابْن السحماء فَلَعَلَّهُ لم يطْلب وَنَشَأ من هَذَا نظر وَهُوَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لم يُنَبه ابْن السحماء على ثُبُوت حد الْقَذْف لَهُ فَذكر صَاحب التَّقْرِيب وَجْهَيْن فِي أَن من قذف عِنْد القَاضِي فَهَل على القَاضِي أَن يُنَبه الْمَقْذُوف
أَحدهمَا لَا لقصة شريك بن السحماء

(6/96)


وَالثَّانِي نعم لقصة العسيف إِذْ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
واغد يَا أنيس على امْرَأَة هَذَا فَإِن اعْترفت فارجمها إِذْ لم يكن الْغَرَض إِقْرَارهَا للرجم بل إنكارها ليثبت حد الْقَذْف
الثَّانِي إِذا قذف نسْوَة بِكَلِمَة وَاحِدَة فَفِي تعدد الْحَد قَولَانِ فَإِن قذف امْرَأَته وأجنبية بِكَلِمَة وَاحِدَة فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بالتعدد لانقسام حكمهمَا فِي اللّعان وَلَو قَالَ لزوجته يَا زَانِيَة بنت الزَّانِيَة فقد قَذفهَا وَأمّهَا بكلمتين فَعَلَيهِ حدان وَهل يقدم حد الْمَقْذُوف أَولا فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا نعم كَمَا لَو قتل شَخْصَيْنِ
وَالثَّانِي لَا كَمَا لَو أتلف مَال شَخْصَيْنِ
فَإِن قُلْنَا يقدم فَفِي مَسْأَلَتنَا الْمُقدم الْبِنْت فَيقدم الْحَد أَو اللّعان وَقيل إِن الْأُم هَا هُنَا تقدم لِأَن حق الْبِنْت يعرض للسقوط بِاللّعانِ دون الْأُم ثمَّ مهما حددناه بِوَاحِد

(6/97)


أمهلناه حَتَّى يبرأ جلده وَلَا نوالي بَين الْحُدُود وَلَو قذف أَربع نسْوَة بِكَلِمَة وَاحِدَة وَقُلْنَا يتحد الْحَد فَفِي تعدد اللّعان وَجْهَان ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى اتِّحَاد الصِّيغَة والملاعن وَفِي الثَّانِي إِلَى تعدد النسْوَة مَعَ أَن هَذِه حجَّة تبعد عَن التَّدَاخُل
فَإِن قُلْنَا يتحد اللّعان فَذَلِك ينفع إِذا توافقن فِي الطّلب أَو قُلْنَا لَا يشْتَرط طلبهن اللّعان فَإِن طلبت وَاحِدَة وَقُلْنَا يشْتَرط طلبَهَا فَلَا بُد من اللّعان عَنهُ ثمَّ يسْتَأْنف لعانا للباقيات وَحَيْثُ قُلْنَا يَتَعَدَّد فَلَو رضين بِلعان وَاحِد فَلَا أثر لرضاهن وَكَذَلِكَ لَو رَضِي جمَاعَة من المدعين بِيَمِين وَاحِدَة لم يُؤثر ذَلِك فِي تَغْيِير وصف الْحجَج
أما إِذا قذف امْرَأَة وَاحِدَة مرَّتَيْنِ بزنيتين فَفِي تعدد الْحَد وَاللّعان أَيْضا خلاف لِاتِّحَاد الْمَقْذُوف وتعدد الصِّيغَة
الثَّالِث إِذا ادَّعَت عَلَيْهِ الْقَذْف فَأنْكر فأقامت الْبَيِّنَة فَأَرَادَ اللّعان فَإِن كَانَ قد أنكر بِالسُّكُوتِ أَو قَالَ أردْت بالإنكار أَنه لم يكن قذفا بل كَانَ حَقًا فَلهُ اللّعان وَإِن لم يؤول إِنْكَاره فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ أنكر الْقَذْف وَلَا لعان إِلَّا بِقَذْف لينشيء قذفا إِن أَرَادَ ويستفيد بِهِ دَرْء حد الْقَذْف الَّذِي ثَبت بِالْبَيِّنَةِ أَيْضا
وَالثَّانِي أَنه يُلَاعن وإنكاره يحمل على الْمُعْتَاد فِي الْخُصُومَات كَمَا لَو ادّعى عَلَيْهِ ملك فَقَالَ اشْتَرَيْته من زيد وَكَانَ يملكهُ فَانْتزع من يَده بِالْبَيِّنَةِ فَرجع على زيد بِالثّمن وَلَا يُؤْخَذ بِإِقْرَارِهِ لَهُ بِالْملكِ
أما إِذا قَالَ مَا قذفتك وَمَا زَنَيْت فَلَا يُلَاعن إِلَّا إِذا أنشأ قذفا بِالزِّنَا يحْتَمل أَن يكون قد

(6/98)


طَرَأَ بعد شَهَادَته لَهَا بِالْبَرَاءَةِ فَإِن لم يحْتَمل فَلَا يُلَاعن وَأطلق القَاضِي القَوْل بِجَوَاز اللّعان
الرَّابِع إِذا امْتنع الزَّوْج عَن اللّعان اَوْ الزَّوْجَة فعرضناهما للحد فَرَجَعَا إِلَى اللّعان مكناهما من ذَلِك وَلَيْسَ هَذَا كاليمين لَا يجوز الرُّجُوع إِلَيْهَا بعد النّكُول بل يلْحق اللّعان بِالْبَيِّنَةِ فِي هَذَا الْمَعْنى وَلَو قَالَ بعد أَن حد ألاعن قَالَ الْأَصْحَاب لم يُمكن لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة قَالَ الْقفال إِن كَانَ ثمَّ ولد يُمكن مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا
الْخَامِس إِذا قَالَ زَنَيْت وَأَنت مَجْنُونَة اَوْ أمة أَو مُشركَة وعهد لَهَا تِلْكَ الْحَال فَلَا يجب إِلَّا التَّعْزِير وَكَانَ كَمَا لَو أضَاف إِلَى الصغر وَإِن لم يعْهَد وَلم يقم الزَّوْج عَلَيْهِ بَيِّنَة سَقَطت الْإِضَافَة وَعَلِيهِ الْحَد وَفِيه وَجه أَنه لَا حد لِأَنَّهُ إِذا انْتَفَى تِلْكَ الْحَال انْتَفَى الْمُضَاف إِلَيْهِ
وَلَو قَالَ زَنَيْت مستكرهة فَفِي وجوب التَّعْزِير خلاف لِأَن ذَلِك يعيرها وَإِن لم يسنبها إِلَى مَعْصِيّة ثمَّ الصَّحِيح أَنه يُلَاعن لدفع التَّعْزِير كَمَا يُلَاعن لدفع الْحَد

(6/99)


الرُّكْن الرَّابِع فِي صِيغَة اللّعان

وَالنَّظَر فِي أَصله وتغليظاته وسننه
النّظر الأول فِي أصل كَلِمَاته وَهُوَ أَن يَقُول الزَّوْج أَربع مَرَّات أشهد بِاللَّه إِنِّي لمن الصَّادِقين فِيمَا رميتها بِهِ من الزِّنَا وَإِن الْوَلَد من الزِّنَا وَلَيْسَ مني إِن كَانَ ثمَّ ولد وَيَقُول فِي الْخَامِسَة لعنة الله عَليّ إِن كنت من الْكَاذِبين فِيمَا رميتها بِهِ وتقابله الْمَرْأَة فَتشهد أَربع مَرَّات بِاللَّه إِنَّه لمن الْكَاذِبين فِيمَا رَمَاهَا بِهِ من الزِّنَا وَتقول فِي الْخَامِسَة غضب الله عَليّ إِن كَانَ من الصَّادِقين فِيمَا رماني بِهِ وَيجب على الزَّوْج إِعَادَة نفي الْوَلَد فِي كل شَهَادَة فَإِن تَركهَا مرّة لم تحسب
وَلَا يجب على الْمَرْأَة إِعَادَة أَمر الْوَلَد إِذْ لَا يتَعَلَّق إثْبَاته بلعانها وَلَا تقوم عندنَا مُعظم الْكَلِمَات مقَام الْكل خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله
وَالصَّحِيح أَنه يتَعَيَّن لفظ الشَّهَادَة فَلَا يجوز إبدالها بِالْحلف وَأَنه يتَعَيَّن لفظ اللَّعْن وَالْغَضَب من الْجَانِبَيْنِ وَيجب رِعَايَة التَّرْتِيب بِتَأْخِير اللَّعْن وَالْغَضَب وَتجب الْمُوَالَاة بَين

(6/100)


الْكَلِمَات وكل ذَلِك ميل إِلَى التَّعَبُّد لخُرُوج الْأَمر عَن الْقيَاس وَفِيه وَجه أَنه يجوز إِبْدَال الشَّهَادَة بالقسم وإبدال اللَّعْن بِالْغَضَبِ وَكَذَا عَكسه وَأَن التَّرْتِيب والموالاة لَا تشْتَرط وكل ذَلِك تشوف إِلَى اتِّبَاع الْمَعْنى

فروع ثَلَاثَة

الأول يَصح عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لعان الْأَخْرَس وقذفه خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله مَعَ أَن الْأَصَح أَنه لَا تقبل شَهَادَته وَلَكِن يغلب مشابه الْيَمين فِي اللّعان وَلَكِن لَا يُمكن فهم اللَّعْن وَالْغَضَب مِنْهُ وَهُوَ تعبد لَفْظِي فالطريق أَن يُكَلف الكتبة مَعَ الْإِشَارَة إِن قدر أَو يَقُول لَهُ نَاطِق لعنة الله عَلَيْك إِن كَانَ كَذَا فَيَقُول نعم
أما إِذا اعتقل لِسَانه بعد الْقَذْف وَقَالَ أهل الصِّنَاعَة إِنَّه سينطلق لِسَانه على قرب أمهلناه كَذَلِك قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ لَا مزِيد فِي مهلته على ثَلَاثَة أَيَّام إِذْ تَأْخِير حد الْقَذْف إِضْرَار بالمقذوف

(6/101)


وَمهما لَاعن بِالْإِشَارَةِ ثمَّ انْطلق لِسَانه فَقَالَ لم أرد قذفا وَلَا لعانا لم يقبل
الثَّانِي الأعجمي الْعَاجِز عَن الْعَرَبيَّة يلقن معنى اللَّعْن وَالْغَضَب بِلِسَانِهِ كَمَا فِي كلمة التَّكْبِير وَالنِّكَاح
ثمَّ القَاضِي ينصب ترجمانا وَلَا بُد من الْعدَد لِأَنَّهُ فِي حكم شَهَادَة وَهل يَكْتَفِي بِاثْنَيْنِ أم لَا بُد من أَربع لما فِيهِ من إِثْبَات زنَاهَا فِيهِ خلاف
الثَّالِث لَو مَاتَ الزَّوْج فِي أثْنَاء كَلِمَات اللّعان لم يَنْقَطِع النِّكَاح وَلحق النّسَب وَلم تقم الْوَرَثَة مقَامه فِي اللّعان أصلا
وَإِن مَاتَت الْمَرْأَة فِي خلال لِعَانه اسْتكْمل الزَّوْج إِن كَانَ ثمَّ ولد فَإِن لم يكن فَلَا حَاجَة إِلَى لِعَانه إِن قُلْنَا إِن الزَّوْج يَرث حد الْقَذْف ويتضمن سُقُوط بعضه سُقُوط الْكل

(6/102)


النّظر الثَّانِي فِي التغليطات
وَهِي بِالزَّمَانِ وَالْمَكَان وَالْجمع
أما الزَّمَان فبأن يُؤَخر إِلَى بعد الْعَصْر فَإِنَّهُ وَقت شرِيف وَإِن لم يكن طلب حثيث فَإلَى الْعَصْر من يَوْم الْجُمُعَة
أما الْمَكَان فبأن يُلَاعن فِي أشرف الْمَوَاضِع فَإِن لَاعن وَهُوَ بِمَكَّة فَبين الرُّكْن وَالْمقَام وبالمدينة فَبين الْمِنْبَر والقبر وبالقدس عِنْد الصَّخْرَة وَفِي سَائِر الْبِلَاد فِي مَقْصُورَة الْجَامِع ويلاعن الذِّمِّيّ فِي أفضل مَوضِع عِنْدهم من بيعَة وكنيسة سوى بيُوت الْأَصْنَام فَلَا يَأْتِيهَا أصلا وَفِي بيُوت النيرَان للمجوس خلاف وَالظَّاهِر أَن الزنديق يغلظ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْجِهَات ليناله شؤمه وَإِن لم يَعْتَقِدهُ وَالْحَائِض تلاعن على بَاب الْمَسْجِد وَاعْترض الْمُزنِيّ رَحمَه الله وَقَالَ جوز للمشركة اللّعان فِي الْمَسْجِد وَرُبمَا تكون حَائِضًا
وَاخْتلفُوا فِي الْمُشرك الْجنب فَمنهمْ من قَالَ لَا يؤاخذون بتفصيل شرعنا فِي الْأَحْكَام وَإِن كَانُوا يؤاخذون عِنْد الله تَعَالَى
أما الْجمع فَلَا بُد من حُضُور جمَاعَة لقَوْله تَعَالَى {وليشهد عذابهما طَائِفَة من الْمُؤمنِينَ} وَلَا يَنْبَغِي أَن ينقصوا عَن عدد شَهَادَة الزِّنَا

(6/103)


والتغليظ بِالْمَكَانِ مُسْتَحبّ أَو مُسْتَحقّ فِيهِ قَولَانِ وَفِي التَّغْلِيظ بِالزَّمَانِ وَالْجمع طَرِيقَانِ مِنْهُم من قطع بالإستحباب وَمِنْهُم من قَالَ قَولَانِ
أما جَرَيَان ذَلِك فِي مجْلِس الحكم فَشرط قطعا فَلَو تلاعنا فِي الْبَيْت لم يَصح إِلَّا عِنْد الْمُحكم على قَول جَوَاز التَّحْكِيم فِي الْعُقُوبَات

(6/104)


النّظر الثَّالِث فِي السّنَن

وَهِي ثَلَاثَة
الأول أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَاعن بَين الْعجْلَاني وَزَوجته على الْمِنْبَر فَقيل كَانَ الْعجْلَاني على الْمِنْبَر وَلَعَلَّه الْأَلْيَق للشهرة
وَقيل كَانَ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمِنْبَر فعلى هَذَا يسن للْقَاضِي صعُود الْمِنْبَر
الثَّانِي أَن يهدد كل وَاحِد من الزَّوْجَيْنِ ويخوفهما بِاللَّه فلعلهما يتصادقان فَيَقُول للرجل مَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَيّمَا رجل جحد وَلَده وَهُوَ ينظر إِلَيْهِ احتجب الله عَنهُ وفضحه على رُءُوس الْأَوَّلين والآخرين ويروي للْمَرْأَة قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام
أَيّمَا امْرَأَة أدخلت على قوم من لَيْسَ مِنْهُم فَلَيْسَتْ من الله فِي شَيْء وَلنْ يدخلهَا الله جنته وَحَدِيث

(6/105)


الْمِعْرَاج أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بنسوة معلقات بثديهن فَقَالَ لجبريل عَلَيْهِ السَّلَام من هَؤُلَاءِ فَقَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام هن اللَّاتِي ألحقن بأزواجهن من لَيْسَ مِنْهُم يَأْكُل حرائبهم وَينظر إِلَى عَوْرَاتهمْ
الثَّالِث أَن يَأْتِي الرجل عِنْد الْخَامِسَة رجل من وَرَائه فَيَضَع يَده على فِيهِ وَيَقُول صَاحب الْمجْلس للملاعن اتَّقِ الله فَإِنَّهَا مُوجبَة وَالْمَرْأَة تأتيها امْرَأَة من وَرَائِهَا وَيُقَال لَهَا كَذَلِك وَالله أعلم

(6/106)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي جَوَامِع أَحْكَام اللّعان وَحكم الْوَلَد خَاصَّة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
أما أَحْكَام اللّعان فخمسة وُقُوع التَّفْرِقَة وتأبد الْحُرْمَة وَسُقُوط حد الْقَذْف وَانْتِفَاء النّسَب وَوُجُوب حد الزِّنَا عَلَيْهَا وَجُمْلَة ذَلِك تتَعَلَّق بِلعان الزَّوْج وَلَا يتَعَلَّق بلعانها إِلَّا سُقُوط الْحَد عَنْهَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله الْفرْقَة تتَعَلَّق بلعانهما وَقَضَاء القَاضِي وَقَالَ مَالك رَحمَه الله تتَعَلَّق بلعانهما
وَلَا يجب الْحَد عَلَيْهَا بلعانه عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله وَلَا تتأبد الْحُرْمَة عِنْده بل يحل لَهُ نِكَاحهَا مهما كذب نَفسه أَو خرج عَن أَهْلِيَّة الشَّهَادَة بِأَن يخرس أَو يحد فِي

(6/107)


الْقَذْف نعم اخْتلف أَصْحَابنَا فِي أَن هَذِه الْحُرْمَة هَل تشْتَمل ملك الْيَمين وَهل تتَعَلَّق بِاللّعانِ فِي النِّكَاح الْفَاسِد وَبعد الْبَيْنُونَة
أما حكم الْوَلَد وانتفائه ولحوقه فَفِيهِ ثَلَاثَة فُصُول

(6/108)


الْفَصْل الأول فِيمَن يلْحقهُ النّسَب

وَهُوَ كل من يُمكن أَن يُولد لَهُ وَالنَّظَر فِي الصَّبِي والمجبوب والخصي
أما الصَّبِي فإمكان الْعلُوق مِنْهُ بعد كَمَال السّنة الْعَاشِرَة فيلحقه ولد أَتَت بِهِ زَوجته لسِتَّة أشهر بعد السّنة الْعَاشِرَة وَقيل يُمكن الْعلُوق فِي أثْنَاء الْعَاشِرَة ويلحقه الْوَلَد بعد الْعَاشِرَة
وَمهما أَتَت بِهِ قبل الْإِمْكَان لم يفْتَقر إِلَى اللّعان إِذْ لَا يلْحقهُ وَمهما لحقه فَقَالَ ألاعن وَأَنا بَالغ يُمكن مِنْهُ فَلَو قَالَ أَنا صبي وألاعن لم يُمكن وَلَو قَالَ كذبت وَأَنا بَالغ فألاعن قبل مِنْهُ لِأَن الصَّبِي لَا يعرف بُلُوغه إِلَّا بقوله
أما الْمَجْبُوب الذّكر الْبَاقِي الْأُنْثَيَيْنِ فَالْوَلَد يلْحقهُ لبَقَاء أوعية الْمَنِيّ فَيحمل انزلاق الْمَنِيّ وَيحْتَمل استدخال مَائه
أما المنزوع الْأُنْثَيَيْنِ الْبَاقِي ذكره فَقطع الْمُحَقِّقُونَ بلحوق الْوَلَد لبَقَاء اللآلة وَقَالَ الفوراني يرجع فِيهِ إِلَى الْأَطِبَّاء
وَأما الْمَمْسُوح ذكره وأنثياه فَفِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا أَنه لَا يلْحقهُ الْوَلَد إِذْ التجربة تدل على اسْتِحَالَة الإعلاق مِنْهُ
وَحَيْثُ قضينا بِأَنَّهُ لَا إِمْكَان فَلَا حَاجَة إِلَى اللّعان

(6/109)


الْفَصْل الثَّانِي فِي أَحْوَال الْوَلَد

وَله ثَلَاثَة أَحْوَال
الْحَالة الأولى أَن يكون حملا وَهل يجوز نَفْيه بِاللّعانِ قبل الإنفصال فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا لَا لِأَن الْحمل لَا يتَيَقَّن فَلَعَلَّهُ ريح ينفش
وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ يظنّ ظنا غَالِبا وَفِي التَّأْخِير خطر موت الزَّوْج ولحوق النّسَب وَهَذَا بعد الْبَيْنُونَة أما فِي صلب النِّكَاح فَالصَّحِيح أَنه يُلَاعن لِأَن الْعجْلَاني لَاعن عَن الْحمل وَلِأَن اللّعان دون الْوَلَد لمُجَرّد قطع النِّكَاح جَائِز وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ وَلَا وَجه لَهُ وَقد بنى الْأَصْحَاب الْقَوْلَيْنِ على أَن الْحمل هَل يعرف بَقينَا وَهُوَ ضَعِيف بل الصَّحِيح أَنه لَا يعرف يَقِينا وَلَكِن الْأَحْكَام مِنْهَا مَا يثبت بِالنّظرِ وَمِنْهَا مَا لَا يثبت وَمِنْهَا مَا يتَرَدَّد فِيهِ فلأجل ذَلِك اخْتلف قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي بعض الْمسَائِل لَا لتردده فِي أَن الْحمل لَا يتَيَقَّن
الْحَالة الثَّانِيَة أَن يَكُونَا توأمين من بطن وَاحِد فَلَا يَتَبَعَّض نفيهما فَإِن اقْتصر على نفي أَحدهمَا لم ينتف مَعَ لُحُوق الثَّانِي وَلَو نفاهما واستلحق أَحدهمَا لحقه الثَّانِي وَلَو نفى الْحمل فَأَتَت بتوأمين انتفيا وَلَو أَتَت بِوَاحِد فِي النِّكَاح فلاعن فَأَتَت بثان لأكْثر من سِتَّة أشهر لحقه الثَّانِي دون الأول لِأَنَّهُ من بطن أُخْرَى وَيحْتَمل الْعلُوق بعد انْفِصَال الأول وَقبل اللّعان وَلَو نفى الْحمل فَأَتَت بِولد ثمَّ أَتَت بآخر لأكْثر من سِتَّة أشهر انْتَفَى من غير لعان لِأَنَّهُ لَا يحْتَمل الْعلُوق بِهِ فِي صلب النِّكَاح

(6/110)


فرعان
أَحدهمَا أَنه مهما أَرَادَ أَن يَنْفِي أَوْلَادًا عدَّة يَكْفِيهِ لعان وَاحِد وَلَا يحْتَاج كل وَاحِد إِلَى لعان
الثَّانِي أَن التوأمين المنفيين بِاللّعانِ أَخَوان من الْأُم وَهل يتوارثان بأخوة الْأَب فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا لِأَن اللّعان أبطل الْأُبُوَّة
وَالثَّانِي نعم لِأَن اللّعان أَثَره قَاصِر عَن الْملَاعن
الْحَالة الثَّالِثَة أَن يَمُوت الْوَلَد فَلهُ أَن يُلَاعن لِأَن الْمَوْت لَا يقطع النّسَب وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَيْسَ لَهُ ذَلِك إِلَّا إِذا كَانَ للْوَلَد ولد حَيّ
ثمَّ عندنَا مهما اسْتَلْحقهُ بعد اللّعان لحقه فَلَو نَفَاهُ فَلَمَّا مَاتَ اسْتَلْحقهُ ليحوز مِيرَاثه لحقه وَورث مَعَ التُّهْمَة لِأَن الأَصْل هُوَ النّسَب وَيلْحق بِمُجَرَّد قَوْله وَالْمِيرَاث تَابع وَكَذَلِكَ لَو نَفَاهُ بعد الْمَوْت فَلَمَّا قسم مِيرَاثه عَاد واستلحقه فَالظَّاهِر أَنه يلْحقهُ وَيسْتَرد نصِيبه من الْمِيرَاث نظرا إِلَى ثُبُوت النّسَب وَفِيه وَجه أَنه إِذا سقط الْمِيرَاث لم يرجع إِلَيْهِ

(6/111)


الْفَصْل الثَّالِث فِيمَا يسْقط حق النَّفْي

وَالصَّحِيح أَنه على الْفَوْر لِأَنَّهُ فِي حكم ضرار يدْفع بعد مَعْرفَته فَلَا وَجه للتأخير وَفِيه قَول آخر لَا بَأْس بِهِ أَنه يُمْهل ريثما يتروى فَإِن الْأَمر فِيهِ خطر وَلَعَلَّه يتَقَدَّر بِثَلَاثَة أَيَّام وَحكي قَول ثَالِث أَنه لَا يسْقط إِلَّا بالاستلحاق وَهَذَا بعيد
والتفريع على أَنه على الْفَوْر فعلى هَذَا لَا يعْذر إِلَّا إِذا لم تحصل لَهُ حَقِيقَة الْمعرفَة فَلَو صَبر حَتَّى ينْفَصل الْحمل جَازَ لِأَنَّهُ لَا يتَيَقَّن فَرُبمَا يكون ريحًا فينفش فَلَو قَالَ عرفت الْحمل وَلَكِن قلت رُبمَا تجهض فَهَل يبطل حَقه فِيهِ وَجْهَان
وَلَو أخبرهُ فَاجر بِالْولادَةِ فَقَالَ لم أصدقه جَازَ وَإِن أخبرهُ عَدْلَانِ فَلَا وَإِن أخبرهُ عدل وَاحِد فَوَجْهَانِ لقبُول رِوَايَته ورد شَهَادَته وَلَو قَالَ كنت لَا أَدْرِي أَن لي حق النَّفْي فيعذر إِن لم يكن من جملَة الْفُقَهَاء
فرع لَو هَناه مهن بِالْوَلَدِ وَقَالَ متعك الله بِهِ فَقَالَ آمين فَهُوَ إِقْرَار بِالنّسَبِ فَلَا لعان بعده وَلَو قَالَ جَزَاك الله خيرا أَو أسمعك الله مَا يَسُرك لم يكن إِقْرَارا

(6/112)