الوسيط في المذهب

= كتاب الْعدَد =
وَفِيه ثَلَاثَة أَقسَام
عدَّة الطَّلَاق وعدة الْوَفَاة وعدة الإستبراء فِي ملك الْيَمين
أما عدَّة الطَّلَاق فَفِيهَا بَابَانِ

(6/113)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي عدَّة الْحَرَائِر وَالْإِمَاء وأصناف المعتدات وأنواع عدتهن - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَهِي ثَلَاثَة أَنْوَاع الْأَقْرَاء وَالْأَشْهر وَالْحمل
فالحرة تَعْتَد بِثَلَاثَة أَقراء إِذا طلقت بعد الْمَسِيس ومقصود هَذِه الْعدة بَرَاءَة الرَّحِم وَلَكِن يَكْتَفِي بِسَبَب الشّغل وَلَا يشْتَرط عينه لِأَن ذَلِك خَفِي لَا يطلع عَلَيْهِ وَلذَلِك تجب الْعدة بِوَطْء الصَّبِي وبمجرد تغييبه الْحَشَفَة وَحَيْثُ علق طَلاقهَا بِيَقِين بَرَاءَة الرَّحِم
وَمن دأب الشَّرْع فِي مظان التباس الْمعَانِي الْمَقْصُودَة ربط الْأَحْكَام بالأسباب الظَّاهِرَة كَمَا علق الْبلُوغ بالاحتلام وَالسّن لخفاء الْعقل وعلق الْإِسْلَام بكلمتي الشَّهَادَة مَعَ الْإِكْرَاه لخفاء العقيدة
وَاعْلَم أَن الْحرَّة تَعْتَد بِثَلَاثَة أَقراء وَالْأمة تَعْتَد بقرأين لِأَن الْقُرْء الْوَاحِد لَا

(6/115)


ينتصف فيكمل وَلَو عتقت قبيل الطَّلَاق فَهِيَ كَالْحرَّةِ وَإِن عتقت فِي الْقُرْأَيْنِ فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا أَنَّهَا تستكمل إِذْ عتقت قبل الْفَرَاغ
وَالثَّانِي لَا بل ينظر إِلَى حَالَة الْوُجُوب فيكفيها قرءان وَالثَّالِث أَنَّهَا إِن كَانَت رَجْعِيَّة عدلت إِلَى عدَّة الْحَرَائِر وَإِن كَانَت بَائِنَة قنعت بقرأين
فرع إِذا وطىء أمة على ظن أَنَّهَا حليلته الْحرَّة اعْتدت بِثَلَاثَة أَقراء على وَجه لِأَن للظن أثرا فِي الْعدة وعَلى وَجه يكفيها قرءان نظرا إِلَى حَقِيقَة الْحَال
وَلَو وطىء حرَّة على ظن أَنَّهَا امة فَلَا خلاف أَنَّهَا تَعْتَد بِثَلَاثَة أَقراء لِأَن الظَّن يُؤثر فِي الإحتياط
وَاعْلَم أَن النسْوَة أَصْنَاف الْمُعْتَادَة والمستحاضة وَالَّتِي تَبَاعَدت حَيْضَتهَا فِي أَوَان الْحيض وَالصَّغِيرَة والآيسة

(6/116)


الصِّنْف الأول الْمُعْتَادَة وعدتها ثَلَاثَة أَقراء على الْعَادة والأقراء هِيَ الْأَطْهَار عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله هِيَ الْحيض
وَاخْتلف الْعلمَاء فِيهِ وَاسْتشْهدَ كل فريق بِدلَالَة وَالَّذِي صَحَّ عِنْد الْمُحَقِّقين أَن الشواهد متعارضة وَأَن الْقُرْء فِي اللُّغَة مُشْتَرك بَين الطُّهْر وَالْحيض كالجون مُشْتَرك بَين الضَّوْء والظلمة وَقد قَالَ الشَّاعِر ... لما ضَاعَ فِيهَا من قُرُوء نسائكا

(6/117)


وَإِنَّمَا يضيع الطُّهْر وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
دعِي الصَّلَاة أَيَّام أَقْرَائِك وَهِي أَيَّام الْحيض لَو كن تعلق الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بقوله تَعَالَى {فطلقوهن لعدتهن} فَقَالَ الْأَمر يتَنَاوَل الطَّلَاق السّني وَهُوَ الَّذِي فِي الطُّهْر فَيَنْبَغِي أَن يستعقب الإحتساب بالعدة وَعند أبي حنيفَة رَحمَه الله إِذا طلقت فِي الطُّهْر لم تحتسب بَقِيَّة الطُّهْر كَمَا أَنَّهَا لَو طلقت فِي الْحيض لم تحتسب عندنَا مُدَّة الْحيض وَيشْهد لَهُ أَن مَقْصُود الْعدة الْعُزْلَة عَن الزَّوْج وَلَقَد كَانَت فِي مُدَّة الْحيض معتزلة فِي صلب النِّكَاح فجدير أَن يكون الطُّهْر هُوَ ركن الْعدة
فَنَقُول لَو قَالَ أَنْت طَالِق قبيل آخر جُزْء من الطُّهْر فالجزء الْأَخير يحْسب قرءا وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَول آخر أَن الْقُرْء هُوَ الإنتقال من الطُّهْر إِلَى الْحيض فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَن يجمع لكَون الإسم مُطلقًا عَلَيْهِمَا جَمِيعًا ولانه يُقَال قَرَأَ

(6/118)


النَّجْم إِذا طلع وَقَرَأَ إِذا عزب وَهُوَ مشْعر بالإنتقال والجديد هُوَ الأول وَتظهر فَائِدَة الْقَوْلَيْنِ فِيمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق فِي آخر جُزْء من الطُّهْر حصل بالإنتقال قرء على هَذَا القَوْل وَلم يحصل على الْجَدِيد بل لَا بُد من ثَلَاثَة أطهار بعد الطَّلَاق وَهَذَا فِي طهر محتوش بدمين أما طهر الصَّغِيرَة هَل هُوَ قرء فِيهِ خلاف من حَيْثُ إِنَّه طهر وَلَكِن لم يتقدمه حيض فعلى هَذَا لَو طلق الصَّغِيرَة فَحَاضَت قبل الْأَشْهر فعلَيْهَا ثَلَاثَة أطهار بعد الْحيض وَلَو قَالَ للصغيرة أَنْت طَالِق ثَلَاثًا فِي كل قرء طَلْقَة وَقعت فِي الْحَال وَاحِدَة إِن قُلْنَا إِنَّه قرء وَإِلَّا فَلَا يَقع حَتَّى تطهر بعد الْحيض وَكَذَلِكَ يظْهر أثر الْخلاف فِي دَعْوَاهَا انْقِضَاء الْعدة وَمُدَّة الْإِمْكَان فِيهِ
وَمِمَّا لَا بُد من التنبه لَهُ أَن الطُّهْر الْأَخير إِنَّمَا يتَبَيَّن كَمَاله بِالشُّرُوعِ فِي الْحيض الَّذِي بعده وَالظَّاهِر أَنه يَكْتَفِي بلحظة وَاحِدَة وَنقل الْبُوَيْطِيّ رَحمَه الله عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَا بُد من يَوْم وَلَيْلَة حَتَّى يتَبَيَّن أَنه لَيْسَ بِدَم فَسَاد وَمن الْأَصْحَاب من حمل ذَلِك على الإحتياط وَقطع النّظر باللحظة وَمِنْهُم من قَالَ فِي الْمَسْأَلَة قَولَانِ وَمِنْهُم من قَالَ إِن رَأَتْ على الْعَادة فاللحظة تَكْفِي وَإِن رَأَتْ قبل ذَلِك فَلَا بُد من يَوْم وَلَيْلَة
ثمَّ لَا خلاف أَنه لَيْسَ من الْعدة وَإِنَّمَا هُوَ للتبيين
الصِّنْف الثَّانِي المستحاضات

(6/119)


وَلها ثَلَاثَة أَحْوَال
الْحَالة الأولى أَن كَون مُمَيزَة أَو حافظة للْعَادَة وَالْوَقْت فَترد إِلَى التَّمْيِيز أَو الْعَادة وَلَا يخفى أمرهَا فَإِن كَانَت مُبتَدأَة أَو ناسية للْعَادَة وَالْوَقْت فيكتفي مِنْهَا بِثَلَاثَة أشهر إِذْ الشَّهْر الْوَاحِد يَدُور فِيهِ الْحيض وَالطُّهْر غَالِبا ثمَّ إِن طلقت فِي آخر الشَّهْر يكفيها ثَلَاثَة أشهر بِالْأَهِلَّةِ وَإِن كَانَ فِي وسط الشَّهْر فَكَانَ الْبَاقِي أَكثر من خَمْسَة عشر يَوْمًا يكفيها بَقِيَّة الشَّهْر وشهران بِالْأَهِلَّةِ وَإِن كَانَ أقل فَفِيهِ خلاف لأجل اضْطِرَاب النَّص وَمن لَا يحْتَسب بِهِ يَقُول يحْتَمل أَن يكون جَمِيع بَقِيَّة الشَّهْر حيضا وَمن يحْتَسب يَقُول أَن الطُّهْر يَقع آخر الشَّهْر وَالْحيض مَعَ أول الشَّهْر حَتَّى قَالُوا يحْسب بَقِيَّة الشَّهْر قرءا وَإِن لم يبْق إِلَّا يَوْم وَلَيْلَة وَهَذَا تحكم يُخَالف الْوُجُود فَإِن قيل على قَول الإحتياط فِي الْمُسْتَحَاضَة لم يكتف بِثَلَاثَة أشهر وَيحْتَمل أَن يزِيد الطُّهْر على ثَلَاثَة أشهر فَلم لَا يحْتَاط فِي الْعدة قُلْنَا ذكر صَاحب التَّقْرِيب وَجها أَنَّهَا تُؤمر بالإحتياط والتربص إِلَى سنّ الْيَأْس أَو أَربع سِنِين أَو تِسْعَة أشهر كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الْحيض وَهُوَ مُتَّجه إِذْ الِاحْتِيَاط للنِّكَاح أهم وَلَكِن رُبمَا يفرق بِأَن حكم الْعِبَادَات مَقْصُور عَلَيْهَا وَالْعدة تَقْتَضِي السُّكْنَى وَالرَّجْعَة فيبعد أَن تتمادى وَيُمكن أَن يُقَال لَا رَجْعَة وَلَا سُكْنى إِلَّا فِي ثَلَاثَة أشهر وَيبقى تَحْرِيم النِّكَاح تعبدا عَلَيْهَا وَلَكِن الضرار يعظم فِيهِ فَلذَلِك يبعد قَول الإحتياط هَا هُنَا من وَجه
الصِّنْف الثَّالِث الصَّغِيرَة وعدتها بِالْأَشْهرِ إِلَى أَن تحيض وَلَا مبالاة برؤيتها

(6/120)


الدَّم قبل تَمام تسع سِنِين فَإِن ذَلِك لَيْسَ بحيض وَلَو طلقت فرأت الدَّم بعد مُضِيّ ثَلَاثَة أشهر فَلَيْسَ عَلَيْهَا الإستئناف وَإِن كَانَ قبل تَمام الشَّهْر استأنفت الْعدة بِالْأَقْرَاءِ فَإِنَّهَا الأَصْل وَمَا مضى من الطُّهْر هَل يحْسب قرءا فعلى الْخلاف الْمَذْكُور
فَأَما الآيسة إِذا حَاضَت فيحسب لَهَا بَقِيَّة الطُّهْر قرءا لِأَن طهرهَا محتوش بدمين وَإِن طَال بهَا الْعَهْد وَمهما انْكَسَرَ الشَّهْر الأول يتمم بِثَلَاثِينَ من الشَّهْر الْأَخير وَيَكْفِي شَهْرَان آخرَانِ بِالْأَهِلَّةِ وَفِيه وَجه مثل مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله أَنه إِذا انْكَسَرَ شهر فقد انْكَسَرَ الْجَمِيع فَلَا بُد من تسعين يَوْمًا
وَالْعدة بِالْأَشْهرِ لَا تكون إِلَّا فِي الصَّغِيرَة والأيسة وَهُوَ أحد نَوْعي الْعدة وَهَذَا كُله فِي الْحرَّة
فَأَما الْأمة الْمَنْكُوحَة فَإِنَّهَا تَعْتَد بقرأين عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لِأَن الْقُرْء لَا ينتصف كَمَا يملك العَبْد طَلْقَتَيْنِ وَالْعدة بِالنسَاء فَإِن كَانَت من ذَوَات الْأَشْهر فَقَوْلَانِ
أَحدهمَا أَنه تَعْتَد بِشَهْر وَنصف لِأَنَّهُ يقبل التجزئة
وَالثَّانِي أَنَّهَا تَعْتَد بشهرين بَدَلا عَن الْقُرْأَيْنِ فَإِنَّهُمَا قد تأصلا فَلَا ينظر إِلَى السَّبَب

(6/121)


وَقد نَص فِي أم وَالْولد إِذا أعتقت على قَوْلَيْنِ
أَحدهمَا أَنه يكفيها شهر وَاحِد بَدَلا عَن قرء وَاحِد فِي الإستبراء
وَالثَّانِي أَنَّهَا تَعْتَد بِثَلَاثَة أشهر لِأَن مَا يتَعَلَّق بالطبع من عَلامَة الْبَرَاءَة لَا يخْتَلف بِالرّقِّ فَيخرج من هَذَا قَول ثَالِث فِي الْمَنْكُوحَة أَنَّهَا تَعْتَد بِثَلَاثَة أشهر
الصِّنْف الرَّابِع الَّتِي تَبَاعَدت حَيْضَتهَا نظر
فَإِن تَأَخَّرت حَيْضَتهَا من الصغر فَلم تَحض أصلا فعدتها بِالْأَشْهرِ لعُمُوم قَوْله تَعَالَى {واللائي لم يحضن} وَإِن حَاضَت ثمَّ تَأَخّر إِن كَانَ بِمَرَض ظَاهر أَو رضَاع فَلَيْسَ لَهَا إِلَّا تربص الْحيض أَو سنّ الْيَأْس فَعِنْدَ سنّ الْيَأْس تَعْتَد بِالْأَشْهرِ
أما إِذا لم يكن الإنقطاع لعِلَّة فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال
الْجَدِيد أَنَّهَا تصبر إِلَى سنّ الْيَأْس كَمَا إِذا كَانَ لعِلَّة لِأَن الْأَشْهر ورد فِي الْقُرْآن فِي اللائي لم يحضن واللائن يئسن من الْمَحِيض وَلَيْسَت من الْقسمَيْنِ وَلِأَن الْحيض لَا يَنْقَطِع إِلَّا لعِلَّة وَإِن خفيت وَفِي الْعلَّة تربص قطعا فَإِن فِيهِ مَذْهَب عُثْمَان وَزيد وَعلي رَضِي الله عَنْهُم فِي زَوْجَة حبَان بن منقذ فِي مثل هَذِه الْحَالة وَفِيه

(6/122)


أَيْضا مَذْهَب ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ
وَالْقَوْل الثَّانِي أَنَّهَا تستضر بِالصبرِ إِلَى سنّ الْيَأْس فتتربص تِسْعَة أشهر لتتبين عدم الْحمل ثمَّ تَعْتَد بعده بِثَلَاثَة أشهر للتعبد وَهُوَ قَول قديم قلد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِيهِ مَذْهَب عمر رضوَان الله عَلَيْهِ
وَالْقَوْل الثَّالِث أَنَّهَا تَتَرَبَّص لنفي الْحمل أَربع سِنِين ثمَّ تَعْتَد بِثَلَاثَة أشهر وَالْقَوْلَان الأخيران قديمان ويلتقيان على الْمصلحَة
التَّفْرِيع إِن قُلْنَا تَتَرَبَّص تِسْعَة أشهر ثمَّ ثَلَاثَة فَلَو فعلت ونكحت ثمَّ حَاضَت فَالنِّكَاح مُسْتَمر لاتصاله بِالْمَقْصُودِ وَلَو حَاضَت قبل تَمام التِّسْعَة بَطل التَّرَبُّص وانتقلت إِلَى الْأَقْرَاء وَإِن لم يعاودها وَجب عَلَيْهَا اسئتناف التِّسْعَة لِأَن مَا سبق كَانَ للإنتظار وَقد بَطل فَلَا يقنع حُصُول الْبَرَاءَة فَإِن التَّعَبُّد أغلب على الْعدة أما إِذا حَاضَت بعد الشُّرُوع فِي الْأَشْهر الثَّلَاثَة وَرَاء التِّسْعَة ثمَّ لم يعاودها الدَّم فعلَيْهَا اسْتِئْنَاف التَّرَبُّص بالتسعة وَلَكِن مَا سبق من مُدَّة الْعدة فِي الْأَشْهر الثَّلَاثَة هَل تحسب حَتَّى

(6/123)


تبني عَلَيْهِ الْبَاقِي أَو تسْتَأْنف كَمَا تسْتَأْنف التِّسْعَة فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْبناء أَن الإنتظار هُوَ الَّذِي يبطل بطرآن الْحيض أما مَا وَقع الِاعْتِدَاد بِهِ من صلب الْعدة فَلَا
التَّفْرِيع إِن أمرنَا باستئناف الْكل فَلَا كَلَام وَإِن قضينا بِالْبِنَاءِ فَفِي كيفيته وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يتم بِثَلَاثَة أشهر بِالْحِسَابِ
وَالثَّانِي أَن مَا مضى يحْسب قرءا لِأَنَّهُ طَرَأَ الْحيض عَلَيْهِ ويكفيه شَهْرَان وَإِن لم يمض من الْأَشْهر قبل الْحيض إِلَّا يَوْم وَاحِد وَهَذَا بعيد لِأَنَّهُ جمع بَين الْبَدَل والمبدل فِي عدَّة وَاحِدَة وَهَذَا لَا نَظِير لَهُ فِي الأبدال
أما إِذا رَأَتْ الدَّم بعد مُضِيّ الْمَرَّتَيْنِ وَقبل النِّكَاح فالمنصوص أَنَّهَا مَرْدُودَة إِلَى الْأَقْرَاء لِأَن الْبَدَل لم يتَّصل بِالْمَقْصُودِ وَكَذَا تَتَرَبَّص فِي انْتِظَار الدَّم وَقد وجد وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ الْحيض بعد الْفَرَاغ كالحيض بعد النِّكَاح فَلَا أثر لَهُ
وكل هَذِه التفريعات جَارِيَة أَيْضا على قَوْلنَا إِنَّه تَتَرَبَّص أَربع سِنِين وَإِنَّمَا يخْتَلف الْمِقْدَار
أما إِذا فرعنا على الْجَدِيد وَهُوَ التَّرَبُّص إِلَى سنّ الْيَأْس فَفِي سنّ الْيَأْس قَولَانِ

(6/124)


أَحدهمَا أَنه أقْصَى مُدَّة يأس امْرَأَة فِي دهرها مِمَّا يعرف فِي الصرود والجروم الَّذِي يبلغ حَده فَإِن سَائِر الْعَالم لَا يُمكن طوفه
وَالثَّانِي تعْتَبر نسَاء عشرتها من جَانب الْأُم وَالْأَب وَمن أَصْحَابنَا من ذكر وَجْهَيْن ضعيفين
أَحدهمَا النّظر إِلَى نسَاء الْعَصَبَات دون جَانب الْأُم كَمَا فِي مهر الْمثل
وَالثَّانِي النّظر إِلَى نسَاء الْبَلدة لِأَن للهواء تَأْثِيرا فِيهِ

فرع
على هَذَا القَوْل لَو رَأَتْ الدَّم بعد الْوُصُول إِلَى سنّ الْيَأْس لَا يَخْلُو
إِمَّا أَن ترى قبل مُضِيّ الْأَشْهر أَو بعْدهَا فَإِن كَانَ قبله انْتَقَلت إِلَى الْأَقْرَاء لِأَن ذَلِك حيض بالإتفاق فَإِن لم يعاودها فترجع إِلَى الْأَشْهر وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهَا تَعْتَد بِتِسْعَة أشهر ثمَّ بِثَلَاثَة أشهر لِأَن الْيَأْس قد بَطل بطرآن الْحيض وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح أَنه يكفيها ثَلَاثَة أشهر فَإِنَّهَا الْآن آيسة إِذْ لم يعاودها الدَّم لَكِن نقطع على هَذَا القَوْل بِوُجُوب اسْتِئْنَاف تَمام الْأَشْهر الثَّلَاث دون الْبناء

(6/125)


لأَنا فِي هَذَا القَوْل نتشوف إِلَى الْيَقِين وَلَا يبْقى ذَلِك مَعَ طرآن الْحيض بِخِلَاف التَّفْرِيع على القَوْل الْقَدِيم
أما إِذا رَأَتْ بعد الْأَشْهر فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا أَن الْعدة بطلت سَوَاء رَأَتْ بعد النِّكَاح أَو قبله لِأَن مُطلق بِنَاء الْيَقِين على هَذَا القَوْل وَقد فَاتَ بِالْحيضِ
وَالثَّانِي أَنه إِن كَانَ قبل النِّكَاح استأنفت الْأَشْهر وَإِن كَانَ بعد النِّكَاح فَلَا ينقص الحكم
وَالثَّالِث أَنه لَا يجب الإستئناف فِي الْحَالَتَيْنِ لِأَن الْأَشْهر قد تمت وَحصل الْحل فَلَا ينظر إِلَى مَا بعده ويلتفت هَذَا على الْخلاف فِي المعضوب إِذا حج عَنهُ ثمَّ زَالَ العضب نَادرا أَنه هَل يجب الإستئناف

(6/126)


النَّوْع الثَّانِي الْمُعْتَدَّة بِالْأَشْهرِ

وَذَلِكَ فِي الصبية والآيسة وَقد ذَكرْنَاهُ

(6/127)


النَّوْع الثَّالِث عدَّة الْحَامِل

وَفِيه فصلان
الأول فِي شُرُوطه

وَلَا تَنْقَضِي الْعدة إِلَّا بِوَضْع حمل تَامّ من الزَّوْج فهما شَرْطَانِ
الأول أَن يكون من الزَّوْج أَو مِمَّن مِنْهُ الْعدة فَلَو مَاتَ الصَّبِي أَو فسخ نِكَاحه فَولدت زَوجته من الزِّنَا لم تنقض بِهِ الْعدة عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَكَذَلِكَ زَوْجَة الْمَمْسُوح وكل ولد منفي عَن الزَّوْج قطعا

(6/128)


أما الْحمل الْمَنْفِيّ بِاللّعانِ فتنقضي الْعدة بِوَضْعِهِ لِأَن القَوْل فِي الْعدة قَوْلهَا وَهِي تَقول إِنَّه من الزَّوْج
فرعان
أَحدهمَا لَو قَالَ إِذا ولدت فَأَنت طَالِق فَولدت وشرعت فِي الْعدة فَأَتَت بِولد آخر بعد سِتَّة أشهر من الْولادَة الأولى فَفِي انْقِضَاء الْعدة بِهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا لَا تَنْقَضِي لِأَنَّهُ منفي عَن الزَّوْج
وَالثَّانِي تَنْقَضِي لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون من وَطْء شُبْهَة من الزَّوْج بعد الْولادَة الأولى فَهُوَ كالمنتفي بِاللّعانِ
وَالثَّالِث أَنَّهَا إِن ادَّعَت وطئا مُحْتَرما على الزَّوْج بعد الْولادَة انْقَضتْ الْعدة وَإِن كَانَ القَوْل قَوْله فِي نفي الْوَلَد وَلَكِن الإحتمال لَا يَنْقَطِع بِهِ وَإِن لم تدع لم تنقض
الثَّانِي إِذا نكح حَامِلا من الزِّنَا ثمَّ طَلقهَا وَهِي ترى الأدوار وَقُلْنَا إِن دم الْحَامِل دم فَسَاد فَلَا أثر لَهُ وَإِن قُلْنَا إِنَّه حيض فَهَل تَنْقَضِي الْعدة بِهِ فِيهِ وَجْهَان

(6/129)


أَحدهمَا نعم لِأَن حمل الزِّنَا لَا يُؤثر فِي الْعدة فَينْظر إِلَى الْأَقْرَاء وَالثَّانِي لَا لِأَن الْأَقْرَاء تُؤثر حَيْثُ تدل على الْبَرَاءَة وَهَذَا لَا يدل عَلَيْهِ فعلَيْهَا اسْتِئْنَاف الْأَقْرَاء بعد وضع الْحمل
الشَّرْط الثَّانِي وضع الْحمل التَّام وَيخرج عَلَيْهِ ثَلَاث مسَائِل
إِحْدَاهَا أَنَّهَا لَو كَانَت حَامِلا بتوأمين لَا تَنْقَضِي الْعدة بِوَضْع الأول حَتَّى تضع الثَّانِي وأقصى مُدَّة بَين التوأمين سِتَّة أشهر فَمَا جَاوز ذَلِك فَهُوَ حمل آخر
الثَّانِيَة لَو انْفَصل بعض الْوَلَد لم تنقض الْعدة حَتَّى ينْفَصل بِكَمَالِهِ وَحكم الْمُنْفَصِل بعضه حكم الْجَنِين فِي الْغرَّة وَنفي الْإِرْث وتسرية الْعتْق إِلَيْهِ من الْأُم وَبَقَاء الرّجْعَة وَالْعدة والتبعية فِي الْهِبَة وَالْبيع وَغَيرهمَا وعزي إِلَى الْقفال أَنه إِذا صرخَ واستهل فقد تَيَقنا وجوده فَلهُ حكم الْمُنْفَصِل إِلَّا فِي الْعدة فَإِن بَرَاءَة الرَّحِم تحصل بانفصاله
الثَّالِثَة لَو أجهضت جَنِينا ظهر عَلَيْهِ التخطيط وَالصُّورَة فَهُوَ تَامّ وتنقضي بِهِ الْعدة وَإِن كَانَت الصُّورَة بِحَيْثُ لَا يُدْرِكهَا إِلَّا القوابل فَإِن كَانَت علقَة فَلَا حكم لَهَا إِذْ لَا نتيقن أَنه أصل الْوَلَد

(6/130)


وَإِن كَانَ لَحْمًا وَلم يظْهر عَلَيْهِ تخطيط للقوابل فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على انْقِضَاء الْعدة وَنَصّ على أَن الإستيلاد لَا يحصل بِهِ وَلَا غرَّة فِيهِ فَمنهمْ من قَالَ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَمِنْهُم من فرق بَينهمَا بِأَن الْعدة فِي الْكتاب تتَعَلَّق بِوَضْع الْحمل وَهَذَا حمل والإستيلاد يتَعَلَّق بِالْوَلَدِ وَهَذَا لَيْسَ بِولد والغرة بدل مَوْلُود وَهَذَا لَيْسَ بمولود

(6/131)


الْفَصْل الثَّانِي فِي ظُهُور أثر الْحمل وَحَقِيقَته بعد الإعتداد بِالْأَقْرَاءِ

وَفِيه مسَائِل
الأولى الْمُعْتَدَّة بِالْأَقْرَاءِ إِذا ارتابت وتوهمت حملا بعد تَمام الْأَقْرَاء فَإِن كَانَت بِحَيْثُ يحكم فِي الظَّاهِر بِأَنَّهَا حَامِل فَيحرم عَلَيْهَا النِّكَاح وَلَو استشعرت ثقلا وتوهمت فَهِيَ المرتابة فَلَو نكحت قبل زَوَال الرِّيبَة نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْمُخْتَصر أَن النِّكَاح مَوْقُوف وَنَصّ فِي مَوضِع آخر أَنه بَاطِل فَمن أَصْحَابنَا من قطع بِالصِّحَّةِ إِذْ بَان الحيال لِأَنَّهُ بني على سَبَب ظَاهر وهوالعدة فَلَا أثر للتَّحْرِيم بريبة وَلَا أصل لَهَا وَمِنْهُم من قَالَ قَولَانِ وَاخْتلفُوا فِي أَصله فَقيل إِن أَصله قولا وقف الْعُقُود كَمَا لَو بَاعَ مَال أَبِيه على ظن أَنه حَيّ فَإِذا هُوَ ميت وَقيل هَذَا فَاسد لِأَنَّهُ غير مَبْنِيّ على أصل بل مأخذه الْقَوْلَانِ فِي أَن من شكّ فِي عدد الرَّكْعَات بعد الْفَرَاغ هَل يلْزمه التَّدَارُك وَهَذَا الْقَائِل يفرق بَين إِن شكّ قبل تَمام الْأَقْرَاء أَو بعده وَالْقَائِل الأول لَا يفرق

(6/132)


الثَّانِيَة إِذا اعْتدت بِالْأَقْرَاءِ وَلم تنْكح فَأَتَت بِولد لزمان يحْتَمل أَن يكون من الزَّوْج ألحق بِهِ وأقصى مُدَّة الْحمل عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَربع سِنِين وَعند أبي حنيفَة رَحمَه الله سنتَانِ
والأربع تحسب من وَقت الطَّلَاق إِن كَانَ بَائِنا وَإِن كَانَ رَجْعِيًا فَقَوْلَانِ
أَحدهمَا من وَقت الطَّلَاق
وَالثَّانِي من وَقت انْقِضَاء الْعدة لِأَن الرَّجْعِيَّة فِي حكم زَوْجَة فعلى هَذَا لَو أَتَت بِولد لعشر سِنِين مثلا من وَقت الطَّلَاق لحق بِهِ لِأَن الْعدة يتَصَوَّر أَن تطول بتباعد الْمدَّة وَنحن نكتفي بالإحتمال وَمِنْهُم من استعظم هَذَا فَقَالَ لَا نزيد فِي الْعدة على ثَلَاثَة أشهر نضيفها إِلَى أَربع سِنِين فَإِنَّهُ الْغَالِب إِلَّا أَن مَا قَالَه لَا يَنْفِي

(6/133)


الإحتمال فَلَا وَجه لَهُ
الثَّالِثَة إِذا نكحت ثمَّ أَتَت بِولد لزمان يحْتَمل أَن يكون من الأول وَمن الثَّانِي جَمِيعًا ألحق بِالثَّانِي لِأَن فرَاش الثَّانِي نَاسخ للْأولِ فَلَا سَبِيل إِلَى إبِْطَال نِكَاح جرى على الصِّحَّة أما إِذا كَانَ النِّكَاح فَاسِدا بِأَن جرى فِي أثْنَاء الْعدة بِأَن ظن انقضاءها فَيعرض الْوَلَد على الْقَائِف فَإِن ذَلِك كَوَطْء شُبْهَة وَلَا يُؤَدِّي إِلَى إبِْطَال نِكَاح صَحِيح
ثمَّ الْفراش الَّذِي يبْنى عَلَيْهِ احْتِمَال الْوَلَد فِي النِّكَاح الْفَاسِد هُوَ الْوَطْء أَو مُجَرّد العقد فِيهِ خلاف وَالظَّاهِر أَنه بِالْوَطْءِ وَلَا يلْحقهُ بِمُجَرَّد العقد وَكَذَلِكَ الْخلاف فِي انْقِطَاع هَذَا الْفراش بِالتَّفْرِيقِ أَو بآخر وَطْأَة ويلتفت هَذَا على أَن الْعدة هَل تَنْقَضِي مَعَ مجالسة الزَّوْج زَوجته وَعَلِيهِ يخرج أَن لُحُوق الْوَلَد فِي النِّكَاح الْفَاسِد هَل يقف على الْإِقْرَار بِالْوَطْءِ فَإِن أحوجناه إِلَى الْإِقْرَار بِالْوَطْءِ فَالظَّاهِر أَنه لَا يَنْتَفِي بِدَعْوَى الإستبراء بل بِاللّعانِ وَفِيه وَجه أَنه كملك الْيمن
الرَّابِعَة فِي النزاع فَلَو قَالَ طلقت بعد الْولادَة فلي الرّجْعَة فَإنَّك مُعْتَدَّة فَقَالَت بل طلقت قبل الْولادَة فَالْقَوْل قَوْله فِي وَقت الطَّلَاق سَوَاء كَانَ وَقت الْولادَة معينا بالإتفاق أَو مُبْهما

(6/134)


وَلَو اتفقَا على وَقت الطَّلَاق وَاخْتلفَا فِي وَقت الْولادَة فَالْقَوْل قَوْلهَا لِأَنَّهَا مؤتمنة على مَا فِي رَحمهَا
لَو اتفقَا على الْإِشْكَال فَالْأَصْل بَقَاء سُلْطَان الرّجْعَة واستمرار النِّكَاح
وَإِن جزمت الدَّعْوَى فَقَالَ لَا أَدْرِي فَعَلَيهِ أَن يحلف جزما أَو تنكل حَتَّى ترد الْيَمين عَلَيْهَا وَلَو جزم الدَّعْوَى وَقَالَت لَا أَدْرِي فالزوج على الإرتجاع وَهِي مدعية فَلَا تسمع الدَّعْوَى مَعَ الشَّك

(6/135)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي تدَاخل العدتين عِنْد تعدد سَببه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَالسَّبَب إِمَّا الْوَطْء وَإِمَّا الطَّلَاق
أما الْوَطْء فتعدده إِمَّا من شَخْصَيْنِ وَإِمَّا من شخص وَاحِد أما من شخص وَاحِد فَهُوَ أَن يطلقهَا ثمَّ يَطَؤُهَا بِالشُّبْهَةِ فتتداخل العدتان إِذا اتفقتا بِأَن لم يكن إحبال وَكَانَت من ذَوَات الْأَشْهر أَو الْأَقْرَاء فَتعْتَد بِثَلَاثَة أشهر أَو ثَلَاثَة أَقراء فتنقضي العدتان وَلَو كَانَ قد انْقَضى قرءان فَوَطِئَهَا استأنفت ثَلَاثَة أَقراء واندرج الْقُرْء الثَّالِث فِي الْقُرْء الأول حَتَّى تتمادى الرّجْعَة إِلَى انْقِضَاء هَذَا الْقُرْء ثمَّ لَا رَجْعَة فِي الْقُرْأَيْنِ الباقيين لانهما من الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ وَمعنى التَّدَاخُل أَن الْقُرْء الأول الْمُشْتَرك تأدت بِهِ عدتان
أما إِذا اخْتلفت العدتان بِأَن كَانَ إِحْدَاهمَا بِالْحملِ فَفِي تداخلهما وَجْهَان مشهوران
أَحدهمَا أَن التَّدَاخُل كالمتفقتين
وَالثَّانِي لَا لِأَن الإندراج والتداخل يَلِيق بالمتجانسات
فَإِن قُلْنَا بالتداخل فَسَوَاء طَرَأَ الْحمل على الْوَطْء أَو طَرَأَ الْوَطْء على الْحمل فتتمادى

(6/136)


الرّجْعَة وَالْعدة إِلَى وضع الْحمل وتنقضي الْعدة بِهِ
وَإِن قُلْنَا لَا تتداخل نظر فَإِن طَرَأَ الْوَطْء على الْحمل انْقَضتْ عدَّة الطَّلَاق بِالْوَضْعِ وانقطعت الرّجْعَة واستأنفت الْأَقْرَاء بعده للْوَطْء وعَلى هَذَا لَو كَانَت ترى الدَّم أَيَّام الْحمل قَالَ القَاضِي وَالشَّيْخ أَبُو حَامِد تَنْقَضِي بهَا عدَّة الْوَطْء إِذا قُلْنَا إِنَّه حيض وَيُؤَدِّي إِلَى انْقِضَاء عدتين مختلفتين فِي زمَان وَاحِد لجَرَيَان الصُّورَتَيْنِ وعللوا بِأَن سَبَب لُزُوم الْأَقْرَاء مُجَرّد التَّعَبُّد وَلَا تشْتَرط الْبَرَاءَة وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد كَونهَا فِي مَظَنَّة الدّلَالَة على الْبَرَاءَة لَا بُد مِنْهُ إِذْ بِهِ يحصل التَّعَبُّد فَلَا بُد من اسْتِئْنَاف الْأَقْرَاء بعد الْوَضع
أما إِذا كَانَت حَائِلا فِي عدَّة الطَّلَاق فأحبلها بِالْوَطْءِ انْقَطع عدَّة الطَّلَاق لِأَن الْحَبل أقوى فَإِذا وضعت رجعت إِلَى بَقِيَّة عدَّة الطَّلَاق وَثبتت الرّجْعَة وَسَائِر أَحْكَامهَا من الْمِيرَاث وَغَيره فِي تِلْكَ الْبَقِيَّة وَهل تثبت قبل الْوَضع فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا لِأَنَّهَا لَيست فِي عدَّة الطَّلَاق
وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهَا تعرض للرجعة وملتزمة لَهَا فِي الْمُسْتَقْبل فيبعد الْإِبَانَة فِي الْحَال ثمَّ الْعود إِلَى الرّجْعَة
فعلى هَذَا لم يتَغَيَّر بِمَا طَرَأَ إِلَّا طول الْمدَّة وَإِلَّا فَهِيَ رَجْعِيَّة على الدَّوَام إِلَى انْقِضَاء العدتين

(6/137)


ثمَّ مهما رَاجعهَا أَو جدد النِّكَاح عَلَيْهَا انْقَطَعت العدتان جَمِيعًا
أما إِذا كَانَ من شَخْصَيْنِ بِأَن طَلقهَا فَوَطِئَهَا بِالشُّبْهَةِ غَيره لم تتداخل العدتان عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَن التَّعَبُّد فِي حق الزَّوْج بالعدة يَتَعَدَّد عِنْد تعددهما
ثمَّ ينظر فَإِن كَانَتَا متفقتين ينظر فَإِن سبق الطَّلَاق الْوَطْء استمرت عدَّة الزَّوْج وَالرَّجْعَة إِلَى تَمام ثَلَاثَة أَقراء ثمَّ بَانَتْ واستفتحت عدَّة الْوَطْء وَلم يكن لَهُ تَجْدِيد النِّكَاح بعد شروعها فِي عدَّة الشُّبْهَة وَهل لَهُ قبل ذَلِك إِن كَانَت بَائِنَة فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا نعم لِأَنَّهَا لَيست إِلَّا فِي عدته
وَالثَّانِي لَا لِأَن لُزُوم الْعدة عَن الشُّبْهَة كوجودها لِأَنَّهُ لَو نَكَحَهَا لم يحل لَهُ

(6/138)


وَطْؤُهَا وَالرَّجْعَة تحْتَمل ذَلِك وَلَا يحْتَملهُ النِّكَاح كَمَا فِي الْمُحرمَة
وَأما إِذا وطِئت فشرعت فِي الْعدة وَطَلقهَا فَفِي الإنتقال إِلَى عدَّة الطَّلَاق وَجْهَان
أَحدهمَا أَنَّهَا تنْتَقل لِأَن عدَّة الطَّلَاق أقوى
وَالثَّانِي تستمر لِأَن السَّابِق أولى
فَإِن قُلْنَا بالإنتقال رجعت إِلَى بَقِيَّة عدَّة الشُّبْهَة عِنْد تَمام عدَّة النِّكَاح وَإِن قُلْنَا تستمر استأنفت عدَّة النِّكَاح بعد عدَّة الشُّبْهَة وَثبتت الرّجْعَة فِيهَا وَفِي ثُبُوتهَا قبل ذَلِك الْخلاف السَّابِق
أما إِذا كَانَتَا مختلفتين بِأَن كَانَ إِحْدَاهمَا بِالْحملِ فَعِنْدَ هَذَا يبطل النّظر إِلَى السَّبق وَتقدم عدَّة الْحمل
ثمَّ النّظر فِي كَيْفيَّة الرّجْعَة وَانْقِطَاع الْعدة والإنتقال مِنْهُمَا ذَكرْنَاهُ فِي العدتين المختلفتين من شخص وَاحِد حَيْثُ قُلْنَا إنَّهُمَا لَا يتداخلان نعم هَذَا يُفَارِقهُ فِي ثَلَاثَة أُمُور
الأول أَنه لَو رَاجعهَا وَكَانَت حَامِلا من الْأَجْنَبِيّ لم يحل الْوَطْء فَإِن كَانَت

(6/139)


حَامِلا مِنْهُ وَقد بقيت عَلَيْهَا عدَّة الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ فَفِي جَوَاز الْوَطْء وَجْهَان جاريان فِي وَطْء الْحَامِل من النِّكَاح بعد أَن وطِئت بِالشُّبْهَةِ
أَحدهمَا الْجَوَاز إِذْ لَيست فِي عدَّة الشُّبْهَة مَا لم تضع حمل الزَّوْج
وَالثَّانِي لَا لوُجُوب الْعدة
الْأَمر الثَّانِي أَنَّهَا لَو كَانَت ترى صُورَة الْأَقْرَاء مَعَ الْحمل فالمصير إِلَى انْقِضَاء الْعدة بهَا مَعَ تعدد الشَّخْص بعيد وَقيل يطرد ذَلِك هَا هُنَا كَمَا فِي شخص وَاحِد
الْأَمر الثَّالِث أَنه لَو أَرَادَ أَحدهمَا نِكَاحهَا وَهِي مُلَابسَة عدَّة غَيره لم يجز وَإِن كَانَت حَامِلا من الزَّوْج فنكحها وَهِي متعرضة لعدة الشُّبْهَة لَكِن بعد الْوَضع فصحة النِّكَاح تبنى على حل الْوَطْء فِي مثل هَذِه الْحَالة وَمِنْهُم من قَالَ وَإِن قُلْنَا بِالْحلِّ فَذَلِك فِي دوَام النِّكَاح أما ابْتِدَاء النِّكَاح فَلَا يحل مَعَ لُزُوم عدَّة الشُّبْهَة
هَذَا كُله فِي عدَّة الْمُسلمين أما الحربيون فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن الْحَرْبِيّ إِذا طلق زَوجته فَوَطِئَهَا حَرْبِيّ فِي نِكَاح وَطَلقهَا فَلَا يجمع عَلَيْهَا بَين العدتين فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ قَولَانِ وَوجه الْفرق أَن التَّعَبُّد فِي حق الْحَرْبِيّ لَا يتَأَكَّد فَكَأَن أهل الْحَرْب كلهم شخص وَاحِد فتتداخل وَمِنْهُم من قطع بِالْفرقِ وَفرق بِأَن حق الْحَرْبِيّ يتَعَرَّض للإنقطاع بالالستيلاد فاستيلاد الثَّانِي يقطع حق الْحَرْبِيّ الأول
فَإِن قيل مَا ذكرتموه فِي عدَّة الْحمل إِنَّمَا يَسْتَقِيم إِذا علم أَن الْحمل من أَحدهمَا فَإِن احْتمل أَن يكون مِنْهُمَا فَكيف السَّبِيل قُلْنَا إِذا وضع عرض

(6/140)


على الْقَائِف فَإِذا ألحق بِأَحَدِهِمَا حكم بِانْقِطَاع عدته دون الثَّانِي وَإِن لم يكن قائف أَو شكل عَلَيْهِ يقْضِي بِأَن إِحْدَى العدتين انْقَضتْ على الْإِبْهَام
ويتصدى النّظر فِي ثَلَاثَة أُمُور
الأول أَن الرّجْعَة إِن جوزناها فِي حَال مُلَابسَة عدَّة الْغَيْر فَلهُ الرّجْعَة وَإِن لم نجوزها فَعَلَيهِ أَن يُرَاجع مرَّتَيْنِ مرّة قبل وضع الْحمل وَمرَّة بعده فَلَو اقْتصر على إِحْدَاهمَا لم يستفد بِهِ شَيْئا لتعارض الإحتمالين إِلَّا أَن يقْتَصر على رَجْعَة فيوافقها إِلْحَاق الْقَائِف فنتبين صِحَّته وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجها أَن الرّجْعَة لَا تحْتَمل هَذَا الْوَقْف كَالنِّكَاحِ
الثَّانِي تَجْدِيد النِّكَاح وَلَا فَائِدَة فِي نِكَاح وَاحِد فَإِنَّهُ لَا يُفِيد حلا مَعَ الإحتمال وَلَكِن لَو عقد قبل الْوَضع وَبعده فَفِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن النِّكَاح لَا يحْتَمل مثل هَذَا الْوَقْف وَإِن احتملته الرّجْعَة
الثَّالِث النَّفَقَة إِذا كَانَت بَائِنَة فَإِنَّهَا تسْتَحقّ على الزَّوْج إِمَّا للْحَمْل وَإِمَّا للحامل فَإِن كَانَ من الواطىء بِالشُّبْهَةِ فتستحق عَلَيْهِ إِن قُلْنَا إِنَّهَا للْحَمْل وَإِن قُلْنَا للحامل فَلَا وَلَكِن لَا يطْلب وَاحِد مِنْهُمَا فِي الْحَال للإشكال فَإِن وضعت وَألْحق الْقَائِف بِالزَّوْجِ فلهَا طلب النَّفَقَة الْمَاضِيَة وَإِن ألحق بالواطىء لم

(6/141)


يُطَالب لِأَن نَفَقَة الْقَرِيب تسْقط بِمُضِيِّ الزَّمَان فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا نَفَقَة الْحمل
فروع سِتَّة
الأول قَالَ الْأَصْحَاب لَا تَنْقَضِي عدَّة الزَّوْج إِذا كَانَ يعاشرها معاشرة الازواج وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ هَذَا خَارج عَن الْقيَاس فَإِن الْعدة لَا تستدعي إِلَّا انْقِضَاء الْمدَّة مَعَ عدم الْوَطْء وَلذَلِك تَنْقَضِي عدتهَا وَإِن لم تعرف الطَّلَاق وَالْمَوْت وَلم تأت بالحداد وملازمة الْمسكن وَقَالَ القَاضِي لَا نَص للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ على هَذَا وَأَنا أَقُول مُخَالطَة الْبَائِن لَا تمنع فَإِنَّهُ فِي حكم الزَّانِي ومخالطة الرَّجْعِيَّة تمنع لِأَن اعتدادها فِي صلب النِّكَاح فَلَا أقل من أَن تعتضد بالإعتزال وَترك المخالطة فعلا وَهَذَا وَإِن كَانَ فِيهِ فقه فَلَا يَخْلُو عَن إِشْكَال ثمَّ على هَذَا لَا يشْتَرط الْوَطْء وَلَا دوَام المجالسة وَلَكِن الْمُعْتَاد بَين الْأزْوَاج
فَإِن طَالَتْ الْمُفَارقَة ثمَّ جرت مجالسات فِي أَوْقَات مُخْتَلفَة فَيحْتَمل أَن تحسب أَوْقَات الْمُفَارقَة دون أَوْقَات المخالطة وَيحْتَمل أَن يُقَال يَنْقَطِع مَا مضى وَهُوَ خبط وحيرة وَلَا تَفْرِيع على مُشكل
الثَّانِي عدَّة نِكَاح الشُّبْهَة تحسب من وَقت التَّفْرِيق أَو الْوَطْء فِيهِ قَولَانِ فَإِن قُلْنَا من الْوَطْء فَلَو اتّفق أَنه لم يَطَأهَا بعد ذَلِك مُدَّة الْعدة تبين انْقِضَاء الْعدة وَإِذا وَطئهَا انْقَطَعت وَإِن قُلْنَا بِالتَّفْرِيقِ فَلَا مبالاة بمخالطته بعد ذَلِك لِأَنَّهُ فِي حكم الزَّانِي وَلَا أثر لمخالطة الزناة فِي الْعدة وَهَذَا يدل على أَن مُخَالطَة الزَّوْج البائنة مَعَ

(6/142)


الْعلم لَا يُؤثر وَمَعَ الْجَهْل يُؤثر عِنْد الْأَصْحَاب ثمَّ يحْتَمل أَن يُقَال المُرَاد بِالتَّفْرِيقِ انجلاء الشُّبْهَة وَيحْتَمل أَن يُقَال إِنَّه الْمُفَارقَة بالجسد وَالظَّاهِر أَنه انجلاء الشُّبْهَة فالمخالطة بعده فِي حكم الزِّنَا
الثَّالِث إِذا نكح مُعْتَدَّة على ظن الصِّحَّة وَوَطئهَا انْقَطع عدَّة النِّكَاح بِمَا طَرَأَ وَفِي وَقت انْقِطَاعه قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه من وَقت العقد
وَالْآخر من وَقت الْوَطْء لِأَن العقد فَاسد
فَإِن قُلْنَا تَنْقَطِع بِالْعقدِ فَلَو لم تزف إِلَى الثَّانِي فَالصَّحِيح أَنا نتبين أَن الْعدة لم تَنْقَطِع لِأَنَّهُ مُجَرّد لفظ وَإِنَّمَا ينقدح ذَلِك على قَول إِذا أفْضى إِلَى الزفاف أما إِذا أفْضى إِلَى مُخَالطَة وزفاف وَلَكِن انجلت الشُّبْهَة قبل الْوَطْء فَهَذَا مُحْتَمل
الرَّابِع من نكح مُعْتَدَّة بِالشُّبْهَةِ لم تحرم عَلَيْهِ على التَّأْبِيد وَفِيه قَول قديم تقليدا لمَذْهَب عمر رَضِي الله عَنهُ أَنَّهَا تحرم للزجر عَن استعجال الْحل وخلط النّسَب ثمَّ لَا يجْرِي هَذَا القَوْل فِي الزَّانِي لِأَنَّهُ لَا يَبْغِي الْحل
الْخَامِس إِذا طلق الرَّجْعِيَّة طَلْقَة أُخْرَى بعد الْمُرَاجَعَة فتستأنف الْعدة أَو تبنى فِيهِ قَولَانِ مشهوران

(6/143)


أَحدهمَا الْبناء كَمَا إِذا طَلقهَا طَلْقَة بَائِنَة ثمَّ جدد نِكَاحهَا بعد قرء ثمَّ طَلقهَا قبل الْمَسِيس فَإِنَّهُ يكفيها قرءان وَلَا تسْتَحقّ إِلَّا نصف الْمهْر خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله
وَالثَّانِي الإستئناف فَإِنَّهَا مَرْدُودَة إِلَى نِكَاح جرى فِيهِ وَطْء بِخِلَاف تَجْدِيد النِّكَاح
أما إِذا طَلقهَا قبل الرّجْعَة فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ من قَالَ تسْتَأْنف فِي تِلْكَ الصُّورَة يلْزمه أَن تسْتَأْنف هَا هُنَا فَمنهمْ من قَالَ هُوَ تَفْرِيع فَيخرج هَذَا أَيْضا على قَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا تسْتَأْنف لِأَن الطَّلَاق الثَّانِي تَأْكِيد للْأولِ فَلَا يقطع الْعدة
فَإِن قُلْنَا بالإستئناف فَإِن كَانَت حَامِلا فيكفيها وضع الْحمل لِأَن هَذِه بَقِيَّة تصلح لِأَن تكون عدَّة مُسْتَقْبلَة
وَلَو رَاجعهَا فَوضعت ثمَّ طَلقهَا استأنفت ثَلَاثَة أَقراء على قَول الإستئناف وعَلى قَول الْبناء وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه لَا عدَّة عَلَيْهَا إِذْ لَا وَجه بعد الطَّلَاق للإستئناف وَلَا للْبِنَاء

(6/144)


وَالثَّانِي أَنا نرْجِع إِلَى قَول الإستئناف إِذْ لَا سَبِيل إِلَى إِسْقَاط حَقهم عِنْد تعذر الْبناء
أما إِذا رَاجع الْحَائِل فِي الطُّهْر الثَّالِث ثمَّ طَلقهَا قَالَ الْقفال هَذَا كالمراجعة بعد تَمام الْعدة لِأَن بعض الطُّهْر الثَّالِث قرء كَامِل وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْقُرْء هُوَ الْبَعْض الْأَخير الْمُتَّصِل بِالْحيضِ وَهَذَا جرى فِي النِّكَاح وَالنّصف الأول لَا يعْتد بِهِ
السَّادِس لَو خَالع زَوجته بعد الْمَسِيس ثمَّ جدد نِكَاحهَا وطلق بعد الْمَسِيس لم يكن عَلَيْهَا إِلَّا عدَّة وَاحِدَة وتندرج بَقِيَّة الأولى تَحت هَذِه
وَلَو مَاتَ فَهَل تندرج تِلْكَ الْبَقِيَّة تَحت عدَّة الْوَفَاة مَعَ اخْتِلَاف نوع الْعدة فِيهِ وَجْهَان

(6/145)


الْقسم الثَّانِي من الْكتاب فِي عدَّة الْوَفَاة وَحكم السُّكْنَى

وَفِيه بَابَانِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي مُوجب الْعدة وقدرها وكيفيتها وَفِيه فُصُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الْفَصْل الأول فِي الْمُوجب وَالْقدر

فَنَقُول الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا عَلَيْهَا عدَّة الْوَفَاة ممسوسة كَانَت أَو لم تكن وَإِن كَانَت حَامِلا فمهما وضعت حلت وَلَو فِي السَّاعَة وَيحل لَهَا غسل الزَّوْج عندنَا بعد الْعدة وَبعد نِكَاح زوج آخر وَإِن كَانَت حَائِلا فَتعْتَد أَرْبَعَة أشهر وَعشرا وَالْأمة تَعْتَد بشهرين وَخَمْسَة أَيَّام وتنقضي الْعدة وَإِن لم تَحض فِي هَذِه الْمدَّة خلافًا لمَالِك رَحمَه الله لِأَن الله تَعَالَى لم يتَعَرَّض للْحيض مَعَ تعرض النِّسَاء لَهُ وَمَالك رَحمَه الله يَقُول لَا أقل من حَيْضَة وَاحِدَة أَو وُقُوع الْحيض الْمُعْتَاد مرّة أَو مَرَّات

(6/146)


فرع
لَو طلق إِحْدَى امرأتيه على الْإِبْهَام وَمَات قبل الْبَيَان فعلى كل وَاحِدَة أَرْبَعَة أشهر وَعشر للإحتياط إِن كَانَتَا حائلتين غير مَدْخُول بهما وَإِن كَانَتَا حاملتين فعلَيْهِمَا التَّرَبُّص إِلَى حِين الْوَضع وَإِن كَانَتَا حائلتين من ذَوَات الْأَشْهر فعلَيْهِمَا أَرْبَعَة أشهر وَعشر إِذْ تَنْقَضِي الْأَشْهر الثَّلَاث أَيْضا وَإِن كَانَتَا من ذَوَات الْأَقْرَاء فعلى كل وَاحِدَة التَّرَبُّص بأقصى الْأَجَليْنِ وَيَكْفِي غير الْمَدْخُول بهَا تربص أَرْبَعَة أشهر وَعشر

(6/147)


الْفَصْل الثَّانِي فِي الْمَفْقُود زَوجهَا

فَإِن وصل خبر مَوته بِبَيِّنَة فعدتها من وَقت الْمَوْت عندنَا وَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ من وَقت بُلُوغ الْخَبَر وَإِن اندرس خَبره وأثره وَغلب على الظنون مَوته فَقَوْلَانِ
أَحدهمَا أَنَّهَا زَوجته إِلَى أَن تقوم الْبَيِّنَة بِمَوْتِهِ وَهُوَ الْقيَاس لِأَن النِّكَاح ثَابت بِيَقِين فَكيف يقطع بِالشَّكِّ
وَالثَّانِي أَنَّهَا تَتَرَبَّص أَربع سِنِين ثمَّ تَعْتَد بعد ذَلِك عدَّة الْوَفَاة وَقد قلد الشَّافِعِي فِيهِ عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الْقَدِيم وَرجع عَنهُ فِي الْجَدِيد وَقَالَ لَو قضى بِهِ قَاض نقضت قَضَاءَهُ إِذْ بَان لَهُ أَن تَقْلِيد الصَّحَابَة لَا يجوز للمجتهد
وَقد طول الْأَصْحَاب فِي التَّفْرِيع عَلَيْهِ وَقد ذَكرْنَاهُ فِي الْمَذْهَب الْبَسِيط فَلَا معنى لَهُ مَعَ صِحَة الرُّجُوع عَنهُ
ثمَّ على الْجَدِيد فلهَا طلب النَّفَقَة من مَال الزَّوْج أبدا فَإِن تعذر كَانَ لَهَا طلب الْفَسْخ بِعُذْر النَّفَقَة على أصح الْقَوْلَيْنِ

(6/148)


الْفَصْل الثَّالِث فِي الْإِحْدَاد

وَذَلِكَ وَاجِب فِي عدَّة الْوَفَاة وَغير وَاجِب فِي عدَّة الرَّجْعِيَّة وَفِي عدَّة البائنة قَولَانِ وَفِي المفسوخ نِكَاحهَا طَرِيقَانِ مِنْهُم من قطع بِأَنَّهَا لَا تجب كالمعتدة من شُبْهَة وكأم الْوَلَد إِذا مَاتَ عَنْهَا سَيِّدهَا وَوجه حداد الْمُطلقَة البائنة الْقيَاس على عدَّة الْوَفَاة وَوجه الْفرق أَنَّهَا مجفوة بِالطَّلَاق وَإِنَّمَا يَلِيق الْإِحْدَاد بالمتفجعة بِالْمَوْتِ
وَالْأَصْل فِي وَجه الْإِحْدَاد قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تحد على ميت فَوق ثَلَاث إِلَّا على زوج أَرْبَعَة أشهر وَعشرا فَأفَاد هَذَا جَوَاز الْحداد ثَلَاثَة أَيَّام على الْجُمْلَة وتحريمه بعد الثَّلَاث وَبعد الْعدة

(6/149)


وَمَعْنَاهُ ترك الزِّينَة وَالطّيب على قصد الْحداد وَإِلَّا فَلَا منع عَن ترك الزِّينَة فَإِن قيل وَمَا كَيْفيَّة الْحداد قُلْنَا مَعْنَاهُ ترك التزين والتطيب والحداد من الْحَد وَهُوَ الْمَنْع والتزين إِنَّمَا يكون بالتنظيف وَالثيَاب والحلي
أما التنظف بالقلم والإستحداد وَالْغسْل وَإِزَالَة الْوَسخ فَلَا يحرم وَأما الثِّيَاب فالنظر فِي جِنْسهَا ولونها أما الْجِنْس فَتحل كلهَا سوى الإبريسم فَيحل الْخَزّ الدبيقي والكتان وَغَيره مِمَّا يحل للرِّجَال وَإِنَّمَا الإبريسم فَإِنَّمَا أحل لَهَا لأجل التزين للرِّجَال وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ الإبريسم فِي حَقّهَا كالقطن فِي حق الرِّجَال وَإِنَّمَا عَلَيْهَا ترك المصبوغات من الثِّيَاب وَالْأول أصح
وَأما الْحلِيّ فَيحرم مَا هُوَ من الذَّهَب لِأَنَّهَا خاصية النِّسَاء وَالظَّاهِر أَنه أَيْضا يحرم التحلي باللآلىء الْمُجَرَّدَة لِأَنَّهَا للزِّينَة وَأما التَّخَتُّم بِخَاتم يحل مثله للرِّجَال فَلَا يحرم
وَأما الْمَصْبُوغ للتزين كالأحمر والأصفر والاخضر فَهُوَ حرَام من الْقطن والكتان وَغَيره

(6/150)


وَإِنَّمَا الْأسود والأكهب الكدر وَمَا لَا يتزين بِهِ فَهُوَ جَائِز وَلَا فرق بَين أَن يصْبغ بعد النسج أَو قبله وخصص أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي رَحمَه الله التَّحْرِيم بالمصبوغ بعد النسج أما الثَّوْب الخشن إِذا صبغ على خلاف الْعَادة صبغ الزِّينَة حكى صَاحب التَّقْرِيب فِيهِ قَوْلَيْنِ وَوجه الْمَنْع أَنه من الْبعد تظهر بِهِ الزِّينَة
وَأما الزِّينَة فِي أثاث الْبَيْت والفرش فَلَا تحرم وَإِنَّمَا الْحداد فِي بدنهَا وَأما الطّيب فَيحرم عَلَيْهَا مَا يحرم على الْمحرم وَيحرم عَلَيْهَا أَن تدهن رَأسهَا ولحيتها إِن كَانَت لَهَا لحية كالمحرم وَلَا يحرم عَلَيْهَا أَن تدهن بدنهَا إِن لم يكن فِيهِ طيب وَإِنَّمَا يمْنَع فِي الشّعْر
وَأما تصفيف الشّعْر وتجعيده بِغَيْر دهن فَفِيهِ تردد وَأما الإكتحال فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا بَأْس بالإثمد فاتفقوا على أَنه أَرَادَ بِهِ العربيات فَإِنَّهُنَّ إِلَى السوَاد أميل فَلَا يزينهن الإثمد أما الْبَيْضَاء فَلَا يجوز ذَلِك لَهَا إِلَّا لعِلَّة الرمد وَعَلَيْهَا أَن تكتحل لَيْلًا وتمسح نَهَارا هَكَذَا أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا إِلَّا أَن تحْتَاج إِلَى ذَلِك نَهَارا أَيْضا فَيجوز وَعَلَيْهَا مُلَازمَة الْمسكن إِلَّا لحَاجَة

(6/151)


وَلَو تركت جَمِيع ذَلِك عَصَتْ رَبهَا وَانْقَضَت عدتهَا

(6/152)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي السُّكْنَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَفِيه أَرْبَعَة فُصُول
الْفَصْل الأول فِيمَن تسْتَحقّ السُّكْنَى

وتستحق الْمُطلقَة الْمُعْتَدَّة بَائِنَة كَانَت أَو رَجْعِيَّة لقَوْله تَعَالَى {لَا تخرجوهن من بُيُوتهنَّ} وَلَا تسْتَحقّ الْمُعْتَدَّة عَن وَطْء الشُّبْهَة وَنِكَاح فَاسد وَلَا الْمُسْتَوْلدَة إِذا عتقت لِأَن الْآيَة وَردت فِي النِّكَاح نعم هَل تجب فِي عدَّة الْوَفَاة قَولَانِ وَفِي عدَّة بعد انْفِسَاخ النِّكَاح طَرِيقَانِ مِنْهُم من قَالَ قَولَانِ وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهَا لَا تسْتَحقّ إِن كَانَ الْفَسْخ مِنْهَا بِعَيْبِهِ اَوْ عتقهَا اَوْ كَانَ مِنْهُ وَلَكِن بعيبها أَو مَا يكون بِسَبَب مِنْهَا أما مَا ينْفَرد بِهِ الزَّوْج كردته وإسلامه فَفِيهِ قَولَانِ ومأخذ التَّرَدُّد أَن الْآيَة وَردت فِي فِرَاق الطَّلَاق وَهَذَا تردد فِي أَن فِرَاق الْمَوْت وَالْفَسْخ هَل هُوَ فِي مَعْنَاهُ لِأَن إِيجَاب السُّكْنَى بعد الْبَيْنُونَة كالخارج عَن الْقيَاس
وَأما الصَّغِيرَة الَّتِي لَا تحْتَمل الْجِمَاع فَفِي سكناهَا من الْخلاف مَا فِي نَفَقَتهَا فِي صلب النِّكَاح وَكَذَلِكَ الْأمة إِذا طلقت فَإِن قُلْنَا الزَّوْج يسْتَحق تعْيين الْمسكن فِي صلب النِّكَاح فعلَيْهَا مُلَازمَة الْمسكن بعد النِّكَاح وَإِن قُلْنَا إِن السَّيِّد يبوئها

(6/153)


بَيْتا وَطلقت فِي ذَلِك الْبَيْت فَالظَّاهِر أَنَّهَا لَا يلْزمهَا مُلَازمَة الْمسكن لِأَن الْعدة تلْتَفت على النِّكَاح وَقيل إِنَّه يجب ذَلِك
ثمَّ إِذا أَوجَبْنَا مُلَازمَة الْمسكن فَفِي وجوب لُزُوم السُّكْنَى على الزَّوْج خلاف يلْتَفت على النَّفَقَة فِي صلب النِّكَاح فَحَيْثُ كَانَ يجب النَّفَقَة تجب السُّكْنَى بعد الطَّلَاق
أما النَّاشِزَة إِذا طلقت فِي دوَام النُّشُوز قَالَ القَاضِي لَا سُكْنى لَهَا إِذْ لم يكن لَهَا نَفَقَة وَهَذَا فِيهِ نظر لِأَنَّهَا إِن طَلقهَا فِي مسكن النِّكَاح فَيجب عَلَيْهَا شرعا لُزُوم الْمسكن فَإِن أطاعت فِي ذَلِك فبالحري أَن تسْتَحقّ السُّكْنَى

(6/154)


الْفَصْل الثَّانِي فِي أَحْوَال الْمُعْتَدَّة وَهل يُبَاح لَهَا مُفَارقَة الْمسكن

فَنَقُول يجب عَلَيْهَا لُزُوم الْمسكن حَقًا لله تَعَالَى فَلَا يسْقط بِرِضا الزَّوْج وَإِنَّمَا يُبَاح الْخُرُوج بِعُذْر ظَاهر والأعذار على ثَلَاث مَرَاتِب
الأولى مَا يرجع إِلَى طلب الزِّيَادَة كزيارة وَعمارَة واستنماء مَال وتعجيل حج الْإِسْلَام وَلَا يجوز الْخُرُوج لمثل ذَلِك
الثَّانِيَة مَا يَنْتَهِي إِلَى حد الضَّرُورَة كوجوب الْهِجْرَة والتمكين من إِقَامَة الْحَد أَو خَافت على زَوجهَا أَو مَالهَا لِأَن الْموضع غير حُصَيْن أَو كَانَت تتأذى بأحمائها أَو تؤذيهن وكل ذَلِك تسليط على الإنتقال لِأَن هَذِه الْمُهِمَّات أقوى فِي الشَّرْع من لُزُوم الْمسكن فِي الْعدة
الثَّالِثَة مَا يَنْتَهِي إِلَى حد الْحَاجة كالخروج للطعام وَالشرَاب أَو تدارك مَال أخْبرت بِأَنَّهُ أشرف على الضّيَاع فَذَلِك أَيْضا رخصَة فِي الْخُرُوج فِي حق من لَا كافل لَهَا وَنَحْو ذَلِك وَإِن كَانَ هَذَا الْعذر نَادرا وَكَذَلِكَ حكم مُلَازمَة الْمنزل فِي السّفر إِذا كَانُوا ينتجعون ويسافرون اعتيادا فلهَا المسافرة مَعَهم وَمهما خرجت لحَاجَة فَيَنْبَغِي أَن تخرج بِالنَّهَارِ لِأَن اللَّيْل مَظَنَّة الْآفَات

(6/155)


الْفَصْل الثَّالِث فِيمَا يجب على الزَّوْج

وَفِيه مسَائِل
الأولى إِذا كَانَت الدَّار مَمْلُوكَة للزَّوْج لم يجز لَهُ إزعاجها وَلَا يجوز لَهُ مداخلتها لتَحْرِيم الْخلْوَة إِلَّا فِي موضِعين
أَحدهمَا أَن تكون هِيَ فِي حجرَة مُفْردَة بالمرافق وَعَلَيْهَا بَاب فَإِن لم يكن عَلَيْهَا بَاب أَو كَانَ مرافقها وَاحِدًا كالمطبخ والمستراح فِي الدَّار لم تجز المداخلة لِأَن التوارد على الْمرَافِق يُفْضِي إِلَى الْخلْوَة وَكَذَلِكَ تحرم المداخلة وَإِن كَانَت الدَّار فيحاء مهما لم تنفصل الْمرَافِق وَلم يحجب الْبَاب
الثَّانِي أَن يكون مَعهَا فِي الدَّار محرم لَهَا فَلَا خلْوَة وَكَذَلِكَ إِن كَانَ مَعَ الرجل زَوْجَة أُخْرَى أَو جَارِيَة أَو محرم لَهُ وَلَو كَانَ مَعهَا أَجْنَبِيَّة أَو مُعْتَدَّة أُخْرَى فَهَل يمْنَع ذَلِك الْخلْوَة فِيهِ تردد مأخذه أَن النسْوَة المنفردات هَل لَهُنَّ السّفر عِنْد الامن بِغَيْر محرم وَلَو استخلى رجلَانِ بِامْرَأَة فَهُوَ محرم وَلَيْسَ ذَلِك كاستخلاء رجل بامرأتين وَالْوَجْه أَن يُقَال إِن كَانَ مِمَّن يحتشم أَو يخَاف من جَانِبه حِكَايَة مَا يجْرِي من فجور إِن كَانَ فَهُوَ مَانع للخلوة وَإِلَّا فَلَا

(6/156)


فرع لَو أَرَادَ الزَّوْج بيع الدَّار وعدتها بِالْحملِ أَو الْأَقْرَاء لم ينْعَقد لِأَن الْمَنْفَعَة مُسْتَحقَّة لَهَا وَآخر الْمدَّة غير مَعْلُوم وَلَو كَانَت من ذَوَات الْأَشْهر فَهُوَ كَبيع الدَّار الْمُسْتَأْجرَة إِلَّا إِذا كَانَ يتَوَقَّع طرآن الْحيض فِي الْأَشْهر فَفِيهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من لم يلْتَفت إِلَى ذَلِك بِنَاء على الْحَال وَمِنْهُم من منع البيع لتوقع ذَلِك
فَإِن صححنا وطرأ الْحيض كَانَ كَمَا لَو اخْتلطت الثِّمَار بِالْمَبِيعِ وَقد ذَكرْنَاهُ فِي البيع
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذْ كَانَت الدَّار مستعارة فعلَيْهَا الْمُلَازمَة إِلَى أَن يرجع الْمُعير فَإِن رَجَعَ فعلى الزَّوْج أَن يسلم إِلَيْهَا دَارا يَلِيق بهَا ويبذل الْأُجْرَة إِن لم يجد بعارية وَكَذَلِكَ إِذا انْتَهَت مُدَّة الْإِجَارَة فَإِن مست الْحَاجة إِلَى الْأُجْرَة وأفلس الزَّوْج ضاربت الْغُرَمَاء بِأُجْرَة ثَلَاثَة أشهر إِن كَانَت من ذَوَات الْأَشْهر وَإِن كَانَت من ذَوَات الْأَقْرَاء وعادتها مُخْتَلفَة ضاربت بِالْأَقَلِّ وَإِن كَانَت مُسْتَقِيمَة فمقدار الْعَادة على الْأَصَح وَفِيه وَجه أَنَّهَا بِالْأَقَلِّ وَهُوَ ضَعِيف لِأَن حصَّتهَا لَا تسلم إِلَيْهَا وَمَا يخص الْغُرَمَاء يسلم إِلَيْهِم فالإحتياط لجانبها أولى وَكَذَلِكَ الْحَامِل تضارب لتَمام تِسْعَة أشهر فَإِن الزِّيَادَة على ذَلِك نَادِر لَا يعْتَبر هَذَا إِذا كَانَ الزَّوْج حَاضرا فَإِن كَانَ غَائِبا اسْتقْرض القَاضِي عَلَيْهِ فَإِن اسْتَأْجَرت من مَالهَا بِغَيْر إِذن القَاضِي فَفِي رُجُوعهَا على الزَّوْج خلاف وَلَا خلاف فِي أَنَّهَا لَو كَانَت فِي دَار مَمْلُوكَة فَلَا تبَاع لحق الْغُرَمَاء لِأَنَّهَا كالمرهونة فَلَا تخرج مِنْهَا بِحَال
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة إِذا أسكنها فِي النِّكَاح ضيقا لَا يَلِيق بهَا ورضيت وَطَلقهَا فلهَا أَن لَا ترْضى فِي الْعدة وتطلب مسكنا لائقا بهَا وَكَذَلِكَ لَو أسكنها دَارا فيحاء فَلهُ أَن ينقلها

(6/157)


بعد الطَّلَاق إِلَى مَوضِع لَائِق بهَا لَكِن قَالَ القَاضِي يَنْبَغِي أَن يطْلب لَهَا أقرب مسكن يُمكن إِلَى مسكن النِّكَاح حَتَّى لَا يطول ترددها فِي الْخُرُوج وَمَا ذكره لَا يبعد أَن يسْتَحبّ وَلَا شكّ فِي أَنه لَا يُخرجهَا عَن الْبَلدة
الْمَسْأَلَة الرَّابِع إِن ألزمنا السُّكْنَى فِي عدَّة الْوَفَاة فَهِيَ من التَّرِكَة فَإِن لم يكن وتبرع بِهِ الْوَارِث وَأَرَادَ إسكانها كَانَ لَهَا ذَلِك وَإِن قُلْنَا لَا تسْتَحقّ فَلَو رَضِي الْوَارِث بملازمة مسكن النِّكَاح فَالظَّاهِر أَنه يجب عَلَيْهَا ذَلِك مُطلقًا وَقيل إِن كَانَت مَشْغُولَة الرَّحِم أَو متوهمة الشّغل فَلهُ ذَلِك مُطلقًا لأجل صِيَانة المَاء وَإِن لم تكن ممسوسة فَلَا يلْزمهَا ذَلِك بل يجب عَلَيْهَا مُلَازمَة أَي مسكن شَاءَت ثمَّ هَذَا التَّعْيِين للْوَارِث وَلَيْسَ للسُّلْطَان ذَلِك

(6/158)


الْفَصْل الرَّابِع فِي بَيَان مسكن النِّكَاح

وَفِيه مسَائِل
الأولى إِذا أذن لَهَا فِي الإنتقال إِلَى دَار أُخْرَى ثمَّ طَلقهَا قبل الإنتقال لازمت الْمسكن الأول وَإِن طلق بعد الإنتقال لازمت الْمسكن الثَّانِي وَالْعبْرَة فِي الإنتقال بدنهَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله الْعبْرَة بِنَقْل الْأَمْتِعَة
وَإِن صادفها الطَّلَاق فِي الطَّرِيق فَثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا تَرْجِيح الأول استصحابا
وَالثَّانِي تَرْجِيح الثَّانِي لِأَنَّهَا انْتَقَلت عَن الأول
وَالثَّالِث أَنَّهَا تتخير بَينهمَا للتعارض وَكَذَا الْكَلَام فِيمَا إِذا أذن لَهَا فِي الإنتقال إِلَى بَلْدَة أُخْرَى فَفِي جَوَاز الإنصراف خلاف
الثَّانِيَة لَو خرجت إِلَى سفر بِإِذْنِهِ فَطلقهَا بعد مُفَارقَة عمَارَة الْبَلَد فَلَيْسَ عَلَيْهَا الإنصراف لِأَن إبِْطَال أهبة سفرها إِضْرَار فَإِن فَارَقت الْمنزل دون الْبَلَد فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا يجب الإنصراف لِأَنَّهَا بعد لم تَنْقَطِع عَن الوطن
وَالثَّانِي لَا لِأَن ذَلِك إِضْرَار بِإِبْطَال الأهبة

(6/159)


وَلَا خلاف فِي أَن لَهَا الإنصراف
ثمَّ إِذا مَضَت لوجهها فلهَا التَّوَقُّف إِلَى إنجاز حَاجَتهَا وَعَلَيْهَا الرُّجُوع لملازمة الْمسكن بَقِيَّة مُدَّة تَنْقَضِي فِي الطَّرِيق فَفِي وجوب الإنصراف خلاف وَالظَّاهِر أَنه لَا يجب وَلَا فَائِدَة فِيهِ وَلَا يكلفها التَّقَدُّم على الرّفْقَة لأجل ذَلِك وَإِن انْقَضتْ حَاجَتهَا قبل ثَلَاثَة أَيَّام جَازَ لَهَا استكمال الثَّلَاث لِأَنَّهَا مُدَّة مكث الْمُسَافِر شرعا
الثَّالِثَة مَا ذَكرْنَاهُ فِي سفر تِجَارَة أَو مُهِمّ فَإِن كَانَ سفر نزهة أَو مَا لَا مُهِمّ فِيهِ وَقد أذن لَهَا عشرَة أَيَّام مثلا فَطلقهَا فِي أثْنَاء الْمدَّة فَفِي جَوَاز اسْتِيفَاء الْمدَّة قَولَانِ وَيجْرِي الْقَوْلَانِ فِي وجوب الإنصراف إِن طَلقهَا فِي الطَّرِيق وَهَكَذَا فِي الْمدَّة الزَّائِدَة على حَاجَة التِّجَارَة فِي سفر التِّجَارَة لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مُهِمّ وَلَكِن انْضَمَّ الْإِذْن فِي أهبة السّفر فَاحْتمل أَن يُقَال فِي الْمَنْع إِضْرَار
وَلَو أذن لَهَا فِي الإعتكاف عشرَة أَيَّام فَطلقهَا قبل الْمدَّة فَإِن قُلْنَا لَو خرجت بِمثل هُنَا الْعذر جَازَ الْبناء على الإعتكاف الْمَنْذُور فعلَيْهَا الْخُرُوج وَإِن كَانَ الإعتكاف منذورا لِأَنَّهُ لَا ضَرَر وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرّد إِذن فَهُوَ كَمَا لَو أذن لَهَا فِي الْمقَام فِي دَار أُخْرَى عشرَة أَيَّام فطلاقها يبطل ذَلِك الْإِذْن وَإِن قُلْنَا إِن الإعتكاف يبطل فَيكون فِيهِ

(6/160)


ضرار كَمَا فِي أهبة السّفر
وَلَا خلاف فِي أَنَّهَا لَو خرجت مَعَ الزَّوْج فَطلقهَا فِي الطَّرِيق لَزِمَهَا الإنصراف لِأَنَّهَا خرجت بأهبة الزَّوْج فَلَا تبطل عَلَيْهَا أهبتها وَالْخُرُوج لغَرَض التِّجَارَة غير جَائِز لِأَنَّهُ طلب زِيَادَة وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك فِي الدَّوَام للضرار فِي فَوَات الأهبة
الرَّابِعَة إِذا أذن لَهَا فِي الْإِحْرَام وَطَلقهَا قبل الْإِحْرَام لم تحرم وَإِن كَانَ بعد الْإِحْرَام وَكَانَ بِعُمْرَة يُمكن تَأْخِيرهَا فَفِي وجوب التَّأْخِير وَجْهَان وَلَعَلَّ الْأَصَح جَوَاز الْخُرُوج لِأَن فِي مصابرة الْإِحْرَام ضِرَارًا
الْخَامِسَة منزل البدوية كمسكن البلدية لَكِن إِن رحلوا بجملتهم فلهَا الرحيل وَإِن رَحل غير أَهلهَا فعلَيْهَا الْمقَام فَإِن رَحل أَهلهَا وَهِي آمِنَة فِي الْمقَام فَفِيهِ وَجْهَان وَهُوَ رَاجع إِلَى أَن ضَرَر مُفَارقَة الْأَهْل هَل يعْتَبر
وَلَو كَانُوا يرجعُونَ على قرب فعلَيْهَا الْمقَام إِذْ لَا ضَرَر وَلَو ارتحلت مَعَهم فَأَرَادَتْ الْمقَام بقرية فِي الطَّرِيق جَازَ فَإِن ذَلِك أحسن من السّفر بِخِلَاف المأذونة فِي السّفر فَإِن رُجُوعهَا إِلَى الوطن أولى من الْإِقَامَة فِي قَرْيَة
السَّادِسَة إِذا صادفها الطَّلَاق فِي دَار أُخْرَى أَو بَلْدَة أُخْرَى فَقَالَ ارجعي فَقَالَت طلقت بعد الْإِذْن فِي النقلَة فَأنْكر الزَّوْج الْإِذْن نقل عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن القَوْل قَوْله وَهُوَ الْقيَاس وَلَكِن نقل أَنه إِن كَانَ النزاع مَعَ الْوَرَثَة

(6/161)


فَالْقَوْل قَوْلهَا وَإِلَى الْفرق ذهب أَبُو حنيفَة رَحمَه الله وَابْن سُرَيج وَكَأن كَونهَا فِي غير مسكن النِّكَاح يشْهد لَهَا على الْوَرَثَة لَا على الزَّوْج وَمن أَصْحَابنَا من جعل الْمَسْأَلَتَيْنِ على قَول وَمِنْهُم من جعلهَا على حَالين فَنَقُول إِنَّمَا جعل القَوْل قَوْله إِذا كَانَ النزاع فِي اصل اللَّفْظ وَإِن كَانَ فِي معنى اللَّفْظ بِأَن قَالَت أردْت بِالْإِذْنِ النقلَة وَقَالَ بل النزهة فَالظَّاهِر تصديقها فَيقبل قَوْلهَا

(6/162)


الْقسم الثَّالِث من الْكتاب فِي الإستبراء بِسَبَب ملك الْيَمين

وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول
الْفَصْل الأول فِي قدر الإستبراء وَشَرطه وَحكمه

أما قدره فَهُوَ قرء وَاحِد لِأَنَّهُ نَادَى مُنَادِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد سبي أَوْطَاس
أَلا لَا تُوطأ حَامِل حَتَّى تضع وَلَا حَائِل حَتَّى تحيض
وللمستبرأة ثَلَاثَة أَحْوَال
أَحدهَا أَن تكون من ذَوَات الْأَقْرَاء واستبراؤها بقرء وَاحِد وَهُوَ الْحيض لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام
حَتَّى تحيض وَلِأَنَّهُ إِذا لم يعْتَبر إِلَّا قرء وَاحِد فليعتبر الْحيض فَإِنَّهُ دَلِيل على الْبَرَاءَة هَذَا هُوَ الْجَدِيد

(6/163)


وَفِيه وَجه آخر أَنه الطُّهْر قِيَاسا على الْعدة لِأَن التَّعَبُّد غَالب عَلَيْهِ وَلذَلِك يجب مَعَ يَقِين الْبَرَاءَة إِذا استبرأها من امْرَأَة أَو صبي

التَّفْرِيع
إِذا قضينا بِأَنَّهُ حيض فَلَا بُد من حيض كَامِل فَلَا يَكْفِي بقبة حيض وَإِن قُلْنَا إِنَّه طهر فَهَل يَكْفِي بَقِيَّة الطُّهْر فِيهِ خلاف لِأَن الْعدة تشْتَمل على عدد فَجَاز أَن يعبر عَن شَيْئَيْنِ وَبَعض الثَّالِث بِثَلَاثَة وَلِأَنَّهُ يجْرِي فِيهِ الْحيض مَرَّات وَلَو صَادف الْملك آخر الْحيض فانقضى طهر كَامِل بعده كفى على هَذَا القَوْل وَقيل إِنَّه لَا بُد من حيض كَامِل بعده لتحصل دلَالَة على الْبَرَاءَة فِي ملكه وَهَذَا رُجُوع إِلَى القَوْل الأول وَشَهَادَة تَضْعِيف هَذَا القَوْل
الْحَالة الثَّانِيَة أَن تكون من ذَوَات الْأَشْهر وَفِيه قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه يَكْفِي شهر وَاحِد
وَالثَّانِي أَنه لَا أقل من ثَلَاثَة أشهر لِأَنَّهُ أقل مُدَّة ضربت شرعا للدلالة على الْبَرَاءَة والأمور الطبيعية لَا تخْتَلف بِالرّقِّ
وَأَبُو حنيفَة رَحمَه الله يُوجب على الْمُسْتَوْلدَة إِذا عتقت ثَلَاثَة أَقراء أَو ثَلَاثَة أشهر نظرا إِلَى حريتها فِي الْحَال وَنحن نكتفي بقرء وَاحِد نظرا إِلَى جِهَة الْملك

(6/164)


الْحَالة الثَّالِثَة أَن تكون حَامِلا فعدتها بِوَضْع الْحمل وَإِن كَانَ من الزِّنَا لإِطْلَاق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله
حَتَّى تضع وَمِنْهُم من قَالَ لَا تَنْقَضِي بِالزِّنَا كَمَا فِي الْعدة وَقيل هَذَا يلْتَفت على أَن الْمُعْتَبر حيض أم طهر فَإِن اعْتبرنَا الْحيض من حَيْثُ إِنَّه دَلِيل الْبَرَاءَة فَكَذَلِك حمل الزِّنَا دَلِيل الْبَرَاءَة وَإِلَّا فَلَا
أما حكمه فَهُوَ تَحْرِيم لوجوه الإستمتاع قبل تَمَامه إِلَّا فِي المسبية وَلِأَنَّهُ لَا يحرم فِيهَا إِلَّا الْوَطْء لِأَن الْمَانِع فِي الشِّرَاء توقع ولد من البَائِع يمْنَع صِحَة الشِّرَاء وَولد الْحَرْبِيّ لَا يمْنَع جَرَيَان الرّقّ وَإِنَّمَا استبراؤها لصيانة مَاء الْمَالِك عَن الإمتزاج بِالْحملِ فَيقْتَصر التَّحْرِيم على الْوَطْء وَمِنْهُم من سوى وَحرم استمتاع المسبية أَيْضا تبعا
أما شَرطه فَإِنَّهُ يَقع بعد الْقَبْض وَلُزُوم الْملك فِي مَظَنَّة الإستحلال فَلَو جرت حَيْضَة قبل قبض الْجَارِيَة الْمُشْتَرَاة فَفِيهِ خلاف لضعف الْملك وَالظَّاهِر أَنه يجزىء للُزُوم الْملك نعم لم يعْتد بهَا فِي الْمَوْهُوبَة قبل الْقَبْض وَفِي الْمُوصى بهَا قبل الْقبُول فَلَا أثر للقبض فِي الْوَصِيَّة وَفِي مُدَّة الْخِيَار لَا يجزىء إِذا قُلْنَا الْملك للْبَائِع وَإِن قُلْنَا للْمُشْتَرِي فَهُوَ كَمَا قبل الْقَبْض لضَعْفه
وَلَو كَانَت مَجُوسِيَّة أَو مرتدة فَأسْلمت بعد انْقِضَاء الْحيض فقد انْقَضى فِي الْملك وَلَكِن لَا فِي مَظَنَّة الإستحلال فَفِيهِ وَجْهَان

(6/165)


وَمن خاصية الإستبراء أَنه لَيْسَ من شَرطه الإمتناع عَن الْوَطْء بل لَو وَطئهَا انْقَضى الإستبراء وَعصى بِالْوَطْءِ فَإِن أحبلها وَهِي حَائِض حلت فِي الْحَال إِذْ مَا مضى كَانَ حيضا كَامِلا وَانْقطع بِالْحيضِ فَإِن كَانَت طَاهِرا لم ينْقض الإستبراء إِلَى وضع الْحمل

(6/166)


الْفَصْل الثَّانِي فِي سَبَب الإستبراء

وَهُوَ جلب ملك أَو زَوَاله
الأول الجلب فَمن تجدّد لَهُ ملك على الْجَارِيَة هِيَ مَحل استحلاله توقف حلهَا على الإستبراء بعد لُزُوم ملكه بقرء سَوَاء كَانَ الْملك عَن هبة أَو بيع وَصِيَّة أَو إِرْث أَو فسخ أَو إِقَالَة وَسَوَاء كَانَت صَغِيرَة أَو كَبِيرَة أَو حَامِلا أَو حَائِلا وَسَوَاء كَانَ الْمَالِك مِمَّن يتَصَوَّر مِنْهُ شغل أَو لَا يتَصَوَّر كامرأة أَو مجبوب أَو صبي وَسَوَاء كَانَت قد استبرأت قبل البيع أَو لم تكن وَقَالَ دَاوُد لَا يجب اسْتِبْرَاء الْبكر وَقَالَ مَالك رَحمَه الله الصَّغِيرَة الَّتِي لَا تُوطأ لَا تستبرأ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يجب إِذا عَادَتْ بِخِيَار رُؤْيَة أَو رد بِعَيْب أَو رُجُوع فِي هبة أَو إِقَالَة قبل الْقَبْض وَأوجب فِي الْإِقَالَة بعد الْقَبْض
وَألْحق أَصْحَابنَا بِزَوَال الْملك الْمُكَاتبَة إِذا عجزت وعادت إِلَى الْحل لِأَنَّهَا صائرة إِلَى حَالَة تسْتَحقّ الْمهْر على السَّيِّد وَلذَلِك تحل أُخْت الْمُكَاتبَة
وَلَا خلاف فِي أَن التَّحْرِيم بِالصَّوْمِ وَالرَّهْن لَا يُؤثر أما زَوَال إحرامها

(6/167)


وإسلامها بعد الرِّدَّة وَطَلَاق زَوجهَا إِيَّاهَا فَفِيهِ خلاف لتأكيد هَذِه الْأَسْبَاب وَإِيجَاب ذَلِك فِي المزدوجة اولى لِأَن الزَّوْج قد اسْتحق مَنَافِعهَا ثمَّ يرجع الإستحقاق إِلَيْهِ أما إِذا اشْترى منكوحته الرقيقة فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه لَا يجب لِأَن الْحل دَائِم من شخص وَاحِد
وَالثَّانِي يجب لتبدل جِهَة الْحل
وَلَو بَاعَ جَارِيَته بِشَرْط الْخِيَار ثمَّ رجعت إِلَيْهِ فِي مُدَّة الْخِيَار فَإِن قُلْنَا لم يزل ملكه فَلَا اسْتِبْرَاء وَإِن قُلْنَا زَالَ الْملك وَحرم الْوَطْء لزم الإستبراء وَإِن قُلْنَا زَالَ الْملك وَلَكِن الْوَطْء جَائِز لِأَنَّهُ فسخ فها هُنَا يحْتَمل أَن يُقَال الْحل مطرد والجهة متحدة بِخِلَاف شِرَاء الزَّوْجَة فَلَا اسْتِبْرَاء وَيحْتَمل أَن ينظر إِلَى تجدّد الْملك وَبِه يُعلل اسْتِبْرَاء الْمَنْكُوحَة الْمُشْتَرَاة
فرع لَو اشْترى مُحرمَة أَو مُعْتَدَّة أَو مُزَوّجَة فَفِي وجوب استبرائها بعد انْقِضَاء الْعدة أَو بعد طَلَاق الزَّوْج من غير دُخُول نُصُوص مضطربة للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ فَقيل فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه يجب وَهُوَ الْقيَاس وَلَا يبعد أَن يتَأَخَّر الإستبراء عَن الْملك إِلَى وَقت الطَّلَاق ونزوال الْعدة

(6/168)


وَالثَّانِي أَنه لَا يجب لِأَن الْمُوجب جلب الْملك وَلم تكن إِذْ ذَاك فِي مَظَنَّة الإستحلال فَهُوَ كَشِرَاء الْأُخْت من الرَّضَاع لَا يُوجب الإستبراء وَلما حصل الْحل لم يَتَجَدَّد ملك حَتَّى يجب بِهِ
السَّبَب الثَّانِي زَوَال الْملك فَنَقُول الْجَارِيَة الْمَوْطُوءَة مُسْتَوْلدَة كَانَت أَو لم تكن فَهِيَ فِي حكم مستفرشة فَإِذا اعتقت بعد موت السَّيِّد أَو بِالْإِعْتَاقِ فعلَيْهَا التَّرَبُّص بقرء وَاحِد وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله أما الْمُسْتَوْلدَة فتتربص عِنْد الْعتْق وَلَكِن بِثَلَاثَة أَقراء نظرا إِلَى كمالها فِي الْحَال وَأما الْأمة فَلَا تربص عَلَيْهَا وَزَاد فَقَالَ لَو وَطئهَا السَّيِّد وَأَرَادَ فِي الْحَال تَزْوِيجهَا جَازَ من غير اسْتِبْرَاء وَهَذَا هجوم عَظِيم على خلط الْمِيَاه وَعِنْدنَا أَن كل جَارِيَة مَوْطُوءَة لَا يحل تَزْوِيجهَا إِلَّا بعد الِاسْتِبْرَاء وَكَأن هَذَا الإستبراء من نتيجة حُصُول ملك الزَّوْج فَإِن ملك السَّيِّد لم يزل إِلَّا أَنه يجب تَقْدِيمه على الْملك لِأَن النِّكَاح يقْصد لحل الْوَطْء فَلَا يُمكن عقده إِلَّا بِحَيْثُ يستعقب الْحل وَأما المُشْتَرِي فيستبرىء بعد الْملك لِأَن الشِّرَاء بِقصد الْأَغْرَاض الْمَالِيَّة فَلَا يقبل الْحجر بِسَبَب الْوَطْء نعم إِن عزم على الشِّرَاء قدم الإستبراء عَلَيْهِ

(6/169)


فروع

الأول لَو اشْترى المستفرشة المستبرأة تسلط على التَّزْوِيج وَأعْتق قبل التَّزْوِيج أَو بَاعَ وَأَرَادَ المُشْتَرِي التَّزْوِيج أَو أعتق المُشْتَرِي قبل الْوَطْء فَأَرَادَ التَّزْوِيج فَفِي جَوَاز ذَلِك ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا وَهُوَ الظَّاهِر أَنه يجوز إِذْ كَانَ يجوز قبل زَوَال الْملك فطرآن الْعتْق أَو الشِّرَاء لم يحرم تزويجا كَانَ ذَلِك جَائِزا
وَالثَّانِي أَنه لَا يجوز لِأَن زَوَال ملك الْفراش سَبَب يُوجب عدَّة الإستبراء وَقد طَرَأَ فَامْتنعَ بِهَذَا الطارىء حَتَّى يَزُول
وَالثَّالِث أَن ذَلِك يمْنَع فِي الْمُسْتَوْلدَة دون الرقيقة لِأَنَّهَا بالمستفرشة أشبه
وَالثَّانِي الْمُسْتَوْلدَة الْمُزَوجَة إِذا طَلقهَا زَوجهَا واعتدت فَأعْتقهَا السَّيِّد وَأَرَادَ تَزْوِيجهَا قبل الْوَطْء فَهَل لَهُ ذَلِك فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا نعم إِذْ كَانَ يجوز قبل الْعتْق
وَالثَّانِي لَا لِأَن عتقهَا هُوَ زَوَال ملك الْفراش وَقد صَارَت مستفرشة لَهُ بِانْقِضَاء عدتهَا وَإِن لم يَطَأهَا إِذْ عَادَتْ إِلَى فرَاشه
أما إِذا قَالَ أَنْت حرَّة مَعَ آخر الْعدة فها هُنَا لم ترجع إِلَى فرَاشه فَمنهمْ من قطع بِجَوَاز التَّزْوِيج وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ وَجعل مُجَرّد زَوَال الْملك عَن الْمُسْتَوْلدَة سَببا للعدة
الثَّالِث إِذا أعتق الْمُسْتَوْلدَة الْمُزَوجَة وَهِي فِي صلب النِّكَاح أَو عدته فَالظَّاهِر

(6/170)


أَن الإستبراء لَا يجب لِأَنَّهُ لَيْسَ الزائل فراشا لَهُ بل هِيَ فرَاش للزَّوْج وَفِيه قَول آخر أَنه يجب لزوَال ملك السَّيِّد وَقد كَانَت مستفرشة من قبل فَإِن أَوجَبْنَا فِي الْعدة فَلَا يخفى أَنَّهُمَا لَا يتداخلان وَيبقى النّظر فِي التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير كَمَا سبق
الرَّابِع إِذا أعتق مستولدته وَأَرَادَ أَن ينْكِحهَا فِي مُدَّة الإستبراء فَفِي جَوَازه خلاف وَالْأَظْهَر جَوَازه كَمَا لَو وَطئهَا بِالشُّبْهَةِ وَأَرَادَ أَن ينْكِحهَا وَالثَّانِي الْمَنْع لِأَن زَوَال الْملك أوجب تعبدا بالإستبراء وَلذَلِك منع من التَّزْوِيج من الْغَيْر على وَجه مَعَ أَنه كَانَ جَائِزا قبل الْعتْق
الْخَامِس الْمُسْتَوْلدَة الْمُزَوجَة إِذا مَاتَ زَوجهَا وسيدها جَمِيعًا فَإِن مَاتَ السَّيِّد أَولا فعلَيْهَا عدَّة الْوَفَاة أَرْبَعَة أشهر وَعشر فَإِن مَاتَ الزَّوْج أَولا فعلَيْهَا نصف ذَلِك وَإِن استبهم فعلَيْهَا الْأَخْذ بالأحوط وَذَلِكَ ظَاهر إِذا فرعنا على الصَّحِيح فِي أَنه لَيْسَ عَلَيْهَا اسْتِبْرَاء للسَّيِّد وَإِن أَوجَبْنَا فَبعد مُضِيّ عدَّة الْوَفَاة لَا بُد من شهر آخر إِلَّا إِذا كَانَت من ذَوَات الْأَقْرَاء فتكفيها حَيْضَة وَإِن جرت فِي مُدَّة الْعدة لِأَن الْمَقْصُود وجود صُورَة الْحيض بعد موت السَّيِّد وَقد حصل وَإِن لم تجر فَلَا بُد مِنْهَا بعد الْعدة
وَإِن مَاتَا مَعًا فَلَا اسْتِبْرَاء لِأَنَّهَا مَا عَادَتْ إِلَى فرَاشه وَالظَّاهِر أَن عدتهَا شَهْرَان وَشَيْء بِخِلَاف مَا لَو تقدم موت السَّيِّد بلحظة على موت الزَّوْج وَفِيه وَجه أَنَّهَا لَو عتقت فِي أثْنَاء الْعدة استكملت عدَّة الْحَرَائِر فَإِذا أعتقت مَعَ مَوته فَهُوَ أولى بذلك

(6/171)


قَاعِدَة

يجوز اعْتِمَاد قَوْلهَا إِنِّي حِضْت فَلَا سَبِيل إِلَى تحليفها إِذْ لَا يرتبط بنكولها حكم فَإِن السَّيِّد لَا يُقرر على الْحلف وَلَا اطلَاع لَهُ على حَيْضهَا
وَلَو امْتنعت عَن غشيانه وَرفعت إِلَى القَاضِي فَقَالَ قد أَخْبَرتنِي بِالْحيضِ فَالْأَوْجه تَصْدِيق السَّيِّد وتسليطه إِذْ لَوْلَا ذَلِك لَوَجَبَتْ الْحَيْلُولَة بَينهمَا كَمَا فِي وَطْء الشُّبْهَة فالإستبراء بَاب من التَّقْوَى فيفوض إِلَى السَّيِّد وَذكر القَاضِي أَنه لَا يبعد أَن يكون لَهَا الْمُخَاصمَة وَالدَّعْوَى حَتَّى إِن الْجَارِيَة الموروثة لَو ادَّعَت أَن الْمُورث وَطئهَا وطئا محرما على الْوَارِث فللوارث أَن لَا يصدقها وَهل لَهَا تَحْلِيفه فِيهِ خلاف فَكَذَلِك هَذَا ويتأيد بِوَجْه ذكر أَن لَهَا الإمتناع عَن وقاع السَّيِّد الأبرص فيشعر بِأَنَّهَا صَاحِبَة حق على الْجُمْلَة

(6/172)


الْفَصْل الثَّالِث فِيمَا تصير بِهِ الْأمة فراشا

فَنَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَلَد للْفراش فَإِذا اسْتَبْرَأَ جَارِيَة فَأَتَت بِولد قبل أَن يَطَأهَا فَلَا يلْحق بِهِ إِذْ لَا فرَاش وَتصير فراشا بِالْوَطْءِ وَإِنَّمَا يلْحقهُ الْوَلَد إِذا اسْتَلْحقهُ أَو أَتَت بِهِ لزمان يحْتَمل أَن يكون مِنْهُ بعد الْوَطْء وَيثبت الْفراش بِأَن يقر بِوَطْء عري عَن دَعْوَى الإستبراء والعزل
وَالصَّحِيح أَن دَعْوَى الْعَزْل لَا تَنْفِي الْوَلَد لِأَن المَاء سباق لَا يدْخل تَحت الإختيار وَالصَّحِيح أَن اعترافه بِالْوَطْءِ فِي غير المأتى لَا يلْحق الْوَلَد بِهِ أما إِذا قَالَ وطِئت واستبرأتها بعده بحيض فَالْمَذْهَب أَنه يَنْتَفِي عَنهُ الْوَلَد بِغَيْر لعان لِأَن فرَاش الْأمة

(6/173)


ضَعِيف وَمِنْهُم من قَالَ لَا يَنْتَفِي إِلَّا بِاللّعانِ
فَإِن فرعنا على الْمَذْهَب فأنكرت فَالْقَوْل قَوْله فكأنا نقُول لم يقر إِقْرَارا مُلْحقًا وَإِن كَانَت هِيَ المؤتمنة فِي رَحمهَا
وَلَو ادَّعَت أُميَّة الْوَلَد فلهَا تَحْلِيفه ثمَّ فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يحلف أَنَّهَا حَاضَت بعد الْوَطْء وَمَا وَطئهَا بعد الْحيض
وَالثَّانِي أَنه يضيف إِلَى ذَلِك أَن الْوَلَد لَيْسَ مني حَتَّى يَنْتَفِي
وَلَو أَتَت بعد الْوَطْء لأكْثر من أَربع سِنِين فَمُقْتَضى قَوْلنَا إِنَّهَا صَارَت فراشا أَنه يلْحقهُ فَإِن قُلْنَا إِنَّه يَنْتَفِي بِدَعْوَى الإستبراء فَهَذَا أظهر وَإِن قُلْنَا لَا يَنْتَفِي فَهَذَا فِيهِ تردد وعَلى الْجُمْلَة هَذَا بِالنَّفْيِ أولى من الإستبراء وَيقرب من هَذَا أَنَّهَا لَو أَتَت بِولد ثمَّ أَتَت بِولد آخر لأكْثر من سِتَّة أشهر من الْوَلَد الأول فَإِنَّهُ ولد بعد الإستبراء بِالْوَلَدِ الأول فَمنهمْ من قَالَ يلْحق إِذْ صَارَت فراشا وَمِنْهُم من قَالَ لَا إِذْ لَيْسَ يثبت لَهَا عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ حكم المستفرشة وعَلى هَذَا يلْتَفت أَن المستفرشة إِذا طَلقهَا زَوجهَا هَل تعود فراشا بِمُجَرَّد الطَّلَاق حَتَّى يجب الإستبراء بِعتْقِهَا قبل الْوَطْء فَإِن قُلْنَا تعود فراشا لحقه الْوَلَد من غير إِقْرَار جَدِيد بِالْوَطْءِ لَكِن الْأَصَح أَنَّهَا لَا تعود فراشا

فرع
إِذا اشْترى زَوجته وَأَتَتْ بِولد لزمان يحْتَمل أَن يكون فِي النِّكَاح وَفِي ملك

(6/174)


الْيَمين فيلحقه الْوَلَد إِذْ الْأمة لَا تنحط عَن البائنة وَلَكِن لَا تصير أم ولد لَهُ إِذا لم يعْتَرف بِوَطْء فِي الْملك وَفِيه وَجه أَنَّهَا تصير أم ولد لَهُ لِأَنَّهَا ولدت مِنْهُ فِي ملكه وَهُوَ بعيد نعم لَو أقرّ بِالْوَطْءِ وَاحْتمل أَن يكون من النِّكَاح وَملك الْيَمين فَيحْتَمل ترددا فِي أُميَّة الْوَلَد وَوجه إثْبَاته أَن يُقَال ملك الْيَمين مَعَ الْإِقْرَار بِالْوَطْءِ يثبت فراشا نَاسِخا لفراش النِّكَاح فيحال الْوَلَد على النَّاسِخ وَيُمكن أَن يُقَال ملك الْيَمين لَا يقوى على نسخ فرَاش النِّكَاح ويبتني عَلَيْهِ تردد فِي أَن زوج الْأمة إِذا طَلقهَا قبل الْمَسِيس وَأقر السَّيِّد بِوَطْئِهَا وَأَتَتْ بِولد لزمان يحْتَمل أَن يكون مِنْهُمَا فَيحْتَمل أَن يلْحق بالسيد لِأَن فرَاشه نَاسخ وَيحْتَمل أَن يعرض على الْقَائِف

(6/175)