الوسيط في المذهب

= كتاب الرَّضَاع =
وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وأمهاتكم اللَّاتِي أرضعنكم وأخواتكم من الرضَاعَة} وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب
وَفِي الْكتاب أَرْبَعَة أَبْوَاب

(6/177)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَان الرَّضَاع وشرائطه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
أما الْأَركان فَثَلَاثَة الْمُرْضع وَاللَّبن والمرتضع
أما الْمُرْضع فَهُوَ كل امْرَأَة حَيَّة تحْتَمل الْولادَة فاحترزنا بِالْمَرْأَةِ عَن الْبَهِيمَة وَالرجل فَلَو ارتضع صغيران من بَهِيمَة فَلَا أخوة بَينهمَا لِأَن الْأُخوة تتبع الأمومة وَقَالَ عَطاء تثبت الْأُخوة وَلَو در لبن من ثدي الرجل فَلَا أثر لَهُ وَفِيه وَجه أَنه كلبن الْمَرْأَة والصبية بنت ثَمَان إِن در لَبنهَا فَلَا حكم لَهُ بل هُوَ كلبن الرجل وَفِي لبن الْبكر وَجْهَان
أَحدهمَا يحرم لِأَنَّهَا فِي مَحل الْولادَة وَإِن لم تَلد قطعا
وَالثَّانِي أَنَّهَا كَالرّجلِ إِذْ اللَّبن فرع للْوَلَد وَلَا ولد
أما لَو أجهضت جَنِينا فلبنها مُؤثر وَإِذا در لبن لصبية بنت سِنِين وَقُلْنَا يعْتَبر لبن الْبكر اعْتبر ذَلِك لاحْتِمَال الْبلُوغ ثمَّ لَا يحكم ببلوغها بِمُجَرَّد اللَّبن وَلَكِن كَمَا يلْحق الْوَلَد بِابْن تسع سِنِين وَلَا يحكم بِبُلُوغِهِ

(6/179)


وَأما الْمَرْأَة الْميتَة إِذا بَقِي فِي ضرْعهَا لبن فَلَا يُؤثر لَبنهَا لِأَنَّهَا جثة منفكة عَن الْحل وَالْحُرْمَة كالبهيمة نعم لَو حلب فِي حَيَاتهَا وارتضع بعد الْمَوْت كَانَ محرما على الْمذَاهب وَفِيه وَجه أَنه لَا يحرم لِأَن الْمَيِّت لَا يحْتَمل ابْتِدَاء الأمومة
الرُّكْن الثَّانِي اللَّبن وَالْمُعْتَبر عندنَا وُصُول عينه إِلَى الْجوف وَإِن لم يبْق اسْمه حَتَّى لَو اتخذ مِنْهُ جبن أَو أقط أَو مخض مِنْهُ زبد فَأَكله الصَّبِي حرم فَلم يتبع الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ اسْم اللَّبن وَإِن اتبع اسْم الْإِرْضَاع وعول على الْخَبَر فِيهِ
وَلَو اخْتَلَط بمائع وَهُوَ غَالب حرم وَإِن كَانَ مَغْلُوبًا بِحَيْثُ لَا يظْهر لَهُ لون وَطعم فَإِن

(6/180)


اخْتَلَط بِمَا دون الْقلَّتَيْنِ وَشرب الصَّبِي جَمِيعه فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه لَا يحرم لِأَنَّهُ قد انمحق
وَالثَّانِي نعم لِأَن الْعين بَاقٍ فِيهِ وَقد وصل إِلَى الْجوف فعلى هَذَا لَو شرب بعضه فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا يحرم لانه مُثبت فِي الْجَمِيع
وَالثَّانِي لَا فَلَعَلَّهُ فِي الْبَاقِي وَالْوَجْه الْقطع بِأَنَّهُ يعْتَبر يَقِين الْإِثْبَات فَإِن شكّ فَالْأَصْل عدم التَّحْرِيم
أما إِذا اخْتَلَط بقلتين فالترتيب على الْعَكْس وَهُوَ أَنه إِن شرب بعضه لم يحرم وَإِن شرب كُله فَقَوْلَانِ مرتبان على مَا دون الْقلَّتَيْنِ وَأولى بِأَن لَا يُؤثر
ثمَّ لم نعتبر الْقلَّتَيْنِ فِي سَائِر الْمَائِعَات بل فِي المَاء خَاصَّة واعتباره بعيد
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد المغلوب يَعْنِي بِهِ الَّذِي لَا يُؤثر فِي التغذية لَا الَّذِي لَا يُؤثر فِي اللَّوْن
الرُّكْن الثَّالِث الْمحل وَهُوَ جَوف الصَّبِي الْحَيّ فَلَا يُؤثر الإيصال إِلَى جَوف الْمَيِّت وَلَا إِلَى جَوف الْكَبِير ونعني بالجوف الْمعدة وَمحل التغذية لِأَن الرَّضَاع مَا انبت اللَّحْم وأنشر الْعظم فَلَو وصل إِلَى جَوف لَا يغذي كالمثانة والإحليل فَحَيْثُ لَا يفْطر لَا يُؤثر وَحَيْثُ

(6/181)


يحصل الْإِفْطَار فَفِي تَحْرِيم الرَّضَاع قَولَانِ وَفِي السعوط طَرِيقَانِ مِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من قطع بالحصول لِأَن الدِّمَاغ لَهُ مجْرى إِلَى الْمعدة فينتهي إِلَيْهَا بِخِلَاف الحقنة
أما الشَّرْط فَهُوَ اثْنَان
الأول الْوَقْت فَلَا أثر للرضاع بعد الْحَوْلَيْنِ عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا رضَاع إِلَّا فِي الْحَوْلَيْنِ وَلقَوْله تَعَالَى {حَوْلَيْنِ كَامِلين لمن أَرَادَ أَن يتم الرضَاعَة} وَلَا حكم لما بعد التَّمام وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله ثَلَاثُونَ شهرا وَقَالَ ابْن أبي ليلى

(6/182)


ثَلَاث سِنِين وَقَالا دَاوُد أبدا وَبِه قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا واستدلت بِأَن سهلة بنت سُهَيْل قَالَت كُنَّا نرى سالما ولدا وَكَانَ يدْخل علينا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أرضعيه خمس رَضعَات فَفعلت وَكَانَ كَبِيرا وأبى سَائِر الصَّحَابَة ذَلِك وَقَالُوا كَانَ ذَلِك رخصَة لسالم

فرع
لَو شككنا فِي وُقُوع الرَّضَاع فِي الْحَوْلَيْنِ فَيقرب من تقَابل الْأَصْلَيْنِ إِذْ الأَصْل بَقَاء الْحَوْلَيْنِ وَالْأَصْل عدم التَّحْرِيم وَالْأَظْهَر أَنه لَا يحرم فَإِنَّهُ الأَصْل كالماسح إِذا شكّ فِي انْقِضَاء مُدَّة الْمسْح قُلْنَا الأَصْل وجوب الْغسْل لَا بَقَاء الْمدَّة
الشَّرْط الثَّانِي الْعدَد فَلَا يحرم إِلَّا خمس رَضعَات لقَوْل عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أنزلت عشر رَضعَات مُحرمَات فنسخن بِخمْس رَضعَات وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يحرم برضعة وَقَالَ أَبُو ثَوْر وَابْن أبي ليلى يحصل بِثَلَاث رَضعَات

(6/183)


ثمَّ النّظر فِي أَمريْن
أَحدهمَا فِي التَّعَدُّد وَإِنَّمَا يَتَعَدَّد بتخلل فصل بَين الرضعتين وَيتبع فِيهِ الْعرف كموجب الْيَمين وَلَا يَنْقَطِع التواصل بِأَن يلفظ الصَّبِي الثدي ويلهو لَحْظَة وَلَا بِأَن يتَحَوَّل من ثدي إِلَى ثدي لِأَن ذَلِك إتْمَام رضعة وَاحِدَة وَإِنَّمَا يَنْقَطِع بالإضراب سَاعَة وَالْعرْف هُوَ الْمُحكم وَعند الشَّك الأَصْل نفي التَّحْرِيم
أما إِذا حلبت اللَّبن دفْعَة وَاحِدَة وشربه الصَّبِي فِي خمس رَضعَات فَقَوْلَانِ الْأَصَح حُصُول الْعدَد نظرا إِلَى تقطع الْوُصُول وَالثَّانِي أَنه ينظر إِلَى اتِّحَاد الْحُصُول والإنفصال
وَإِن حلب خمس دفعات وتناوله الصَّبِي من إِنَاء وَاحِد دفْعَة وَاحِدَة فَهُوَ رضعة فَإِن تنَاوله بدفعات فطريقان
مِنْهُم من قطع بِالْعدَدِ لتَعَدد الطَّرفَيْنِ
وَمِنْهُم من قَالَ اللَّبن فِي حكم المتحد لما اخْتَلَط
الْأَمر الثَّانِي أَن يَتَعَدَّد الْمُرْضع ويتحد الْفَحْل كَالرّجلِ لَهُ خَمْسَة مستولدات أَو أَربع نسْوَة ومستولدة أرضعن بلبانه صَغِيرَة كل وَاحِدَة مرّة لَا تحصل الأمومة وَهل تحصل الْأُبُوَّة للفحل فِيهِ وَجْهَان مشهوران

(6/184)


أَحدهمَا أَنه لَا تحصل لِأَن الأمومة أصل والأبوة تبع
وَالثَّانِي تحصل لِأَن الْأُبُوَّة أَيْضا أصل وَقد حصل الْعدَد فِي حَقه
وَلَو كَانَ بدلهن خمس بَنَات فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا تحصل لِأَن اللَّبن لَيْسَ مِنْهُ حَتَّى نقُول كَأَنَّهُ الْمُرْضع وَهن كالظروف للبنه لِأَن الْبَنَات كَبِنْت وَاحِدَة من وَجه وَالْأَخَوَات كالبنات وَإِذا ثبتَتْ الْحُرْمَة مَعَ ابْنَتَيْهِ انجرت إِلَيْهِ
وَلَو كن مختلفات كَأُمّ وَأُخْت وَبنت وَجدّة وَزَوْجَة فَالظَّاهِر أَنه لَا يحرم لِأَن هَذَا الْمَجْمُوع لَا يحصل مِنْهُ قرَابَة وَاحِدَة يعبر عَنْهَا بِعِبَارَة وَقيل يحرم إِذْ لَو استتمت كل وَاحِدَة خمْسا لحرمت
فرع يعْتَبر تخَلّل فصل بَين رَضعَات الزَّوْجَات فَلَو أرضعن دفْعَة وَاحِدَة على التواصل فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا أَنه يَتَعَدَّد لتَعَدد الْمُرْضع
وَالثَّانِي أَنه يتحد كتعدد الثدي من وَاحِدَة لِأَن الصَّبِي ارتضع دفْعَة وَاحِدَة فعلى هَذَا لَو عَادَتْ وَاحِدَة وأرضعت أَرْبعا حرم عَلَيْهَا لِأَنَّهَا كملت الْخمس وَفِيه وَجه أَنه لَا يحرم لِأَن الرضعة الأولى لم تحسب رضعة تَامَّة وَلَو حسبت لحصل التَّحْرِيم بالمجموع وَهَذَا ضَعِيف

(6/185)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِيمَن يحرم بِالرّضَاعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَيحرم بِالرّضَاعِ أصُول وفروع وَالْأُصُول ثَلَاثَة
الْمُرضعَة وَهِي الْأُم وَزوجهَا وَهُوَ الْأَب
والمرتضع وَهُوَ الْوَلَد وَمِنْهُم تَنْتَشِر الْحُرْمَة إِلَى الْأَطْرَاف حَتَّى يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب
بَيَانه أَنه إِذا حرم على المرتضع الْمُرضعَة حرم عَلَيْهَا أمهاتها نسبا ورضاعا فَإِنَّهُنَّ جدات وَحرم عَلَيْهِ أخواتها نسبا ورضاعا فَإِنَّهُنَّ خالات وَلم تحرم عَلَيْهِ بَنَات أخواتها وإخوتها فَإِنَّهُنَّ بَنَات الخالات والأخوال وَحرمت بناتها عَلَيْهِ نسبا ورضاعا فَإِنَّهُنَّ أَخَوَات المرتضع وَحرمت أَوْلَاد بَنَات الْمُرضعَة قربن أَو بعدن من النّسَب وَالرّضَاع فَإِنَّهُ خالهن وكما حرمت الْمُرضعَة على المرتضع حرمت على أَوْلَاده من النّسَب وَالرّضَاع فَإِنَّهُم حوافدها وَلم تحرم على أَب المرتضع فَلَو تزوج بهَا أَبوهُ فَكَأَنَّهُ تزوج بِأم الابْن وَلَا منع مِنْهُ وَلَو تزوج أَخُوهُ بهَا فَلَا منع وَكَأَنَّهُ تزوج بِأم الْأَخ وَهُوَ جَائِز وَإِنَّمَا لَا يجوز فِي النّسَب لِأَنَّهَا زَوْجَة الْأَب وَذَلِكَ حرَام بِحكم الْمُصَاهَرَة
وَهَذَا الْقيَاس بِعَيْنِه جَار بَين المرتضع والفحل فَإِذا كَانَ هُوَ للمرتضع أَبَا فأبوه جد وَأَخُوهُ عَم وَابْنه أَخ وعَلى هَذَا الْقيَاس

(6/186)


وَالْأَصْل فِي الْفَحْل أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا احْتَجَبت من أَفْلح فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ليلج عَلَيْك فَإِنَّهُ عمك وَكَانَت قد ارتضعت من زَوْجَة أَخِيه وَلَا يُخَالف الرَّضَاع النّسَب إِلَّا فِي أم الْأَخ من الرَّضَاع وَأم الإبن من الرَّضَاع فَإِنَّهُمَا لَا يحرمان من الرَّضَاع وَإِنَّمَا يحرمان من النّسَب للمصاهرة والزوجية

(6/187)


فصل فِي مسَائِل تتَعَلَّق بالفحل خَاصَّة

فَنَقُول إِنَّمَا تثبت الْحُرْمَة من الْفَحْل إِذا أرضعت بلبانه وَنسب اللَّبن ينْسب الْوَلَد إِلَيْهِ وكل ولد منفي عَنهُ فاللبن الْحَاصِل بِسَبَبِهِ منفي عَنهُ كَوَلَد الزِّنَا وَالْولد الْمَنْفِيّ بِاللّعانِ
وَأما لبن الْمَوْلُود من وَطْء الشُّبْهَة فَالصَّحِيح أَنه مَنْسُوب إِلَيْهِ كَالْوَلَدِ وَقد نقل فِيهِ قَول وَوَجهه أَن النّسَب يثبت للضَّرُورَة وَلَا ضَرُورَة فِي الرَّضَاع وَكَذَا طردوا هَذَا القَوْل فِي الصهر

فرعان

أَحدهمَا أَنه لَو وطِئت الْمَنْكُوحَة بِالشُّبْهَةِ وَأَتَتْ بِولد بِحَيْثُ يعرض على الْقَائِف وفرعنا على الصَّحِيح فِي ثُبُوت الرَّضَاع بِوَطْء الشُّبْهَة فالرضاع تبع للنسب فَإِذا أرضعت صَغِيرا فَهُوَ ولد من ألحق الْقَائِف بِهِ الْمَوْلُود فَإِن لم يكن قائف وَبلغ الْمَوْلُود وانتسب إِلَى أَحدهمَا تبعه المرتضع فِي الرَّضَاع فَإِن مَاتَ قبل الإنتساب فَفِي الرَّضِيع ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه ينتسب بِنَفسِهِ كَالْوَلَدِ لِأَنَّهُ تَابع والآن مَاتَ الْمَتْبُوع فَقَامَ مقَامه وَلَكِن هُوَ ينتسب عِنْد عدم الْوَلَد

(6/188)


وَالثَّانِي أَنه لَا ينتسب لِأَن الْوَلَد يَبْنِي على ميل فِي الطَّبْع تَقْتَضِيه الْخلقَة وَذَلِكَ لَا يتَحَقَّق فِي الرَّضَاع فعلى هَذَا نسبه فِي الرَّضَاع مُبْهَم بَينهمَا فَيحرم عَلَيْهِ مواصلتهما جَمِيعًا وَهَذَا هُوَ الْأَصَح
وَالثَّالِث أَن الْأَمر مَوْقُوف وَالْحُرْمَة قَائِمَة وَعَلِيهِ أَن لَا يواصلهما جَمِيعًا وَلَكِن لَهُ مُوَاصلَة أَحدهمَا وَإِذا فعل تعين وَلم يجز لَهُ بعد ذَلِك مُوَاصلَة الثَّانِي وَإِن طلثق الأول وَفِيه وَجه أَن لَهُ مُوَاصلَة الثَّانِي مهما طلق الأول وَإِنَّمَا يحرم عَلَيْهِ الْجمع لِأَن يتَيَقَّن التَّحْرِيم عِنْد الْجمع لَا عِنْد الْإِفْرَاد وَفِي الْمَسْأَلَة قَول آخر أَنه يثبت نسبه فِي الرَّضَاع مِنْهُمَا لِأَنَّهُ يحمل أَبَوَانِ من الرَّضَاع وَلَا يحمل من النّسَب وَهَذَا ضَعِيف إِلَّا أَن يُرَاد بِهِ شُمُول التَّحْرِيم وَذَلِكَ صَحِيح
الْفَرْع الثَّانِي إِذا طلق زَوجته ولبنها دَار فَهُوَ مَنْسُوب إِلَيْهِ أبدا وَكَذَلِكَ لَو انْقَطع وَعَاد مَا لم تضع حملا من واطىء آخر وَقيل إِنَّه يتَقَدَّر بِأَرْبَع سِنِين وَهُوَ أقْصَى مُدَّة الْحمل وَهُوَ فَاسد لِأَن اللَّبن لَا تتقدر مدَّته وَمهما وضعت حملا من واطىء لخر شُبْهَة أَو نِكَاح انْقَطع نِسْبَة اللَّبن عَنهُ اما فِي مُدَّة الْحمل فِي النِّكَاح الثَّانِي فَهُوَ مَنْسُوب إِلَى الأول إِن قَالَ أهل الْبَصَر لم يدْخل وَقت درور اللَّبن من الثَّانِي فَإِن قَالُوا دخل فَفِيهِ نظر
فَإِن كَانَ اللَّبن لَا يَنْقَطِع فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهمَا أَنه للْأولِ استصجابا
وَالثَّانِي أَنه لَهما
وَالثَّالِث أَنه إِن زَاد اللَّبن فَلَهُمَا وَإِلَّا فَهُوَ للْأولِ

(6/189)


وَأما إِذا كَانَ قد انْقَطع وَعَاد بِالْحملِ فَثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهمَا أَنه للْأولِ إِذْ لم يطْرَأ قَاطع مَعْلُوم فَلَا نبالي بقول أهل الْبَصَر إِن ذَلِك جَائِز وَلَا بِانْقِطَاع اللَّبن
وَالثَّانِي أَنه للثَّانِي لِأَن الْحمل نَاسخ
وَالثَّالِث أَنه لَهما جَمِيعًا وَالله أعلم

(6/190)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي بَيَان الرَّضَاع الْقَاطِع للنِّكَاح وَحكم الْغرم فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
ويشتمل هَذَا الْبَاب على غوامض الْكتاب وَلَا بُد من تَقْدِيم أصلين
أَحدهمَا فِي الْغرم
وَالثَّانِي فِي التفاف الْمُصَاهَرَة بِالرّضَاعِ
الأول فِي الْغرم فَإِذا كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَة فأرضعتها أمه أَو امْرَأَته بلبانه حرمت زَوجته الصَّغِيرَة وَانْقطع النِّكَاح وعَلى الزَّوْج نصف الْمُسَمّى قبل الْمَسِيس وجميعه حَيْثُ يَنْقَطِع النِّكَاح بِمثلِهِ بعد الْمَسِيس وَأما الْمُرضعَة فقد فوتت ملك النِّكَاح عَلَيْهِ فَلَا بُد وَأَن تغرم وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن عَلَيْهَا قبل الْمَسِيس نصف مهر الْمثل وَنَصّ فِي شُهُود الطَّلَاق إِذا رجعُوا أَنهم يغرمون جَمِيع مهر الْمثل فَقيل قَولَانِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِالنَّقْلِ والتخريج ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى أَن المستقر هُوَ النّصْف توفّي الثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح أَن الْملك بِكَمَالِهِ مُسْتَقر وَإِنَّمَا يسْقط الشّطْر بِالطَّلَاق فَيجب جَمِيع الْمهْر وَمِنْهُم من فرق بِأَن الشُّهُود لم يقطعوا بَاطِنا ملكه وَإِنَّمَا أوقعوا حيلولة والإرضاع قطع النِّكَاح وَالْقطع قبل الْمَسِيس لَا يُوجب إِلَّا النّصْف وَمِنْهُم من أقرّ النَّص فِي الشُّهُود وَخرج مِنْهُ قولا إِلَى الرَّضَاع أَنه يجب التَّمام وَهُوَ مُتَّجه فِي الْقيَاس وَذكر بعض أَصْحَابنَا قَوْلَيْنِ آخَرين
أَحدهمَا أَنه يغرم نصف الْمُسَمّى لِأَنَّهُ الَّذِي فَاتَ على الزَّوْج مُتَقَوّما أما الْبضْع فَلَا

(6/191)


يتقوم وَهُوَ مَذْهَب أببي حنيفَة رَحمَه الله
وَالثَّانِي كَمَال الْمُسَمّى لِأَنَّهُ الَّذِي بذل الزَّوْج إِذْ التشطير خاصية الزَّوْج
وَفِي الشُّهُود قَول خَامِس أَن الزَّوْج إِن كَانَ بذل كَمَال الْمُسَمّى وَجب كَمَال الْمُسَمّى لِأَن الزَّوْج مُنكر للطَّلَاق فَلَا يُمكنهُ اسْتِرْدَاد شطر الْمُسَمّى
أما إِذا جرى بعد الْمَسِيس بِأَن كَانَ تَحْتَهُ كَبِيرَة وصغيرة فأرضعت أم الْكَبِيرَة الصَّغِيرَة حَتَّى صارتا أُخْتَيْنِ فَحرم جميعهما اندفعا على الصَّحِيح وَفِيمَا تغرم لأجل الْكَبِيرَة الممسوسة قَولَانِ
الصَّحِيح الْمَقْطُوع بِهِ أَنَّهَا تغرم كَمَال مهر الْمثل
وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تغرم شَيْئا لِأَن الزَّوْج بِالْوَطْءِ استوفى مَا يُقَابل الْمهْر وَكَذَلِكَ إِذا ارْتَدَّت بعد الْمَسِيس لم تغرم شَيْئا
وَهَذَا كُله إِذا كَانَ الرَّضَاع مِنْهَا قصدا فَلَو كَانَت الْمُرضعَة نَائِمَة فدبت الصَّغِيرَة إِلَيْهَا وامتصت فالفسخ محَال على الصَّغِيرَة حَتَّى يسْقط كَمَال الْمُسَمّى وَلَا تغرم الْمُرضعَة لعدم الْقَصْد
وَلَا خلاف فِي أَن فعلهَا فِي الإرتضاع لَا يعْتَبر مهما كَانَت الْمُرضعَة قاصدة بل يُحَال على جَانب الْمُرضعَة وَذكر الشَّيْخ أَبُو عَليّ فِي النائمة وَجْهَيْن آخَرين
أَحدهمَا أَنه يُحَال على الْمُرضعَة لِأَنَّهَا صَاحِبَة اللَّبن فتنسب إِلَيْهِ وَهَذَا ضَعِيف

(6/192)


وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تغرم لِأَنَّهَا لم تقصد وتستحق الصَّغِيرَة نصف الْمُسَمّى إِذْ لَا عِبْرَة بِفِعْلِهَا
أما إِذا قطرت قَطْرَة من اللَّبن فطيرها الرّيح إِلَى فَم الصَّغِيرَة فَلَا غرم على صَاحِبَة اللَّبن وَالصَّغِيرَة تسْتَحقّ شطر الْمهْر إِذْ لَا فعل لَهَا وَيرجع وَجه فِي النّظر إِلَى صَاحِبَة اللَّبن
الأَصْل الثَّانِي فِي التفاف الْمُصَاهَرَة بِالرّضَاعِ
فَنَقُول إِذا أرضعت امْرَأَة صبية فنكح الصبية رجل حرم عَلَيْهِ الْمُرضعَة لِأَنَّهَا أم زَوجته والأمومة سَابِقَة على الزَّوْجِيَّة فَلَو نكح صبية وأبانها فأرضعتها كَبِيرَة حرمت الْكَبِيرَة على الْمُطلق لِأَنَّهَا صَارَت أم صَغِيرَة كَانَت زَوجته إِذْ لَا ينظر إِلَى التَّارِيخ والتقديم وَالتَّأْخِير وَهَذَا مُتَّفق عَلَيْهِ والمطلقة أَو الْمُسْتَوْلدَة إِذا نكحت صَغِيرا ثمَّ أَرْضَعَتْه بلبان الزَّوْج أَو السَّيِّد حرما على الْمُطلق وَالسَّيِّد لِأَن الرَّضِيع صَار ابْنا وَهِي كَانَت زَوجته قبل أَن صَار ابْنا فصارتا أم الزَّوْجَة
وَكَذَلِكَ لَو نكح زيد كَبِيرَة وَعَمْرو صَغِيرَة ثمَّ طَلَّقَاهُمَا ونكح كل وَاحِد زَوْجَة صَاحبه فأرضعت الْكَبِيرَة الصَّغِيرَة حرمت الْكَبِيرَة عَلَيْهِمَا لِأَنَّهَا صَارَت أم صَغِيرَة هِيَ زوجتهما وَأما الصَّغِيرَة فَإِن لم يكن زيد قد دخل بالكبيرة لما كَانَت تَحْتَهُ فنكاح الصَّغِيرَة بَاقٍ لِأَنَّهَا صَارَت ربيبة امْرَأَة لم يدْخل بهَا فَإِن كَانَ قد دخل بالكبيرة حرمت الصَّغِيرَة وانفسخ النِّكَاح لِأَنَّهَا ربيبة مَدْخُول بهَا
فَإِن تمهد هَذَانِ الأصلان انشعب مِنْهُمَا صور

(6/193)


الصُّورَة الأولى إِذا كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَة وكبيرة فأرضعت الْكَبِيرَة الصَّغِيرَة بلبان الزَّوْج حرمتا عَلَيْهِ على التأييد لِأَن الْكَبِيرَة صَارَت أم الزَّوْجَة وَالصَّغِيرَة صَارَت ولد الزَّوْج فَإِن أرضعتها بلبان غَيره وَكَانَ بعد الدُّخُول بالكبيرة حرمتا على التأييد لِأَن الْكَبِيرَة صَارَت أم الزَّوْجَة وَالصَّغِيرَة ربيبة مَدْخُول بهَا وَإِن كَانَ قبل الدُّخُول حرمت الْكَبِيرَة مُؤَبّدَة لما سبق وانفسخ نِكَاح الصَّغِيرَة لِأَنَّهَا اجْتمعت مَعَ الْأُم فِي النِّكَاح وَلَا يحرم تَجْدِيد نِكَاحهَا لِأَنَّهَا ربيبة غير مَدْخُول بهَا أما الْغرم فَإِن ظهر فعلهَا يسْقط مهرهَا قبل الدُّخُول وَغرم مهر الصَّغِيرَة كَمَا سبق
الصُّورَة الثَّانِيَة لَو كَانَ تَحْتَهُ كَبِيرَة وَثَلَاث صغَار فأرضعتهن دفْعَة بِأَن حلبت اللَّبن فأوجرتهن دفْعَة حرمت هِيَ على التأييد لِأَنَّهَا أم زَوْجَاته وانفسخ نِكَاح الصغار لمعنيين
أَحدهمَا ثُبُوت الاخوة بَينهُنَّ
وَالثَّانِي اجتماعهن مَعَ الْأُم فِي النِّكَاح
وَلم يحرمن مُؤَبَّدًا لِأَن تحريمهن بِسَبَب الإجتماع وَلَكِن بِشَرْط أَن لَا يكون الإرتضاع بلبان الزَّوْج وَأَن يكون قبل دُخُوله بالكبيرة حَتَّى لَا يصرن ربائب مَدْخُول بهَا
وَإِن أرضعت الْأَوليين ثمَّ الثَّالِثَة انْفَسَخ نِكَاحهَا مَعَ الْأَوليين وَلم يَنْفَسِخ نِكَاح الثَّالِثَة إِذْ لم يبْق فِي نِكَاحه امْرَأَة حَتَّى يمْتَنع الإجتماع فَلَو أرضعت وَاحِدَة فَوَاحِدَة على التَّرْتِيب انْفَسَخ نِكَاح الْكُبْرَى مَعَ الأولى وَلم يَنْفَسِخ نِكَاح الثَّانِيَة فِي الْحَال وَهل يَنْفَسِخ مَعَ نِكَاح الثَّالِثَة وَقد أرضعتها وَتَحْته الصَّغِيرَة الثَّانِيَة فِيهِ قَولَانِ

(6/194)


أَحدهمَا نعم وَهُوَ الْقيَاس لِأَنَّهُمَا أختَان فَلَيْسَتْ إِحْدَاهمَا بالإندفاع أولى من الْأُخْرَى
وَالثَّانِي أَنه تخْتَص الثَّالِثَة باندفاع نِكَاحهَا لِأَن سَبَب الْجمع وجد بإرضاعها
وَكَذَلِكَ لَو أرضعت أَجْنَبِيَّة صغيرتين تَحت زوج وَاحِد على التوالي انْدفع نِكَاح الثَّانِيَة وَفِي الأولى قَولَانِ
وَكَذَلِكَ لَو أرضعت أم إِحْدَى الصغيرتين الْأُخْرَى انْفَسَخ نِكَاح المرتضعة وَفِي الْأُخْرَى الْقَوْلَانِ وَالأَصَح فِي الْكل التدافع وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ رَحمَه الله
وَلَو كَانَ تَحْتَهُ أَربع صغَار فجَاء ثَلَاث خالات للزَّوْج من جِهَة الْأَب وَالأُم وأرضعت كل وَاحِدَة وَاحِدَة لم يَنْفَسِخ نِكَاحهنَّ لِأَنَّهُنَّ صرن بَنَات الخالات فَلَو جَاءَت بعد ذَلِك أم أم الزَّوْج أَو امْرَأَة أَب لأم الزَّوْج وارتضعت الرَّابِعَة حرمت هِيَ مُؤَبَّدًا لِأَنَّهَا صَارَت خَالَة للزَّوْج وَصَارَت خَالَة للصغائر الثَّلَاث إِذْ صَارَت اختا للخالة الَّتِي أرضعتهن وَأُخْت الْخَالَة خَالَة فينفسخ نِكَاحهَا وَفِي انْفِسَاخ نِكَاح الثَّلَاث وَهِي بَنَات أُخْتهَا وَقد اجْتَمعْنَ فِي النِّكَاح مَعهَا قَولَانِ لِأَن سَبَب الْجمع مُحَقّق مِنْهَا
الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا لَو كَانَت الخالات متفرقات إِحْدَاهُنَّ للْأَب وَالْأُخْرَى للْأُم وَالْأُخْرَى للأبي وَالأُم وَجَاءَت أم أم الزَّوْج وارتضعت الرَّابِعَة انْفَسَخ نِكَاحهَا وَأما الصَّغَائِر الثَّلَاث فالتي أرضعتها الْخَالَة للْأَب لَا يَنْفَسِخ نِكَاحهَا لِأَن الخؤولة للرابعة حصلت من جِهَة أم أم الزَّوْج وَالْخَالَة للْأَب لَا تتصل بهَا
الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا لَو جَاءَت امْرَأَة أَب أم الزَّوْج وأرضعت الرَّابِعَة بلبان أَب أم الزَّوْج يَنْفَسِخ

(6/195)


نِكَاحهَا لِأَنَّهَا صَارَت خَالَة الزَّوْج للْأَب وَهل يَنْفَسِخ نِكَاح الثَّلَاث أما الَّتِي أرضعتها الْخَالَة للْأَب أَو للْأَب وَالأُم فَفِي انْفِسَاخ نِكَاحهَا قَولَانِ وَلَا يَنْفَسِخ نِكَاح الَّتِي أرضعتها الْخَالَة للْأُم لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّة مِنْهَا لِأَن الخؤولة ثبتَتْ لَهَا من جِهَة أَب أم الزَّوْج وَهِي خَالَة من جِهَة أم أم الزَّوْج وَيخرج على هَذِه الْقَاعِدَة ثَلَاث عمات مجتمعات أَو متفرقات وَفرض إِرْضَاع الرَّابِعَة من أم أَب الزَّوْج أَو امْرَأَة أَب أَب الزَّوْج
الصُّورَة الثَّالِثَة تَحْتَهُ كَبِيرَة وَثَلَاث صغائر وللكبيرة ثَلَاث بَنَات كبار فأرضعت كل بنت كَبِيرَة للكبيرة صَغِيرَة فَإِن كَانَ بعد الدُّخُول حرمت الْكَبِيرَة مُؤَبَّدًا لِأَنَّهَا صَارَت جدة للصغائر وَحرمت الصَّغَائِر مُؤَبَّدًا لِأَنَّهُنَّ ربائب مَدْخُول بهَا وَإِن كَانَ قبل الدُّخُول انْفَسَخ نِكَاحهنَّ وَلم يحرم على التَّأْبِيد إِلَّا الْكَبِيرَة فَإِنَّهَا أم الزَّوْجَات وَإِنَّمَا يَنْفَسِخ إِذا جرى الْإِرْضَاع دفْعَة من غير توال وَإِن جرى على التوالي انْفَسَخ نِكَاح الأولى مَعَ الْأُم وَلَا يَنْفَسِخ نِكَاح الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة
فَإِن حلبن اللَّبن فِي ظرف وَاحِد وأرضعن دفْعَة انْدفع نِكَاح الْكل والمرضعات يشتركن فِي غَرَامَة مُهُور الصَّغَائِر فِي هَذِه الصُّورَة لامتزاج اللَّبن وَإِن انْفَرَدت كل وَاحِدَة بالإرضاع مَعًا انْفَرَدت كل وَاحِدَة بغرامة مهرهَا واشتركن فِي غَرَامَة مهر الْكَبِيرَة إِذْ كل وَاحِدَة أَتَت بعلة كَامِلَة فِي دفع نِكَاحهَا
الصُّورَة الرَّابِعَة نكح كبيرتين وصغيرتين فأرضعت كَبِيرَة بلبانه الصغيرتين على التَّرْتِيب وَكَذَلِكَ فعلت الْكَبِيرَة الثَّانِيَة حرمت الكبيراتان والصغيرتان على الْأَبَد غير أَن الْكَبِيرَة لما أرضعت الصَّغِيرَة الأولى أفسدت نِكَاح نَفسهَا وَنِكَاح تِلْكَ الصَّغِيرَة لِأَنَّهَا صَارَت أم الزَّوْجَة وَصَارَت الصَّغِيرَة بِنْتا وَلما أرضعت الثَّانِيَة فسد نِكَاح الثَّانِيَة لِأَنَّهَا أَيْضا صَارَت بِنْتا فَسقط مهر الْكَبِيرَة إِن كَانَ قبل الدُّخُول وتغرم مهر الصغيرتين كَمَا سبق وَأما الْكَبِيرَة

(6/196)


الثَّانِيَة فَلم تفْسد إِلَّا نِكَاح نَفسهَا فَلَا مهر لَهَا وَلَا شَيْء عَلَيْهَا
أما إِذا لم يكن بلبان الزَّوْج فَلَا تصير الصَّغِيرَة بِنْتا بل ربيبة فَلَا يخفى حكمهَا قبل الدُّخُول وَبعده وَحكم الْآيَة قَائِم بِالْإِجْمَاع قبل الدُّخُول

(6/197)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فِي النزاع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَالنَّظَر فِي الدَّعْوَى وَالْحلف وَالشَّهَادَة
أما الدَّعْوَى فَإِن توافقا على الرَّضَاع حكم باندفاع النِّكَاح وَلَا يجب إِلَّا مهر الْمثل إِن جرى مَسِيس وَإِن ادّعى أَحدهمَا قضي بِمُوجب قَوْله فِيمَا عَلَيْهِ وطولب بِالْبَيِّنَةِ فِيمَا لَهُ فَإِن ادّعى الزَّوْج انْدفع النِّكَاح وَلم يسْقط مهرهَا بقوله وَإِن ادَّعَت الْمَرْأَة سقط مهرهَا إِن لم تكن قبضت وَإِن جرى الْقَبْض فَلَا يقدر الزَّوْج على الإسترداد لِأَنَّهُ مُنكر للرضاع
أما التَّحْلِيف فالمنكر يحلف على نفي الْعلم بجريان الرَّضَاع لِأَن الرَّضَاع فعل الْغَيْر وَلَا نظر إِلَى فعلهَا فِي الْإِرْضَاع لِأَنَّهَا كَانَت صَغِيرَة فَإِن نكلت حلف الزَّوْج على الْبَتّ بجريان الرَّضَاع وَقَالَ الْقفال يحلف على الْعلم بجريان الرَّضَاع لتطابق الْيَمين الْمَرْدُودَة يَمِينهَا على الضِّدّ وَالصَّحِيح أَن ذَلِك ذكره على سَبِيل الإستحباب وَإِلَّا فَإِذا حلف على الرَّضَاع جزما كفى
أما الشَّهَادَة فلهَا طرفان
الأول عدد الشُّهُود وصفتهم فَلَا بُد من أَربع نسْوَة وَقَالَ مَالك رَحمَه الله يَكْفِي اثْنَتَانِ وَتقبل شَهَادَة النسْوَة وحدهن وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا بُد من رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ

(6/198)


وَلَو شهِدت أم الْمَرْأَة وابنتها لم تقبل إِن كَانَت هِيَ المدعية وَإِن كَانَت مُنكرَة قبل عَلَيْهَا
وَلَو ابْتَدَأَ الشَّهَادَة من غير دَعْوَى على سَبِيل الْحِسْبَة قبل إِذْ رُبمَا تكون عَلَيْهَا وَرُبمَا تكون لَهَا وَشَهَادَة الْحِسْبَة تقبل فِي الرَّضَاع كَمَا فِي الطَّلَاق وَتقبل شَهَادَة الْمُرضعَة وَإِن شهِدت على فعلهَا إِذْ لَيْسَ تقصد إِثْبَات الْفِعْل بل وُصُول اللَّبن إِلَّا إِذا كَانَ غرضها الْأُجْرَة فَلَا تقبل وَقَالَ الفوراني لَو شهِدت على أَنَّهَا ارتضعت مني قبل وَلَو قَالَت أشهد أَنِّي أرضعتها فَلَا تقبل لفساد الصِّيغَة
الطّرف الثَّانِي فِي التَّحَمُّل وَيحصل ذَلِك بِأَن يُشَاهد الصَّغِير قد الْتَقم الثدي وَهُوَ يتجرع وتتحرك حنجرته مستجرا حَرَكَة يحصل لَهُ بهَا علم بوصول اللَّبن إِلَى جَوْفه من قرينَة الْحَال وَالظَّن الْغَالِب كَالْعلمِ كَمَا فِي الشَّهَادَة على الْملك وَلَكِن عِنْد أَدَاء الشَّهَادَة يَنْبَغِي أَن يجْزم القَوْل بِأَن بَينهمَا رضَاعًا محرما فَإِن شهد على الْإِرْضَاع فليذكر شَرَائِطه من الْوَقْت وَالْعدَد وَهل يجب ذكر وُصُول اللَّبن إِلَى الْجوف فِيهِ خلاف
وَلَا شكّ فِي أَن القَاضِي لَو استفضل فَعَلَيهِ ذَلِك وَلَكِن لَو مَاتَ الشَّاهِد قبل التَّفْصِيل فَهَل للْقَاضِي التَّوَقُّف فِيهِ وَجْهَان وَمن اكْتفى بِدُونِ ذَلِك علل بِأَن الْوُصُول إِلَى الْجوف لَا يرى بِخِلَاف ولوج الْآلَة فِي الزِّنَا فَإِنَّهُ يرى وَلَا خلاف فِي أَنه لَو حكى الْقَرَائِن الَّتِي شَاهدهَا فِي الرَّضَاع لم يقبل إِن كَانَ ذَلِك مُسْتَند علمه

(6/199)