الوسيط في المذهب

= كتاب النَّفَقَات =
والأسباب الْمُوجبَة للنفقات ثَلَاثَة
الزَّوْجِيَّة
والقرابة
وَملك الْيَمين

(6/201)


السَّبَب الأول الزَّوْجِيَّة

وَيجب على الزَّوْج النَّفَقَة بالِاتِّفَاقِ وَهِي خَمْسَة أَشْيَاء الطَّعَام والإدام وَالْكِسْوَة وَالسُّكْنَى وَآلَة التَّنْظِيف كالمشط والدهن وَالْخَادِم إِن كَانَت مِمَّن تخْدم
ثمَّ الْخَادِم تسْتَحقّ الطَّعَام والأدم وَالسُّكْنَى وَالْكِسْوَة وتستحق الْخُف لترددها فِي الْخُرُوج وَالْمَرْأَة لَا تسْتَحقّ الْخُف بل المكعب للتردد فِي الْمسكن
وَلَا تسْتَحقّ الخادمة آلَة التَّنْظِيف وَلَا تسْتَحقّ الزَّوْجَة المعالجة بالداء والفضد والحجامة
وَشرح هَذِه الْأُمُور مَعَ مسقطات النَّفَقَة فِي ثَلَاثَة أَبْوَاب

(6/203)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي قدر النَّفَقَة وَكَيْفِيَّة الْإِنْفَاق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَشَرحه فِي فصلين
الْفَصْل الأول فِي الْمِقْدَار

وَالْكَلَام فِي هَذِه الاشياء الْمَذْكُورَة وَهِي سِتَّة أَشْيَاء
الْوَاجِب الأول هُوَ الطَّعَام وَهُوَ مد على الْمُعسر ومدان على الْمُوسر وَمد وَنصف على الْمُتَوَسّط وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِنَّه لَا يقدر بل الْوَاجِب قدر الْكِفَايَة كَنَفَقَة الْقَرِيب وَنقل الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد قولا غَرِيبا على مُوَافَقَته وَنقل صَاحب التَّقْرِيب قولا أَن الزِّيَادَة على الْمَدّ لَا مرد لَهُ فَهُوَ إِلَى فرض القَاضِي وَالْمذهب هُوَ الأول ومستنده أَن اعْتِبَار الْكِفَايَة لَا يَصح مَعَ أَنَّهَا تسْتَحقّ فِي يَوْم مَرضهَا وشبعها فَإِذا بطلت

(6/204)


الْكِفَايَة فَأَقل طَعَام أوجبه الشَّرْع الْمَدّ فِي الْكَفَّارَات وَهُوَ الْقدر الَّذِي يجتزىء بِهِ الزهيد ويتبلغ بِهِ الرغيب وأقصاه مدان إِذْ أوجبهما الشَّرْع فِي الْفِدْيَة وَالْوسط مَا بَينهمَا وَقد ثَبت أَن ذَلِك يخْتَلف لقَوْله تَعَالَى {على الموسع قدره وعَلى المقتر قدره} فتقدير الله تَعَالَى أولى من تَقْدِير القَاضِي وَأحسن مُسْتَند لتقدير القَاضِي تَقْدِير الشَّرْع وَإِنَّمَا ينظر إِلَى حَال الزَّوْج عندنَا فِي الْعَجز وَالْقُدْرَة لَا إِلَى حَالهَا
والمعسر هُوَ الَّذِي لَا يملك شَيْئا أصلا فَعَلَيهِ مد وَلَا يزِيد فَإِن كَانَ قَادِرًا على كسب الزِّيَادَة فَإِن خرج عَن حد اسْتِحْقَاق سهم الْمَسَاكِين بِملك مَال نظر فَإِن كثر فَهُوَ مُوسر وَإِن كَانَ بِحَيْثُ لَو ألزمناه الْمَدِين أوشك أَن يرجع إِلَى حد الْمَسَاكِين فَهُوَ متوسط فَعَلَيهِ مد وَنصف
وَلَيْسَ على الْمكَاتب وَالْعَبْد إِلَّا نَفَقَة المعسرين وَكَذَلِكَ من نصفه عبد وَنصفه حر وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله عَلَيْهِ نصف نَفَقَة المعسرين وَنصف نَفَقَة الموسرين هَذَا حكم الْمِقْدَار
أما جنس الطَّعَام فغالب قوت الْبَلَد فَإِن اخْتلف فَمَا يَلِيق بِالزَّوْجِ وَإِن كَانَ حَال

(6/205)


الزَّوْج يُخَالف الْغَالِب فَهُوَ فِي مَحل التَّرَدُّد
الْوَاجِب الثَّانِي الْأدم وَقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مكيلة زَيْت أَو سمن وَهَذَا تقريب إِذْ لَا تَقْدِير فِي الشَّرْع فِيهِ وَإِنَّمَا الْوَاجِب مَا يَكْفِي مَعَ الْمَدّ أَو الْمَدِين وَالرُّجُوع فِي الْجِنْس إِلَى الْغَالِب فِي الْبَلَد أَو إِلَى اللَّائِق بِحَال الزَّوْج
وَأما اللَّحْم فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ رَطْل من اللَّحْم فِي الْأُسْبُوع إِن كَانَ الْوَاجِب مدا ورطلان للْمَدِين قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ بنى الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ هَذَا على عَادَة بَلْدَة ألفها فَإِن اقْتَضَت عَادَة بَلْدَة أُخْرَى زِيَادَة على ذَلِك فَيَنْبَغِي أَن يُزَاد وَقَالَ الْقفال رَحمَه الله لَا زِيَادَة عَلَيْهِ لأَنا نقتصر على الْأَقَل كَمَا فِي الطَّعَام
فرعان
أَحدهمَا لَو كَانَت تزجى الْوَقْت بالخبز القفار فَلَا يسْقط حَقّهَا من الْأدم كَمَا إِذا لم تَأْكُل أصل الطَّعَام فَإِنَّهَا تسْتَحقّ الطَّعَام
الثَّانِي لَو تبرمت بِجِنْس وَاحِد من الْأدم فَيجب على الزَّوْج إِبْدَاله على وَجه وَلَا يجب فِي وَجه بل عَلَيْهَا الْإِبْدَال إِن شَاءَت
الْوَاجِب الثَّالِث الخادمة وَتجب نَفَقَة خادمتها إِذا كَانَ منصبها يَقْتَضِي أَن تخْدم وَإِن كَانَ لَا يَلِيق بمنصبها وَإِنَّمَا تخْدم لمَرض فَلَا يجب إِذْ لَا تجب أَسبَاب المعالجة وَإِن كَانَ بهَا

(6/206)


زمانة وَمرض دَائِم فَهِيَ كَذَلِك تحْتَاج إِلَى الخادمة فَهَذَا يحْتَمل لِأَن هَذَا الْعذر الدَّائِم لَا ينقص عَن مُرَاعَاة الحشمة
ثمَّ على الْمُعسر للخادمة مد وعَلى الْمُوسر مد وَثلث كَذَلِك قَالَه الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ تقريب لَا تَقْدِير إِذْ لَا تَقْدِير للشَّرْع فِيهِ نعم هُوَ رطلان وَهُوَ لَائِق بِالْعَادَةِ فِي حق الخادمة
وَالصَّحِيح أَنه ينظر إِلَى كفايتها إِلَّا أَن هَذَا الْقدر قدر الْكِفَايَة فِي الْغَالِب وَفِي اسْتِحْقَاق الْأدم وَجْهَان
أَحدهمَا نعم كالمخدومة وَلَكِن يجوز أَن يكون أدمها فِي الْجِنْس أخسر وَفِي الْمِقْدَار مَا يَلِيق بِقدر طعامها
وَالثَّانِي أَنه لَا تسْتَحقّ بل تكتفي بِمَا تفضله المخدومة فِي بعض الْأَحْوَال

(6/207)


فروع

الأول إِذا لم تملك الخادمة فعلى الزَّوْج أَن يخدمها جَارِيَة أَو حرَّة بِأُجْرَة تقدر عَلَيْهِ وَعند ذَلِك لم يكن لَهَا دخل فِي مِقْدَار نَفَقَة الخادمة وَإِنَّمَا يكون ذَلِك إِذا كَانَت الخادمة لَهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يَشْتَرِي لَهَا جَارِيَة بل لَو قَالَ أَنا اخدم بنفسي فِي الطَّبْخ والكنس فَلهُ ذَلِك لَكِنَّهَا تستحيي فِي الْحمام وَفِي بَيت المَاء وَفِي بعض الْمَوَاضِع فلهَا الإمتناع صِيَانة للمروءة فَيُفِيد ذَلِك جَوَاز نُقْصَان نَفَقَة الْخَادِم لنُقْصَان الْخدمَة وَعند ذَلِك يحْتَمل التشطير أَو النّظر إِلَى مقادير الْأَفْعَال
أما إِذا قَالَت أَنا أخدم بنفسي فَأعْطِنِي نَفَقَة الخادمة فَالظَّاهِر أَنه لَا يلْزم لِأَنَّهَا أسقطت مرتبتها وَإِنَّمَا تجب النَّفَقَة لضَرُورَة بَقَاء الْمرتبَة
الثَّانِي لَو كَانَت لَهَا خادمة وَأَرَادَ الزَّوْج إبدالها بِسَبَب رِيبَة فَلهُ ذَلِك وَلَا يجوز بِغَيْر عذر لِأَن قطع الإلف إِضْرَار وَلَو كَانَ مَعهَا خدام فَلهُ إِخْرَاج الْجَمِيع إِلَّا وَاحِدَة وَلَا نبالي بِقطع الإلف لِأَن الدَّار ملكه وَلَيْسَ عَلَيْهِ سكناهن بل لَهُ أَن يمْنَع أَبَاهَا وَأمّهَا عَن الدُّخُول عَلَيْهَا ويمنعها عَن الْخُرُوج لزيارتهما وَلَكِن الأولى أَن لَا يفعل ذَلِك
الثَّالِث لَو نكح رقيقَة وَهِي تخْدم لجمالها ذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجْهَيْن
أَحدهمَا أَنه لَا تجب نَفَقَة الخادمة لِأَن الرّقّ يُنَافِي هَذَا المنصب
وَالثَّانِي أَنه تجب لِأَن الْعَادة قد تَقْتَضِيه

(6/208)


الْوَاجِب الرَّابِع الْكسْوَة والأثاث وَلَا تَقْدِير للشَّرْع فِيهِ فَإِن الْعَادة تخْتَلف فِيهِ اخْتِلَافا بَينا فَلَا بُد من الْكِفَايَة وَهُوَ خمار وقميص وَسَرَاويل ومكعب فِي الصَّيف وَمثل ذَلِك فِي الشتَاء مَعَ زِيَادَة جُبَّة
أما جنسه فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على الْمُوسر لين الْبَصْرَة وعَلى الْمُعسر غليظ الْبَصْرَة وعَلى الْمُتَوَسّط مَا بَينهمَا وَأَرَادَ الكرباس قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إِن كَانَ من عَادَتهَا الْكَتَّان وَالْحَرِير لزم ذَلِك عَلَيْهِ وتتبع الْعَادة قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد هِيَ لبسة أهل الدّين وَالزِّيَادَة عَلَيْهِ رعونة فَلَا مزِيد عَلَيْهِ
وَلَا بُد مَعَ ذَلِك من ملحفة وشعار ومضربة وثيرة ومخدة ولبد تَحت المضربة أَو حَصِير وَهل لَهَا طلب زلية تفرشها بِالنَّهَارِ فِيهِ وَجْهَان واقتصروا فِي الْفراش على هَذَا الْقدر وَلم يردوه إِلَى الْعَادة وَهَذَا يدل على أَن الْكسْوَة لَا تزاد على مَا ذكره الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ
وَلَا بُد من ماعون الدَّار كجرة وكوز وَقدر ومغرفة ويكتفي فِي جَمِيع ذَلِك بالخزف والخشب وَالْحجر وَأما النحاسية فطلبتها ترفه وَقد يَلِيق بالشريفة فَهُوَ كالزيادة على لين الكرباس
أما الخادمة فتستحق الْكسْوَة أَيْضا وَلَكِن تخَالف جنسية المخدومة وطعامها لَا يُخَالف فِي الْجِنْس وَفِي إدامها تردد
الْوَاجِب الْخَامِس آلَة التَّنْظِيف وَهُوَ الْمشْط والدهن وَإِن طلبت مزيدا كالكحل

(6/209)


وَالطّيب لم يجب وَيجب المرتك لقطع الصنان إِن كَانَ بِحَيْثُ لَا يَنْقَطِع بِالْمَاءِ وَالتُّرَاب وَإِن قَالَ الزَّوْج الدّهن للتجمل وَإِزَالَة الْوَسخ وَلَا أُرِيد التجمل وَإِزَالَة الْوَسخ بِغَيْرِهِ مُمكن فَهَذَا فِيهِ احْتِمَال
وَلَا شكّ فِي أَن للزَّوْج منعهَا من تعَاطِي أكل الثوم وَمَا يتَأَذَّى برائحته الكريهة وَله منعهَا من تنَاول السمُوم الْمهْلكَة وَهل لَهُ منعهَا من الْأَطْعِمَة الممرضة فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا نعم لِأَن الْمَرَض يُفْضِي إِلَى الْمَوْت كالسم
وَالثَّانِي لَا لِأَن ذَلِك غيب لَا يعلم وتتبع ذَلِك يطول
وَأما الخادمة فَلَا تسْتَحقّ آلَة التَّنْظِيف وَلَكِن إِن تلبد شعرهَا بِحَيْثُ تتأذى بِهِ فَلَا بُد من السَّعْي فِي الْإِزَالَة
وَأما الدَّوَاء فِي المعالجات فَلَا تستحقه الخادمة والمخدومة جَمِيعًا
الْوَاجِب السَّادِس السُّكْنَى وَيجب عَلَيْهِ أَن يسكنهَا دَارا تلِيق بهَا عَارِية أَو إِجَارَة أَو شِرَاء وَلم يعْتَبر فِي الْقُوت وَالْكِسْوَة مَا يَلِيق بهَا بل مَا يَلِيق بِهِ بِخِلَاف الْمسكن وَكَأن مَا لَا بُد فِيهِ من التَّمْلِيك فَيعْتَبر جَانِبه وَمَا يُرَاد بِهِ الإنتفاع فَيعْتَبر مَا يَلِيق بهَا وَالله أعلم

(6/210)


الْفَصْل الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الْإِنْفَاق

أما الطَّعَام فَلَا بُد فِيهِ من تمْلِيك الْحبّ مَعَ مئونة الطَّحْن وَالْخبْز وَإِصْلَاح اللَّحْم من الْحَطب وَالْملح وَأُجْرَة الطباخ وَلها الإمتناع من قبُول الْخَبَر وَلَيْسَ لَهُ أَن يكلفها الْأكل مَعَه فَإِنَّهَا لَا تتسلط على التَّصَرُّف ونفقتها عوض كالمهر
فروع
الأول لَو أخذت الْحبّ واستعملته بذرا فَالظَّاهِر وجوب مئونة الْإِصْلَاح وَيحْتَمل أَن يُقَال الْإِصْلَاح تَابع وَلَيْسَ بِرُكْن مَقْصُود فَلَا يسْتَقلّ
الثَّانِي لَو كَانَت تَأْكُل مَعَ الزَّوْج على الْعَادة فَفِي سُقُوط نَفَقَتهَا وَجْهَان الْقيَاس أَنه لَا تسْقط لِأَنَّهُ لم يجر إِسْقَاط ولااعتياض صَحِيح لَكِن الْأَحْسَن الْإِسْقَاط إِذْ لَو جرى من امْرَأَة فِي عصر الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم طلب النَّفَقَة للزمان الْمَاضِي لاستنكر
الثَّالِث لَو اعتاضت عَن النَّفَقَة دَرَاهِم فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا الْمَنْع كالإعتياض عَن الْمُسلم فِيهِ فَإِنَّهُ عوض
وَالثَّانِي أَنه يجوز كقيم الْمُتْلفَات لِأَنَّهُ لَا يتَحَقَّق عوضا
وَلَو أخذت الْخبز بَدَلا عَن الْحبّ فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْمَنْعِ لِأَنَّهُ رَبًّا وَوجه التجويز أَنَّهَا كالقابضة لحقها لِأَنَّهَا تركت مئونة الْإِصْلَاح
الرَّابِع لَهَا طلب النَّفَقَة صَبِيحَة كل يَوْم وَلَيْسَ عَلَيْهَا الصَّبْر إِلَى آخر الْيَوْم ثمَّ لَو مَاتَت فِي

(6/211)


أثْنَاء النَّهَار لَا تسترد بل هِيَ تَرِكَة لورثتها وَلَو نشزت فِي أثْنَاء الْيَوْم استردت فَلَو قدم إِلَيْهَا نَفَقَة أَيَّام فَهَل تَملكهَا فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا نعم كتعجيل الدّين الْمُؤَجل
وَالثَّانِي لَا لِأَن السَّبَب غير مستيقن فَرُبمَا تَمُوت
ثمَّ إِذا مَاتَت وَقُلْنَا إِنَّهَا ملكت فَفِي الإسترداد وَجْهَان أظهرهمَا أَنه يسْتَردّ وَلَا خلاف أَنه يسْتَردّ بالنشوز
أما الْكسْوَة فَهَل يجب التَّمْلِيك فِيهَا فِيهِ وَجْهَان لترددها بَين النَّفَقَة والمسكن
فروع
الأول لَو سلم إِلَيْهَا كسْوَة الصَّيف فَتلفت فِي يَدهَا يجب الْإِبْدَال إِن قُلْنَا إِنَّه إمتاع وَإِن قُلْنَا إِنَّه تمْلِيك فَوَجْهَانِ الظَّاهِر أَنه لَا يجب
الثَّانِي لَو أتلفت بِنَفسِهَا وَقُلْنَا إِنَّه تمْلِيك فَلَا تجب الْإِعَادَة عَلَيْهِ وَإِن قُلْنَا إِنَّه إمتاع فَالظَّاهِر أَنه يجب وَلَكِن يجب عَلَيْهَا قيمَة الْمُتْلف
الثَّالِث لَو مَاتَت فِي أثْنَاء الْمدَّة فيسترد ثِيَابهَا إِن قُلْنَا إِنَّه إمتاع وَإِن قُلْنَا إِنَّه تمْلِيك فالصنف بِالنِّسْبَةِ إِلَى الثَّوْب كَالْيَوْمِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الطَّعَام فَهُوَ تَرِكَة وَلَا شكّ فِي أَنه يسْتَردّ بالنشوز

(6/212)


أما الخادمة فَلَا يجب شراؤها وَالتَّمْلِيك فِي رقبَتهَا أما التَّمْلِيك فِي نَفَقَتهَا فكالتمليك فِي نَفَقَة المخدومة وَلَا يتَصَوَّر هَذَا فِي الرقيقة فَإِنَّهَا لَا تملك وَلَا فِي المتسأجرة بِأُجْرَة فَإِنَّهَا لَا تسْتَحقّ سوى الْأُجْرَة بل فِي الَّتِي وعدت الْخدمَة بِالنَّفَقَةِ فتستحق التَّمْلِيك وَإِن لم يكن عقد لَازم وَيحْتَمل هَذَا لأجل الْحَاجة فِي هَذَا الْموضع

(6/213)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي مسقطات النَّفَقَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
ومسقط النَّفَقَة مَا يمْنَع عَلَيْهِ الإستحقاق وَفِيمَا تجب بِهِ النَّفَقَة قَولَانِ مستنبطان من مَعَاني كَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ
أَحدهمَا أَنه تجب بِمُجَرَّد العقد بِشَرْط عدم النُّشُوز وَلَا تجب بالتمكين بِدَلِيل وُجُوبهَا للرتقاء والمريضة فَكَأَن العقد مُوجب والنشوز مسْقط
وَالثَّانِي أَنَّهَا تجب بالتمكين على حسب الْإِمْكَان لِأَن العقد قد أوجب الْمهْر فَتكون النَّفَقَة عوضا عَن التَّمْكِين والإحتباس فِي حبالته
وَفَائِدَة الْقَوْلَيْنِ تظهر فِي النزاع فَإِذا تنَازعا فِي النُّشُوز فَإِن قُلْنَا تجب بِالْعقدِ فَالْقَوْل قَوْلهَا لِأَن الأَصْل عدم النُّشُوز وَإِن قُلْنَا تجب بالتمكين فَالْقَوْل قَوْله وَعَلَيْهَا إِثْبَات التَّمْكِين وَكَذَلِكَ إِذا لم يُطَالب بالزفاف وَالْمَرْأَة ساكتة إِن قُلْنَا تجب بالتمكين فَلَا نَفَقَة لَهَا وَإِن قُلْنَا تجب بِالْعقدِ فَتجب إِذْ لَا نشوز مِنْهَا
وَلَا خلاف أَنه تسْقط النَّفَقَة بامتناع الإستمتاع بِسَبَب من جِهَتهَا لَا تكون معذورة فِيهِ بِخِلَاف الْمَرَض والرتق
والموانع أَرْبَعَة
الأول النُّشُوز فَإِذا نشزت يَوْمًا لم تسْتَحقّ نَفَقَة ذَلِك الْيَوْم والنشوز فِي بعض الْيَوْم هَل يسْقط جملَة النَّفَقَة فِيهِ وَجْهَان

(6/214)


أَحدهمَا نعم لِأَن حكم الْيَوْم الْوَاحِد لَا يَتَبَعَّض
وَالثَّانِي أَنه يوزع على مِقْدَار الزَّمَان إِلَّا إِذا كَانَت تنشز بِالنَّهَارِ دون اللَّيْل أَو على الْعَكْس فَإِنَّهُ يتشطر وَلَا ينظر إِلَى مِقْدَار الْأَزْمِنَة

فروع

الأول لَو خرجت بِغَيْر إِذْنه فَهِيَ نَاشِزَة وَلَو خرجت فِي حَاجته بِإِذْنِهِ فَلَا وَلَو خرجت فِي حَاجَة نَفسهَا بِإِذْنِهِ فَفِي نَفَقَتهَا قَولَانِ إِن قُلْنَا تسْتَحقّ بِالْعقدِ وَتسقط بالنشوز فلهَا النَّفَقَة وَإِن قُلْنَا بالتمكين فَلَا
الثَّانِي مهما طلب الزفاف فامتنعت بِغَيْر عذر فَهِيَ نَاشِزَة وَإِن كَانَت مَرِيضَة يضر بهَا الْوَطْء فَهِيَ معذورة وَلها النَّفَقَة وَلَا تسْقط بِالْمرضِ لِأَنَّهُ دَائِم وَلَا تَقْصِير من جِهَتهَا فَإِن قَالَ الزَّوْج سلموها إِلَيّ وَلَا أطؤها فَلَا يُؤمن فِي ذَلِك وَإِن أنكر الزَّوْج كَون الْوَطْء مضرا فَشهد أَربع من النسْوَة ثَبت وَإِن شهِدت وَاحِدَة فَوَجْهَانِ مأخذه أَنه يَجْعَل إِخْبَارًا أم شَهَادَة فَإِن لم تكن بَيِّنَة فلهَا أَن تحلف الزَّوْج على نفي الْعلم بذلك
الثَّالِث إِذا نشزت فَغَاب الزَّوْج فَعَادَت إِلَى الْمسكن فَهَل تعود النَّفَقَة فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه تعود بِمُجَرَّد رُجُوعهَا لزوَال الْمسْقط
وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تعود إِلَى أَن ترفع إِلَى القَاضِي فَيحكم بطاعتها ويخبر الزَّوْج حَتَّى يرجع أَو تَنْقَضِي مُدَّة الرُّجُوع فَإِن لم يرجع بعد ذَلِك وَجَبت نَفَقَتهَا

(6/215)


أما إِذا ارْتَدَّت فَلَا نَفَقَة لَهَا فَإِن عَادَتْ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ تعود النَّفَقَة لِأَن السَّبَب خَفِي لَا يجب فِيهِ الرّفْع وَقَالَ المراوزة هُوَ كالنشوز الْجَلِيّ
والمجنونة إِذا نشزت شقطت نَفَقَتهَا وَإِن لم تأثم لتعذر الإستمتاع بِسَبَبِهَا
الْمَانِع الثَّانِي الصفر وَفِيه ثَلَاث صور
أَحدهَا أَن تزوج صَغِيرَة من بَالغ فَفِي وجوب النَّفَقَة قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه تجب كالمريضة والرتقاء والمستحاضة وَهَذَا ينطبق على قَوْلنَا النَّفَقَة بِالْعقدِ
وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ لِأَن الصغر نوبَة مَعْلُومَة من الْعُمر تَنْقَضِي وَلَيْسَ هَذَا كالرتق الَّذِي لَا آخر لَهُ وَلَا كالمرض الَّذِي هُوَ تارات تضطرب
الثَّانِيَة أَن تزوج بَالِغَة من صَغِير فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِالْوُجُوب لِأَن الْمَنْع من جَانِبه وَفِيه قَول أَنَّهَا إِن كَانَت جاهلة بصغره اسْتحقَّت وَإِلَّا فَلَا
الثَّالِثَة إِذا زوج صيغرة من صَغِير فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا تجب ونعني بالصغير أَن لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْجِمَاع دون الْمُرَاهق الَّذِي لَيْسَ ببالغ
ثمَّ إِذا أَوجَبْنَا للصغيرة لم تخْتَلف بالإجابة إِلَى الزفاف أَو السُّكُوت إِذْ لَا فَائِدَة فِي الْوَعْد نعم إِذا انْتَهَت إِلَى التهيؤ للاستمتاع يخرج من النَّفَقَة عِنْد السُّكُوت على الْقَوْلَيْنِ
الْمَانِع الثَّالِث التَّلَبُّس بالعبادات كالإحرام وَالصَّوْم
أما الْإِحْرَام فَإِذا أَحرمت بِإِذْنِهِ فقد سَافَرت فِي غَرَض نَفسهَا بِإِذْنِهِ وَقد ذكرنَا فِيهِ خلافًا

(6/216)


فَإِن قُلْنَا إِنَّهَا لَا تسْتَحقّ فَفِي اسْتِحْقَاقهَا قبل الْخُرُوج وَجْهَان
أَحدهمَا لَا لِأَن الإستمتاع قد امْتنع
وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهَا تَحت يَده وَقد أَحرمت بِإِذْنِهِ
وَالصَّحِيح أَنه لَا فرق بَين أَن يَنْهَاهَا الزَّوْج عَن الْخُرُوج أَو يرضى بِهِ وَحكي عَن الْقفال رَحمَه الله أَنه إِذا نهاها عَن الْخُرُوج فَخرجت سَقَطت النَّفَقَة قطعا
أما إِذا احرمت بِغَيْر إِذْنه فَفِي جَوَاز تحليلها خلاف فَإِن قُلْنَا لَا يحللها فَهِيَ نَاشِزَة من وَقت الْإِحْرَام وَفِيه وَجه أَنه لَا تسْقط نَفَقَتهَا قبل الْخُرُوج وَهُوَ بعيد وَإِن قُلْنَا يحللها فَمَا دَامَت مُقِيمَة فلهَا النَّفَقَة لِأَنَّهُ قَادر عَلَيْهَا وَفِيه وَجه أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ لِأَن الزَّوْج وَإِن قدر على قهر النَّاشِزَة فَلَا يلْزمه وَرُبمَا ترتاع نَفسه من قطع الْإِحْرَام
أما الصّيام فَلَا تسْقط نَفَقَتهَا بِصَوْم رَمَضَان لِأَن اللَّيَالِي عتيدة وَهَذِه الْعِبَادَات تشْتَمل الزَّوْجَيْنِ لَا كالإحرام بِحجَّة الْإِسْلَام فَإِنَّهُ على التَّرَاخِي
أما صَوْم النَّوَافِل فَللزَّوْج الْمَنْع والتحليل فَإِن لم يحلل فَفِي النَّفَقَة وَجْهَان مرتبان على الْإِحْرَام وَأولى بِالْوُجُوب لِأَن الإستمتاع مُبَاح سوى الْوَطْء
وَله تَحْلِيل صَوْم نذرته بعد النِّكَاح وَلَيْسَ لَهُ منعهَا من الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة
أما منعهَا من رواتب السّنَن والبدار إِلَى الْفَرْض فِي أول الْوَقْت فَفِيهِ خلاف وَالصَّحِيح أَنه لَا تمنع ثمَّ صَوْم عَاشُورَاء وعرفة يجْرِي مجْرى الرَّوَاتِب أما صَوْم الْإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيس فَلهُ منعهَا وَجها وَاحِدًا

(6/217)


الْمَانِع الرَّابِع الْعدة والمعتدات خمس
الأولى الْمَنْكُوحَة إِذا وطِئت بِالشُّبْهَةِ فَلَو حبلت وَقُلْنَا تسْتَحقّ نَفَقَة على الواطىء فَلَا تسْتَحقّ على الزَّوْج وَحَيْثُ لَا تسْتَحقّ على الواطىء فَفِي سُقُوط نَفَقَة الزَّوْجِيَّة خلاف من حَيْثُ إِن تعذر الإستمتاع بِسَبَبِهَا وَلكنهَا معذورة وَالْوَجْه أَن يُقَال إِن كَانَت نَائِمَة أَو مُكْرَهَة فلهَا النَّفَقَة وَإِن مكنت على ظن أَنه زَوجهَا فَلَا نَفَقَة لِأَن الظَّن لَا يُؤثر فِي الغرامات
الثَّانِيَة الْمُعْتَدَّة عَن طَلَاق رَجْعِيّ فتستحق النَّفَقَة حاملة كَانَت أَو حَائِلا لِأَن سلطنة الزَّوْج فِي الرَّجْعِيَّة دائمة فَلَو أحبلها الواطىء بِالشُّبْهَةِ وتأخرت عدَّة الزَّوْج فَإِن قُلْنَا لَهُ الرّجْعَة فِي الْحَال فَعَلَيهِ النَّفَقَة وَإِن قُلْنَا لَا رَجْعَة فَوَجْهَانِ وَمِنْهُم من قَالَ إِن قُلْنَا لَا رَجْعَة فَلَا نَفَقَة وَإِن قُلْنَا ترتجع فَوَجْهَانِ وَهَذَا أفقه لِأَنَّهَا صَارَت محبوسة لغيره
فرع لَو قَالَ طَلقتك قبل وضع الْحمل فَأَنت الْآن بَائِنَة فَلَا نَفَقَة لَك فَقَالَت بل بعد الْوَضع ولي النَّفَقَة فَالْقَوْل قَوْلهَا لِأَن الأَصْل بَقَاء النَّفَقَة وَهُوَ يَدعِي السُّقُوط فَعَلَيهِ الْإِثْبَات وَلَا رَجْعَة لِأَنَّهَا بَائِنَة بِزَعْمِهِ
الثَّالِثَة الْمُطلقَة البائنة لَهَا السُّكْنَى فِي الْعدة وَلَا نَفَقَة لَهَا إِلَّا إِذا كَانَت حَامِلا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله

(6/218)


وَالنَّفقَة للْحَمْل أَو للحامل فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا للْحَمْل لِأَنَّهُ المتجدد فَهِيَ كالحاضنة
وَالثَّانِي للحامل بِدَلِيل أَنه تجب مُقَدرا وَلَا تسْقط على الصَّحِيح بِمُضِيِّ الزَّمَان وَلَا تخْتَلف بزهادتها ورغبتها

فرع
الْحر إِذا طلق زَوجته الْحَامِل الْمَمْلُوكَة فِيهِ قَولَانِ ينبنيان على أَن النَّفَقَة للْحَمْل أَو للحامل لِأَن الْحمل الْمَمْلُوك لَو انْفَصل فنفقته على السَّيِّد لَا على الْأَب وَكَذَا الْخلاف فِيمَا لَو طلق الرَّقِيق زَوجته الْحَامِل
الرَّابِعَة الْمُعْتَدَّة عَن فِرَاق الْفَسْخ الَّذِي لَا يسْتَند إِلَيْهَا كردته مثلا فَهِيَ كالمطلقة أما إِذا كَانَ الْفَسْخ باختيارها أَو بِسَبَب عيبها فَهَذَا الْفَسْخ لَا يشطر الْمهْر بل يسْقطهُ جَمِيعه فَفِي نَفَقَتهَا قَولَانِ بِنَاء على أَنَّهَا للْحَمْل أَو للحامل
أما الْفِرَاق عَن جِهَة اللّعان فَهَل يُضَاف إِلَيْهَا فِيهِ تردد لِأَنَّهَا مُنكرَة بِسَبَب اللّعان وَلَكِن لَهَا مدْخل فِي الْبَين وَإِنَّمَا تسْتَحقّ النَّفَقَة إِذا لم ينف الْحمل وَكَذَلِكَ الْخلاف جَار فِي أَن الْمهْر هَل يتشطر بِهِ

فرع
لَو أنفقت على الْوَلَد الْمَنْفِيّ بِاللّعانِ ثمَّ أكذب نَفسه رجعت عَلَيْهِ لِأَنَّهَا بذلت على

(6/219)


ظن الْوُجُوب وَلها ولَايَة الإستدانة على الزَّوْج لقصة هِنْد وَفِيه وَجه أَنَّهَا لَا ترجع وَلَيْسَ لَهَا ولَايَة الإستدانة على الزَّوْج وقصة هِنْد مَحْمُولَة على قَضَائِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإذنه لَهَا
الْخَامِسَة الْمُعْتَدَّة الْحَامِل عَن وَطْء الشُّبْهَة إِذا كَانَت خلية عَن النِّكَاح فَهَل تسْتَحقّ نَفَقَة على الواطىء إِن قُلْنَا للْحَمْل فتستحق وَإِن قُلْنَا للحامل فَلَا تسْتَحقّ لأَنا إِذا قُلْنَا إِنَّه للحامل جعلنَا بَقَاء علقَة الْحمل كبقاء علقَة الرّجْعَة فِي إِيجَاب نَفَقَة النِّكَاح واستمرارها وَكَذَلِكَ لَا توجب بِحمْل اللّعان قطعا لِأَن الزَّوْج يُنكر احتباسها بِحمْلِهِ

التَّفْرِيع

يتَفَرَّع على الْقَوْلَيْنِ مسَائِل
إِحْدَاهَا أَنَّهَا لَو كَانَت لَا تكتفي بِالْقدرِ فِي مُدَّة الْحمل أَعنِي الْمُطلقَة فَهَل تزاد مِنْهُم من قَالَ إِن قُلْنَا للْحَمْل فتزاد لِأَنَّهُ على الْكِفَايَة كالحاضنة وَإِن قُلْنَا للحامل فَوَجْهَانِ وَوجه الزِّيَادَة الحذر من الْإِضْرَار وَأَن الْحمل لَا بُد وَأَن يلْتَفت إِلَيْهِ وَمِنْهُم من عكس وَقَالَ إِن قُلْنَا للحامل فَلَا تزاد وَإِن قُلْنَا للْحَمْل فَوَجْهَانِ لأَنا لَا بُد وَأَن نلتفت فِي كل قَول على الْمَعْنى الآخر إِذْ الْحق أَنه كالمرتبط بهما جَمِيعًا

(6/220)


الثَّانِيَة أَنه إِن أنْفق عَلَيْهِمَا ثمَّ بَان أَنه لَا حمل فَهَذَا يَنْبَنِي على أَن التَّعْجِيل هَل كَانَ وَاجِبا عَلَيْهِ وَفِيه قَولَانِ مبنيان على أَن الْحمل هَل يعرف والمصير إِلَى أَنه لَا يجب التَّعْجِيل لَا أعرف لَهُ وَجها مَعَ قَوْله تَعَالَى {وَإِن كن أولات حمل فأنفقوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضعن حَملهنَّ} بل الصَّحِيح أَن الْحمل يعرف بِالظَّنِّ الْغَالِب وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ تَسْلِيم الحلفات لوُرُود الْخَبَر وَكَذَلِكَ تَسْلِيم النَّفَقَة لِلْآيَةِ فعلى هَذَا لَهُ الإسترداد فَإِنَّهُ ظن أَنه وَاجِب وَمن قَالَ لَا يجب التَّعْجِيل فَيَقُول إِن عجل بِشَرْط الرُّجُوع رَجَعَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ كَنَظِيرِهِ فِي تَعْجِيل الزَّكَاة
أما إِذا أنْفق ثمَّ بَان فَسَاد النِّكَاح فَلَا يسْتَردّ النَّفَقَة وَإِن كَانَت حَائِلا لِأَنَّهَا كَانَت محبوسة على ظن النِّكَاح وَالنَّفقَة فِي مُقَابلَة حبس عَن نِكَاح وَالظَّن فِي هَذَا كالحقيقة
الثَّالِثَة إِذا طَلقهَا وَهِي حَامِل ثمَّ مَاتَ لم تنْتَقل إِلَى عدَّة الْوَفَاة وَإِن كَانَ بَائِنا بل عدتهَا بِالْحملِ وَلَا يخرج نَفَقَة بعد ذَلِك من التَّرِكَة فَإِن قُلْنَا النَّفَقَة للْحَمْل فلاتجب النَّفَقَة للقريب بعد الْمَوْت وَإِن قُلْنَا للحامل فَهِيَ كالحاضنة فَلَا نَفَقَة لَهَا قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ إِذا قُلْنَا للحامل تجب فَكَأَن الطَّلَاق أوجب ذَلِك دفْعَة وَلذَلِك تسْتَحقّ هَذِه الْمَرْأَة السُّكْنَى مَعَ أَن عدَّة الْوَفَاة لَا توجب السُّكْنَى على أحد الْقَوْلَيْنِ ويعتضد هَذَا بِأَن علقَة الْحمل جعلناها كعلقة النِّكَاح وَهِي بَاقِيَة بعد الْمَوْت

(6/221)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي الْإِعْسَار بِالنَّفَقَةِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَفِي ثُبُوت حق الْفَسْخ بِهِ قَولَانِ
أَحدهمَا نعم كَمَا يثبت بِفَوَات الإستمتاع بالجب والعنة بل أولى لِأَن لَهَا طلب النَّفَقَة دون الوقاع وَلِأَن الْحَيَاة لَا تبقى بِغَيْر الْقُوت وَتبقى دون الوقاع
وَالثَّانِي لَا لِأَن النَّفَقَة تَابِعَة ومقصود النِّكَاح الإستمتاع وَلَا يتَعَيَّن الزَّوْج للنَّفَقَة إِذْ يحل لَهَا مَالهَا وَلَا وَجه للإستمتاع إِلَّا من جِهَته
فَإِن قضينا بِثُبُوت الْفَسْخ وَجب النّظر فِي أَطْرَاف
الطّرف الأول فِي الْعَجز وَهُوَ أَن لَا يملك مَالا وَلَا يقدر على الْكسْب فَإِن ملك وَلَكِن منع وعجزت الْمَرْأَة وَالْقَاضِي عَن أَخذ مَاله فطريقان مِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ لِأَن الضرار حَاصِل وَمِنْهُم من قَالَ لَا لِأَن هَذَا ظلم وَلَيْسَ بِعَيْب فَكَأَن منشأ الْخلاف أَن هَذَا الْفَسْخ لنَقص الزَّوْج وعيبه أَو لتضررها بِالنَّفَقَةِ
وَإِن لم يملك شَيْئا وَلَكِن قدر على الْكسْب وَقُلْنَا يجب عَلَيْهِ الْكسْب لأجل الزَّوْجَة

(6/222)


على رَأْي فَهُوَ كالغني الْمُمْتَنع
الطّرف الثَّانِي فِي المعجوز عَنهُ وَهُوَ الْقُوت بجملته فَأَما الْأدم فالعجز عَنهُ لَا يُسَلط على الْفَسْخ فِي الظَّاهِر وَفِي الْكسْوَة والمسكن وَجْهَان لِأَن النَّفس تبقى دونهمَا ولكنهما مقصودان لَا كالأدم فَإِنَّهُ تَابع وَكَذَلِكَ فِي الْإِعْسَار بِنَفَقَة الْخَادِم الْوَجْهَانِ والإعسار بِالْمهْرِ لَا يُوجب الْفَسْخ لَكِن لَهَا منع نَفسهَا إِن لم تمكن مرّة فَإِن مكنت سقط حق حَبسهَا وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ فِي الْمهْر وَهُوَ بعيد أما الْإِعْسَار بِنَفَقَة مَا مضى فَلَا يُوجب الْفَسْخ بل هُوَ دين مُسْتَقر فِي ذمَّته فَرْضه القَاضِي أَو لم يفْرض أَعنِي بِهِ مَا يجب فِيهِ التَّمْلِيك فَإِن الإمتاع لَا يُمكن تدارك فائته وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله النَّفَقَة لَا تَسْتَقِر فِي الذِّمَّة إِلَّا بِفَرْض القَاضِي كَنَفَقَة الْأَقَارِب
فرع لَو قدر كل يَوْم على مد فَلَا فسخ لِأَنَّهُ قوام وَلَو قدر على ثلث مد ثَبت الْفَسْخ وَلَو قدر على نصف مد فَوَجْهَانِ وَوجه الْمَنْع قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
طَعَام الْوَاحِد يَكْفِي

(6/223)


الْإِثْنَيْنِ وَكَأن الإجتزاء بِنصْف الْمَدّ مُمكن وبثلثه لَا
الطّرف الثَّالِث فِي حَقِيقَة هَذَا الدّفع وَلَا شكّ فِي أَن الدّفع بالجب والعنة فسخ وَالدَّفْع فِي الْإِيلَاء طَلَاق وَهَذَا دائر بَينهمَا فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَإِن قُلْنَا إِنَّه طَلَاق فَلَا بُد من الرّفْع إِلَى القَاضِي حَتَّى يحْبسهُ ليطلق أَو ينْفق فَإِن لم يُطلق طلق القَاضِي طَلْقَة رَجْعِيَّة وَلَا بُد من الْعدة وَإِن لم تكن النَّفَقَة حَقًا لله تَعَالَى فَإِن رَاجعهَا طلق القَاضِي ثَانِيًا إِلَى أَن تتمّ الثَّلَاث
فَإِن قُلْنَا إِنَّه فسخ فَلَا بُد من الرّفْع لإِثْبَات الْإِعْسَار فَإِنَّهُ مُتَعَلق بالإجتهاد ثمَّ إِذا ثَبت فلهَا تعَاطِي الْفَسْخ
فَإِن فسخت دون الرّفْع لعلمها بإعساره لم ينفذ ظَاهرا وَهل ينفذ بَاطِنا حَتَّى لَو اعْترف الزَّوْج اَوْ قَامَت الْبَيِّنَة تبين نُفُوذه واحتساب الْعدة من ذَلِك الْوَقْت هَذَا فِيهِ تردد وَلَا خلاف أَنه ينفذ ظَاهرا إِذا لم يكن فِي النَّاحِيَة حَاكم أَو عجزت عَن الدّفع

(6/224)


الطّرف الرَّابِع فِي وَقت الْفَسْخ والطلبة بِالنَّفَقَةِ تتَوَجَّه صَبِيحَة الْيَوْم وَلَكِن لَو استمهل الْمُعسر فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه يُمْهل ثَلَاثَة أَيَّام حَتَّى يتَحَقَّق عَجزه
وَالثَّانِي أَنه لَا يُمْهل
وعَلى هَذَا فَلَا خلاف أَنَّهَا لَا تبادر الْفَسْخ صَبِيحَة الْيَوْم فَإِن أَكثر النَّاس يَكْسِبُونَ قوت الْيَوْم فِي الْيَوْم وَلَكِن إِلَى مَتى التَّأْخِير يحْتَمل أَن يُقَال إِلَى وسط النَّهَار فَإِن تَأْخِير الطَّعَام عَنهُ غير مُعْتَاد وَيحْتَمل أَن يُقَال إِلَى اللَّيْل وَبَيَاض النَّهَار فيتسع للكسب وَيحْتَمل أَن يُقَال حَتَّى يَنْقَضِي يَوْم وَلَيْلَة إِذْ بِهِ يسْتَقرّ الْحق فَإِن النَّفَقَة لليوم وَاللَّيْلَة فَيرجع هَذَا إِلَى أَنه يُمْهل يَوْمًا وَاحِدًا نعم لَو أقرّ صَبِيحَة الْيَوْم بِأَنِّي عَاجز وَلست أتوقع الْيَوْم شَيْئا فَيحْتَمل أَن يُقَال لَهَا الْمُبَادرَة بِالْفَسْخِ وَيحْتَمل أَن يُقَال يُمْهل إِلَى تحقق الْعَجز بِانْقِضَاء الْيَوْم
فرع لَو كَانَ يعْتَاد الْإِتْيَان بِالطَّعَامِ لَيْلًا فلهَا الْفَسْخ لِأَن هَذَا صِيَام الدَّهْر نعم لَا يثبت بِوُقُوع ذَلِك مرّة أَو مرَّتَيْنِ وَلَيْسَ مَا يحْتَمل نَادرا يحْتَمل دَائِما
وَيتَفَرَّع على قَول الْإِمْهَال مسَائِل
إِحْدَاهَا أَنه لَو جَاءَ النَّفَقَة صَبِيحَة الْيَوْم الرَّابِع لليوم الرَّابِع فَلَا فسخ وَمَا مضى دين فِي الذِّمَّة وَلَيْسَ لَهَا أَن تَقول أَقبض هَذَا عَن الْمَاضِي وأفسخ فِي الْحَال لِأَن التعويل على قصد الْمُؤَدِّي فَلَو عجز فِي الْيَوْم الْخَامِس فلهَا الْفَسْخ وَلَا تسْتَأْنف الْمدَّة على الظَّاهِر إِلَّا أَن يكون قد اسْتغنى بِمَال يَدُوم فِي الْغَالِب وَلَكِن تلف بِعَارِض فَيجْعَل كَأَن الْإِعْسَار الْمَاضِي لم يكن وَلَو

(6/225)


قدر فِي الْيَوْم الثَّالِث وَعجز فِي الرَّابِع فيكمل الثَّالِث بِالْيَوْمِ الرَّابِع وَلَا تسْتَأْنف وَقيل إِنَّه تسْتَأْنف لِأَن الْقُدْرَة الطارئة قطعت المهلة وَهُوَ ضَعِيف لِأَن الزَّوْج يتَّخذ ذَلِك عَادَة فينفق يَوْمًا وَيتْرك يَوْمَيْنِ
الثَّانِيَة الْمُبَادرَة صَبِيحَة الرَّابِع جَائِز وَلَا يُمْهل إِلَى بَيَاض النَّهَار نعم الْيَوْم الْخَامِس يَجْعَل كَالْيَوْمِ الأول على قَول من ترك الْإِمْهَال حَتَّى يُمْهل إِلَى بَيَاض النَّهَار ثمَّ يفْسخ حَيْثُ يَقُول لَا تسْتَأْنف الْمدَّة
الثَّالِثَة إِذا رضيت بعد انْقِضَاء الْمدَّة فلهَا الْعود إِلَى الطّلب قَالَ الصيدلاني تسْتَأْنف الْمدَّة بِخِلَاف امْرَأَة المؤلي لِأَن مُدَّة الْإِيلَاء مَضْرُوب شرعا وَهَذِه تضرب بطلبها فَتسقط بِرِضَاهَا وَإِنَّمَا جَازَ لَهَا الرُّجُوع بِخِلَاف زَوْجَة الْعنين فَإِن هَذَا صَبر على ضرار يتَوَقَّع زَوَاله والعنة عيب وَهِي فِي حكم خصْلَة وَاحِدَة والإعسار فِي كل يَوْم متجدد وَلَو قَالَت رضيت بِهِ أبدا فلهَا الرُّجُوع إِلَى الطّلب كَمَا لَو نكحته وَهِي عَالِمَة بإعساره فلهَا ذَلِك لِأَن هَذَا وعد بِالصبرِ على ضرار والضرار متجدد فَالْحق متجدد
الطّرف الْخَامِس فِيمَن لَهُ حق الْفَسْخ وَهِي الزَّوْجَة خَاصَّة فَلَا يثبت لوَلِيّ الْمَجْنُونَة وَالصَّغِيرَة الْفَسْخ بالإعسار وَإِن كَانَت صانعة لِأَن الْفَسْخ رفع للنِّكَاح وَهُوَ مُتَعَلق بالطبع كَالطَّلَاقِ فَلَا تجْرِي فِيهِ النِّيَابَة
أما الْأمة فَإِن كَانَت صَغِيرَة أَو مَجْنُونَة فَهَل لسَيِّد فسخ نِكَاحهَا بالإعسار فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْجَوَاز أَن السَّيِّد ذُو حق فِي النَّفَقَة فَإِنَّهُ الَّذِي دخل فِي ملكه وَله وإبداله بِغَيْرِهِ وَإِن كَانَت مُسْتَقلَّة فَهِيَ صَاحِبَة الْحق وَلها الْفَسْخ دون رضَا السَّيِّد فَإِن ضمن السَّيِّد النَّفَقَة لم يسْقط حَقّهَا كَمَا لَو تبرع أَجْنَبِي بِالنَّفَقَةِ وَفِي ضَمَان السَّيِّد احْتِمَال
أما إِذا رضيت بإعساره فَلَيْسَ للسَّيِّد الْفَسْخ لَكِن يَقُول لِلْجَارِيَةِ افسخي أَو اصْبِرِي على الْجُوع وَلَيْسَ عَلَيْهِ النَّفَقَة وَذكر الشَّيْخ أَبُو عَليّ وَجْهَيْن مرتبين على الصَّغِيرَة وَأولى بِأَن لَا

(6/226)


يفْسخ هَا هُنَا لاستقلالها
ثمَّ اعْلَم أَن الْملك فِي النَّفَقَة للسَّيِّد وَلَكِن لَهَا حق التوثيق بهَا حَتَّى لَا يجوز للسَّيِّد النَّفَقَة إِلَّا بعد تَسْلِيم الْبَدَل وَلَا يجوز لَهُ الْإِبْرَاء عَن النَّفَقَة وَكَأَنَّهُ مَرْهُون بِحَقِّهَا ككسب عبد التِّجَارَة فَإِنَّهُ كالمرهون بِنَفَقَتِهِ لاقْتِضَاء الْعرف ذَلِك وللأمة طلبَهَا من الزَّوْج فَإِذا أخذت دخل فِي ملك السَّيِّد لِأَنَّهَا كالمأذونة عرفا وَشرعا بِالتَّزْوِيجِ
هَذَا كُله تَفْرِيع على قَوْلنَا إِن الْإِعْسَار يثبت الْفَسْخ فَإِن قُلْنَا لَا يثبت فَهَل يرْتَفع عَنْهَا حبس الْمسكن فِيهِ خلاف للأصحاب وَالْقِيَاس أَن لَا يرْتَفع إِلَّا إِذا عجزت عَن نَفَقَة نَفسهَا إِلَّا بِالْخرُوجِ وَلَكِن الْخَبَر يدل على الْجَوَاز إِذْ نقل فِي الْخَبَر أَنه فرق بَين الْمَرْأَة وَزوجهَا الْمُعسر فَإِن لم يحمل على التَّفْرِيق فِي العقد فَلَا بُد من حمله على التَّفْرِيق فِي الْمنزل
وَلها الْمَنْع من الْوَطْء إِن لم تكن قد مكنته من قبل وعَلى قَول ثُبُوت الْفَسْخ يبطل حق الْفَسْخ فِي مُدَّة الْإِمْهَال وَفِيه وَجه

(6/227)


السَّبَب الثَّانِي النَّفَقَة لِلْقَرَابَةِ

وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي شَرَائِط الإستحقاق وَكَيْفِيَّة الْإِنْفَاق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَفِيه فصلان
الْفَصْل الأول فِي شَرَائِط الإستحقاق

وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وعَلى الْمَوْلُود لَهُ رزقهن وكسوتهن بِالْمَعْرُوفِ} الْآيَة وقصة هِنْد مَعْرُوفَة وَلَا تسْتَحقّ عندنَا إِلَّا بِقرَابَة البعضية فَتجب للفروع وَالْأُصُول مَعَ اخْتِلَاف الدّين واتفاقه وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تجب بالمحرمية وَأثبت للإخوة

(6/228)


ثمَّ يشْتَرط فِي الإستحقاق إعسار الْمُنفق عَلَيْهِ ويسار الْمُنفق
أما الْمُنفق عَلَيْهِ فَهَل يشْتَرط مَعَ الْإِعْسَار عَجزه عَن الْكسْب إِن كَانَ طفْلا لم يشْتَرط وَإِن كَانَ بَالغا وَكَانَ فرعا فَفِيهِ وَجْهَان وَإِن كَانَ أَبَا أَو جدا فَفِيهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا يشْتَرط لِأَن تَكْلِيف الإبن أَبَاهُ الْكسْب مَعَ الثروة غض من منصب الْأُبُوَّة وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ
أَحدهمَا أَنه يشْتَرط إِذْ يخرج بِالْقُدْرَةِ عَن المسكنة وَاسْتِحْقَاق سهم الْمَسَاكِين فَكَذَلِك النَّفَقَة

(6/229)


وَالثَّانِي أَنه لَا يشْتَرط كَمَا فِي الطِّفْل والمراهق وَلِأَن هَذَا مَبْنِيّ على المجاملة بِخِلَاف الزَّكَاة ويقبح تَكْلِيف الْكسْب مَعَ اتساع مَال الْأَب أَو الإبن
فَإِن قُلْنَا يشْتَرط فَهَل يشْتَرط أَن يكون زَمنا فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا نعم لِأَن الْقَادِر لَا يعجز عَن أَن يصير أَجِيرا وَإِن لم يعرف حِرْفَة فيكتسب بِوَجْه
وَالثَّانِي لَا يشْتَرط ذَلِك بل يَكْفِي أَن لَا يقدر على حِرْفَة تلِيق بمنصبه أما مَا لَا يَلِيق بِهِ فَلَا يعْتَبر وَهَذَا أعدل وعَلى هَذَا إِذا قدر على اكْتِسَاب بعض النَّفَقَة فَلَا يسْتَحق إِلَّا الْقدر المعجوز عَنهُ
وَأما حل السُّؤَال للكسوب فَفِيهِ خلاف للأصحاب وَظَاهر الْأَخْبَار تدل على تَحْرِيمه فقد ورد فِيهِ تشديدات وَبِالْجُمْلَةِ أَخذ المَال من الْقَرِيب أَهْون من السُّؤَال فعلى الْجُمْلَة إِذا سَأَلَ فَلَا يذل نَفسه وَلَا يُؤْذِي الْمَسْئُول وَلَا يلح فِي السُّؤَال
وَأما يسَار الْمُنفق فنعني بِهِ أَن يفضل عَن قوت يَوْمه شَيْء حَتَّى يُبَاع فِي نَفَقَة الْقَرِيب كل

(6/230)


مَا يُبَاع فِي الدّين من عقار وَعبد وَإِن كَانَ بيع العَبْد يردهُ إِلَى أَن يتعاطى أعمالا لَا تلِيق بمنصبه وَلَكِن يجب عَلَيْهِ أَن ينْفق على أَبْعَاضه كَمَا ينْفق على نَفسه وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يُبَاع عقاره فِيهِ
أما الْمُفلس الكسوب فَهَل يجب عَلَيْهِ الْكسْب والإنفاق على قَرِيبه الْعَاجِز الزَّمن فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه لَا يجب كَمَا لَا يجب لأجل الدّين
وَالثَّانِي أَنه يجب لِأَن الدّين من الْعَوَارِض وحاجات الْأَبْنَاء منوطة بِالْآبَاءِ فَكيف يجوز تضييعهم مَعَ الْقُدْرَة وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
كفى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَن يضيع من يعول
وَهَذَا خلاف جَار فِي الْكسْب لأجل الزَّوْجَة وَأَنه هَل يجب ذَلِك

(6/231)


الْفَصْل الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الْإِنْفَاق

وَلَا تَقْدِير فِي نَفَقَة الْقَرِيب بل هُوَ على الْكِفَايَة وَإِنَّمَا يجب مَا يدْرَأ ألم الْجُوع وَثقل الْبدن لَا مَا يزِيل تَمام الشَّهْوَة والنهمة وَكَذَلِكَ يجب فِي الْكسْوَة الْوسط مِمَّا يَلِيق بِهِ وَهُوَ إمتاع إِذْ تسْقط بمرور الزَّمَان إِذا لم يفرضه القَاضِي بِخِلَاف نَفَقَة الزَّوْجَة وَفِي نَفَقَة الصَّغِير وَجه بعيد أَنه لَا تسْقط بمرور الزَّمَان تبعا للزَّوْجَة فَإِن عنايتها بِوَلَدِهَا كعنايتها بِنَفسِهَا
فروع
الأول يسْتَحق الْأَب مَعَ النَّفَقَة الإعفاف وَكَذَلِكَ لَو كَانَ كسوبا وَكَسبه لَا يَفِي إِلَّا بِنَفسِهِ فَيسْتَحق ذَلِك على أظهر الْوَجْهَيْنِ وَلَكِن لَا يجب إِلَّا نَفَقَة زَوْجَة وَاحِدَة فَإِن كَانَ لَهُ زوجتان سلم إِلَيْهِ نَفَقَة زَوْجَة وَاحِدَة ثمَّ يقسم هُوَ عَلَيْهِمَا
الثَّانِي إِذا منع الْأَب النَّفَقَة فَهَل للْأُم أَخذ النَّفَقَة من مَاله دون إِذْنه فِيهِ وَجْهَان مأخذهما التَّرَدُّد فِي أَن إِذن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لهِنْد كَانَ شرعا أَو قَضَاء وَلَو استقرضت عَلَيْهِ فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْمَنْعِ وَلَو أنفقت من مَال نَفسهَا فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْمَنْعِ إِذْ تكون مقرضة ومستقرضة وَلَو كَانَ للطفل مَال فَأَرَادَتْ الْإِنْفَاق عَلَيْهِ من مَاله من غير مُرَاجعَة القَاضِي فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْجَوَازِ
الثَّالِث الْقَرِيب يرفع أمره إِلَى القَاضِي وَلَا يستبد بالاستقراض فَإِن عجز عَن القَاضِي فَاسْتقْرض فِيهِ وَجْهَان

(6/232)


فَإِن كَانَ الْأَب الْمُوسر غَائِبا وَالْجد حَاضرا فعلى القَاضِي أَن يَأْمر الْجد بِالْإِنْفَاقِ بِشَرْط الرُّجُوع إِلَّا أَن يتَبَرَّع وَإِن اسْتَقل فَالظَّاهِر أَنه لَا يرجع إِلَّا إِذا عجز عَن القَاضِي فَفِي رُجُوعه وَجْهَان
الرَّابِع يجب على الام أَن ترْضع وَلَده اللبأ إِذْ يُقَال إِنَّه لَا يعِيش دونه ثمَّ الْأُجْرَة على الْأَب إِن كَانَ لَهُ أُجْرَة وَكَذَلِكَ فِي الْإِرْضَاع لِأَن النَّفَقَة على الْأَب وَلَيْسَ عَلَيْهَا الْإِرْضَاع إِن وجد غَيرهَا وَإِن لم تُوجد إِلَّا وَاحِدَة وَلَو أَجْنَبِيَّة وَجب عَلَيْهَا لِأَنَّهُ من فروض الكفايات وَمهما رغبت فَهِيَ أولى فَلَا يقدم عَلَيْهَا الْأَجْنَبِيَّة رِعَايَة لجانبها وجانب الطِّفْل لزِيَادَة شفقتها
فَإِن تبرعت الْأَجْنَبِيَّة وَطلبت الْأُم الْأُجْرَة فَقَوْلَانِ حاصلهما تردد فِي أَنه هَل يجب على الْأَب تَحْصِيل زِيَادَة هَذِه الشَّفَقَة للطفل وَدفع الضَّرَر عَنْهَا بِمَال
هَذَا إِذا لم تكن فِي نِكَاحه فَإِن كَانَت فِي نِكَاحه فَللزَّوْج منعهَا من الْإِرْضَاع لأجل الإستمتاع وَفِيه وَجه أَن منعهَا من الْإِرْضَاع إِضْرَار بهَا وبالطفل فَيقدم حَقّهَا وَلَا يتَّجه هَذَا إِلَّا إِذا كَانَ الْوَلَد من الزَّوْج فَإِن كَانَ لغيره فَيقدم استمتاع الزَّوْج

(6/233)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي تَرْتِيب الْأَقَارِب عِنْد الإجتماع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَالنَّظَر فِي أَطْرَاف أَرْبَعَة
الأول فِي اجْتِمَاع الْأَوْلَاد وَفِيه طَرِيقَانِ
أَحدهمَا أَن التَّقْدِيم للقرب حَتَّى يقدم الْقَرِيب المحروم من الْمِيرَاث كَبِنْت الْبِنْت على الْبعيد الْوَارِث كَبِنْت ابْن الإبن فَإِن تَسَاويا فِي الْقرب وَأَحَدهمَا وَارِث كَبِنْت بنت وَابْنَة ابْن فَفِي تَقْدِيم الْوَارِث وَجْهَان فَإِن اعْتبرنَا الْإِرْث وتفاوتا فِي الْقدر فَهَل توزع على الْمَقَادِير أَو يُسَوِّي فِيهِ وَجْهَان ومثاله الإبن وَالْبِنْت
الطَّرِيقَة الثَّانِيَة أَن الْإِرْث مقدم فَلَو تَسَاويا فِي الْمِيرَاث وَقضي بالتساوي لتساويهما فِي أصل الْمِيرَاث لَا فِي قدره فِي كل مَوضِع ذكرنَا التَّسَاوِي فِيهِ كَبِنْت وَابْن ابْن فَعِنْدَ ذَلِك يقدم الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب وَإِن تَسَاويا فيهمَا يوزع عَلَيْهِمَا وَفِيه وَجه أَنه يقدم بالذكورة فَيقدم الإبن على الْبِنْت لِأَنَّهُ مكتسب وَالنَّظَر إِلَى الْإِرْث ضَعِيف مَعَ وُجُوبهَا على من لَا يَرث وَعند اخْتِلَاف الدّين
الطّرف الثَّانِي فِي اجْتِمَاع الْأُصُول وَالْأَب مقدم على الْأُم فِي الصغر وَبعد الْبلُوغ وَجْهَان
أَحدهمَا الْأَب استصحابا

(6/234)


وَالثَّانِي أَنَّهُمَا أصلان وَكَأن ذَلِك كَانَ من أثر الْولَايَة فِي الصغر وعَلى هَذَا هَل يتفاوتان كتفاوت الْإِرْث أم لَا فِيهِ وَجْهَان
أما الأجداد والجدات فالقريب مقدم على الْبعيد المدلي بِهِ فَإِن اخْتلفت الْجِهَة فخمسة طرق
طريقتان ذكرناهما فِي الْأَوْلَاد
الثَّالِثَة أَن يقدم بِولَايَة المَال وَيدل عَلَيْهِ تَقْدِيم الْأَب على الْأُم فَإِن اسْتَويَا فَمن يُدْلِي بولِي فَهُوَ أولى فَإِن اسْتَويَا فَالْأَقْرَب أولى وَهُوَ اخْتِيَار المَسْعُودِيّ
الرَّابِعَة تعْتَبر الذُّكُورَة فالذكر أولى فَإِن اسْتَويَا فالمدلي بِالذكر أولى فَإِن اسْتَويَا فَالْأَقْرَب أولى وعَلى هَذَا الْأَب الْيَهُودِيّ وَإِن لم يكن وليا فَهُوَ أولى إِذْ ترعى الْجِهَة المفيدة للولاية لَا نفس الْولَايَة
الْخَامِسَة النّظر إِلَى الْإِرْث والإكتساب أَعنِي الذُّكُورَة فَإِن وجد فيهمَا أَو عدم أَو وجد فِي أَحدهمَا الذُّكُورَة وَفِي الآخر الوراثة اسْتَويَا وَبعد ذَلِك يقدم بِالْقربِ وخاصية هَذِه الطَّرِيقَة جبر الذُّكُورَة وَالْإِرْث كل وَاحِد لصَاحبه وَجَمِيع هَذِه الطّرق تجْرِي بَين الْأَوْلَاد إِلَّا اعْتِبَار الْولَايَة لِأَن المرجحات أَرْبَعَة الْولَايَة والقرب وَالْإِرْث والذكورة ولنذكر ثَلَاث صور لشرح هَذِه الطّرق
صُورَة الأول أَب أَب وَأم من اعْتبر الْقرب قدم الْأُم وَمن اعْتبر الْإِرْث نصر عَلَيْهِمَا إِمَّا مُتَسَاوِيا أَو متفاوتا وَمن اعْتبر الْولَايَة أَو الذُّكُورَة قدم الْجد وَقيل للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ نَص على أَن أَب الْأَب أولى من الْأُم وَلم يُصَحِّحهُ الْأَئِمَّة
صُورَة الثَّانِيَة أَب أَب وَأب أم من رَاعى الْقرب سوى وَمن رَاعى الْإِرْث أَو الْولَايَة أَو

(6/235)


الذُّكُورَة والإدلاء بهَا قدم أَب أَب
صُورَة الثَّالِثَة أم أَب أَب وَأب أم من رَاعى الْقرب أَو الذُّكُورَة قدم أَب الْأُم وَمن رَاعى الْإِرْث قدم أم أَب الْأَب
الطّرف الثَّالِث فِي اجْتِمَاع الْأُصُول وَالْفُرُوع وَفِيه مسَائِل
إِحْدَاهَا للْفَقِير أَب وَابْن موسران فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا الْأَب أولى لِأَنَّهُ ولي فَهُوَ أولى بالتربية إِذْ يستصحب حَال الصغر
وَالثَّانِي الإبن أولى لِأَنَّهُ أولى بِالْخدمَةِ
وَالثَّالِث أَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ
ثمَّ هَل يتفاوتان لأجل الْإِرْث فِيهِ الْوَجْهَانِ
الثَّانِيَة ابْن وجد قيل الْجد أولى لِأَنَّهُ كَالْأَبِ وَقيل الابْن أولى للْخدمَة والقرب
الثَّالِثَة ابْن وَأم قيل هِيَ كَالْأَبِ لِأَنَّهَا أصل وَقيل الابْن أولى قطعا
وعَلى الْجُمْلَة تعود الطّرق وَإِنَّمَا يزِيد هَا هُنَا أَن الْفَرْع بِالْخدمَةِ أولى وَالْأَصْل بالتربية أولى
الطّرف الرَّابِع فِي ازدحام الآخذين للنَّفَقَة فَإِذا لم يفضل إِلَّا قوت وَاحِد اتَّفقُوا على أَن الزَّوْجَة مُقَدّمَة لِأَنَّهَا عِيَال كالأولاد وحقها آكِد إِذْ لَا يسْقط بمرور الزَّمَان وَلَا بغناها وَفِيه احْتِمَال إِذْ فِيهِ مشابه الدُّيُون وَنَفَقَة الْقَرِيب فِي مَال الْمُفلس مقدم عَلَيْهِ فِي يَوْم الْأَدَاء لَا فِي الْمُسْتَقْبل إِلَّا أَن الزَّوْجَة عِيَال فَأَما المدلون ببعضية فتعود الطّرق كلهَا فِي التَّرْجِيح بِالْقربِ أَو الوراثة وَيزِيد هَا هُنَا شَيْئَانِ

(6/236)


أَحدهمَا أَن هُنَاكَ الذُّكُورَة جِهَة فِي التَّقْدِيم وَهَا هُنَا الْأُنُوثَة هِيَ المرعية إِذْ تشعر بِضعْف
وَالْآخر أَنا فِي الإلتزام نَنْظُر إِلَى مقادير الْإِرْث على رَأْي وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ فِي الْأَخْذ لَا ينظر إِلَيْهِ فَإِن اسْتَووا وزع عَلَيْهِم وَإِن كَانَ لَا يسد التَّوْزِيع من كل وَاحِد مسدا أَقرع بَينهم

(6/237)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي أَحْكَام الْحَضَانَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَفِيه فُصُول
الأول فِي الصِّفَات الْمَشْرُوطَة

والحضانة عبارَة عَن حفظ الْوَلَد وتربيته وَتجب مئونة الْحَضَانَة على من عَلَيْهِ النَّفَقَة وَعند الإزدحام يسْلك بهَا مَسْلَك الْولَايَة لِأَنَّهَا سلطنة على الْحِفْظ والتربية لَكِن تفارق الْولَايَة فِي أَن الْإِنَاث أولى بالحضانة لِأَن الْأُنُوثَة تناسب هَذِه الْولَايَة لزِيَادَة الرقة والشفقة
وَلَو عضل الْأَقْرَب أَو غَابَ انْتقل إِلَى الْأَبْعَد لَا إِلَى السُّلْطَان لِأَن هَذَا يعْتَمد الشَّفَقَة الْمُجَرَّدَة بِخِلَاف ولَايَة النِّكَاح وَلَو امْتنعت الْأُم فأمها أولى من أَب الطِّفْل لِأَن شفقتها كشفقة الْأُم وَقيل ينْتَقل الْحق بعضلها إِلَى الْأَب وَكَأَنَّهُ فِي دَرَجَة السلطنة فِي الْولَايَة وَهُوَ بعيد
وَمهما اجْتمع الْأَب وَالأُم فالأم أَحَق بالحضانة بِشَرْط اتصاف الْأُم بِخمْس صِفَات
الْإِسْلَام وَالْعقل وَالْحريَّة وَالْأَمَانَة بالفراغ
أما الْإِسْلَام فَإِنَّمَا يشْتَرط فِي ولد الْمُسلم لِأَن تَسْلِيمه إِلَى الْكَافِر يعرض دينه للفتنة
وَأما الْعقل فَهُوَ الأَصْل فَلَا ثِقَة بِحِفْظ المعتوهة

(6/238)


وَأما الْحُرِّيَّة فَلَا بُد مِنْهَا لِأَن هَذِه ولَايَة وَلَا ولَايَة مَعَ الرّقّ وَلَا يُؤثر رضَا السَّيِّد وَكَذَلِكَ من نصفهَا حر وَنِصْفهَا رَقِيق إِذْ لَا ولَايَة لمثلهَا وَلَكِن عَلَيْهَا نَفَقَة الْقَرِيب لِأَن ذَلِك من قبيل الغرامات
وَأما الْأَمَانَة فَلَا بُد مِنْهَا إِذْ الفاسقة لايؤمن من جَانبهَا
وَأما الْفَرَاغ فنعني بِهِ أَن لَا تكون فِي نِكَاح غَيره فَإِذا نكحت سقط حَقّهَا من الْحَضَانَة لِأَنَّهُ نوع رق وَلَا يُؤثر رضَا الناكح إِلَّا إِذا نكحت من لَهُ حق الْحَضَانَة كعم الْوَلَد فَالْمَشْهُور أَنه لَا يسْقط حَقّهَا من الْحَضَانَة وَفِيه وَجه أَن الْأَب أولى من الْأُم وَإِن نكحت الْعم
وَمهما طلقت قبل الْمَسِيس عَاد حَقّهَا كَمَا إِذا أفاقت من جُنُون أَو عتقت من رق أَو تابت من فسق أَو أسلمت بعد كفر فَإِن كَانَت رَجْعِيَّة فالمنصوص رُجُوع حَقّهَا لِأَنَّهَا الْآن فارغة معتزلة وَفِيه قَول مخرج وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنه لَا حق لَهَا لاستمرار سلطنة الزَّوْج
أما الْمُعْتَدَّة البائنة فَيَعُود حَقّهَا لَكِن إِن كَانَت فِي مسكن الزَّوْج فَللزَّوْج أَن لَا يرضى بِإِدْخَال الْوَلَد ملكه فَإِن رَضِي رَجَعَ حَقّهَا لَا كرضاه فِي صلب النِّكَاح فَإِنَّهُ لَا يُؤثر لِأَن هَذَا كرضا الْمُعير للدَّار

(6/239)


الْفَصْل الثَّانِي فِيمَن يسْتَحق الْحَضَانَة

وَهُوَ كل من لَا يسْتَقلّ إِمَّا لصِغَر أَو جُنُون لَكِن الْأُم أولى بِالصَّبِيِّ قبل التَّمْيِيز فَإِذا ميز خير بَينهَا وَبَين الْأَب وَسلم إِلَى من يختاره غُلَاما كَانَ أَو جَارِيَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله الْأَب بالغلام أولى وَالأُم بالجارية أولى وَقد روى أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير غُلَاما

(6/240)


وَلَا نَنْظُر إِلَى سبع سِنِين بل نتبع التَّمْيِيز فَإِن استمرت الغباوة إِلَى مَا بعد الْبلُوغ فالأم أولى وَكَذَلِكَ إِن اتَّصل بِهِ جُنُون وَكَأن حَقّهَا لَا يَنْقَطِع إِلَّا بِاخْتِيَار الصَّبِي عَن تَمْيِيز
وَلَو اخْتَار أَحدهمَا ثمَّ رَجَعَ رد إِلَى الآخر لِأَن الْحَال قد يتَغَيَّر فِي الرِّفْق بِهِ إِلَّا إِذا كثر تردده حَتَّى دلّ على قلَّة التَّمْيِيز فَيرد إِلَى الْأُم وَكَذَلِكَ إِذا سكت عَن الإختيار هَذَا فِي حق الصَّبِي
أما الْبَالِغ إِذا كَانَ غير رشيد فَهُوَ كَالصَّبِيِّ وَإِن كَانَ رشيدا وَهُوَ ذكر اسْتَقل وَإِن كَانَت جَارِيَة وَهِي بكر فَالظَّاهِر أَن للْأَب أَن يسكنهَا موضعا وَلَيْسَ لَهَا الإستقلال وَإِن كَانَت رَشِيدَة كَمَا يجبرها على حبس النِّكَاح وَهُوَ أعظم من حبس الْمسكن ثمَّ هَذَا يخْتَص بِالْأَبِ وَالْجد وَمن لَهُ ولَايَة الْإِجْبَار وَفِيه وَجه أَنَّهَا تستقل وَإِنَّمَا التَّزْوِيج بالجبر
أما الْبِنْت فَإِنَّهَا تستقل إِذا تمّ رشدها بالممارسة لَكِنَّهَا إِن كَانَت تتهم بريبة فلعصباتها ولَايَة إسكانها وملاحظتها دفعا للعار عَن النّسَب وَلَا يثبت هَذَا إِلَّا لمن لَهُ ولَايَة التَّزْوِيج وَلَو ادّعى الرِّيبَة فأنكرت فتبعد مُطَالبَته بالإثبات بِالْبَيِّنَةِ فَإِن ذَلِك افتضاح يجر الْعَار والإحتكام على عَاقِلَة أَيْضا بِمُجَرَّد الدَّعْوَى بعيد وَلَكِن إِقَامَة الْبَيِّنَة أبعد مِنْهُ

(6/241)


فرعان
أَحدهمَا هَل يجْرِي التَّخْيِير بَين الْأُم وَمن يَقع على حَاشِيَة النّسَب كالعم وَالْأَخ فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا نعم كَالْأَبِ وَالْجد
وَالثَّانِي أَن الْأُم أولى وَإِنَّمَا التَّخْيِير مَعَ الْأَب وَالْجد لِأَن لَهُم دَرَجَة الْولَايَة والإجبار
وَيجْرِي هَذَا الْخلاف فِي التَّخْيِير بَين الْأَب وَالْأُخْت وَالْخَالَة إِذا قُلْنَا إِن الْأَب مقدم عَلَيْهِمَا فِي الْحَضَانَة
الثَّانِي أَنه إِذا اخْتَار الْأَب لم يمْنَعهَا من الزِّيَارَة وَإِذا اخْتَار الام لم يسْقط عَن الْأَب مئونة الْحَضَانَة وَالْقِيَام بتأديبه وتسليمه إِلَى الحرفة أَو الْمكتب وَكَذَلِكَ الْمَجْنُون الَّذِي لَا تستقل الْأُم بضبطه يجب على الْأَب رعايته وَمهما سَافر الْأَب سفر نقلة بَطل تَقْدِيم الْأُم وَكَانَ لَهُ اسْتِصْحَاب الْوَلَد كَيْلا يَنْقَطِع النّسَب سَوَاء كَانَ قبل التَّمْيِيز أَو بعده إِذْ فِيهِ ضرار نعم لَو رافقته الْأُم فَهِيَ أولى وَلَيْسَ لَهُ استصحابه فِي سفر النزهة وَلَا فِي سفر التِّجَارَة وَإِن طَالَتْ الْمدَّة وَفِيه وَجه لطول الْمدَّة
وَلَو انْتقل إِلَى مَا دون مرحلَتَيْنِ فَفِي جَوَاز انتزاع الْوَلَد وَجْهَان لِأَن تتَابع الرفاق يمْنَع اندراس النّسَب

(6/242)


الْفَصْل الثَّالِث فِي التزاحم والتدافع

وَالنَّظَر فِي أَطْرَاف
الأول فِي اجْتِمَاع النسْوَة فَإِن تدافعن فالحاضنة على من عَلَيْهَا النَّفَقَة وَإِن تزاحموا وَطلبت كل وَاحِدَة الْحَضَانَة فالنص فِي الْجَدِيد أَن الْأُم أولى ثمَّ أمهاتها المدليات بالإناث لَا بالذكور ثمَّ أم الْأَب وجداته المدليات بالإناث وَإِن علون ثمَّ أم الْجد وجداته على التَّرْتِيب الْمُقدم فِي الْأَب ثمَّ أم أَب الْجد وجداته كَذَلِك ثمَّ الْأَخَوَات ثمَّ الخالات ثمَّ بَنَات الْإِخْوَة لِأَن الْخَالَة أم وشفقتها أَكثر من شَفَقَة العمات وَهن بعد الخالات لِأَن قرَابَة الْأُم أقوى فِي الْحَضَانَة وَالْقَدِيم يُوَافق الْجَدِيد فِي جَمِيع هَذَا التَّرْتِيب إِلَّا أَنه فِي الْقَدِيم قدم الْأَخَوَات والخالات على أُمَّهَات الْأَب لإدلائهن بِالْأُمِّ وَهُوَ ضَعِيف لِأَن شَفَقَة الْأُصُول أعظم

(6/243)


وَيبقى النّظر فِي ثَلَاث مسَائِل
إِحْدَاهَا أَن الْأُخْت من الْأَب مُقَدّمَة على الْأُخْت من الْأُم فِي الْجَدِيد وَذكر وَجه فِي التَّخْرِيج على الْقَدِيم أَن الْأُخْت للْأُم مُقَدّمَة لقرابة الْأُم وَعلة الْجَدِيد أَنَّهُمَا يستويان فِي الشَّفَقَة وَلَا تُؤثر جِهَة الْأُم فِي زِيَادَة الشَّفَقَة لَكِن هَذِه لَهَا قُوَّة فِي الْمِيرَاث وَيصْلح ذَلِك فِي التَّرْجِيح لَكِن هَذَا لَا يطرد فِي خَالَة لأَب وَأُخْرَى لأم وَكَذَلِكَ لعمات إِذْ لَا مِيرَاث فَمنهمْ من قدم الْخَالَة للْأَب لِأَن الْمِيرَاث بَين لنا قُوَّة هَذِه الْجِهَة فَلَا يرْعَى غير الْمِيرَاث وَمِنْهُم من قدم الْخَالَة للْأُم إِذْ لَا مِيرَاث وقرابة الْأُم آكِد
الثَّانِيَة نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَا مدْخل فِي الْحَضَانَة لكل جدة سَاقِطَة فِي الْمِيرَاث وَهِي كل جدة تدلي بِذكر بَين الْأُنْثَيَيْنِ وَهُوَ مُشكل لِأَنَّهَا وَإِن كَانَت ساطقه فِي الْمِيرَاث فالخالة والعمة أَيْضا كَذَلِك وَلَعَلَّ سَببه أَن الذّكر الَّذِي لَيْسَ بوارث لَيْسَ لَهُ ولَايَة الْحَضَانَة وَهِي تدلي بِهِ وَلِهَذَا الْإِشْكَال ذكر أَصْحَابنَا وَجْهَيْن آخَرين
أَحدهمَا أَنَّهُنَّ لَو انفردن فَلَهُنَّ الْحَضَانَة ولكنهن مؤخرات عَن الخالات وَجَمِيع الْمَذْكُورَات
وَالثَّانِي أَنَّهُنَّ مؤخرات عَن الْجدَّات الوارثات مُقَدمَات على الاخوات والخالات
الثَّالِثَة الْقَرِيبَة الْأُنْثَى الَّتِي لَا محرمية لَهَا كبنات الخالات وَبَنَات العمات فِيهِ وَجْهَان

(6/244)


أَحدهمَا أَنه لَا حضَانَة لَهُنَّ إِذْ الْحَضَانَة تستدعي خبْرَة ببواطن الْأُمُور فتستدعي الْمَحْرَمِيَّة
وَالثَّانِي أَنه تثبت وَذكر الفوراني ذَلِك وَقَالَ الخالات مُقَدمَات على بَنَات الْإِخْوَة وَبَنَات الْإِخْوَة مُقَدمَات على العمات كَمَا يقدم ابْن الْأَخ فِي الْإِرْث على الْعم وَقَالَ بَنَات الخالات مُقَدمَات على بَنَات العمات
الطّرف الثَّانِي فِي اجْتِمَاع الذُّكُور وهم أَرْبَعَة أَقسَام
الأول محرم وَارِث فَلهُ حق الْحَضَانَة ويترتبون ترَتّب الْعَصَبَات فِي الْولَايَة إِلَّا الْأَخ من الْأُم فَإِنَّهُ لَيْسَ بولِي وَهُوَ مُتَأَخّر عَن الْأُصُول وعو الْإِخْوَة للْأَب مَعَ أَنه محرم وَارِث وَهل يُؤَخر عَن الْعم فِيهِ وَجْهَان مِنْهُم من أخر للولاية وَمِنْه من قدم للقرب والشفقة وَهُوَ الْأَظْهر
الثَّانِي الْوَارِث الَّذِي لَيْسَ بِمحرم كبني الْأَعْمَام لَهُم حق حضَانَة فِي الصَّبِي وَفِي الصَّغِيرَة الَّتِي لَا تشْتَهي دون الَّتِي تشْتَهى
الثَّالِث الْمحرم الَّذِي لَيْسَ بوارث كالخال وَأب الْأُم وَالْعم من الْأُم وَبني الْأَخَوَات فهم مؤخرون عَن الْوَرَثَة وَهل لَهُم حق عِنْد فقدهم فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا تثبت للمحرمية كَمَا تثبت للخالة وَإِن لم تكن وارثة
وَالثَّانِي لَا لِأَن الْخَالَة أُنْثَى وانضمام الْأُنُوثَة إِلَى الْقَرَابَة مُؤثر ثمَّ لَا خلاف أَن الْمُسْتَحبّ للسُّلْطَان أَن يسلم إِلَيْهِم
الرَّابِع قريب لَيْسَ بِمحرم وَلَا وَارِث كَابْن الْخَالَة وَالْخَال فَالصَّحِيح أَنه لَا حق لَهُم وَإِن ظهر الْخلاف فِي بَنَات الخالات لأجل الْأُنُوثَة وَفِيه وَجه
الطّرف الثَّالِث فِي اجْتِمَاع الذُّكُور وَالْإِنَاث وَلَا شكّ أَن الْأُم وأمهاتها مُقَدمَات إِذا كن من جِهَة الْإِنَاث ثمَّ بعدهن فِي الْأَب والجدات من قبل الْأَب قَولَانِ

(6/245)


ظَاهر النَّص تَقْدِيم الْأَب فَلَا يقدم على الْأَب إِلَّا الْأُم وأمهاتها كَذَلِك قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ
وَالثَّانِي أَنَّهُنَّ مُقَدمَات وَإِن أدلين بِهِ لشفقة الْأُنُوثَة فعلى هَذَا فِي تَقْدِيم الْأَخَوَات على الْأَب ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا التَّقْدِيم للأنوثة
وَالثَّانِي لَا لِأَن الْأَب أصل
وَالثَّالِث أَنه يقدم على الْأُخْت للْأَب فَإِنَّهَا فَرعه دون الْأُخْت للْأُم وَالْأُخْت للْأَب وَالأُم
وَهَذَا الْوَجْه لَا يجْرِي فِي الْخَالَة لِأَنَّهَا لَيست فرعا وَلَكِن يجْرِي الْوَجْهَانِ فِي تَقْدِيم الْخَالَة على الْأَب بل تَقْدِيم الْخَالَة عَلَيْهِ أولى من تَقْدِيم الْأُخْت وكل جدة لَيست فَاسِدَة فَهِيَ مُقَدّمَة على كل عصبَة تقع على حَوَاشِي النّسَب
وَأما الذُّكُور وَالْإِنَاث على الْحَوَاشِي إِذا اسْتَووا فِي الْقرب وَالْإِرْث فالأنثى أولى وَالْأُخْت أولى من الْأَخ
وَلَو كَانَت الْأُنْثَى بعيدَة وَالذكر قَرِيبا فَوَجْهَانِ لتعارض الْأُنُوثَة والقرابة

(6/246)


السَّبَب الثَّالِث للنَّفَقَة ملك الْيَمين

وَفِيه مسَائِل
الأولى أَن نَفَقَة الْمَمْلُوك إمتاع وَهُوَ على الْكِفَايَة وَلَا تسْقط إِلَّا بِزَوَال الْملك أَو الْكِتَابَة وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يطعمهُ ويكسوه من جنس مَا يطعم ويكتسي وَلَكِن مَا يَلِيق بِهِ وَلَو اقْتصر من الْكسْوَة على مَا يستر بِهِ الْعَوْرَة لم يجز ذَلِك فِي بِلَادنَا لِأَنَّهُ إِضْرَار وَإِن لم يكن يتَأَذَّى بَحر وَبرد وَهل يجب تَفْضِيل النفيس على الخسيس فِي الْكسْوَة فِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه يجب إِذْ الْعَادة تَقْتَضِي ذَلِك
وَالثَّانِي لَا لِأَن الرَّقِيق يَلِيق بِهِ الخشن وَإِن كَانَ نفيسا
وَالثَّالِث أَنه لَا يفرق فِي العبيد أما الْجَوَارِي فيفضل السّريَّة على الخادمة
الثَّانِيَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِذا كفى أحدكُم طَعَامه خادمه حره ودخانه فليجلسه مَعَه فَإِن أَبى فليروغ لَهُ لقْمَة وليناولها إِيَّاه فترددوا وَفِي ثَلَاثَة أوجه

(6/247)


أَحدهَا أَن ذَلِك وَاجِب على التَّرْتِيب
وَالثَّانِي أَنه يجب إِمَّا الإجلاس اَوْ ترويغ اللُّقْمَة وَلَا يجب التَّرْتِيب وَالثَّالِث
وَهُوَ الْأَظْهر أَن ذَلِك مُسْتَحبّ وَهُوَ من مَكَارِم الْأَخْلَاق
الثَّالِثَة الرقيقة أَو أم الْوَلَد إِذا أَتَت بِولد فعلَيْهَا الْإِرْضَاع بِخِلَاف الزَّوْجَة فَإِنَّهَا رقيقَة وَلَا يفرق بَينه وَبَينهَا وَلَا تكلّف أَن ترْضع غير وَلَدهَا مَعَ وَلَده فَإِنَّهُ إِضْرَار بهَا وَبِوَلَدِهَا نعم لَهُ أَن يسْتَمْتع بهَا وَيضم الْوَلَد إِلَى غَيرهَا فِي وَقت الإستمتاع
الرَّابِعَة لَيْسَ لَهَا فطام وَلَدهَا قبل الْحَوْلَيْنِ وَلَا الزِّيَادَة على الْحَوْلَيْنِ إِلَّا بِرِضَاهُ والمتبع رضَا السَّيِّد فِيهِ إِلَّا إِذا كَانَ إِضْرَارًا بِالْوَلَدِ وَأما الْحرَّة فحقها مُؤَكد فِي إِرْضَاع وَلَدهَا فَيتَوَقَّف الْفِطَام على توافقهما فَإِن أَرَادَت الْفِطَام فَلهُ الْمَنْع وَإِن أَرَادَت الْإِرْضَاع بِالْأُجْرَةِ وَأَرَادَ الْأَب الْفِطَام فَعَلَيهِ الْأُجْرَة وَلَيْسَ لَهُ الْمَنْع
الْخَامِسَة لَا أصل للمخارجة وَهُوَ ضرب خراج مُقَدّر على العَبْد كل يَوْم بل على العَبْد بذل المجهود وعَلى السَّيِّد أَن يحملهُ على مَا يطيقه فَلَو امْتنع السَّيِّد عَن الْإِنْفَاق يُبَاع عَلَيْهِ فَإِن لم يرغب أحد فِي شِرَائِهِ فَهُوَ من محاويج الْمُسلمين
السَّادِسَة يجب عَلَيْهِ علف الدَّوَابّ لِأَن أرواحها مُحْتَرمَة وَلذَلِك لَا يجوز تعذيبها وَلَا ذَبحهَا إِلَّا لمأكله وَكَذَلِكَ لَا ينزف أَلْبَانهَا بِحَيْثُ يستضر بنتاجها

(6/248)


وَيجوز غصب الْعلف والخبط لحاجتها إِذا أشرفت على الْهَلَاك على الْمَذْهَب الظَّاهِر
وَالْمُسَافر يقدم حَاجَة الدَّابَّة إِلَى المَاء على الْوضُوء فيتيمم وَإِذا أجدبت الأَرْض فَعَلَيهِ علف السَّائِمَة
وَلَا يجب عَلَيْهِ عمَارَة دَاره وقناته وعقاره وَإِن أشرفت على الإنهدام لِأَن الْحُرْمَة لذِي الرّوح فَإِن امْتنع من الْعلف فللقاضي أَن يجْبرهُ على البيع أَو يَبِيع عَلَيْهِ وَالله تَعَالَى أعلم وَأحكم وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين

(6/249)