الوسيط في المذهب

= كتاب الصَّيْد والذبائح = وَالنَّظَر فِي أَسبَاب الْحل وَأَسْبَاب الْملك

(7/99)


النّظر الأول فِي سَبَب حل الذَّبِيح
وأركان الذّبْح أَرْبَعَة الذَّابِح والذبيح والآلة الذابحة وَنَفس الذّبْح
الأول الذَّابِح فَكل مُسلم أَو كتابي عَاقل بَالغ يصير أَهلا للذبح بِيَدِهِ وبجوارح الصَّيْد فَتحل ذبيحه الْيَهُود وَالنَّصَارَى دون الْمَجُوس وَعَبدَة الْأَوْثَان أما الْمُتَوَلد من كتابي ومجوسي أَو وَثني فَقَوْلَانِ

(7/101)


أَحدهمَا تَغْلِيب التَّحْرِيم وَالثَّانِي النّظر إِلَى جَانب الْأَب وَحل الذَّبِيح يُقَارب حل النِّكَاح إِلَّا فِي الْأمة الْكِتَابِيَّة إِذْ تحل ذبيحتها دون مناكحتها
فرع لَو اشْترك مَجُوسِيّ وَمُسلم فِي ذبيح فَهُوَ حرَام وَكَذَا لَو أرسلا إِلَى الصَّيْد سَهْمَيْنِ أَو كلبين فَحصل الْهَلَاك بهما وَلَو سبق أَحدهمَا وصيره إِلَى حَرَكَة الْمَذْبُوح فَالْحكم لَهُ وَلَو هرب الصَّيْد من كلب الْمُسلم فَرده عَلَيْهِ كلب الْمَجُوسِيّ وَقَتله كلب الْمُسلم فَهُوَ حَلَال وَلَا تَأْثِير لإعانته فِي الرَّد وَحَيْثُ يحل الصَّيْد فالملك للْمُسلمِ وَلَو أثخنه كلب الْمُسلم فأدركه كلب الْمَجُوسِيّ وَبِه حَيَاة مُسْتَقِرَّة فَقتله فَهُوَ ميتَة وَضمن الْمَجُوسِيّ للْمُسلمِ إِذْ أفسد ملكه
أما قَوْلنَا عَاقل بَالغ احترزنا بِهِ عَن الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ الَّذِي لَا يُمَيّز فَفِي ذبيحتهما قَولَانِ وَوجه التَّحْرِيم أَن الْقَصْد قد انْعَدم وَأما الصَّبِي الْمُمَيز فَتحل ذَبِيحَته وَفِيه وَجه من حَيْثُ إِنَّه إِن اعْتبر الْقَصْد فقد نقُول عمد الصَّبِي لَيْسَ بعمد
وَأما الْأَعْمَى فَيصح ذبحه وَفِي اصطياده وَجْهَان من حَيْثُ إِن قَصده لَا يتَعَلَّق بِعَين الصَّيْد وَهُوَ لَا يرَاهُ

(7/102)


الرُّكْن الثَّانِي الذَّبِيح وَالْحَيَوَان يَنْقَسِم إِلَى مَا يحرم فَلَا أثر لذبحه وَإِلَى مَا يحل كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَطْعِمَة وَهَذَا يَنْقَسِم إِلَى مَا تحل ميتَته كالجراد والسمك وَإِلَى مَا لَا يحل
أما الَّذِي يحل فَلَا حَاجَة إِلَى ذبحه بل لَو اقتطع قِطْعَة من سَمَكَة فَهِيَ حَلَال لِأَن مَا أبين من حَيّ فَهُوَ ميت وَلَو ابتلع سَمَكَة حَيَّة فمكروه للتعذيب وَلَكِن الظَّاهِر أَنه حَلَال وَمِنْهُم من حرم وَجعل الْمَوْت بَدَلا عَن الذّبْح
وَأما حَيَوَان الْبَحْر فَتحل جَمِيعهَا إِلَّا المستخبثات وَمَا يعِيش فِي الْبر كالضفدع والسرطان وَأما مَا لَهُ نَظِير محرم فِي الْبر ككلب المَاء وخنزيره قفيه قَولَانِ

(7/103)


أَحدهمَا الْحل لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الْحل ميتَته وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَا يتَنَاوَلهُ اسْم السّمك
وَللشَّافِعِيّ قَول غَرِيب أَنه لَا يحل إِلَّا السّمك وَهُوَ مرجوع عَنهُ لِأَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجدوا حَيَوَانا عَظِيما يُسمى العنبر فأكلوه وَلم يُنكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِم
أما مَا لَا تحل ميتَته فَيتَعَيَّن ذبحه فِي الْحلق والمريء كَمَا سَيَأْتِي إِن لم يكن من الصَّيْد وَإِن

(7/104)


كَانَ صيدا فَجَمِيع أَجْزَائِهِ مذبح مَا دَامَ متوحشا فَإِن أنس أَو ظفر بِهِ وَفِيه حَيَاة مُسْتَقِرَّة تعين الذّبْح
وَلَو توحشت إنسية وَلم يُمكن ردهَا فَهُوَ كالصيد يذبح فِي كل مَوضِع وَكَذَا لَو تنكس بعير فِي بِئْر وَخيف هَلَاكه فقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو طعنت فِي خاصرته لحلت لَك فَقَالَ المراوزة خصص الخاصرة ليَكُون الْجرْح مذففا فَلَا يجوز جرح آخر وَإِن كَانَ يُفْضِي إِلَى الْمَوْت

(7/105)


وَمِنْهُم من قَالَ تَكْفِي كل جِرَاحَة تُفْضِي إِلَى الْمَوْت
أما إِذا شَردت شَاة أَو بعير فَمثل هَذَا مصيره إِلَى الزَّوَال فَإِن أمكن رده بالإستعانة وَجب وَإِن أفلت وعسر ذَلِك فِي الْحَال فَالظَّاهِر أَنه يصبر إِلَى الْقُدْرَة عَلَيْهِ وَمِنْهُم من قَالَ رُبمَا يُرِيد ذبحه فِي الْحَال فَلهُ أَن يَرْمِي كَمَا يَرْمِي الصَّيْد ثمَّ لَا خلاف فِي أَنه لَو كَانَ اتِّبَاعه يُفْضِي بِهِ إِلَى مسبعَة أَو مهلكة فَهُوَ كالصيد يَرْمِي بِسَهْم وَإِن كَانَ يُفْضِي إِلَى مَوضِع لصوص وغصاب فَوَجْهَانِ

(7/106)


فروع

الأول إِذا جرح الصَّيْد بِسَهْم ثمَّ أدْركهُ وَفِيه حَيَاة مُسْتَقِرَّة وَجب ذبحه فِي المذبح فَإِن صَبر حَتَّى مَاتَ فَهُوَ حرَام وَعَلِيهِ أَن يعدو فِي طلبه كعادة الصياد وَفِيه وَجه أَنه يَكْتَفِي بمشي كمشي السَّاعِي إِلَى الْجُمُعَة أما الْوُقُوف فَلَا رخصَة فِيهِ
فَلَو أدْرك وَلَيْسَ مَعَه مدية أَو تشبث بالغمد أَو سقط مِنْهُ أَو ضَاعَ أَو سرق فَلَيْسَ مَعْذُورًا فِي شَيْء من ذَلِك وَلَو غصبه إِنْسَان فَوَجْهَانِ وَالظَّاهِر أَنه حرَام فَكَأَن الشَّرْط أَن يَمُوت بجراحته قبل أَن يُدْرِكهُ وَهُوَ غير مقصر وَلَو ابتدر وَقطع بعض الْحُلْقُوم فَمَاتَ فَهُوَ حَلَال لعدم التَّقْصِير وَذبح الثَّعْلَب فِي أُذُنه لأجل الْجلد حرَام وَلَا يُفِيد الْحل
الثَّانِي لَو قد صيدا نِصْفَيْنِ فالنصفان حَلَال وَلَو أبان عضوا والجراحة مذففة حل الْعُضْو أَيْضا فَإِن لم تكن مذففة وَذبح الْحَيَوَان فِي المذبح أَو حرج جرحا مذففا فالعضو حرَام لَان مَا أبين من حَيّ فَهُوَ ميت وَإِن مَاتَ من تِلْكَ الْجراحَة فَفِي ذَلِك الْعُضْو وَجْهَان

(7/107)


وَإِن جرحه بعد الأولى جِرَاحَة أُخْرَى غير مذففة فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالتَّحْرِيمِ
الرُّكْن الثَّالِث آلَة الصَّيْد وَالذّبْح وَهِي ثَلَاثَة أَقسَام جوارح الْحَيَوَان وجوارح الأسلحة والمثقلات
أما جوارح الْحَيَوَان فَتحل فريسة الْكَلْب الْمعلم بِنَصّ الْكتاب أَعنِي مَا مَاتَ بعضه وجراحته وَإِنَّمَا يصير معلما بِثَلَاثَة أُمُور أَن يسترسل بإرساله وينزجر بزجره وَيمْتَنع من الْأكل خوفًا من صَاحبه وَلَا بُد أَن تَتَكَرَّر هَذِه الْأُمُور حَتَّى يتَبَيَّن أَنه تأدب بِهِ وَلَيْسَ بوفاق فالرجوع فِيهِ إِلَى الْعَادة وَإِنَّمَا يشْتَرط الإنزجار بزجره فِي ابْتِدَاء انطلاقه أما إِذا احتد فِي آخر الْأَمر فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يشْتَرط لِأَن ذَلِك مَا لَا يطاوع الْكَلْب عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَنه يشْتَرط لِأَن ذَلِك أَيْضا يعسر فِي الإبتداء مَعَ جوع الْكَلْب وَلَكِن بِهِ يصير مؤدبا أما إِذا ترك الْأكل ثمَّ أكل مرّة نَادرا فَفِي تِلْكَ الفريسة قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يحرم وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعدي بن حَاتِم

(7/108)


رَضِي الله عَنهُ إِذا أرْسلت كلبك الْمعلم فَكل وَإِن أكل فَلَا تَأْكُل وَلِأَنَّهُ أَخذ لنَفسِهِ لما أكل لَا لصَاحبه وَالثَّانِي أَنه يحل لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لأبي ثَعْلَبَة الْخُشَنِي رَضِي الله عَنهُ

(7/109)


كل وَإِن أكل وَلِأَن هَذَا يحمل على جرْأَة وفرط جوع وَلَا يخرج عَن كَونه معلما
التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يحرم فريسته فَلَا يَنْعَطِف التَّحْرِيم على مَا سبق من فرائسه خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله نعم لَو أكل مرَارًا وواظب عَلَيْهِ فَيقطع بِأَنَّهُ تحرم فرائسه إِذْ خرج عَن كَونه معلما وَفِي انعطاف التَّحْرِيم على مَا سبق من الفريسة الَّتِي أكل مِنْهَا أَولا وَجْهَان أما مَا لم يَأْكُل مِنْهَا فَلَا تحرم
وَلَا خلاف فِي أَنه لَو انكف فِي أول التَّعْلِيم لم تحل فريسته فَلَو واظب عَلَيْهِ لم يَنْعَطِف الْحل على مَا سبق أما إِذا اقْتصر على لعق الدَّم فَلَا يُؤثر ذَلِك وَفِيه وَجه أَنه كَالْأَكْلِ
أما فريسة الفهد والنمر فَحَرَام لِأَنَّهُ لم يتَعَلَّم وَلَا يطاوع فِي ترك الْأكل والإنزجار

(7/110)


بالزجر فَإِن تصور ذَلِك على ندور فَهُوَ كَالْكَلْبِ
وَأما الْبَازِي فَهَل يشْتَرط فِي تعلمه الإنكفاف عَن الْأكل فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يشْتَرط وَإِن كَانَ لَا يتَعَلَّم إِذْ لَا يحْتَمل الضَّرْب فَهُوَ كالفهد وَالثَّانِي أَنه لَا يشْتَرط لِأَنَّهُ لَا يتَعَلَّم وجنس الطُّيُور من الصَّيْد لَا بُد لَهَا من جارحة وَهِي من الْجَوَارِح لَا تكف عَن الْأكل بِخِلَاف الفهد فَإِن فِي الْكَلْب غنية عَنهُ
فرع إِذا مَاتَ بعض الْكَلْب فَفِي مَوضِع عضه ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أَنه ينجس فَيغسل سبعا ويعفر وَالثَّانِي أَنه يقور الْموضع إِذا تشرب اللَّحْم لعابه وَكَذَا كل لحم عض عَلَيْهِ الْكَلْب وَالثَّالِث أَنه يُعْفَى عَنهُ لِأَن الْأَوَّلين لم ينْقل عَنْهُم ذَلِك
وَقَالَ الْقفال لَو أصَاب سنّ الْكَلْب عرقا نضاخا بِالدَّمِ سرت النَّجَاسَة إِلَى جَمِيع أَعْضَائِهِ وَهَذَا غلط لِأَن تَكْلِيف الْكَلْب الحذر من الْعُرُوق محَال وَلِأَن ذَلِك كَالْعَيْنِ الفوارة

(7/111)


بِالْمَاءِ فَلَا ينجس أَسْفَلهَا بِنَجَاسَة أَعْلَاهَا
النَّوْع الثَّانِي من الْآلَات جوارح الأسلحة وجرح الصَّيْد بِالسَّيْفِ والسهم وكل حَدِيد مُفِيد للْحلّ ويلتحق بالحديد كل شَيْء يجرح من قصب وخشب سوى السن وَالظفر فَإِنَّهُ لَا يحل الذّبْح بِهِ مُتَّصِلا كَانَ أَو مُنْفَصِلا لنهي ورد فِيهِ وَجوز أَبُو حنيفَة رَحمَه الله بالمنفصل
النَّوْع الثَّالِث مَا يصدم بثقله أَو بخنق وَذَلِكَ لَا يُفِيد الْحل فَلَو انخنق الصَّيْد

(7/112)


بالأحبولة أَو بصدمة الْوُقُوع فِيهَا أَو الْبِئْر المحفورة للصَّيْد أَو ضرب الطير ببندقة فَكل ذَلِك حرَام إِذْ لَا بُد من جارح
وَاخْتلف قَول الشَّافِعِي فِي الْكَلْب إِذا تغشى الصَّيْد فَمَاتَ تَحْتَهُ غما فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه محرم لِأَنَّهُ منخنق وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله وَالثَّانِي لَا لِأَن ذَلِك يكثر من الْكَلْب وتكليفه العض غير مُمكن

فرعان

الأول لَو أصَاب الطير الضَّعِيف عرض السهْم وجرحه طرف النصل فَمَاتَ بالجراحة والصدمة فَهُوَ حرَام وَكَذَلِكَ لَو مَاتَ ببندقة وَسَهْم أَصَابَهُ من راميين فَإِن تردد فِي أَن الْمَوْت بهما أَو بِأَحَدِهِمَا فالمغلب التَّحْرِيم أما إِذا أَصَابَهُ النصل فَلَا يَخْلُو النصل عَن ثقل وتحامل فَذَلِك لَا يمْنَع الْحل
الثَّانِي لَو جرح طائرا فانصدم بِالْأَرْضِ وَمَات فَهُوَ حَلَال لِأَن الإحتراز من ذَلِك للطيور غير مُمكن وَلَو وَقع فِي المَاء أَو تدهور من جبل فَمَاتَ بِالْجَمِيعِ فَهُوَ حرَام

(7/113)


لِأَن ذَلِك نَادِر وَإِن وَقع الصَّيْد فِي الْجبَال والبحار فَذَلِك لَا ينْدر فَلَا يبعد تَحْلِيله وَلَكِن قد قَالُوا لَو وَقع من غُصْن إِلَى غُصْن كَذَلِك حَتَّى مَاتَ من الْجراحَة فَهُوَ حرَام لندوره فَيظْهر أَيْضا تَحْرِيمه فِي الْجبَال
أما إِذا انْكَسَرَ جنَاحه وَلم ينجرح ثمَّ انصدم بِالْأَرْضِ وَمَات فَهُوَ حرَام إِذْ لم تسبق الْجراحَة
الرُّكْن الرَّابِع نفس الذّبْح والإصطياد وَكَيْفِيَّة الذّبْح مَذْكُور فِي الضَّحَايَا وَنَذْكُر الْآن الإصطياد أَعنِي الْإِصَابَة بِآلَة الصَّيْد وَهُوَ كل جرح مَقْصُود حصل الْمَوْت بِهِ أما الْجرْح فَلَا يخفى حَده وَأما الْقَصْد فَلهُ ثَلَاثَة متعلقات
الأول أصل الْفِعْل وَلَا بُد مِنْهُ فَلَو سقط السَّيْف من يَده وانجرح بِهِ صيد أَو نصب فِي الأحبولة منجلا فانعقر بِهِ الصَّيْد أَو نصب فِي أَسْفَل الْبِئْر سكينا فانجرح بِهِ أَو كَانَ فِي يَده سكين فاحتكت الشَّاة بِهِ فَالْكل حرَام إِذْ لم يحصل بِفِعْلِهِ بل بِفعل الْحَيَوَان
وَلَو كَانَ يُحَرك الْيَد والبهيمة أَيْضا تتحرك حَرَكَة مُؤثرَة غلب التَّحْرِيم وَلذَلِك تضبط الشَّاة حَتَّى لَا تتحرك إِلَّا حَرَكَة يسيرَة لَا تُؤثر وَكَذَلِكَ الْكَلْب إِذا استرسل بِنَفسِهِ لم تحل فريسته لِأَنَّهُ إِنَّمَا يصير مُضَافا إِلَيْهِ كالآلة باسترساله بإشارته

(7/114)


فروع

الأول لَو استرسل بِنَفسِهِ فأغراه فازداد عدوا فَفِي الْحل وَجْهَان فَلَو زَجره فَلم ينزجر فأغراه فازداد عدوا فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالتَّحْرِيمِ وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ مَا لَو كَانَ الْإِرْسَال من مُسلم والإغراء من مَجُوسِيّ أَو الْعَكْس لَكِن يظْهر أَثَره فِي الْملك ومأخذ الْكل أَن الإفتراس يُحَال على فعله أَو على اغراء المغري وَعَلِيهِ يخرج مَا لَو أغرى أَجْنَبِي كَلْبا استرسل بِإِشَارَة مَالِكه فَإِن أحلناه على الإغراء فقد اصطاد بكلب مَغْصُوب وَفِيه وَجْهَان

(7/115)


أظهرهمَا أَن الصَّيْد للْغَاصِب وَالْكَلب الْمَغْصُوب كالسكين الْمَغْصُوب
وَالثَّانِي أَنه يتبع الْكَلْب لَكِن فِي صُورَة الإغراء يظْهر كَونه للْمَالِك وَيحْتَمل الإحالة عَلَيْهِمَا حَتَّى يكون مُشْتَركا هَاهُنَا وَعند إغراء الْمَجُوسِيّ يحرم
الثَّانِي إِذا رمى سَهْما وَكَانَ يقصر عَن الصَّيْد فساعدت ريح من وَرَائه وَأصَاب حل وَلَو انصدم بجدار فَارْتَد إِلَى الصَّيْد وجرح فَوَجْهَانِ لِأَن فعله انْتهى لمصادمة الْجِدَار من وَجه وَأما حركات الذّبْح فَلَا تدخل تَحت الضَّبْط فَلَا يلْتَفت إِلَيْهَا
الثَّالِث لَو نزع الْقوس ليرمي فَانْقَطع الْوتر وارتمى السهْم فَأصَاب فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يحل لِأَنَّهُ حصل بِفِعْلِهِ هُوَ وعَلى وفْق شَهْوَته وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لم يكن على وفْق قَصده
الْمُتَعَلّق الثَّانِي أَن يقْصد جنس الْحَيَوَان فَلَو رمى سَهْما فِي خلْوَة وَهُوَ لَا يقْصد صيدا فَاعْترضَ صيد وَأصَاب حرم وَكَذَا لَو كَانَ يجيل سَيْفه فَأصَاب حلق شَاة

(7/116)


أما نِيَّة الذّبْح فَلَا تشْتَرط بعد تعلق الْقَصْد بِالْعينِ بَيَانه أَنه لَو رمى إِلَى شَيْء ظَنّه حجرا فَإِذا هُوَ صيد فَهُوَ حَلَال وَلَو قطع فِي الظلمَة شَيْئا لينًا قصدا فَإِذا هُوَ حلق شَاة فحلال مَا لم يعْتَقد أَنه حلق آدَمِيّ أَو فعل حرَام فَإِن ظن ذَلِك فَالظَّاهِر أَنه حَلَال وَلَا يعْتَبر ظَنّه وَمِنْهُم من قَالَ يحرم إِذا اعْتقد ذَلِك وينقدح ذَلِك فِي ظَنّه آدَمِيًّا أَو مَا يحرم ذبحه أما لَو ظَنّه خنزيرا فَيَنْبَغِي أَن يحل قطعا لِأَنَّهُ لم يظنّ تَحْرِيم الذّبْح بل تَحْرِيم اللَّحْم
الْمُتَعَلّق الثَّالِث عين الْحَيَوَان فَلَو رمى بِاللَّيْلِ إِلَى حَيْثُ لَا يرَاهُ لَكِن يَقُول رُبمَا يُصِيب صيدا فاتفق أَن أصَاب فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا التَّحْرِيم لِأَن تعلق الْقَصْد بالذبيح مَعَ عدم الْإِدْرَاك محَال وَالثَّانِي يحل لِأَنَّهُ قصد الذّبْح وَالثَّالِث أَنه إِن رمى حَيْثُ يغلب وجود الصَّيْد حل وَإِن اتّفق نَادرا فَهُوَ عَبث فَلَا يحل وعَلى هَذَا يخرج رمي الْأَعْمَى واصطياده بالكلب أما إِذا قصد سربا من الظباء وَرمى فَأصَاب وَاحِدًا حل وَإِن لم يقْصد عينه فَإِنَّهُ قصد الْجِنْس وَإِن لم يقْصد الْعين أما الْقصاص فِي مثل هَذِه الصُّورَة فقد يسْقط على رَأْي للشُّبْهَة

(7/117)


وَلَو عين ظَبْيَة من السرب فَمَال السهْم إِلَى غَيرهَا فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه يفرق فِي الثَّالِث بَين أَن يُصِيب ظَبْيَة من غير هَذَا السرب أَو من هَذَا السرب وَلَو قصد حجرا فَأصَاب ظَبْيَة فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالتَّحْرِيمِ وَلَو ظن أَن الْحجر ظَبْيَة فَمَال السهْم إِلَى ظَبْيَة فالجواز أولى وَلَو قصد خنزيرا فَمَال إِلَى ظَبْيَة فَوَجْهَانِ وَأولى بِالتَّحْرِيمِ هَذَا بَيَان الْقَصْد
أما قَوْلنَا حصل الْمَوْت بِهِ أردنَا بِهِ أَنه لَو أصَاب فَمَاتَ الصَّيْد بصدمة أَو افتراس سبع لم يحل وَكَذَلِكَ لَو غَابَ عَن بَصَره فأدركه مَيتا وَعَلِيهِ أثر صدمة أَو جِرَاحَة أُخْرَى حرم وَإِن لم يظْهر أثر آخر فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه لَا يحل فَإِنَّهُ لَا يدْرِي إِذْ لم يمت بَين يَدَيْهِ وَالثَّانِي أَنه يحل حِوَالَة على السَّبَب الظَّاهِر وَلذَلِك توجب غرَّة الْجَنِين وَالْقصاص بِالْجرْحِ وَإِن أمكن الْمَوْت فَجْأَة بِسَبَب آخر
أما التَّسْمِيَة فَلَيْسَتْ شرطا عندنَا للذبح والإصطياد وَلَكِن تسْتَحب عِنْد الذّبْح وَعند الرَّمْي وَعند إرْسَال الْكَلْب فَلَو سمى عِنْد عض الْكَلْب فَفِي تأدي الإستحباب بِهِ خلاف

(7/118)


النّظر الثَّانِي من الْكتاب فِي أَسبَاب الْملك وَفِيه فصلان

الأول فِي السَّبَب

وَهُوَ إبِْطَال مَنْعَة الصَّيْد بِإِثْبَات الْيَد عَلَيْهِ أَو رده إِلَى مضيق لَا يتَخَلَّص أَو إزمانه أَو قصّ جنَاحه أما إِذا اضطره إِلَى مضيق لَهُ مخلص فَأَخذه غَيره فَهُوَ للآخذ
ثمَّ الْأَسْبَاب الَّتِي تقيد الْملك تَنْقَسِم فِيمَا يعْتَاد ذَلِك بِهِ كالشبكة فَيَكْفِي وُقُوع الصَّيْد فِيهِ لحُصُول الْملك أما مَا لَا يعْتَاد كَمَا لَو تحل الصَّيْد فِي زرع سقَاهُ لَا للصَّيْد أَو دخل دَاره أَو عشش الطَّائِر فِي دَاره فَالْمَذْهَب أَن الْملك لَا يحصل بِمُجَرَّدِهِ وَإِن كَانَت تَحت قدرته لِأَنَّهُ لم يَقْصِدهُ نعم هُوَ أولى بِهِ لَكِن لَو أَخذه غَيره كَانَ كَمَا لَو أَحْيَا أَرضًا يحجرها غَيره وَهَاهُنَا أولى بِحُصُول الْملك لِأَن التحجر مُقَدّمَة الْإِحْيَاء فَهُوَ قصد مَا وَبِنَاء الدَّار لَيْسَ بِقصد للصَّيْد
وَلَو قصد بِبِنَاء الدَّار تعشيش الطَّائِر فَهَل يملكهُ فِيهِ وَجْهَان لِأَن هَذَا سَبَب غير مُعْتَاد وَمن أَصْحَابنَا من ذكر وَجها أَنه يملك بِدُخُول ملكه وَإِن لم يقْصد وَهُوَ ضَعِيف
ثمَّ إِن قُلْنَا لم يملك فَلَو أغلق الْبَاب قصدا ملك وَإِن كَانَ عَن وفَاق فَلَا وَلَو انْسَلَّ عَن

(7/119)


يَده شبكة فتعقل بهَا صيد فَفِيهِ وَجْهَان وَلَو دخلت سَمَكَة بركَة إِنْسَان فَإِن سد المنافذ وَهُوَ ضيق ملك وَإِن كَانَ وَاسِعًا لم يملك وَنزل منزلَة التحجر
هَذَا هُوَ سَبَب الْملك أما زَوَاله فَلَا يَزُول الْملك بانفلات الصَّيْد عَن يَده أَو عَن شبكته وَلَا بِإِطْلَاقِهِ إِيَّاه وَلَو قصد تحريره فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن ملكه قَائِم كَمَا لَو أعتق حِمَاره وَالثَّانِي أَنه يَزُول لِأَن للصَّيْد مَنْعَة واستقلالا وَلَو أعرض عَن كسرة خبز فاخذها غَيره فَهَل يملك فَفِيهِ وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن لَا يملك

(7/120)


وَلَو أعرض عَن إهَاب ميتَة فدبغها إِنْسَان فَفِيهِ وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن يملك لِأَن الْملك كالمستحدث بالدباغ

فرع
إِذا اخْتَلَط حمام برج مَمْلُوك بحمام برج آخر وعسر التَّمْيِيز فَلَيْسَ لكل وَاحِد بيع شَيْء مِنْهُ إِلَّا أَن يَبِيع من صَاحبه فَفِيهِ وَجْهَان وَوجه جَوَازه مَعَ عسر التَّعْيِين الْحَاجة
وَلَو توافقا على بيع الْكل أَو الْبَعْض من ثَالِث وَكَانَا يعلمَانِ الْعدَد أَو الْقيمَة حَتَّى يوزع عَلَيْهِ جَازَ وَإِن جهل ذَلِك لم يجز إِذْ لَا يدْرِي حِصَّة كل وَاحِد والصفقة تَتَعَدَّد بِتَعَدُّد البَائِع وَإِن تصالحا على شَيْء صَحَّ البيع وَاحْتمل الْجَهْل بِقدر الْمَبِيع أما إِذا اخْتَلَط حمامات مَمْلُوكَة بحمام بَلْدَة مَا فَلَا يحرم الصَّيْد إِذا كَانَ الْمُبَاح غير مَحْصُور وَإِن اخْتَلَط بمباح مَحْصُور حرم كأخت من الرَّضَاع اخْتلطت بنسوة وَإِن اخْتَلَط حمامات بَلْدَة لَا تحصى بحمام بَلْدَة لَا تحصى فَفِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن نِسْبَة مَا لَا يُحْصى إِلَّا مَا لَا يُحْصى كنسبة المحصى إِلَى المحصى

(7/121)


الْفَصْل الثَّانِي فِي الإزدحام على الصَّيْد
وَله أَحْوَال
إِحْدَاهَا فِي التَّعَاقُب فِي الْإِصَابَة فَإِذا رميا صيدا فَأصَاب وَأَحَدهمَا مزمن وَالْآخر جارح فالصيد للمزمن فَإِن سبقته الْجراحَة فَلَا شَيْء على الْجَارِح وَإِن لحقت فقد جرحت صيد الْغَيْر فَعَلَيهِ أرش النُّقْصَان إِن لم يذفف وَإِن ذففه وَكَانَ فِي الصَّيْد حَيَاة مُسْتَقِرَّة وَلم يصب التذفيف المذبح فَهِيَ ميتَة وَعَلِيهِ قِيمَته لانه ذبح فِي حَيَوَان مَقْدُور عَلَيْهِ فِي غير المذبح وَإِن أصَاب المذبح حل وَهَاهُنَا أدنى نظر إِذْ من رمى شَاة فَأصَاب حلقه فَفِي حُصُول الْحل احْتِمَال لَا سِيمَا إِذا لم يقْصد المذبح لَكِن أَصَابَهُ وَلَعَلَّ الْأَظْهر حلّه
أما إِذا لم يكن الْجرْح الثَّانِي مذففا وَوَقع على غير المنحر وَترك الصَّيْد حَتَّى مَاتَ بالجرحين فَفِي الْقدر الْوَاجِب من الضَّمَان على الثَّانِي نظر يَنْبَنِي على مَسْأَلَة وَهُوَ أَنه لَو جرح عبدا أَو بَهِيمَة قِيمَته عشرَة جِرَاحَة أَرْشهَا دِينَار فجرح آخر بعده مَا أَرْشه أَيْضا دِينَار وَمَات من الجرحين فَفِيمَا يجب عَلَيْهِمَا خَمْسَة أوجه لَا يَنْفَكّ وَجه عَن إِشْكَال
الأول أَنه يجب على الأول خَمْسَة لِأَنَّهُ شريك فِي عبد كَانَ قِيمَته عِنْد جِنَايَته عشرَة وعَلى الثَّانِي أَرْبَعَة وَنصف لِأَنَّهُ شريك فِي عبد كَانَ قِيمَته عِنْد جراحته تِسْعَة وَهَذَا بَاطِل قطعا لِأَن فِيهِ تَضْييع نصف دِينَار على الْمَالِك إِذْ كَانَ قيمَة العَبْد عشرَة وَقد فَاتَ بجنايتهما
وَالثَّانِي أَنه يجب على كل وَاحِد خَمْسَة وَهَذَا أَيْضا بَاطِل لِأَن التَّسْوِيَة بَين الثَّانِي وَالْأول محَال وَكَانَ وَقت جِنَايَة الثَّانِي قِيمَته تِسْعَة فَكيف يغرم أَكثر من أَرْبَعَة وَنصف

(7/122)


وَالثَّالِث وَهُوَ اخْتِيَار الْقفال أَن على الأول خَمْسَة من حَيْثُ هُوَ شريك وَعَلِيهِ أَيْضا نصف دِينَار وَهُوَ نصف أرش جِنَايَته لِأَنَّهُ حصل مِنْهُ نصف الْقَتْل فَلَا ينْدَرج تَحْتَهُ إِلَّا نصف الْأَرْش وَيبقى النّصْف الآخر وعَلى الثَّانِي خَمْسَة وَنصف دِينَار وَهُوَ نصف أرش جراحته وَأَرْبَعَة وَنصف هُوَ نصف قيمَة العَبْد عِنْد جِنَايَته وَقَالَ لَيْسَ فِي هَذَا إِلَّا زِيَادَة على الْعشْرَة وَذَلِكَ لَا يبعد إِذْ لَو قطع يَدي عبد وَقَتله غَيره كَانَ مَا يجب عَلَيْهِمَا أَكثر من الْقيمَة وَهَذَا فَاسد لما فِيهِ من الزِّيَادَة وَلِأَن الْأَرْش لَا يعْتَبر عِنْد سرَايَة الْجِنَايَة أصلا سَوَاء كَانَ الْجرْح مَعَ شريك أَو لم يكن
الرَّابِع قَالَ أَبُو الطّيب بن سَلمَة مَا ذكره الْقفال صَالح لِأَن نجعله أصلا للْقِسْمَة حَتَّى لَا يُؤَدِّي إِلَى الزِّيَادَة فتتبسط الْأَجْزَاء آحادا فَيكون الْمَجْمُوع أحدا وَعشْرين جُزْءا فتبسط الْعشْرَة عَلَيْهَا فَيجب على الأول أحد عشر جُزْءا من أحد وَعشْرين جُزْءا من عشرَة وعَلى الثَّانِي عشرَة أَجزَاء من أحد وَعشْرين جُزْءا من عشرَة وَلَا يُؤَدِّي إِلَى الزِّيَادَة وَهُوَ فَاسد لِأَنَّهُ بِنَاء على تَمْيِيز الْأَرْش واعتباره مَعَ سرَايَة الْجِنَايَة
الْخَامِس وَهُوَ اخْتِيَار الإِمَام وَصَاحب التَّقْرِيب أَن الثَّانِي لَا يلْزمه أَكثر من أَرْبَعَة وَنصف أما الأول فَعَلَيهِ خَمْسَة وَنصف لإتمام الْقيمَة لِأَنَّهُ كَانَ تسبب إِلَى الْفَوات لَوْلَا الثَّانِي فَمَا لَا يُمكن تَقْرِيره على الثَّانِي يبْقى عَلَيْهِ وَهَذَا أَيْضا لَا يَخْلُو عَن محَال

(7/123)


وَلكنه أقرب أما الزِّيَادَة على الْعشْرَة أَو النُّقْصَان مِنْهَا أَو التَّسْوِيَة بَين الشَّرِيكَيْنِ فَظَاهر الْبطلَان
الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا لَو صدر إِحْدَى الجراحتين من السَّيِّد جرت الْوُجُوه لَكِن مَا يُقَابل جِنَايَة السَّيِّد فَهُوَ مهدر وَالْبَاقِي يجب
رَجعْنَا إِلَى مَسْأَلَة الصَّيْد مِنْهُم من قَالَ هُوَ كالسيد وَالْأَجْنَبِيّ وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ يجب الْجَمِيع على الثَّانِي لِأَن فعل الْمَالِك فِي الصَّيْد لَيْسَ إفسادا بل هُوَ سَبَب حل وَقد صَار إفسادا بِجِنَايَة الثَّانِي وَأما فعل السَّيِّد فإفساد وَالصَّحِيح هُوَ وَجه ثَالِث وَهُوَ أَنه إِن قدر الْمَالِك على مبادرة الذّبْح فَلم يفعل حَتَّى مَاتَ بالجرحين فَفعله إِفْسَاد فَهُوَ كالسيد وَإِن لم يقدر فَفعله مخل فعلى الثَّانِي تَمام قيمَة الصَّيْد المزمن
فَلَو كَانَ غير مزمن يسوى عشرَة ومزمنا تِسْعَة قَالَ الْأَصْحَاب يجب تِسْعَة واستدرك

(7/124)


صَاحب التَّقْرِيب وَقَالَ لَو كَانَ مذبوحا يسوى ثَمَانِيَة فَيلْزمهُ الثَّمَانِية وَلَكِن الدِّرْهَم الَّذِي نقص بِالذبْحِ يَنْبَغِي أَن يعْتَبر فِيهِ شركَة الْمَالِك فَإِن فعل الْمَالِك إِن لم يعْتَبر فِي الْإِفْسَاد فَإِنَّهُ شريك فِي الذّبْح وَهُوَ استدارك حسن
الْحَالة الثَّانِيَة أَن يصيبا مَعًا فالصيد بَينهمَا إِن تَسَاويا فِي التذفيف والإزمان أَو عَدمه وَإِن كَانَ أَحدهمَا لَو انْفَرد لأزمن وَالثَّانِي لم يزمن قَالَ الصيدلاني فالصيد لمن يزمن وَلَا ضَمَان على الثَّانِي لِأَنَّهُ لم تتأخر الْجراحَة عَن الْملك
وَلَو كَانَ أَحدهمَا مذففا وَالْآخر مزمنا فَهُوَ كَمَا لَو كَانَ مذففين أَو مزمنين فَهُوَ لَهما إِذْ لكل وَاحِد عِلّة مُسْتَقلَّة بالتملك
وَإِن احْتمل أَن يكون الإزمان بهما أَو بِأَحَدِهِمَا فَإِن كَانَ بِأَحَدِهِمَا وَلَا يدْرِي بِأَيِّهِمَا فالصيد بَينهمَا وَلَكِن لَا بُد أَن يسْتَحل أَحدهمَا الآخر تباعدا عَن الشُّبْهَة
وَلَو علمنَا أَن أَحدهمَا مذفف وشككنا فِي الآخر قَالَ الْقفال هُوَ بَينهمَا وَزَاد فَقَالَ فِي مثل هَذِه الصُّورَة يجب الْقصاص على الجارحين وَهَذَا فِي الْقصاص بعيد مَعَ الشُّبْهَة وَالْحق هَاهُنَا أَن النّصْف للمذفف يَقِينا وَالنّصف الآخر مَوْقُوف بَينهمَا فَإِن أيسنا عَن التَّبْيِين فَالْوَجْه قسْمَة النّصْف الآخر حَتَّى يفوز المذفف بِثَلَاثَة أَربَاع الصَّيْد

(7/125)


الْحَالة الثَّالِثَة علمنَا تعاقب الجرحين وَأَحَدهمَا مزمن وَالْآخر مذفف وَلَا نَدْرِي سبق الإزمان فَحرم بالتذفيف بعده أَو هُوَ أَو بِالْعَكْسِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا الْقطع بِالتَّحْرِيمِ تَغْلِيبًا للحظر

(7/126)


وَالثَّانِي طرد الْقَوْلَيْنِ كَمَا فِي مَسْأَلَة الإنماء
وَالأَصَح الأول أما فِي مَسْأَلَة الإنماء فَلم نشاهد إِلَى السَّبَب الْمُحَلّل وَالْآخر موهوم وَأما هَاهُنَا فَلَيْسَ كَذَلِك
الْحَالة الرَّابِعَة ترَتّب الجرحان وَحصل الإزمان بهما قَالَ الصيدلاني الصَّيْد بَينهمَا وَهُوَ الْقيَاس وَقَالَ غَيره هُوَ للثَّانِي إِذْ حصل الإزمان عَقِيبه وَالْأول ساع لقاعد فعلى هَذَا لَو عَاد الأول وجرح ثَانِيًا فجرحه الأول مهدر وجرحه الثَّانِي مضمن وَقد فسد الصَّيْد بالجراحات الثَّلَاث كلهَا فَفِي قدر الْوَاجِب طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه يجب قيمَة الصَّيْد وَبِه الْجراحَة الأولى فَإِنَّهُ هدر والجراحة الثَّانِيَة فَإِنَّهَا من الْمَالِك وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ كَمَا لَو جرح عبدا مُرْتَدا فَأسلم فجرحه سَيّده ثمَّ عَاد الأول وجرح ثَانِيًا فَفِيمَا يلْزمه وَجْهَان أَحدهمَا ثلث الدِّيَة توزيعا على حَالَة الإهدار والعصمة ثمَّ قسْمَة حِصَّة الْعِصْمَة على الجراحتين وَقد ذكرنَا ذَلِك فِي الْقصاص فَكَذَلِك هَاهُنَا وَالله تَعَالَى أعلم

(7/127)