الوسيط في المذهب

= كتاب الضَّحَايَا=

(7/129)


الضَّحَايَا من الشعائر وَالسّنَن الْمُؤَكّدَة فالضحية بِذبح شَيْء من النعم يَوْم النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عظموا ضَحَايَاكُمْ فَإِنَّهَا على الصِّرَاط مَطَايَاكُمْ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تجب على كل مُقيم ملك نِصَابا
وَعِنْدنَا لَا تلْزم إِلَّا بِالنذرِ أَو بِأَن يَقُول جعلت هَذِه الشَّاة أضْحِية وَلَو اشْتَرَاهَا بنية الضحية لم تلْزمهُ بِمُجَرَّد النِّيَّة
ثمَّ من عزم على التَّضْحِيَة يسْتَحبّ لَهُ أَن لَا يحلق وَلَا يقلم فِي عشر ذِي الْحجَّة لَا

(7/131)


للتشبيه بِالْحَجِّ فَإِنَّهُ لَا يمْتَنع من الطّيب لَكِن على أكمل أَجْزَائِهِ إِذْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام أكبر ضحيتك يعْتق الله بِكُل جُزْء مِنْهَا جُزْءا مِنْك من النَّار وَالنَّظَر فِي أَرْكَان التَّضْحِيَة وأحكامها والأركان أَرْبَعَة الذَّبِيح والذابح وَالذّبْح وَالْوَقْت
الرُّكْن الأول الذَّبِيح النّظر فِي جنسه وَصفته وَقدره
أما الْجِنْس فَلَا يجزىء إِلَّا النعم وَهُوَ الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم وَأما السن فَهُوَ الْجَذعَة من الضَّأْن وَهِي الَّتِي استكملت سنة وطعنت فِي الثَّانِيَة والثنية من الْمعز وَالْبَقر وَهِي الَّتِي طعنت فِي الثَّالِثَة والثني من الْإِبِل وَهِي الَّتِي فِي السَّادِسَة وَهَذِه الْأَسْنَان فِيهَا بُلُوغ هَذِه الْحَيَوَانَات فَإِنَّهَا لَا تحمل

(7/132)


وَلَا تنزو قبلهَا وَقد ورد الْخَبَر بهَا وَيَسْتَوِي الذّكر وَالْأُنْثَى بالِاتِّفَاقِ
وَأما الصِّفَات فَلَا يجزىء النَّاقِص وَالنُّقْصَان يَنْقَسِم إِلَى نُقْصَان صفة وَإِلَى نُقْصَان جُزْء أما نُقْصَان الصّفة فقد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام أَربع لَا تجزىء العوراء الْبَين عورها والعرجاء الْبَين عرجها والمريضة الْبَين مَرضهَا والعجفاء الَّتِي لَا تنقي أَي لَا نقي لَهَا وَهُوَ المخ وَنهي عَن الثولاء وَهِي الْمَجْنُونَة الَّتِي تستدير فِي المرعى وَلَا ترعى فَلَا بُد من بَيَان هَذِه الصِّفَات
أما الْمَرَض إِذا لم يفض بعد إِلَى الهزال لكنه فِي الإبتداء فَالظَّاهِر الْمَنْع للْحَدِيث وَفِيه

(7/133)


وَجه أَنه إِنَّمَا يُؤثر إِذا ظهر بهَا الهزال والجرباء إِن كثر جربها وَفَسَد اللَّحْم فَيمْنَع ومبادئه لَا يُؤثر
وَأما العرج فأدنى درجاته مَا يمْنَع من كَثْرَة التَّرَدُّد فِي المرعى وَمَا دون ذَلِك لَا يمْنَع وَلَو انْكَسَرَ رجلهَا وَقد أضجعت للتضحية باضطرابها فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا تجزىء للْحَدِيث وَالثَّانِي تجزىء لِأَن مَا يكون من مُقَدمَات الذّبْح لَا يعْتَبر
وَأما العور فَلَا يقْدَح مَا دَامَت ترى بالعينين وَإِن كَانَ عَلَيْهَا سَواد فَإِن زَالَت الرُّؤْيَة بالفقء فَلَا تجزىء وَإِن كَانَ مَعَ بَقَاء الحدقة فَالظَّاهِر الْمَنْع للْحَدِيث وَقَالَ أَبُو الطييب بن سَلمَة فَإِنَّهُ لَا يُؤثر فِي الهزال وَلَا فِي ظَاهر الصُّورَة وَيلْزمهُ العمياء أَيْضا إِلَّا أَن الْعَمى يُؤثر فِي الهزال عى قرب بِخِلَاف العوراء
وَأما الْعَجْفَاء فَهِيَ الَّتِي يأباها المترفهون فِي حَالَة رخاء الأسعار ولركاكة لَحمهَا وَقيل لَا يُؤثر ذَلِك

(7/134)


وَأما الثولاء فَإِنَّهَا لَا تجزىء لِأَنَّهُ يُؤثر فِي الهزال على قرب وللتعبد أَيْضا وَأما الْأُنْثَى والفحل وَإِن كثرت وِلَادَتهَا ونزوانها فتجزىء إِلَّا أَن يتفاحش الهزال بِهِ وَلَا يمْنَع مِنْهُ كَون لَحْمه مستكرها
وَأما الخرقاء والشرقاء والمقابلة والمدابرة فقد نهى عَنْهَا عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ أمرنَا باستشراف الْعين وَالْأُذن أَي يَتَأَمَّلهَا وَطلب سلامتها
والخرقاء هِيَ المخروقة الْأذن والشرقاء هِيَ المشقوقة الْأذن والمقابلة هِيَ الَّتِي قطعت فلقَة من أذنها فتدلت من قبالة أذنها والمدابرة مَا تدلت من دبر أذنها وَفِي جملَة ذَلِك طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَن فِيهِ وَجْهَيْن أَحدهمَا الْجَوَاز للْقِيَاس وَالثَّانِي الْمَنْع لنهي عَليّ رَضِي الله عَنهُ

(7/135)


وَمِنْهُم من قَالَ جَمِيع ذَلِك يجزىء إِلَّا إِذا قطع مُعظم الْأذن أَو الْقدر الَّذِي يظْهر على بعد فَذَلِك نُقْصَان فِي عُضْو يقْصد أكله وَقد نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن المصلومة والمستأصلة
وَإِن قطع قدر يسير من الْأذن فَوَجْهَانِ وَقدر أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ بِثلث الْأذن وَقدر أَبُو يُوسُف رَحمَه الله بِالنِّصْفِ وَللشَّافِعِيّ رضوَان الله عَلَيْهِ اخْتِلَاف نَص فِي الَّتِي لَا أذن لَهَا فَقيل إِن كَانَ صَغِيرا فِي الْخلقَة جَازَ وَإِن كَانَت سكاء فَلَا
فَأَما نُقْصَان الْأَجْزَاء فلهَا صور

(7/136)


الأولى مَا يقتطعه الذِّئْب من فَخذ الشَّاة فَيمْنَع الْإِجْزَاء لِأَنَّهُ عُضْو أُصَلِّي وَلَو اقتلع أليته فَوَجْهَانِ وَلَو لم تكن لَهَا ألية فِي الْخلقَة فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْجَوَازِ وَوجه الْجَوَاز أَن الْمعز لَا ألية لَهُ ويجزىء وَلَكِن قد يُجَاب بِأَن كَثْرَة شحمه بدل عَنهُ
الثَّانِيَة الصَّغِيرَة الضَّرع تجزىء وَفِي المقطوعة طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه كالألية وَالْآخر أَنه تجزىء لِأَنَّهُ لَيْسَ من الأطايب الْمَقْصُودَة فَهُوَ كالخصاء فَإِنَّهُ لَا يمْنَع الْإِجْزَاء قطعا
الثَّالِثَة نُقْصَان الْقرن وانكساره لَا يُؤثر وَكَذَا تناثر الْأَسْنَان إِذْ لَا يُؤثر فِي اللَّحْم وَلم يرد فَهِيَ حَدِيث بِخِلَاف الْأذن وَقيل إِن تناثر جَمِيع الْأَسْنَان لَا يجزىء وَإِن تناثر بعضه أَجْزَأَ وَهُوَ بعيد
وَأما الْقدر فالشاة لَا تجزىء إِلَّا عَن وَاحِد وَلَو اشْترك اثْنَان فِي شَاة لم يجز نعم قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما ضحى هَذَا عَن مُحَمَّد وَأمة مُحَمَّد وَهَذَا اشْتِرَاك فِي الثَّوَاب وَهُوَ

(7/137)


جَائِز وَلَو اشْتَركَا فِي شَاتين مشاعين مِنْهُمَا فَوَجْهَانِ والبدنة تجزىء عَن سَبْعَة وَكَذَا الْبَقَرَة وَلَو وَجب عَلَيْهِ سبع شِيَاه بأساب مُخْتَلفَة أَجزَأَهُ بَدَنَة أَو بقرة إِلَّا أَن يكون من جَزَاء الصَّيْد إِذْ يُرَاعى فِيهِ مشابهة الصُّورَة فَلَا يتجزىء الْبَدنَة عَن سبع ظباء
وَلَا يشْتَرط فِي الإشتراك فِي الْبَدنَة وَالْبَقَرَة أَن يَكُونُوا من أهل بَيت وَاحِد خلافًا لمَالِك رَحمَه الله وَلَا أَن يَكُونُوا بأجمعهم متقربين خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لَكِن من

(7/138)


يطْلب اللَّحْم يقاسم إِذا قُلْنَا الْقِسْمَة إِفْرَاز وَإِن قُلْنَا إِنَّهَا بيع فَوَجْهَانِ وَوجه الْجَوَاز الْحَاجة هَذَا بَيَان الْوَاجِب أما الإستحباب فالضأن أحب من الْمعز وَسبع من الْغنم أحب من بقرة وبدنة والبدنة أحب من الْبَقَرَة والأبيض أحب من الْأسود وَفِي الْخَبَر لدم عفراء أحب عِنْد الله من دم سوداوين وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْأُنْثَى أحب من الذّكر فَقيل أَرَادَ بِهِ فِي جَزَاء الصَّيْد إِذْ يطْلب مِنْهُ الْقيمَة وَقِيمَة الْأُنْثَى أَكثر وَإِلَّا فلحم الذّكر أطيب فَهُوَ أولى وَقيل أَرَادَ الْأُنْثَى الَّتِي لم تَلد فلحمها أطيب من الذّكر وعَلى الْجُمْلَة يسْتَحبّ اسْتِحْسَان الضحية واستسمانها تَعْظِيمًا للشعائر فَإِنَّهَا من تقوى الْقُلُوب و {لن ينَال الله لحومها وَلَا دماؤها وَلَكِن يَنَالهُ التَّقْوَى مِنْكُم}
الرُّكْن الثَّانِي الْوَقْت وَلَا تجزىء الضحية إِلَّا فِي يَوْم النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق وَدِمَاء الجبرانات فِي الْحَج لَا تخْتَص بِوَقْت وَفِي منذورات دِمَاء الْحَج خلاف
ثمَّ النّظر فِي أول الْوَقْت وَآخره وأوله إِذا مضى من يَوْم النَّحْر بعد طُلُوع الشَّمْس مِقْدَار مَا تَزُول كَرَاهِيَة الصَّلَاة وتسع رَكْعَتَيْنِ وخطبتين ثمَّ فِي وَجه تعْتَبر رَكْعَتَانِ يقْرَأ فيهمَا ق و

(7/139)


اقْتَرَبت وخطبتين طويلتين كَذَلِك فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي وَجه تَكْفِي رَكْعَتَانِ خفيفتان وخطبتان خفيفتان لَكِن لَا يَنْتَهِي إِلَى القناعة بِأَقَلّ مَا يجزىء وَقَالَ المراوزة يعْتَبر فِي الْخطْبَة الخفة وَإِنَّمَا الْخلاف فِي خفَّة الرَّكْعَتَيْنِ لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام قصر الْخطْبَة وَطول الصَّلَاة مئنة عَن فقه الرجل وَقيل الْخطْبَة لَا تعْتَبر أصلا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْن
وآما آخِره فغروب الشَّمْس من آخر أَيَّام التَّشْرِيق وَتَصِح التَّضْحِيَة فِي هَذِه الْأَيَّام لَيْلًا وَنَهَارًا وَقَالَ مَالك رَحمَه الله لَا تجزىء بِاللَّيْلِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا تجزىء فِي الثَّالِث من أَيَّام التَّشْرِيق

(7/140)


ثمَّ من فَاتَهُ فلامعنى لقضائه فَإِنَّهُ لَا بُد من الصَّبْر إِلَى الْعِيد الثَّانِي وَعند ذَلِك يَقع عَن حق الْوَقْت
الرُّكْن الثَّالِث الذَّابِح وكل من حل ذَبِيحَته صَحَّ مُبَاشَرَته للتضحية لَكِن لَا يتَصَوَّر الضحية من العَبْد والمستولدة وَالْمُدبر إِذْ لَا ملك لَهُم على الصَّحِيح وَلَا تصح من الْمكَاتب بِغَيْر إِذن سَيّده وبإذنه وَجْهَان وَلَو وكل كتابيا بِذبح الضحية دون النِّيَّة جَازَ وَعَلِيهِ أَن يَنْوِي كَمَا لَو وَكله بأَدَاء الزَّكَاة جَازَ إِذا نوى هُوَ وَيسْتَحب أَن يتَوَلَّى الذّبْح بِنَفسِهِ فَإِن عجز فَيشْهد ضحيته وَيَنْوِي عِنْد الذّبْح وَلَو وكل مُسلما بِالذبْحِ وَالنِّيَّة جَازَ
الرُّكْن الرَّابِع فِي كَيْفيَّة الذّبْح وَالنَّظَر فِي الْوَاجِبَات وَالسّنَن وَمَا يخص الضَّحَايَا
أما الْوَاجِبَات فَهُوَ التذفيف بِقطع تَمام الْحُلْقُوم والمريء بِآلَة لَيْسَ بِعظم من حَيَوَان فِيهِ حَيَاة مُسْتَقِرَّة

(7/141)


أما الْقطع فاحترزنا بِهِ عَن اختطاف رَأس العصفور ببندقة فَإِنَّهُ لَا يُبِيح وَأما الْحُلْقُوم والمريء فظاهران وبقطعهما يَنْقَطِع الودجان وَلَكِن لَو تكلّف وَلم يقطعهما جَازَ وَقَالَ مَالك رَحمَه الله لَا يجوز وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله هَذِه أَرْبَعَة فَيَكْفِي قطع ثَلَاثَة مِنْهَا وَلَا يَكْفِي قطع اثْنَيْنِ
وَأما التَّمام فاحترزنا بِهِ عَمَّا لَو بَقِي من الْحلق جلدَة يسيرَة فَانْتهى الْحَيَوَان إِلَى حَرَكَة الْمَذْبُوح ثمَّ قطع بعده فَهُوَ حرَام وَلَو قطع من الْقَفَا وأسرع حَتَّى لم ينْتَه إِلَى حَرَكَة الْمَذْبُوح

(7/142)


قبل قطع المذبح فَهُوَ جَائِز
وَأما التذفيف أردنَا بِهِ أَنه لَو ابْتَدَأَ الذّبْح وابتدأ غَيره نزع الحشوة مِنْهُ فَهُوَ ميتَة وَكَذَلِكَ كل جرح يقارن الذّبْح ويؤثر فِي التذفيف
أما الْعظم فَهُوَ مَنْهِيّ عَنهُ حَتَّى يحرم الصَّيْد الْمَجْرُوح بِسَهْم نصله من الْعظم
وَأما الْحَيَاة المستقرة فَلَا بُد مِنْهَا وَلَو أخرجنَا شَاة من مَاء أَو تَحت هدم وَبهَا حَرَكَة الْمَذْبُوح فَلَا نُبيح ذَبحهَا فَلَو شككنا فِي أَن حَيَاتهَا كَانَت مُسْتَقِرَّة أم لَا فَالْوَجْه تَغْلِيب التَّحْرِيم فَإِن غلبت على الظَّن بعلامات اسْتِقْرَار حَيَاته حل وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله من علامته أَن يَتَحَرَّك بعد الذّبْح وَقيل أَن ينفرج الدَّم وَلَيْسَت هَذِه عَلَامَات قَاطِعَة فقد تخرج حشْوَة

(7/143)


الْمَذْبُوح وَهُوَ يَتَحَرَّك بعد لَكِن جملَة من هَذِه العلامات مَعَ قَرَائِن أَحْوَال لَا يُمكن وصفهَا قد تحصل ظنا غَالِبا فَيُؤْخَذ بِهِ مَعَ أَن الأَصْل بَقَاء الْحَيَاة
أما السّنَن فَيُسْتَحَب تَحْدِيد الشَّفْرَة والتحامل عَلَيْهَا بِالْقُوَّةِ وإسراع الْقطع وتوجيه الذَّبِيح نَحْو الْقبْلَة كَمَا جرت الْعَادة وَالتَّسْمِيَة وَلَا بَأْس أَن يَقُول بِسم الله وَمُحَمّد رَسُول الله بِالرَّفْع وَلَا يجوز أَن يَقُول بِسم مُحَمَّد وَلَا أَن يَقُول بِسم الله وَمُحَمّد رَسُول الله فَإِنَّهُ تشريك وَيسْتَحب ذبح الْبَعِير فِي اللبة فَإِن ذبحه يطول عَلَيْهِ الْعَذَاب لطول عُنُقه ثمَّ النَّحْر فِي اللبة بِقطع الْحلق والمريء أَيْضا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله ترك التَّسْمِيَة عَامِدًا محرم

(7/144)


أما مَا يخص بالضحية فَأن يَقُول اللَّهُمَّ مِنْك وَإِلَيْك فَتقبل مني وَلَا بُد من نِيَّة الضحية عِنْد الذّبْح إِلَّا أَن يكون قد عين الشَّاة للضحية من قبل فَالْمَذْهَب أَن تِلْكَ النِّيَّة تكفيه
وصريح لفظ التَّعْيِين أَن يَقُول جعلت هَذِه ضحية أما لَو قَالَ لله عَليّ ضحية ثمَّ قَالَ عينت هَذِه الشَّاة لنذري فَفِي التَّعْيِين وَجْهَان وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أضحي بِهَذِهِ الشَّاة فَفِي التَّعْيِين وَجْهَان مرتبان وَأولى بِالتَّعْيِينِ وَكَذَا الْخلاف فِي نَظِيره من الْعتْق وَالْعَبْد بِالتَّعْيِينِ أولى لِأَنَّهُ ذُو حق فِيهِ وَوجه قَوْلنَا لَا يتَعَيَّن أَن الْحق قد ثَبت فِي الذِّمَّة فَلَا يتَحَوَّل عَنْهَا إِلَى الْعين إِلَّا بِالْأَدَاءِ وَلَو قَالَ جعلت هَذِه الدَّرَاهِم صَدَقَة فَفِي التَّعْيِين وَجْهَان وَلَو كَانَ عَلَيْهِ نذر فَقَالَ جعلت هَذِه عَن نذري لَغَا تَعْيِينه لضعف اللَّفْظ وَالْغَرَض فِي التَّعْيِين وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أَتصدق على هَذَا الشَّخْص فَهَذَا أولى بِالتَّعْيِينِ من تعْيين الدَّرَاهِم بل هُوَ قريب من الْعتْق
ثمَّ إِذا تعين الشَّاة اخْتصَّ بِوَقْت الضحية وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أضحي بِشَاة فَفِي تعْيين الْوَقْت وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه يشبه دِمَاء الجبرانات لكَونه فِي الذِّمَّة وَالصَّحِيح أَن ذكر وصف الضحية يُوجب تعْيين الْوَقْت فَإِن قُلْنَا لَا يتَعَيَّن الْوَقْت فَلَو قَالَ جعلت هَذِه الشَّاة عَن جِهَة نذري فَفِي التَّأْقِيت وَجْهَان وَالْقِيَاس أَن لَا يلْزم لِأَنَّهُ عين عَن جِهَة مَا الْتزم

(7/145)


الْقسم الثَّانِي من الْكتاب النّظر فِي أَحْكَام الضَّحَايَا
وَهِي ثَلَاثَة
الأول التّلف فَإِذا قَالَ جعلت هَذِه الشَّاة ضحية فَمَاتَتْ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ إِلَّا أَن يكون قد عينهَا عَن نذر سَابق وَقُلْنَا إِنَّهَا تتَعَيَّن فَفِي وَجه أَنه كَانَ تَعْيِينه بِشَرْط الْوَفَاء فَإِن مَاتَت فَعَلَيهِ الْإِبْدَال
وَأما إِذا أتلفهَا أَجْنَبِي فَعَلَيهِ قيمتهَا يَشْتَرِي بهَا ضحية فَإِن لم يَفِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ التَّكْمِيل
أما الْمَالِك إِذا أتلف فَفِي وجوب التَّكْمِيل وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه كالملتزم للضحية والشقص لَا يجزىء فَلَا بُد من الْإِتْمَام وَإِن زَادَت الْقيمَة فيشتري بهَا كَرِيمَة وَإِن تعذر فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يَشْتَرِي بِهِ شقص للضَّرُورَة وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ مَا غرمه الْأَجْنَبِيّ أقل من ضحية وَالثَّانِي أَنه يصرف مصرف الضَّحَايَا حَتَّى لَو اشْترى مِنْهُ خَاتمًا يقتنيه وَلَا يَبِيعهُ جَازَ

(7/146)


هَذَا فِي الإهلاك أما إِذا ذبحه أَجْنَبِي فِي وَقت الضحية فَحَيْثُ لَا تشْتَرط النِّيَّة اكْتِفَاء بِالتَّعْيِينِ السَّابِق فقد وَقع الْموقع وَإِن قُلْنَا لَا بُد من النِّيَّة فقد فَاتَت الْقرْبَة وَفِي لَحْمه وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يعود إِلَى مَالِكهَا وتنقل عَنهُ الضحية وعَلى الذَّابِح أرش نُقْصَان الذّبْح وَالثَّانِي أَنه يصرف مصرف الضحية وَإِن لم تكن ضحية وَإِنَّمَا تفوت الْقرْبَة دون الإستحقاق وَلَا يجب على الْأَجْنَبِيّ إِلَّا نُقْصَان الذّبْح وَحَيْثُ قُلْنَا يَقع الْموقع فَفِي لُزُوم أرش الذّبْح قَولَانِ أَحدهمَا نعم لعدوانه وَالثَّانِي لَا لتأدي الْوَاجِب بِهِ
هَذَا إِذا لم يفرق الْأَجْنَبِيّ اللَّحْم فَإِن فرق فاللحم مسترد مِمَّن أَخذه لِأَن التَّعْيِين إِلَى المضحي فَإِن تعذر فعلى الذَّابِح قيمَة اللَّحْم وَأرش الذّبْح جَمِيعًا وَإِنَّمَا سقط أرش الذّبْح على قَول إِذا تأدت الْقرْبَة بِهِ والآن فقد فَاتَ بتفريقه
ثمَّ فِي كَيْفيَّة تغريم كل من ذبح شَاة غَيره وَأكل لَحْمه وأتلف قَولَانِ

(7/147)


أَحدهمَا أَنه تجب قيمتهَا حَيَّة وَالثَّانِي أَنه يجب أرش نُقْصَان الذّبْح وَقِيمَة اللَّحْم لِأَنَّهُ ذبح ملكه وَأكل ملكه وَهَذَا قد يَقْتَضِي زِيَادَة قيمَة
الحكم الثَّانِي التعيب وَمهما لم يلْزمه شَيْء بالتلف فَلَا يلْزمه بالتعيب وَلَكِن لَو كَانَ الْعَيْب بِحَيْثُ يمْنَع الْإِجْزَاء فِي الضحية فَهَل يَنْفَكّ عَن الضحية وَالشَّاة مُعينَة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا نعم كالتلف وَالثَّانِي لَا بل تجْرِي مجْرى الضَّحَايَا
وَلَو قَالَ ابْتِدَاء لشاة مَعِيبَة جعلت هَذِه أضْحِية وَجب صرفهَا إِلَى مصرف الضَّحَايَا على الصَّحِيح إِذْ لَا محمل لكَلَامه إِلَّا هَذَا وَلَو قَالَ لظبية جعلت هَذِه أضْحِية لَغَا قَوْله وَلَو قَالَ لفصيل فَوَجْهَانِ وَكَأن السن دائر بَين الْعَيْب وَالْجِنْس
وَلَو قَالَ لله عَليّ أضْحِية ثمَّ عين مَعِيبَة للنذر لَا تَبرأ بهَا ذمَّته وَهل يلْزمه تَفْرِقَة لَحمهَا فِيهِ وَجْهَان وَلَو زَالَ الْعَيْب فَفِي بَرَاءَة الذِّمَّة بهَا وَجْهَان وَأما إِذا كَانَ تعيب الْمعينَة بِفِعْلِهِ فَعَلَيهِ التَّضْحِيَة بِشَاة صَحِيحَة بَدَلا عَنْهَا وَفِي انفكاك الْمعينَة الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَان

فروع

الأول طرآن الْعَيْب والإنكسار حَالَة قطع الْحُلْقُوم لَا يُؤثر وَقَبله وَبعد الإضجاع للشاة وَجْهَان ذكرناهما فِي انكسار الرجل وَإِنَّمَا يَلِيق التَّرَدُّد بِمَا يكون من اضْطِرَاب الذّبْح أما إِذا

(7/148)


كَانَ بِسَبَب آخر فَيظْهر تَأْثِيره وَقد قَالَ الْقفال مَا يطْرَأ على الْهَدْي المسوق إِلَى الْحرم بعد بُلُوغ الْحرم لَا يُؤثر لِأَنَّهُ قد بلغ مَحَله وَخَالفهُ الْأَصْحَاب لِأَن من اشْترى فِي الْحرم الْهَدْي فتعيب قبل الذّبْح أثر ذَلِك فِيهِ فَأَي أثر للسوق
الثَّانِي لَو قَالَ لله عَليّ أَن أضحي بعرجاء فَفِيمَا يلْزمه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه تلْزمهُ صَحِيحَة وَالثَّانِي أَنه لَا شَيْء عَلَيْهِ كنذر الظبية وَالثَّالِث أَنه لَا يلْزمه إِلَّا العرجاء
الثَّالِث ضلال الشَّاة كتلفها وَإِنَّمَا نُرِيد أَنَّهَا لَو وجدت بعد أَن أَوجَبْنَا عَلَيْهِ الْبَدَل وَقد ضحاه فَفِي انفكاك الضَّالة قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يَنْفَكّ إِذْ لَا وَجه للتضعيف وَقد ضحى الْبَدَل وَالثَّانِي أَنه يُضحي أَيْضا لِأَنَّهُ الأَصْل
وَإِن لم يكن قد ضحى الْبَدَل اقْتصر على الأَصْل إِلَّا أَن يكون قد عين الْبَدَل بِلَفْظِهِ فَأَي الشاتين تذبح فِيهِ أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا الْبَدَل وَالثَّانِي الأَصْل وَالثَّالِث كِلَاهُمَا وَالرَّابِع يتَخَيَّر أَيهمَا شَاءَ
الحكم الثَّالِث الْأكل وَهُوَ جَائِز من المتطوع بِهِ وَهل يجوز أكل الْجَمِيع أم لَا تتأدى

(7/149)


السّنة إِلَّا بتصدق شَيْء مِنْهُ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يجوز لِأَن الْمَقْصُود إِرَاقَة الدَّم والضيافة وَقد يَسْتَوِي فِي ضِيَافَة الله تَعَالَى الْمَالِك وَغَيره وَالثَّانِي أَنه يتَصَدَّق بِمَا ينْطَلق عَلَيْهِ الإسم لقَوْله تَعَالَى {فَكُلُوا مِنْهَا وأطعموا البائس الْفَقِير}
وَلَا يَكْفِي فِي هَذَا الْقدر الْإِطْعَام بل لَا بُد من التَّمْلِيك للْفَقِير وَلَا يَكْفِي تمْلِيك الْغَنِيّ للْفَقِير أَن يملك من شَاءَ من غَنِي وفقير وَيجوز إطْعَام الْأَغْنِيَاء من الضحية وعَلى كل قَول فالتصدق بِالْكُلِّ أحسن وَكَانَ من شعار الصَّالِحين تنَاول لقْمَة من كبد الضحية أَو غَيرهَا وَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي خطبَته بِالْبَصْرَةِ أما إِن أميركم رَضِي من دنياكم بطمريه لَا يَأْكُل اللَّحْم فِي السّنة إِلَّا الفلذة من كبد أضحيته
ثمَّ كَمَال الشعار يتَأَدَّى بالتصدق بِالنِّصْفِ لقَوْله تَعَالَى {فَكُلُوا مِنْهَا وأطعموا} إِلَى وَقيل تتأدى بِالثُّلثِ لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام كلوا مِنْهَا وَادخرُوا وَاتَّجرُوا أَي اطْلُبُوا الْأجر بالتصدق

(7/150)


وَمَا يجوز أكله فَلَا يجوز إِتْلَافه وَلَا أَن يملك الْأَغْنِيَاء ليتصرفوا فِيهَا بِالْبيعِ لِأَن الضِّيَافَة مَقْصُودَة

فرع
لَو أكل الْكل على قَوْلنَا يمْتَنع ذَلِك فَفِيمَا يلْزمه من الْغرم وَجْهَان أَحدهمَا قدر مَا ينْطَلق عَلَيْهِ الإسم وَهُوَ الصَّحِيح وَالثَّانِي النّصْف أَو الثُّلُث هَذَا كُله فِي المتطوع بِهِ أما الْمَنْذُورَة فَفِي جَوَاز الْأكل مِنْهَا وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهَا كالمتطوعة وَالثَّانِي أَنه لَا يجوز الْأكل مِنْهَا كدماء الجبرانات
فَإِن قيل مَا حكم جلد الضحية قُلْنَا الصَّحِيح أَنه لَا يُبَاع لَكِن ينْتَفع بِهِ فِي الْبَيْت أَو يتَصَدَّق بِهِ وَحكى صَاحب التَّقْرِيب قولا بَعيدا أَنه يُبَاع وَيصرف ثمنه مصرف الضَّحَايَا وَهُوَ ضَعِيف نعم قَالَ لَو تصدق بِالْجلدِ بَدَلا عَن اللَّحْم إِذا قُلْنَا إِن عَلَيْهِ التَّصَدُّق لم يجزه ذَلِك وَهُوَ أحسن

فرع
ولد الضحية الْمعينَة لَهَا حكم الْأُم وَالصَّحِيح أَن التَّصَدُّق بِجُزْء من الْأُم يُسَلط على أكل جَمِيع الْوَلَد كَمَا يُسَلط على أكل جَمِيع اللَّبن فَإِنَّهُ فِي حكم جُزْء وَفِيه وَجه أَنه لَا بُد من التَّصَدُّق بِشَيْء من الْوَلَد لِأَنَّهُ حَيَوَان مُسْتَقل

فرع
آخر لَو اشْترى شَاة ثمَّ قَالَ جَعلتهَا ضحية ثمَّ وجد عَيْبا امْتنع ردهَا وَله

(7/151)


طلب الْأَرْش كَمَا بعد الْعتْق وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يسْلك بِالْأَرْشِ مَسْلَك الضَّحَايَا وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ لم يعين إِلَّا المعيبة وظنه السَّلامَة لَا يَنْبَغِي أَن يلْزمه أرش السَّلامَة
واختتام الْكتاب بِبَاب الْعَقِيقَة وَهِي سنة عندنَا وَاجِبَة عِنْد دَاوُد بِدعَة عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله
وَحكمهَا حكم الضحية فِي الْأكل وَالتَّصَدُّق والسلامة من الْعُيُوب لَكِنَّهَا عبارَة عَن شَاة تذبح فِي سَابِع ولادَة المولودة لَا تتأقت بِيَوْم النَّحْر بل يدْخل وَقتهَا بِالْولادَةِ كَمَا يدْخل وَقت دِمَاء الجبرانات بأسبابها
وَفِي الْخَبَر يعق عَن الْغُلَام بشاتين وَعَن الْجَارِيَة بِشَاة ثمَّ تَكْفِي الشَّاة عَن الْغُلَام وفَاقا نعم تخْتَص الْعَقِيقَة بِأَنَّهُ لَا يكسر مِنْهَا عِظَام الشَّاة فقد ورد فِيهَا خبر وَلَعَلَّه تفاؤل بسلامة

(7/152)


أَعْضَاء المولد فتنضج وتفصل المفاصل وتفريق اللَّحْم أولى من دُعَاء النَّاس إِلَيْهِ وَقَالَ الصيدلاني يجوز التَّصَدُّق بالمرقة وَهَذَا إِن أَرَادَ بِهِ أَن يَكْفِي عَن التَّصَدُّق بِمِقْدَار من اللَّحْم إِذا قُلْنَا لَا بُد مِنْهُ فَفِيهِ نظر
قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَعَادَة الْعَرَب تلطيخ رَأس الصَّبِي بِدَم الْعَقِيقَة وَهُوَ مَكْرُوه نعم يسْتَحبّ أَن يُسمى الصَّبِي فِي السَّابِع ويحلق شعره وَيتَصَدَّق بزنته ذَهَبا أَو فضَّة

(7/153)