الوسيط في المذهب

= كتاب السَّبق وَالرَّمْي =
وَفِيه بَابَانِ الْبَاب الأول فِي السَّبق
وَيجوز أَن يشْتَرط المتسابقون فِي الْخَيل مَالا للسابق يسْتَحق بِالسَّبقِ والرخصة فِيهِ تحريض على تعلم أَسبَاب الْقِتَال قَالَ الله تَعَالَى {وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة وَمن رِبَاط الْخَيل} وَلَا غناء فِي الْقوس والسهم إِذا لم يسْبقهُ تعلم الرَّمْي وَلَا فِي الأفراس الْجِيَاد إِذا لم يمارسها فَارس حاذق وأبطل أَبُو حنيفَة رَحمَه الله هَذَا العقد ويتهذب الْبَاب بفصول ثَلَاثَة

(7/173)


الْفَصْل الأول فِيمَا يجوز العقد عَلَيْهِ

وَقد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لَا سبق إِلَّا فِي خف أَو حافر أَو نصل وَأَرَادَ بالخف الْإِبِل وَهُوَ أَيْضا عدَّة لِلْقِتَالِ وَإِن لم يبلغ مبلغ الْفرس حَتَّى لَا يسْتَحق بِهِ سهم الْفَارِس وَالْمعْنَى مَعْقُول من ذكر هَذِه الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة فَيلْحق بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ لَكِن من الْأَصْحَاب من يتبع الِاسْم وَمِنْه من يتبع ظُهُور الْمَعْنى وَمِنْهُم من يتبع أصل الْمَعْنى وَإِن ضعف
أما الْخُف فَألْحق بِهِ الْفِيل لِأَنَّهُ أظهر غناء من الْإِبِل فِي الْقِتَال وَفِيه وَجه أَنه لَا يلْحق بِهِ لِأَنَّهُ نَادِر ونعلم أَنه عَلَيْهِ السَّلَام مَا أَرَادَهُ وَهُوَ بعيد
وَأما البغال وَالْحمير فَلَا تلْحق على الظَّاهِر إِذْ لَا غناء لَهَا فِي الْقِتَال وَفِيه وَجه أَنه تلْحق لِأَن ركُوبهَا مُقَدّمَة لتعلم ركُوب الْفرس وَيَكْفِي أصل الْمَعْنى وَهُوَ بعيد

(7/175)


وَأما النصل فيستوي فِيهِ أَصْحَاب القسي من الناوك وَغَيره وَكَذَلِكَ أَنْوَاع النصل كالمسلة والإبرة فَهُوَ فِي معنى السهْم والإسم أَيْضا يَشْمَل
وَأما الزانات والمزاريق فَهِيَ على رُتْبَة بَين الْفِيل والحمر وَالظَّاهِر إلحاقها لغنائها ولشمول اسْم النصل وَلَكِن هَذَا الْخلاف جَار فِي الرَّمْي بِالْحِجَارَةِ والمقاليع لغنائها وَإِن لم يشملها اسْم النصل
وَاسْتِعْمَال السَّيْف أَيْضا قريب من رُتْبَة الزانات فَإِن غناهُ أظهر من الْكل وَلَكِن اسْم النصل بعيد عَنهُ وَلَكِن هُوَ الأَصْل فِي الْقِتَال وَهُوَ نفار من السكين وَالرمْح نفار من السَّيْف وَالرَّمْي نفار من الرمْح
فَأَما الْمُسَابقَة بالطيور والحمامات وفائدتها نقل الْأَخْبَار فَالظَّاهِر مَنعه لبعد الْمَعْنى وَضَعفه وَفِيه وَجه أَنه يجوز

(7/176)


الْفَصْل الثَّانِي فِي شُرُوط العقد
وَهِي خَمْسَة
الأول الْإِعْلَام فِي المَال ومقداره وَفِي الْموقف والغاية بتعيينها والتساوي فيهمَا فَلَو شَرط تقدم أَحدهمَا بمسافة وَيجْرِي الآخر وَزعم أَنه يسْبقهُ لم يجز بالإتفاق لِأَن اخْتِلَاف الأفراس بالفراهة لَا تنضبط مقاديرها فليضبط بالتساوي
ثمَّ إِن كَانَ أحد الفرسين بِحَيْثُ يسْبق قطعا لَو تساوقا فَالْعقد بَاطِل وَكَذَلِكَ لَو شرطا أَن يتساوقا فِي الركض إِلَى حَيْثُ يسْبق أَحدهمَا فَيسْتَحق المَال لم يجز لِأَن الْجواد قد يحتد فِي آخر الميدان فَلَا معنى لاقتحام جَهَالَة بِغَيْر فَائِدَة
وَلَو عينا الْغَايَة وَلَكِن شرطا اسْتِحْقَاق الشَّرْط لمن يسْبق فِي وسط الميدان فَفِيهِ وَجْهَان وَكَذَلِكَ لَو عينا الْغَايَة وَلَكِن شرطا غَايَة أُخْرَى يمتدون إِلَيْهَا إِن لم يسْبق فِي الأولى فَفِيهِ وَجْهَان مرتبان وَأولى بِالْجَوَازِ
الشَّرْط الثَّانِي أَنه إِذا تسابق جمَاعَة فَيَنْبَغِي أَن يشْتَرط السَّبق للسابق فَلَو شَرط للْمُصَلِّي وَهُوَ التَّالِي للسابق فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه

(7/177)


أَحدهَا الْمَنْع لِأَن الْمَقْصُود إِظْهَار الجلادة بِالسَّبقِ دون التَّخَلُّف وَالثَّانِي الْجَوَاز لِأَن ضبط الْفرس بعد احتداده على حد المُرَاد يحْتَاج إِلَى جلادة وَالثَّالِث أَنه لَا يشْتَرط الْكل إِلَّا للسابق
أما لَو شَرط للْمُصَلِّي قدرا دون مَا للسابق وَهَكَذَا على التَّرْتِيب والتفاضل لكل من هُوَ أقرب إِلَى السَّابِق فَهُوَ جَائِز
وَأما الفسكل وَهُوَ الْأَخير فَلَا يجوز أَن يخصص بِفضل قطعا وَهل يجوزا أَن يشْتَرط لَهُ شَيْئا دون الآخرين فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن التَّخَلُّف لَا يعجز عَنهُ أحد وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ مِنْهُم وَقد اجْتهد فَيجوز أَن يُشْرك فِيهِ
الشَّرْط الثَّالِث أَن يكون فِيمَا بَينهم مُحَلل ليميل بِالْعقدِ عَن صُورَة الْقمَار والقمار أَن يجْتَمع فِي حق كل وَاحِد خطر الْغرم وَالْغنم بِأَن يخرج كل وَاحِد مِنْهُمَا مَالا يحرزه إِن يسْبق وَيَأْخُذ مَال صَاحبه وَهَذَا حرَام قطعا وَإِنَّمَا الْمُبَاح أَن يخرج الإِمَام مَالا

(7/178)


للسابق أَو يخرج رجل من عرض النَّاس إِذْ يَأْخُذ كل وَاحِد لَو سبق وَلَا يغرم لَو تخلف وَكَذَلِكَ لَو أخرج أحد المتسابقين مَالا وَرَضي بِأَن يحرزه إِن سبق ويبذله إِن تخلف جَازَ وَكَذَلِكَ إِن تسابق ثَلَاثَة وَأخرج رجلَانِ مِنْهُم المَال وَالثَّالِث لم يخرج فَهُوَ مُحَلل فَإِن شَرط المَال للمحلل إِن سبق وَلم يشْتَرط لأحد المستبقين شَيْء إِذا سبق بل الْآخرَانِ فَقَط فَهَذَا جَائِز لِأَن الَّذِي يَأْخُذ لَيْسَ يغرم شَيْئا وَالَّذِي يغرم لَيْسَ يَأْخُذ شَيْئا وَإِن شرطا أَن يسْتَحق الْمُحَلّل كلا الْمَالَيْنِ وَإِن سبق أحد المستبقين أحرز مَاله وَأخذ مَال صَاحبه فَفِي صِحَة هَذِه الْمُعَامَلَة قَولَانِ أَحدهمَا الْمَنْع لِاجْتِمَاع الْخطر فِي حق كل وَاحِد مِنْهُمَا وَالثَّانِي الْجَوَاز لِأَن هَذِه عَادَة الْمُسَابقَة وَلَا يرضى باذل المَال بِمُجَرَّد الْإِحْرَاز إِن سبق
وَدخُول الْمُحَلّل الْوَاحِد الَّذِي لَا يَأْخُذ مَالا وَلَا يُعْطي مَالا يخرج بِالْعقدِ عَن صُورَة الْقمَار فَيَكْفِي على هَذَا مُحَلل وَاحِد بَين مائَة
وعبروا عَن مَحل الْخلاف بِأَن الْمُحَلّل يحلل لنَفسِهِ فَقَط أَو لنَفسِهِ وَلغيره فعلى هَذَا لَو قَالَ لَا سبق إِلَّا للمحلل إِذا سبق فَسبق أَحدهمَا والمحلل مصل وَالْآخر فسكل فَهَل يسحق الْمُحَلّل مَال الفسكل وَفِيه وَجْهَان

(7/179)


أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ سبقه وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ مَسْبُوق بِالْأولِ فَلَا يُسمى سَابِقًا مُطلقًا
وَالْخلاف رَاجع إِلَى أَن اسْم السَّابِق هَل يحمل على السَّابِق مُطلقًا أَو على السَّابِق بِالْإِضَافَة وَكَذَا الْخلاف لَو كَانَ الْمُصَلِّي أحد المستبقين وَقد شَرط السَّبق للسابق وجوزنا ذَلِك على أحد الْقَوْلَيْنِ فَإِذا كَانَ المستبق الثَّانِي وَرَاءه فَهَل يسْتَحق شَيْئا من مَاله وَهُوَ مَسْبُوق وسابق فِيهِ وَجْهَان
فرع إِذا شَرط السَّبق للسابق وجوزنا ذَلِك فَسبق الْمُحَلّل وَجَاءُوا متساوقين بعده أَخذ الْمُحَلّل ماليهما وَإِن تساوقا وأتى الْمُحَلّل بعدهمَا فَلَا مَال لأحد وَإِن سبق الْمُحَلّل وتلاه المستبقان متلاحقين فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن الْمُحَلّل يَأْخُذ ماليهما لِأَنَّهُ سبقهما وَهُوَ الصَّحِيح وَالثَّانِي أَنه يَأْخُذ مَال الْمُصَلِّي وَالْمُصَلي يَأْخُذ مَال الفسكل لِأَنَّهُ سبقه أَيْضا وَهَذَا ضَعِيف لِأَن الْمُحَلّل أَيْضا سبقه وَالثَّالِث أَن الْمُحَلّل يَأْخُذ مَال الْمُصَلِّي وَمَال الفسكل بَين الْمُصَلِّي والمحلل لِأَنَّهُمَا سبقاه وَهُوَ أَيْضا ضَعِيف
وَأما إِذا جَاءَ الْمُحَلّل مَعَ أَحدهمَا متساوقين وَالْآخر فسكل فَمَال الفسكل لَهما إِلَّا إِذا

(7/180)


قُلْنَا إِن الْمُحَلّل لَا يحلل إِلَّا لنَفسِهِ فيفوز إِذْ ذَاك بِالْمَالِ
أما إِذا سبق أَحدهمَا والمحلل مصل وَالْآخر فسكل فَفِي مَال الفسكل أوجه أَرْبَعَة تَجْتَمِع من الْأَصْلَيْنِ الْمَذْكُورين أَحدهَا أَنه للسابق وَهُوَ على قَوْلنَا إِن السَّبق للسابق الْمُطلق وَإِن الْمُحَلّل يحلل لغيره وَالثَّانِي أَنه لَا شَيْء لأحد مِنْهُمَا وَهُوَ على قَوْلنَا الْمُحَلّل لَا يحلل لغيره والمسبوق لَا شَيْء لَهُ وَإِن سبق غَيره وَالثَّالِث أَنه بَين الْمُحَلّل وَالسَّابِق وَهُوَ على قَوْلنَا يحلل لغيره وَلَا يشْتَرط السَّبق الْمُطلق وَالرَّابِع أَنه للمحل وَهُوَ على قَوْلنَا إِنَّه لَا يحلل لغيره والمسبوق يسْتَحق إِذا سبق غَيره
الشَّرْط الرَّابِع أَن يكون سبق كل وَاحِد مِنْهُمَا مُمكنا فَإِن كَانَ فرس أَحدهمَا ضَعِيفا نعلم قطعا أَنه يتَخَلَّف أَو فرس الآخر فارها نعم أَنه يسْبق بَطل العقد لِأَن المتخلف إِنَّمَا يرْكض مَعَ نَفسه إِذا لم يطْمع فِي السَّبق وَإِن كَانَ السَّبق مُمكنا وَلَكِن على الندور فَفِي صِحَّته خلاف وَتجوز الْمُسَابقَة بَين الْفرس الْعَرَبِيّ والتركي فَلَا يضر اخْتِلَاف النَّوْع وَأما الْمُسَابقَة بَين الْبَغْل وَالْفرس أَو بَين الْإِبِل وَالْفرس فَفِيهِ خلاف مِنْهُم من ألحق اخْتِلَاف الْجِنْس باخْتلَاف النَّوْع
الشَّرْط الْخَامِس تعْيين الفرسين وَلَا يجوز الْإِبْدَال بعد التَّعْيِين وَهل يجوز العقد على

(7/181)


فرسين موصوفين من غير إِحْضَار ثمَّ يحضر كَمَا وصف فِيهِ وَجْهَان
ثمَّ اعْلَم أَن الإعتماد فِي السَّبق على الْأَقْدَام وَهُوَ الَّذِي يعْتَبر تساويهما فِي ابْتِدَاء الْموقف دون الْعُنُق فَإِن ذَلِك يطول وَيقصر وَنقل الْعِرَاقِيُّونَ عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن الإعتبار فِي الْإِبِل بالكتد والخف وَفِي الْفرس بالعنق لِأَن الْإِبِل تمتد أعناقها إِذا عدت وَالْخَيْل ترفع رءوسها

(7/182)


الْفَصْل الثَّالِث فِي حكم هَذِه الْمُعَامَلَة
وَفِي لُزُومهَا قَولَانِ أَحدهمَا لَا يلْزم تَشْبِيها لَهَا بالجعالة وَالثَّانِي يلْزم تَشْبِيها لَهُ بالمساقاة وَالْإِجَارَة ثمَّ مِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا يلْزم فِي حق الْمُحَلّل وَمن أَخذ وَلَا يبْذل لِأَنَّهُ مغبوط بِكُل حَال كالمرتهن وَالْمكَاتب وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ لِأَن علمه فِي الفروسية مَقْصُود للباذل حَتَّى يتَعَلَّم مِنْهُ
التَّفْرِيع إِن قُلْنَا إِنَّه جَائِز لم يشْتَرط الْقبُول على الصَّحِيح وَهل يَصح ضَمَان السَّبق وَالرَّهْن بِهِ فِيهِ وَجْهَان كَمَا فِي الْجعَالَة وَإِن قُلْنَا يلْزم فَلَا يجب تَسْلِيم السَّبق فِي الْحَال بِخِلَاف الْأُجْرَة بل وَلَا بَأْس يجب الْبِدَايَة بِتَسْلِيم الْعَمَل وَلَا يجوز الْإِبْطَال وَالتَّأْخِير وَيجوز ضَمَانه وَالرَّهْن بِهِ وَقَالَ الْقفال رَحمَه الله يبْنى على ضَمَان مَا جرى سَبَب وُجُوبه وَلم يجب كَنَفَقَة الْعَدو واليأس بِمَا ذكره
وَأما فَسَاد هَذِه الْمُعَامَلَة بِكَوْن الْعِوَض خمرًا أَو مَالا مَغْصُوبًا هَل يُوجب الرُّجُوع بِشَيْء فِيهِ وَجْهَان

(7/183)


أَحدهمَا نعم كَمَا لَو فسد الْقَرَاض وَالثَّانِي لَا لِأَن هَذَا لم يتَحَصَّل على شَيْء وَأكْثر فَائِدَة الْعَمَل هَاهُنَا لِلْعَامِلِ وَهُوَ الرياضة وَقد فَاتَ الإستحقاق بِمَا علق بِهِ
وَإِن قُلْنَا يسْتَحق شَيْئا فَإِن أمكن الرُّجُوع إِلَى قيمَة الْمَشْرُوط بِأَن يكون الْفساد لجَهَالَة الْموقف والغاية وَغَيره فَفِيهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من قطع بِالرُّجُوعِ إِلَى أجر الْمثل كالقراض وَمِنْهُم من قَالَ فِيهِ قَولَانِ كَمَا فِي بدل الْخلْع إِذْ لَيْسَ هَذَا مُعَاوضَة مَحْضَة فَإِن لم يكن لَهُ قيمَة فالرجوع إِلَى أجر عمله فِي جملَة الركض لَا فِي قدر السَّبق قولا وَاحِدًا

(7/184)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الرَّمْي وَفِيه فُصُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الْفَصْل الأول فِي الشُّرُوط
وَالنَّظَر فِي سِتَّة شُرُوط
الشَّرْط الأول فِي الْمُحَلّل
وتفصيله كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي السَّبق فَإِن شَرط الإِمَام أَو غَيره لمن زَادَت إِصَابَته جَازَ وَكَذَا لَو شَرط وَاحِد من المترامين على مَا ذَكرْنَاهُ
الشَّرْط الثَّانِي اتِّحَاد الْجِنْس
وَفِي العقد على السِّهَام والمزاريق وَجْهَان كَمَا فِي مسابقة الْخَيل وَالْبِغَال وَهَذَا أولى بِالْجَوَازِ لِأَن أَكثر الْأَثر فِي الرَّمْي للْعَمَل وَأكْثر الْأَثر للدابة فِي السَّبق فَإِنَّهُ حَيَوَان مُخْتَار فِي الْعَدو وَأما اخْتِلَاف النَّوْع فَغير مَانع كقسي الْعَرَب والعجم وكالناوك وَهُوَ قَوس الحسبان مَعَ

(7/185)


السهْم ثمَّ إِذا جرى التَّعْيِين فَلَا يجوز الْإِبْدَال بالأجود كإبدال الْعَرَبيَّة بِالْفَارِسِيَّةِ أما إِبْدَال الفارسية بِالْعَرَبِيَّةِ فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يجوز لِأَنَّهُ يجوز إِبْدَاله بفارسية أُخْرَى إِذْ عين الْقوس لَا يتَعَيَّن بل نَوعه فبأن يجوز بِالْعَرَبِيَّةِ وَهُوَ أردأ أولى وَالثَّانِي لَا لِأَن ذَلِك لَا يَنْضَبِط فحسم الْبَاب أولى

فرعان

الأول لَو أطلق العقد وَلم يعين النَّوْع نزل على مَا يغلب فِي الْعَادة الترامي بِهِ وَإِن اخْتلفت الْعَادة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الْفساد لتوقع النزاع وَالثَّانِي أَنه يَصح أَن يطابقا على شَيْء وَإِن طلب كل وَاحِد نوعا آخر وَقُلْنَا إِن العقد جَائِز فَهُوَ رُجُوع وَإِن قُلْنَا إِنَّه لَازم فقد تعذر إِمْضَاء العقد فَيفْسخ
الثَّانِي تَبْدِيل الْقوس بِمثلِهِ جَائِز بِخِلَاف الْفرس لِأَن الإعتماد هَاهُنَا على الْعَمَل وَلَا عمل إِلَّا لَهُ وَإِن شَرط أَن لَا يُبدل فَهَذَا تضييق بِغَيْر فَائِدَة وَفِي صِحَة هَذَا الشَّرْط وَجْهَان فَإِن قُلْنَا لَا يَصح فَفِي فَسَاد العقد بِهِ وَبِكُل شَرط فَاسد يسْتَقلّ العقد دونه لَو ترك وَجْهَان

(7/186)


وَإِن قُلْنَا إِنَّه صَحِيح فَيجب الْوَفَاء بِهِ مَا لم ينكسر فَإِن انْكَسَرَ جَازَ الْإِبْدَال وَإِن شَرط أَن لَا يُبدل وَإِن انْكَسَرَ بل تَنْقَطِع الْمُعَامَلَة فَهَذَا لَا يحْتَمل وَيفْسد العقد
الشَّرْط الثَّالِث أَن تكون الْإِصَابَة الْمَشْرُوطَة مُمكنَة لَا ممتنعة وَلَا وَاجِبَة أما الممتنعة فكإصابة مائَة رشق على التوالي من هدف صَغِير وَغَايَة بعيدَة أَو أصل الْإِصَابَة من مَسَافَة بعيدَة فِي غَايَة الْبعد وَلَو كَانَت مُمكنَة على ندور فَفِي صِحَة الْمُعَامَلَة وَجْهَان
أما الْوَاجِب فكإصابة وَاحِد من مائَة مَعَ قرب الْمسَافَة يشرط ذَلِك على حاذق فَلَا خطر فِيهِ وَفِي صِحَّته وَجْهَان أصَحهمَا الْجَوَاز للتعلم بمشاهدة رميه كَمَا لَو قَالَ من لَا يَرْمِي لرام ارْمِ مائَة وَلَك كَذَا وَالثَّانِي أَنه لَا بُد من خطر لصِحَّة هَذِه الْمُعَامَلَة
فعلى هَذَا لَو كَانَ بَينهمَا مُحَلل علم قطعا أَنه لَا يفلح فوجوده كَعَدَمِهِ وَلَو علم قطعا أَن الْمُحَلّل يفوز خرج على الْوَجْهَيْنِ وَكَذَلِكَ إِذا لم يكن مُحَلل وَشرط كل وَاحِد مَالا وَلَكِن علم قطعا أَن أَحدهمَا يفوز فَهُوَ على صُورَة الْمُحَلّل وَلَا أثر لذكر المَال

فرع
لَو تَرَاضيا على أَن يرامي كل وَاحِد وَاحِدًا فَقَط والسبق لمن اخْتصَّ بالإصابة فَالْأَصَحّ الصِّحَّة وَفِيه وَجه أَنه لَا يجوز إِذْ رب رمية من غير رام فقد يُصِيب الأخرق بالإتفاق مرّة فَلَا يظْهر بِهِ حذق

(7/187)


الشَّرْط الرَّابِع الْإِعْلَام وكل مَا يخْتَلف بِهِ الْغَرَض يجب إِعْلَامه كمقدار المَال وَعدد الْإِصَابَة مِنْهَا أما طول الْمسَافَة بَين الْموقف والهدف فَفِيهِ قَولَانِ وَفِي عرض الهدف قَولَانِ مرتبان وَفِي قدر ارْتِفَاع الهدف من الأَرْض قَولَانِ مرتبان وَالصُّورَة الْأَخِيرَة أولى بِأَن لَا يشْتَرط ذكرهَا فأحد الْقَوْلَيْنِ أَنه لَا يشْتَرط بل ينزل على الْعَادة كالمعاليق فِي اسْتِئْجَار الدَّابَّة فَإِنَّهُ ينزل على الْعَادة على الْأَصَح وَالثَّانِي لَا بُد من ذكره لِأَن النزاع يكثر فِيهِ وَالْعرض يخْتَلف فِيهِ
وَأما عدد الأرشاق فَفِي ذكره ثَلَاثَة أَقْوَال والرشق عبارَة عَن نوبَة من الرَّمْي تجْرِي من الرامين كعشرة عشرَة وَعشْرين عشْرين وَفِيه ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه لَا يشْتَرط بل يَكْفِي ذكر عدد الإصابات فَيشْتَرط السَّبق بِعشر إصابات وَرُبمَا يكون ذَلِك فِي خمسين وَرُبمَا فِي عشْرين وَالثَّانِي أَنه يجب وَهُوَ كالغاية فِي الْمُسَابقَة حَتَّى تَنْتَهِي الْمُعَامَلَة بهَا وَالثَّالِث أَنه يشْتَرط فِي المحاطة فَإِن توقع الْحَط لَا مُنْتَهى لَهُ وَلَا يشْتَرط فِي الْمُبَادرَة
والمحاطة أَن يشْتَرط حط إِصَابَة أَحدهمَا من الآخر حَتَّى يخلص للْوَاحِد عشرَة مثلا والمبادرة هُوَ أَن يسْتَحق من يسْبق إِلَى تَمام الْعشْرَة حَتَّى لَو أصَاب كل وَاحِد تِسْعَة ثمَّ أصَاب أَحدهمَا وَلم يصب الآخر فِي الْعَاشِرَة اسْتحق من أصَاب وَكَذَلِكَ قد يتضايق الرُّمَاة فِي

(7/188)


الْبِدَايَة إِذْ يكون الهدف خَالِيا والرامي على جمام قوته فالإصابة أغلب فَفِي لُزُوم ذكر ذَلِك قَولَانِ أَحدهمَا وَهُوَ الْقيَاس أَنه يجب وَالثَّانِي أَنه يبْدَأ بالمستبق وَهُوَ وَاضع المَال فَإِنَّهُ عَادَة الرُّمَاة وَهَذَا ترك للفقه وَالْقِيَاس بِالْعَادَةِ وَلَا يخْتَلف القَوْل فِي كل عَادَة تخَالف الْقيَاس إِذْ الشَّافِعِي لَا يتْرك الْقيَاس لأجل عَادَة مُخَالفَة لَهُ بل أَمر الْبِدَايَة أَمر هَين فَلذَلِك تردد فِيهِ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَفِيه قَول ثَالِث أَنه يَصح ويقرع بَينهم
ثمَّ إِن شرطُوا أَن تكون الْبِدَايَة لمن خرج الْقرعَة لَهُ فِي كل الرشقات فَذَاك وَإِلَّا فَفِي إِعَادَة الْقرعَة فِي كل رشقة أَو عُمُوم حكم الأول وَجْهَان وَكَذَلِكَ مُطلق شَرط الْبِدَايَة وَفِي العقد هَل يتَنَاوَل كل رشقة فِيهِ خلاف وَأما إِذا كَانَ المستبق أَكثر من وَاحِد فَلَا وَجه إِلَّا الْإِفْسَاد أَو قَول الْقرعَة

فرع
فِي صِحَة العقد على البرتاب وَجْهَان ومقصوده الإبعاد دون الْإِصَابَة

(7/189)


أَحدهمَا الْمَنْع إِذْ لَا غَرَض فِيمَا لَا إِصَابَة فِيهِ وَالثَّانِي أَنه يَصح وَهُوَ الْأَصَح إِذْ قد يحْتَاج إِلَى إِلْقَاء السهْم فِي القلعة
ثمَّ إِذا صَحَّ فَلَا بُد من تَسَاوِي السهمين والقوسين فِي اللين والخفة حَتَّى إِن الرُّمَاة يتضايقون فِيهِ إِلَى حد يشرطون الرَّمْي عَن قَوس وَاحِد بِسَهْم وَاحِدَة
الشَّرْط الْخَامِس أَن يرد العقد على رُمَاة مُعينين
وَلَا يجوز إِيرَاده على الذِّمَّة ثمَّ تعْيين الرُّمَاة وَيصِح العقد بَين الحزبين وَلَكِن التحزب يكون بِالتَّرَاضِي لَا بالتحكم وَلَا يجوز أَن يكن بِالْقُرْعَةِ لِأَنَّهَا قد يجْتَمع الحذاق فِي جَانب إِلَّا أَن يقرعُوا أَولا ثمَّ ينشئون العقد على مَا ميزت الْقرعَة فَإِن ذَلِك رضَا مُسْتَأْنف وَهُوَ جَائِز إِلَّا إِذا علم قطعا فوز أحد الحزبين فَذَلِك لَا ينْعَقد على وَجه لانْتِفَاء الْخطر
وَلَا خلاف فِي أَنه لَو ترامى غَرِيبَانِ صَحَّ وَإِن أمكن أَن يكون أَحدهمَا بِحَيْثُ لَو علم حَاله لتحَقّق عَجزه أَو ظفره وَلَكِن إِن بَان تفَاوت يرفع الإحتمال فيتبين بطلَان العقد
ثمَّ لَا يشْتَرط التَّسَاوِي فِي عدد الرُّمَاة فِي التحزب بل فِي الْإِصَابَة فقد يرامي وَاحِد اثْنَيْنِ وَلَكِن يَرْمِي الْوَاحِد سَهْمَيْنِ وكل وَاحِد من الْإِثْنَيْنِ سَهْما وَاحِدًا ثمَّ يفض السَّبق على عدد الرُّءُوس وَإِن اخْتلفُوا فِي عدد الْإِصَابَة إِلَّا أَن يشْتَرط التَّوْزِيع على عدد الْإِصَابَة

(7/190)


ثمَّ الْمُحَلّل فِي التحزب يجوز أَن يكون من الحزبين وَيجوز أَن يكون خَارِجا عَنْهُمَا يناضلهم أَو لَا يناضلهم فَلَو شَرط أحد الحزبين لوَاحِد مِنْهُم الْغنم دون الْغرم فقد حلل هَذَا لنَفسِهِ وَهل يحلل لغيره فعلى الْخلاف الْمَذْكُور وَهَا هُنَا اولى بِأَن يَصح لِأَن الْمُحَلّل هُوَ الَّذِي يسْتَحق جَمِيع السهْم وَهَذَا لَا يسْتَحق إِلَّا بعض السهْم

فرع
لَو ترامى حزبان واجتاز بهما رجلَانِ قبل العقد فَاخْتَارَ كل وَاحِد وَاحِدًا ثمَّ

(7/191)


عقدا جَازَ فَإِن خرج أَحدهمَا أخرق لم يكن لَهُ خِيَار الرَّد فَإِنَّهُ المقصر إِذْ عقد قبل الْبَحْث وَإِن بَان أَنه غير رام أصلا سقط وَسقط مُقَابِله وَهَذَا ينقدح إِذا لم يقدر على نزع الْقوس أما إِذا لم يكن تعلم أصلا وَلَكِن يقدر على الرَّمْي فَيحْتَمل خلافًا فِي جَوَاز مناضلة مثله إِذْ لَا خطر فِيهِ فَإِن لم نجوز فَيسْقط وَإِلَّا احْتمل أَن يَجْعَل كالأخرق
الشَّرْط السَّادِس تعْيين الْموقف مَعَ التَّسَاوِي فَلَو شَرط لبَعْضهِم التَّقَدُّم فَهُوَ بَاطِل كَمَا فِي الْمُسَابقَة وَأما الْوَاقِف فِي الْوسط فَلَا شكّ أَنه أقرب إِلَى الْمُحَاذَاة وَلَكِن هَذَا الْقدر يحْتَمل لضَرُورَة الصَّفّ فَإِن تنازعوا فِيهِ فَهُوَ كالبداية بِالرَّمْي والتنافس فِيهِ وَقد ذَكرْنَاهُ

فرع
لَو تراضوا بتقدم وَاحِد فَلَا يجوز وَكَأَنَّهُم رَضوا بِأَن يفوز من غير رمي مَحْسُوب أَو حطوا الْعشْرَة فِي حَقه إِلَى التِّسْعَة

(7/192)


أما إِذا تطابقوا برد الْجُمْلَة من الْعشْرَة إِلَى التِّسْعَة أَو بالتقدم بأجمعهم أَو التَّأَخُّر فَهَذَا تَغْيِير لصفة العقد وسنذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى أما إِذا تَأَخّر وَاحِد بِالرَّمْي فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الْجَوَاز لِأَنَّهُ مُضر بِنَفسِهِ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ قد يَسْتَفِيد بِهِ أمنا من مروق السهْم ومروق السهْم قد يمْنَع الإحتساب على رَأْي سنبينه وترداد الْفَارِس ببعد الميدان زِيَادَة حِدة فِي الدَّابَّة

(7/193)


الْفَصْل الثَّانِي فِيمَا يسْتَحق بِهِ السَّبق
والسبق بِنصب الْبَاء عبارَة عَن المَال الْمَشْرُوط للسابق وَإِنَّمَا يسْتَحق بِوُجُود الشَّرْط وَفِي الشَّرْط صور
الأولى أَن يشْتَرط الْإِصَابَة فَلَا يحْسب مَا يُصِيب بِعرْض السهْم أَو بفوقه ويحسب مَا يُصِيب ويرتد وَلَا يخرق وَإِن أصَاب جدارا أَو شَجرا ثمَّ مرق إِلَى الهدف فعادة الرُّمَاة أَن لَا يحْسب وللفقهاء فِيهِ تردد وَلَو أصَاب الأَرْض ثمَّ ارْتَفع إِلَى الهدف فَأولى بِأَن يحْسب وَإِن خرق طرف الهدف فَإِن حصل فِيهِ جَمِيع جرم النصل حسب وَإِن حصل فِيهِ بعض جرمه فَفِيهِ حلاف وَأولى بِأَن يحْسب
الثَّانِيَة إِذا شَرط الخواسق وَهِي الخوارق أَي الَّتِي تخرق الهدف فَإِن خرق طرف الهدف فَهُوَ كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الْإِصَابَة وَإِن وَقع فِي ثقبة قديمَة وَثَبت فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ يخرق وَلَكِن كَانَ بِحَيْثُ لَو لم تكن الثقبة تخرق وَالأَصَح أَنه يحْسب وَإِن خرق وَلم يثبت وَلَكِن مرق حسب لِأَنَّهُ خرق وَزَاد وَذكر صَاحب التَّقْرِيب قَوْلَيْنِ فِي أَن الثُّبُوت هَل يشْتَرط فِي الخواسق وَهُوَ بعيد
الثَّالِثَة إِذا شَرط عشر قرعات من مائَة رشق مبادرة وَمعنى الْقرعَة الْإِصَابَة فَرمى أَحدهمَا خمسين وَقد تمت لَهُ الْعشْرَة اسْتحق السَّبق وَلَكِن هَل عَلَيْهِ إتْمَام الْعَمَل فِيهِ وَجْهَان

(7/194)


وَالثَّانِي نعم لِأَن الْعَمَل مَقْصُود للتعلم
وَمَعَ هَذَا فَلَا شكّ أَن خارجيا لَو شَرط لَهُ على إِصَابَته الَّتِي بهَا يسْتَحق شَيْئا آخر اسْتحق ذَلِك أَيْضا لِأَن الْعَمَل الْوَاحِد يَفِي فِي التَّعَلُّم بالغرضين وَلَو شَرط فِي المحاطة عشر قرعات خَالِصَة فحصلت من خمسين وَقُلْنَا لَا يشْتَرط إتْمَام الْعَمَل فِي الْمُبَادرَة فهاهنا وَجْهَان لِأَنَّهُ يتَوَقَّع الْحَط فِي الثقبة وَالَّذِي لَا يُوجب يَقُول إِنَّمَا المحاطة قبل تَمام الْعشْرَة خَالِصا لوَاحِد وَأما الْحَط من عشرَة خَالِصَة فَلَا وَجه لَهُ وَالْقَائِل الآخر يجوز الْحَط من الْخَالِص أما إِذا تمت عشرته فِي آخر الْخمسين وَالْآخر بعد مَا رمى إِلَّا تِسْعَة وَأَرْبَعين فَلَا يسْتَحق الأول فَإِنَّهُ رُبمَا يُصِيب صَاحبه فيحطه إِلَى تِسْعَة وَكَذَلِكَ فِي الْمُبَادرَة لَو تمّ لَهُ عشرَة بالخمسين وَتمّ للْآخر تِسْعَة فِي تِسْعَة وَأَرْبَعين فَلَا يسْتَحق السَّابِق حَتَّى يُسَاوِيه الآخر فِي الرشق فَإِن أصَاب فِي آخر الْخمسين فقد تَسَاويا وَإِن أَخطَأ اسْتحق الأول
الرَّابِعَة لَو قَالَ لرام ارْمِ عشرَة فَإِن كَانَت إصابتك أَكثر فلك دِينَار فَإِن أصَاب سِتَّة على التوالي اسْتحق وَفِي لوم إتْمَام الْعَمَل الْخلاف أما إِذا قَالَ ارْمِ خمْسا عَنْك وخمسا عني فَإِن أصبت فِيمَا عَنْك فلك كَذَا فَهَذَا فَاسد لِأَنَّهُ يناضل نَفسه فيقصر فِي حق صَاحبه

(7/195)


الْخَامِسَة إِذا تشارطوا أَن الْقَرِيب مَحْسُوب وقدروه بالذراع جَازَ وَكَأَنَّهُ وسع الهدف وَإِن أطلق وَلَهُم عَادَة مطردَة ينزل عَلَيْهَا وَإِلَّا فسد للْجَهَالَة وَقيل إِنَّه ينزل على احتساب الْأَقْرَب إِذا كَانَ سهم أَحدهمَا أقرب فَازَ وَإِن كَانَ بَعْضهَا أقرب وَبَعضهَا أبعد وجميعا أقرب من سِهَام صَاحبه سقط سِهَام صَاحبه وَهل يسْقط أقربه أبعده فِيهِ تردد وَالصَّحِيح أَنه لَا يسْقط
أما إِذا تشارطوا صَرِيحًا إِسْقَاط الْقَرِيب الْأَقْرَب أَو إِسْقَاط الْإِصَابَة للقريب فَهُوَ مُتبع وَإِن تشارطوا إِخْرَاج وسط القرطاس وَمَا حواليه ذكر الْعِرَاقِيُّونَ قَوْلَيْنِ فِي صِحَة ذَلِك من حَيْثُ إِن وسط القرطاس يتَعَذَّر قَصده وَقد يُصِيبهُ الأخرق وفَاقا

فرع
فِي النكبات الطارئة فَإِذا مرق السهْم مِنْهُ فَوق الهدف وَوَقع على بعد مفرط لسوء رميه فَهُوَ مَحْسُوب عَلَيْهِ وَلَو كَانَ لانكسار قَوس أَو سهم أَو انْقِطَاع وتر وَوَقع على بعد مفرط فَلَا يحْسب عَلَيْهِ من رشقه بل يرد إِلَيْهِ السهْم ليعيد رميه وَإِن وَقع على قرب حسب عَلَيْهِ على أحد الْوَجْهَيْنِ لِأَن النكبة لم يظْهر أَثَرهَا فِي الإبعاد وعَلى وَجه آخر لَا يحْسب عَلَيْهِ وَلَو أصَاب مَعَ ذَلِك يحْسب لَهُ على الْوَجْه الأول وَإِن فرعنا على الثَّانِي فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ يظْهر حمله على وفَاق فَلَا يظْهر بِهِ الحذق وَلَو عرض بَهِيمَة فأصابها ومرق إِلَى الهدف فَالْأَصَحّ أَنه يحْسب وَيدل على استقامة رميه وقوته وَفِيه وَجه أَنه يحمل على وفَاق فَلَا يحْسب لَهُ وَلَا عَلَيْهِ وَإِن كَانَ الْعَارِض هُوَ الرّيح فَإِن اقْترن بالإبتداء لم يعْذر إِذْ هُوَ

(7/196)


المقصر حَيْثُ ابْتَدَأَ مَعَ الرّيح وللحذاق نيقة فِي الرَّمْي عِنْد الرّيح بإمالة النّظر وَكَذَا إِذا انْكَسَرَ الْقوس لسوء فعله فَلَا أثر فليتعلم وَإِن عصفت ريح عَظِيمَة فِي وسط الرَّمْي فَهَل يعْذر فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يعْذر لِأَن السهْم أحد من الرّيح فَلَا يُؤثر فِيهِ وَالثَّانِي أَنه يعْذر لِأَنَّهُ قد تُؤثر
وَأما الرّيح اللينة فَلَا تُؤثر أما إِذا انْكَسَرَ السهْم بنصفين وَأصَاب بالمقطع من النّصْف الَّذِي فِيهِ الفوق حسب وَإِن أصَاب بالنصل لم يحْسب لِأَن قُوَّة الرَّمْي تبقى فِي ذَلِك النّصْف لَا فِي النصل وَمِنْهُم من عكس وَقَالَ النّظر إِلَى النصل فَأَما إِذا أصَاب بالفوق أَو الْعرض فَلَا يحْسب

(7/197)


الْفَصْل الثَّالِث فِي جَوَاز هَذِه الْمُعَامَلَة

وفيهَا قَولَانِ كَمَا فِي الْمُسَابقَة فَإِن قُلْنَا باللزوم لم يجب تَسْلِيم السَّبق إِلَى تَمام الْعَمَل وَفِيه وَجه يجْرِي فِي الْمُسَابقَة أَنه يجب كتسليم الْأُجْرَة لِأَن الإنهدام فِي الدَّار أَيْضا متوقع إِلَّا أَن انهدام الدَّار بعيد وَأما الْفَوْز فتقديره لَيْسَ بأغلب من نقيضه وَيُفَارق الْإِجَارَة أَيْضا فِي أَنه لَو مَاتَ الْعَاقِد انْفَسَخ لِأَن العقد مُتَعَلق بِعَيْنِه وَلَو مَاتَ الْفرس انْفَسَخت الْمُسَابقَة وَلَو مَاتَ المسابق وَالْفرس قَائِم انقدح أَن يُقَال على الْوَارِث إِتْمَامه لِأَن الأَصْل الْفرس وَفِيه بعد أَيْضا لِأَن للفارس فِيهِ دخلا ظَاهرا وَإِن قُلْنَا بِالْجَوَازِ تفرع أَرْبَعَة أُمُور
أَحدهَا جَوَاز إِلْحَاق الزِّيَادَة بالإرشاق والقرعات بِالتَّرَاضِي فَلَو استبد أَحدهمَا دون صَاحبه فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لاغ وَالثَّانِي أَنه مُعْتَبر وَالثَّالِث أَنه يعْتَبر من الْغَالِب دون المنضول لِأَن المنضول إِذا استشعر الضعْف فَلَا يزَال يدافع بِالزِّيَادَةِ ثمَّ نعني بالغالب الَّذِي ظهر استيلاؤه وقارب الظفر فَلَا يَكْفِي التَّقَدُّم بِقرْعَة وقرعتين فَإِن ذَلِك سريع التَّغَيُّر وَإِذا قُلْنَا إِنَّه يعْتَبر لم يلْزم فِي حق صَاحبه بل إِن تثاقلت عَلَيْهِ فليفسخ العقد كَمَا لَو زَاد الْجَاعِل عملا على المجعول يجْرِي فِيهِ هَذَا الْخلاف فَإِن اعْتبر فللمجعول فسخ العقد وَطلب أُجْرَة الْمثل بِخِلَاف مَا لَو فسخ تشهيا بعد الشُّرُوع فِي الْعَمَل بِغَيْر عذر فَإِنَّهُ لَا يسْتَحق شَيْئا
الثَّانِي الْفَسْخ وَذَلِكَ جَائِز لكل وَاحِد عِنْد التَّسَاوِي وَجَائِز من الناضل وَهل ينفذ من

(7/198)


المنضول يَنْبَنِي على أَن زِيَادَته هَل تلتحق فَإِن قُلْنَا لَا تلتحق فَكَأَنَّهُ صَار لَازِما فِي حق المنضول وَيجْرِي مثل هَذَا الْخلاف إِذا فسخ الْجَاعِل وَقد فرغ المجعول عَن بعض الْعَمَل وَكَانَ مَا يخص عمله من الْمُسَمّى يزِيد على أجر الْمثل أَنه هَل ينفذ
الثَّالِث النُّقْصَان من الإرشاق والقرعات كالزيادة وَلَيْسَ كالإبراء عَن الثّمن أما الْإِبْرَاء عَن السَّبق فَيخرج على الْإِبْرَاء قبل الْوُجُوب وَبعد جَرَيَان السَّبَب
الرَّابِع الإبطاء وَذَلِكَ جَائِز على قَول الْجَوَاز بل لَهُ الْإِعْرَاض وعَلى قَول اللُّزُوم يجب الجري على الْعَادة

فرع
لَو قَالَ المنضول للنضال حط فضلك وَلَك عَليّ كَذَا لم يجز على الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ مُقَابلَة بحط الْفضل بِمَال وَلَا أصل لمثل هَذِه الْمُعَاوضَة سَوَاء كَانَ العقد جَائِزا أَو لَازِما وَالله تَعَالَى أعلم

(7/199)