الوسيط في المذهب

= كتاب الشَّهَادَات =
وَفِيه سِتَّة أَبْوَاب

(7/346)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِيمَا يُفِيد أَهْلِيَّة الشَّهَادَة وقبولها من الْأَوْصَاف - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَهِي سِتَّة ثَلَاثَة مِنْهَا لَا يطول النّظر فِيهَا وَهِي التَّكْلِيف وَالْحريَّة وَالْإِسْلَام فَلَا تقبل شَهَادَة صبي وَلَا مَجْنُون وَلَا تقبل شَهَادَة كَافِر لَا على كَافِر وَلَا على مُسلم وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تقبل على الْكَافِر
وَلَا تقبل شَهَادَة العَبْد أصلا وَقَالَ دَاوُد تقبل وَثَلَاثَة يطول النّظر فِيهَا وَهِي الْعَدَالَة وَحفظ الْمُرُوءَة والإنفكاك عَن التُّهْمَة

(7/347)


الْوَصْف الأول الْعَدَالَة
قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلَيْسَ أحد من النَّاس نعلمهُ إِلَّا قَلِيلا يمحض الطَّاعَة حَتَّى لَا يخلطها بِمَعْصِيَة أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن الْعِصْمَة من الْمعاصِي لَيْسَ بِشَرْط إِذْ ذَلِك يحسم بَاب الشَّهَادَة وَلَكِن من قارف كَبِيرَة أَو أصر على صَغِيرَة لم تقبل شَهَادَته لِأَن ذَلِك يشْعر بالتهاون بِأَمْر الدّيانَة وَمثله جدير بِأَن لَا يخَاف وبال الْكَذِب أما من يلم بالصغيرة أَحْيَانًا لفترة تقع من مراقبة التَّقْوَى وفلتة تقع للنَّفس فِي الْخُرُوج عَن لجام الْوَرع وَهُوَ مَعَ ذَلِك مَا يَنْفَكّ عَن تندم واستشعار خوف فَهَذَا لَا ترد بِهِ الشَّهَادَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَخْلُو الْمُؤمن من الذَّنب يُصِيبهُ الفينة بعد الفينة أَي الْوَقْت بعد الْوَقْت وَإِنَّمَا الْفسق المرون على الْمعْصِيَة وَإِن كَانَت صَغِيرَة
وَالْفرق بَين الصَّغِيرَة والكبيرة يطول وَقد استقصيناه فِي كتاب التَّوْبَة من كتب إحْيَاء عُلُوم الدّين ونشير الْآن إِلَى بعض مَا يعْتَاد من الصَّغَائِر وَهِي سِتَّة
الأولى اللّعب بالشطرنج لَيْسَ بِحرَام وَلكنه مَكْرُوه وَإِن قُلْنَا إِنَّه مُبَاح أردنَا أَنه لَا إِثْم فِيهِ لَا كَرَاهِيَة فِيهِ فَلَا ترد بِهِ الشَّهَادَة إِلَّا أَن يخْتَلط بِهِ قمار وَهُوَ أَخذ مَال المقمور واشتراطه أَو الْيَمين الْفَاجِرَة وَقد رُوِيَ أَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ كَانَ يلْعَب بِهِ

(7/348)


وَهُوَ مستدبره وَلَا يرَاهُ وَقَول عَليّ رَضِي الله عَنهُ مَا هَذِه التماثيل الَّتِي أَنْتُم لَهَا عاكفون لَعَلَّه كَانَ فِي معرض السُّؤَال إِذْ أشكل عَلَيْهِ صُورَة تِلْكَ الأشكال وَأَنَّهَا مَا هِيَ أما المداومة عَلَيْهِ فقد تقدح فِي الْمُرُوءَة وتعطل الْمُهِمَّات وَقد ينشأ رد الشَّهَادَة من هَذَا وَسَيَأْتِي
الثَّانِيَة اللّعب النَّرْد حرَام لما رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَلْعُون من لعب بالنردشير وَقَالَ اللاعب بالنرد كعابد الوثن وَنقل عَن ابْن خيران وَأبي إِسْحَق الْمروزِي أَنه كالشطرنج وَهُوَ الْقيَاس وَلَكِن الْخَبَر مَانع مِنْهُ ثمَّ وَإِن قُلْنَا إِنَّه حرَام فالمداومة عَلَيْهِ ترد الشَّهَادَة دون الْمرة الْوَاحِدَة وَقيل إِن الْمرة الْوَاحِدَة فسق ترد الشَّهَادَة
وَأما اللّعب بالحمام فَلَيْسَ بِحرَام وَتردد الْعِرَاقِيُّونَ فِي كراهيته ورد الشَّهَادَة بِهِ إِنَّمَا يكون من جِهَة الْمُرُوءَة فِي حق من يقْدَح فِي مروءته
الثَّالِثَة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْحَنَفِيّ إِذا شرب النَّبِيذ حددته وَقبلت شَهَادَته أما الْحَد فللزجر حَتَّى لَا يعود إِلَيْهِ إِذْ يجر إِلَى الْفساد وَأما قبولنا الشَّهَادَة فَلِأَن إقدامه على

(7/349)


شربهَا لم يشْعر بتهاونه إِذْ اعْتقد إِبَاحَته واستبعد الْمُزنِيّ هَذَا الْفرق فَمن الْأَصْحَاب من قَالَ يحد وَلَا تقبل الشَّهَادَة وَمِنْهُم من قَالَ لَا يحد وَتقبل شَهَادَته فتحصلنا على ثَلَاثَة أوجه فَإِن قُلْنَا إِن الْحَنَفِيّ لَا يحد فَفِي الشفعوي وَجْهَان لشُبْهَة الْخلاف فِي الْإِبَاحَة
الرَّابِعَة المعازف والأوتار حرَام لِأَنَّهَا تشوق إِلَى الشّرْب وَهُوَ شعار الشّرْب فَحرم التَّشَبُّه بهم وَأما الدُّف إِن لم يكن فِيهِ جلاجل فَهُوَ حَلَال ضرب فِي بَيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَإِن كَانَ فِيهِ جلاجل فَوَجْهَانِ وَفِي اليراع وَجْهَان وَالأَصَح أَنه لَا يحرم والمزمار الْعِرَاقِيّ حرَام لِأَنَّهُ عَادَة أهل الشّرْب والطبول كلهَا مُبَاح إِلَّا الكوبة قَالَ فَإِن طبل المخنثين وَهُوَ طبل طَوِيل متسع الطَّرفَيْنِ ضيق الْوسط وَسبب تَحْرِيمه التَّشَبُّه بهم وَكَذَا الضَّرْب بالصفاقتين حرَام لِأَنَّهُ من عَادَتهم

(7/350)


وَقد ذكرنَا مآخذ هَذِه التحريمات فِي كتاب الوجد وَالسَّمَاع وفصلنا مَا يحل وَيحرم ثمَّ قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد سَماع الأوتار مرّة لَا يرد الشَّهَادَة وَإِنَّمَا ترد بالإصرار وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ هُوَ كَبِيرَة توجب الْمرة الْوَاحِدَة رد الشَّهَادَة وَلَا شكّ أَن ذَلِك يخْتَلف بالبلاد فَحَيْثُ يعظم أمره فالمرة الْوَاحِدَة تشعر بانخرام مُرُوءَة الشَّاهِد
الْخَامِسَة نظم الشّعْر وإنشاده وسماعه بألحان وَغير ألحان لَيْسَ بِحرَام إِلَّا أَن يكون فِي الشّعْر هجو أَو وصف امْرَأَة مُعينَة أَو فحش وَمَا يحرم نثره فَيحرم نظمه فَإِن الشّعْر كَلَام حسنه حسن وقبيحه قَبِيح وَقد أنْشد عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أشعار وَلم ينكرها
وَإِن أطنب فِي الْمَدْح حَتَّى انْتهى إِلَى حد الْكَذِب قيل إِنَّه حرَام وَالصَّحِيح أَن ذَلِك لَيْسَ بكذب إِذْ ذَلِك لَيْسَ يقْصد مِنْهُ الإعتقاد والتصديق بل هِيَ إِظْهَار صَنْعَة فِي الْكَلَام
وَسَمَاع الْغناء مُبَاح لِأَن مَا جَازَ من غير لحن جَازَ مَعَ ألحان إِلَّا أَن يتَّخذ ذَلِك عَادَة

(7/351)


فقد يقْدَح فِي الْمُرُوءَة
والرقص أَيْضا مُبَاح وَلَكِن إِذا صَار مُعْتَادا أَو صَار الْغناء مكسبة فيقدح فِي الْمُرُوءَة
والتغني بِالْقُرْآنِ جَائِز بل مُسْتَحبّ إِلَّا أَن يَنْتَهِي إِلَى التمطيط المشوش للنظم كَانَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ حسن الترنم بِالْقُرْآنِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن هَذَا قد أُوتِيَ مِزْمَارًا من مَزَامِير آل دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام
السَّادِس لبس الْحَرِير وَالْجُلُوس عَلَيْهِ حرَام وَترد الشَّهَادَة باستدامة دون الْمرة الْوَاحِدَة وَكَذَا التَّخَتُّم بِخَاتم الذَّهَب وَغلط بعض الْأَصْحَاب فَقَالَ لَو كَانَ شُهُود

(7/352)


النِّكَاح على حَرِير لم ينْعَقد النِّكَاح بِشَهَادَتِهِم
الْوَصْف الثَّانِي الْمُرُوءَة فَمن يرتكب من الْمُبَاحَات مَا لَا يَلِيق بأمثاله كَالْأَكْلِ فِي الطَّرِيق وَالْبَوْل فِي الشَّارِع وَلبس الْفَقِيه القباء والقلنسوة فِي بِلَادنَا وَغير ذَلِك مِمَّا يخسر بِهِ فِيهِ فَيدل ذَلِك إِمَّا على خبل فِي عقله أَو انحلال فِي نَفسه يبطل الثِّقَة بصدقه فتخل شَهَادَته وَلَا يخفى أَن ذَلِك يخْتَلف بالأشخاص وَالْأَحْوَال فذو المنصب إِذا حمل الْمَتَاع إِلَى بَيته لنجله فَلَا مُرُوءَة لَهُ وَإِن أمكن حمله على التَّقْوَى والإقتداء بالأولين فَلَا يقْدَح فِيهِ
ويلتحق بِهَذَا الْفَنّ الإكباب على الْمُبَاحَات الْمَانِعَة من الْمُهِمَّات كمداومة الشطرنج واللعب بالحمام والرقص والغناء فَإِن ذَلِك أَيْضا يشْعر بانحلال
وَاخْتلفُوا أَيْضا فِي الْحَرْف الدنية فَمنهمْ من لم يقبل شَهَادَة الدّباغ والكناس والحجام والمدلك وَمن يتعاطى القذر لِأَن اخْتِيَاره هَذِه الحرفة يشْعر بخسته وَمِنْهُم من قَالَ تقبل إِذا كَانَ ذَلِك صَنْعَة آبَائِهِ ولائقا بأمثاله وَفِي الحائك طَرِيقَانِ قَالَ الْقفال لَا فرق بَينه وَبَين الْخياط وَقَالَ بَعضهم جرت الْعَادة بالإزراء بهم فاختياره مَعَ ذَلِك كاختيار الكنس والحجامة
الْوَصْف الثَّالِث الإنفكاك عَن التُّهْمَة
وَلَا خلاف أَن شَهَادَة الْعدْل لَا تقبل فِي كل مَوضِع فَنَقُول للتُّهمَةِ أَسبَاب

(7/353)


الأول أَن تَتَضَمَّن الشَّهَادَة جرا أَو دفعا
أما الْجَرّ فبأن يشْهد على من جرح مُوَرِثه فالشهادة مَرْدُودَة لِأَن بدل الْجراحَة يحصل لَهُ بِالْإِرْثِ وَالْجرْح سَبَب الْمَوْت المفضي إِلَى الْإِرْث وَلَا خلاف أَنه لَو شهد فِي مرض الْمَوْت للمورث بِمَال جَازَ وَلَا نجْعَل للتُّهمَةِ موضعا وَإِنَّمَا ردَّتْ شَهَادَة الْجرْح لِأَن تزكيته ترجع إِلَيْهِ
وَأما الدّفع فبأن يشْهد اثْنَان من الْعَاقِلَة على فسق شُهُود الْقَتْل الْخَطَأ فكأنهم يشْهدُونَ لأَنْفُسِهِمْ

فرعان

الأول لَو شهد أحد الِابْنَيْنِ على أَخِيه بِأَلف دِرْهَم دين على الْمُورث وَقُلْنَا لَا يجب عِنْد الإنفراد بِالْإِقْرَارِ إِلَّا حِصَّة الْمقر قبلت هَذِه الشَّهَادَة إِذْ لَا دفع فِيهَا وَإِن قُلْنَا إِنَّه يلْزمه تَسْلِيم جَمِيع الْألف من حِصَّته لَو أنكر الآخر فَلَا تقبل شَهَادَته لِأَنَّهُ دَافع وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِن أقرّ ثمَّ شهد لم تقبل كَمَا لَو قذف ثمَّ شهد وَلَو أنشأ الشَّهَادَة ابْتِدَاء قبل كَمَا لَو شهد على الزِّنَا
الثَّانِي لَو شهد شَاهِدَانِ لِرجلَيْنِ بِالْوَصِيَّةِ لَهما فِي تَرِكَة فشهدا للشاهدين أَيْضا بِوَصِيَّة قَالَ صَاحب التَّقْرِيب لَا تقبل للتُّهمَةِ وَهَذَا فَاسد لِأَن كل شَهَادَة مُنْفَصِلَة عَن الْأُخْرَى لَيْسَ فِيهَا جر وَقد قطع الْأَصْحَاب بِأَن رُفَقَاء الْقَافِلَة إِذا شهد بَعضهم لبَعض فِي قطع الطَّرِيق قبل إِذا لم يتَعَرَّض فِي شَهَادَته لنصيب نَفسه
السَّبَب الثَّانِي البعضية الْمُوجبَة للنَّفَقَة تمنع قبُول الشَّهَادَة
فَلَا تقبل الشَّهَادَة للْوَلَد وَالْوَالِد وَسَائِر الْفُرُوع وَالْأُصُول لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ من مَاله إِلَّا قدر حَاجته وَمَال أُصُوله وفروعه معرض لِحَاجَتِهِ فَكَأَنَّهُ شهد لنَفسِهِ وَفِي شَهَادَة الزَّوْجَيْنِ ثَلَاثَة

(7/354)


أَقْوَال كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الْقطع بِالسَّرقَةِ
وَلَا خلاف أَن شَهَادَة الزَّوْج على إِنْسَان بِأَنَّهُ زنى بِزَوْجَتِهِ لَا تقبل وَكَذَلِكَ إِن شهد على زَوجته بِالزِّنَا مَعَ ثَلَاثَة من الْعُدُول لِأَنَّهَا أوغرت صَدره فَنَشَأَ مِنْهُ عَدَاوَة وَلِأَنَّهُ يشْهد بالخيانة على مَحل حَقه وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تقبل
وَقَالَ مَالك رَحمَه الله تقبل شَهَادَة الْوَلَد لوالده وَلَا تقبل شَهَادَة الْوَالِد لوَلَده وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَول قديم أَنه تقبل الشَّهَادَة للْوَلَد وللوالد
أما الشَّهَادَة عَلَيْهِم فمقبولة لِأَنَّهَا أبعد عَن التُّهْمَة وَفِيه وَجه أَن شَهَادَة الإبن لَا تقبل على الْأَب بالعقوبات إِذْ لَا يكون الإبن سَبَب عُقُوبَة الْأَب وَهَذَا بعيد لِأَنَّهُ مظهر لَا مُوجبا
وَفِي حبس الْأَب بدين وَلَده ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه لَا يحبس لِأَنَّهُ عُقُوبَة

(7/355)


وَالثَّانِي أَنه يحبس لِأَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودا وَعَلِيهِ أَن يُؤَدِّي الْحق ليتخلص وَقَالَ صَاحب التَّلْخِيص يحبس فِي نَفَقَته وَلَا يحبس فِي سَائِر دُيُونه

فرع
إِذا شهد بِحَق مُشْتَرك بَين وَلَده وأجنبي ورد فِي حق وَلَده فَفِي الرَّد فِي حق الْأَجْنَبِيّ وَجْهَان لأجل تبعيض الشَّهَادَة فِي نَفسهَا
السَّبَب الثَّالِث الْعَدَاوَة فَلَا تقبل شَهَادَة الْعَدو على الْعَدو خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَسلم أَن شَهَادَة المخاصم فِي الْحَال لَا تقبل
أما شَهَادَة المخاصم بعد انْقِطَاع الْخُصُومَة فمقبولة بالإتفاق إِذْ يُؤَدِّي ذَلِك إِلَى أَن من

(7/356)


يستشعر من غَيره إِقَامَة شَهَادَة عَلَيْهِ ينشيء مَعَه خُصُومَة
ورد شَهَادَة الْعَدو مُشكل لِأَنَّهُ إِن أخرجته الْعَدَاوَة إِلَى فسق فَترد للفسق وَإِن لم تخرجه إِلَى مَعْصِيّة فَلَا يبْقى إِلَّا مُجَرّد تُهْمَة
وَلَا خلاف أَن الشَّهَادَة للصديق مَقْبُولَة وَكَذَا الْأَخ وَالْأَقْرَب وَلَكِن الْمُعْتَمد فِيهِ قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تقبل شَهَادَة خصم على خصم
وَإِنَّمَا ترد الشَّهَادَة بعداوة ظَاهِرَة موروثة أَو مكتسبة بِحَيْثُ يعلم أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يفرح بمساءة صَاحبه ويغتم بمسرته ويبغي الشَّرّ لَهُ وَهَذَا الْقدر لَا يفسق بِهِ فَترد الشَّهَادَة بِهِ وَإِن عرف ذَلِك من أَحدهمَا خصت شَهَادَته بِالرَّدِّ دون شَهَادَة صَاحبه
وَقد يكون سَبَب الْعَدَاوَة التعصب للأهواء والمذاهب إِذْ الْمُعْتَزلَة وَسَائِر المبتدعة لَا يكفرون وَأَنه تقبل شَهَادَتهم وَإِن ضللناهم قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد ترد شَهَادَة من يطعن فِي الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَمن يقذف عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فَإِنَّهَا مُحصنَة بِنَصّ الْكتاب مبرأة عَن الْفَوَاحِش وَمَا ذكره صَحِيح وَإِنَّمَا تقبل شَهَادَة الْمُخَالفين فِي

(7/357)


الإعتقادات فَإِن من يرى أَن الْكَبِيرَة الْوَاحِدَة توجب الخلود فِي النَّار فَقَوله أوثق
السَّبَب الرَّابِع التغافل
فَرب عدل مُغفل كثير السَّهْو والغلط وَإِن لم يكذب عمدا وَرُبمَا لَا يفْطن لحقائق الْأَشْيَاء وَيكثر سبقه إِلَى الإعتقاد بالتوهم فَمثل هَذَا لَا تقبل شَهَادَته الْمُرْسلَة إِلَّا فِي أَمر جلي يستقصي الْحَاكِم فِيهِ وَيكثر فِيهِ مُرَاجعَته حَتَّى يتَبَيَّن تثبته وَأَنه لَا يسهو فِي مثله
السَّبَب الْخَامِس التَّغَيُّر يرد الشَّهَادَة
فالفاسق المستسر بِالْفِسْقِ إِذا ردَّتْ شَهَادَته ثمَّ حسنت حَالَته فَأَعَادَ تِلْكَ الشَّهَادَة بِعَينهَا لم تقبل وَتقبل سَائِر شهاداته إِذْ المكذب تنبعث فِيهِ دَاعِيَة طبيعية لإِثْبَات صدق نَفسه فَيصير ذَلِك من أهم حظوظه
وَالْكَافِر وَالصَّبِيّ وَالْعَبْد إِذا ردَّتْ شَهَادَتهم ثمَّ أعادوها بعد الْأَهْلِيَّة قبل إِذْ لَا عَار عَلَيْهِم فِي الرَّد أما الْفَاسِق الْمُعْلن والعدو وَالسَّيِّد إِذا شهد لمكاتبه فَردَّتْ شَهَادَتهم فأعادوها بعد

(7/358)


هَذِه الْأَعْذَار فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا ترد لِأَن أَسبَاب الرَّد ظَاهِرَة فَلَا يتعيرون بهَا كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْد
وَالثَّانِي أَنه ترد لانهم اتهموا وَالْمُتَّهَم يتعير فَيدْفَع الْعَار بِالْإِعَادَةِ
السَّبَب السَّادِس الْحِرْص على الشَّهَادَة بأدائها قبل الاستشهاد
وَذَلِكَ مَرْدُود إِن كَانَ قبل الدَّعْوَى وَإِن كَانَ بعد الدَّعْوَى وَقب الإستشهاد فَفِي الْقبُول وَجْهَان وَإِن لم تقبل فَهَل يصير بِهِ مجروحا فِيهِ وَجْهَان
وَهَذَا فِيمَا لَا تجوز فِيهِ شَهَادَة الْحِسْبَة أما مالله تَعَالَى فِيهِ حق كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق وَتَحْرِيم الرَّضَاع وَالْعَفو عَن الْقصاص فَيثبت بِشَهَادَة الْحِسْبَة من غير تقدم دَعْوَى وترددوا فِي الْوَقْف وَالنّسب وَشِرَاء الْأَب
أما الْوَقْف فَالصَّحِيح أَنه لَا يثبت إِلَّا بِالدَّعْوَى إِذا كَانَ لَهُ مُسْتَحقّ معِين فَأَما على الْمَسَاجِد والجهات الْعَامَّة فَيثبت وَأما شِرَاء الْقَرِيب الَّذِي يعْتق عَلَيْهِ فَيُشبه الْخلْع من وَجه وَالطَّلَاق الْبَائِن يثبت بِالشَّهَادَةِ على الْخلْع وَفِي شِرَاء الْقَرِيب وَجْهَان
أَحدهمَا يثبت كالخلع وَقَالَ القَاضِي لَا يثبت دون الدَّعْوَى لِأَن الْعِوَض مَقْصُود فِي

(7/359)


الشِّرَاء وإثباته دون الْعِوَض محَال وَبيع الْعِوَض محَال إِذْ لَا مدعي لَهُ وَأما النّسَب فَقَالَ القَاضِي لَا يثبت دون الدَّعْوَى وَقَالَ الصيدلاني من أَتَت بِولد وَادّعى الزَّوْج أَنه لدوّنَ سِتَّة أشهر قبلت الْبَيِّنَة على أَنه لسِتَّة أشهر وَإِن سكتت الْمَرْأَة وَهَذَا يدل على الْقبُول من غير دَعْوَى فقد تحصلنا فِيهِ على تردد من حَيْثُ إِن النّسَب مُتَعَلق بِكَثِير من حُقُوق الله تَعَالَى كَالطَّلَاقِ
وَلَا خلاف فِي أَن من اختفى فِي زَاوِيَة لتحمل شَهَادَة فَلَا يحمل ذَلِك على حرصه على الشَّهَادَة وَلَا ترد لِأَن الْحَاجة قد تمس إِلَى ذَلِك للأقارير وَقَالَ مَالك رَحمَه الله هَذِه الشَّهَادَة مَرْدُودَة وَقيل إِنَّه قَول للشَّافِعِيّ ضَعِيف

(7/360)


هَذِه مجامع مَا ترد بِهِ الشَّهَادَة أما شَهَادَة الْقَرَوِي على البدوي والبدوي على الْقَرَوِي فمقبولة خلافًا لمَالِك رَحمَه الله
وَشَهَادَة الْمَحْدُود فِي الْقَذْف إِذا تَابَ مَقْبُولَة خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَشَهَادَة

(7/361)


الْفَاسِق الَّذِي لَا يكذب ويوثق بقوله لَا تقبل عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَن من لَا يخَاف الله تَعَالَى إِنَّمَا يصدق لغَرَض وَإِذا تغير غَرَضه لم يبال بِالْكَذِبِ

خَاتِمَة بِذكر قاعدتين

إِحْدَاهمَا أَن هَذِه الْأَسْبَاب إِذا زَالَت قبلت الشَّهَادَة وَلَا يطول النّظر فِي زَوَال الصَّبِي وَالرّق وَأَمْثَاله وَإِنَّمَا يطول فِي زَوَال الْفسق والعداوة فَإِن التَّوْبَة مِمَّا يخفى وَلَا يَكْفِي قَول الْفَاسِق تبت بل لَا بُد من الإستبراء مُدَّة حَتَّى يظْهر بقرائن الْأَحْوَال صَلَاح سَرِيرَته وَقدر بَعضهم بِسنة لتنقضي الْفُصُول فَإِن العزائم تَتَغَيَّر فِيهِ وَقيل سِتَّة أشهر وَالْكل تحكم بل يخْتَلف ذَلِك بالأحوال والأشخاص وَالْمَطْلُوب غَلَبَة الظَّن
أما الْقَاذِف فتوبته فِي إكذابه نَفسه كَذَلِك قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ مُشكل لِأَنَّهُ رُبمَا كَانَ صَادِقا فالمعني بِهِ تَكْذِيبه نَفسه فِي قَوْله أَنا محق بالإظهار والمجاهرة دون الْحجَّة فَيَكْفِي أَن يَقُول تبت وَلَا أَعُود وَهل يَكْفِي مُجَرّد ذَلِك دون الإستبراء إِذا لم يظْهر مِنْهُ فسق آخر فِيهِ نُصُوص مضطربة وَالْحَاصِل أَنه إِن أقرّ على نَفسه بِالْكَذِبِ فيستبرأ لِأَن هَذَا الْكَذِب كَبِيرَة وَإِن لم يقر وَجَاء شَاهدا وَمَا تمت الشَّهَادَة فَقَوْلَانِ وَإِن جَاءَ قَاذِفا فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِأَن يستبرأ وَالصَّوَاب أَن نقُول إِن علم أَن ذكر ذَلِك حرَام فَهُوَ فَاسق فيستبرأ وَإِن ظن أَن هَذَا الْقَذْف مُبَاح فَلَا حَاجَة إِلَى الإستبراء وَيَكْفِي قَوْله تبت فَإِن أَقَامَ الْحجَّة على صدق نَفسه فَفِي بَقَاء عَدَالَته وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه تقبل شَهَادَته إِذْ ظهر صدقه

(7/362)


وَالثَّانِي إِذْ لَا نمكن لَهُ أَن يقذف ثمَّ يثبت إِلَّا أَن يَجِيء مَجِيء الشُّهُود
الْقَاعِدَة الثَّانِيَة أَن القَاضِي إِذا غلط فَقضى بِشَهَادَة هَؤُلَاءِ ثمَّ عرف بعد الْقَضَاء فينقض الْقَضَاء إِن ظهر كَون الشَّاهِد عبدا أَو صَبيا أَو كَافِرًا وَإِن ظهر كَونه فَاسِقًا فَقَوْلَانِ
أقيسهما أَنه ينْقض إِذْ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ شَهَادَة العَبْد أقرب من شَهَادَة الْفَاسِق إِذْ نَص الْقُرْآن يدل على رد الْفَاسِق حَيْثُ قَالَ {إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ} وَقَوله {مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء}
وَالثَّانِي أَنه لَا ينْقض لِأَنَّهُ أهل على الْجُمْلَة وَرُبمَا صدق وَهَذَا ضَعِيف على مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلِهَذَا قطع بعض الْأَصْحَاب بِالنَّقْضِ ورد تردد القَوْل إِلَى مَا إِذا فسق بعد الْقَضَاء وَاحْتمل الإستناد وَأول عَلَيْهِ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ

(7/363)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الْعدَد والذكورة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَالْعدَد مَشْرُوط فِي كل شَهَادَة فَلَا يثبت بِشَهَادَة وَاحِد إِلَّا رُؤْيَة الْهلَال لرمضان على رَأْي إِذْ يسْلك بِهِ مَسْلَك الْأَخْبَار لتَعَلُّقه بالعبادات أما هِلَال شَوَّال فَلَا يثبت إِلَّا بِاثْنَيْنِ
ثمَّ الشَّهَادَات فِي الْعدَد على مَرَاتِب
الْمرتبَة الأولى الزِّنَا وَلَا يثبت إِلَّا بِشَهَادَة أَرْبَعَة رجال لقَوْله تَعَالَى {لَوْلَا جاؤوا عَلَيْهِ بأَرْبعَة شُهَدَاء} وَيَقُول كل وَاحِد رَأَيْته يدْخل فرجه فِي فرجهَا كالمرود فِي المكحلة فَإِن الشَّاهِد الرَّابِع على زنا الْمُغيرَة لما قَالَ بَين يَدي عمر وَرَأَيْت نفسا يَعْلُو واستا ينبو ورأيتهما يضطربان تَحت لِحَاف ورجلاها على عَاتِقه كَأَنَّهُمَا أذنا حمَار فَقَالَ عمر الله أكر وَجلد سَائِر الشُّهُود وَلم يكتف بِهَذَا
وَهل يشْتَرط على الْإِقْرَار بِالزِّنَا أَرْبَعَة فِيهِ قَولَانِ واللواط إِن قُلْنَا إِنَّه كَالزِّنَا أَو يُوجب الْقَتْل فَهُوَ كَالزِّنَا وَإِن لم يُوجب إِلَّا التَّعْزِير فَهَل يشْتَرط فِيهِ أَرْبَعَة فِيهِ قَولَانِ وَهل يجوز للشَّاهِد النّظر إِلَى الْفرج أَو إِلَى العورات لتحمل الشَّهَادَة فِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا نعم لِأَن الشَّهَادَة أَمَانَة
وَالثَّانِي لَا لَكِن إِن وَقع الْبَصَر تحمل الشَّهَادَة وَإِلَّا فَلَا

(7/364)


وَالثَّالِث لَا يجوز لأجل الزِّنَا فَإِن الْحُدُود مَبْنِيَّة على الدّفع أما لعيوب النِّسَاء وَغير ذَلِك من الْأَحْكَام يجوز

فرع
لَا تمنع الشَّهَادَة بتقادم الْعَهْد فِي الزِّنَا وَلَا بِأَن يشْهد أَرْبَعَة فِي أَرْبَعَة مجَالِس خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّهُ قَالَ إِذا انْفَرد وَاحِد فِي مجْلِس حد وَلَا يَنْفَعهُ من يشْهد فِي مجْلِس آخر
الْمرتبَة الثَّانِيَة النِّكَاح وَالرَّجْعَة لقَوْله تَعَالَى {وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم} وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشهود الْحق الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بِهِ كل مَا لَيْسَ بِمَال

(7/365)


كَالْقصاصِ وَالْعِتْق والإستيلاد وَالْكِتَابَة والوصايا وَالْوكَالَة وَالْعَفو عَن الْقصاص وَالْجرْح وَالتَّعْدِيل والترجمة فِي مجْلِس الْقَضَاء وَإِثْبَات الرِّدَّة وَالْإِسْلَام وَالنّسب وَالْبُلُوغ وَالْوَلَاء وَالْعدة وَالْمَوْت وَلَا ينظر إِلَى رُجُوع الْوكَالَة والوصايا إِلَى مَال لِأَنَّهَا فِي نَفسهَا سلطنة وَولَايَة وَلَيْسَ بِمَال وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله ينْعَقد النِّكَاح بِشَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ وخصص اعْتِبَار الذُّكُورَة بالعقوبات
الْمرتبَة الثَّالِثَة الْأَمْوَال وحقوقها وأسبابها تثبت بِشَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ بِدَلِيل آيَة المداينة وَيدخل فِيهِ الشّركَة وَالْإِجَارَة وَإِتْلَاف الْأَمْوَال وعقود الضَّمَان وَالْقَتْل خطأ وكل جِرَاحَة لَا توجب إِلَّا المَال وَحقّ الْخِيَار وَالشُّفْعَة وَفسخ الْعُقُود وَقبض نُجُوم الْكِتَابَة إِلَّا النَّجْم الْأَخير فَيتَعَلَّق بِهِ الْعتْق فَفِيهِ وَجْهَان وَيثبت المَال فِي السّرقَة بِشَاهِد وَامْرَأَتَيْنِ دون الْقطع وَالصَّحِيح أَن الْأَجَل من حُقُوق المَال وَقيل إِنَّه نوع سلطنة فيضاهي الْوكَالَة
ثمَّ ليعلم أَن النِّكَاح إِن لم يثبت بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ يثبت فِي حق الْمهْر وَكَذَا الْوكَالَة تثبت فِي حق البيع وَتثبت الْوَصِيَّة وَإِن لم تثبت الْوِصَايَة

فرع
لَو قَالَ لزوجته إِن غصبت فَأَنت طَالِق أَو إِن ولدت فَثَبت الْغَصْب أَو الْولادَة بِشَهَادَة النسْوَة وَجب المَال وَلحق النّسَب وَلم يَقع الطَّلَاق الْمُعَلق بهما وَكَذَا لَو علق بِرُؤْيَة الْهلَال وَشهد وَاحِد وَلَو شهد أَولا على غصبهَا رجل وَامْرَأَتَانِ فَقضى القَاضِي بِالضَّمَانِ فَقَالَ إِن كنت غصبت فَأَنت طَالِق قَالَ ابْن سُرَيج إِنَّه يَقع بِخِلَاف مَا إِذا تقدم التَّعْلِيق وَفِيه وَجه آخر أَنه لَا يَقع
الْمرتبَة الرَّابِعَة مَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال غَالِبا وَيثبت بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ وبأربع نسْوَة

(7/366)


كالولادة والبكارة وعيوب النِّسَاء وَالرّضَاع وَمَا يخفى عَن الرِّجَال غَالِبا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تثبت الْولادَة بِشَهَادَة الْقَابِلَة وَحدهَا عِنْد قيام الْفراش أَو ظُهُور مخايل الْحمل بعد الطَّلَاق
فَإِن قيل فَهَل يتَعَلَّق بِشَاهِد وَاحِد حكم قُلْنَا من أَقَامَ شَاهِدين على مَال فخاف فَوَاته فَلهُ التمَاس الْحَيْلُولَة قبل التَّزْكِيَة وَيجب ذَلِك على القَاضِي فِي الْأمة إِذا أَقَامَت شَاهِدين على الْحُرِّيَّة وَيجب فِي العَبْد إِن طلب العَبْد وَالْعَبْد ينْفق من كَسبه فِي مُدَّة الْحَيْلُولَة وَإِن لم يكن فَمن بَيت المَال ثمَّ يرجع إِلَى السَّيِّد إِن لم يثبت الْعتْق وَكَذَا لَو أَقَامَ شَاهِدين على

(7/367)


زوجية امْرَأَة منعنَا الْمَرْأَة عَن الإنتشار قبل التزكيه وَفِي الْعقار هَل يُجَاب إِلَى الْحَيْلُولَة مَعَ أَنه لَا خوف فِيهِ خلاف
فِي هَذِه الْمسَائِل الشَّاهِد الْوَاحِد هَل ينزل فِي اقْتِضَاء الْحَيْلُولَة منزلَة الشَّاهِدين فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا نعم لِأَن تَمَامه متوقع كالتعديل
وَالثَّانِي لَا لِأَن الْوَاحِد لَيْسَ بِحجَّة وَالتَّعْدِيل يبين أَن مَا أَقَامَهُ من قبل كَانَ حجَّة فَإِن قُلْنَا يُؤثر فِي الْحَيْلُولَة فقد ظهر لَهُ فَائِدَة على الْجُمْلَة
وَلَو جرى فِي دين فَهَل للْمُدَّعِي أَن يلْتَمس الْحجر خوفًا من أَن يَبِيع مَاله فِيهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من قطع بِالْمَنْعِ لِأَن ضَرَر الْحجر عَظِيم وَقَالَ القَاضِي إِن كَانَ الْخصم مَعْرُوفا بالحيلة وَخَافَ القَاضِي حيلته حجر عَلَيْهِ

(7/368)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي مُسْتَند علم الشَّاهِد وتحمله وأدائه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَفِيه فصلان
الْفَصْل الأول فِي مُسْتَنده

وَالْأَصْل فِيهِ الْيَقِين قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} وَقَالَ رجل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَ أشهد فَقَالَ أَرَأَيْت الشَّمْس طالعة فَقَالَ نعم فَقَالَ على مثل هَذَا فاشهد وَإِلَّا فاسكت هَذَا هُوَ الأَصْل لَكنا قد نلحق الظَّن بِهِ للْحَاجة فَنَقُول
الْمَشْهُود عَلَيْهِ يَنْقَسِم إِلَى مَا يحْتَاج إِلَى الْبَصَر دون السّمع وَإِلَى مَا يحْتَاج إِلَى السّمع دون الْبَصَر وإلي مَا يحْتَاج إِلَيْهِمَا
الأول مَا يحْتَاج إِلَى الْبَصَر دون السّمع وَهُوَ الْأَفْعَال إِذْ الْبَصَر يدْرك الْفِعْل وَالْفَاعِل جَمِيعًا
الْقسم الثَّانِي مَا يحْتَاج إِلَيْهِمَا وَهُوَ الْأَقْوَال إِذْ الْأَقْوَال تدْرك بِالسَّمْعِ وَالْقَائِل لَا

(7/369)


يتَعَيَّن إِلَّا بالبصر وَلَيْسَ للأعمى أَن يعْتَمد الْأَصْوَات فَإِنَّهَا تتشابه بالتلبيس وَقَالَ مَالك رَحمَه الله لَهُ ذَلِك إِذْ يحل لَهُ وَطْء زَوجته فَإِذا سمع إِقْرَارهَا فِي حَالَة الْوَطْء كَيفَ لَا يشْهد عَلَيْهَا فَنَقُول فِي غَيره من الشُّهُود غنية أما حل الْوَطْء والمعاملات فتبنى على الْحَاجَات
وَقد اخْتلف الْأَصْحَاب فِي سبع
الأول إِذا تعلق الْأَعْمَى بشخص فصاح فِي أُذُنه بِالْإِقْرَارِ فجره إِلَى القَاضِي مُتَعَلقا بِهِ وَشهد فَفِيهِ وَجْهَان
أصَحهمَا الْقبُول للثقة
وَالثَّانِي لَا لِأَن فتح هَذَا الْبَاب عسير ودرجات التَّعَلُّق والملازمة تخْتَلف وَلَا تنضبط
الثَّانِيَة فِي رِوَايَة الْأَعْمَى خلاف لِأَنَّهُ يعجز عَن تَمْيِيز الْمَرْوِيّ عَنهُ وَلَكِن قَالَ بَعضهم

(7/370)


يجوز وَكَانَ الصَّحَابَة يسمعُونَ من عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا من وَرَاء السّتْر فهم فِي حَقّهَا كالعميان أما مَا سَمعه قبل الْعَمى فيروي بل مَا تحمل من الشَّهَادَة قبل الْعَمى على مَعْرُوف النّسَب تقبل فِيهِ شَهَادَته
وَالْقَاضِي إِذا سمع بَيِّنَة وَلم يبْق إِلَّا الحكم فانعزل بالعمى فَفِي ذَلِك الحكم وَجْهَان من حَيْثُ إِن الْعَزْل يبعد أَن يتَجَزَّأ
الثَّالِثَة فِي المترجم الْأَعْمَى وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يجوز لِأَن القَاضِي يُشَاهد المترجم كَلَامه
وَالثَّانِي لَا حسما للباب
الرَّابِعَة فِي انْعِقَاد النِّكَاح بِحُضُور الأعميين وَجْهَان لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِثْبَات لَكِن الْمَقْصُود الْإِثْبَات
الْخَامِسَة إِذا تحمل الْبَصِير شَهَادَة على شخص فَمَاتَ وَلم يكن مَعْرُوفا بِالنّسَبِ فَلَا بُد وَأَن يحضر مَيتا حَتَّى يشْهد على عينه بمشاهدة صورته فَإِن كَانَ قد دفن لم ينبش قَبره إِلَّا إِذا عظمت الْوَاقِعَة واشتدت الْحَاجة وَلم يطلّ الْعَهْد بِحَيْثُ تَتَغَيَّر الصُّورَة
فَإِن كَانَ يعرفهُ باسمه وَاسم أَبِيه دون جده فليقتصر عَلَيْهِ فِي الشَّهَادَة وَإِن عرف القَاضِي بذلك جَازَ وَإِن افْتقر إِلَى اسْم الْجد فَلَيْسَ لَهُ أَن يسْأَل عَن اسْم جده ويذكره وَحكي أَن الْقفال ورد عَلَيْهِ كتاب من قَاض ليزوج فُلَانَة من خاطبها أَحْمد بن عبد الله وَكَانَ جَار الْقفال فَقَالَ أَنا إِنَّمَا أعرفك بِأَحْمَد لَا بِأَحْمَد بن عبد الله فَلم يُزَوّج وَفِي مثل هَذِه الصُّورَة لَو أَقَامَ

(7/371)


عِنْده بَيِّنَة على أَنه أَحْمد بن عبد الله لم تَنْفَع لِأَنَّهُ لم يُفَوض إِلَيْهِ سَماع الْبَيِّنَة كَيفَ وَالصَّحِيح أَن الْبَيِّنَة إِنَّمَا تسمع بعد تقدم دَعْوَى وإنكار
السَّادِسَة تحمل الشَّهَادَة على امْرَأَة منتقبة بتعريف عَدْلَيْنِ غير جَائِز إِلَّا على مَذْهَب من يرى أَن التسامع من عَدْلَيْنِ كَاف فِي معرفَة النّسَب بل الطَّرِيق مَا فعله الْقفال رَحمَه الله إِذْ كتب فِي مثل هَذِه الشَّهَادَة أشهدني فلَان وَفُلَان أَنَّهَا فُلَانَة بنت فلَان وَأَنَّهَا أقرَّت وَامْتنع عَن الْأَدَاء فَقَالَ وَكَيف أشهد والشاهدان فِي السُّوق يَعْنِي أَن شهادتي شَهَادَة الْفَرْع لَكِن طَرِيق تحمل الشَّهَادَة أَن تكشف عَن وَجههَا حَتَّى ينظر إِلَيْهَا ويحفظ حليتها ثمَّ إِنَّهَا عِنْد أَدَاء الشَّهَادَة تكشف ثَانِيًا فَإِن عرفهَا شهد وَإِلَّا فيسكت
وَيجوز النّظر لحَاجَة التَّحَمُّل وَإِن كَانَت فِي غَايَة الْجمال وللقاضي عِنْد الشَّهَادَة إِن رابه أَمر أَن يحضر مَعهَا نسْوَة فِي قدها وكسوتها ويمتحن الشَّاهِد فَإِن لم يميزها عَنْهُن لم تقبل شَهَادَته وَقد فعل ذَلِك بعض الْقُضَاة
السَّابِعَة إِذا وَقعت الشَّهَادَة على عينهَا كَمَا ذَكرْنَاهُ بِمَال فَطلب الْخصم التسجيل وَلم يعرفهَا القَاضِي بنسبها لم يكن لَهُ ذَلِك إِلَّا أَن يسجل على حليتها وَصورتهَا وَلَا يَكْفِي قَوْلهَا إِنِّي فُلَانَة بنت فلَان إِذْ لَا يسمع مُجَرّد قَوْلهَا وَلَا أَن يُقيم الْخصم بَيِّنَة لِأَنَّهَا إِنَّمَا تُقَام بعد تقدم دَعْوَى فِي النّسَب وَلَكِن لَو نصب قيمًا حَتَّى يَدعِي عَلَيْهَا دينا وَأَنَّهَا بنت فلَان فتنكر الْمَرْأَة وتقام الْبَيِّنَة جَازَ ذَلِك فعله القَاضِي حُسَيْن فِي مثل هَذِه الْوَاقِعَة وَفِيه إِشْكَال من حَيْثُ إِنَّهَا رُبمَا كَانَت أقرَّت عِنْد القَاضِي بِالنّسَبِ فَكيف تنكره وَلَا دَعْوَى إِلَّا على مُنكر وَمن حَيْثُ إِن القَاضِي عَالم بِأَن هَذِه الدَّعْوَى كذب لَكِن قَالَ القَاضِي حُسَيْن هَذِه حِيلَة جَائِزَة للْحَاجة كَمَا جَازَ بيع ثمار خَيْبَر بِالدَّرَاهِمِ ثمَّ شِرَاء نوع آخر بِهِ وَالْمَسْأَلَة مُحْتَملَة
الْقسم الثَّالِث مَا لَا يحْتَاج إِلَى الْبَصَر وَهُوَ الَّذِي يثبت بِالتَّسَامُعِ إِذْ لَا يُدْرِكهُ الْبَصَر

(7/372)


كالإعسار فَإِنَّهُ إِنَّمَا يدْرك بالخبرة الْبَاطِنَة وقرائن الْأَحْوَال فِي الصَّبْر سرا على الضّر والجوع وَلَا يعلم بِيَقِين لَكِن إِذا حصل ظن قريب من الْيَقِين جَازَت الشَّهَادَة
أما الَّذِي يثبت بِالتَّسَامُعِ فالنسب وَالْملك الْمُطلق وَاخْتلفُوا فِي الْوَلَاء وَالْوَقْف وَالنِّكَاح وَالْعِتْق لِأَن هَذِه أُمُور يدْرك بالبصر أَسبَابهَا لَكِن قد يستفيض بَين النَّاس ويدوم التفوه بِهِ وتتوفر الطباع على ذكره بِخِلَاف البيع وَالْهِبَة وَأَمْثَاله فَفِي اعْتِمَاد التسامع بِهِ وَجْهَان مِنْهُم من منع لِإِمْكَان الْمُشَاهدَة وَمِنْهُم من ألحق بِالنّسَبِ لحُصُول الظَّن بالإستفاضة وَكَذَا الْخلاف فِي النّسَب من جَانب الْأُم فَإِنَّهُ يُمكن مُشَاهدَة الْولادَة وَلَكِن يُؤثر فِيهِ التسامع أَيْضا وَمِنْهُم من قطع بِأَن جَانب الْأُم كجانب الْأَب وَفِي الْمَوْت أَيْضا طَرِيقَانِ وَالْمَشْهُور أَنه كالنسب يثبت بِالتَّسَامُعِ وَمِنْهُم من ألحقهُ بِالنِّكَاحِ لِأَنَّهُ يُمكن مشاهدته ثمَّ إِذا قضى بِهِ فالنظر فِي النّسَب وَالْملك أما النّسَب وَمَا يلْحق بِهِ فَفِي حد التسامع فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يسمع من قوم لَا تجمعهم رابطة التواطؤ كَمَا فِي أَخْبَار التَّوَاتُر وَالثَّانِي ذكر الْعِرَاقِيُّونَ أَنه يَكْفِي أَن يسمع من عَدْلَيْنِ ثمَّ لَا يكون شَاهدا على شَهَادَتهمَا وَهُوَ بعيد ثمَّ زادوا عَلَيْهِ وَقَالُوا لَو رَآهُ يحمل صَغِيرا وَهُوَ يستلحقه أَو قَالَ الْكَبِير هَذَا ابْني وَهُوَ سَاكِت شهد على النّسَب وَهَذَا غلط إِلَّا أَن يشْهد على الدعْوَة فَلَقَد يثبت النّسَب بِمُجَرَّد الدعْوَة
أما الْملك فَلَا يحصل فِيهِ تعْيين لِأَنَّهُ وَإِن شَاهد الشِّرَاء فَمن أَيْن يعلم ملك البَائِع أَو شَاهد الإصطياد فَمن أَيْن يعلم أَنه لم يفلت من غَيره لَكِن يعْتَمد الظَّن الْغَالِب الَّذِي لَو

(7/373)


كلف مزِيد بحث لتعذر إِثْبَات الأملالك وَيحصل ذَلِك باجتماع ثَلَاثَة أُمُور الْيَد وَالتَّصَرُّف والستامع أَعنِي تفاوض النَّاس بِإِضَافَة الْملك إِلَيْهِ فَإِن هَذَا إِذا دَامَ مُدَّة بِلَا مُنَازع غلب على الظَّن الْملك
وَهل يَكْفِي مُجَرّد الْيَد وَالتَّصَرُّف دون تفاوض النَّاس بِالْإِضَافَة الْمَشْهُور أَن ذَلِك كَاف وَقَالَ القَاضِي لَا يَكْفِي لِأَن المنازع إِنَّمَا يظْهر إِذا سمع الْإِضَافَة من النَّاس لَكِن يُقَابله أَنه لَو كَانَ تصرفه بالعدوان لظهر التفاوض بعدوانه فِي الْجِيرَان وَأهل الْمحلة فَعدم ذَلِك دَلِيل على عدم الْخصم
وَأما مُجَرّد الْيَد دون التَّصَرُّف أَو التَّصَرُّف دون الْيَد فَلَا يَكْفِي وَهل يَكْتَفِي بِمُجَرَّد التسامع دون الْيَد وَالتَّصَرُّف وتصور ذَلِك فِي ملك معطل قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يَكْفِي ذَلِك وَهُوَ بعيد فكأنهم يظنون أَن الْملك أَيْضا يشْتَهر كَمَا يشْتَهر الْوَقْف
ثمَّ إِنَّمَا نعني بِالتَّصَرُّفِ الْهدم وَالْبناء وَالْبيع وَالْفَسْخ وَالْإِجَارَة وَالرَّهْن وَلَو لم نر إِلَّا مُجَرّد الْإِجَارَة وَلَكِن مرّة بعد أُخْرَى فَفِيهِ خلاف وَالصَّحِيح أَنه لَا يدل إِذْ الْمُسْتَأْجر مُدَّة طَوِيلَة قد يُؤَاجر مرَارًا
هَذَا بَيَان مَا يعتمده الشَّاهِد فَتحل لَهُ الشَّهَادَة أما الْخط فقد ذكرنَا أَنه لَا يعْتَمد للشَّهَادَة ويعتمد للحلف وَمِمَّا يجب ذكره هَاهُنَا أَن من شهد على أَن فلَانا مَاتَ وَلَا وَارِث لَهُ سوى فلَان فَهَذَا يسمع وَإِن كَانَ على النَّفْي كبينة الْإِعْسَار وَلَكِن يسمع مِمَّن خبر بَاطِن أَحْوَاله وَعلم شعب نسبه وَيَكْفِي فِيهِ عَدْلَانِ يَقُولَانِ لَا نعلم لَهُ وَارِثا سواهُ مَعَ الْخِبْرَة الْبَاطِنَة
فَإِن لم تكن بَيِّنَة سلم إِلَى الْحَاضِر قدر الْيَقِين فَقَط وَلَا يَقِين إِلَّا فِي فرض من لَا يحجب عائلا كربع الثّمن عائلا للزَّوْجَة وَأما الْأَب فَلَا يستيقن لَهُ مِقْدَار معِين فَإِن لم تكن بَيِّنَة بحث القَاضِي ونادى بِأَنِّي قَاسم مِيرَاثه فَمن عرف لَهُ وَارِثا فليذكر فَإِن لم يظْهر سلم المَال إِلَى الْحَاضِر وَهل يطْلب لَهُ كَفِيلا للقدر الْمَشْكُوك فِيهِ قَولَانِ

(7/374)


الْفَصْل الثَّانِي فِي وجوب التَّحَمُّل وَالْأَدَاء

أما الْأَدَاء فَهُوَ وَاجِب على كل متحمل مُتَعَيّن دعِي إِلَى الْأَدَاء من مَسَافَة دون مَسَافَة الْعَدوي فَهَذِهِ ثَلَاثَة قيود
فَلَو لم يتَحَمَّل وَلَكِن وَقع بَصَره على فعل وَتعين فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا يجب لِأَن المتحمل مُلْتَزم وَهَذَا لم يلْتَزم
وَالثَّانِي أَنه يجب صِيَانة للحقوق
وَلَو لم يتَعَيَّن فَإِن امْتَنعُوا بجملتهم عَم الْحَرج جَمِيعهم وَإِن امْتنع وَاحِد فَفِي جَوَازه وَجْهَان من حَيْثُ إِن فتح ذَلِك الْبَاب رُبمَا يَدْعُو إِلَى التخاذل
وَلَو دعِي من مَسَافَة دون مَسَافَة الْقصر وَفَوق مَسَافَة الْعَدْوى فَوَجْهَانِ كالوجهين فِي لُزُوم قبُول شَهَادَة الْفَرْع فِي غيبَة الأَصْل إِلَى هَذَا الْحَد
ثمَّ الشَّاهِد لَا يسْتَحق الْأُجْرَة لِأَنَّهُ الْتزم هَذِه الْأَمَانَة بِخِلَاف الْكَاتِب نعم يسْتَحق الشَّاهِد أُجْرَة المركوب عِنْد طول الطَّرِيق ثمَّ إِذا أَخذهَا فَلهُ أَن لَا يركب وَيَمْشي فَكَأَنَّهُ أُجْرَة نَصبه فِي الْمَشْي
وَلَو تعين شَاهِدَانِ فَامْتنعَ أَحدهمَا وَقَالَ احْلِف مَعَ الثَّانِي لم يجز بالإتفاق

(7/375)


أما التَّحَمُّل فِيمَا لَا يَصح دون الشَّهَادَة كَالنِّكَاحِ فالإجابة إِلَى التَّحَمُّل فِيهِ من فروض الكفايات وَمن امْتنع لَا يَأْثَم لِأَنَّهُ غير مُتَعَيّن
أما التَّحَمُّل فِي الْأَمْوَال والأقارير هَل هُوَ من فروض الكفايات فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا لاستغنائه عَنهُ
وَالثَّانِي نعم لحَاجَة الْإِثْبَات عِنْد النزاع وَكَذَا الْخلاف فِي كتبه الصَّك لِأَنَّهُ لَا يسْتَغْنى عَنهُ فِي عصمَة الْحُقُوق

(7/376)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فِي الشَّاهِد وَالْيَمِين - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وكل وَاقعَة يقْضى فِيهَا بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ فَيقْضى بِشَاهِد وَيَمِين إِلَّا عُيُوب النِّسَاء وبابها وَقد صَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقَضَاء بِشَاهِد وَيَمِين قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ وَذَلِكَ فِي الْأَمْوَال وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يقبل شَاهد وَيَمِين
ثمَّ عندنَا يَنْبَغِي أَن تتقدم شَهَادَة الشَّاهِد وتعديله على الْيَمين إِذْ الْيَمين قبل تأيد جَانب الْحَالِف بِالْيَدِ أَو اللوث سَاقِط الْأَثر وَيجب على الْحَالِف أَن يصدق الشَّاهِد فِي يَمِينه فَيَقُول أَنا محق وَهُوَ صَادِق وَلَا خلاف فِي أَنه لَو حلف مَعَ امْرَأتَيْنِ لم يجز
ثمَّ هَذَا الْقَضَاء بِالشَّاهِدِ أَو بِالْيَمِينِ أَو بهما وَيظْهر الْأَثر فِي الْغرم عِنْد الرُّجُوع فِيهِ

(7/377)


ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه بِالْيَمِينِ وَالشَّاهِد يعضد جَانب الْحَالِف كاللوث
وَالثَّانِي أَنه بِالشَّاهِدِ لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قضى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين
وَالثَّالِث أَنه بهما جَمِيعًا
ثمَّ إِن قُلْنَا إِنَّه بِالْيَمِينِ أمكن إِيجَاب غرم أَيْضا على الشَّاهِد إِذْ الْيَمين نفذ بِشَهَادَتِهِ كَمَا يجب على رَأْي على الْمُزَكي لِأَن الشَّهَادَة نفذت بتعديله وَتَمام الْبَاب بمسائل أَربع
الأولى لَو أَقَامَ الْوَرَثَة شَاهدا وَاحِدًا على دين لمورثهم وحلفوا جَمِيعًا استحقوا وَلَو حلف وَاحِد اسْتحق الْحَالِف نصِيبه دون الناكل وَلَو مَاتَ الناكل لم يكن لوَارِثه أَن يحلف إِذْ بَطل حق الْحلف بِالنّكُولِ وَإِن مَاتَ قبل النّكُول فلوارثه أَن يحلف وَلَكِن هَل يجب إِعَادَة الشَّهَادَة فِيهِ وَجْهَان وَكَذَا لَو جَاءَ الْوَارِث بِشَاهِد آخر هَل يجب على الأول الْإِعَادَة فِيهِ قَولَانِ مأخذهما أَن هَذِه دَعْوَى جَدِيدَة أَو فِي حكم الْبناء وَلَو نكل الْوَارِث وللميت غَرِيم فَهَل يحلف فِيهِ قَولَانِ ذكرناهما فِي الْقسَامَة أما إِذا كَانَ فيهم غَائِب أَو مَجْنُون فَإِذا عَاد أَو أَفَاق حلف من غير حَاجَة إِلَى إِعَادَة الشَّهَادَة بل نفذت تِلْكَ الشَّهَادَة فِي الْحق الْمُشْتَرك بِدَعْوَى وَاحِد من الْوَرَثَة وَإِنَّمَا تخْتَص الدَّعْوَى وَالْحلف دون الْمُشَاهدَة أما إِذا أوصى لشخصين فَحلف أَحدهمَا مَعَ شَاهد وَالثَّانِي غَائِب فَإِذا عَاد فَلَا بُد من إِعَادَة الشَّهَادَة إِذْ ملكه مُنْفَصِل بِخِلَاف حُقُوق الْوَرَثَة فَإِنَّهُ إِنَّمَا يثبت أَولا لشخص وَاحِد وَهُوَ الْمَيِّت

فرع
لَو حلف بَعضهم مَعَ الشَّاهِد فَهَل يخرج نصيب الْغَائِب من يَد الْمُدعى عَلَيْهِ فِيهِ

(7/378)


قَولَانِ كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الْحَيْلُولَة بِشَاهِد وَاحِد لَكِن هَذَا أبعد لِأَن صَاحب الْحق لم يدع إِلَّا أَن اتِّحَاد الْمَيِّت كَأَنَّهُ يَجْعَل دَعْوَى الْوَاحِد كدعوى الْجَمِيع وَلذَلِك لَا تستعاد الشَّهَادَة أما النَّصِيب الَّذِي أَخذه الْحَالِف الْوَارِث فَلَا يُشَارِكهُ الْغَائِب فِيهِ نَص عَلَيْهِ وَقَالَ فِي كتاب الصُّلْح لَو ادّعى الوارثان عينا فَأقر لأَحَدهمَا بِنَصِيبِهِ شَاركهُ الآخر فَمنهمْ من قَالَ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَالصَّحِيح أَنه فرض هَهُنَا فِي الدّين وَذَلِكَ إِنَّمَا يتَعَيَّن بِالتَّعْيِينِ فَلَا يُشَارِكهُ فِيهِ وَفِي الصُّلْح فِي جُزْء من الْعين وَهُوَ مُشْتَرك بِإِقْرَارِهِ فَكيف ينْفَرد بِهِ أما إِذا أَقَامَ أَحدهمَا شَاهِدين فينتزع نصيب الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَأما نصيب الْغَائِب فينتزع أَيْضا إِن كَانَ عينا وَإِن كَانَ دينا فَوَجْهَانِ يجريان فِي كل دين يقر بِهِ لغَائِب أَن الْوَالِي هَل يَسْتَوْفِيه أَو يتْركهُ عَلَيْهِ وَهَذَا فِي الوراثة أما الْوَصِيَّة فَيتْرك نصيب الْغَائِب وَإِن كملت بَيِّنَة الْحَاضِر
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا ادّعى ثَلَاثَة أَن أباهم وقف عَلَيْهِم ضَيْعَة وعَلى أَوْلَادهم على التَّرْتِيب وحلفوا مَعَ شَاهد وَاحِد استحقوا وَفِيه وَجه أَن الْوَقْف كَالْعِتْقِ وَلَا يثبت بِشَاهِد وَيَمِين إِن قُلْنَا إِن الْملك فِيهِ لله تَعَالَى وَهُوَ بعيد غير مُعْتَد بِهِ ثمَّ الْبَطن الثَّانِي هَل يَحْتَاجُونَ إِلَى الْحلف عِنْد مَوْتهمْ إِن قُلْنَا إِنَّهُم يَأْخُذُونَ الْحق من الْبَطن الأول فيكفيهم يَمِين الْبَطن الأول وَإِن قُلْنَا من الْوَاقِف فَلَا بُد من التَّجْدِيد لأَنهم لَا يسْتَحقُّونَ بِيَمِين غَيرهم
فَلَو كَانَ الشَّرْط الصّرْف إِلَى الْمَسَاكِين بعد مَوْتهمْ فعلى هَذَا لَا يُمكن تَحْلِيف الْمَسَاكِين إِذْ لَا ينحصرون فَفِيهِ وَجْهَان

(7/379)


أَحدهمَا أَنهم يسْتَحقُّونَ بِغَيْر يَمِين للضَّرُورَة
وَالثَّانِي أَن الْوَقْف قد تعذر مصرفه وَفِيه خلاف أَنه يبطل أَو يصرف إِلَى أقرب شخص إِلَى الْوَاقِف
وَلَو مَاتَ وَاحِد من الحالفين فَنصِيبه للباقين الَّذين حلفوا مَعَه فِي دَرَجَته لِأَنَّهُ وقف تَرْتِيب وَفِي تَجْدِيد يمينهم قَولَانِ مرتبان وَالصَّحِيح أَنه لَا يحْتَاج إِلَيْهِ لأَنهم قد حلفوا مرّة على الْجُمْلَة
أما إِذا نكلوا جَمِيعًا فالبطن الثَّانِي لَا يسْتَحقُّونَ إِن لم يحلفوا وَإِن حلفوا استحقوا هَذَا إِن قُلْنَا إِنَّهُم يَأْخُذُونَ من الْوَاقِف وَإِن قُلْنَا يَأْخُذُونَ من الْبَطن الأول فَلَا أثر لحلفهم إِذْ قد بَطل حق الْحلف بنكول الْبَطن الأول
أما إِذا حلف وَاحِد وَنكل اثْنَان ثمَّ مَاتُوا فولد الْحَالِف يسْتَحق إِن حلف وَإِن لم يحلف فَقَوْلَانِ وَولد الناكل لَا يسْتَحق إِن لم يحلف وَإِن حلف فَقَوْلَانِ وَإِن مَاتَ الْحَالِف أَولا فَشرط الْوَقْف أَن يكون للآخرين لَكِن أبطلوا حُقُوقهم بِالنّكُولِ وَفِيه ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه يصرف إِلَى ولد الْحَالِف وَقد التحقا بالموتى لنكولهم وَهُوَ بعيد
وَالثَّانِي أَنه يصرف إِلَيْهِم ويستحقون بِيَمِين الْمَيِّت
وَالثَّالِث أَنه قد تعذر مصرفه إِذن فينتزع من يَد الْمُدعى عَلَيْهِ أما نصيب الناكلين فَيبقى فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ
فَإِن قُلْنَا يصرف إِلَى الناكلين فَفِي إِيجَاب الْحلف عَلَيْهِم قَولَانِ مرتبان على مَا إِذا كَانَا قد

(7/380)


حلفا وَهَهُنَا أولى بِالْحلف
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة لَو كَانَ الْوَقْف وقف التَّشْرِيك وَحلف الثَّلَاثَة ثمَّ ولد لوَاحِد ولد صَار الْوَقْف أَربَاعًا بعد أَن كَانَ أَثلَاثًا وَيُوقف الرّبع للطفل وَكَذَا غَلَّته فَإِن بلغ وَحلف اسْتحق وَإِن نكل فالنص أَنه يرد على الثَّلَاثَة وَكَأن الناكل مَعْدُوم وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله كَيفَ يرد عَلَيْهِم وهم مقرون بِأَنَّهُم لَا يستحقونه فَهُوَ وقف تعذر مصرفه وَالْقِيَاس مَا ذكره فنجعله قولا مخرجا فَلَو قَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ ردُّوهُ إِلَيّ فَلَا طَالب لَهُ غَيْرِي فَلَا خلاف أَنه لَا يردهُ إِلَيْهِ إِذْ قد انتزع من يَده بِحجَّة فَلَا يُمكن الرَّد إِلَيْهِ
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة جَارِيَة لَهَا ولد ادعِي إِنْسَان على صَاحب الْيَد أَنَّهَا مستولدته وَالْولد مِنْهُ وَأقَام شَاهدا وَاحِدًا وَحلف سلمت لَهُ الْجَارِيَة وَثَبت ملكه ثمَّ تعْتق عَلَيْهِ إِذا مَاتَ بِإِقْرَارِهِ وبالإستيلاد لَا بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين أما الْوَلَد فَفِي حُرِّيَّته وَنسبه قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه يثبت بطرِيق التّبعِيَّة للْأُم
وَالثَّانِي وَهُوَ الْقيَاس وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنه لَا يثبت لِأَنَّهُ إِنْسَان مُسْتَقل تدعى فِيهِ الْحُرِّيَّة وَالنّسب كَمَا يدعى فِي الْأُم الإستيلاد وَاسْتشْهدَ الْمُزنِيّ بِمَا لَو أَقَامَ هَذِه الْحجَّة على عبد بِأَنَّهُ كَانَ ملكه وَقد أعْتقهُ فَإِنَّهُ لَا يسمع لِأَنَّهُ معترف فِي الْحَال بحريَّته مَعَ أَنه قد سبق لَهُ ملك فَكيف يسمع فِي الْوَلَد وَلم يجر عَلَيْهِ رق أصلا فَمن أَصْحَابنَا من طرد الْقَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من فرق بِأَن الحكم هَاهُنَا وجد منتسبا من ملك حَاضر وَهُوَ الْأُم بِخِلَاف مَسْأَلَة العَبْد وَالْقِيَاس مَا ذكره الْمُزنِيّ رَحمَه الله

(7/381)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الْخَامِس فِي الشَّهَادَة على الشَّهَادَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَالنَّظَر فِي خَمْسَة أَطْرَاف
الطّرف الأول فِي مجاريه وَهُوَ جَار فِيمَا لَيْسَ بعقوبة وَفِي الْعُقُوبَات ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا أَنه لَا يجْرِي لِأَنَّهُ بدل فَلَا يَخْلُو عَن شُبْهَة
وَالثَّانِي أَنه يجْرِي لِأَن كَونه بَدَلا لَا يُوجب الشُّبْهَة
وَالثَّالِث أَنه يجْرِي فِي حُقُوق الْآدَمِيّين كَالْقصاصِ وحد الْقَذْف دون حُدُود الله تَعَالَى فَإِنَّهُ يتسارع إِلَيْهِ السُّقُوط بِالشُّبُهَاتِ وَكَذَا الْخلاف فِي كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي وَكَذَا فِي التَّوْكِيل بِاسْتِيفَاء الْقصاص لِأَن الْوَكِيل بدل عَن الْمُوكل فَإِذا منعنَا ذَلِك فَلَا معنى لدعوى الْقصاص على غَائِب
الطّرف الثَّانِي فِي التَّحَمُّل وَلَا يجوز أَن يشْهد على شَهَادَة غَيره مَا لم يعلم أَن عِنْده شَهَادَة مجزومة ثَابِتَة وَذَلِكَ بِأَن يَقُول لَهُ عِنْدِي شَهَادَة بِكَذَا وَأَنا أشهدك على شهادتي وَإِمَّا بِأَن يرَاهُ بَين يَدي حَاكم وَهُوَ يَقُول أشهد أَن لفُلَان على فلَان كَذَا فَلهُ أَن يتَحَمَّل وَإِن لم يقل لَهُ أشهدك لِأَن ذَلِك لَيْسَ تفويضا حَتَّى يحْتَاج إِلَى إِشْهَاد نعم إِذا رَآهُ يخبر عَن

(7/382)


الشَّيْء لَا فِي معرض الشَّهَادَة وَلَا بِلَفْظ الشَّهَادَة فالإنسان قد يتساهل فِيهِ وَلَو كلف الشَّهَادَة امْتنع فَلذَلِك لَا يتَحَمَّل أما إِذا قَالَ فِي غير مجْلِس القَاضِي عِنْدِي شَهَادَة مثبوتة لَا أتمارى فِيهَا فَفِي جَوَاز التَّحَمُّل وَجْهَان
أَحدهمَا نعم لانْقِطَاع الإحتمال
وَالثَّانِي لَا إِذْ قد يكون لَهُ فِيهِ غَرَض وَإِذا طُولِبَ بِالْإِقَامَةِ توقف
أما إِذا اقْتصر على قَوْله أَنا أشهد بِكَذَا لم يعْتَمد ذَلِك لظُهُور اعْتِمَاد التساهل وَلِأَنَّهُ قد يرِيه بِهِ الْوَعْد وَلَا يَفِي بِهِ فَلَو قَالَ لفُلَان عَليّ ألف فَيشْهد على إِقْرَاره وَلَا يقدر احْتِمَال إِرَادَة وعد لِأَن الْإِنْسَان لَا يتساهل فِي الْإِقْرَار على نَفسه ويتساهل فِي الْإِخْبَار عَن الْغَيْر وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي رَحمَه الله لَا يشْهد على إِقْرَاره مَا لم يضفه إِلَى إِتْلَاف أَو ضَمَان أَو غير ذَلِك مِمَّا يقطع هَذَا الإحتمال وَهُوَ بعيد غير مُعْتَد بِهِ
ثمَّ الشَّاهِد يَنْبَغِي أَن يَحْكِي مُسْتَند تحمله بِأَن شَاهد الأَصْل أشهده أَو رَآهُ يشْهد عِنْد القَاضِي فَإِنَّهُ رُبمَا لَا يعرف كَيْفيَّة التَّحَمُّل حَتَّى يبْحَث عَنهُ القَاضِي فَلَو كَانَ فَقِيها فيكفيه أَن يَقُول أشهد على شَهَادَته وَله الْإِصْرَار عَلَيْهِ فَلَو سَأَلَهُ القَاضِي لم يلْزمه التَّفْصِيل
الطّرف الثَّالِث فِي الطوارىء على شُهُود الأَصْل وَلَا يضر مَوْتهمْ وغيبتهم ومرضهم بل هُوَ المُرَاد من شُهُود الْفَرْع وَقد ذكرنَا حد الْغَيْبَة أما طرآن فسقهم وعداوتهم وردتهم فَلَا يُؤثر طرآنه بعد الْقَضَاء بِشَهَادَة الْفَرْع وَلَو

(7/383)


طَرَأَ قبل الْقَضَاء منع الْقبُول لِأَن هَذِه أُمُور لَا تهجم بل يتقدمها مُقَدمَات وَلِأَنَّهُ يقبح أَن يشْهد على شَهَادَة مُرْتَد وفاسق
وَلَو حضر شُهُود الأَصْل فكذبوا الْفَرْع بعد الْقَضَاء لم يُؤثر وَقبل الْقَضَاء لَو ثَبت تكذيبهم فِي الْغَيْبَة بِبَيِّنَة أَو رجوعهم امْتنع شَهَادَة الْفَرْع وَلَو بَان بعد الْقَضَاء أَنهم كَانُوا كذبُوا أَو رجعُوا قبل الْقَضَاء نقض الحكم قولا وَاحِدًا
أما طرآن الْعَمى وَالْجُنُون فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه لَا يُؤثر كالموت وَهُوَ الْأَصَح
وَالثَّانِي أَنه يُؤثر إِذْ بطلت أهليتها والمقبول شَهَادَتهمَا وَإِنَّمَا اسْتثْنى الْمَوْت للضَّرُورَة
وَالثَّالِث أَن الْجُنُون بِخِلَاف الْعَمى فَإِن الْأَعْمَى أهل وَإِنَّمَا يمْتَنع عَلَيْهِ التَّعْيِين
أما الْإِغْمَاء فَلَا يُؤثر فِي الْغَيْبَة وَفِي الْحُضُور ينْتَظر زَوَاله فَلَا يُسَلط شَاهد الْفَرْع على الشَّهَادَة
ثمَّ إِذا قُلْنَا يمْتَنع بالجنون فَلَو زَالَ فَفِي وجوب تَجْدِيد التَّحَمُّل وَجْهَان أقيسهما أَنه

(7/384)


لَا يجب وأشهرهما أَنه يجب كَمَا لَو أَفَاق الْمُوكل
الطّرف الرَّابِع فِي الْعدَد
والكمال أَن يشْهد على كل شَاهد شَاهِدَانِ فَإِن شهد اثْنَان على شَهَادَة وَاحِد وهما بأعيانهما شَهدا على الآخر فَقَوْلَانِ أقيسهما أَنه يجوز كَمَا لَو شهد اثْنَان على ألف رجل بِالْإِقْرَارِ وَهُوَ اخْتِيَار أبي حنيفَة رَحمَه الله والمزني
وَالثَّانِي لَا لِأَن هَذِه حجَّة وَاحِدَة فَلَا يقوم شخص بطرفيها كَمَا لَو شهد أحد شَاهِدي الأَصْل بالفرعية على شَهَادَة آخر
فَإِن منعنَا ذَلِك فَلَو شهد أَرْبَعَة على شَهَادَتهمَا فَوَجْهَانِ
أَصَحهَا الْجَوَاز إِذْ شهد على كل وَاحِد اثْنَان فتعرضهما للثَّانِي يَنْبَغِي أَن يَجْعَل كَالْعدمِ
وَالثَّانِي لَا لِأَن من اسْتَقل بشق لَا تعْتَبر شَهَادَته فِي الثَّانِي وَلَيْسَ أحد الشقين بالإسقاط بِأولى من الآخر
وَلَا خلاف أَن مَا يثبت بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ فالشهادة على شَهَادَتهم تجْرِي مجْرى الشَّهَادَة على ثَلَاثَة أشخاص

فرع
الزِّنَا إِن قُلْنَا يثبت بِالشَّهَادَةِ على الشَّهَادَة فيجتمع فِي عدد الْفَرْع أَرْبَعَة

(7/385)


أَقْوَال
فَفِي قَول يَكْفِي اثْنَان يَشْهَدَانِ على شَهَادَة الْأَرْبَعَة الْأُصُول وَهُوَ بِنَاء على أَن الْإِقْرَار بِالزِّنَا يثبت بِشَاهِدين على قَول فَكَذَلِك الشَّهَادَة
وَفِي قَول لَا بُد من الْأَرْبَعَة
وَفِي قَول ثَمَانِيَة
وَفِي قَول سِتَّة عشر ومنشؤه التَّرَدُّد فِي أصلين
أَحدهمَا عدد شُهُود الْفَرْع
وَالْآخر عدد شُهُود الْإِقْرَار
الطّرف الْخَامِس فِي الْعذر المرخص لشهادة الْفَرْع وَهُوَ الْمَوْت والغيبة وَالْمَرَض
والغيبة إِلَى مَسَافَة الْقصر ترخص وَدون مَسَافَة الْعَدْوى لَا وَفِيمَا بَينهمَا وَجْهَان وَالْمَرَض هُوَ الْقدر الَّذِي يجوز ترك الْجُمُعَة بِهِ وَهُوَ مَا فِيهِ مشقة لَا مَا يمْنَع مَعَه الْحُضُور وَلَيْسَ على القَاضِي أَن يحضر دَار الْمَرِيض أَو يبْعَث نَائِبه إِلَيْهِ فَإِن ذَلِك يغض من منصب الْقَضَاء وَشَهَادَة الْفَرْع قريب وَلذَلِك جَازَت الرِّوَايَة من الْفَرْع مَعَ حُضُور الشَّيْخ وَالْخَوْف من الْغَرِيم كالمرض

(7/386)


فرع
لَيْسَ على شُهُود الْفَرْع الثَّنَاء على شُهُود الأَصْل وتعديلهم عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله بل لَو عدلوا ثبتَتْ الْعَدَالَة وَالشَّهَادَة جَمِيعًا بِشَهَادَتِهِم وَإِلَّا بحث القَاضِي عَنْهُم
وَلَيْسَ عَلَيْهِم أَيْضا أَن يشْهدُوا على صدق شُهُود الأَصْل فَإِنَّهُم لَا يعْرفُونَ بِخِلَاف الْحَالِف مَعَ الشَّاهِد فَإِنَّهُ يعرف صدقه وَالله أعلم

(7/387)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب السَّادِس فِي الرُّجُوع عَن الشَّهَادَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَالنَّظَر فِي الْعُقُوبَات والبضع وَالْمَال
الأول الْعُقُوبَات وللرجوع ثَلَاثَة أَحْوَال
الأول أَن يكون قبل الْقَضَاء فَيمْنَع الْقَضَاء فَإِن كَانَ فِي زنا وَجب حد الْقَذْف فَإِن قَالُوا غلطنا فَفِي وجوب الْحَد قَولَانِ مرتبان على مَا إِذا نقص عدد الشُّهُود وَهَذَا أولى بِالْإِيجَابِ لِأَن التحفظ وَاجِب عَلَيْهِم وَهُوَ إِلَى اختيارهم
فَإِن حددنا لم تقبل شَهَادَتهم بعد ذَلِك إِلَّا بعد التَّوْبَة والإستبراء وَإِن لم نجدهم لم تسْقط عدالتهم فَتقبل شَهَادَتهم
وَلَو رجعُوا فِي الشَّهَادَة وفسقناهم فعادوا بعد التَّوْبَة وَقَالُوا كذبنَا فِي الرُّجُوع لم تقبل تِلْكَ الشَّهَادَة أصلا مُؤَاخذَة لَهُم بقَوْلهمْ فِي الرُّجُوع الأول
وَلَو لم يُصَرح الشَّاهِد بِالرُّجُوعِ وَلَكِن قَالَ للْقَاضِي توقف فَيتَوَقَّف القَاضِي فَإِن عَادوا إِلَى الشَّهَادَة فَفِي الْقبُول وَجْهَان لتطرق التُّهْمَة بِسَبَب التَّوَقُّف والإستمهال للتروي فَإِن قُلْنَا لَا يمْنَع الإستمهال فَهَل يجب إِعَادَة تِلْكَ الشَّهَادَة فِيهِ وَجْهَان

(7/388)


الْحَالة الثَّانِيَة الرُّجُوع بُد الْقَضَاء وَقب الإستيفاء وَفِيه ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه لَا تستوفى لِأَن الْحُدُود تسْقط بِالشُّبُهَاتِ
وَالثَّانِي أَنه تستوفى كالأموال لِأَن الْمَحْكُوم بِوُجُوب قَتله كالمقتول
وَالثَّالِث وَهُوَ الأعدل أَن حُقُوق الْآدَمِيّين لَا تسْقط كأموالهم وَتسقط حُقُوق الله تَعَالَى
الْحَالة الثَّالِث الرُّجُوع بعد اسْتِيفَاء الْعقُوبَة وَله صور
الأولى أَن يَقُولُوا تعمدنا الْكَذِب مَعَ الْعلم بِأَن شهادتنا تقبل فيلزمهم الْقصاص عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَلَا خلاف أَن الدِّيَة الْمُغَلَّظَة تجب فِي مَالهم
وَلَو رَجَعَ مَعَهم ولي الْقصاص وَهُوَ الَّذِي بَاشر وَجب عَلَيْهِ الْقصاص وَهل يجب على الشُّهُود مَعَه فِي وَجْهَان

(7/389)


أَحدهمَا لَا إِذْ الشَّاهِد بِالشَّهَادَةِ صَار كالممسك مَعَ الْمُبَاشر
وَالثَّانِي يجب لأَنهم بِالشَّهَادَةِ أهدروا الدَّم وأبطلوا الْعِصْمَة
وَالْقَاضِي إِذا رَجَعَ شَارك الشُّهُود فِي الْقصاص وَالدية الْمُغَلَّظَة فَإِن رَجَعَ الْمُزَكي فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه كالشهود
وَالثَّانِي أَنه كالممسك
وَالثَّالِث أَنه يصلح فعله لإِيجَاب الدِّيَة دون الْقصاص
الصُّورَة الثَّانِيَة إِذا قَالُوا أَخْطَأنَا فَلَا قصاص وَقد يعزرهم القَاضِي وَالدية فِي مَالهم فَإِن صدقهم الْعَاقِلَة فَفِيهِ تردد سَيَأْتِي وَلَو قَالَ بَعضهم أَخْطَأنَا فَلَا قصاص على الْمُعْتَرف بالعمد لِأَنَّهُ شريك خاطىء وَلَو قَالَ كل وَاحِد تَعَمّدت وَأَخْطَأ شَرِيكي فَفِي الْقصاص وَجْهَان
أَحدهمَا لَا يجب لِأَنَّهُ إِقْرَار بِأَنَّهُ شريك خاطىء فَلَا يجب الْقصاص عَلَيْهِ بِدَعْوَى

(7/390)


الشَّرِيك العمدية
وَالثَّانِي أَنه يجب لِأَن دَعْوَاهُ خطأ الشَّرِيك وَهُوَ مُنكر لَا يدْرَأ عَنهُ قصاص الْعمد
الصُّورَة الثَّالِثَة إِذا قَالُوا تعمدنا وَلَكِن مَا عرفنَا أَنه تقبل شهادتنا فَلَا يجب الْقصاص عِنْد الْأَكْثَرين إِذْ لم يظْهر قصدهم إِلَى الْقَتْل مَعَ أَن نفس الشَّهَادَة لَيْسَ تقتل بِخِلَاف مَا لَو ضرب شخصا ضربا يقتل الْمَرِيض دون الصَّحِيح وَجَهل كَونه مَرِيضا فَإِن الْأَظْهر أَنه يجب الْقصاص وَيحْتَمل فِيهِ وَجه من هَذِه الْمَسْأَلَة
فَإِن قُلْنَا لَا قصاص لجهلهم قَالَ صَاحب التَّقْرِيب لتكن الدِّيَة مُؤَجّلَة فَإِنَّهُ قريب من شبه الْعمد

(7/391)


الطّرف الثَّانِي فِيمَا لَا تدارك لَهُ كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاق

وموجبه الْغرم وَفِي مِقْدَار مَا يجب على الرَّاجِع فِي الْبضْع قبل الْمَسِيس وَبعده كَلَام سبق وَنَذْكُر الْآن فرعين
الأول لَو شهد رجل وَامْرَأَتَانِ على الْعتْق مثلا فالغرم الْوَاجِب يجب على الرجل النّصْف وعَلى الْمَرْأَتَيْنِ النّصْف وَلَو كَانُوا عشر نسْوَة فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ إِلَّا النّصْف إِذْ نصف الْبَيِّنَة قَامَ بِالرجلِ
أما إِذا شهد رجل وَعشر نسْوَة على رضَاع محرم أوجب التَّفْرِيق بَين الزَّوْجَيْنِ ثمَّ رجعُوا

(7/392)


بعد التَّفْرِيق فَيقسم الْغرم بِاثْنَيْ عشر سَهْما على الرجل سَهْمَان وعَلى كل امْرَأَة سهم وننزل امْرَأتَيْنِ منزلَة رجل لِأَن هَذِه الشَّهَادَة تنفرد بهَا النِّسَاء فَلَا يتَعَيَّن الرجل بِشَطْر هَذِه الْحجَّة
وَلَو رَجَعَ الرجل وست نسْوَة فقد أصر أَربع نسْوَة يستقللن بِإِثْبَات الرَّضَاع فَفِي وجوب شَيْء على الراجعين وَجْهَان
الصَّحِيح أَنه لَا يجب لِأَن الْحجَّة بعد قَائِمَة وَالثَّانِي أَنه يجب على الراجعين بِقدر حصتهم
أما لَو رَجَعَ مَعَه سبع نسْوَة بطلت الْحجَّة فعلى الْوَجْه الضَّعِيف عَلَيْهِم حصتهم وَهِي سَبْعَة من اثْنَي عشر وعَلى الصَّحِيح إِنَّمَا بَطل ربع الْحجَّة فَعَلَيْهِم ربع الْغرم
الْفَرْع الثَّانِي أَن شُهُود الْإِحْصَان هَل يشاركون شُهُود الزِّنَا فِي الْغرم عِنْد الرُّجُوع فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا نعم إِذْ تمّ الرَّجْم بهم
وَالثَّانِي لَا لأَنهم مَا شهدُوا إِلَّا على خِصَال كَمَال
وَكَذَا الْخلاف فِي شُهُود التَّعْلِيق وَالصّفة فَإِن قُلْنَا يجب فَفِي حصتهم وَجْهَان
أَحدهمَا التَّسْوِيَة
وَالثَّانِي أَنه يجب عَلَيْهِم الثُّلُث إِذْ يَكْفِي فِي الْإِحْصَان شَاهِدَانِ وَفِي الزِّنَا أَرْبَعَة وَيتَفَرَّع من هَذَا أَنه لَو شهد على الْإِحْصَان شَاهِدَانِ وعَلى الزِّنَا أَرْبَعَة وَرجع أحد شَاهِدي

(7/393)


الْإِحْصَان فَفِي قَول لَا شَيْء عَلَيْهِ وَفِي قَول يجب السُّدس وَهُوَ قَول التَّثْلِيث وَفِي قَول يجب الرّبع وَهُوَ قَول التَّسْوِيَة بَين الْإِحْصَان وَالزِّنَا وَكَذَلِكَ يتَفَرَّع صور فِي زِيَادَة الشُّهُود على الْعدَد الْوَاجِب وَفِي رُجُوع بعض شُهُود الزِّنَا وَلَا يخفى تخريجها على الْأَقْوَال السَّابِقَة على متأمل

(7/394)


الطّرف الثَّالِث فِيمَا يقبل التَّدَارُك

كَمَا لَو شَهدا على عين مَال ورجعا بعد التَّسْلِيم فَلَا يقبل رجوعهما فِي الإسترداد وَفِي وجوب الْغرم للْحَيْلُولَة قَولَانِ
أَحدهمَا لَا يجب لِأَنَّهُ يتَوَقَّع إِقْرَار الْخصم فَكيف يغرم وَالْعين قَائِم لَا كالعتاق وَالطَّلَاق اللَّذين لَا تدارك لَهما
وَالثَّانِي وَهُوَ الأقيس أَنه يجب لِأَن الْحَيْلُولَة تنجزت وَإِقْرَار الْخصم بعيد وَكَذَا الْقَوْلَانِ فِيمَن أقرّ بدار لزيد ثمَّ لعَمْرو وتسلم الدَّار إِلَى زيد وَهل يغرم الْقيمَة لعَمْرو للْحَيْلُولَة فِيهِ قَولَانِ

فرع
لَو ظهر كَون الشَّاهِدين عَبْدَيْنِ أَو كَافِرين أَو صبيين انْتقض الْقَضَاء وَبَان أَنه لَا طَلَاق وَلَا عتاق وَكَذَا إِن كَانَا فاسقين وَقُلْنَا ينْقض الْقَضَاء وَإِن كَانَ ذَلِك أمرا لَا يتدارك كَقَتل فَيجب الْغرم على القَاضِي بخطئه وَمحله مَاله أَو بَيت المَال فِيهِ قَولَانِ وَلَا يرجع على الصَّبِيَّيْنِ لِأَن التَّقْصِير من جِهَته إِذْ لم يبْحَث وَلَا على الْفَاسِقين فَإِنَّهُمَا معذوران فِي كتمان الْفسق وَهل يرجع على الْعَبْدَيْنِ والكافرين فِيهِ قَولَانِ ذكرنَا

(7/395)


تفصيلهما فِي كتاب ضَمَان الْوُلَاة

(7/396)