الوسيط في المذهب

= كتاب دَعْوَى النّسَب وإلحاق الْقَائِف=

(7/451)


وَالنَّظَر فِي أَرْكَان الْإِلْحَاق وَهِي ثَلَاثَة الْمُسْتَلْحق والملحق والإلحاق
الرُّكْن الأول الْمُسْتَلْحق

وَيصِح استلحاق كل حر ذكر يُمكن ثُبُوت النّسَب مِنْهُ بِنِكَاح أَو وَطْء مُحْتَرم فَهَذِهِ ثَلَاثَة قيود
الأول الْحُرِّيَّة وَفِي استلحاق العَبْد وَالْمُعتق ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه يَصح فَلَا فرق بَين الْحر وَالْعَبْد حَتَّى لَو تداعيا جَمِيعًا عرض على الْقَائِف وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يقدم الْحر على العَبْد وَالْمُسلم على الْكَافِر وَعِنْدنَا لَا فرق
وَالثَّانِي لَا يلحقهما نسب إِلَّا فِي نِكَاح أَو وَطْء بِشُبْهَة لِأَنَّهُمَا بصدد الْوَلَاء فَلَيْسَ لَهما قطع الْوَلَاء بِمُجَرَّد الدَّعْوَى
وَالثَّالِث أَن العَبْد لَا وَلَاء عَلَيْهِ فيلحقه من يستلحقه أما الْمُعْتق فَالْولَاء عَلَيْهِ حَاصِل فَلَا تصح دَعْوَاهُ وَهَذَا الْخلاف جَار لَو كَانَ الْمُسْتَلْحق عبدا أَو معتقا لأجل الْوَلَاء
الْقَيْد الثَّانِي الذُّكُورَة وَفِي استلحاق الْمَرْأَة ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا الصِّحَّة كَالرّجلِ

(7/453)


وَالثَّانِي لَا لِأَن الْولادَة يُمكن إِثْبَاتهَا بِالشَّهَادَةِ بِخِلَاف جَانب الْأَب
وَالثَّالِث أَنَّهَا إِن كَانَت خلية من الزَّوْج لحقها وَإِن كَانَت ذَات زوج فَلَا إِذْ لَا يُمكن الْإِلْحَاق بهَا دون الزَّوْج وَلَا يُمكن الْإِلْحَاق بِالزَّوْجِ مَعَ إِنْكَاره
الْقَيْد الثَّالِث الْإِمْكَان وَذَلِكَ بِحَقِيقَة الْوَطْء أَو بِعقد النِّكَاح مَعَ مَعَ إِمْكَان الْوَطْء وَقد ذَكرْنَاهُ وَإِنَّمَا يُمكن النّسَب من شَخْصَيْنِ بِأَن يجتمعا على وَطئهَا فِي طهر وَاحِد إِمَّا بِالشُّبْهَةِ أَو بِملك الْيَمين فَإِن وطىء الثَّانِي بعد تخَلّل حَيْضَة فَالْوَلَد للثَّانِي إِلَّا أَن يكون الأول زوجا فَلَا يَنْقَطِع الْإِمْكَان فِيهِ بِالْحيضِ لِأَنَّهُ لَا يعْتَبر فِي حَقه وجود الْوَطْء بل يَكْفِي فرَاش النِّكَاح مَعَ إِمْكَان الْوَطْء وَهَذَا مَوْجُود فِي الطُّهْر الثَّانِي وَأما ملك الْيَمين فَلَا يثبت فراشا وَالنِّكَاح الْفَاسِد يلْحق بِالنِّكَاحِ الصَّحِيح أَو بِملك الْيَمين فِيهِ وَجْهَان وَلَا خلاف أَن فرَاش النِّكَاح الصَّحِيح يَنْقَطِع بفراش آخر نَاسخ لَهُ حَتَّى يلْحق الْوَلَد بِالثَّانِي وَإِن أمكن من حَيْثُ الزَّمَان أَن يكون مِنْهُمَا
الرُّكْن الثَّانِي الملحق

وَهُوَ كل مدلجي مجرب أهل للشَّهَادَة فَهَذِهِ ثَلَاثَة قيود
الأول المدلجي وَالصَّحِيح الإختصاص بهم إِذْ رجعت إِلَيْهِم الصَّحَابَة مَعَ كَثْرَة الأكياس فيهم وَمِنْهُم من قَالَ هَذِه صَنْعَة تتعلم فَمن تعلم جَازَ اعْتِمَاد قَوْله

(7/454)


وَأما المجرب فنعنى بِهِ أَن من كَانَ مدلجيا أَو ادّعى علم الْقَافة لم يقبل قَوْله حَتَّى يجرب ثَلَاثًا بِأَن يرى صَبيا بَين نسْوَة لَيْسَ فِيهِنَّ أمه فَإِن لم يلْحق أحضرت نسْوَة أُخْرَى لَيْسَ فِيهِنَّ أمه فَإِن ألحق علمنَا أَنه بَصِير فنعرض عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يرى النسْوَة لِأَن ولادتهن نعلمها تَحْقِيقا فَلَا يتَعَيَّن عدد فِي التجربة بل الْمَقْصُود ظُهُور بصيرته
وَأما كَونه أَهلا للشَّهَادَة فَلَا بُد مِنْهُ وَفِيه وَجه بعيد أَنه لَا تشْتَرط الذُّكُورَة وَالْحريَّة وَكَأَنَّهُ إِخْبَار وَالصَّحِيح أَنه لَا يشْتَرط الْعدَد وَكَأن الْقَائِف حَاكم

الرُّكْن الثَّالِث فِي الْإِلْحَاق وَمحل الْعرض على الْقَائِف

إِنَّمَا يعرض على الْقَائِف صَغِير تداعاه شخصان كل وَاحِد لَو انْفَرد بالدعوة للحقه وَلَا تَرْجِيح لأَحَدهمَا على الآخر وَخرج على هَذِه الْقُيُود مسَائِل أَربع
الأولى أَن إِثْبَات النّسَب من أبوين غير مُمكن عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فَلذَلِك لزم الْعرض على الْقَائِف ومستند الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ حَدِيث مجزز المدلجي وَهُوَ مَعْرُوف وَأَبُو حنيفَة رَحمَه الله يَقُول يلْحق بهما جَمِيعًا وَلَا نظر إِلَى قَول الْقَائِف
ثمَّ عندنَا يعْتَمد قَول الْقَائِف فِي مَوْلُود صَغِير أَو بَالغ سَاكِت أما الْبَالِغ الْمَجْهُول إِذا اسْتَلْحقهُ وَاحِد فوافقه فَلَا يقبل قَول الْقَائِف على خِلَافه لِأَن الْحق لَا يعدوها وَلَو أنكرهُ الْبَالِغ وألحقه الْقَائِف لم يصر قَوْله حجَّة عَلَيْهِ

(7/455)


الثَّانِيَة صبي فِي يَد إِنْسَان وَهُوَ مستلحقه فاستلحقه غَيره لم يعرض على الْقَائِف بعد تقدم صَاحب الْيَد وَيَده كفراش النِّكَاح والمولود على فرَاش النِّكَاح إِذا ادَّعَاهُ من يَدعِي وَطْء شُبْهَة لم يلْحقهُ وَإِن وَافقه الزَّوْجَانِ على الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ لِأَن حق الْوَلَد يرْعَى فِيهِ بل إِن أَقَامَ بَيِّنَة على الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ عرض على الْقَائِف
الثَّالِثَة صبي استحلقه رجل ذُو زَوْجَة وَهِي تنكر وِلَادَته أَو استلحقته امْرَأَة ذَات زوج وَالزَّوْج يُنكر وِلَادَتهَا فليلحق بِالرجلِ الْمُسْتَلْحق وَفِي الْمَرْأَتَيْنِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهمَا أَنه يلْحق زَوْجَة الْمُسْتَلْحق وَإِن أنْكرت
وَالثَّانِي أَنه يلْحق بالمدعية وَيقدر أَنَّهَا ولدت من الْمُدَّعِي بِوَطْء شُبْهَة
وَالثَّالِث أَنه يعرض فِي حَقّهمَا على الْقَائِف
الرَّابِعَة إِن لم نجد الْقَائِف أَو وَجَدْنَاهُ وتحي رفإذا بلغ أمرناه بالإنتساب فَإِن لم ينتسب حبسانه حَتَّى ينتسب فَإِذا انتسب إِلَى أَحدهمَا لحقه وَكَانَ اخْتِيَاره كإلحاق الْقَائِف وَلم يقبل رُجُوعه كَمَا لَا يقبل رُجُوع الْقَائِف ودعواه الْغَلَط
وَالصَّحِيح أَن الْمُمَيز لَا يُخَيّر بِخِلَاف الْحَضَانَة فَإِن أَمر النّسَب مخطر

فروع أَرْبَعَة

الأول وطىء رجلَانِ فِي طهر وَاحِد وحبلت وَادّعى أَحدهمَا وَسكت الآخر

(7/456)


فَقَوْلَانِ
أَحدهمَا يعرف على الْقَائِف
وَالثَّانِي أَنه يلْحق بالمدعي
الثَّانِي لَو أَلْقَت سقطا يعرض على الْقَائِف وَلَو انْفَصل حَيا وَمَات يعرض مَا لم يتَغَيَّر
الثَّالِث نَفَقَة الْوَلَد قبل إِلْحَاق الْقَائِف عَلَيْهِمَا ثمَّ إِذا ألحق بِأَحَدِهِمَا رَجَعَ على الآخر بِمَا أنْفق وَلَو أوصِي لَهُ قبله كل وَاحِد مِنْهُمَا حَتَّى يحصل الْملك لَهُ
الرَّابِع من استلحق صَبيا مَجْهُولا فَبلغ وانتفى عَنهُ فَفِيهِ قَولَانِ كالقولين فِيمَن حكم بِإِسْلَامِهِ تبعا فَبلغ وأعرب عَن نَفسه بالْكفْر

(7/457)