الوسيط في المذهب

= كتاب الْعتْق =
وَلَا يخفى أَن الْعتْق قربَة وَيشْهد لنفوذه الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَالنَّظَر فِي أَرْكَانه وخواصه وفروعه

(7/459)


أما أَرْكَانه فَثَلَاثَة

الأول الْمُعْتق وَهُوَ كل مُكَلّف لَا حجر عَلَيْهِ بفلس وسفه
الثَّانِي الْمُعْتق وَهُوَ كل إِنْسَان مَمْلُوك لم يتَعَلَّق بِعَيْنِه وَثِيقَة وَحقّ لَازم فَإِن ف إِعْتَاق الْمَرْهُون خلافًا وإعتاق الطير والبهيمة لاغ على الْأَصَح
الثَّالِث الصِّيغَة وصريحه التَّحْرِير وَالْإِعْتَاق وَفك الرَّقَبَة ورد فِي الْقُرْآن مرّة فَفِي كَونه صَرِيحًا وَجْهَان كالمفاداة فِي الْخلْع
وَأما الْكِنَايَة فَكل مَا يحْتَمل كَقَوْلِه أَنْت طَالِق وَلَا سُلْطَان لي عَلَيْك وحبلك على غاربك ونظائره

فروع أَرْبَعَة

الأول لَو قَالَ لعَبْدِهِ يَا مولَايَ وَنوى عتق وَلَو قَالَ يَا سَيِّدي وَيَا كذبانو للْأمة

(7/461)


وَنوى لم ينفذ لِأَنَّهُ ينبىء عَن التَّرَدُّد وتدبير الْمنزل دون الْعتْق وَيحْتَمل أَن يُقَال ينفذ
الثَّانِي أَن يَقُول يَا حرَّة فتعتق إِلَّا أَن يكون اسْمهَا حرَّة وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ اسْم الْغُلَام آزاذروي وَإِن كَانَ اسْمهَا قبل الرّقّ حرَّة فبدل اسْمهَا فَقَالَ السَّيِّد يَا حرَّة ثمَّ قَالَ قصدت نداءها باسمها الْقَدِيم لم يقبل فِي الظَّاهِر لِأَن هَذَا الإسم الْآن لَا يَلِيق بهَا فَظَاهر اللَّفْظ صَرِيح وَلَو كَانَ اسْمهَا الْقَدِيم فَاطِمَة فَغير باسم من أَسمَاء الإِمَام فناداها وَقَالَ يَا فَاطِمَة وَنوى الْعتْق لم ينفذ لِأَن اللَّفْظ لَا يشْعر بِهِ
الثَّالِث لَو قَالَ يَا آزاذمرد ثمَّ قَالَ أردْت وَصفه بالجود لم يقبل فِي الظَّاهِر لِأَن اللَّفْظ صَرِيح إِلَّا أَن يكون مَعَه قرينه كَمَا لَو قَالَ لزوجته أَنْت طَالِق وَهُوَ يحل الوثاق عَنْهَا وَفِي قبُول نِيَّته فِي حل الوثاق خلاف
الرَّابِع إِذا قَالَ لعبد الْغَيْر أَعتَقتك فَإِن كَانَ فِي معرض الْإِنْشَاء لَغَا وَإِن كَانَ فِي معرض الْإِقْرَار كَانَ مؤاخذا بِهِ إِن ملكه يَوْمًا من الدَّهْر
وَاعْلَم أَن الْعتاق وَالطَّلَاق يتقاربان وَقد فصلنا حكم الْأَلْفَاظ والتعليقات فِي الطَّلَاق فَلَا نعيده بل نقتصر على ذكر خَواص الْعتْق

(7/462)


النّظر الثَّانِي فِي خَواص الْعتْق

وَهِي خَمْسَة
السَّرَايَة والحصول بِالْقَرَابَةِ والإمتناع من الْمَرِيض فِيمَا جَاوز الثُّلُث والقرعة وَالْوَلَاء
الخاصية الأولى السَّرَايَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أعتق شركا لَهُ فِي عبد وَله مَال قوم عَلَيْهِ الْبَاقِي ففهم من هَذَا أَن الشَّرْع متشوف إِلَى تَكْمِيل الْعتْق فَلذَلِك نقُول لَو أعتق نصف عبد عتق الْجَمِيع بل لَو أعتق يَده أَو عضوا آخر عتق الْجَمِيع وَذَلِكَ بطرِيق السَّرَايَة أَو بطرِيق التَّعْبِير بِالْبَعْضِ عَن الْكل فِيهِ خلاف ذَكرْنَاهُ فِي الطَّلَاق وَتظهر فَائِدَته فِي الْإِضَافَة إِلَى الْعُضْو الْمَقْطُوع وَلَا تثبت السَّرَايَة من شخص إِلَى شخص فَإِن أعتق الْجَنِين لم تعْتق الْأُم

(7/463)


خلافًا للأستاذ أبي إِسْحَاق رَحمَه الله وَلَو أعتق الْأُم عتق الْجَنِين تبعا كَمَا يتبع فِي البيع وَلَو كَانَ الْحمل مَمْلُوكا للْغَيْر فَلَا يسري وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يسري
أما الْعتْق فَإِنَّمَا يسري إِلَى ملك الشَّرِيك بِشُرُوط أَرْبَعَة
أَحدهَا أَن يكون الْمُعْتق مُوسِرًا ونعني بِهِ أَن يكون لَهُ من المَال قدر قيمَة نصيب الشَّرِيك وَيعْتَبر فِيهِ كل مَا يُبَاع فِي الدّين فَلَا يتْرك لَهُ إِلَّا دست ثوب يَلِيق بِهِ وَيُبَاع فِيهِ دَاره وَعَبده الَّذِي يحْتَاج إِلَى خدمته وَإِن كَانَ لَا يُبَاع فِي الْكَفَّارَة لِأَن هَذَا دين وَالْمَرِيض لَيْسَ مُوسِرًا إِلَّا بِمِقْدَار الثُّلُث وَلَو أوصى بِعِتْق بعض عبد عِنْد مَوته لم يسر لِأَن الْمَيِّت مُعسر وَقد انْتقل مَاله إِلَى الْوَارِث إِلَّا أَن يَسْتَثْنِي بِالْوَصِيَّةِ فَلَو قَالَ أعتقوا نصفه عتقا ساريا أعتقنا النّصْف وَلم يسر لِأَنَّهُ أوصى بمحال إِلَّا أَن يُوصي بشرَاء النَّصِيب الثَّانِي وإعتاقه

فرعان

الأول لَو كَانَ لَهُ مَال وَعَلِيهِ مثله دين فَهَل يحلق بالمعسر فِيهِ خلاف كَمَا فِي الزَّكَاة لِأَن السَّرَايَة حق الله تَعَالَى كَالزَّكَاةِ
الثَّانِي لَو كَانَ مُعسرا بِبَعْض قيمَة النَّصِيب فِيهِ وَجْهَان

(7/464)


أَحدهمَا أَنه يسري بذلك الْقدر
وَالثَّانِي أَنه لَا يسري إِذْ لَا بُد من تبعيض الرّقّ وَالشَّرِيك يتَضَرَّر بتبعيض ملكه كَمَا يتَضَرَّر المُشْتَرِي بتبعيض الْمَبِيع عَلَيْهِ فِي الشُّفْعَة
الشَّرْط الثَّانِي أَن يتَوَجَّه الْعتْق على نصيب نَفسه أَو على الْجَمِيع حَتَّى يتَنَاوَل نصِيبه فَلَو قَالَ أعتقت نصيب شَرِيكي لَغَا قَوْله وَلَو قَالَ أعتقت النّصْف من هَذَا العَبْد فَهُوَ مُحْتَمل لكل وَاحِد من الْجَانِبَيْنِ وَلكنه لَا يخصص بِجَانِب شَرِيكه وَهل يخصص بجانبه أم يُقَال هُوَ نصف شَائِع فِي الْجَانِبَيْنِ فِيهِ وَجْهَان وَلَا تظهر هَا هُنَا فَائِدَته لِأَنَّهُ إِذا تنَاول شَيْئا من ملكه سرى إِلَى جَمِيع ملكه ويسري أَيْضا إِلَى شَرِيكه إِلَّا أَن يكون مُعسرا لَكِن تظهر فَائِدَته فِي قَوْله بِعْت هَذَا النّصْف أَو فِي إِقْرَاره بِنصْف الضَّيْعَة الْمُشْتَركَة لثالث فَفِي وَجه يخرج جَمِيع النّصْف من يَده وَفِي وَجه يخرج شطر النّصْف من يَده وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله ينزل البيع عَن نصف الْخَاص وَالْإِقْرَار يشيع لِأَن الْإِنْسَان قد يخبر عَمَّا فِي يَد الْغَيْر وَلَا يَبِيع مَال الْغَيْر وَهَذَا مُتَّجه فليجعل وَجها فِي مَذْهَبنَا
الشَّرْط الثَّالِث أَن يعْتق بِاخْتِيَارِهِ فَلَو ورث نصف قَرِيبه فَعتق عَلَيْهِ لم يسر لِأَن التَّقْوِيم تغريم يَلِيق بالتلف
الشَّرْط الرَّابِع أَن لَا يتَعَلَّق بِمحل السَّرَايَة حق لَازم فَإِن تعلق كَمَا لَو كَانَ مَرْهُونا أَو مُدبرا أَو مكَاتبا أَو مُسْتَوْلدَة فَفِي السَّرَايَة إِلَى جَمِيع ذَلِك خلاف وَبَعضهَا أولى بِأَن

(7/465)


لَا يسري من بعض وَذَلِكَ بِحَسب تَأَكد الْحُقُوق
ثمَّ عتق الْمُوسر مَتى يسري فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا أَنه فِي الْحَال حَتَّى لَا يَتَبَعَّض الرّقّ مَا أمكن
وَالثَّانِي أَنه إِذا أدّى الْقيمَة حَتَّى لَا يَزُول ملك الشَّرِيك إِلَّا بِبَدَل يملكهُ فَإِن ذَلِك أهم من السَّرَايَة
وَالثَّالِث أَنه مَوْقُوف فَإِذا أدّى تبين السَّرَايَة من وَقت الْعتْق وَإِن تعذر اسْتمرّ الر نظرا إِلَى الْمَعْنيين جَمِيعًا
ثمَّ يَنْبَنِي على الْأَقْوَال مسَائِل
الأولى فِي سرَايَة استيلاد أحد الشَّرِيكَيْنِ الْأَقْوَال الثَّلَاثَة بالترتيب وَأولى بِأَن لَا يتعجل لِأَنَّهُ علقَة عتاقه لَا حَقِيقَة عتاقه وَقيل أولى بِأَن يتعجل لِأَنَّهُ فعل وَهُوَ أقوى من القَوْل ثمَّ إِذا سريناه لكَونه مُوسِرًا فَعَلَيهِ نصف الْمهْر وَنصف قيمَة الْجَارِيَة وَنصف قيمَة الْوَلَد إِلَّا إِذا فرعنا على أَن الْملك ينْتَقل قبيل الْعلُوق فَتسقط قيمَة الْوَلَد وَإِن كَانَ مُعسرا فَلَا يسري وَلَو اسْتَوْلدهَا الثَّانِي أَيْضا وَهُوَ مُعسر فَهِيَ مستولدتهما فَإِن أعتق أَحدهمَا نصِيبه وَهُوَ مُوسر فَفِي السَّرَايَة وَجْهَان أظهرهمَا أَنه لَا يسري لِأَن السَّرَايَة بِتَقْدِير نقل الْملك والمستولدة لَا تقبل النَّقْل وَلَكِن لَا يبعد أَن يقبل مثل هَذَا النَّقْل القهري المفضي إِلَى الْعتْق وَكَذَلِكَ لَو أعتق الْكَافِر نصِيبه من عبد مُسلم فَفِي السَّرَايَة وَجْهَان إِذْ فِي ضمنهَا نقل الْملك وَلَكِن قهرا
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة عبد بَين ثَلَاثَة لأَحَدهم ثلثه وَلآخر سدسه

(7/466)


وَللْآخر نصفه فَأعتق اثْنَان نصيبهما مَعًا وسرى فقيمة مَحل السَّرَايَة توزع على عدد رءوسهما أَو على قدر ملكيهما فِيهِ قَولَانِ كَمَا فِي الشُّفْعَة وَقيل يقطع هَاهُنَا بالتوزيع على عدد الرُّءُوس لِأَنَّهُ إهلاك فَيُشبه الْجِرَاحَات وَهُوَ ضَعِيف لِأَن الْجراحَة لَا يتَقَدَّر أَثَرهَا بِقدر غورها حَتَّى يُقَال بِأَن أَربع جراحات أثر كل وَاحِدَة ربع السَّرَايَة وَهَا هُنَا السَّبَب مُقَدّر تَحْقِيقا
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة إِذا حكمنَا بِتَأْخِير السَّرَايَة فَالْقيمَة بِأَيّ يَوْم تعْتَبر فِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا يَوْم الْإِعْتَاق إِذْ هُوَ سَبَب الزَّوَال
وَالثَّانِي بِيَوْم الْأَدَاء إِذْ عِنْده فَوَات الْملك
وَالثَّالِث يجب أقْصَى الْقيمَة بَين الْإِعْتَاق وَالْأَدَاء وَهُوَ الْأَصَح كَمَا يجب أقْصَى الْقيمَة بَين الْجراحَة وَالْمَوْت
فرع إِذا اخْتلفَا فِي قدر قيمَة العَبْد وَقد مَاتَ وَتعذر مَعْرفَته فَالْقَوْل قَول الْغَارِم لِأَن الأَصْل بَرَاءَة ذمَّته وَفِيه قَول آخر ضَعِيف أَن القَوْل قَول الطَّالِب إِذْ يبعد أَن ينْقل ملكه بقول غَيره أما إِذا ادّعى الْغَارِم نُقْصَان الْقيمَة بِسَبَب نقيصة طارئة فَالْأَصْل عدم النَّقْص وَالْأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة فَيخرج على قولي تقَابل الْأَصْلَيْنِ وَلَيْسَ معنى تقَابل الْأَصْلَيْنِ اسْتِحَالَة التَّرْجِيح بل يطْلب التَّرْجِيح من مدرك آخر سوى اسْتِصْحَاب الْأُصُول فَإِن تعذر فَلَيْسَ إِلَّا التَّوَقُّف أما تخير الْمُفْتِي بَين متناقضين فَلَا وَجه لَهُ

(7/467)


الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة فِي الطوارىء قبل أَدَاء الْقيمَة على قَول التَّوَقُّف كموت الْمُعْتق أَو العَبْد أَو بيع الشَّرِيك أَو عتقه أَو وَطئه أَو إعسار الْمُعْتق أما موت الْمُعْتق فَيُوجب الْقيمَة فِي التَّرِكَة لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ عَلَيْهِ الْإِعْتَاق وَأما موت العَبْد هَل يسْقط الْقيمَة فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا نعم لِخُرُوجِهِ من قبُول الْعتْق
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ سبق اسْتِحْقَاق الْعتْق على الْمَوْت وَالْقيمَة وَجَبت بِهِ
أما بيع الشَّرِيك فَالصَّحِيح أَنه لَا ينفذ فَإِنَّهُ يبطل اسْتِحْقَاق الْعتْق وَأما إِعْتَاقه فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا ينفذ لِأَن الأول اسْتحق إِعْتَاقه من نَفسه
وَالثَّانِي أَنه يَصح لِأَن الْملك قَائِم وَالْمَقْصُود أصل الْعتْق
وَأما وَطْؤُهُ فَيُوجب نصف الْمهْر لنصفها الْحر وَالظَّاهِر أَنه لَا يجب لِلنِّصْفِ الثَّانِي لِأَن ملكه بَاقٍ وَفِيه وَجه أَنه يجب للشَّرِيك الأول فَإِن الْملك مُسْتَحقّ الإنقلاب إِلَيْهِ وَأما إعسار الْمُعْتق فَالصَّحِيح أَنه يرفع الْحجر عَن الشَّرِيك فِي التَّصَرُّف لأَنا أخرنا الْعتْق لأجل حَقه فَلَا يُمكن تَعْطِيل ملكه بِغَيْر بدل نعم لَو كَانَ مُعسرا أَولا فطرآن الْيَسَار لَا يُؤثر فِي السَّرَايَة
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة إِذا قَالَ أحد الشَّرِيكَيْنِ لصَاحبه إِذا أعتقت أَنْت نصيبك فنصيبي أَيْضا حر فَإِذا أعتق الْمَقُول لَهُ ذَلِك وَكَانَ مُوسِرًا ورأينا تَعْجِيل السَّرَايَة عتق العَبْد كُله عَلَيْهِ لِأَنَّهُ اجْتمع على النّصْف تَعْلِيق وسراية والسراية أولى لكَونهَا قهرية تَابِعَة لعتق النّصْف الآخر الَّذِي لَا يقبل الدّفع وَأما التَّعْلِيق فَلفظ يقبل الدّفع وَإِن فرعنا على التَّأْخِير فَيعتق النّصْف الآخر بِالتَّعْلِيقِ كَمَا لَو أنشأالعتق مَعَه أَو بعده إِلَّا إِذا فرعنا على أَن عتقه لَا ينفذ لاسْتِحْقَاق

(7/468)


السَّرَايَة فَحِينَئِذٍ ينْدَفع التَّعْلِيق بِاسْتِحْقَاق السَّرَايَة كَمَا ينْدَفع بِنَفس السَّرَايَة أما إِذا كَانَ مُعسرا فتلغو السَّرَايَة وَينفذ التَّعْلِيق
وَلَو قَالَ فنصيبي حر قبله وَكَانَا معسرين عتق كل نصيب على صَاحبه وَإِن كَانَا موسرين فَهَذَا من الدّور إِذْ لَو عتق قبل مُبَاشَرَته بِحكم التَّعْلِيق لسرى وامتنعت الْمُبَاشرَة بعده وانعدمت الصّفة الَّتِي عَلَيْهَا التَّعْلِيق فتنعدم السَّرَايَة فَهَذَا عِنْد ابْن الْحداد يَقْتَضِي الْحجر على الْمَالِك فِي إِعْتَاق نصيب نَفسه
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة إِذا قَالَ أَحدهمَا لصَاحبه قد أعتقت نصيبك وَأَنت مُوسر فَأنْكر عتق نصيب الْمُدَّعِي مجَّانا مُؤَاخذَة لَهُ بقوله وَذَلِكَ ظَاهر وَلَكِن على قَول تَعْجِيل السَّرَايَة ثمَّ لَهُ أَن يحلفهُ فَلَو نكل فَحلف الْمُدَّعِي أَخذ قيمَة نصِيبه وَلم يحكم بِعِتْق نصيب الْمُدعى عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ الْمَرْدُودَة لِأَن دَعْوَاهُ إِنَّمَا قبلت لأجل قيمَة نصِيبه وَإِلَّا فدعوى الْإِنْسَان على غَيره أَنه أعتق ملك نَفسه غير مسموع بل إِنَّمَا تسمع الشَّهَادَة على سَبِيل الْحِسْبَة
وَلَو ادّعى كل وَاحِد من الشَّرِيكَيْنِ على الآخر أَنه أعتق نصيب نَفسه فَإِن كَانَا معسرين بَقِي العَبْد رَقِيقا وَإِن كَانَا موسرين عتق العَبْد وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوف إِذْ لَا يَدعِيهِ أَحدهمَا لنَفسِهِ

(7/469)


الخاصية الثَّانِيَة الْعتْق بِالْقَرَابَةِ

وكل من دخل فِي ملكه أحد أَبْعَاضه عتق عَلَيْهِ إِن كَانَ من أهل التَّبَرُّع فَهَذِهِ ثَلَاثَة قيود
الأول قَوْلنَا دخل فِي ملكه وَقد تناولنا بِهَذَا الْإِرْث وَالْهِبَة وَالشِّرَاء وكل ملك قهرا كَانَ أَو اخْتِيَارا لِأَن هَذَا الْعتْق صلَة فَلَا يَسْتَدْعِي الإختبار والسراية غَرَامَة فَلَا تحصل إِلَّا بعد الإختيار
الثَّانِي الأبعاض وَقد تناولنا بِهِ جَمِيع الْفُرُوع وَالْأُصُول وَهُوَ كل من يسْتَحق النَّفَقَة وأخرجنا الْإِخْوَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يعْتق كل ذِي رحم محرم
الثَّالِثَة أَهْلِيَّة التَّبَرُّع وَيخرج عَلَيْهِ الطِّفْل وَالْمَرِيض والمحجور
أما الطِّفْل لَيْسَ لوَلِيِّه أَن يَشْتَرِي لَهُ قَرِيبه الَّذِي يعْتق عَلَيْهِ وَلَو وهب لَهُ لم يجز قبُوله حَيْثُ تجب نَفَقَته بِأَن يكون الْمَوْهُوب غير كسوب وَالصَّبِيّ مُوسر وَحَيْثُ لَا تجب النَّفَقَة فِي

(7/470)


الْحَال يجوز الْقبُول وَإِن كَانَ يتَوَقَّع فِي الْمَآل فَلَا ينظر إِلَيْهِ ثمَّ إِذا قبل عتق عَلَيْهِ وَلَو وهب مِنْهُ نصف قَرِيبه وتوقع من قبُوله السَّرَايَة والغرامة فَلَا يقبله الْوَلِيّ وَفِيه وَجه أَنه يقبل وَلَا يسري
أما الْمَرِيض فَلَو اشْترى قَرِيبه عتق من ثلثه فَإِن لم يَفِ بِهِ فَلَا يعْتق وَإِن ملكه بِإِرْث أَو هبة فَيعتق من الثُّلُث أَو رَأس المَال فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا من الثُّلُث كَمَا لَو اتهب عبدا وَأَنْشَأَ عتقه
وَالثَّانِي من رَأس المَال لِأَنَّهُ عتق بِغَيْر اخْتِيَاره وَلم يبْذل فِي مُقَابلَته شَيْئا
وَلَو اشْتَرَاهُ بِأَلف وَهُوَ يُسَاوِي أَلفَيْنِ فَقدر الْمُحَابَاة يخرج على أحد الْوَجْهَيْنِ وَالْبَاقِي يحْسب من الثُّلُث
أما الْمَحْجُور بِسَبَب الدّين مَرِيضا كَانَ أَو مفسلا فَيعتق عَلَيْهِ قَرِيبه الَّذِي وَرثهُ أَو اتهبه وَإِن قُلْنَا إِنَّه يحْسب من رَأس المَال أما إِذا اشْترى فَفِي وَجه يبطل الشِّرَاء وَفِي وَجه يملك وَلَا يعْتق

فرع
إِذا قهر الْحَرْبِيّ حَرْبِيّا آخر ملكه فَلَو قهر أَبَاهُ فَهَل يملكهُ حَتَّى يَصح بَيْعه قَالَ أَبُو زيد يملكهُ لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ يعْتق قهرا فقهر الْعتْق ملك والقهر دَائِم وَقَالَ ابْن الْحداد لَا يملك لِأَن الْقَرَابَة دافعة وَهِي دائمة مَعَ الْقَهْر
قَاعِدَة مركبة من عتق الْقَرَابَة والسراية وَهِي أَن الْمُوسر إِذا اشْترى نصف قَرِيبه عتق وسرى وَكَذَا لَو اتهب وَلَو ورث عتق وَلم يسر لِأَنَّهُ لَا اخْتِيَار

(7/471)


وَاعْلَم أَن اخْتِيَار وَكيله ونائبه شرعا كاختياره حَتَّى لَو أوصى لَهُ بِبَعْض أَبِيه فَمَاتَ قبل الْقبُول وَورثه أَخُوهُ فَقبل بنيابته عتق كُله على الْمَيِّت إِن كَانَ فِي الثُّلُث وَفَاء لِأَن قبُوله كقبول الْمَيِّت فَكَأَن الْمَيِّت ملكه فِي الْحَيَاة
وَلَو أوصى لَهُ بِنصْف ابْن أَخِيه فَمَاتَ قبل الْقبُول وَورثه أَخُوهُ وَقبل فَهَل يسر على الْقَابِل فَإِنَّهُ ابْنه فِيهِ وَجْهَان وَوجه منع السَّرَايَة أَن قبُوله يحصل الْملك للْمَيت أَولا ثمَّ ينْتَقل إِلَيْهِ قهرا
وَيجْرِي الْوَجْهَانِ فِي كل ملك يحصل غير مَقْصُود فِي نَفسه كَمَا لَو بَاعَ بعض من يعْتق على وَارثه بِثَوْب ثمَّ رد الْوَارِث الثَّوْب بِعَيْب رَجَعَ إِلَيْهِ بعض قَرِيبه ضمنا لرد الْعِوَض وَكَذَلِكَ إِذا عجز مكَاتبه وَكَانَ فِي يَده بعض قَرِيبه وَلَو عجز الْمكَاتب نَفسه فَرجع بعض قريب السَّيِّد إِلَيْهِ لم يسر قطعا

(7/472)


الخاصية الثَّالِثَة امْتنَاع الْعتْق بِالْمرضِ إِذا لم يَفِ الثُّلُث بِهِ

فَلَو أعتق عبدا لَا مَال لَهُ غَيره عتق ثلثه ورق ثُلُثَاهُ للورقة فَإِن ظهر عَلَيْهِ دين مُسْتَغْرق بيع كُله فِي الدّين وَلَو مَاتَ العَبْد قبل موت السَّيِّد قَالَ الْقفال مَاتَ وَثلثه حر وثلثاه رَقِيق وَقيل إِنَّه مَاتَ حرا لِأَن الإرقاق إِنَّمَا يكون حَيْثُ يكون للْوَرَثَة فِيهِ فَائِدَة وَقيل يَمُوت كُله رَقِيقا لِأَن الثُّلُث إِنَّمَا يعْتق إِذا حصل للْوَارِث ثُلُثَاهُ وَتظهر فَائِدَة هَذَا فِيمَا لَو وهب عبدا وأقبضه وَمَات ثمَّ مَاتَ السَّيِّد فَيظْهر أثر الْخلاف فِي مُؤنَة التَّجْهِيز وَأَنَّهَا على من أما لَو قبله الْمُتَّهب فَهُوَ كالباقي حَتَّى يغرم قيمَة الزَّائِد على الثُّلُث

فرع
لَو أعتق ثَلَاثَة أعبد لَا مَال لَهُ غَيرهم وَمَات وَاحِد قبل موت السَّيِّد قَالَ الْأَصْحَاب يدْخل الْمَيِّت فِي الْقرعَة فَإِن خرجت لَهُ رق الْآخرَانِ وَإِن خرج على أحد الْحَيَّيْنِ عتق ثُلُثَاهُ فَقَط وَهَذَا إِنَّمَا يَصح على اخْتِيَار الْقفال فَأَما من جعل الْمَيِّت قبل السَّيِّد كَالْمَعْدُومِ

(7/473)


فَلَا ينقدح عِنْده إِدْخَاله فِي الْقرعَة أما إِذا مَاتَ أحدهم بعد موت السَّيِّد وَلَكِن قبل امتداد يَد الْوَارِث وَقبل الْقرعَة فَيدْخل فِي الْقرعَة فَإِن خرج عَلَيْهِ رق الْآخرَانِ وَإِن خرج على أحد الباقيين عتق ثُلُثَاهُ وَلم يحْتَسب مَا لم يدْخل فِي يَد الْوَارِث عَلَيْهِ وَإِن كَانَ دخل فِي يَده وَلَكِن مَاتَ قبل الْقرعَة فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يحْسب عَلَيْهِ حَتَّى لَو خرجت على وَاحِد من الْحَيَّيْنِ عتق بِكَمَالِهِ
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ كَانَ مَحْجُورا عَن التَّصَرُّف قبل الْقرعَة فَأَي فَائِدَة لليد

(7/474)


الخاصية الرَّابِعَة الْقرعَة

وَالنَّظَر فِي محلهَا وكيفيتها
أما محلهَا فَإِن أعتق عبيدا مَعًا لَا يَفِي ثلثه بهم فقد أعتق رجل سِتَّة أعبد لَا مَال لَهُ غَيرهم فجزأهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة أَجزَاء وأقرع بَينهم وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا قرعَة ويزع عَلَيْهِم فَيعتق من كل وَاحِد ثلثه وَهُوَ الْقيَاس وَلَكِن تشوف الشَّرْع إِلَى تَكْمِيل الْعتْق فَوَجَبَ اتِّبَاع الْخَبَر وَالْمذهب أَن الْقرعَة جَارِيَة فِيمَا لَو أوصى بعتقهم وَفِيمَا لَو قَالَ الثُّلُث من كل وَاحِد مِنْكُم حر وَفِيه وَجه أَن الْخَبَر إِنَّمَا ورد فِي تَنْجِيز الْعتْق على الْجَمِيع فَلَا تلْحق بِهِ الْوَصِيَّة وَلَا صَرِيح التجزئة بل يجْرِي على الْقيَاس
أما إِذا أعتق على تَرْتِيب فَلَا خلاف أَن السَّابِق يقدم وَلَا قرعَة وَأما الْوَصِيَّة فَلَا ينظر فِيهَا إِلَى التَّقَدُّم والتأخر لِأَن الْمَوْت جَامع لوقت الْعتْق وَهُوَ وَاحِد نعم لَو دبر عبدا وَأوصى بِعِتْق آخر فالمدبر يتَّصل عتقه بِالْمَوْتِ وَالْوَصِيَّة تقف على الْإِنْشَاء بعده فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا تَقْدِيم الْمُدبر
وَالثَّانِي التَّسْوِيَة لِأَن اسْتِحْقَاق الْمُوصى بِهِ يُقَارب عتق الْمُدبر

(7/475)


فرع فِي الدّور وَكَيْفِيَّة الْإِخْرَاج من الثُّلُث فَإِذا أعتق ثلَاثه أعبد قيمَة كل وَاحِد مائَة وَلَا مَال لَهُ غَيرهم وَلَكِن اكْتسب وَاحِد مائَة قبل الْمَوْت فيقرع بَينهم فَإِن خرج على المكتسب فَلَا إِشْكَال وَقد عتق وفاز بِالْكَسْبِ ورق الْآخرَانِ وَلَو خرج على غَيره عتق وَلم يقنع بِهِ لِأَنَّهُ يبْقى للْوَرَثَة عَبْدَانِ وَمِائَة أُخْرَى هِيَ الْكسْب فيقرع مرّة أُخْرَى بَين الْعَبْدَيْنِ الآخرين فَإِن خرج على غير المكتسب فَيعتق مِنْهُ ثلثه وَبِه يتم ثلث أَرْبَعمِائَة إِذْ مهما رق المكتسب صَار المَال أَرْبَعمِائَة وَإِن خرج على المكتسب وَقع الدّور لِأَن كل جُزْء يعْتق مِنْهُ فيستتبع جُزْءا من الْكسْب فِي مُقَابلَته وَينْقص مبلغ الْمِيرَاث بِهِ إِذْ مَا يتبع الْجُزْء يخرج من حِسَاب الْمِيرَاث فسبيله الْجَبْر والمقابلة فطريق عمله أَن نقُول عتق من المكتسب شَيْء وَتَبعهُ مثله لِأَن الْكسْب مثل قِيمَته وَلَو كَانَ اكْتسب مِائَتَيْنِ لقلنا تبعه مثلاه وَلَو كَانَ اكْتسب خمسين لقلنا تبعه مثل نصفه فَإِن كَانَ الْكسْب مائَة وَتَبعهُ مثله بَقِي فِي يَد الْوَرَثَة ثَلَاثمِائَة إِلَّا شَيْئَيْنِ إِذْ أعتقنا شَيْئا وَتَبعهُ مثله وَهِي تعدل مثلي مَا أعتقنا فيكُن مِائَتَيْنِ وشيئين أعتقنا مائَة وشيئا فَفِي أَيْديهم ثلثان إِلَّا شَيْئَيْنِ تعدل مِائَتَيْنِ وشيئين فتجبر الثَّلَاث مائَة بشيئين فَيصير فِي أَيْديهم ثَلَاثمِائَة تعدل مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعَة أَشْيَاء فالمائتان بالمائتين قصاص تبقى مائَة فِي مُقَابلَة أَرْبَعَة أَشْيَاء فَيكون كل شَيْء ربع الْمِائَة فقد ظهر لنا أَن الَّذِي أعتقنا كَانَ ربع العَبْد وَهُوَ قدر خمس وَعشْرين وَتَبعهُ من الْكسْب مثله فَتَصِير خمسين وَيبقى فِي يَد الْوَرَثَة من بَقِيَّة الْكسْب والعبدين قدر مِائَتَيْنِ وَخمسين وَهُوَ ضعف مَا أعتقناه فَإنَّا أعتقنا مائَة وخمسا وَعشْرين وَذَلِكَ مَا أردنَا أَن نبين وَمهما زَادَت قيمَة عبد فَهُوَ ككسبه وَلَو كَانَت جَارِيَة فَحملت فالحمل كالكسب
الطّرف الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الْقرعَة وَكَيْفِيَّة التجزئة أما كَيْفيَّة الْقرعَة فقد ذَكرنَاهَا فِي كتاب الْقِسْمَة وَيتَخَيَّر بَين أَن يكْتب اسْم العبيد أَو يكْتب الرّقّ وَالْحريَّة وَلَعَلَّ الأسهل أَن يكْتب اسْم الْحُرِّيَّة فِي رقْعَة وَالرّق فِي رقعتين وتدرج فِي بَنَادِق مُتَسَاوِيَة وتسلم إِلَى صبي حَتَّى يُعْطي كل بعد بندقة وَهَذَا يقطع النزاع فِي الْبِدَايَة باسم من تخرج عَلَيْهِ

(7/476)


وَلَو اتَّفقُوا على أَنه إِن طَار غراب فغانم حر مثلا وَإِن وضع صبي يَده على وَاحِد فَهُوَ حر فَذَلِك لَا أثر لَهُ بل لَا بُد من الْقرعَة كَمَا ورد الشَّرْع نعم لَا يتَعَيَّن الكاغد فِي الرقعة لَكِن يجوز بالخشب وَغَيره وَقد أَقرع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَغَانِم مرّة بالنوى وَمرَّة بالبعر
أما كَيْفيَّة التجزئة فَإِن أعتق ثَلَاثَة أعبد أَو سِتَّة وهم متساوو الْقيمَة فيسهل تجزئتهم بِثَلَاثَة أَجزَاء أما إِذا خَالَفت الْقيمَة الْعدَد فَإِن أمكن التجزئة إِلَى ثَلَاثَة أَجزَاء بِالْقيمَةِ فيفعل وَلَا يُبَالِي بتفاوت الْعدَد حَتَّى لَو كَانُوا أَرْبَعَة وَقِيمَة اثْنَيْنِ مائَة وَقِيمَة كل وَاحِد من الآخرين مائَة جعل الْإِثْنَيْنِ جُزْءا وَاحِدًا فإا خرجت لَهما الْقرعَة عتقا أما إِذا لم يُمكن ذَلِك بِأَن كَانُوا ثَمَانِيَة أعبد مثلا وَلَا تَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة أَجزَاء إِذا تَسَاوَت قيمتهم فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه يجزأ بِحَيْثُ يقرب من التَّثْلِيث فَيجْعَل ثَلَاثَة وَثَلَاثَة واثنين فَإِن خرج على الثَّلَاثَة قرعَة الْحُرِّيَّة لم يعْتق جَمِيعهم بل تُعَاد الْقرعَة بَينهم بِسَهْم رق وسهمي عتق فَمن خرج لَهُ سهم الرّقّ رق ثلثه وَعتق ثُلُثَاهُ
وَالثَّانِي أَنه يجب التَّثْلِيث بل يجوز تجزئتهم مثلا أَرْبَعَة أَجزَاء سهم عتق وَثَلَاثَة أسْهم رق فَأَي عَبْدَيْنِ خرج لَهما الْقرعَة بِالْحُرِّيَّةِ عتقا ثمَّ تُعَاد بَين السِّتَّة فيجزءون بِثَلَاثَة أَجزَاء وَيضْرب بَينهم سهم عتق وَسَهْما رق فَأَي عَبْدَيْنِ خرج لَهما سهم الْعتْق انحصر فيهمَا ثمَّ تُعَاد بَينهمَا فَمن خرج لَهُ عتق ثُلُثَاهُ مَعَ الآخرين وَالصَّحِيح أَن هَذَا فِي الإستحباب وَقَالَ الصيدلاني الْخلاف فِي الإستحقاق

فرع
إِذا كَانَ على الْمَيِّت دين مُسْتَغْرق بَطل الْعتْق وَإِن لم يسْتَغْرق فالباقي بعد الدّين كَأَنَّهُ كل المَال فَينفذ الْعتْق بِقدر ثلث الْبَاقِي وَإِذا لم يملك إِلَّا عبيدا أعتقهم فيقرع أَولا سهم دين وَسَهْم تَرِكَة حَتَّى يتَعَيَّن بَعضهم للدّين فَيصْرف أَولا إِلَى الدّين ثمَّ يقرع لِلْعِتْقِ وَالْوَرَثَة فِي

(7/477)


البَاقِينَ لِأَنَّهُ رُبمَا يَمُوت من تعين للدّين قبل أَن يصرف إِلَيْهِ
وَلَا يجوز أَن يكْتب رقْعَة لِلْعِتْقِ وَأُخْرَى للدّين وَأُخْرَى للْوَرَثَة دفْعَة وَاحِدَة لِأَنَّهُ رُبمَا سبق رقْعَة الْعتْق وَلَا يُمكن تنفيذه قبل قَضَاء الدّين وَفِيه وَجه أَنه يجوز
ثمَّ إِذا خرج أَولا سهم الْعتْق وقفنا فِي التَّنْفِيذ إِلَى أَن يقْضى الدّين ثمَّ كَيْفيَّة الْقرعَة على الصَّحِيح أَن ينظر فَإِن كَانَ الدّين ربع التَّرِكَة مثلا قسمنا العبيد أَرْبَعَة أَجزَاء وَإِن كَانَ ثَلَاثَة قسمناهم ثَلَاثَة أَجزَاء فَإِذا خرج قرعَة الدّين لقسم صرفناه إِلَى الدّين
ثمَّ إِذا دفعنَا بعض الْعتْق فَظهر للْمَيت دين أعدنا الْقرعَة بِقدر مَا اتسعت التَّرِكَة وَلَا يخفى وَجهه

(7/478)


النّظر الثَّالِث فِي فروع مُتَفَرِّقَة

الأولى إِذا أبهم الْعتْق بَين جاريتين ثمَّ وطىء إِحْدَاهمَا هَل يكون ذَلِك تعيينا للْملك فِيهَا فِيهِ وَجْهَان ذكرناهما فِي الطَّلَاق وَفِي الإستمتاع باللمس والقبلة وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن لَا يكون تعيينا وَفِي الإستخدام وَجْهَان مرتبان وَيبعد يَجعله تعيينا وَبَقِيَّة أَحْكَام الْإِبْهَام ذَكرنَاهَا فِي الطَّلَاق
الثَّانِي إِذا قَالَ لجاريته أول ولد تلدينه فَهُوَ حر فَولدت مَيتا ثمَّ حَيا لم يعْتق الْحَيّ وانحلت الْيَمين بِالْمَيتِ خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله
الثَّالِث لَو قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت ابْني ثَبت نسبه وَعتق إِلَّا أَن يكون أكبر سنا مِنْهُ فَيلْغُو لِأَنَّهُ ذكر محالا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يعْتق وَإِن لم يثبت النّسَب وَلَو كَانَ مَشْهُور النّسَب من غَيره لم يثبت النّسَب وَفِي الْعتْق وَجْهَان لِأَن مَا صرح بِهِ مُمْتَنع شرعا لَا حسا بِخِلَاف من هُوَ أكبر مِنْهُ
الرَّابِع إِذا أعتق الْوَارِث عبدا من التَّرِكَة قبل قَضَاء دين الْمَيِّت أَو بَاعه فَذَلِك يَنْبَنِي على أَن تعلق حق الْغرم بِالتَّرِكَةِ كتعلق أرش الْجِنَايَة أَو كتعلق الْمُرْتَهن أَو يمْنَع أصل ملك الْوَارِث وَفِيه ثَلَاثَة أوجه وَلَعَلَّ الْأَصَح أَنه إِن كَانَ مُعسرا لم ينفذ تصرفه وَإِن كَانَ مُوسِرًا فَيكون تصرفه كتصرف الرَّاهِن

(7/479)


الْخَامِس لَو قَالَ إِذا أعتقت غانما فسالم حر ثمَّ أعتق غانما وَهُوَ مَرِيض وكل وَاحِد ثلث مَاله لم يقرع بَينهمَا بل يعْتق غَانِم لِأَنَّهُ رُبمَا تخرج الْقرعَة على سَالم فَيعتق من غير وجود الصّفة وَهُوَ وجود عتق غَانِم وَفِيه وَجه أَنه يقرع وَهُوَ غلط
السَّادِس إِذا قَالَ أحد الشَّرِيكَيْنِ إِن كَانَ هَذَا الطَّائِر غرابا فنصيبي حر وَقَالَ الآخر إِن لم يكن غرابا فنصيبي حر واستبهم فَإِن كَانَا موسرين نفذ عتق العَبْد إِذْ أَحدهمَا حانث وَلَيْسَ لأَحَدهمَا أَن يُطَالب الآخر بِقِيمَة السَّرَايَة وَإِن كَانَا معسرين رق العَبْد إِذْ كل وَاحِد يشك فِي عتق نصيب نَفسه وَالْأَصْل بَقَاء الْملك

(7/480)


فَإِن اشْترى أَحدهمَا نصيب الآخر حكم بِعِتْق نصف العَبْد إِذْ تَيَقّن أَن فِي يَده نصف حر وَكَذَا لَو اشْترى ثَالِث العَبْد حكم عَلَيْهِ بحريّة نصفه وَلَيْسَ لَهُ الرَّد عَلَيْهِمَا وَلَا على أَحدهمَا لِأَن كل وَاحِد يزْعم أَن نصِيبه رَقِيق وَفِيه وَجه أَنه يرد إِذا كَانَ جَاهِلا وَهُوَ فَاسد لِأَن الْعتْق قد نفذ عَلَيْهِ فَكيف ينْقض
السَّابِع وقف بَين يَدَيْهِ غَانِم وَسَالم فَقَالَ أَحَدكُمَا حر ثمَّ غَابَ سَالم ووقف ميسر بِجنب غَانِم فَقَالَ أَحَدكُمَا حر ثمَّ مَاتَ قبل الْبَيَان وَقُلْنَا الْوَارِث لَا يقوم مقَامه فِي التَّعْيِين فيقرع بَين غَانِم وَسَالم فَإِن خرج على سَالم عتق وأقرع بَين غَانِم وميسر وَيعتق من خرج أما إِذا خرج أَولا على غَانِم فَهَل تُعَاد بَينه وَبَين ميسر فِيهِ وَجْهَان قَالَ الماسرجسي تُعَاد لانه أبهم مرَّتَيْنِ فيقرع مرَّتَيْنِ وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق لَا تُعَاد لِأَن الْقرعَة كتعيين الْمَالِك أَو بَيَانه لما نَوَاه
وَلَو قَالَ الْمَالِك أردْت بالإبهامين غانما فَقَط أَو عين غانما عَن الإبهامين لانقطعت الْمُطَالبَة عَنهُ فَينزل الْأَمر بعد مَوته على الأول ويقنع بِعِتْق غَانِم
الثَّامِن إِذا كَانَ لَهُ عَبْدَانِ فَقَالَ أعتقت أَحَدكُمَا على ألف وَقبل كل وَاحِد وَمَات قبل الْبَيَان أَقرع بَينهمَا فَمن خرج لَهُ عتق وَلَزِمَه قيمَة رقبته لفساد الْعِوَض بالإبهام وَفِيه وَجه أَن الْمُسَمّى أَيْضا يحْتَمل الْإِبْهَام تبعا لِلْعِتْقِ فَيلْزم الْألف

(7/481)


التَّاسِع جَارِيَة مُشْتَركَة زوجاها من ابْن أحد الشَّرِيكَيْنِ فَولدت عتق نصفهَا على أحد الشَّرِيكَيْنِ لِأَنَّهُ جد الْمَوْلُود وَلَا يسري عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عتق بِغَيْر اخْتِيَاره وَلَا يَجْعَل بِالْإِذْنِ فِي التَّزْوِيج مُخْتَارًا وَقد تخَلّل بعد الْوَطْء والعلوق بِاخْتِيَار غَيره وَقيل سَببه أَن الْوَلَد ينْعَقد حرا وَإِنَّمَا يسري الْعتْق الطارىء دون الْحُرِّيَّة الْأَصْلِيَّة وَقد قيل إِنَّه ينْعَقد رَقِيقا ثمَّ يعْتق كَمَا لَو اشْترى قَرِيبه ملكه ثمَّ عتق عَلَيْهِ وَعِنْدِي أَنه لَا يملك بل ينْدَفع الْملك بِمُوجب الْعتْق وَيكون الإندفاع فِي معنى الإنقطاع وَكَذَلِكَ الْوَلَد ينْدَفع رقّه وَلِهَذَا غور ذَكرْنَاهُ فِي تحصين المآخذ فِي مَسْأَلَة شريك الْأَب
الْعَاشِر الْمَغْرُور بِنِكَاح الْأمة يغرم قيمَة الْوَلَد للسَّيِّد فَلَو غر بِجَارِيَة أَبِيه فَفِي لُزُوم قيمَة الْوَلَد وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه لَا يجب لِأَنَّهُ يعْتق بِسَبَب الجدودة وَإِن لم يكن ظن الْمَغْرُور فَإِنَّهُ لَو زَوجهَا من ابْنه كَانَ وَلَده حرا
وَالثَّانِي أَنه يغرم لِأَن الْأَب لم يرض بتعرض ولد جَارِيَته لِلْعِتْقِ بِنِكَاح ابْنه فَلَا يفوت عَلَيْهِ

(7/482)


الخاصية الْخَامِسَة الْوَلَاء
وَالنَّظَر فِي سَببه وَحكمه وفروعه
الأول فِي السَّبَب وَسَببه زَوَال الْملك بِالْحُرِّيَّةِ فَكل من زَالَ ملكه عَن رَقِيق بِالْحُرِّيَّةِ فَهُوَ مَوْلَاهُ سَوَاء نجز أَو علق أَو دبر أَو كَاتب فتمت الْكِتَابَة أَو استولد فَمَاتَ أَو أعتق العَبْد بعوض أَو اشْترى قَرِيبه فَعتق عَلَيْهِ أَو وَرثهُ فَعتق عَلَيْهِ قرها أَو سرى عتقه إِلَى نصيب شركه وَسَوَاء اتّفق الدّين عِنْد الْعتْق أَو اخْتلف
وَلَو بَاعَ عَبده من نَفسه فَالظَّاهِر أَيْضا أَن الْوَلَاء لَهُ وَفِيه وَجه أَن لَا وَلَاء لَهُ فِي هَذِه الصُّورَة أصلا
وَأما حَقِيقَة الْوَلَاء فَهُوَ لحْمَة كلحمة النّسَب كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلذَلِك نقُول لَو شَرط فِي الْعتْق نفي الْوَلَاء أَو شَرطه لغيره أَو شَرطه لبيت المَال لَغَا شَرطه وَهَذَا لِأَن الْمُعْتق كَالْأَبِ فَإِنَّهُ سَبَب فِي وجود العَبْد إِذْ كَانَ العَبْد مفقودا لنَفسِهِ مَوْجُودا لسَيِّده فقد أوجده

(7/483)


لنَفسِهِ بِالْعِتْقِ وَلذَلِك قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لن يَجْزِي ولد وَالِده حَتَّى يجده مَمْلُوكا فيشتريه فيعتقه لِأَنَّهُ إِذا أعْتقهُ فقد كافأه على الْأُبُوَّة إِذْ صَار سَببا لوُجُوده الْحكمِي كَمَا كَانَ الْأَب سَببا لوُجُوده الْحسي وَلِهَذَا قَالَ بعض الْأَصْحَاب تحرم الصَّدَقَة على موَالِي بني هَاشم وَإِذا أوصى لبني فلَان دخل فيهم مواليهم وَلِهَذَا نقلو لَا يثبت الْوَلَاء بالمخالفة والموالاة خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَن الْوَلَاء ثَمَرَة الإنعام بالإيجاد الْحكمِي فَلَا يحصل بالمعاقدة وَلذَلِك نقُول يسترسل وَلَاء الْمُعْتق على أَوْلَاد الْعَتِيق وأحفاده وعَلى مُعتق الْعَتِيق ومعتق مُعْتقه وَإِن سفلوا وَقد حصل لَك من هَذَا أَن الشَّخْص قد يثبت الْوَلَاء عَلَيْهِ لمعتقه أَو لمعتق أُصُوله من أَب وَأم وجد وَجدّة أَو لمعتق مُعْتقه ويسترسل الْوَلَاء على سَائِر أحفاد الْعَتِيق إِلَّا فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع
الأول أَن يكون فيهم من مَسّه الرّقّ فَالْولَاء عَلَيْهِ لمباشر الْعتْق ولعصابته وَلَا ينجر إِلَى مُعتق الْأُصُول أصلا
الثَّانِي أَن يكون فيهم من أَبوهُ حر أُصَلِّي مَا مس الرّقّ أَبَاهُ فَلَا وَلَاء على وَلَده كَمَا لَا وَلَاء عَلَيْهِ وَهُوَ مَذْهَب مَالك رَحمَه الله وَمِنْهُم من قَالَ يثبت الْوَلَاء نظرا إِلَى جَانب الْأُم فَإِنَّهَا فِي مَحل الْوَلَاء وَهُوَ ضَعِيف لِأَن جَانب الْأَب مقدم فِي بَاب الْوَلَاء كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجد وَفِيه وَجه أَن أَبَاهُ إِن كَانَ عَرَبيا يعلم نسبه وَأَن لَا رق فِي نسبه فَلَا وَلَاء عَلَيْهِ وَإِن حكم بحريَّته بِظَاهِر الْحَال كالتركي والخوزي والنبطي فَيثبت الْوَلَاء عَلَيْهِ وَهَذَا مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله
الثَّالِث أَن تكون أمه حرَّة أَصْلِيَّة وَإِنَّمَا الْمُعْتق أَبوهُ فَالظَّاهِر هَا هُنَا ثُبُوت الْوَلَاء نظرا إِلَى جَانب الْأَب وَفِيه وَجه أَنه لَا يثبت فعلى هَذَا لَا يثبت الْوَلَاء بِالسّرَايَةِ من الأَصْل إِلَّا على ولد لَيْسَ فِي أُصُوله حر أُصَلِّي
هَذِه قَاعِدَة الْوَلَاء وَالنَّظَر بعده فِي التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير وَالْأَصْل فِيهِ أَن من مَسّه الرّقّ

(7/484)


فَالْولَاء عَلَيْهِ لمباشر الْعتْق لَا لمعتق أَبِيه ومعتق أمه فَإِن لم يمسهُ الرّقّ بِأَن يُولد حرا من رقيقين فِي صُورَة الْغرُور أَو من معتقين فَالْولَاء عَلَيْهِ لموَالِي الْأَب وَهُوَ مقدم على موَالِي الْأُم فَإِن كَانَ الْأَب رَقِيقا بعد لَا وَلَاء عَلَيْهِ فَالْولَاء لموَالِي الْأُم إِلَى أَن يعْتق الْأَب فينجر من موَالِي الْأُم إِلَى موَالِي الْأَب إِلَى أَن يتَعَذَّر جَرّه إِلَى موَالِي الْأَب بِأَن يَشْتَرِي هُوَ أَب نَفسه فَيعتق عَلَيْهِ إِذْ هُوَ مولى أَب نَفسه فَلَا يُمكن إِثْبَات الْوَلَاء على نَفسه وَيبقى الْوَلَاء لموَالِي الْأُم وَقَالَ ابْن سُرَيج ينجر الْوَلَاء إِلَيْهِ وَيسْقط وَيصير كشخص لَا وَلَاء عَلَيْهِ أصلا

فرعان

أَحدهمَا لَو كَانَ الْأَب رَقِيقا فَأعتق أَب الْأَب فَفِي انجرار الْوَلَاء إِلَيْهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا لِأَن الْأَب رَقِيق فَيلْزم أَن ينجر من موَالِي الْجد إِلَى موَالِي الْأَب إِذا أعتق والمنجر يَنْبَغِي أَن يسْتَقرّ وَلَا ينجر ثَانِيًا
وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح أَنه ينجر إِلَيْهِ ثمَّ ينجر إِلَى الْأَب وَلَيْسَ يشْتَرط اسْتِقْرَار المنجر
وَلَو أَن مولودا مَا مَسّه الرّقّ وَهُوَ من أبوين مَا مسهما الرّقّ لَكِن لكل وَاحِد من أَبَوَيْهِ أَبَوَانِ رقيقان إِلَّا أم أمه فَإِنَّهَا مُعتقة فَالْولَاء فِيهِ تبع لولاء أمه وَوَلَاء أمه تبع لولاء أمهَا فَإِن أعتق أَب أمه انجر الْوَلَاء إِلَى موَالِي أَب الْأُم فَإِن أعتقت أم الْأَب انجر الْوَلَاء إِلَى موَالِي أم أمه فَإِن أعتق أَبُو أَبِيه انجر إِلَى موَالِي أَب أَبِيه وَاسْتقر فِيهِ

(7/485)


فَإِن فَرضنَا الْأَب رَقِيقا تصور أَن ينجر إِلَى مُعتق الْأَب من مُعتق الْجد أَيْضا وَالْمَقْصُود أَن أَب الْأُم أولى بالاستتباع من أم الْأُم وَأم الْأَب أولى من أَب الْأُم وَأب الْأَب أولى من أم الْأَب وَالْأَب أولى من أَب الْأَب فَيَقَع الإنجرار بِحَسبِهِ إِلَى أَن يسْتَقرّ على مَا لَا يُوجد أولى مِنْهُ
الْفَرْع الثَّانِي لَو أعتق أمة حَامِلا عتق الْجَنِين وَوَلَاء الْجَنِين لموَالِي الْأُم لَا لموَالِي أَبِيه لِأَنَّهُ عتق بِالْمُبَاشرَةِ فالمباشرة أولى لمباشرته لَا لِأَنَّهُ مولى أمه وَهَذَا إِذا علم أَن الْجَنِين كَانَ مَوْجُودا يَوْم الْإِعْتَاق بِأَن يُؤْتى بِهِ لأَقل من سِتَّة اشهر فَإِن كَانَ لأَقل من أَربع سِنِين بِحَيْثُ يفترشها الزَّوْج فَفِيهِ قَولَانِ ذكرنَا نظيرهما فِي مَوَاضِع من حَيْثُ إِن إِثْبَات النّسَب يدل على تَقْدِير وجوده وَقت الْعتْق وَلَكِن يجوز أَن يَكْتَفِي فِي النّسَب بالإحتمال وَلَا يَكْتَفِي فِي الْولَايَة

(7/486)


النّظر الثَّانِي فِي أَحْكَام الْوَلَاء

وَهِي ثَلَاثَة ولَايَة التَّزْوِيج وَتحمل الْعقل والوراثة لِأَن الْوَلَاء يُفِيد الْعُصُوبَة وَهَذِه نتائج الْعُصُوبَة وَقد ذَكرنَاهَا فِي مَوَاضِع وَلَكِن ننبه الْآن فِي الْمِيرَاث على أُمُور
الأول أَن الْمُعْتق إِذا مَاتَ وَلم يخلف إِلَّا أَب الْمُعْتق وَأمه فَلَا شَيْء للْأُم وَلَو خلف ابْن الْمُعْتق وبنته فَلَا شَيْء للْبِنْت وَلَو خلف أَب الْمُعْتق وَابْنه فَلَا شَيْء للْأَب لِأَن الْأَب لَيْسَ عصبَة مَعَ الإبن وَالْمِيرَاث لعصبة الْمُعْتق وَلَا يعصب الْأَخ أُخْته فِي بَاب الْوَلَاء وعَلى الْجُمْلَة فَالْولَاء يُورث بِهِ وَلَا يُورث فِي نَفسه وَإِنَّمَا يَرث بِهِ الْعَصَبَات فيقد رموت الْمُعْتق بدل موت الْعَتِيق يَوْم موت الْعَتِيق وكل من يَأْخُذ مِيرَاثه بعصوبته فَيَأْخُذ مِيرَاث عتيقه وَلَا يسْتَثْنى عَن هَذَا إِلَّا الْجد وَالإِخْوَة فَإِن فيهم قَوْلَيْنِ
أَحدهمَا أَن أَخ الْمُعْتق يقدم على جده لقُوَّة الْبُنُوَّة فِي الْعُصُوبَة
وَالثَّانِي أَنهم يتقاسمون كَمَا فِي مِيرَاث النّسَب لَكِن لَا معادة بالأخ للْأَب مَعَ الْجد بل يقدم عَلَيْهِ الْأَخ للْأَب وَلَا يُعَاد عَلَيْهِ الْأَخ للْأَب وَهَذَا مَذْهَب زيد وَفِيه وَجه أَن الْأَخ للْأَب يُسَاوِي الْأَخ للْأَب وَالأُم لِأَنَّهُ لَا أثر للأمومة فِي الْوَلَاء

(7/487)


الثَّانِي أَن الْمَرْأَة لَا يتَصَوَّر أَن تَرث بِالْوَلَاءِ إِلَّا إِذا باشرت الْعتْق فَهِيَ كَالرّجلِ فِي الْمُبَاشرَة حَيْثُ ثَبت لَهَا الْوَلَاء على عتيقها وعَلى أَوْلَاد عتيقها وعَلى عَتيق عتيقها
الثَّالِث لَو خلف رجل ابْنَيْنِ وَوَلَاء مولى فَالْولَاء لَهما فَإِن مَاتَ أَحدهمَا عَن ابْن ثمَّ مَاتَ الْعَتِيق فميراثه لِابْنِ الْمُعْتق وَلَيْسَ لِابْنِ الإبن شَيْء لِأَنَّهُ لَو قدر موت الْمُعْتق فِي ذَلِك الْوَقْت مَا وَرثهُ ابْن الإبن فَلَا يَرث عتيقه وَهُوَ معنى قَوْلهم الْوَلَاء لأقعد ولد الْمُعْتق أَي الْأَقْرَب
الرَّابِع أَن النِّسْبَة قد تتركب من النّسَب وَالْعِتْق فيلتبس أمره التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير فقد يثبت الْوَلَاء لأَب مُعتق الْأَب ولمعتق أَب الْمُعْتق وَيَنْبَغِي أَن يقدم مُعتق الْمَيِّت ثمَّ عصبات مُعْتقه ثمَّ مُعتق مُعْتقه
وَلَو قيل لَك مُعتق أَب وَأب مُعتق فَأَيّهمَا أولى فَهَذِهِ أغلوطة فَإِن الْمَيِّت لَهُ مُعتق فولاؤه ولمعتقه وعصبات مُعْتقه فَلَا يكون لمعتق أَبِيه وَأمه حق فِيهِ فَإِن وَلَاء الْمُبَاشرَة لَا ينجر وَإِنَّمَا ينجر وَلَاء السَّرَايَة إِلَى الأولاء فَإِذن من لَهُ أَب مُعتق فَالْولَاء عَلَيْهِ كَانَ بِالْمُبَاشرَةِ لمعتقه أَو لعصبات مُعْتقه أَو لمعتق مُعْتقه إِذا كَانَ لَهُ مُعتق وَلَيْسَ لمعتق أَبِيه وَلَاء أصلا فَكيف يُقَابل بأب الْمُعْتق وَكَذَلِكَ قد يظنّ أَنه مُعتق أَب الْمُعْتق أولى من مُعتق مُعتق الْمُعْتق لِأَنَّهُ يُدْلِي بِالْولَايَةِ حَيْثُ توَسط الْأَب وَهُوَ غلط لما ذَكرْنَاهُ من أَن للْمَيت معتقا فولاؤه بِالْمُبَاشرَةِ فَلَا حق فِيهِ لمن يُدْلِي بِإِعْتَاق أَبِيه

فروع مشكلة

الأول اشْترى أَخ وَأُخْت أباهما فَعتق عَلَيْهِمَا فَأعتق الْأَب عبدا وَمَات ثمَّ مَاتَ الْعَتِيق فقد غلط فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَرْبَعمِائَة قَاض فضلا عَن غَيرهم إِذْ قَالُوا مِيرَاث الْعَتِيق بَين الْأَخ وَالْأُخْت لِأَنَّهُمَا معتقا مُعْتقه وَإِنَّمَا الْحق أَن الْمِيرَاث للْأَخ وَلَا شَيْء للْأُخْت لِأَنَّهَا إِن أخذت لِأَنَّهَا مُعتقة الْمُعْتق فَهُوَ محَال إِذْ عصبَة الْمُعْتق أولى وأخوها عصبَة الْمُعْتق بل لَو خلف الْأَب ابْن عَم بعيد لَكَانَ أولى من الْبِنْت
الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا لَو مَاتَ الْأَخ وَخلف هَذِه الْأُخْت فلهَا نصف مِيرَاثه بالأخوة وَلها من الْبَاقِي نصفه لِأَنَّهَا لما اشترت أَبَاهَا ثَبت لَهَا نصف الْوَلَاء على الْأَب واسترسل على أَوْلَاده

(7/488)


وأخوها من أَوْلَاد أَبِيهَا فلهَا نصف الْوَلَاء عَلَيْهِ فَتحصل على ثَلَاثَة أَربَاع مِيرَاثه
وَلَو مَاتَ الْأَب ثمَّ مَاتَ الإبن ثمَّ مَاتَ الْعَتِيق فلهَا ثَلَاثَة أَربَاع مَاله أما النّصْف فَلِأَن لَهَا نصف الْوَلَاء على مُعْتقه وَأما الرّبع فَلِأَن لَهَا الْوَلَاء أَيْضا على أَخِيهَا الَّذِي هُوَ مُعتق نصف الْمُعْتق فَهِيَ فِي اُحْدُ النصفين مُعتقة الْمُعْتق وَفِي نصف النّصْف مُعتقة أبي مُعتق الْمُعْتق
الثَّانِي أختَان خلفتا حرتين فِي نِكَاح غرور اشترت إحادهما أَبَاهَا وَالْأُخْرَى أمهَا فولاء الَّتِي اشترت أمهَا انجر إِلَى الَّتِي اشترت أَبَاهَا فَثَبت الْوَلَاء لمشترية الْأَب على مشترية الْأُم وَأما مشترية الْأُم فالمنصوص أَن وَلَاء صاحبتها أَيْضا ثَبت لَهَا فَتكون كل وَاحِدَة مولى صاحبتها لِأَن الَّتِي اشترت الْأَب لَا تقدر أَن تجر وَلَاء نَفسهَا إِلَى نَفسهَا فَيبقى لمشترية الْأُم فَإِنَّهَا مُعتقة الْأُم وَقَالَ ابْن سُرَيج تجر إِلَى نَفسهَا وَيسْقط فَإِذا ثَبت هَذَا فَلَو مَاتَ الْأَب فَلَهُمَا ثلثا مِيرَاثه بالبنوة وَالْبَاقِي لمشترية الْأَب بِالْوَلَاءِ فَإِن مَاتَت بعد ذَلِك مشترية الْأُم وَلَا وَارِث لَهَا سوى الْأُخْت فَنصف مِيرَاثهَا لَهَا بالأخوة وَالْبَاقِي بِالْوَلَاءِ لِأَنَّهَا جرت ولاءها بإعتاب الْأَب وَكَذَلِكَ كَانَ مِيرَاثهَا لمشترية الْأُم على النَّص بالأخوة وَالْوَلَاء وَعند ابْن سُرَيج النّصْف لَهَا وَالْبَاقِي لبيت المَال إِذْ لَا وَلَاء عَلَيْهَا
الثَّالِث فِي الدّور اشترت أختَان أمهما وعتقت عَلَيْهِمَا ثمَّ إِن الْأُم شاركت أَجْنَبِيّا فِي شِرَاء أَبِيهِمَا أَعنِي أبي الْأُخْتَيْنِ وأعتقاه فَيثبت الْوَلَاء لَهما نِصْفَانِ على الْأَب وعَلى الْأُخْتَيْنِ أَيْضا لِأَنَّهُمَا ولدا معتقهما وَوَلَاء الْأَب يجر الْوَلَاء من مولى الْأُم والأختان هما موليا أم نفسيهما فَإِذا مَاتَت الْأُم فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ بِالنّسَبِ وَالْبَاقِي بَينهمَا بِالْوَلَاءِ لِأَنَّهُمَا اشتريا الْأُم
ثمَّ إِذا مَاتَ الْأَب فَلَهُمَا ثلثا مِيرَاثه بالبنوة وَالْبَاقِي بَين الْأَجْنَبِيّ وَالأُم لِأَنَّهُمَا معتقاه

(7/489)


وَلَو مَاتَ الأبوان ثمَّ اتت إِحْدَى الْأُخْتَيْنِ فَنصف مِيرَاثهَا لأختها بِالنّسَبِ وَالنّصف الآخر بَين الْأَجْنَبِيّ وَالأُم لَو كَانَت حَيَّة لِأَنَّهُمَا معتقا الْأَب والآن فالأم ميتَة فنصيبها وَهُوَ الرّبع يجب أَن يكون لمعتقيها وهما الْأخْتَان الْحَيَّة وَالْميتَة فَيصْرف النّصْف إِلَى الْحَيَّة وَيبقى نصفه وَهُوَ الثّمن للميتة
وَالْقِيَاس أَن يصرف إِلَى من لَهُ وَلَاء الْميتَة وَهُوَ الْأَجْنَبِيّ وَالأُم ثمَّ قدر وَلَاء الْأُم يرجع إِلَى الْحَيَّة وَالْميتَة
ثمَّ قدر وَلَاء الْميتَة من الْأُم يرجع إِلَى الْأَجْنَبِيّ وَالأُم فيدور بنيهما الثّمن لَا ينْفَصل بل لَا يزَال يرجع مِنْهُ شَيْء إِلَى الْميتَة فَالصَّوَاب أَن يقسم المَال من سِتَّة ثَلَاثَة للْأُخْت بِالنّسَبِ وَالْبَاقِي بَين الْأَجْنَبِيّ وَبَينهمَا بِالْوَلَاءِ أَثلَاثًا للْأَجْنَبِيّ سَهْمَان وَلها سهم فَتحصل الْأُخْت على أَرْبَعَة أسْهم وَالْأَجْنَبِيّ على سَهْمَيْنِ وَغلط ابْن الْحداد فَقَالَ يصرف الثّمن إِلَى بَيت المَال لتعذر مصرفه وَهُوَ فَاسد لِأَنَّهُ كلما دَار رَجَعَ إِلَى الْأَجْنَبِيّ ضعف مَا يرجع إِلَى الْأُخْت فَيقسم كَذَلِك وَالله أعلم وَأحكم

(7/490)