تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج /1 ص -31-         كتاب أحكام الطهارة
المشتملة على وسائل أربعة ومقاصد كذلك. وأفردها بتراجم دون تلك إلا النجاسة لطول مباحثها فرقا بين المقصود بالذات وغيره، والكتاب كالكتب والكتابة لغة الضم والجمع، واصطلاحا اسم لجملة مختصة من العلم فهو إما باق على مصدريته أو بمعنى اسم المفعول أو الفاعل والإضافة إما بمعنى اللام أو بيانية، ويعبر عن تلك الجملة بالباب وبالفضل فإن جمعت كان الأول للمشتملة على الأخيرين والثاني للمشتملة على الثالث وهو المشتملة على مسائل غالبا في الكل، والطهارة بالفتح مصدر طهر بفتح هائه أفصح من ضمها يطهر بضمها فيهما، وأما طهر بمعنى اغتسل فمثلث الهاء لغة الخلوص من الدنس ولو معنويا. كالعيب، وشرعا لها وضعان حقيقي وهو زوال المنع الناشئ عن الحدث والخبث ومجازي من إطلاق اسم المسبب على السبب وهو الفعل الموضوع لإفادة ذلك أو بعض آثاره كالتيمم، وبهذا الوضع عرفها المصنف بأنها رفع حدث أو إزالة نجس أو ما في معناهما كالتيمم وطهر السلس أو على صورتهما كالغسلة الثانية والطهر المندوب وفيه أعني التعبير بالمعنى والصورة إشارة لقول ابن الرفعة إنها في هذين لا من مجاز التشبيه إلا أن يجاب عنه بمنعه وإثبات أنها فيها حقيقة عرفية كما صرحوا به في التيمم، وبدءوا بالطهارة لخبر الحاكم وغيره مفتاح الصلاة الطهور، ثم بما بعدها على الوضع البديع الآتي لأمرين: الأول الخبر المشهور بني الإسلام على خمس وأسقطوا الكلام على الشهادتين؛ لأنه أفرد بعلم وآثروا رواية تقديم الصوم على الحج؛ لأنه فوري ومتكرر، وأفرد من يلزمه أكثر، والثاني أن الغرض من البعثة انتظام أمر المعاش والمعاد. بكمال القوى النطقية ومكملها العبادات، والشهوية ومكملها غذاء ونحوه المعاملات، ووطء ونحوه المناكحات، والغضبية ومكملها التحرز عن الجنايات، وقدمت الأولى لشرفها، ثم الثانية لشدة الحاجة إليها، ثم الثالثة؛ لأنها دونها في الحاجة، ثم الرابعة لقلة وقوعها بالنسبة لما قبلها، وإنما ختمها الأكثر بالعتق تفاؤلا. وبدءوا من مقدمات الطهارة بالماء؛ لأنه الأصل في آلتها وافتتح هذا الكتاب بآية لتعود بركتها على جميع الكتاب لا لكونها دليله؛ لأن من شأنه التأخر عن المدلول على أنه إذا كان قاعدة كلية ينطبق عليها أكثر المسائل كما هنا قدم ولم يراع ذلك في غيره وإن راعاه أصله كالشافعي رضي الله عنه اختصارا "قال الله تعالى {وَأَنْزَلْنَا}" أي إنزالا مستمرا باهرا للعقول ناشئا عن عظمتنا "{مِنَ السَّمَاءِ}" أي الجرم المعهود إن أريد الابتداء أو السحاب إن أريد الانتهاء "{مَاءً}" فيه عموم من حيث إنه للامتنان وبهذا استفيد منه أنه طاهر إذ لا امتنان بالنجس فمن ثم كان "{طَهُوراً}" معناه مطهرا لغيره وإلا لزم التأكيد والتأسيس خير منه ويدل لذلك أيضا {لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال:11]، وأنه الأصل في فعول وإن جاء مصدرا وللمبالغة بأن يدل

 

ج /1 ص -32-         على زيادة في معنى فاعل مع مساواته له تعديا كضروب أو لزوما كصبور وللآلة كسحور لما يتسحر به، وبهذا الاشتراك مع كون الأصل ما ذكر اندفع الاستدلال لطهورية المستعمل نظرا إلى إفادة المبالغة على أن فيما قلناه تكرارا أيضا لرفعه أحداث أجزاء العضو الواحد بجريه عليه أما المضموم فيختص بالمصدر، وقيل يأتي بمعنى المطهر لغيره أيضا واختصاص الطهارة بالماء الذي أشارت إليه الآية ولا يرد شرابا طهورا؛ لأنه قد وصف بأعلى صفات الدنيا تعبدي أو لما فيه من الرقة واللطافة التي لا توجد في غيره ومن ثم قيل لا لون له وبهذا الاختصاص يتضح منعهم القياس عليه لا لمفهومه؛ لأنه لقب.
"يشترط لرفع الحدث" إجماعا واعترض وهو هنا أمر اعتباري قائم بالأعضاء يمنع صحة نحو الصلاة حيث لا مرخص أو المنع المترتب على ذلك وكون التيمم يرفع هذا لا برد؛ لأنه رفع خاص بالنسبة لفرض واحد، وكلامنا في الرفع العام وهذا خاص بالماء، وهو إما أصغر ورافعه الوضوء وإما أكبر ورافعه الغسل، وقد يقسم هذا نظرا إلى تفاوت ما يحرم به إلى متوسط، وهو ما عدا الحيض والنفاس وأكبر وهو هما إذ ما يحرم بهما أكثر. "و" رفع "النجس". وهو شرعا مستقذر يمنع صحة الصلاة حيث لا مرخص أو معنى يوصف به المحل الملاقي لعين من ذلك مع رطوبة وهذا هو المراد هنا؛ لأنه الذي لا يرفعه إلا الماء ولأن المصنف استعمل فيه الرفع كما تقرر، وهو لا يصح فيه حقيقة إلا على هذا المعنى أما على الأول فوصفه به من مجاز مجاورته للحدث، وكان عدوله عن تعبير أصله بالإزالة رعاية للأول؛ لأنه حقيقة وما راعاه هو مجاز وهو أبلغ من الحقيقة باتفاق البلغاء على أن ذاك موهم إذ يزيله غير الماء، وتخصيصهما لأنهما الأصل وإلا فالطهر المسنون وطهر السلس الذي لا رفع فيه كالذمية والمجنونة لتحل للمسلم والميت كذلك كما يعلم من كلامه فيما يأتي "ماء مطلق" أي استعماله بمعنى مروره عليه فلا يجوز كما عبر به أصله، وأفاده مفهوم الاشتراط من جهة أن تعاطي الشيء على خلاف ما أوجبه الشارع حرام، ولا يصح كما صرح به كل من نفى الحل لكن بخفاء وإن سلمنا أنه يستعمل فيهما؛ لأن الأكثر استعماله في الحرمة فقط ومن الاشتراط لكن بظهور ففي كل من العبارتين مزية خلافا لمن أطلق ترجيح هذه ولمن أطلق ترجيح تلك فتأمله. رفع أو إزالة شيء من تلك الأربعة إلا به لأمره تعالى بالتيمم عند فقده وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصب الذنوب من الماء على بول ذي الخويصرة التميمي لما بال في المسجد، وهو إنما ينصرف للمطلق؛ لأنه المتبادر إلى الذهن ولمنع القياس عليه كما مر. وخرج بتلك الأربعة نحو إزالة طيب عن بدن محرم؛ لأن القصد زوال عينه وهو لا يتوقف على ماء "وهو ما يقع عليه" عند أهل اللسان بالنسبة للعالم بحاله "اسم ماء بلا قيد" لازم وإن رشح من بخار الطهور المغلي أو تغير بما لا يضر مما يأتي أو جمع من ندى وزعم أنه نفس دابة لا دليل عليه أو كان زلالا وهو ما يخرج من جوف صور توجد في نحو الثلج كالحيوان، وليست بحيوان فإن تحقق كان نجسا؛ لأنه قيء وخرج بالماء. من حيث تعلق الاشتراط به التراب، ولو في المغلظ فإن المطهر هو الماء بشرط مزجه به ومحو أدوية الدباغ؛ لأنها محيلة وحجر الاستنجاء؛ لأنه مرخص وبقوله بلا قيد مع قولنا عند

 

ج /1 ص -33-         إلى آخره المقيد بلازم ولو نحو لام العهد كخبر إنما الماء من الماء وكالمتغير بالتقديري وكالمستعمل على الأصح وكقليل وقع فيه نجس؛ لأن العالم بها لا يذكرها إلا مقيدة على أنها مقيدة شرعا بخلاف المتغير بما لا يضر والمقيد بغير لازم نحو ماء البئر وإذا تقرر أن المطلق ما ذكر المعلوم منه مع ذكر الآية أن ماصدق الطهور والمطلق واحد. "ف" الماء الكثير والقليل "المتغير ب" مخالط طاهر "مستغنى" بفتح النون وكسرها بعيد متكلف "عنه كزعفران" ومني وثمر ساقط وطحلب طرح بعد دقه وورق طرح. ثم تفتت وملح جبلي وقطران أو كافور مخالط فكل منهما نوعان "تغيرا يمنع إطلاق اسم الماء" لكثرته ولو تقديرا، كأن وقع في الماء ما يوافقه كمستعمل لكن في قليل كما يأتي وكماء ورد لا ريح له فإنه يقدر وسطا كريح لأذن ولون عصير وطعم ماء رمان فإن غير مع ذلك ضر وإلا فلا؛ لأنه لما كان لموافقته لا يغير. اعتبر بغيره كالحكومة "غير طهور" وإن كان التغير بما على عضو المتطهر كما أنه غير مطلق فلو حلف لا يشرب ماء فشربه لم يحنث.
"ولا يضر" في الطهورية "تغير لا يمنع الاسم" لقلته ولو احتمالا بأن شك أهو كثير أو قليل ما لم يتحقق الكثرة ويشك في زوالها "ولا متغير" قيل الأحسن حذف الميم ليناسب ما قبله ويرد بأن التفنن المشعر باتحاد المقصود من العبارتين أفود وأبلغ. "بمكث". بتثليث ميمه وطين وطحلب بفتح لامه وضمها نابت من الماء أو ألقي فيه ولم يدق وورق وقع بنفسه وإن تفتت وخالط "وما في مقره" ومنه كما هو ظاهر القرب التي يدهن باطنها بالقطران وهي جديدة لإصلاح ما يوضع فيها بعد من الماء وإن كان من القطران المخالط "وممره" لو مصنوعا من نحو نورة وإن طبخت وكبريت وإن فحش التغير بذلك كله لتعذر صون الماء عنه، ولو وضع من هذا المتغير على غيره ما غيره لم يضر على الأوجه؛ لأنه طهور فهو كالمتغير بالملح المائي، وكون التغير. هنا إنما هو بما في الماء لا بد أنه لا ينظر إليه؛ لأنه أمر مشكوك فيه بل يحتمل أن سببه لطافة الماء المنبث هو في أجزائه فقبله الماء الثاني وانبث فيه ولو نزل بنفسه لم يقبله فلم يكثر تغيره به لكثافته ومع الشك لا تسلب الطهورية المحققة ألا ترى أنه لو وقع بماء مجاور ومخالط، وشككنا في المغير منهما لم يضر فكذا هنا.
"وكذا" لا يضر في الطهورية "متغير بمجاور" طاهر على أي حال كان "كعود ودهن" وإن طيبا وكحب وكتان وإن أغليا ما لم يعلم انفصال عين فيه مخالطة تسلب الاسم وبهذا التفصيل يجمع بين إطلاقات متباينة. في ماء مبلات الكتان؛ لأن له حالات متفاوتة في التغير أولا وآخرا كما هو مشاهد نعم الذي ينبغي فيما شك في انفصال عين فيه أنه لو تجدد له اسم آخر بحيث ترك معه اسمه الأول السلب؛ لأن هذا التجدد قرينة ظاهرة جدا على انفصال تلك العين فيه "أو بتراب" طهور بناء على أنه مخالط، وإلا فلا فرق كما هو واضح خلافا لمن وهم فيه، ومثله في جميع ما يأتي الملح المائي لا الجبلي إلا إن كان بممر أو مقر "طرح" لا لتطهير مغلظ، وإلا لم يصر طينا لا يجري بطبعه وإلا أثر جزما "في الأظهر" إذ التغير بالمجاور ومنه البخور ولو احتمالا إذ ما شك

 

ج /1 ص -34-         في أنه مخالط أو مجاور له حكم المجاور، ثم رأيت جمعا جزموا بأنه مجاور حتى من قال إنه يضر لكنه بناه على الضعيف من التفرقة في المجاور بين الريح وغيره، ولا ينافي كونه مجاورا أن الأصح في دخان الشيء أنه من نفس جرمه؛ لأنه لا مانع أن ينفصل جرم مجاور من جرم مخالط إذ المشاهدة قاضية في الدخان بأنه مجاور يطفو على الماء ولا يختلط به مجرد تروح، وإن فحش فهو كتغير بجيفة على الشط وبالتراب. أما مجرد كدورة لا تمنع الاسم فعليه هو مجاور، والمتغير به مطلق وهو الأشهر وإما للتسهيل على العباد. فهو غير مطلق قال جمع وهو الأقعد ويؤيده أن المتن مصرح به؛ لأنه أعاد الباء في بتراب ولم يجعله من أمثلة المجاوز فدل على أنه مخالط، وأن التغير به مغتفر مع ذلك نظرا لما فيه من الطهورية. وأصل هذا اختلافهم في حد المخالط أهو ما لا يمكن فصله فخرج التراب، أو ما لا يتميز في رأي العين فدخل، أو المعتبر العرف أوجه أشهرها الأول وقضية جزمهم بإخراج التراب عليه أن المراد ما لا يمكن فصله حالا ولا مآلا ورجح شيخنا في بعض كتبه تبعا لشيخه القاياتي ولأبي زرعة ما دلت عليه عبارة المتن، وصرح به جمع متقدمون أن التراب مخالط، وأن ذلك يدل على أن الأرجح من التعاريف الثلاثة الثاني، وأنه المعتمد وقد يقال ما لا يمكن فصله حالا ولا مآلا لا يتميز في رأي العين فيتحدان، ويكون ما دل عليه بيانا للعرف فلا خلاف في الحقيقة.
"ويكره" تنزيها وقيل تحريما شرعا لا طبا فحسب فيثاب التارك امتثالا شديد حر وبرد لمنعهما الإسباغ أو للضرر فإن قلت ينافي هذا حديث
"وإسباغ الوضوء على المكاره" قلت لا ينافيه؛ لأن ذلك في إسباغ على مكرهة لا بقيد الشدة، وهذا مع قيدها الذي من شأنه منع وقوع العبادة على كمال المطلوب منها.
و "المشمس" ولو مغطى لكن كراهة المكشوف أشد يعني ما أثرت فيه الشمس بحيث قويت على أن تفصل بحدتها منه زهومة ماء كان أو مائعا وكل شروطه للمطولات، وهي أن يكون بقطر حار وقت الحر في إناء منطبع، وهو ما يمتد تحت المطرقة ولو بالقوة كبركة في جبل حديد. غير نقد ومغشي به يمنع انفصال الزهومة بخلاف نقد غشي أو اختلط بما تتولد هي منه ولو غير غالب خلافا للزركشي وادعاءاتها لا تتولد إلا من غالب أو متحصل بالنار ممنوع ويؤيده قوله وإن رددته في شرح العباب بتولدها من الصداء بل هو شرط فيها عنده سواء النقد وغيره كما شملته عبارته، وهي تخص الكراهة بكل إناء منطبع مصدي وأن يستعمل وهو حار ولو في ثوب لبسه رطبا في ظاهر أو باطن بدن حي كأبرص يخشى زيادة برصه وغير آدمي يخشى برصه، وذلك للخبر الصحيح
"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" واستعماله مريب؛ لأنه يخشى منه البرص كما صح عن عمر رضي الله عنه واعتمده بعض محققي الأطباء لقبض تلك الزهومة على مسام البدن فتنجس الدم، ومحل هذا وما قبله حيث لم يظن بقول عدل أو بمعرفة نفسه ضرره له بخصوصه، وإلا حرم فيلزم التيمم إن لم يجد غيره أو. لم يتعين، وإلا بأن لم يجد غيره وقد ضاق الوقت وجب استعماله وشراؤه ولا كراهة كمسخن بالنار، ولو بنجس مغلظ؛ لأنها تذهب الزهومة لقوتها بخلافها في الطعام المائع لاختلاطها بأجزائه ويكره ماء وتراب كل

 

ج /1 ص -35-         أرض غضب عليها إلا بئر الناقة بأرض ثمود، ولا يكره الطهر بماء زمزم ولكن الأولى عدم إزالة النجس به وجزم بعضهم بحرمته ضعيف بل شاذ. وهو أفضل من ماء الكوثر خلافا لمن نازع فيه ويكره الطهر بفضل المرأة للخلاف فيه قيل بل ورد النهي عنه وعن التطهر من الإناء النحاس "والمستعمل في فرض الطهارة" أي ما لا بد منه في صحتها كالغسلة الأولى. ولو من طهر صبي لم يميز لطواف أو سلس أو حنفي لم ينو أو صلاة نفل أو كتابية انقطع دمها لتحل لحليل مسلم أي يعتقد توقف الحل عليه كما هو ظاهر؛ لأن الاكتفاء بنيتها إنما هو للتخفيف عليه أو مجنونة أو ممتنعة غسلها حليلها المسلم من ذلك لتحل له غير طهور أما المستعمل في الخبث فواضح، وأما المستعمل في الحدث فكذلك؛ لأنه حصل باستعماله زوال المنع من نحو الصلاة. فينتقل إليه كما أن الغسالة لما أثرت في المحل تأثرت وإن لم يجب غسل النجس المعفو عنه، ومر أنه غير مطلق أيضا "قيل و" المستعمل في "نفلها" ومنه ماء غسل به الرجل بعد مسح الخف؛ لأنه لم يزل مانعا بخلاف ماء غسل به الوجه مع بقاء التيمم لرفعه الحدث عنه "غير طهور" أيضا؛ لأن المدار على تأدي العبادة به، ولو مندوبة ويرد بأنه لا مانع ينتقل إليه حتى يتأثر به فكان باقيا على طهوريته، وبما قررت به المتن يندفع الاعتراض عليه بأن المتبادر منه أن هذا الوجه يشترط اجتماع الفرض مع النفل، والحق أنه لو قال أو كان أوضح، ثم قولنا إن المستعمل في فرض غير طهور إنما هو "في" الأصح في "الجديد" لا القديم؛ لأن المنع لا يتأتى انتقاله للماء، ويجاب بأنه انتقال اعتباري "فإن جمع" المستعمل على الجديد فبلغ "قلتين فطهور" وإن قل بعد بتفريقه "في الأصح" بناء على الأصح أيضا أن استعمال القليل أضعفه. وقيل أزال قوته من أصلها كحناء صبغ به لا يؤثر بعد وكالنجس إذا بلغهما بلا تغير. وأولى وزعم بقاء وصف الاستعمال لا يؤثر؛ لأن وصفه لا يضر مع الكثرة ألا ترى أن المستعمل إذا نزل في ماء قليل قدر مخالفا وسطا كما مر أو كثير لم يقدر؛ لأنه بوصوله إليه صار طهورا فعلم أن الاستعمال لا يثبت إلا مع قلة الماء أي وبعد فصله ولو حكما كأن جاوز منكب المتوضئ أو ركبته وإن عاد لمحله أو انتقل من يد لأخرى، نعم لا يضر في المحدث خرق الهواء مثلا للماء من الكف إلى الساعد ولا في الجنب انفصاله من نحو الرأس للصدر مما يغلب فيه التقاذف وهو جريان الماء إليه على الاتصال، ولو أدخل يده للغسل عن الحدث أولا بقصد بعد نية الجنب وتثليث وجه المحدث ما لم يقصد الاقتصار على الأولى وإلا فبعدها بلا نية اغتراف. ولا قصد أخذ الماء لغرض آخر صار مستعملا بالنسبة لغير يده فله أن يغسل بما فيها. باقي ساعدها، وواضح مما ذكر أن من يصب عليه تحصل له سنة التثليث ما لم يقصد الاقتصار على الأولى لرفع حدث يده بالثانية حينئذ ما لم ينو صرفه عنه ولو انغمس محدث، ثم نوى أو جنب في ماء قليل ارتفع حدثه وما دام لم يخرج له أن يرفع ما يطرأ عليه فيه من أصغر وأكبر. بالانغماس لا بالاغتراف ولو بيده وإن نوى اغترافا كما شمله كلامهم.
"ولا تنجس قلتا الماء" ولو احتمالا كأن شك في ماء أبلغهما أم لا وإن تيقنت قلته قبل

 

ج /1 ص -36-         "بملاقاة نجس" للخبر الصحيح "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث" أي لم يقبله كما صرحت به رواية "لم ينجس" وهي صحيحة أيضا، وخرج بقلتا الماء الصريح في أنهما كلهما من محض الماء ما لو وقع في ماء ينقص عن قلتين مائع يوافقه فبلغهما به، ولم يغيره فرضا لو قدر مخالفا فإنه ينجس بمجرد الملاقاة ولا يدفع الاستعمال عن نفسه، وإنما نزل ذلك المائع منزلة الماء في جواز الطهر بالكل؛ لأنه أخف إذ هو رفع وذاك دفع وهو أقوى غالبا ألا ترى أن الماء القليل الوارد يرفع الحدث والخبث ولا يدفعهما لو وردا عليه ومن ثم اختلفوا في مستعمل كثر انتهاء. هل ترفع كثرته استعماله أو لا واتفقوا في كثير ابتداء على أنه يدفع الاستعمال عن نفسه، وخرج ب غالبا نحو الطلاق فإنه يرفع النكاح، ولا يدفعه لحل ارتجاع المطلقة وعكسه الإحرام وعدة الشبهة فهو أقوى تأثيرا منهما، فعلم أن الشيء قد يدفع فقط كهذين، وقد يرفع فقط كالطلاق والماء هنا وأن الرفع التأثر بما يصلح له لولا ذلك الدافع من ذلك قولهم يسن لمن دعا برفع بلاء واقع أن يجعل ظهر كفيه للسماء، ويدفعه أن يقع به بعد عكسه ولو كان القلتان في محلين بينهما اتصال وبأحدهما نجس نجس الآخر إن ضاق ما بينهما وإلا طهر النجس كما يأتي، "فإن غيره" أي النجس الماء القلتين ولو يسيرا أو تقديرا كأن وقع فيه موافقة فغيره بالفرض والتقدير، ثم إن وافقه في الصفات الثلاث قدرناه مخالفا أشد فيها. كلون الحبر وريح المسك وطعم الخل أو في صفة قدرناه مخالفا فيها فقط "فنجس" إجماعا ولو بوصف واحد في الأولى أو بعضه فلكل حكمه فإن كثر غير المتغير بقي على طهارته وإلا فلا، وإنما قدر الطاهر بالوسط لأنه أخف ولو وقع في متغير بما لا يضر قدر زواله فإن غير حينئذ ضر وإلا فلا، "فإن زال تغيره بنفسه" بأن لم ينضم إليه شيء كأن طال مكثه "أو بماء" انضم إليه ولو متنجسا، أو أخذ منه والباقي كثير بأن كان الإناء منخنقا به فزال انخناقه ودخله الريح وقصره أو بمجاور وقع فيه أي أو بمخالط تروح به كما هو ظاهر مما يأتي في نحو زعفران لا طعم ولا ريح "طهر" لزوال سبب التنجس، وإنما لم تعد طهارة الجلالة بزوال التغير من غير علف طاهرا؛ لأن الظاهر أن سبب نجاستها عند القائل بها رداءة لحمها وهي لا تزول إلا بالعلف الطاهر، وإنما لم يقدروا هنا الواقع بعد زوال التغير مخالفا أشد. لأن المخالفة كانت موجودة بالفعل، ثم زالت لقوة الماء عليها فلم يكن لفرض المخالفة حينئذ وجه بخلافها ابتداء ولو عاد التغير لم يضر أي، وإن لم يحتمل أنه بتروح نجس آخر كما شمله إطلاقهم ودل عليه أيضا كلامه إلا إن بقيت عين النجاسة، وهل يقال بهذا في زوال نحو ريح متنجس بالغسل، ثم عاد أو يفصل بين عوده فورا أو متراخيا أو بين غسله بماء فقط أو مع نحو صابون لندرة العود هنا جدا أو يفرق بين البابين للنظر فيه مجال. وقضية ما سأذكره أن سبب عدم التأثير هنا ضعفه بزواله، ثم عوده وحينئذ فذاك مثله لوجود هذه العلة فيه نعم قد يؤخذ مما يأتي في محرمات الإحرام في نحو فاغية أو كاد أو طيب بثوب جف أن ريحه إن ظهر برش الماء استصحب له اسم الطيب وإلا فلا لأن ظهوره هنا إذا كان ناشئا عن نحو ماء أثر إلا أن يفرق بأن تأثير الماء في الإزالة أقوى من تأثير الجفاف فيها فأثر، ثم أدنى قرينة بخلافه هنا، وكلام المتن

 

ج /1 ص -37-         يشمل التغير التقديري أيضا بأن تمضي عليه مدة لو كان ذلك في الحسي لزال أو أن يصب عليه من الماء قدر لو صب على ماء متغير حسا لزال تغيره. ويعلم ذلك بأن يكون إلى جانبه غدير فيه ماء متغير فزال تغيره بنفسه بعد مدة فيعلم أن هذا أيضا يزول تغيره في هذه المدة، وذلك لأن النجاسة مقدرة فالمزيل ينبغي أن يكون مقدرا "أو" زال أي ظاهرا فلا ينافى التعليل بالشك الآتي فلا اعتراض على المصنف بالعطف المقتضي لتقدير الزوال الذي ذكرته، ثم رأيت بعض الشراح أجاب. بذلك والرافعي أول كلام الوجيز بذلك تغير ريحه "بمسك و" لونه بسبب "زعفران" وطعمه بخل مثلا "فلا" للشك في أن التغير زال حقيقة أو استتر، ويؤخذ منه أن زوال الريح والطعم بنحو زعفران لا طعم له ولا ريح والطعم واللون بنحو مسك واللون والريح بنحو خل لا لون له ولا ريح يقتضي عود الطهارة، وهو متجه وفاقا لجمع من الشراح؛ لأنه لا يشك في الاستتار حينئذ ولا يشكل هذا بإيجاب نحو صابون توقفت عليه إزالة نجس مع احتمال ستره لريحه بريحه؛ لأن من شأن ذاك أنه مزيل لا ساتر بخلاف هذا، "وكذا" بنحو "تراب وجص" أي جبس زال تغيره بأحدهما فلم يوجد ريح النجس أو طعمه أو لونه لا يطهر الماء "في الأظهر" للشك أيضا ودعوى أنهما لا يغلبان على أوصاف الماء يردها أنهما يكدرانه والكدرة من أسباب الستر ولا ينافي هذا ما قبله في نحو زعفران لا طعم له؛ لأن الظاهر أن لهما الأوصاف الثلاثة فإن لم توجد اعتبر الوصف المناسب لما فيهما فقط ولو صفا الماء ولا تغير طهر جزما كالتراب، "و" الماء "دونهما" أي القلتين ولم يبال بكون إضافتها إلى الضمير ضعيفة في العربية؛ لأنها شائعة على الألسنة مع دعاية الاختصار الذي هو بصدده، فزعم أن دونهما مبتدأ في كلامه وهي لا تتصرف على الأصح ليس في محله على أن تصرفها قرئ به في ومنا دون ذلك بالرفع فلا بدع فيه هنا بالأولى. والكلام في دون الظرفية التي هي نقيض فوق فما بمعنى غير متصرفة وفي الكشاف معنى دون أدنى مكان من الشيء، وتستعمل لتفاوت حال كزيد دون عمرو أي شرفا، ثم اتسع فيه. فاستعمل لتجاور حد إلى حد ك {أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:28] أي لا يتجاوزوا ولاية المؤمنين إلى ولاية الكافرين "ينجس" حيث لم يكن واردا وإلا ففيه تفصيل يأتي، ومنه فوار أصاب النجس أعلاه وموضوع على نجس يترشح منه ماء فلا ينجس ما فيه إلا إن فرض عود الترشيح إليه "بالملاقاة" أي بوصول النجس الغير المعفو عنه له لمفهوم حديث القلتين السابق المخصص لعموم خبر "الماء طهور لا ينجسه شيء" واختار كثيرون من أصحابنا مذهب مالك أن الماء لا ينجس مطلقا إلا بالتغير وكأنهم نظروا للتسهيل على الناس، وإلا فالدليل صريح في التفصيل كما ترى، وإنما تنجس المائع مطلقا؛ لأنه ضعيف لا يشق حفظه بخلاف الماء فيهما وحيث كان المتنجس الملاقي ماء اشترط أن لا يبلغ قلتين كما علم من قوله "فإن بلغهما بماء" ولو متنجسا أو متغيرا أو مستعملا أو ملحا مائيا أو ثلجا أو بردا ذاب وتنكير الماء ليشمل الأنواع الثلاثة الأول لا ينافيه حدهم المطلق بأنه ما يسمى ماء؛ لأن هذا حد بالنظر للعرف الشرعي، ولهذا لو حلف لا يشرب ماء اختص بالمطلق وما في المتن تعبير بالنظر لمطلق العرف وهو شامل للمطلق وغيره "ولا

 

ج /1 ص -38-         تغير" به "فطهور" لكثرته حينئذ ومن بلوغهما به. ما لو كان النجس أو الطاهر بحفرة أو حوض آخر وفتح بينهما حاجز، واتسع بحيث يتحرك ما في كل بتحرك الآخر تحركا عنيفا وإن لم تزل كدورة أحدهما ومضى زمن يزول فيه تغير لو كان أو بنحو كوز واسع الرأس بحيث يتحرك كما ذكر ممتلئ غمس بماء، وقد مكث فيه بحيث لو كان ما فيه متغيرا زال تغيره لتقويه به حينئذ بخلاف ما لو فقد شرط من ذلك، وينبغي في أحواض تلاصقت الاكتفاء بتحرك الملاصق الذي يبلغ به القلتين دون غيره، "فلو كوثر بإيراد" ماء "طهور" عليه أكثر من النجس كما أفهمه المتن لكن بالنسبة للضعيف المشترط لكونه أكثر كما يعلم ذلك مما ذهب إليه أكثر المفسرين في {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر:6] وإن كان التحقيق نظرا للمقام أنه نهى عن البذل لطلب الجزاء مطلقا "فلم يبلغهما لم يطهر" للقلة، وبه يعلم أن قولهم إن الوارد القليل لا يتنجس بملاقاة النجاسة، وقولهم إن الإناء يطهر حالا بإدارة ماء على جوانبه أي ولو بعد أن مكث الماء فيه مدة قبل الإدارة على ما جزم به غير واحد أخذا من كلامهم أي؛ لأن إيراده منع تنجسه بالملاقاة فلم يضر تأخير الإدارة عنها محلهما في وارد على حكمية أو عينية أزال جميع أوصافها بخلاف ما لو ورد على عينية بقي بعض أوصافها كنقطة دم أو ماء متنجس ولم يبلغهما، ثم رأيت الإسنوي وغيره صرحوا بذلك فما في الجواهر وغيرها من أنه لو صب ماء بإناء فيه نجس مائع ولم يتغير به طهر بالإدارة ضعيف "وقيل" هو "طاهر لا طهور" كثوب غسل ويرده مفهوم حديث القلتين السابق، ويجاب عن قياسه بأن الثوب زالت نجاسته بما ورد عليه دون الماء واستفيد من كلامه أن الضعيف يشترط كونه واردا وطهورا وأكثر أي وأن لا يكون فيه نجس عيني ولا هنا اسم بمعنى غير لفقد بعض شروط عطفها ومنه أن لا يصدق أحد متعاطفيها على الآخر. ظهر إعرابها فيما بعدها لكونها على صورة الحرف.
تنبيه: قيل يؤخذ من كلامهم أنه لو صب ماء من أنبوبة إناء به ماء قليل على سرجين مثلا، وصار كالفوار الذي أوله بالإناء وآخره متصل بالنجس تنجس حتى ما في الإناء كقليل ماء اتصل بعضه بنجس وفيه نظر حكما وأخذا بل الذي يتجه تشبيهه بالجاري المندفع في صبب بل هذا لكونه أقوى تدافعا بانصبابه من العلو إلى السفل أولى منه بحكمه أنه لا ينجس إلا المماس للنجس دون ما قبله وهذا واضح، وإنما الذي يتردد فيه النظر نظير ذلك في المائع أيلحق بالماء فيما ذكر فلا ينجس منه أيضا إلا المتصل بالنجس لا لكون الجاري له تأثير فيه بل لكون ما فيه من الانصباب أقوى مما في الجاري منع تسمية غير المماس متصلا بالنجس أو يفرق بأن المائع يستوي فيه الجاري وغيره اعتبارا بالتواصل الحسي فيه لضعفه بخلاف الماء كل محتمل لكن كلام الإمام الآتي في المبيع قبل قبضه ظاهر في الأول فإنه نقل عنهم في زيت أفرغ من إناء في إناء آخر به فأرة ميتة ما وجهه بما يفيد أن ما هو في هواء الظرف الثاني المصبوب فيه الصادق باتصاله بما في إنائه وبالفأرة بل هذا هو المتبادر من صب مائع إناء في إناء آخر لا ينجس منه إلا ملاقيها، ووجهه ما قدمته من أنه لم يوجد فيه حقيقة الاتصال العرفي. ثم رأيت الزركشي صرح في قواعده بأن الجرية

 

ج /1 ص -39-         من المائع الجاري إذا وقع بها نجس صار كله نجسا بخلاف الماء ومع ذلك الذي يتجه أنه لا فرق هنا لما تقرر من الانصباب هنا الأقوى مما في الجاري إلى آخره، ثم رأيته في شرح المهذب صرح نقلا عن الأصحاب بما ذكرته أنه لا اتصال هنا في ماء ولا مائع، وعبارته بعد أن قرر أن المصلي لو جرح فخرج دمه يتدفق ولوث البشرة قليلا لم تبطل صلاته واحتجوا بالحديث الحسن في ذلك قالوا ولأن المنفصل عن البشرة لا يضاف إليها، وإن كان بعض الدم متصلا ببعضه، ولهذا لو صب الماء من إبريق على نجاسة، واتصل طرف الماء بالنجاسة لم يحكم بنجاسة الماء الذي في الإبريق وإن كان بعضه متصلا ببعض أي حسا لا حكما انتهت وبها يعلم بطلان ما قيل يؤخذ من كلامهم إلى آخره، وصحة ما ذكرته بل لكون ما فيه من الانصباب إلى آخره، وبيانه أنهم جزموا بأن المنفصل عن الشيء لا يضاف إليه، وإن تواصل بعضه ببعض حتى اتصل أوله بما في الإبريق وآخره بالنجس فالخروج من الإبريق منع إضافة الخارج منه لما فيه ماء كان أو مائعا فلم يتأثر ما فيه بالخارج المتصل بالنجاسة، وإن اتصل بما فيه أيضا لما تقرر أن هذا الاتصال لا عبرة به مع كون العرف قطع إضافته إليه كما ذكروه، وإلا لم يعف عن ذلك الدم فيما إذا اتصل بدم كثير في الأرض مثلا وبقياسهم مسألة الدم على مسألة الماء علم أنهم مصرحون بأنه لا فرق بين الماء والمائع في عدم إضافة ما في الماء إلى الخارج عنه فتأمل ذلك فإنه مهم، وقد غفل عنه كثيرون قلدوا ذلك القائل أنه يؤخذ من كلامهم النجاسة.
"ويستثنى" مما ينجس قليل الماء الملحق به كثير غيره وقليله بملاقاته له فالخلاف الآتي في الماء أيضا خلافا لمن زعم أن المتن يوهم تخصيصه بالمائع نظرا إلى أنه قسم له عند الفقهاء وغفلة عن المستثنى منه "ميتة لا دم لها". أي لجنسها "سائل" عند شق عضو منها في حياتها كذباب وبعوض وقمل وبراغيث وخنافس وبق وعقرب ووزغ وبنات وردان وزنبور وسام أبرص لا حية وسلحفاة وضفدع ولو شك في شيء أيسيل دمه أو لا لم يجرح فيما يظهر خلافا للغزالي كما بينته في شرح الإرشاد وغيره بل له حكم ما لا يسيل دمه.
تنبيه: جوز في المجموع في سائل الرفع والنصب ووجههما ظاهر والفتح واعترض للفاصل بما بسطت رده في شرح العباب فراجعه فإنه مهم.
"فلا تنجس" رطبا "مائعا" كان أو غيره كثوب وآثر المائع لموافقته للشراب الآتي في الخبر لا للتخصيص به فلا اعتراض عليه بملاقاتها له إذا لم تغيره "على المشهور". للخبر الصحيح
"إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه كله، ثم لينزعه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء" وفي رواية صحيحة "وأنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء" وفي أخرى "أحد جناحي الذباب سم والآخر شفاء فإذا وقع في الطعام فامقلوه" أي اغمسوه فيه فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء وغمسه يؤدي إلى موته لا سيما في الحار فلو نجس لم يأمر به وقيس بالذباب غيره من كل ما ليس فيه دم متعفن، وإن لم يعم وقوعه؛ لأن عدم الدم

 

ج /1 ص -40-         المتعفن يقتضي خفة النجاسة بل طهارتها عند جماعة كالقفال فكانت الإناطة به أولى. ومع ذلك لا بد من رعاية ذاك إذ لو طرح فيه ميت من ذلك نجس إذ لا حاجة حينئذ، وإن كان الطارح غير مكلف لكن من جنسه أو المطروح ماء أو مائعا هي فيه على ما اقتضاه إطلاقهم. إلا أن يقال يغتفر في الشيء تابعا ما لا يغتفر فيه مقصودا ويؤيده ما مر في وضع المتغير بما لا يضر على غيره فغيره، ولا ينافي الأول عدم تأثير إخراجها وإن تعددت بنحو أصبع واحد مع أن فيه ملاقاتها قصدا لوضوح الفرق فإنه هنا محتاج بل مضطر لإخراجها، وبللها طاهر فلا موجب للتنجيس وثم عين النجاسة وقعت بفعل لا ضرورة إليه فأثرت، ويؤيد ذلك قول الزركشي ينبغي أن يستثنى من ضرر المطروح ما يحتاج إليه كوضع لحم مدود في قدر الطبيخ فقد صرح الدارمي بأنه لا ينجس على الأصح ا هـ. ويؤخذ منه رد ما توهم أنه لا يضر الطرح بلا قصد مطلقا إذ لو أرادوا هذا لم يصح ذلك الاستثناء فتأمله ولا ينافي ذلك قول غير واحد لو طرحت فيه قصدا ضر جزما؛ لأن القصد قيد للجزم لا لأصل الحكم كما هو واضح نعم لو أخرجها بأصبعه مثلا فسقطت منه بغير اختياره لم يضر. وكذا لو صفى ماء هي فيه من خرقة على مائع آخر إذ لا طرح هنا أصلا ولا أثر لطرح نحو الريح كما هو ظاهر؛ لأنه ليس من جنس المكلفين ولا لطرح الحي مطلقا أو الميتة التي نشؤها منه كما هو ظاهر كلامهما أي من جنسه، وفرض كلامهما في حي طرح فيما منشؤه منه، ثم مات فيه بدليل كلام التهذيب ممنوع إذ طرحها حية لا يضر مطلقا، وعبارة المجموع قال أصحابنا فإن أخرج هذا الحيوان مما مات فيه وألقي في مائع غيره أورد إليه فهل ينجس فيه القولان في الحيوان الأجنبي أي الذي وقع بنفسه، وهذا متفق عليه في الطريقين أنه لا يضر ا هـ فتأمله ليندفع به ما لكثيرين هنا.
تنبيه: ما ذكرته من التفصيل في المطروحة هو ما عليه جمع من محققي المتأخرين وجرى أكثرهم على أن المطروحة. تضر مطلقا وجمع منهم البلقيني وغيره ودل عليه كلام تنقيح المصنف أنه لا يضر الطرح مطلقا، وبينت ما في ذلك في شرح العباب.
تنبيه آخر: يظهر من الخبر السابق ندب غمس الذباب لدفع ضرره، وظاهر أن ذلك لا يأتي في غيره بل لو قيل بمنعه فإن فيه تعذيبا بلا حاجة لم يبعد، ثم رأيت الدميري صرح بالندب وبتعميمه قال: لأن الكل يسمى ذبابا لغة إلا النحل لحرمة قتله ا هـ، والوجه ما ذكرته، وتلك التسمية شاذة على أنه لم يعول عليها في القاموس، وعبارته والذباب معروف والنحل وعبر في الروضة بالأظهر وما هنا أولى إذ لا فرق للخلاف مع هذا الخبر.
"وكذا" يستثنى "في قول نجس" غير مغلظ وليس بفعله على الأوجه "لا يدركه" لقلته ولو احتمالا بأن شك أيدركه أو لا فيما يظهر عملا بالأصل "طرف" أي بصر معتدل مع فرض مخالفة لون الواقع عليه له. فلا ينجس، وإن تعددت محاله ولو اجتمع لكثر على خلاف يأتي في نظيره في شروط الصلاة رطبا للمشقة أيضا أي نظرا لما من شأنه، ومن ثم مثلوه بنقطة خمر "قلت ذا القول أظهر" من القول الآخر الذي لا يستثنى هذا "والله

 

ج /1 ص -41-         أعلم". ويستثنى صور أخرى استوعبتها مع بيان ما فيها في شرح العباب منها ما على رجل الذباب وإن رئي ويسير عرفا من شعر أو ريش. نعم المركوب يعفى عن كثير شعره ومن دخان أو بخار تصعد بنار وإلا كبخار كنيف وريح دبر رطب فطاهر، وبحث القمولي نجاسة جميع رغيف أصابه كثيره لرطوبته مردود بأنه جامد فلا يتنجس إلا مماسة فقط ولا يطهره الماء ومن غبار سرجين وما على منفذ غير آدمي مما خرج منه. وروث منشؤه منه وذرق طير وما على فمه وفم كل مجتر كما نقله المحب الطبري عن ابن الصباغ في البعير واعتمده وفم صبي قال جمع وكذا ما تلقيه الفئران من الروث في حياض الأخلية إذا عم الابتلاء به ويؤيده بحث الفزاري العفو عن بعر فأرة في مائع عم بها الابتلاء وشرط ذلك كله أن لا يغير، وأن يكون من غير مغلظ، وأن لا يكون بفعله فيما يتصور فيه ذلك.
تنبيه: علم من كلامهم في هذه المستثنيات أنها لا تنجس ملاقيها وفي شروط الصلاة أن المعفوات ثم تنجس لكن لا تبطل بها الصلاة مثلا، وحينئذ يشكل الفرق فإن الضرورة أو الحاجة الموجبة للعفو موجودة في الكل إلا أن يقال على بعد إن أصل الضرورة هنا آكد، وقد يؤيد ذلك عدم تأثير الخمر في نجاسة طرفها إذا تخللت، واختلافهم في قليل شعر الجلد إذا اندبغ هل يطهر تبعا له كالذي قبله أو يعفى عنه فقط أي؛ لأنه أخف ضرورة منه، ولو تنجس آدمي أو حيوان طاهر وإن ندر اختلاطه بالناس، ثم غاب وأمكن إعادة طهره حتى من مغلظ، والنزاع في الهرة بأن ما تأخذه بلسانها قليل لا يطهر فمها يرده أنها تكرر الأخذ به عند شربها فينجذب إلى جوانب فمها ويطهر جميعه لم ينجس. ما مسه، وإن حكمنا ببقاء نجاسته عملا بالأصل لضعفه باحتمال طهره مع أصل طهارة الممسوس ويؤخذ منه أنه لو أصابه من أحد المشتبهين شيء لم ينجسه للشك وهو واضح قبل الاجتهاد أما بعده فإنه إذا ظهر له به النجس فأصابه شيء منه فإنه ينجسه كما هو ظاهر نعم هل ينعطف الحكم على ما مسه قبل ظهور نجاسته بالاجتهاد لبعد التبعيض مع بقاء ذات ما في الإناء على حالها أو لا وآخرا. والاختلاف إنما هو في خارج عنها وهو الشك قبل الاجتهاد والظن بعده أو لا؛ لأنه لا معارض للشك فيما مضى بخلافه الآن عارضه ما هو مقدم على الأصل وهو الاجتهاد لتصريحهم الآتي بطرح النظر للأصل بعد الاجتهاد كل محتمل، والأول أقرب وادعاء قصر معارضة ما ذكر على ما بعد الاجتهاد ممنوع بل تنعطف المعارضة فيما مضى أيضا، ثم رأيتني في شرح العباب رجحت الثاني وعللته بما حاصله أن النجاسة لا تثبت بالنسبة لما هو محقق الطهارة بغلبة الظن، وإن ترتبت على اجتهاد ولا يعارضه امتناع التطهر بماء غلب على الظن نجاسته بالاجتهاد؛ لأنه إن استعمله في حدث تعذر جزمه بالنية أو في خبث فهو محقق فلا يزول بمشكوك فيه، ولأنه لو حل التطهر به حل التطهر بمظنون الطهارة بالأولى فيلزم استعمال يقين النجاسة نعم يعلم من قول الزركشي قضية ما نقلوه عن ابن سريج فيما إذا تغير اجتهاده أنه يورده موارد الأول الحكم بتنجسه هنا أن محل قولنا لا أثر لظنه نجاسة ما أصابه الرشاش بالنسبة لعدم تنجيسه لمماسه حيث لم يستعمل ما ظن طهارته، وإلا لزمه بالنسبة لصحة صلاته غسل ذلك لئلا يصلي بيقين النجاسة.

 

ج /1 ص -42-         "والجاري" وهو ما اندفع في منحدر أو مستو فإن كان أمامه ارتفاع فهو كالراكد وجريه مع ذلك متباطئ لا يعتد به "كراكد" في تفصيله السابق من تنجس قليله بالملاقاة وكثيره بالتغير؛ لأن خبر القلتين عام "وفي القديم لا ينجس" قليله "بلا تغير" لقوته وعلى الجديد فالجريات وإن اتصلت حسا هي منفصلة حكما فكل جرية وهي الدفعة بين حافتي النهر أي ما يرتفع منه عند تموجه تحقيقا أو تقديرا طالبة لما أمامها هاربة مما وراءها. فإن كانت دون قلتين بأن لم تبلغهما مساحة أبعادها الثلاثة تنجست بمجرد الملاقاة وإلا فالمتغير ثم إن جرت النجاسة في جرية بجريها طهر محلها بما بعدها، وإلا فكل ما مر عليها من الجريات القليلة نجس حتى يقف الماء ومن ثم يقال لنا ماء فوق ألف قلة وهو نجس من غير تغير، "والقلتان" بالمساحة في المربع ذراع وربع طولا ومثله عرضا ومثله عمقا بذراع الآدمي وهو شبران تقريبا ومجموع ذلك مائة وخمسة وعشرون ربعا على إشكال حسابي فيه بينته مع جوابه في شرح العباب وهي الميزان فلكل ربع ذراع أربعة أرطال لكن على مرجح المصنف في رطل بغداد وعلى مرجح الرافعي لم يتعرضوا له ويوجه بأنه لا يظهر هنا بينهما تفاوت إذ هو خمسة دراهم وخمسة أسباع درهم ومثل ذلك لا يظهر به تفاوت في المساحة ففي غير المربع يمسح ويحسب ما يبلغه أبعاده فإن بلغ ذلك فقلتان وإلا فلا، وقد حددوا المدور بأنه ذراع من سائر الجوانب بذراع الآدمي، وهو شبران تقريبا وذراعان عمقا بذراع النجار وهو ذراع وربع وقيل ذراع ونصف.
تنبيه: الظاهر أن مرادهم بذراع النجار ذراع العمل المعروف، وحينئذ فتحديده بما ذكر ينافيه قول السمهودي في تاريخه الكبير ذراع العمل ذراع وثلث من ذراع الحديد المستعمل بمصر وذلك اثنان وثلاثون قيراطا وذراع اليد الذي حررناه أحد وعشرون قيراطا ا هـ وبه يتأيد الثاني إذ التفاوت حينئذ بين ذراع ونصف باليد وذراع العمل نصف قيراط ولم يستثنه لقلته.
وبالوزن "خمسمائة رطل" بفتح الراء وكسرها وهو أفصح "بغدادي" بإعجامهما وإهمالهما وإعجام واحدة وإهمال الأخرى وبإبدال الأخيرة نونا لخبر الشافعي والترمذي والبيهقي إذا بلغ الماء قلتين بقلال هجر لم ينجس وهي بفتح أوليها قرية بقرب المدينة النبوية على مشرفها أفضل الصلاة والسلام، وقد قدر الشافعي رضي الله عنه القلة منها أخذا من تقدير شيخ شيخه ابن جريج الرائي لها بقربتين ونصف بقرب الحجاز والواحدة منها لا تزيد غالبا على مائة رطل بغدادي، وحينئذ فانتصار ابن دقيق العيد لمن لم يعمل بخبر القلتين محتجا بأنه مبهم. لم يبين عجيبا إذ لا وجه للمنازعة في شيء مما ذكر، وإن سلم ضعف زيادة من قلال هجر؛ لأنه إذا اكتفى بالضعيف في الفضائل والمناقب فالبيان كذلك بل أبو حنيفة رضي الله عنه يحتج به مطلقا وأما اعتماد الشافعي لها فهو يدل على أنه إما لهذا أو لثبوتها عنده "تقريبا"؛ لأن تقدير الشافعي أمر تقريبي فلا يضر نقص رطلين فأقل على المعتمد وخلافه بينت ما فيه في غير هذا المحل "في الأصح" وقيل هما ألف وقيل ستمائة لاختلاف قرب العرب فأخذنا الأسوأ، ويرد بأن المدار على الغالب وهو ما مر وقيل تحديد فيضر نقص

 

ج /1 ص -43-         أي شيء كان، ورد بأنه إفراط وبتفسير التقريب، ثم التحديد هنا يعلم أن التحديد ثم غير التحديد هنا.
"والتغير المؤثر بطاهر أو نجس طعم أو لون أو ريح" وحمل طعم وما بعده باعتبار ما اشتمل عليه صحيح أي تغير طعم إلى آخره فاندفع ما قيل إن هذا حمل غير مفيد لا يقال سلمنا إفادته، وهو لا يتقيد بالمؤثر؛ لأن غير المؤثر تغير طعم إلى آخره أيضا؛ لأنا نقول ليس المراد حمل كل على حدته حتى يرد ذلك بل حمل ما أفاده مجموع المتعاطفات من انحصار المؤثر في أحدها فلا يشترط اجتماعها ولا يؤثر غيرها كحرارة أو برودة فأو مانعة خلو، وخرج بالمؤثر بطاهر التغير اليسير به وبالمؤثر بنجس التغير بجيفة بالشط وما لو وجد فيه وصف لا يكون إلا للنجاسة فلا يحكم بنجاسته فيما يظهر ترجيحه في الثانية خلافا للبغوي ومن تبعه لاحتمال أن تغيره تروح ولا ينافيه ما لو وقع فيه نجس لم يغيره حالا بل بعد مدة فإنه يسأل أهل الخبرة ولو واحدا فيما يظهر فإن جزم بأنه منه فينجس، وإلا فلا لتحقق الوقوع هنا لإثم، ومما يصرح بما ذكرته ما مر في عود التغير ولا نجاسة بل ذاك أولى من هذا لتحقق النجاسة وتأثيرها أو لا لكن لما زالت ضعف تأثيرها فلم يؤثر عودها فإذا لم يؤثر عود المتحقق قبل فأولى ما لم يتحقق أصلا فإن قلت يمكن حمل كلام البغوي على ما إذا علم أن لا نجاسة، ثم يحتمل تروحه بها قلت يمكن. ويؤيده قولهم لو رأى في فراشه أو ثوبه منيا لا يحتمل أنه من غيره لزمه الغسل وقولهم لو رأى المتوضئ على رأس ذكره بللا يحتمل أنه من غيره لزمه الوضوء، وقولهم شرعت المضمضة والاستنشاق ليعرف طعم الماء وريحه، ويؤخذ مما ذكروه في المني. وعلى رأس الذكر أنه لو وقع في ماء كثير نجس وطاهر فتغير فإن احتمل أنه من أحدهما فقط، ومنه أن يكون النجس لو فرض وحده لغير فله حكمه وإن شك فإن ترتبا في الوقوع وتأخر التغير عنهما أسندناه إلى الثاني أخذا من مسألة الظبية وإن وقعا معا أو مرتبا، ولم يعلم ذلك لم يؤثر؛ لأن الأصل طهارة الماء هذا ما يظهر في طهارة المسألة، ووقع في الخادم وغيره ما يخالفه فاحذره ولو خلطهما قبل الوقوع تنجس؛ لأن التغير بالمتنجس كالنجس ومن. ثم قال في المجموع إن دخان النجاسة والمتنجس حكمهما واحد أي خلافا لمن فرق لمدرك يخص هذه نعم إن خالط النجس ماء واحتجنا للفرض بأن وقع هذا المختلط فيما يوافقه فرضنا المغير النجس وحده؛ لأن الماء ممكن يوافقه فرضنا المغير النجس وحده؛ لأن الماء ممكن طهره أو مائعا فرضنا الكل؛ لأن عين الجميع صارت نجسة لا يمكن طهرها كما هو ظاهر.
"ولو اشتبه" على من فيه أهلية الاجتهاد في ذلك المشتبه بالنسبة لنحو الصلاة ولو صبيا مميزا كما هو ظاهر "ماء" أو تراب وذكره؛ لأن الكلام فيه وإلا فسيعلم مما سيذكره في شروط الصلاة أن الثياب والأطعمة وغيرها سواء اختلط ماله بماله أم بمال غيره يجوز الاجتهاد فيها. وظاهر أنه لا يعتد فيها بالنسبة لنحو الملك باجتهاد غير المكلف "طاهر" أي طهور ليوافق قوله وتظهر إلى آخره "بنجس". أي متنجس أو بمستعمل "اجتهد" وإن قل عدد الطاهر كواحد في مائة بأن يبحث عن أمارة يظن بها ما يقتضي الإقدام أو الإحجام وجوبا مضيقا بضيق الوقت وموسعا بسعته إن لم يجد غير المشتبهين، ولم يبلغا بالخلط

 

ج /1 ص -44-         قلتين فإن ضاق الوقت عن الاجتهاد تيمم بعد تلفهما، وجوازا إن وجد طاهرا أو طهورا بيقين وزعم بعض الشراح وجوبه هنا أيضا مستدلا بأن كلا من خصال المخير يصدق عليه أنه واجب ليس في محله؛ لأن ما هنا ليس كذلك إذ خصال المخير انحصرت بالنص، وهي مقصودة لذاتها والاجتهاد وسيلة للعلم بالطاهر فإن لم يجد غير المشتبهين تعينت كسائر طرق التحصيل وإن وجد غيرهما لم تنحصر الوسيلة في هذا بل لا يصدق عليه حد الوسيلة حينئذ فلم يجب أصلا. فتأمله "وتطهر بما ظن" بالاجتهاد مع ظهور الأمارة "طهارته" منهما فلا يجوز الهجوم من غير اجتهاد ولا اعتماد ما وقع في نفسه من غير إمارة فإن فعل لم يصح طهره، وإن بان أن ما استعمله هو الطهور كما لو اجتهد وتطهر بما ظن طهارته، ثم بان خلافه لما هو مقرر أن العبرة في العبادات بما في نفس الأمر، وظن المكلف وسيأتي أنهم أعرضوا في هذا الباب عن أصل طهارة الماء فيؤخذ منه أن ما ظن طهارته باجتهاده لا يجوز لغيره استعماله إلا إن اجتهد فيه بشرطه وظن ذلك أيضا، وظاهر أن للمجتهد تطهير نحو حليلته المجنونة به أو غير مميزة للطواف به أيضا "وقيل إن قدر على طاهر" أي طهور آخر غير المشتبهين كما أفاده كلامه خلافا لمن اعترضه "بيقين فلا" يجوز له الاجتهاد في الإناءين كالقبلة، ورد بأنها في جهة واحدة فطلبها من غيرها عبث بخلاف الماء ونحوه. ومن ثم لو قدر على طهور بيقين كماء نازل من السماء جاز له تركه والتطهر بالمظنون، وقد كان بعض الصحابة يسمع من بعض مع قدرته على السماع من النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك المقتضى لشذوذ هذا الوجه لا يبعد ندب رعايته، ثم رأيته مصرحا به "والأعمى كبصير" فيما مر فيه. فلا يرد عليه أن له التقليد أي ولو لأعمى أقوى منه إدراكا كما هو ظاهر إذا تحير بخلاف البصير "في الأظهر" لقدرته على إدراك النجس بنحو لمس وشم وذوق وحرمة ذوق النجاسة مختصة بغير المشتبه، وإنما جاز له في المواقيت التقليد ابتداء؛ لأن إدراكه له أعسر منه هنا فإن فقد تلك الحواس لم يجتهد جزما، ويتيمم فيما إذا تحير وفقد من يقلده ولو لاختلاف بصيرين عليه لم يترجح أحدهما عنده، ويظهر ضبط فقد المقلد بأن يجد مشقة في الذهاب إليه كمشقة الذهاب للجمعة فإن كان بمحل يلزمه قصده لها لو أقيمت فيه لزمه قصده لسؤاله هنا وإلا فلا، "أو" اشتبه "ماء وبول" لنحو انقطاع ريحه "لم يجتهد" فيهما "على الصحيح"؛ لأن البول لا أصل له في التطهير يرد بالاجتهاد إليه. ولا نظر لأصله لاستحالته إلى حقيقة أخرى مغايرة للماء اسما وطبعا بخلاف الماء المتنجس فاندفع تفسير الزركشي له بإمكان رده للطهارة بوجه وهو في الماء ممكن بمكاثرته دون البول انتهى على أن فيه غفلة عن قولهم لو كان مع جمع ماء كثير لا يكفيهم إلا ببول يستهلك فيه ولا يغيره لاستهلاكه به لزمهم خلطه به قيل له الاجتهاد هنا لشرب ما يظن طهارته وهو غفلة عما يأتي في نحو خمر وخل ولبن أتان ولبن مأكول "بل" هنا وفيما يأتي انتقالية لا إبطالية كما هو الأكثر فيها، ومن ثم قال جمع محققون لم يقع الثاني في القرآن؛ لأنه في الإثبات إنما يكون من باب الغلط فزعم ابن هشام أن هذا وهم غير صحيح "يخلطان" عطف على جملة لم يجتهد أو يصبان أو يصب من أحدهما في الآخر، واحتمال أنه صب من الطاهر فهو باق على طاهريته ليس أولى من ضده فلم ينظر إليه على

 

ج /1 ص -45-         أن المدار على أن لا يكون معه طهور بيقين، وبذلك الصب لا يبقى معه طهور بيقين فلا إشكال أصلا وبهذا أعني جعلهم من التلف صب شيء من أحدهما في الآخر يتأيد قول القمولي كالرافعي يشترط لجواز الاجتهاد أن لا يقع من أحد المشتبهين شيء في الآخر لتنجس هذا بيقين فزال التعدد المشترط كما سيأتي انتهى. نعم تعليله غير صحيح، وإنما ألحق تعليله بما ذكرته فإن قلت يشكل عليه ما في زوائد الروضة وجرى عليه القمولي أيضا. أنه لو اغترف من دنين فيهما ماء قليل أو مائع في إناء فرأى فيه فأرة اجتهد وإن اتحدت المغرفة مع أنهما حينئذ إما نجسان إن كانت في الأول أو الثاني إن كانت فيه فهو نجس يقينا فزال التعدد المشترط قلت يفرق بأن الاجتهاد هنا لحل التناول ولو في الماءين القليلين فكفى فيه لضعفه بعدم توقفه على النية التعدد صورة ليتناول الأول أو يتركه، ثم رأيت الفنيني استشكل الاجتهاد في مسألة الروضة بأن الثاني متيقن النجاسة وشرط الاجتهاد أن لا تتيقن نجاسة أحدهما بعينه، ثم أجاب عنه بقوله: ولعل ذلك إذا جهل الثاني بعد ذلك أي فحينئذ يجتهد ليظهر له الثاني من الأول ورأيتني في شرح العباب بسطت الكلام في ذلك فراجعه فإنه مهم ومنه الجواب عن الإشكال المستلزم لتناقض القمولي بأن الاجتهاد هنا إنما هو لبيان محل الفأرة وكل من الإناءين يحتمل أنه محلها فالمجتهد فيه باق على تعدده بخلافه ثم، ونبه بالخلط على بقية أنواع التلف فلا اعتراض عليه.
"ثم يتيمم" بعد نحو الخلط فلا يصح قبله هنا وفيما إذا تحير المجتهد أو اختلف اجتهاده أو غير ذلك كأن تحير الأعمى ولم يجد من يقلده أو وجده وتحير أو اختلف عليه اثنان ولا مرجح؛ لأن معه ماء طاهرا بيقين له قدرة على إعدامه وبه فارق التيمم بحضرة ماء منعه منه نحو سبع، "أو" اشتبه عليه ماء "وماء ورد" لانقطاع ريحه. "توضأ" وجوبا إن لم يجد غيرهما وجوازا إن وجده خلافا لمن منع حينئذ "بكل" منهما "مرة" وإن زادت قيمة ماء الورد الذي يملكه على ثمن مثل ماء الطهارة هو عند التحصيل لا الحصول مع ضعف ماليته بالاشتباه المانع لا يراد عقد البيع عليه ولا يجتهد فيهما لما مر أنه لا أصل لغير الماء في التطهير قيل ويلزمه وضع بعض كل في كف، ثم يغسل بكفيه معا وجهه من غير خلط ليتأتى له الجزم بالنية حينئذ لمقارنتها لغسل جزء من وجهه بالماء يقينا انتهى وهو وجيه معنى وظاهر كلامهم أنه مندوب لا واجب للمشقة وفيما إذا اشتبه طهور بمستعمل لا يتوضأ بكل منهما كما يصرح به كلام المجموع لعدم جزمه بالنية مع قدرته على الاجتهاد إلا إن فعل تلك الكيفية كما حررته بما فيه في شرح الإرشاد الصغير "وقيل له الاجتهاد". فيهما كالماءين ويرده ما تقرر من الفرق نعم له الاجتهاد للشرب ليشرب ما يظنه الماء أو ماء الورد وإن لم يتوقف أصل شربه على اجتهاد، ثم إذا ظهر له بالاجتهاد الماء جاز له التطهر به على ما قاله الماوردي؛ لأنه يغتفر في الشيء تبعا ما لا يغتفر فيه مقصودا، ونظيره منع الاجتهاد للوطء ابتداء وجوازه بعد الاجتهاد للملك، "وإذا استعمل ما ظنه" الطاهر من الماءين بالاجتهاد أي كله أو بعضه "أراق" ندبا "الآخر" إن لم يحتجه وقيد بالاستعمال بفرض أنه لم يرد باستعمال أراد؛ لأنه لا يتحقق الإعراض عن الآخر إلا به غالبا

 

ج /1 ص -46-         فلا ينافي أن المعتمد ندب الإراقة قبله لئلا يغلط ويتشوش ظنه "فإن تركه" بلا إراقة فإن لم يبق من الأول بقية لم يجز الاجتهاد؛ لأن شرطه على الأصح عند المصنف أن يكون في متعدد حقيقة فلا يجوز في كمين لثوب مثلا ما داما متصلين به. وزعم أنه إذا تلف أحدهما ينبغي استعمال الباقي بلا اجتهاد كالمشكوك في نجاسته نظرا للأصل مردود بأن باب الاجتهاد ترك فيه الأصل بالشك أي أصل الطهارة وأصل عدم وقوع النجس في كل إناء بخصوصه كما ترك الأصل في ظبية رئيت تبول في ماء كثير، ثم رئي عقب البول متغيرا عملا بالظاهر لقوته باستناده لمعين مع ضعف احتمال خلافه، وإن بقي من الأول بقية وإن قلت لوجوب استعمال الناقص لزمه عند إرادة الوضوء إعادة الاجتهاد فإن وافق الأول فواضح "و" إن "تغير ظنه" فيه. "لم يعمل بالثاني" من ظنيه "على النص" لئلا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد إن غسل جميع ما أصابه الأول أو يصلي بيقين النجاسة إن لم يغسله والتزام المخرج الأول قياسا على القبلة بعيد؛ لأن أحد هذين الفسادين لا يأتي في العمل بالثاني فيها لاحتمال الجهة الثانية للصواب كالأولى فلم يلزم عليه نقض اجتهاد أصلا، وأخذ البلقيني مما ذكر. أنه لو غسل بين الاجتهادين جميع ما أصابه بماء غيرهما عمل الثاني إذ لا يلزم عليه ما ذكر وحينئذ هو نظير مسألة القبلة وظاهر كلامهم الإعراض عن الظن الثاني، وما يترتب عليه حينئذ فلو تغير اجتهاده ووضوءه الأول باق صلى به ولا نظر لظنه نجاسة أعضائه الآن لما علمت من إلغاء هذا الظن لما يلزم عليه من الفساد المذكور "بل يتيمم" بعد نحو الخلط لا قبله كما مر "بلا إعادة" حيث لم يغلب وجوده في محل التيمم "في الأصح"؛ لأنه ليس مع طاهر بيقين ولا نظر إلى أن معه طاهرا بالظن؛ لأنه لا عبرة بهذا الظن لما يلزم عليه من الفساد كما تقرر.
تنبيه: ما قررت به المتن من فرض قوله وتغير ظنه فيما إذا بقي من الأول بقية، إنما هو ليأتي على طريقته أنه لا يجوز الاجتهاد إلا في متعدد ومن التقييد بنحو الخلط إنما هو ليصح قوله بلا إعادة لما علم من قوله بل يخلطان، ثم يتيمم إن شرط صحة التيمم تلفهما أو تلف أحدهما، وأما اشتراط أن لا يغلب وجود الماء فمعلوم من كلامه في التيمم فعلم أنه لا اعتراض عليه بوجه، وأنه يصح تخريج كلامه على طريق الرافعي أيضا من جواز الاجتهاد مع عدم التعدد، وأنه لا يحتاج عليها في عدم الإعادة إلى تقييد بنحو خلط؛ لأنه ليس معه إلا إناء واحد فلا طهور معه بيقين هذا كله مع قطع النظر عن قوله في الأصح فمع النظر إليه يتعين تخريجه على رأي الرافعي فقط؛ لأنه لا يظهر مقابل الأصح مع نحو الخلط المشترط على رأي المصنف بل مع وجود واحد فقط؛ لأنه طاهر بالظن. وزعم بعضهم تخالفهما في الإعادة فهي على طريقة الرافعي لا تجب وعلى طريقة المصنف تجب؛ لأن معه طهورا بيقين. غفلة عن وجوب تقييد ما أطلقه هنا بما قدمه من أن الخلط أي أو نحوه شرط لصحة التيمم وهذا الذي سلكته في تقرير عبارته من التفصيل أولى مما وقع للمتكلمين عليه من إطلاق بعضهم تخريج كلامه على الرأيين وبعضهم حصره على رأي الرافعي وعلم مما مر في الماء والبول أن شرط الاجتهاد. أيضا أن يتأيد بأصل حل المطلوب فلا يجتهد عند اشتباه

 

ج /1 ص -47-         خل بخمر أو لبن أتان بلبن مأكول أو مذكاة بميتة ومما سيذكره في موانع النكاح أن شرطه أيضا أن يكون للعلامة فيه مجال ومن ثم لم يجتهد في صورة اختلاط المحرم الآتية. ثم ومما قدمته في المتحير أنه يشترط للعمل به ظهور العلامة فلا يجوز له الإقدام على أحدهما بمجرد الحدس والتخمين كما مر، وإنما كان هذا شرطا للعمل بخلاف ما قبله؛ لأن تلك إذا وجدت اجتهد، ثم إن ظهر له شيء عمل به وإلا فلا فما دل عليه ظاهر الروضة تبعا للغزالي من أن الأخير شرط للاجتهاد أيضا غير مراد وعن بعض الأصحاب اشتراط كونهما لواحد، وإلا تطهر كل بإنائه كما في إن كان ذا غرابا فهي طالق وعكسه الآخر ولم يعلم فإن زوجة كل تحل له ورد بأن الوطء يستدعي ملك الواطئ للمحل، والوضوء يصح بمغصوب وأوضح منه أنه لا مجال للاجتهاد في الأبضاع فأبقينا كلا على أصل الحل إذ لا نية ثم تتأثر بالشك، وهنا له مجال من حيث إنه يصح من كل النظر في الطاهر منهما فوجب لتأثر النية بالشك في حق كل منهما.
"ولو أخبر بتنجسه" أي الماء وهو مثال أو استعماله له ولو على الإبهام أو بطهارته على التعيين قبل استعمال ذلك أو بعده. وفارق الإبهام، ثم التعيين هنا بأن التنجيس على الإبهام يوجب اجتنابهما، والطهارة على الإبهام لا تجوز استعمال واحد منهما، وإن استويا في إفادة الإبهام في كل جواز الاجتهاد فيهما "مقبول الرواية" وهو المكلف العدل ولو امرأة وقنا عن نفسه أو عدل آخر فلا يكفي إخبار كافر وفاسق ومميز إلا إن بلغوا عدد التواتر أو أخبر كل عن فعله فيقبل قوله عما أمر بتطهيره طهرته لا طهر "وبين السبب" في تنجسه أو استعماله أو طهره ك ولغ هذا الكلب في هذا وقت كذا، ولم يعارضه مثله ك كان في ذلك الوقت بمحل كذا وإلا كأن استويا ثقة أو كثرة أو كان أحدهما أوثق والآخر أكثر سقطا وبقي أصل طهارته "أو كان فقيها" أي عارفا بأحكام الطهارة والنجاسة. أو الاستعمال وإطلاق الفقيه على نحو هذا شائع عرفا نظير ما يأتي في نحو الوقف والوصية وتخصيصه بالمجتهد اصطلاح خاص "موافقا" لاعتقاد المخبر في ذلك أو عارفا به وإن لم يعتقده فيما يظهر؛ لأن الظاهر أنه إنما يخبره باعتقاده لا باعتقاد نفسه لعلمه بأنه لا يقبله فالتعبير بالموافق للغالب فإن قلت يحتمل أنه يخبره باعتقاد نفسه ليخرج من الخلاف قلت هذا احتمال بعيد ممن يعرف المذهبين فلا يعول عليه على أنه غير مطرد "اعتمده" وجوبا وإن لم يبين بخلاف عامي ومخالف لم يبينا سببا لانتفاء الثقة بقولهما، وإنما قبلت الشهادة على الردة مع الإطلاق على ما يأتي تغليظا على المرتد لإمكان أن يبرهن عن نفسه ووجب التفصيل في الشهادة بالجرح ولو من الفقيه الموافق على ما فيه؛ لأن الحاكم يلزمه الاحتياط ومنه أن لا يعول على إجمال غيره مطلقا على ما يأتي أواخر الشهادات.
"ويحل استعمال كل إناء طاهر" من حيث كونه طاهرا وإن حرم من جهة أخرى كجلد آدمي غير حربي ومرتد وكمغصوب بخلاف النجس فيحرم إلا في ماء كثير أو جاف والإناء جاف نعم يكره، وظاهر أن المراد بالنجس هنا ما يعم المتنجس ولا ينافي الحرمة هنا ما يأتي من كراهة البول في الماء القليل؛ لأنه لا تضمخ بنجاسة ثم أصلا والكلام هنا. في استعمال

 

ج /1 ص -48-         متضمن للتضمخ بالنجاسة في بدن وكذا ثوب بناء على حرمة التضمخ بها فيه وهو ما صححه المصنف في بعض كتبه ويؤيد ذلك تصريحهم بحل استعمال النجس في نحو عجن طين "إلا" منقطع إن نظرنا إلى التأويل السابق "ذهبا وفضة" أي إناء ولو بابا ومرودا وخلا لا كله أو بعضه من أحدهما أو منهما "فيحرم" استعماله في أكل أو غيره وإن لم يؤلف كان كبه على رأسه واستعمل أسفله فيما يصلح له كما شمله إطلاقهم، ولو على امرأة أكحلت به طفلا لغير حاجة الجلاء للنهي عن ذلك مع التوعد عليه بما قد يؤخذ منه أن ذلك كبيرة. وتجويزهم الاستنجاء بالنقد محله في قطعة لم تهيأ؛ لأنها حينئذ لا تعد إناء ولم تطبع؛ لأنه لا احترام لها واتخاذ الرأس من النقد للإناء محله أيضا إن لم يسم إناء بأن كان صفيحة لا تصلح عرفا لشيء مما تصلح له الآنية ومع ذلك يحرم نحو وضع شيء عليه للأكل منه مثلا كما هو ظاهر؛ لأنه استعمال له فهو إناء بالنسبة إليه وإن لم يسم إناء على الإطلاق نظير الخلال والمرود والعلة العين بشرط ظهور الخيلاء أي التفاخر والتعاظم ومن ثم قالوا لو صدئ إناء الذهب أي بحيث ستر الصداء جميع ظاهره وباطنه حل استعماله لفوات الخيلاء، وبه يعلم أن تغشية الذهب الساترة لجميعه كالصداء بل أولى وإن لم يحصل منها شيء خلافا لجمع. وظاهر أن المدار على الاستعمال العرفي أخذا من قولهم يحرم الاحتواء على مجمرة النقد وشم رائحتها من قرب بحيث يعد متطيبا بها لا من بعد ويحرم تبخير نحو البيت بها انتهى فلا تحرم الملاقاة بالفم أو غيره من المطر النازل من ميزاب الكعبة وإن مسه الفم على نزاع فيه؛ لأنه لا يعد استعمالا له عرفا وليس من الآنية سلسلة الإناء وحلقته ولا غطاء الكوز. أي وهو غير رأسه السابق صورة وصفيحة فيها بيوت للكيزان ومحله حيث لم يكن شيء من ذلك على هيئة إناء أو لا كحق الأشنان حرم ومن الحيل المبيحة لاستعماله صب ما فيه. ولو في نحو يد لا يستعمله بها، ثم يستعمله منها نعم هي لا تمنع حرمة الوضع في الإناء ولا حرمة اتخاذه فتفطن له.
تنبيه: صرحوا في نحو كيس الدراهم الحرير بحله وعللوه بأنه منفصل عن البدن غير مستعمل فيما يتعلق به فيحتمل أن يقال بنظير هذا هنا ويؤيده تعليلهم حل نحو غطاء الكوز بأنه منفصل عن الإناء لا يستعمل، ويحتمل الفرق بأن ما هنا أغلظ ولعله الأقرب ومحل تعليلهم المذكور حيث لم يكن على هيئة إناء كما علم مما تقرر.
تنبيه آخر: محل النظر لكونه يسمى إناء بالنسبة للفضة أما الذهب فيحرم منه نحو السلسلة مطلقا نظير ما يأتي في الضبة لغلظه.
"وكذا" يحرم "اتخاذه" أي اقتناؤه خلافا لمن وهم فيه "في الأصح"؛ لأنه يجز لاستعماله غالبا كآلة اللهو قال الزركشي كالشبابة ومزمارة الرعاة وككلب لم يحتج له أي لا وقرد وإحدى الفواسق الخمس وصور نقشت على غير ممتهن وسقف مموه بنقد يتحصل منه شيء انتهى وما ذكره في القرد غير صحيح لتصريحهم بصحة بيعه والانتفاع به، وما أدى إلى معصية له حكمها، وإنما جاز اتخاذ نحو ثياب الحرير بالنسبة للرجل على

 

ج /1 ص -49-         خلاف ما أفتى به ابن عبد السلام الذي استوجهه بعضهم؛ لأن للنفس ميلا ذاتيا لذاك أكثر فكان اتخاذه مظنة استعماله بخلاف غيره، "ويحل" الإناء "المموه" أي المطلي من أحدهما بنحو نحاس مطلقا كما مر أو من غيرهما بأحدهما أي استعماله حيث لم يتحصل يقينا منه شيء وعبارة الأنوار متمول ويوافقها قول الزركشي يظهر في الوزن بالنار.
تنبيه: ذكر بعض الخبراء المرجوع إليه في ذلك أن لهم ماء يسمى بالحاد، وأنه يخرج الطلاء ويحصله وإن قل بخلاف النار من غير ماء فإن القليل لا يقاومها فيضمحل بخلاف الكثير، والظاهر أن مراد الأئمة هذا دون الأول لندرته كالعارفين به نعم زعم بعضهم أن ما خلط بالزئبق لا يتحصل منه شيء بها وإن كثر وبتسليمه فيظهر اعتبار تجرده عن الزئبق، وأنها حينئذ هل ليحصل منه شيء أو لا.
"في الأصح" لانتفاء العين حينئذ فإن حصل حرم لوجودها. والكلام في استدامته كما أفهمه قوله المموه أما فعل التمويه فحرام في نحو سقف وإناء وغيرهما مطلقا خلافا لمن فرق؛ لأنه إضاعة مال بلا فائدة فلا أجرة لصانعه كالإناء ولا أرش على مزيله أو كاسره والكعبة وغيرها سواء في ذلك نعم بحث حله في آلة الحرب تمسكا بأن كلامهم يشمله ويوجه بعد تسليمه بأنه لحاجة كما يأتي.
تنبيه: يؤخذ من إطباقهم. هنا على نفي الأجرة شذوذ قول الماوردي والروياني يحل ما يؤخذ بصنعة محرمة كالتنجيم؛ لأنه عن طيب نفس ويرد ما عللا به أن كسب الزانية كذلك، والخبر الصحيح أن كسب الكاهن خبيث وأن بذل المال في مقابلة ذلك سفه فأكله من أكل أموال الناس بالباطل ومن ثم شنع الأئمة في الرد عليهما، وليس من التمويه لصق قطع نقد في جوانب الإناء المعبر عنه في الزكاة بالتحلية لإمكان فصلها من غير نقص بل هي أشبه شيء بالضبة لزينة فيأتي فيها تفصيلها فيما يظهر، ثم رأيت بعضهم عرف الضبة في عرف الفقهاء بأنها ما يلصق بالإناء وإن لم ينكسر، وكأنه أخذه من جعلهم سمر الدراهم في الإناء كالضبة وهو صريح فيما ذكرته، وبهذا يعرف أن تحلية آلة الحرب جائزة وإن كثرت كالضبة لحاجة وإن تعددت وأن إطلاقهم تحريم تحلية غيرها يتعين حمله على قطع يحصل من مجموعها قدر ضبة كبيرة لزينة فتأمله.
"و" يحل الإناء "النفيس" في ذاته "كياقوت" ومرجان وعقيق وبلور أي استعماله "في الأظهر" كالمتخذ من نحو مسك وعنبر؛ لأنه لا يعرفه إلا الخواص فلا تنكسر به قلوب الفقراء بخلاف النقد ومحل الخلاف في غير فص الخاتم فيحل منه جزما وكل ما في تحريمه خلاف قوي كما هنا ينبغي كراهته "وما" أي والإناء الذي "ضبب بذهب أو فضة ضبة كبيرة" عرفا "لزينة" ولو في بعضها بأن يكون بعضها لزينة وبعضها لحاجة كما في أصله المقتضي أنه لا فرق فيما للزينة بين صغره وكبره وكان وجهه أنه لما انبهم، ولم يتميز عما للحاجة غلب وصار المجموع كأنه للزينة وعليه فلو تميز الزائد على الحاجة. كان له حكم ما للزينة وهو متجه "حرم" هو يعني استعماله للزينة مع الكبر أي المحقق فما شك في كبره

 

ج /1 ص -50-         الأصل إباحته "أو صغيرة بقدر الحاجة" وهي هنا غرض الإصلاح لا العجز عن غيرها؛ لأنه يبيح أصل الإناء "فلا" يحرم بل ولا يكره للحاجة مع الصغر "أو صغيرة لزينة أو كبيرة لحاجة جاز" مع الكراهة فيهما "في الأصح" لوجود الصغر الواقع في محل المسامحة وللحاجة وضبة نصبت ب ضبب كنصب المصدر بفعله توسعا؛ لأنها اسم عين وعليه فباء بذهب بمعنى من وهو حال من ضبة النكرة سوغه تقدمه عليها أو بنزع الخافض وهو مع شذوذه موهم نعم الوجه أن الضبة المموهة بنقد يتحصل كالمتمحضة منه. "وضبة موضع الاستعمال". بنحو شرب أو أكل "كغيره" مما ذكر في الحل والحرمة "في الأصح" ولا أثر لمباشرتها بالاستعمال مع وجود المسوغ ولو تعددت ضبات صغيرات لزينة فمقتضى كلامهم حلها ويتعين حمله على ما إذا لم يحصل من مجموعها قدر ضبة كبيرة، وإلا فينبغي تحريمها لما فيها من الخيلاء وبه فارق ما يأتي فيما لو تعدد الدم المعفو عنه ولو اجتمع لكثر على أحد الوجهين فيه وحاصله أن أصل المشقة المقتضية للعفو موجود وبه يبطل النظر لتقدير الكثرة بفرض الاجتماع وهنا المقتضي للحرمة الخيلاء وهو موجود مع التفرق الذي هو في قوة الاجتماع فإن قلت الذي اعتمدته في شرح العباب أنه لا تحل الزيادة على طرازين أو رقعتين لزينة فهلا كان ما هنا كذلك بجامع أن الكل للزينة. وأن الأصل في الفضة والحرير التحريم بل الفضة أغلظ فكان ما هنا أولى فإذا امتنع الزائد على ثنتين ثم فهنا أولى قلت يفرق بأن صغر ضبة الزينة وكبرها أحالوه على محض العرف وهو عند التعدد مضطرب فنظروا إلى أن ذلك التعدد هل يساوي الكبيرة فيحرم أو لا فيحل، وأما ثم فورد تقديره بأربع أصابع وكان قضيته أنه لا يجوز أكثر من رقعة لكن وجدنا الطراز يحل مع تعدده فألحقنا به الترقيع، فالحاصل أن هناك أصلا واردا فاعتبرناه ولا كذلك هناك فاعتبرنا قياس المتعدد المضطرب فيه العرف على الكبير للزينة؛ لأنه لا اضطراب فيها "قلت المذهب تحريم" إناء "ضبة الذهب مطلقا"؛ لأن الخيلاء فيه أشد كضبة الفضة إذا عمت الإناء ومنه ما اعتيد في مرآة العيون كما هو ظاهر وأخذ من العلة أنه لو فقد غير. إنائهما تعين الفضة وهو محتمل "والله أعلم" والأصل في الضبة أن قدحه صلى الله عليه وسلم الذي كان يشرب فيه سلسله أنس رضي الله عنه فضة لانصداعه أي شعبه بخيط فضة لانشقاقه وهو وإن احتمل أن ذلك فعل بعد وفاته صلى الله عليه وسلم خوفا عليه دلالته باقية؛ لأن إقدام أنس وغيره عليه مع مبالغتهم في البعد عن تغيير شيء من آثاره مؤذن بأنهم علموا منه الإذن في ذلك، ونهي عائشة عن المضبب بفرض صحته محتمل، وأصلها ما يصلح به خلل الإناء، ثم أطلقت على ما هو للزينة توسعا.

باب أسباب الحدث
المراد عند الإطلاق غالبا، وهو الأصغر ومر له معنيان ويطلق أيضا على الأسباب الآتية، فإن أريد أحد الأولين فالإضافة بمعنى اللام أو الثالث فهي بيانية وعبر بالأسباب ليسلم عما أورد على التعبير بالنواقض من اقتضائه أنها تبطل الطهر الماضي وليس كذلك، وإنما ينتهي بها ولا يضر تعبيره بالنقض في قوله فخرج المعتاد نقض؛ لأنه قد بان المراد به وبالموجبات

 

ج /1 ص -51-         من اقتضائه أنها توجبه وحدها وليس كذلك بل هي مع إرادة فعل نحو الصلاة ولتقدم السبب طبعا المناسب له تقدمه وضعا كان تقديمها هنا على الوضوء أظهر من عكسه الذي في الروضة، وإن وجه بأنه لما ولد محدثا أي له حكم المحدث احتاج أن يعرف أولا الوضوء ثم ناقضه ولذا لم يولد جنبا اتفقوا على تقديم موجب الغسل عليه.
"هي أربعة" لا غير والحصر فيها تعبدي، وإن كان كل منها معقول المعنى فمن ثم لم يقس عليها نوع آخر، وإن قيس على جزئياتها ولم ينقض ما عداها؛ لأنه لم يثبت فيه شيء. كأكل لحم جزور على ما قالوه وتوزعوا بأن فيه حديثين صحيحين ليس عنهما جواب شاف وأجيب بأنا أجمعنا على عدم العمل بهما؛ لأن القائل بنقضه يخصه بغير شحمه وسنامه ويرد بأنهما لا يسميان لحما كما يأتي في الأيمان فأخذ بظاهر النص، وخروج نحو قيء ودم ومس أمرد حسن أو فرج بهيمة وقهقهة مصل وانقضاء مدة المسح وإيجابه لغسل الرجلين حكم من أحكامه لا لكونه يسمى حدثا والبلوغ بالسن والردة، وإنما أبطلت التيمم لضعفه ونحو شفاء السلس لا يرد؛ لأن حدثه لم يرتفع.
"أحدها خروج شيء" ولو عودا أو رأس دودة، وإن عادت ولا يضر إدخاله، وإنما امتنعت الصلاة لحمله متصلا بنجس إذ ما في الباطن لا يحكم بنجاسته إلا إن اتصل به شيء من الظاهر "من قبله" أي المتوضئ الحي الواضح ولو ريحا من ذكره أو قبلها. وإن تعددا نعم لما تحققت زيادته أو احتملت حكم منفتح تحت المعدة أو بللا رآه عليه ولم يحتمل كونه من خارج خلافا لمن وهم فيه أو وصل نحو مذيها لما يجب غسله في الجنابة، وإن لم يخرج إلى الظاهر أو خرجت رطوبة فرجها إذا كانت من وراء ما يجب غسله يقينا وإلا فلا أما المشكل فلا بد من خروجه من فرجيه "أو دبره" كالدم الخارج من الباسور، وهو داخل الدبر لا خارجه وكالباسور نفسه إذا كان ثابتا داخل الدبر فخرج أو زاد خروجه وكمقعدة المزحور إذا خرجت فلو توضأ حال خروجها. ثم أدخلها لم ينتقض، وإن اتكأ عليها بقطنة حتى دخلت ولو انفصل على تلك القطنة شيء منها لخروجه حال خروجها وبحث بعضهم النقض بما خرج منها لا بخروجها؛ لأنها باطن الدبر، فإن ردها بغير باطن كفه، فإن قلنا لا يفطر بردها أي، وهو الأصح كما يأتي فمحتمل، وإن قلنا يفطر نقضت ضعيف بل لا وجه له وذلك للنص على الغائط والبول والمذي والريح وقيس بها كل خارج. "إلا المني" أي مني المتوضئ وحده الخارج منه أولا فلا نقض به حتى يصح غسله، وإن لم يتوضأ اتفاقا على ما قيل، وينوي بوضوئه له سنة الغسل لا رفع الحدث وزعم أن المتيمم حينئذ يصلي به فروضا نظرا لبقاء وضوئه غلط؛ لأن الجنابة وحدها توجب التيمم لكل فرض، وذلك؛ لأنه أوجب أعظم الأمرين بخصوص كونه منيا فلا يوجب أدونهما بعموم كونه خارجا، وإنما نقض الحيض والنفاس؛ لأن حكمهما أغلظ ولو خرج منه مني غيره أو نفسه بعد استدخاله نقض كمضغة من امرأة على الأوجه لاختلاطها بمني الرجل وزعم ابن العماد النقض بخروج منيها مطلقا لاختلاطه ببلة فرجها يرد بأن ذلك الاختلاط غير محقق دائما فساوت الرجل. "ولو" خلق منسد الفرجين بأن لم يخرج منهما شيء نقض خارجه من

 

ج /1 ص -52-         أي محل كان، ولو الفم أو أحدهما نقض. المناسب له أو لهما سواء أكان انسداده بالتحام أم لا خلافا لشيخنا وصرح الماوردي بأنه لا يثبت للأصلي أحكامه حينئذ وفيه نظر لبقاء صورته فلينقض مسه، ويجب الغسل والحد بإيلاجه والإيلاج فيه وغير ذلك ثم رأيت صاحب البيان صحح الانتقاض بمسه وعلله بأنه يقع عليه اسم الذكر وهو صريح فيما ذكرته فعلم أنه لا يثبت للمنفتح حينئذ إلا النقض خلافا لما قد يوهمه كلام الماوردي المذكور أو غير منسده، وإنما طرأ له "إن انسد مخرجه" المعتاد أي صار بحيث لا يخرج منه شيء "وانفتح" مخرج "تحت معدته" فخرج المعتاد خروجه، وهي بفتح فكسر في الأفصح وبفتح أو كسر فسكون وبكسر أوليه هنا سرته وحقيقتها مستقر الطعام من المنخسف تحت الصدر إلى السرة "فخرج المعتاد" خروجه "نقض" إذ لا بد للإنسان من مخرج يخرج منه حدثه. "وكذا نادر كدود" ومنه الدم وكذا الريح هنا، وإن كان مطلقه معتادا "في الأظهر" كالمعتاد "أو" انفتح "فوقها" أي المعدة أو فيها أو محاذيا لها "وهو" أي الأصلي "منسد" انسدادا طارئا "أو" انفتح "تحتها وهو منفتح فلا" ينقض خارجه المعتاد والنادر "في الأظهر"؛ لأنه من فوقها وفيها ومحاذيها بالقيء أشبه ومن تحتها عنه غني وحيث نقض المنفتح لم يثبت له من أحكام الأصلي غير ذلك وفي المجموع لو نام ممكنه من الأرض أي مثلا لم ينتقض وضوءه.
تنبيه: ظاهر المتن هنا مشكل؛ لأنه جعل انسداد الأصلي مقسما ثم فصل بين انسداده وانفتاحه وقد يجاب بأن قوله أو فوقها معطوف على تحت لا بقيد ما قبله ونحو ذلك قد يقع في كلامهم.
"الثاني: زوال العقل" أي التمييز بجنون أو إغماء أو نحو سكر ولو ممكنا مقعده إجماعا أو نوم للخبر الصحيح
"فمن نام فليتوضأ" وقد بينت خلاصة ما للعلماء في تعريف العقل وتوابعه في شرح العباب وهو أفضل من العلم؛ لأنه منبعه وأسه؛ لأن العلم يجري منه مجرى النور من الشمس والرؤية من العين ومن عكس أراد من حيث استلزامه له، وأنه تعالى يوصف به لا بالعقل.
"إلا" متصل كما عرف في تفسير العقل بما ذكر "نوم" قاعد "ممكن مقعده" أي ألييه من مقره ولو دابة سائرة، وإن استند لما لو زال عنه لسقط أو احتبى وليس بين بعض مقعده ومقره تجاف للأمن من خروج شيء حينئذ وعليه حملنا خبر مسلم أن الصحابة كانوا ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون وفي رواية لأبي داود ينامون حتى تخفق رءوسهم الأرض. ويؤخذ من قولهم للأمن إلى آخره أنه لو أخبر نائما غير ممكن معصوم كالخضر بناء على الأصح أنه نبي بأنه لم يخرج منه شيء لم ينتقض وضوءه واعتمده بعضهم وقد تنازعه قاعدة أن ما نيط بالمظنة لا فرق بين وجوده وعدمه كالمشقة في السفر وعلى هذا يتجه عد المتن الزوال نفسه في غير النائم الممكن سببا للحدث. وأما على الأول فوجه عده أنه سبب لخروج شيء من الدبر غالبا فكأنه قال الأول الخروج نفسه والثاني سببه وخرج بالقاعد الممكن غيره كالنائم على قفاه، وإن استثفر وألصق مقعده بمقره وبالنوم

 

ج /1 ص -53-         النعاس وأوائل نشأة السكر لبقاء نوع من التمييز معهما إذ من علامات النعاس سماع كلام الحاضرين، وإن لم يفهمه ولا ينتقض وضوء شاك هل نام أو نعس أو هل كان ممكنا أو لا أو هل زالت أليته قبل اليقظة أو بعدها وتيقن الرؤيا مع عدم تذكر نوم لا أثر له بخلافه. مع الشك فيه؛ لأنها مرجحة لأحد طرفيه ولا وضوء نبينا كسائر الأنبياء صلى الله عليهم وسلم بالنوم لبقاء يقظة قلوبهم فتدرك الخارج وعدم إدراكه لطلوع الشمس في قصة الوادي؛ لأن رؤيتها من وظائف البصر أو صرف القلب عنه للتشريع المستفاد منه في هذه القصة من الأحكام ما لا يحصى كثرة.
"الثالث: التقاء بشرتي الرجل" أي الذكر الواضح المشتهي طبعا يقينا لذوات الطباع السليمة ولو صبيا وممسوحا "والمرأة" أي الأنثى الواضحة المشتهاة طبعا يقينا لذوي الطباع السليمة، وإن كان أحدهما مكرها أو ميتا لكن لا ينتقض وضوء الميت قال بعضهم أو جنيا، وإنما يتجه إن جوزنا نكاحهم وذلك لقوله تعالى:
{أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء:43] أي لمستم كما قرئ به في السبع وبه يندفع تفسيره بجمعهم على أنه خلاف الظاهر وخبر "كان صلى الله عليه وسلم يقبل بعض أزواجه ثم يصلي ولا يتوضأ" ضعيف من طريقيه الوارد منهما وغمزه رجل عائشة، وهو يصلي يحتمل أنه بحائل ووقائع الأحوال الفعلية يسقطها ذلك واللمس الجس باليد ونقض؛ لأنه مظنة الالتذاذ المحرك للشهوة التي لا تليق بحال المتطهر وقيس به اللمس بغيرها ولو زائدا أشل سهوا بغير شهوة واختص المس الآتي ببطن الكف؛ لأن المظنة ثم منحصرة فيه والبشرة ظاهر الجلد وألحق بها نحو لحم الأسنان واللسان وهو متجه خلافا لابن عجيل أي لا باطن العين فيما يظهر؛ لأنه ليس مظنة للذة اللمس بخلاف ما ذكر فإنه مظنة لذلك ألا ترى أن نحو لسان الحليلة يلتذ بمصه ولمسه كما صح عنه صلى الله عليه وسلم في لسان عائشة رضي الله عنها ولا كذلك باطن العين وبه يرد قول جمع بنقضه توهما أن لذة نظره تستلزم لذة لمسه وليس كذلك بدليل السن والشعر والفرق بأنهما مما يطرأ، ويزول لا يجدي؛ لأنهم لم يلاحظوا في عدم نقضهما إلا أنه يلتذ بنظرهما دون مسهما وهذا موجود في باطن العين.
فائدة مهمة: لا يكتفى بالخيال في الفرق قاله الإمام وعقبه بما يبين أن المراد به ما ينقدح على بعد دون ما يغلب على الظن أنه أقرب من الجمع وعبر غيره بأن كل فرق مؤثر ما لم يغلب على الظن أن الجامع أظهر أي عند ذوي السليقة السليمة وإلا فغيرها يكثر منه الزلل في ذلك ومن ثم قال بعض الأئمة الفقه فرق وجمع.
"إلا محرما" بنسب أو رضاع أو مصاهرة ولو احتمالا كأن اختلطت محرمة بغير محصور فلا ينقض لمسه ولو بشهوة "في الأظهر"؛ لأنه ليس مظنة للشهوة. فاستنبط من النص معنى خصصه ولا يلحق به نحو مجوسية؛ لأن تحريمها لعارض يزول وجعلها كالرجل في حل إقراضها وتملكها باللقطة إنما هو لقيام المانع بها المخرج عن مشابهة ذلك لإعارة الجواري للوطء فاندفع ما لبعضهم هنا وعلم من الالتقاء أنه لا نقض باللمس

 

ج /1 ص -54-         من وراء حائل، وإن رق ومنه ما تجمد من غبار يمكن فصله أي من غير خشية مبيح تيمم فيما يظهر أخذا مما يأتي في الوشم لوجوب إزالته لا من نحو عرق حتى صار كالجزء من الجلد، وأنه لا فرق بين اللامس والمملوس لكن فيه خلاف صرح بهما لأجله فقال "والملموس كلامس" في انتقاض وضوئه "في الأظهر" لاشتراكهما في مظنة اللذة كالمشتركين في الجماع، وإنما لم ينتقض وضوء الممسوس فرجه؛ لأنه لم يوجد منه مس لمظنة لذة أصلا بخلافه هنا. "ولا تنقض صغيرة" وصغير لا يشتهيان كما مر "وشعر وسن"، وينبغي أن يلحق به كل عظم ظهر بل أولى؛ لأن في نظر السن لذة أي لذة بخلاف نظر هذا وقول الأنوار المراد بالبشرة هنا غير الشعر والسن والظفر مراده ما صرحوا به هنا من أنها ظاهر الجلد وما ألحق به كما مر وقول جمع. بنقضه يرده أن هذا لا يلتذ بلمسه ولا بنظره كما تقرر "وظفر" بضم فسكون أو ضم وبكسر فسكون أو كسر والخامسة أظفور "في الأصح" لانتفاء لذة اللمس عنها ولا نظر للالتذاذ بنظرها ولا جزء منفصل أي، وإن التصق بعد بحرارة الدم لوجوب فصله كما يأتي في الجراح بل، وإن لم يجب فصله لخشية محذور تيمم منه فيما يظهر؛ لأنه مع ذلك في حكم المنفصل، وإنما لم يجب الفصل لعارض بدليل أنه لو زالت الخشية وجب نعم لو فرض عود الحياة فيه بأن نما وسرى إليه الدم احتمل أن يلحق بالمتصل الأصلي وله وجه وجيه واحتمل أنه لا فرق، وهو الأقرب إلى إطلاقهم أنه بالفصل الأول صار أجنبيا فلم ينظر لعود حياة ولا لغيره ومن ثم لو ألصق موضعه عضو حيوان لم يلحق بالمتصل، وإن نما جزما كما هو ظاهر فعلمنا أن عود الحياة وصف طردي لا تأثير له إلا إن كان فوق النصف خلافا لمن قال بنقض النصف أيضا ولمن قال لا ينقض إلا النصف الذي فيه الفرج وعجيب استحسان بعضهم لهذا مع وضوح فساده؛ لأن الفرج لا دخل له هنا ولا ما شك في نحو أنوثته أو خنوثته إن قرب الاحتمال عادة فيما يظهر من كلام غير واحد ويسن الوضوء من كل ما قيل فيه إنه ناقض كلمس الأمرد.
تنبيه: ظاهر كلامهم في هذا الباب أنه لو أخبره غير عدد التواتر بنحو ناقض منه أو له. لم يعتمده وقياس ما مر في إخبار عدل الرواية بنجاسة الماء قبوله هنا إلا أن يفرق بأن ما أدير الأمر فيه على فعل الإنسان كالعدد في الصلاة والطواف لا يقبل فيه الخبر والحدث من هذا بخلاف النجاسة ثم رأيت الإمام فرق بين قطعهم فيمن غلب على ظنه الحدث بعد تيقن الطهارة بأن له الأخذ بها وحكايتهم الخلاف فيما غلبت نجاسته بأن الأسباب التي تظهر بها النجاسة كثيرة جدا بخلافها في الحدث فإنها قليلة ولا أثر للنادر فكان التمسك باستصحاب اليقين أقوى انتهى وفيه تأييد لما ذكرته ورأيتني في شرح العباب قلت ما نصه وظاهر أنه لو أخبره عدل بمسها له أو بنحو خروج ريح منه في حال نومه متمكنا وجب عليه الأخذ بقوله ولا يقال الأصل بقاء الطهارة فلا يرفع بالظن إذ خبر العدل إنما يفيده فقط؛ لأنا نقول هذا ظن أقامه الشارع مقام العلم في تنجس المياه كما مر وفي غيرها كما يأتي انتهى وهذا هو الذي يتجه ويفرق بين ما هنا والعدد في ذينك بأنه لا يلزم منه الحسبان إذ قد توجد الأربع أو السبع ولا يحسب له منها إلا واحدة لترك نحو ركن أو وجود صارف فلم

 

ج /1 ص -55-         يفد الإخبار به المقصود فألغي ولو بلغ حد التواتر على ما اقتضاه إطلاقهم كما يأتي بما فيه وهنا الإخبار قيد للمقصود إذ لا احتمال يسقطه فوجب قبوله على أن الحدث قد يكون من غير فعله.
"الرابع: مس" الواضح والخنثى جزءا ولو سهوا أو مكرها من "قبل الآدمي" الواضح. الفرج والناقض منه ملتقى شفريه المحيطين بالمنفذ إحاطة الشفتين بالفم دون ما عدا ذلك والذكر حتى قلفته المتصلة ولو بعضا منهما منفصلا إن بقي اسمه كدبر قور وبقي اسمه وقول الزركشي لا يتقيد. بقدر الحشفة منه موهم ومشتبها به وكذا زائد عمل أو كان على سنن الأصلي "ب" جزء من "بطن الكف" الأصلية والمشتبهة بها وكذا الزائدة من كف أو إصبع إن عملت أو سامتت الأصلية بأن كانت الكف. على معصمها والإصبع على كفها وسامتاهما وبحث أن العبرة في العمل والمسامتة بوقت المس دون ما قبله وما بعده، وهو ظاهر وذلك للخبر الصحيح خلافا لمن نازع فيه
"إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما ستر ولا حجاب فليتوضأ" وبمفهومه لاشتماله على أداة الشرط خص عموم الخبر الصحيح أيضا "من مس ذكره فليتوضأ" إذ الإفضاء لغة المس ببطن الكف وهو بطن الراحتين وبطن الأصابع والمنحرف إليهما عند انطباقهما مع يسير تحامل ومس فرج غيره أفحش لهتكه حرمته أي غالبا إذ نحو يد المكره والناسي كغيرهما بل رواية من مس ذكرا تشمله لعموم النكرة الواقعة في حيز الشروط والخبر الناص على عدم النقض قال البغوي كالخطابي منسوخ وفيه، وإن جرى عليه ابن حبان وغيره نظر ظاهر بينته في شرح المشكاة مع بيان أن الأخذ بخبر النقض أرجح فتعين؛ لأنه الأحوط بل والأصح عند كثيرين من الحفاظ. تنبيه: لا ينافي ما تقرر من نقض كل من يدين أو ذكرين أو فرجين إن اشتبه أو زاد وسامت عدم النقض بأحد فرجي الخنثى ويوجه بأن كلا منهما لا يصدق عليه وحده أنه فرج رجل أو أنثى فلم يؤثر الشبه الصوري فيه بخلاف كل من تلك فإنه يصدق عليه أنه يد رجل أو أنثى وذكر رجل وفرج أنثى فأثر فيه ذلك.
"وكذا في الجديد حلقة" بسكون اللام على الأشهر "دبره" كقبله؛ لأن كلا ينقض خارجه ويسمى فرجا وهي ملتقى المنفذ. فلا ينقض باطن صفحة وأنثيان وعانة وشعر نبت فوق ذكر أو فرج وخبر
"من مس ذكره فليتوضأ أو رفغيه" أي بضم الراء وبالفاء والمعجمة أصل فخذيه "فليتوضأ" موضوع، وإنما هو من قول عروة وحينئذ يسن الوضوء من ذلك خروجا من الخلاف "لا فرج بهيمة" ومنها هنا الطير فلا يرد عليه وذلك لعدم حرمتها واشتهائه طبعا ومن ثم حل نظره وانتفى الحد فيه.
تنبيه: ظاهر كلامهم بل صريحه أن القديم يقول بنقض دبر البهيمة لا دبر الآدمي، وهو مشكل جدا إلا أن يفرق بأن دبرها مساو لفرجها من كل وجه فشمله اسم الفرج بخلاف دبره ليس مساويا لفرجه لتخالف أحكامهما في فروع كثيرة فلم يشمله اسم الفرج على القديم الناظر للوقوف على مجرد الظاهر ثم رأيت الرافعي لحظ ذلك الإشكال فخص

 

ج /1 ص -56-         الخلاف بقبلها وقطع في دبرها بعدم النقض قال؛ لأن دبر الآدمي لا ينقض في القديم فدبرها أولى انتهى وقد علمت أن لكلامهم وجها.
"وينقض فرج الميت والصغير" لصدق الاسم عليهم "ومحل الجب" أي القطع؛ لأنه أصل الذكر أو الفرج ولو بقي أدنى شاخص منه نقض قطعا "والذكر" والفرج "الأشل وباليد الشلاء في الأصح" لشمول الاسم قيل إدخال الباء هنا متعين؛ لأن الإضافة في مس قبل للمفعول ومتى كانت اليد ممسوسة للذكر لا ينتقض الوضوء كما أفاده قولهم ببطن الكف الصريح في باء الآلة المقتضي كونها آلة المس انتهى وما ذكره في الإضافة صحيح وقوله ومتى إلخ فاسد كزعمه تعين الباء للآلة؛ لأن جعل اليد آلة إنما هو باعتبار الغالب ولم يبالوا بذلك الإيهام اتكالا على ما مهدوه من أنها مظنة للذة الصريح في أنه لا فرق بين كونها ماسة للذكر أو ممسوسة له "ولا تنقض رءوس الأصابع وما بينها" وحرفها وحرف الكف لخبر الإفضاء السابق مع أنها ليست مظنة للذة. "ويحرم" على غير فاقد الطهورين ونحو السلس "بالحدث" الذي هو أحد الأسباب أو المانع السابق، ويصح إرادة المنع لكن بتكلف إذ ينحل المعنى إلى أنه يحرم بسبب المنع من نحو الصلاة الصلاة. وذلك المنع هو التحريم فيكون الشيء سببا لنفسه أو بعضه "الصلاة" إجماعا ومثلها صلاة الجنازة وسجدة تلاوة أو شكر وخطبة جمعة "والطواف" فرضا ونفلا للحديث الصحيح على نزاع في رفعه صحح المصنف منه عدمه الطواف بمنزلة الصلاة إلا أن الله قد أحل فيه المنطق "وحمل المصحف" بتثليث ميمه وخرج به ما نسخت تلاوته وبقية الكتب المنزلة "ومس ورقه" ولو البياض للخبر الصحيح
"لا يمس القرآن إلا طاهر" والحمل أبلغ من المس "وكذا جلده" المتصل به يحرم مسه ولو بشعرة "على الصحيح"؛ لأنه كالجزء منه ويؤخذ منه أنه لو جلد مع المصحف غيره حرم مس الجلد الجامع لهما من سائر جهاته؛ لأن وجود غيره معه لا يمنع نسبة الجلد إليه وبتسليم أنه منسوب إليهما فتغليب المصحف متعين نظير ما يأتي في تفسير وقرآن استويا، فإن قلت وجود غيره معه فيه يمنع إعداده له قلت الإعداد إنما هو قيد في غيره مما يأتي ليتضح قياسه عليه وأما هو فكالجزء كما تقرر فلا يشترط فيه إعداده، ويلزم عاجزا عن طهر ولو تيمما حمله أو توسده إن خاف عليه نحو غرق أو حرق أو كافر أو تنجس ولم يجد أمينا يودعه إياه، فإن خاف ضياعه جاز الحمل لا التوسد؛ لأنه أقبح، ويحرم توسد كتاب علم محترم لم يخش نحو سرقته، "و" حمل ومس "خريطة وصندوق" بفتح أوله وضمه ومثله كرسي وضع عليه كما هو ظاهر "فيهما مصحف" وقد أعدا له أي وحده كما هو ظاهر لشبههما حينئذ بجلده بخلاف ما إذا انتفى كونه فيهما أو إعدادهما له فيحل حملهما ومسهما وظاهر كلامهم أنه لا فرق فيما أعد له بين كونه على حجمه. وأن لا، وإن لم يعد مثله له عادة، وهو قريب، "و" حمل ومس "ما كتب لدرس قرآن" ولو بعض آية "كلوح في الأصح"؛ لأنه كالمصحف وظاهر قولهم بعض آية أن نحو الحرف كاف وفيه بعد بل ينبغي في ذلك البعض كونه جملة مفيدة وقولهم كتب لدرس أن العبرة في قصد الدراسة والتبرك بحال الكتابة دون ما بعدها وبالكاتب لنفسه. أو لغيره تبرعا وإلا فآمره

 

ج /1 ص -57-         أو مستأجره وظاهر عطف هذا على المصحف أن ما يسمى مصحفا عرفا لا عبرة فيه بقصد دراسة ولا تبرك، وأن هذا إنما يعتبر فيما لا يسماه، فإن قصد به دراسة حرم أو تبرك لم يحرم، وإن لم يقصد به شيء نظر للقرينة فيما يظهر، وإن أفهم قوله: لدرس أنه لا يحرم إلا القسم الأول، "والأصح حل حمله في" هي بمعنى مع كما عبر به غيره فلا يشترط كون المتاع ظرفا له "أمتعة" بل متاع ومثله حمل حامله بقصده؛ لأن المصحف تابع حينئذ أي بالنسبة للقصد فلا فرق بين كبر جرم المتاع وصغره كما شمله إطلاقهم. أو مطلقا على ما اقتضاه كلام الرافعي وجرى عليه شيخنا وغيره لكن قضية ما في المجموع عن الماوردي الحرمة، وهي قياس ما يأتي في استواء التفسير والقرآن وفي بطلان الصلاة إذا أطلق فلم يقصد تفهيما ولا قراءة ويؤيده تعليلهم الحل في الأولى بأنه لم يخل بالتعظيم إذ حمله هنا يخل به لعدم قصد يصرفه عنه، فإن قصد المصحف حرم، وإن قصدهما فقضية عبارة سليم بل صريحها الحرمة خلافا للأذرعي وجرى عليها غير واحد من المتأخرين. وهو القياس وجرى آخرون أخذا من العزيز على الحل، والمس هنا كالحمل فإذا وضع يده فأصاب بعضها المصحف وبعضها غيره تأتى فيها التفصيل المذكور ولو ربط متاع مع مصحف فهل يأتي هنا ذلك التفصيل كما شمله كلامهم أو لا؛ لأنه لربطه به مع علمه بذلك لا يتصور قصد حمله وحده كل محتمل، فإن قلت تصور كون أحدهما هو المقصود بالحمل والآخر تابع يتأتى ولو مع الربط قلت إنما يتأتى هذا إن فصلنا في قصدهما بناء على الحرمة فيه بين كون أحدهما تابعا والآخر متبوعا، وفيه بعد من كلامهم بل الظاهر منه أنه عند قصدهما لا فرق "و" حمله ومسه في نحو ثوب كتب عليه و "تفسير" أكثر منه مع الكراهة وكذا في حمله مع متاع للخلاف في حرمته أيضا لا أقل أو مساو تميز القرآن عنه أم لا؛ لأنه المقصود حينئذ وفارق استواء الحرير مع غيره بتعظيم القرآن. وهل العبرة هنا في الكثرة والقلة بالحروف الملفوظة أو المرسومة كل محتمل والذي يتجه الثاني ويفرق بينه وبين ما يأتي في بدل الفاتحة بأن المدار ثم على القراءة، وهي إنما ترتبط باللفظ دون الرسم وهنا على المحمول، وهو إنما يرتبط بالحروف المكتوبة لتعد في كل وينظر الأكثر ليكون غيره تابعا له وعلى الثاني فيظهر أنه يعتبر في القرآن رسمه بالنسبة لخط المصحف الإمام، وإن خرج عن مصطلح علم الرسم؛ لأنه ورد له رسم لا يقاس عليه فتعين اعتباره به وفي التفسير رسمه على قواعد علم الخط؛ لأنه لما لم يرد فيه شيء وجب الرجوع فيه للقواعد المقررة عند أهله ولو شك في كون التفسير أكثر أو مساويا حل فيما ظهر لعدم تحقق المانع، وهو الاستواء ومن ثم حل نظير ذلك في الضبة والحرير. وجرى بعضهم في الحرير على الحرمة فقياسها هنا كذلك بل أولى، ويجري ذلك فيما لو شك أقصد به الدراسة أو التبرك ويفرق بين هذا وما قدمته فيما لم يقصد به شيء بأنه لما لم يوجد ثم مقتض لحل ولا حرمة تعين النظر للقرينة الدالة على أنه من جنس ما يقصد به تبرك أو دراسة وهنا وجد احتمالان تعارضا فنظرنا لمقوي أحدهما، وهو أصل عدم الحرمة والمانع على الأول والاحتياط على الثاني فتأمله وبما قدرته في عطف تفسير اندفع جعله معطوفا على الضمير المجرور ثم

 

ج /1 ص -58-         اعتراضه بأنه ضعيف على أن التحقيق أنه لا ضعف فيه "و" حمله ومسه في "دنانير" عليها سورة الإخلاص أو غيرها؛ لأن القرآن لما لم يقصد هنا لما وضع له من الدراسة والحفظ لم تجر عليه أحكامه ولذا حل أكل طعام وهدم جدار نقش عليهما وفي بمعنى مع فيما لا ظهور للظرفية فيه كما قدمت الإشارة إليه، "لا" حل "قلب ورقه" أو ورقة منه "بعود" مثلا من جانب إلى آخر ولو قائمة كما شمله إطلاقه "في الأصح" لانتقاله بفعله فصار كأنه حامله "و" الأصح "أن الصبي" المميز إذ لا يجوز تمكين غيره منه مطلقا؛ لأنه قد ينتهكه "المحدث" حدثا أصغر أو أكبر. وبحث منع الجنب القرآن، وأنه يحرم على وليه تمكينه منه إنما يتأتى على بحث منع الجنب هنا من المس وليس كذلك على أنه آكد لحرمته على المحدث بخلاف القراءة فلا قياس "لا يمنع" من مسه وحمله عند حاجة تعلمه ودرسه ووسيلتهما. كحمله للمكتب والإتيان به للمعلم ليعلمه منه فيما يظهر وذلك لمشقة دوام طهره ثم رأيت ابن العماد قال يجوز تمكينه من حمله للدراسة والتبرك ونقله إلى محل آخر، وأن هذا هو صريح كلامهم اعتبارا بما من شأنه أن يحتاج إليه انتهى وفي عمومه نظر كتخصيص الإسنوي ومن تبعه بالحمل للدراسة فالأوجه ما ذكرته "قلت الأصح حل قلب ورقه" مطلقا "بعود" أو نحوه "وبه قطع العراقيون والله أعلم"؛ لأنه ليس بحمل ولا في معناه ومن ثم لو انفصلت الورقة على العود حرم اتفاقا كما هو ظاهر؛ لأنه حمل كما لو لف كمه على يده وقلب بها ورقة منه، وإن لم تنفصل، ويحرم مسه ككل اسم معظم بمتنجس بغير معفو عنه وجزم بعضهم بأنه لا فرق تعظيما له ووطء شيء نقش به ويفرق بينه وبين كراهة لبس ما كتب عليه المستلزم لجلوسه عليه المساوي لوطئه بأنا لو سلمنا هذا الاستلزام والمساواة أمكننا أن نقول: وطؤه فيه إهانة له قصدا ولا كذلك لبسه ويغتفر في الشيء تابعا ما لا يغتفر فيه مقصودا ووضع نحو درهم في مكتوبه وجعله وقاية ولو لما فيه قرآن فيما يظهر. ثم رأيت بعضهم بحث حل هذا وليس كما زعم وتمزيقه عبثا؛ لأنه إزراء به وترك رفعه عن الأرض، وينبغي أن لا يجعله في شق؛ لأنه قد يسقط فيمتهن وبلع ما كتب عليه بخلاف أكله لزوال صورته قبل ملاقاته للمعدة ولا تضر ملاقاته للريق؛ لأنه ما دام بمعدنه غير مستقذر ومن ثم جاز مصه من الحليلة كما يأتي في الأطعمة. قال الزركشي ومد الرجل للمصحف وللمحدث كتبه بلا مس ويسن القيام له كالعالم بل أولى وصح أنه صلى الله عليه وسلم قام للتوراة وكأنه لعلمه بعدم تبديلها ويكره حرق ما كتب عليه إلا لغرض نحو صيانة ومنه تحريق عثمان رضي الله عنه للمصاحف والغسل أولى منه على الأوجه. بل كلام الشيخين في السير صريح في حرمة الحرق إلا أن يحمل على أنه من حيث كونه إضاعة للمال، فإن قلت مر أن خوف الحرق موجب للحمل مع الحدث وللتوسد وهذا مقتض لحرمة الحرق مطلقا قلت ذاك مفروض في مصحف وهذا في مكتوب لغير دراسة أو لها وبه نحو بلى مما يتصور معه قصد نحو الصيانة وأما النظر لإضاعة المال فأمر عام لا يختص بهذا على أنها تجوز لغرض مقصود ولا يكره شرب محوه، وإن بحث ابن عبد السلام حرمته.
"ومن تيقن طهرا أو حدثا وشك" أي تردد باستواء أو رجحان "في ضده" أطرأ عليه أم

 

ج /1 ص -59-         لا، "عمل بيقينه" باعتبار الاستصحاب فلا ينافي اجتماع الشك معه وذلك لنهيه صلى الله عليه وسلم الشاك في الحدث عن أن يخرج من المسجد إلا أن يسمع صوتا أو يجد ريحا وفي وجه يجب الوضوء وحينئذ فالقياس ندبه لكن يشكل عليه النهي في الحديث إلا أن يقال المراد منه النهي عن أخذ بشك يؤدي إلى وسوسة وتشكك غالب وزعم الرافعي ومن تبعه أنه يعمل بظن الطهر بعد يقين الحدث مؤول أو وهم ورفع يقين الطهر بنحو النوم ويقين الحدث بالماء المظنون طهره لا يردان على القاعدة؛ لأنهما مما جعل فيه الظن كاليقين وكذا ما ذكروه بقولهم، "فلو تيقنهما" بأن وجدا منه بعد الشمس مثلا "وجهل السابق" منهما "فضد ما قبلهما" يأخذ به بتفصيله المطوي اختصارا "في الأصح"، فإن كان قبلهما محدثا فهو الآن متطهر مطلقا. لتيقنه الطهر وشكه في تأخر الحدث عنه والأصل عدم تأخره أو متطهرا، فإن احتمل وقوع تجديد منه فهو الآن محدث لتيقن رفع الحدث لأحد طهريه مع الشك في تأخر الطهر الآخر عنه والأصل عدم تأخره وقرينة احتمال التجديد تؤيده، وإن لم يحتمل فهو متطهر؛ لأن الظاهر تأخر طهره الثاني عن حدثه ولو علم قبلهما طهارة وحدثا وجهل أسبقهما نظر لما قبل قبلهما وهكذا ثم أخذ بالضد في الأوتار وبالمثل في الأشفاع بعد اعتبار احتمال وقوع التجديد وعدمه كما بينته بما فيه في شرح العباب، فإن لم يعلم ما قبلهما لزمه الوضوء بكل حال حيث احتمل وقوع تجديد منه لتعارض الاحتمالين بلا مرجح بخلاف من لم يحتمل وقوع تجديد منه فإنه يأخذ بالطهر بكل حال فلا أثر لتذكره وعدمه.

فصل: في آداب قاضي الحاجة
ثم الاستنجاء "يقدم" ندبا "داخل الخلاء" ولو لحاجة أخرى وكذا في أكثر الآداب الآتية وعبر به كالخارج للغالب. والمراد الواصل لمحل قضاء الحاجة ولو بصحراء والتعيين فيها لغير المعد بالقصد لصيرورته به مستقذرا كالخلاء الجديد وفيما له دهليز طويل يقدمها عند بابه ووصوله لمحل جلوسه وأصل الخلاء بالمد المحل الخالي ثم خص بما تقضى فيه الحاجة قيل، وهو اسم شيطان فيه لحديث يدل له "يساره" أو بدلها ككل مستقذر من نحو سوق ومحل قذر ومعصية كالصاغة فيحرم دخولها على ما أطلقه غير واحد لكن قيده المصنف في فتاويه بما إذا علم أن فيها أي حال دخوله كما هو ظاهر معصية كربا ولم تكن له حاجة في الدخول ومنه يؤخذ أن محل حرمة دخول كل محل به معصية كالزنية ما لم يحتج لدخوله أي بأن يتوقف قضاء ما يتأثر بفقده تأثرا له وقع عرفا على دخول محلها وذلك؛ لأنها للمستقذر "و" يقدم "الخارج يمينه" كالداخل للمسجد؛ لأنها لغير المستقذر ومن ثم كان الأوجه فيما لا تكرمة فيه ولا استقذار أنه يفعل باليمين وفي شريف وأشرف كالكعبة وبقية المسجد تتجه مراعاة الأشرف وشريفين كمسجد بلصق مسجد مثله. يتجه التخيير وبه يعلم تخير الخطيب عند صعوده للمنبر وشريف ومستقذر بالنسبة إليه كبيت بلصق مسجد وقذر وأقذر منه كخلاء في وسط سوق يتجه مراعاة الشريف في الأولى والأقذر في الثانية، "ولا يحمل" داخله أي الواصل لمحل قضاء الحاجة "ذكر الله" أي

 

ج /1 ص -60-         مكتوب ذكره ككل معظم من قرآن. واسم نبي وملك مختص أو مشترك وقصد به المعظم أو قامت قرينة قوية على أنه المراد به، ويظهر أن العبرة بقصد كاتبه لنفسه وإلا فالمكتوب له نظير ما مر. فيكره حمل ما كتب فيه شيء مما ذكر للخبر الصحيح "أنه صلى الله عليه وسلم كان ينزع خاتمه إذا دخل الخلاء وكان نقشه محمد رسول الله محمد سطر ورسول سطر والله سطر" ولم يصح في كيفية وضع ذلك شيء ولو دخل به ولو عمدا غيبه ندبا بنحو ضم كفه عليه، ويجب على من بيساره خاتم عليه معظم نزعه عند استنجاء ينجسه ومال الأذرعي وغيره إلى الوجه المحرم لإدخال المصحف الخلاء بلا ضرورة، وهو قوي المدرك.
"ويعتمد" ندبا في حال قضاء حاجته "جالس يساره"؛ لأنها الأنسب بذلك بخلاف يمينه فيضع أصابعها بالأرض، وينصب باقيها؛ لأن ذلك أسهل لخروج الخارج أما القائم، فإن أمن مع اعتماد اليسرى تنجسها اعتمدها وإلا اعتمدهما وعلى هذا يحمل إطلاق بعض الشراح الأول وبعضهم الثاني وقد بحث الأذرعي حرمة البول أو التغوط قائما بلا عذر إن علم التلويث ولا ماء أو ضاق الوقت أو اتسع وحرمنا التضمخ بالنجاسة عبثا أي، وهو الأصح وبه يقيد إطلاقهم كراهة القيام بلا عذر وواضح أنه لو لم يأمن من التنجيس إلا باعتماد اليمين وحدها اعتمدها، "ولا يستقبل القبلة" أي الكعبة. وخرج بها قبلة بيت المقدس فيكره فيها نظير ما يحرم هنا "ولا يستدبرها" أدبا مع ساتر ارتفاعه ثلثا ذراع فأكثر وقد دنا منه ثلاثة أذرع فأقل بذراع الآدمي المعتدل، فإن فعل فخلاف الأولى. هذا في غير المعد أما هو فذلك فيه مباح والتنزه عنه حيث سهل أفضل، "ويحرمان" أي الاستقبال والاستدبار بعين الفرج الخارج منه البول أو الغائط ولو مع عدمه بالصدر لعين القبلة لا جهتها على الأوجه ولو اشتبهت عليه لزمه الاجتهاد، ويأتي هنا جميع ما يأتي قبيل صفة الصلاة فيما يظهر "بالصحراء" يعني بغير المعد وحيث لا ساتر كما ذكر ومنه إرخاء ذيله، وإن لم يكن له عرض. لأن القصد تعظيم جهة القبلة لا الستر الآتي وإلا اشترط له عرض يستر العورة لا يقال تعظيمها إنما يحصل بحجب عورته عنها؛ لأنا نمنع ذلك بحل الاستنجاء والجماع وإخراج الريح إليها وأصل هذا التفصيل نهيه صلى الله عليه وسلم عن ذينك مع فعله للاستدبار في المعد وقد سمع عن قوم كراهة الاستقبال في المعد فأمر بتحويل مقعدته للقبلة مبالغة في الرد عليهم ولو لم يكن له مندوحة عن الاستقبال والاستدبار تخير بينهما على ما يقتضيه قول القفال لو هبت ريح عن يمين القبلة، ويسارها وخشي الرشاش جازا فتأمل قوله جازا ولم يقل تعين الاستدبار. وعليه يفرق بين هذا وتعين ستر القبل فيما لو وجد كافي أحد سوأتيه الآتي في شروط الصلاة بأن الملحظ ثم أن الدبر مستتر بالأليين بخلاف القبل وهنا أن في كل خروج نجاسة بإزاء القبلة إذ لا استتار في الدبر وقت خروجها فاختلفا ثم لا هنا، فإن قلت يرد على ذلك كراهة استقبال القمرين دون استدبارهما قلت هذا تناقض فيه كلام الشيخين وغيرهما فلا إيراد، وإن كان الأصح ما ذكر وعليه فيفرق بأنهما علويان فلا تتأتى فيهما غالبا حقيقة الاستدبار فلم يكره بخلاف القبلة فإنه يتأتى فيها كل منهما فتخير ومحل الكراهة هنا حيث لا ساتر كالقبلة بل أولى ومنه السحاب كما هو ظاهر وشمل كلامهم

 

ج /1 ص -61-         محاذاة القمر نهارا، وهو محتمل ويحتمل التقييد بالليل؛ لأنه محل سلطانه، وعليه فما بعد الصبح يلحق بالليل نظير ما يأتي في الكسوف. ثم رأيت عن الفقيه إسماعيل الحضرمي التقييد بالليل وأجاب عما يحتج به للإطلاق من رعاية ما معه من الملائكة بأنه يلزم عليه كراهة ذلك في حق زوجته نظرا لما معها من الحفظة، "ويبعد" ندبا عن الناس في الصحراء بحيث لا يسمع لخارجه صوت ولا يشم له ريح، ويظهر أن البنيان كذلك إن سهل فيه ذلك ثم رأيت الأذرعي نقل عن الحليمي أن غير الصحراء مما لم يعد مثلها لكن تقييده بما لم يعد بعيد بل الوجه الإبعاد مطلقا إن سهل كما ذكرته، فإن لم يبعد سن لهم الإبعاد عنه كذلك ويسن أن يغيب شخصه عن الناس للاتباع بل صح أنه صلى الله عليه وسلم كان، وهو بمكة يقضي حاجته بالمغمس محل على نحو ميلين منها والظاهر أن هذه المبالغة في البعد كانت لعذر كانتشار الناس ثم حينئذ، "ويستتر" بالساتر السابق لكن مع عرض يمنع رؤية عورته ومحله في الجالس كما دل. عليه تعليل بعضهم له بأنه يستر من سرته إلى قدميه فافهم أنه لا بد فيه بالنسبة إلى القائم من ارتفاعه زيادة على ما مر حتى يستر من سرته إلى ركبته ومن عرضه حتى يستر عورته هذا إن لم يكن ببناء يسهل تسقيفه عادة وإلا كفى، وإن بعد عنه الساتر وفارق ما مر في القبلة بأن القصد ثم تعظيمها كما مر، وهو لا يحصل مع ذلك وهنا عدم رؤية عورته غالبا، وهو يحصل مع ذلك فزعم اتحادهما ليس في محله ومحل ذلك كله حيث لم يكن ثم من ينظر لعورته غير حليلته وعلمه وإلا لزمه الستر على المنقول المعتمد ويسن رفع ثوبه شيئا فشيئا مبالغة في الستر، فإن رفعه دفعة قبل دنوه كره إلا لخشية نحو تنجس ولا يتخرج على كشف العورة في الخلوة؛ لأنه يباح لأدنى غرض وهذا منه وأن يعد الأحجار أو الماء قبل جلوسه ولو تعارض الستر والإبعاد أو والاستقبال أو والاستدبار قدم الستر. في الأولى كما بحث وفي غيرها إن وجب فيما يظهر، "ولا يبول" ولا يتغوط "في ماء" مملوك له أو مباح غير مسبل ولا موقوف "راكد" قل أو كثر للخبر الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، فإن فعل كره ما لم يستبحر بحيث لا تعافه نفس ألبتة أما الجاري فلا يكره في كثيره لقوته وبحث المصنف حرمته في القليل؛ لأن فيه إتلافا له عليه وعلى غيره جوابه، وإن وافقه الإسنوي في بعض تفصيل اعتمده ما قررته أن الكلام في مملوك له أو مباح وطهره ممكن بالمكاثرة نعم إن دخل الوقت وتعين لطهره حرم كإتلافه، ويحرم في مسبل وموقوف مطلقا وماء هو واقف فيه إن قل لحرمة تنجس البدن ويكره في الماء بالليل مطلقا كالاغتسال لما قيل أنه مأوى الجن وعجيب استنتاج الكراهة. من هذه العلة التي لا أصل لها بل لو فرض أن لها أصلا كانت التسمية دافعة لشرهم فلتحمل الكراهة هنا على الإرشادية وقد يجاب بالتزام أنها شرعية ويوجه بنظير ما مر في كراهة المشمس أنه مريب وفي الحديث "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" ودفع التسمية لذلك إنما يظن في غير عتاة كفريتهم، فإن قلت الماء العذب ربوي؛ لأنه مطعوم فليحرم البول فيه مطلقا كالطعام قلت هذا ما تخيله بعض الشراح، وهو فاسد؛ لأن الطعام يتنجس ولا يمكن تطهير مائعه والماء له قوة ودفع للنجاسة عن نفسه فلم يلحق هنا بالمطعومات، "و" لا يبول ولا يتغوط

 

ج /1 ص -62-         في (جحر" لصحة النهي عنه، وهو الثقب أي الخرق المستدير النازل في الأرض وألحق به السرب بفتح أوليه أي الشق المستطيل، فإن فعل كره خشية أن يتأذى أو يؤذي حيوانا فيه ومنه يؤخذ أن الكلام في غير المعد، وأنه لا يكفي الإعداد هنا بالقصد.
تنبيه: وقع لشيخنا وغيره أنهم نقلوا عن المجموع أنه بحث الحرمة هنا لصحة النهي، وأنه قيد الكراهة بغير المعد ولم أر ذلك في عدة نسخ فيه هنا، فإن كان فيه بمحل آخر أو في بعض نسخه وإلا فكلامهم مؤول بأن مقتضى بحثه في الملاعن الحرمة لصحة النهي فيها أن هذا مثلها فنسبوه إليه تسامحا نعم نقل ذلك الأذرعي وغيره عن المصنف ولم ينسبوه لكتاب من كتبه قيل ونهي عن البول في البالوعة وتحت الميزاب وعلى رأس الجبل.
"و" لا يبول ولا. يتغوط مائعا في محل صلب "و" لا في "مهب ريح" أي جهة هبوبها الغالب في ذلك الزمن فيكره ذلك، وإن لم تكن هابة بالفعل لئلا يعود عليه رشاش الخارج وكالمائع جامد يخشى عود ريحه والتأذي به ولا يبول ولا يتغوط في مستحم لا منفذ له؛ لأنه يجلب الوسواس "و" لا في "متحدث"، وهو محل اجتماع الناس في الشمس شتاء والظل صيفا والمراد هنا كل محل يقصد لغرض كمعيشة أو مقيل فيكره ذلك إن اجتمعوا لجائز وإلا فلا "وطريق" فيكره وقيل يحرم التغوط وعليه جماعة وذلك لصحة النهي عن التخلي فيهما معللا بأنه يجلب اللعن كثيرا، "و" لا يبول ولا يتغوط "تحت" شجرة "مثمرة" أي من شأنها ذلك فيكره ما لم يطهر المحل أو يعلم مجيء ماء يطهره قبل وجودها خشية تلويثها فتعاف ومنه يؤخذ أن الكلام في ثمرة مأكولة إلا أن يقال إن غيرها يعاف استعماله، وإن طهر وفي عمومه نظر ظاهر والكراهة في الغائط أخف من حيث إنه يرى فيجتنب أو يطهر وفي البول أخف من حيث إقدام الناس غالبا على أكل ما طهر منه بخلاف الغائط وعلى هذا يحمل الاختلاف في ذلك. "ولا يتكلم" أي يكره له إلا لمصلحة تكلم حال خروج بول أو غائط ولو بغير ذكر أو رد سلام للنهي عن التحدث على الغائط ولو عطس حمد بقلبه فقط كمجامع، فإن تكلم ولم يسمع نفسه فلا كراهة أو خشي وقوع محذور بغيره لولا الكلام وجب أما مع عدم خروج شيء فيكره بذكر أو قرآن فقط واختير التحريم في القرآن. "ولا يستنجي بماء في مجلسه" بغير. معد أو به إن صعد منه هواء مقلوب فيكره خشية تنجسه ويسن لمستنج بحجر عدم الانتقال بل يلزمه حيث لا ماء يكفيه لطهارة الخبث والحدث وقد دخل الوقت؛ لأن قيامه يمنعه إجزاء الحجر إلا أن يباعد ما بين فخذيه بحيث لا يتماس باطنا صفحتيه. "ويستبرئ" ندبا وقيل وجوبا وانتصر له جمع إن ظن عوده لولا الاستبراء "من البول" وكذا الغائط إن خشي عود شيء منه عند انقطاعه فيما يظهر بنحو تنحنح ونتر ذكر وجذبه بلطف لئلا يضعفه قال بعضهم ودق الأرض بنحو حجر ومسح البطن أخذا من أمر غاسل الميت به انتهى ومسح ذكر وأنثى مجامع العروق بيده وغير ذلك مما اعتاده مخرجا للفضلة لئلا يعود شيء فينجسه ولا يبالغ فيه؛ لأنه يورث الوسواس والضرر، ويظهر أنه لو احتاج في نحو المشي لمسك الذكر المتنجس بيده جاز إن عسر عليه تحصيل حائل يقيه النجاسة ويكره لغير سلس حشو ذكره ويكره القيام قبل

 

ج /1 ص -63-         الاستنجاء أي لمن استبرأ من جلوس لئلا ينافي ما مر، ويحرم التبرز على محترم. كعظم وقبر وفي موضع نسك ضيق كالجمرة والمشعر وبقرب قبر نبي قال الأذرعي وبين قبور نبشت لاختلاط تربتها بأجزاء الميت ويكره بقرب قبر محترم وتشتد الكراهة في قبر ولي أو عالم أو شهيد ويسن اتخاذ إناء للبول فيه ليلا نعم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن ينقع البول في إنائه؛ لأن الملائكة أي الذين للرحمة والزيارة لا تدخل بيتا هو فيه ككلب ولو معلما وجنب وصورة ونهى أن يقول الإنسان أهرقت الماء ولكن ليقل بلت. "ويقول" ندبا "عند دخوله" أي وصوله لمحل قضاء حاجته أو لبابه، وإن بعد محل الجلوس عنه. ولو لحاجة أخرى، فإن أغفل ذلك حتى دخل قاله بقلبه "باسم الله" أي أتحصن ولا يزيد "الرحمن الرحيم "، وإنما قدم التعوذ عليها عند القراءة؛ لأنها من جملتها وعن ابن كج أنه إن قصد باسم الله القرآن حرم، وهو مبني على حرمة قراءة القرآن في الخلاء، وهو ضعيف "اللهم إني أعوذ" أي أعتصم "بك من الخبث" بضم الباء وإسكانها جمع خبيث وهم ذكران الشياطين "والخبائث" جمع خبيثة وهن إناثهم للاتباع "و" يقول "عند خروجه منه" أو مفارقته له "غفرانك" أي اغفر أو أسألك وحكمة هذا، الاعتراف بغاية العجز عن شكر هذه النعمة المنطوية على جلائل من النعم لا تحصى ومن ثم قيل يكررها "الحمد لله الذي أذهب عني الأذى" بهضمه وتسهيل خروجه "وعافاني" منه للاتباع أيضا ومن الآداب أيضا أن ينتعل، ويستر رأسه ولا يطيل قعوده بلا ضرورة ولا يعبث ولا ينظر للسماء أو فرجه أو خارجه بلا حاجة. "ويجب" لا فورا بل عند إرادة نحو صلاة. أو ضيق وقت وحينئذ لو تعين الماء وعلم أن ثم من لا يغض بصره عن عورته لم يعذر بخلاف نظيره في الجمعة؛ لأنهم توسعوا فيها بأعذار هذا أشد من كثير منها بخلاف إخراج الصلاة عن وقتها "الاستنجاء" للأحاديث الآمرة به مع التوعد في بعضها على تركه من النجو، وهو القطع فكأن المستنجي يقطع به الأذى عن نفسه مقدما وجوبا على طهر سلس ومتيمم وندبا في غيره "بماء" على الأصل، ويكفي فيه غلبة ظن زوال النجاسة ولا يسن حينئذ شم يده وزعم وجوبه رددته في شرح العباب، وهو من يده دليل على نجاسة يده فقط إلا أن يشمها من الملاقي للمحل فإنه دليل على نجاستهما كما هو ظاهر. والكلام في ريح لم تعسر إزالتها كما يعلم مما يأتي ولو توقفت في المحل على نحو أشنان أو صابون فقضية إطلاقهم ثم الوجوب هنا وفيه من العسر ما لا يخفى، وينبغي الاسترخاء لئلا يبقى أثرها في تضاعيف شرج المقعدة فليتنبه لذلك "أو حجر" ونحوه للاتباع ومر حكم ماء زمزم وحجر الحرم كغيره "وجمعهما". في بول أو غائط بأن يقدم الحجر "أفضل" من الاقتصار على أحدهما ليجتنب مس النجاسة لإزالة عينها بالحجر ومن ثم حصل أصل السنة هنا بالنجس خلافا لمن نازع فيه ولمن نقل عن نص كلام الأصحاب أنه يأثم به. وإن قيل محله أن فعله عبثا وبدون الثلاث مع الإنقاء فيهما والاقتصار على الماء أفضل منه على الحجر؛ لأنه يزيلهما بل يتعين في قبلي مشكل دون ثقبته التي بمحلهما على الأوجه لأصالتها حينئذ وفي ثقبة منفتحة وبول الأقلف إذا وصل للجلدة وبول ثيب أو بكر وصل لمدخل الذكر يقينا لا في دم حيض أو نفاس لم

 

ج /1 ص -64-         ينتشر عن محله فلها بعد الانقطاع ولو ثيبا الاستنجاء به فيما إذا أرادت التيمم لفقد الماء ولا إعادة عليها ويوجه ما ذكر في البول الواصل لمدخل الذكر بأنه يلزم من انتقاله لمدخله انتشاره عن محله إلى ما لا يجزئ فيه الحجر فليس السبب عدم وصول الحجر لمدخله خلافا لمن وهم فيه؛ لأن نحو الخرقة تصل له واعلم أن الواجب عليها غسل ما ظهر بجلوسها على قدميها ونازع فيه الإسنوي بأن المتجه هو الوجه الموجب لغسل باطن فرجها؛ لأنه صار ظاهرا بالثيابة قال كما يجب غسل باطن الفم من النجاسة دون الجنابة انتهى ولك رده بأن باطن الفرج الذي لا يظهر بالجلوس على القدمين لا يشبه الفم؛ لأنه يظهر ولا يعسر إيصال الماء إليه فمن ثم فصل فيه بين الجنابة والنجاسة. وأما باطن الفرج المذكور فلا يظهر أصلا، ويعسر إيصال الماء إليه فلم يجب غسله في جنابة ولا نجاسة. "وفي معنى الحجر" الوارد بناء على أن الأصح عندنا في الأصول أن القياس يجوز في الرخص خلافا لأبي حنيفة وقوله إن ذلك ثبت بدلالة النص ممنوع كيف وحقيقة الحجر مغايرة لما ألحق به "كل جامد طاهر قالع غير محترم" فلا يجزئ نحو ماء ورد ومتنجس، وإنما جاز الدبغ به كالنجس؛ لأنه عوض عن الذكاة وهي تجوز بالمدية النجسة وقصب أملس وتراب أو فحم رخو بأن يلصق منه شيء بالمحل، ويتعين الماء لا في أملس لم ينقل والنص بإجزاء التراب لحديث فيه أي ضعيف محمول على متحجر قيل أو على مريد تنشيف الرطوبة ثم غسله بالماء ويرد بأن هذا لا يسمى استنجاء. ولا محترم بل، ويعصي به، وإن لم يجد غيره فيتيمم ويعيد كمطعوم لنا ولو قشرا مأكولا كالبطيخ بخلاف قشر مزيل لا يؤكل لكنه يكره به إن كان المطعوم داخله وفي خبر ضعيف الأمر بماء وملح في غسل دم الحيض وألحق الخطابي بالملح العسل والخل والتدلك بنحو النخالة وغسل اليد بنحو البطيخ انتهى وكأن الزركشي أخذ منه قوله الظاهر أن منع استعمال المطعوم لا يتعدى الاستنجاء إلى سائر النجاسات فيجوز استعمال الملح مع الماء في غسل الدم انتهى. وقد علمت أن الأخذ غير صحيح لضعف الخبر والذي يتجه أن النجس إن توقف زواله على نحو ملح مما اعتيد امتهانه جاز للحاجة وإلا فلا ويفرق بين الاستنجاء وغيره بأن المطعوم في غيره صحبه ماء فخف امتهانه بخلافه في الاستنجاء وما ذكر في النخالة واضح؛ لأنها غير مطعومة وفيما بعدها يوجه بأنه حيث انتفت النجاسة انتفى قبيح الامتهان فليكره نظير ما مر آنفا أو للجن كعظم، وإن أحرق أو لنا وللبهائم والغالب نحن وكحيوان كفأرة وجزئه المتصل وكذا نحو يد آدمي محترم، وإن انفصلت ويفرق بين نحو الفأرة ونحو الحربي بأنه قادر على عصمة نفسه فكان أخس وكمكتوب عليه اسم معظم. أو منسوخ لم يعلم تبديله، ويحرم على غير عالم متبحر مطالعة نحو توراة علم تبديلها أو شك فيه ويفرق بين إلحاق المشكوك فيه بالمبدل هنا لا فيما قبله بالاحتياط فيهما أو علم محترم كمنطق وطب خليا عن محذور كالموجودين اليوم؛ لأن تعلمهما فرض كفاية لعموم نفعهما أما مكتوب ليس كذلك فيجوز الاستنجاء به وهو صريح في أن الحروف ليست محترمة لذواتها فإفتاء السبكي ومن تبعه بحرمة دوس بسط كتب عليها وقف مثلا ضعيف بل شاذ كما اعترف هو

 

ج /1 ص -65-         به وحرمة جعل ورقة كتب فيها اسم معظم كاغدا لنحو نقد إنما هو رعاية للاسم المعظم كما هو واضح وعجيب الاستدلال به وجاز بالماء العذب مع أنه مطعوم لدفعه النجس عن نفسه كما مر "وجلد" بالرفع والجر؛ لأنه قسيم للجامد المذكور، وإن كان في الحقيقة قسما منه باعتبار ما فيه من التفصيل والخلاف فاندفع زعم أنه لا يصح كل منهما "دبغ" في الأظهر. لانتقاله عن طبع اللحم إلى طبع الثياب وإلحاق جلد الحوت الكبير به ينبغي حمله على ما إذا تحجر بحيث صار لا يلين، وإن نقع في الماء "دون غيره في الأظهر"؛ لأنه إما نجس أو مأكول نعم إن استنجى بشعره الطاهر أجزأ، ويحرم بجلد علم إن اتصل ومصحف، وإن انفصل، وإنما حل مسه؛ لأنه أخف، "وشرط" إجزاء الاقتصار على "الحجر" وما في معناه أو المراد بالحجر ما يعمهما "أن" لا يكون به رطوبة كالمحل ولو من عرق على ما اعتمده الأذرعي وفيه نظر والذي يتجه أنه لا يؤثر ويؤيده ما يأتي وأن "لا يجف النجس" الخارج أو بعضه وإلا تعين الماء في الجاف وكذا غيره إن اتصل به، وإن بال أو تغوط مائعا ثانيا. ولم يبل غير ما أصابه الأول كما اقتضاه إطلاقهم لتعين الماء بالجفاف فلا يرتفع بما حدث لكن قال جمع متقدمون بإجزائه حينئذ وكأنه لكون الطارئ من جنس الأول فصارا كشيء واحد وبه يعلم رد بحث بعضهم فيمن بال ثم أمنى أنه يجزئه الحجر ولو غسل ذكره ثم بال قبل الجفاف لم ينجس غير مماس البول كما يعلم من قوله في شروط الصلاة وإلا فغير المنتصف "و" أن "لا ينتقل" الخارج الملوث عما استقر فيه عند خروجه إذ لا ضرورة لهذا الانتقال فصار كتنجسه بأجنبي "و" أن "لا يطرأ" على المحل المتنجس بالخارج "أجنبي" نجس مطلقا أو طاهر جاف اختلط بالخارج لما مر في التراب أو رطب ولو ماء لغير تطهيره. لا عرق إلا إن سال وجاوز الصفحة أو الحشفة إذ لا يعم الابتلاء به حينئذ خلافا لمن زعمه، "ولو ندر" الخارج كدم "أو انتشر فوق العادة" الغالبة وقيل فوق عادة نفسه "ولم يجاوز" غائط "صفحته"، وهي ما ينضم من الأليين عند القيام "و" بول "حشفته" وهي ما فوق محل الختان، ويأتي في فاقدها أو مقطوعها نظير ما يأتي في الغسل كما هو ظاهر "جاز الحجر في الأظهر" إلحاقا له بالمعتاد؛ لأن جنسه مما يشق، فإن جاوز تعين الماء في المجاوز والمتصل به مطلقا وكذا إن لم يجاوز وانفصل عما اتصل بالمحل فيتعين في المنفصل فقط، ويظهر أخذا مما يأتي في الصوم من العفو عن خروج مقعدة المبسور وردها بيده أن من ابتلي هنا بمجاوزة الصفحة أو الحشفة دائما عفي عنه فيجزيه الحجر للضرورة، ويطهر في شعر بباطن الصفحة أنه مثلها ولا نظر لندب إزالته فلا ضرورة لتلوثه؛ لأن تكليف إزالته كلما ظهر منه شيء مشق مضاد للترخيص في هذا المحل.
"ويجب". لإجزاء الحجر أيضا "ثلاث مسحات" للنهي الصحيح عن الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار "ولو" بطرفي حجر بأن لم يتلوث في الثانية فتجوز هي والثالثة بطرف واحد؛ لأنه إنما خفف النجاسة فلم يؤثر فيه الاستعمال بخلاف الماء ولكون التراب بدله أعطي حكمه أو "بأطراف حجر" ثلاثة؛ لأن القصد عدد المسحات مع الإنقاء وبه فارق عده في الجمار واحدة؛ لأن القصد عدد الرميات، "فإن لم ينق" المحل بالثلاث بأن بقي أثر يزيله ما

 

ج /1 ص -66-         فوق صغار الخزف إذ بقاء ما لا يزيله إلا هي معفو عنه "وجب الإنقاء" برابع وهكذا ثم إن أنقى يوتر فواضح "و" إلا "سن الإيتار" للأمر به ولم يسن هنا تثليث كما في إزالة النجاسة؛ لأنهم غلبوا جانب التخفيف في هذا الباب، "وكل حجر لكل محله" يحتمل عطفه على ثلاث فيفيد وجوب تعميم كل مسحة من الثلاث لكل جزء من المحل. وهو المنقول المعتمد الذي لا محيد عنه كما بينته في شرحي الإرشاد والعباب وعلى الإيتار فيفيد ندب ذلك لكن من حيث الكيفية بأن يبدأ بأولها من مقدم صفحته اليمنى ويديره إلى محل ابتدائه وبالثاني من مقدم اليسرى ويديره كذلك ويمر الثالث على مسربته وصفحته جميعا ويديره قليلا قليلا ولا يشترط الوضع أولا على محل طاهر ولا يضر النقل المضطر إليه الحاصل من عدم الإدارة "وقيل يوزعن" أي الأحجار "لجانبيه" أي المحل "والوسط" فيمسح بحجر الصفحة اليمنى أي أولا وهذا مراد من عبر بوحدها ثم يعمم وبثان اليسرى أي أولا كذلك وبثالث الوسط أي أولا كذلك فالخلاف في الأفضل ولا ينافي ما سبق من وجوب التعميم؛ لأنه ليس من محل الخلاف كما صرح به تصريحا لا يقبل تأويلا. إطباقهم على وجوب الثاني والثالث، وإن أنقى بالأول وعللوه بأنهما حينئذ للاستظهار كثاني الأقراء وثالثها في العدة فتأمله، وإنما محله كيفية استعمال الثلاثة فيه مع قول كل قائل بالتعميم وكيفية الاستنجاء بالحجر في الذكر قال الشيخان أن يمسحه على ثلاثة مواضع من الحجر فلو أمره على موضع واحد مرتين تعين الماء، وهو المعتمد ولو مسحه صعودا ضر أو نزولا فلا والأولى للمستنجي بالماء أن يقدم القبل وبالحجر أن يقدم الدبر؛ لأنه أسرع جفافا، "ويسن الاستنجاء" في التصريح به. أظهر شاهد لعطف كل على ثلاث "بيساره" للنهي الصحيح عنه باليمين فيكره كمسه بها والاستعانة بها في الاستنجاء لغير حاجة وقيل يحرم وعليه جمع منا وكثيرون من غيرنا، "ولا استنجاء" واجب "لدود وبعر بلا لوث في الأظهر" إذ لا معنى له كالريح ومقابله يوجبه اكتفاء بمظنة التلويث، وإن تحقق عدمه وبه فارق الريح عنده وبهذا يظهر قوته ومن ثم تأكد الاستنجاء منه خروجا من الخلاف ويكره من الريح إلا إن خرج والمحل رطب فلا يكره وقيل يحرم وقيل يكره وبحث وجوبه شاذ ولو شك بعد الاستنجاء هل غسل ذكره أو هل مسح ثنتين أو ثلاثا لم تلزمه إعادته كما لو شك بعد الوضوء أو سلام الصلاة في ترك فرض ذكره البغوي وقوله لكن لا يصلي صلاة أخرى حتى يستنجي لتردده حال شروعه في كمال طهارته ضعيف، وإنما ذاك حيث تردد في أصل الطهارة على أن الذي يتجه في الأولى وجوب الاستنجاء في الذكر وليس قياس ما ذكره؛ لأن بعض الوضوء والصلاة داخل فيهما وقد تيقن الإتيان بهما بخلافه هنا فإن كلا من الذكر والدبر مستقل بنفسه فتيقنه مطلق الاستنجاء لا يقتضي دخول غسل الذكر فيه.

باب الوضوء
هو اسم مصدر وهو التوضؤ والأفصح ضم واوه إن أريد به الفعل الذي هو استعمال الماء في الأعضاء الآتية مع النية، وهو المبوب له وفتحها إن أريد به الماء الذي يتوضأ به

 

ج /1 ص -67-         مأخوذ من الوضاءة وهي النضارة لإزالته لظلمة الذنوب وفرض مع الصلاة. ليلة الإسراء، وهو من الشرائع القديمة كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة والذي من خصائصنا إما الكيفية المخصوصة أو الغرة والتحجيل وموجبه الحدث مع إرادة نحو الصلاة، ويختص حلوله بالأعضاء الأربعة وحرمة مس المصحف بغيرها لانتفاء الطهارة الكاملة المبيحة للمس، وهو معقول المعنى، وإنما اكتفي بمسح جزء من الرأس؛ لأنه مستور غالبا فكفاه أدنى طهارة؛ لأن تشريفه المقصود يحصل بذلك، وشرطه كالغسل ماء مطلق وظن أنه مطلق أي عند الاشتباه وعدم نحو حيض في غير نحو أغسال الحج وأن لا يكون على العضو ما يغير الماء. تغيرا ضارا أو جرم كثيف يمنع وصوله للبشرة لا نحو خضاب ودهن مائع وقول القفال تراكم الوسخ على العضو لا يمنع صحة الوضوء ولا النقض بلمسه يتعين فرضه فيما إذا صار جزءا من البدن لا يمكن فصله عنه كما مر ولا يضر اختلاط الخضاب بالنشادر؛ لأن الأصل فيه الطهارة فقد أخبرني بعض الخبراء أنه ينعقد من الهباب من غير إيقاد عليه بالنجاسة فغايته أنه نوعان وعند الشك لا نجاسة. على أن الأول منه ما مادته طاهرة، وهي التبن ونحوه ولا يضر الوقود عليه بالنجاسة وتخيل أن رأس إنائه منعقد من دخانها مع الهباب؛ لأن هذا غير محقق لاحتمال أنه منعقد من الهباب وحده، وأن دخانها سبب لذلك العقد، وإن لم يكن من عينه وبهذا يعلم استرواح من جزم بنجاسة النشادر حيث وجد ولا يضر في الخضاب تنقيطه للجلد وتربيته القشرة عليه؛ لأن تلك القشرة من عين الجلد لا من جرم الخضاب كما هو واضح وجري الماء عليه وإزالة النجاسة على تفصيل يأتي وتحقق المقتضي إن بان الحال وإلا فطهر الاحتياط بأن تيقن الطهر وشك في الحدث فتوضأ من غير ناقض صحيح إذا لم يبن الحال ولا يكلف النقض قبله لما فيه من نوع مشقة لكن الأولى فعله خروجا من الخلاف، وإنما صح وضوء الشاك في طهره بعد تيقن حدثه مع تردده، وإن بان الحال؛ لأن الأصل بقاء الحدث بل لو نوى في هذه إن كان محدثا وإلا فتجديد صح، وإن تذكر، وإسلام وتمييز إلا في نحو غسل كتابية مع نيتها لتحل لحليلها المسلم وتغسيله لحليلته المجنونة أو الممتنعة مع النية منه بخلاف ما إذا أكرهها لا يحتاج لنية للضرورة وتجب إعادته بعد زوال الكفر أو الجنون أو الامتناع لزوال الضرورة وعدم الصارف بأن لا يأتي بمناف للنية كردة أو قول إن شاء الله. لا بنية التبرك أو قطع لا نوم طويل مع التمكن فلا يحتاج لتجديدها إن كان البناء بفعله كما يأتي، فإن قلت لم ألحق الإطلاق هنا بقصد التعليق وفي الطلاق بقصد التبرك قلت يفرق بأن الجزم المعتبر في النية ينتفي به لانصرافه لمدلوله ما لم يصرفه عنه بنية التبرك وأما في الطلاق فقد تعارض صريحان لفظ الصيغة الصريح في الوقوع ولفظ التعليق الصريح في عدمه لكن لما ضعف هذا الصريح بكونه كثيرا ما يستعمل للتبرك احتيج لما يخرجه عن هذا الاستعمال، وهو نية التعليق به قبل فراغ لفظ تلك الصيغة حتى يقوى على رفعها حينئذ ومعرفة كيفيته وإلا، فإن ظن الكل فرضا أو شرك ولم يقصد بفرض معين النفلية صح أو نفلا فلا، ويأتي هذا في الصلاة ونحوها، وهذه الخمسة الأخيرة شروط في الحقيقة للنية وزيد وجوب غسل زائد

 

ج /1 ص -68-         اشتبه بأصلي وجزء يتحقق به استيعاب العضو وفيه نظر؛ لأن هذين من جملة الأركان كما صرح به قولهم ما لا يتم الواجب إلا به واجب، ويزيد السلس بدخول الوقت وظن دخوله وتقديم نحو استنجاء وتحفظ احتيج إليه والولاء بينهما وبينهما وبين الوضوء وبين أفعاله وبينه وبين الصلاة وسيأتي بعض ذلك.
"فرضه" أي أركانه "ستة" فقط في حق السليم وغيره. وما تميز به من وجوب زائد عليها شروط كما تقرر لا أركان أربعة بنص القرآن واثنان بالسنة ولكونه مفردا مضافا إلى معرفة، وهو على الصحيح حيث لا عهد للعموم الصالح للجمعية من حيث مدلول لفظه إذ هو حينئذ المعنى الذي استغرقه لفظه الصالح له من غير حصر، وإن كان مدلوله في التركيب من حيث الحكم عليه كلية على الأصح أي محكوما فيه على كل فرد فرد مطابقة؛ لأنه في قوة قضايا بعدد أفراده أو الصريح فيها بناء على ظاهر كلام النحاة وليست العبرة في مطابقة المبتدأ للخبر إلا باصطلاحهم أن مدلوله كل أي محكوم فيه على مجموع الأفراد من حيث هو مجموع أخبر عنه بالجمع. ثم رأيت بعض الأصوليين. وضح ما أشرت إليه بقولي الصالح للجمعية فقال قد يكون معنى العموم شمول المجموع المحكوم عليه لكل فرد، وإن كان الحكم على المجموع لا على الأفراد ومثاله قوله تعالى:
{إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام:38] فإن الحكم بأنها أمم على مجموع الدواب والطيور دون أفرادها والحاصل أنه قد تقوم قرينة تدل على أن الحكم في العام حكم على مجموع الأفراد من حيث هو مجموع من غير نظر إلى كون أفراد العام الجمع أو نحوه آحادا أو جموعا فيكون المحكوم عليه كلا لا كلية، وهو ما مر ولا كليا وهو المحكوم فيه على الماهية من حيث هي أي من غير نظر إلى الأفراد وذكر بعض الأصوليين أن للعام دلالتين دلالة على المعنى المشترك، وهي التي الحكم فيها على الكلي من غير نظر إلى خصوص الأفراد، وهي قطعية ودلالة على كل فرد فرد من الأفراد بالخصوص، وهي ظنية انتهى. وفيه تأييد لما مر، وإن كان فيه نظر ومخالفة لما عليه محققوهم أي إن أراد الدلالة الحقيقية المطابقية.
"أحدها: نية رفع حدث" أي رفع حكمه كحرمة نحو الصلاة؛ لأن القصد من الوضوء رفع ذلك فإذا نواه فقد تعرض للمقصود فالحدث هنا الأسباب؛ لأن تلك الحرمة مترتبة عليها. ويصح أن يراد به المانع أو المنع فلا يحتاج لتقدير حكم والمراد رفع ما يصدق عليه ذلك، وإن نوى غير ما عليه من أكبر أو أصغر لكن غلطا لا عمدا لتلاعبه وبه يرد استشكال تصوره إذ التلاعب والعبث كثيرا ما يقع من ضعفاء العقول أو نفي بعض أحداثه أو نوى رفعه في صلاة واحدة دون غيرها؛ لأنه لا يتجزأ فإذا ارتفع بعضه ارتفع كله ولا يعارض بضده؛ لأن المرتفع حكم الأسباب لا نفسها وهو واحد تعددت أسبابه، وهي لا يجب التعرض لها فلغا ذكرها ولو نوى رفعه وأن لا يرفعه أو رفعه في صلاة وأن لا يرتفع لم يصح للتناقض وكذا لو نوى أن يصلي به بمحل نجس. قيل تعبير أصله برفع الحدث أولى؛ لأن أل فيه للعهد أي الذي عليه. أو للشمول الداخل فيه ما عليه بخلاف التنكير؛ لأنه يدخل فيه نية ما لم يكن عليه انتهى، ويرد بأن فيه إيهام اشتراط التعريف في النية، وهو أضر مما أوهمه

 

ج /1 ص -69-         التنكير على أن التعريف يوهم أيضا أنه لا تصح نية غير ما عليه مطلقا فساوى التنكير في هذا فالحق أن كلا أحسن من وجه، وأن التنكير أخف إيهاما "أو" نية الطهارة عن الحدث أو نية "استباحة مفتقر إلى طهر" أي وضوء كما أومأ إليه التعبير بالاستباحة ودل عليه قوله: أو ما يندب له الوضوء كقراءة فلا وذلك كطواف، وإن كان بمصر مثلا أو عيد ولو في رجب؛ لأن نية ما يتوقف عليه، وإن لم يمكنه فعله متضمنة لنية رفع الحدث. وظاهر أنه لو قال نويت استباحة مفتقر لوضوء أجزأه، وإن لم يخطر له شيء من مفرداته أنه وكون نيته حينئذ تصدق بنية واحد مبهم مما يفتقر له لا يضر؛ لأنه مع ذلك متضمن لنية رفع الحدث، "أو" نية "أداء فرض الوضوء" وتدخل المسنونات في هذا ونحوه تبعا كنظيره في نية فرض الظهر مثلا على أنه ليس المراد بالفرض. هنا حقيقته وإلا لم يصح وضوء الصبي إذا نواه بل فعل طهارة الحدث المشروطة لنحو الصلاة وشرط الشيء يسمى فرضا ولا يرد عليه صحة نية الصبي فرض الظهر مثلا بل وجوبها عند الأكثرين؛ لأن المراد بالفرض ثم صورته كما في المعادة أو أداء الوضوء أو فرض الوضوء أو الوضوء والطهارة كالوضوء في الثلاثة الأول، فإن قلت خروج الخبث بأداء الطهارة واضح؛ لأنه لا يستعمل فيه. وأما اختصاص فرض الطهارة ومثله الطهارة الواجبة كما في الأنوار بالحدث فمشكل إذ طهارة الخبث كذلك قلت الربط بالفرض والوجوب إنما يتبادر منه تلك لا هذه؛ لأنها قد لا تجب للعفو عنه ومن ثم اختص بتلك الطهارة للصلاة على أن ربطها بها يمحضها لها ولا يضر شمولها للوضوء المجدد كما لا يضر شمول نية الوضوء له وطهر الخبث الغير المعفو عنه واجب لذاته بدليل الإثم بالتضمخ به ومن ثم وجب الفور في إزالته حينئذ ولم تجب فيه نية لعدم تمحضه للعبادة، فإن قلت هي تشمل الغسل أيضا قلت لا يضر لما يأتي أنه يكفي عن الوضوء فليس بأجنبي ومن ثم كفت في الغسل أيضا لاستلزامها رفع الحدث الكافي فيه أيضا فهي مثله في الاكتفاء بها في البابين لا الرابعة؛ لأنها. تشمل الطهر عن الحدث والخبث من غير مميز قال الرافعي وعدم وجوب التعرض للفرضية يشعر بأن اعتبار النية هنا ليس للقربة بل للتمييز؛ لأن الصحيح اعتبار التعرض للفرضية في نية العبادات وبه إن سلم وإلا فما يأتي أن نية رمضان لا يشترط فيها التعرض للفرضية ينازع في عمومه يتضح ما مر أن الكتابية تنوي وعلم منه أيضا أن نية فرض الوضوء كافية ولو قبل الوقت لإلغاء ذكر الفرضية والأصل في وجوب النية الحديث المتفق عليه "إنما الأعمال" أي إنما صحتها لإكمالها؛ لأنه خلاف الأصل بالنيات جمع نية، وهي شرعا قصد الشيء مقترنا بفعله وإلا فهو عزم ومحلها القلب فلا عبرة بما في اللسان نعم يسن التلفظ بها في سائر الأبواب خروجا من خلاف موجبه والقصد بها تمييز العبادة عن العادة وتمييز مراتب العبادات، "ومن دام حدثه كمستحاضة" وسلس "كفاه نية الاستباحة" وغيرها مما مر كمن لم يدم حدثه ولو ماسح الخف "دون" نية "الرفع" للحدث أو الطهارة عنه "على الصحيح فيهما" أي في إجزاء نية نحو الاستباحة وحدها وعدم إجزاء نية نحو الرفع وحدها؛ لأن حدثه لا يرتفع وقيل لا بد من جمعهما لتكون الأولى للاحق والمقارن والثانية للسابق وعلى الأصح يسن الجمع

 

ج /1 ص -70-         بينهما خروجا من هذا الخلاف وقيل تكفي نية الرفع لتضمنها الاستباحة، ويرد بمنع علته على أنه لو سلم كان لازما بعيدا، وهو لا يكتفي به في النيات وحكمه في نية ما يستبحه حكم المتيمم، ويأتي إجزاء نيته لرفع الحدث إن أراد. به رفعه بالنسبة لغرض فقط فكذا هنا وبه يندفع زعم أن تفسير رفع الحدث برفع حكمه فيما مر يلزمه صحة نية السلس له بهذا المعنى ووجه اندفاعه أن رفع حكمه عام وهو مختص بالسليم وخاص، وهو الجائز للسلس ومجدد الوضوء لا تحصل له سنة التجديد إلا بنية مما مر حتى نية الرفع أو الاستباحة على ما قاله ابن العماد وهو قريب إن أراد صورتهما كما أن معيد الصلاة ينوي بها الفرض وزعم أن ذاك في المعادة خارج عن القواعد ممنوع كيف والشيء لا يسمى تجديدا ومعادا إلا إن أعيد بصفته الأولى ويؤخذ منه أن الإطلاق هنا كاف كهو ثم فلا تشترط إرادة الصورة بل أن لا يريد الحقيقة اكتفاء بانصرافها لمدلولها الشرعي هنا من الصورة بقرينة التجديد هنا كالإعادة ثم، "ومن نوى تبردا" أو تنظفا "مع نية معتبرة" مما مر "جاز" له ذلك أي لم يضره في نيته المعتبرة "في الصحيح" لحصوله، وإن لم ينو فلا تشريك فيه لكن من حيث الصحة بخلافه من حيث الثواب ومن ثم اختلفوا في حصوله والأوجه كما بينته بأدلته الواضحة في حاشية الإيضاح وغيرها إن قصد العبادة يثاب عليه بقدره، وإن انضم له غيره مما عدا الرياء ونحوه مساويا أو راجحا وخرج بمع طروها بعد النية المعتبرة فيبطلها ما لم يكن. ذاكرا لها؛ لأنها حينئذ تعد قاطعة لها فيجب إعادة ما غسله للتبريد بنية رفع الحدث كما في المجموع وغيره، "أو" نوى استباحة "ما يندب له وضوء كقراءة" لقرآن أو حديث أو علم شرعي أو آلة له وكدرس أو كتابة لشيء من ذلك وكدخول مسجد وزيارة قبر وبعد تلفظ بمعصية وألحق به فعلها وغضب وحمل ميت ومسه كنحو أبرص أو يهودي ونحو فصد وقص ظفر وكل ما قيل إنه ناقض وغير ذلك مما استوعبته في شرح العباب "فلا" يجوز له ذلك أي لا يكفيه في رفع الحدث "في الأصح"؛ لأنه جائز معه فلا يتضمن قصده قصد رفع الحدث نعم إن نوى الوضوء للقراءة لم يبطل إلا إن قصد التعليق بها أولا بخلاف ما لو لم يقصده إلا بعد ذكره الوضوء مثلا لصحة النية حينئذ فلا يبطلها ما وقع بعد. أو القراءة إن كفت وإلا فالصلاة صح على ما مال إليه في البحر كما لو نوى زكاة ماله الغائب إن بقي وإلا فالحاضر واعترض بأن الوضوء عبادة بدنية، وهي أضيق لعدم قبولها النيابة بخلاف المالية وقد يجاب بأن كونها وسيلة أضعفها فلم يبعد إلحاقها بالمالية أما ما لا يندب له وضوء كعيادة وزيارة نحو والد وقادم وتشييع جنازة وخروج لسفر وعقد نكاح وصوم ونحو لبس فلا تكفي نيته جزما، "ويجب قرنها" أي النية "بأول" مغسول "من الوجه" ومنه ما يجب غسله من نحو اللحية قال بعضهم ومن مجاوره من نحو الرأس وظاهر كلامهم يخالفه، ويظهر أن ما يجب غسله من الأنف الآتي ليس كالمجاور؛ لأن هذا بدل عن جزء من الوجه فأعطي حكمه بخلاف ذاك وذلك ليعتد بما بعده فلو قرنها بأثنائه كفى ووجب إعادة غسل ما سبقها لوقوعه لغوا بخلوه عن النية المقومة له.
تنبيه: الأوجه فيمن سقط غسل وجهه فقط لعلة ولا جبيرة وجوب قرنها بأول مغسول

 

ج /1 ص -71-         من اليد، فإن سقطتا أيضا فالرأس فالرجل ولا يكتفي بنية التيمم لاستقلاله كما لا تكفي نية الوضوء في محلها عن التيمم لنحو اليد كما هو ظاهر.
"وقيل يكفي" قرنها "بسنة قبله"؛ لأنها من جملته ومحله إن لم تدم لغسل شيء من الوجه وإلا كفت قطعا لاقترانها بالواجب حينئذ نعم إن نوى غير الوجه كالمضمضة عند انغسال حمرة الشفة كان ذلك صارفا عن وقوع الغسل عن الفرض لا عن الاعتداد بالنية؛ لأن قصد المضمضة مع وجود انغسال جزء من الوجه لا يصلح صارفا لها؛ لأنه من ما صدقات المنوي بها بل للانغسال عن الوجه. لتواردهما على محل واحد مع تنافيهما فاتضح بهذا الذي ذكرته أنه لا منافاة بين إجزاء النية وعدم الاعتداد بالمغسول عن الوجه لاختلاف ملحظيهما فتأمله لتعلم به اندفاع ما أطال به جمع هنا، "وله تفريقها" أي نية رفع الحدث والطهارة عنه لا غيرهما لعدم تصوره فيه "على أعضائه" أي الوضوء كأن ينوي عند غسل الوجه رفع الحدث عنه أو عنه لا عن غيره وهكذا "في الأصح" كما يجوز تفريق أفعال الوضوء وفي كل من هاتين الصورتين يحتاج لتجديد النية عند كل عضو لم تشمله نية ما قبله لو أبطله أو نحو الصلاة في الأثناء. أثيب على ما مضى إن كان لعذر وإلا فلا وظاهر أن خلاف التفريق يأتي في الغسل وقد يشكل ما هنا بالطواف فإنه لا يجوز تفريق النية فيه مع جواز تفريقه كالوضوء وقول الزركشي يجوز التقرب بطوفة واحدة ضعيف وقد يجاب بأنهم ألحقوا الطواف في هذه بالصلاة؛ لأنه أكثر شبها بها من غيرها.
"الثاني: غسل وجهه" يعني انغساله ولو بفعل غيره بلا إذنه أو بسقوطه في نحو نهر إن كان ذاكرا للنية فيهما وكذا في سائر الأعضاء بخلاف ما وقع منها بفعله كتعرضه للمطر ومشيه في الماء لا يشترط فيه ذلك إقامة له مقامها قال تعالى:
{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6] وخرج بالغسل هنا وفي سائر ما يجب غسله مس الماء بلا جريان فلا يكفي اتفاقا بخلاف غمس العضو في الماء فإنه يسمى غسلا "وهو" طولا ظاهر "ما بين منابت" شعر "رأسه غالبا و" تحت "منتهى" أي طرف المقبل من "لحييه" بفتح اللام على المشهور فهو من الوجه دون ما تحته والشعر النابت على ما تحته وبتأويل الرافعي له بأن المنتهى قد يراد به ما يليه من جهة الحنك لا آخره يندفع الاعتراض على المتن بأنه يقتضي خروج منتهاهما من البينية وهما العظمان اللذان عليهما الأسنان السفلى. وتفسير المنتهى بما ذكرته يشمل طرف المقبل. مما تحت العذار إلى الذقن التي هي من منتهاهما أي مجتمعهما ومن ثم عبر غيره بمنتهى اللحيين والذقن "و" عرضا ظاهر "ما بين أذنيه" حتى ما ظهر بالقطع من جرم نحو أنف قطع لوقوع المواجهة المأخوذ منها الوجه بذلك بخلاف باطن عين بل لا يسن بل قال بعضهم: يكره للضرر وأنف وفم، وإن ظهر بقطع جفن وأنف وشفة، وإنما جعل ظاهرا إذا تنجس لغلظ أمر النجاسة واختلفت فتاوى المتأخرين في أنملة أو أنف من نقد التحم وخشي من إزالته محذور تيمم والذي يظهر وجوب غسل ما في محل الالتحام من الأنف لا غير؛ لأنه ليس بدلا إلا عن هذا إذ الأنف المقطوع لا يجب أن يغسل مما ظهر بالقطع إلا ما باشره القطع فقط وكله من الأنملة؛ لأنه بدل عن جميع ما ظهر بالقطع وليس هذا

 

ج /1 ص -72-         كالجبيرة حتى يمسح باقيه بدلا عما أخذه من محل القطع؛ لأنها رخصة وبصدد الزوال، ويأتي ذلك في عظم وصل ولم يكتس ومع ذلك لا ينقض لمسه كما هو ظاهر لاختلاف المدركين، وإذا تقرر أن الوجه ما ذكر "فمنه" الجبينان وهما جانبا الجبهة والبياض الذي بين الأذن والعذار. وهو الشعر النابت على العظم الناتئ بقرب الأذن و "موضع الغمم"، وهو ما ينبت عليه الشعر من الجبهة لا موضع الصلع، وهو ما انحسر عنه الشعر من مقدم الرأس وعنهما احترزوا بقولهم غالبا. قال الإمام وغيره وهو مستدرك؛ لأن محل الأول ليس من منابت الرأس والثاني ليس من منابت الوجه قيل الأحسن قوله أصله الرأس؛ لأن منابت شعر رأسه شيء موجود لا غالب فيه ولا نادر ا هـ وليس في محله؛ لأن الموجود كذلك هو الشعر وأما محل نبته الغالب وغيره فلا يفترق الحال فيه بين التعبير بالرأس ورأسه كما هو واضح "وكذا التحذيف" بإعجام الذال أي موضعه من الوجه "في الأصح" لمحاذاته بياض الوجه إذ هو ما بين ابتداء العذار والنزعة يعتاد تنحيته ليتسع الوجه "لا" الصدغان وهما المتصلان بالعذار من فوق وتد الأذنين إلا أنه لا يمكن غسل الوجه إلا بغسل. بعض كل منهما كما يعلم مما يأتي ولا "النزغتان" بفتح الزاي أفصح من إسكانها "وهما بياضان يكتنفان الناصية" أي يحيطان بها فليسا من الوجه بل من الرأس؛ لأنهما في تدويره "قلت صحح الجمهور أن موضع التحذيف من الرأس" لاتصال شعره بشعره "والله أعلم" ويسن غسل كل ما قيل إنه من الوجه كالصلع والنزعتين والتحذيف، "ويجب غسل" محاذيه من سائر جوانبه مما لا يتحقق غسل جميعه إلا بغسله؛ لأن ما لا يتم الواجب المطلق إلا به واجب، ويجب غسل شعر المحاذي، وإن كثف كما يجب غسل "كل هدب" بالمهملة "وحاجب وعذار" بالمعجمة، وهو ما مر وما انحط عنه إلى اللحية عارض وحكمه حكمها "وشارب وخد وعنفقة شعرا وبشرا" تحته، وإن كثف لندرة الكثافة فيها فألحقت بالغالب وميز بهذين مع أن تلك أسماء للشعور إلا الخد ليبين أن المراد هنا هي ومحلها وقيل ليرجع شعرا للخد وبشرا لغيره وفيه قلاقة بل إيهام أن واجب الخد غسل شعره فقط وغيره غسل بشرته فقط "وقيل لا يجب باطن عنفقة كثيفة" بالمثلثة أي غسله شعرا ولا بشرا؛ لأن بياض الوجه لا يحيط بها فهي عليه كاللحية في أحكامها الآتية، "واللحية" بكسر اللام أفصح من فتحها، وهي الشعر النابت على الذقن التي هي مجتمع اللحيين ومثلها العارض وأطلقها ابن سيده على ذلك وشعر الخدين "إن خفت كهدب" فيجب غسل داخلها وباطنها أيضا "وإلا" تخف بأن كثفت بأن لم تر البشرة من خلالها في مجلس التخاطب عرفا قيل يلزم عليه أن الشارب مثلا لا يكون إلا كثيفا لتعذر رؤية البشرة من خلاله غالبا إن لم يكن دائما مع تصريحهم فيه بأنه مما تندر فيه الكثافة فالأولى الضبط بأن الكثيف ما لا يصل الماء لباطنه إلا بمشقة بخلاف الخفيف ا هـ. ويرد بأن هذا الضبط فيه إيهام لعدم انضباط المشقة فالحق ما قالوه ولا يرد ما ذكر في الشارب؛ لأن مرادهم أن جنس تلك الشعور الخفة فيه غالبة بخلاف جنس اللحية والعارض نعم لما حكى الرافعي الأول قال: وقيل الخفيف ما يصل الماء إلى منبته بلا مبالغة وقد يرجح بأن الشارب من الخفيف والغالب منعه الرؤية ا هـ،

 

ج /1 ص -73-         ويجاب بأن كون الشارب من الخفيف إنما هو بالنسبة للحكم إذ كثيفه كخفيفه حكما وأما بالنسبة للحد فالوجه فيه هو الأول ولا يرد عليه الشارب لما تقرر "فليغسل" الذكر المحقق "ظاهرها" ولا يكلف غسل باطنها، وهو البشرة وداخلها وهو ما استتر من شعرها لعسر إيصال الماء إليهما إذ كثافتها غير نادرة ولما خرج منها عن حد الوجه بأن كان لو مد خرج بالمد عن جهة نزوله أخذا مما يأتي في شعر الرأس؛ لأنه لا تنقطع نسبته عن بشرة الوجه ليأتي فيه الخلاف الآتي إلا حينئذ ويؤيده قياس الضعيف الآتي على ذؤابة الرأس، ويحتمل ضبطه بأن يخرج عن تدويره بأن طال على خلاف الغالب حكمها لوقوع المواجهة به كهي وبه يفرق بين وجوب هذا وعدم إجزاء مسح ذاك؛ لأنه لا يسمى رأسا فيجب غسل باطن الخفيف أيضا وظاهر الكثيف فقط كالسلعة المتدلية عن حد الوجه وكذا خارج بقية شعور الوجه ومحاذيه مسامحة فيه دون أصوله لوقوع الخلاف في وجوب غسله من أصله كما قال. "وفي قول لا يجب غسل" ظاهر كثيف ولا ظاهر وباطن خفيف "خارج عن الوجه" من اللحية وغيرها لخروجه عن محل الفرض كذؤابة الرأس، وإنما وجب التعميم مطلقا اتفاقا في غسل الجنابة لعدم المشقة فيه لقلة وقوعه بالنسبة للوضوء وأما لحية الخنثى فيجب غسل باطنها حتى من الخارج مطلقا للشك في مقتضى المسامحة فيها، وهو الذكورة فتعين العمل بالأصل من غسل الباطن فاندفع ما لبعضهم هنا وكذا المرأة لندرة اللحية لها فضلا عن كثافتها؛ ولأنه يسن لها نتفها أو حلقها؛ لأنها مثلة في حقها وهل خارج بقية شعورهما كذلك فيجب غسل باطنه مطلقا لأمرهما بإزالته؛ لأنه مشوه أو هما كغيرهما فيه كل محتمل والأول أقرب ثم رأيت في كلام شيخنا ما يصرح به ولو خف بعضها، فإن تميز فلكل حكمه وإلا وجب غسل باطن الكل احتياطا وتضعيف المجموع الذي نقله شيخنا عنه لهذا بأنه خلاف ما قاله الأصحاب وما علل به الماوردي لا دلالة فيه لم أره في عدة نسخ منه؛ فلذا جزمت به ومن له وجهان يلزمه غسلهما، وإن فرض أن أحدهما زائد لوقوع المواجهة بهما أو رأسان كفى مسح بعض أحدهما؛ لأن الواجب مسح جزء مما رأس وعلا وكل كذلك، ويندب أن يبدأ بأعلى وجهه وأن يأخذ الماء بيديه جميعا للاتباع وكان صلى الله عليه وسلم يبلغ براحتيه إذا غسل وجهه ما أقبل من أذنيه.
تنبيه: ذكروا في الغسل أنه يعفى عن باطن عقد الشعر أي إذا تعقد بنفسه وألحق بها من ابتلي بنحو طبوع لصق بأصول شعره حتى منع وصول الماء إليها ولم يمكنه إزالته لكن صرح شيخنا بخلافه، وأنه يتيمم وحمله على ممكن الإزالة غير صحيح؛ لأنه لا يصح التيمم حينئذ والذي يتجه العفو للضرورة، فإن أمكنه بحلق محله فالذي يتجه أيضا وجوبه ما لم يحصل له به مثلة لا تحتمل عادة.
"الثالث: غسل يديه" من كفيه وذراعيه واليد مؤنثة "مع مرفقيه" بكسر ثم فتح أفصح من عكسه ودل على دخولهما الاتباع والإجماع بل والآية أيضا بجعل إلى غاية للترك المقدر بناء على أن اليد حقيقة إلى المنكب كما هو الأشهر لغة، ويجب غسل جميع ما في محل الفرض من نحو شق وغوره الذي لم يستتر ومحل شوكة لم تغص في الباطن حتى استترت والأصح الوضوء وكذا الصلاة على الأوجه إذ لا حكم لما في الباطن ولا يرد

 

ج /1 ص -74-         التصاق العضو بعد إبانته بالكلية بحرارة الدم؛ لأن ما بان صار ظاهرا وسلعة، وإن خرجت عنه وظفر، وإن طال ولا يتسامح بشيء مما تحته على الأصح وشعر، وإن كتف وطال، ويد، وإن زادت وخرجت عن المحاذاة وما تحاذيه فقط من نحو يد نابتة خارجة وبعد قطع الأصلية تستصحب تلك المحاذاة على الأوجه وبه يعلم أن ما جاوز أصابع الأصلية لا يجب غسله وبه صرح جمع متأخرون وقول بعضهم يجب غسل الجميع وقولهم المحاذي جري على الغالب ضعيف وجلدة متدلية إليه ولو اشتبهت الأصلية بالزائدة وجب غسلهما احتياطا ولو تجافت جلدة التحمت بالذراع عنه لزمه غسل ما تحتها لندرته وإلا لم يلزمه بل لم يجز له فتقها. نعم إن زال التحامها لزمه غسل ما ظهر من تحتها لزوال الضرورة وبه فارق خلق اللحية "فإن قطع بعضه" أي المذكور من اليدين "وجب" غسل "ما بقي" منه؛ لأن الميسور لا يسقط بالمعسور "أو" قطع "من مرفقيه" بأن فك عظم الذراع من عظم العضد وبقي العظمان المسميان برأس العضد "فرأس عظم العضد" يجب غسله "على المشهور"؛ لأنه من المرفق إذ هو مجموع العظام الثلاث "أو" قطع من "فوقه ندب" غسل "باقي عضده" محافظة على التحجيل الآتي.
"الرابع: مسمى مسح" بيد أو غيرها "لبشرة رأسه"، وإن قل حتى البياض المحاذي لا على الدائر حول الأذن كما بينته في شرح الإرشاد الصغير وحتى عظمه إذا ظهر دون باطن مأمومة كما قاله بعضهم وكأنه لحظ أن الأول يسمى رأسا بخلاف الثاني "أو" مسمى مسح لبعض "شعر" أو شعرة واحدة "في حده" أي الرأس بأن لا يخرج بالمد عنه من جهة نزوله واسترساله، فإن خرج منها ولم يخرج من غيرها مسح غير الخارج، وإنما أجزأ تقصيره في النسك مطلقا؛ لأنه ثم مقصود لذاته، وهنا تابع للبشرة والخارج غير تابع لها ولو وضع يده المبتلة على خرقة على رأس فوصل إليه البلل أجزأ قيل المتجه تفصيل الجرموق ا هـ، ويرد بما مر أنه حيث حصل الغسل بفعله بعد النية لم يشترط تذكرها عنده والمسح مثله ويفرق بينه وبين الجرموق بأن ثم صارفا، وهو مماثلة غير الممسوح عليه له فاحتيج لقصد مميز ولا كذلك هنا. وذلك للآية مع فعله صلى الله عليه وسلم فإنه اقتصر على مسح الناصية، وهي ما بين النزعتين وهو دون الربع بل دون نصفه وليس الأذنان منه وخبر الأذنان من الرأس ضعيف، وإنما وجب تعميم الوجه في التيمم؛ لأنه بدل فأعطي حكم مبدله ولا يرد مسح الخف لجوازه مع القدرة على الأصل فلم تتحقق فيه البدلية "والأصح جواز غسله" بلا كراهة؛ لأنه محصل لمقصود المسح من وصول البلل للرأس وزيادة وهذا مراد من عبر بأنه مسح وزيادة فلا يقال المسح ضد الغسل فكيف يحصله مع زيادة.
تنبيه: عللوا هنا عدم كراهة الغسل بأنه الأصل وفرقوا بين وجوب التعميم في المسح في التيمم لا هنا بأنه ثم بدل وهنا أصل فنتج أن كلا من الغسل والمسح أصل وحينئذ فقياسه أن الغسل أحد ما صدقات الواجب المخير فكيف يقولون بإباحته، وأنه غير مطلوب وقد ذكرت الجواب عنه في شرح الإرشاد الصغير وقد يجاب أيضا بأن في الغسل حيثيتين حصول البلل المقصود من المسح والزيادة على ذلك فهو من الحيثية الأولى أصلي

 

ج /1 ص -75-         وواجب ومن الحيثية الثانية لا ولا بل مباح فلا تنافي.
تنبيه آخر: قد يقال يعارض ما ذكر من إجزاء نحو الغسل القاعدة الأصولية أنه لا يجوز أن يستنبط من النص معنى يعود عليه بالإبطال ويجاب بأن هذا ليس من تلك بل من قاعدة أنه يستنبط من النص معنى يعممه، وهو هنا بناء على أنه معقول المعنى الرخصة في هذا العضو لستره غالبا كما مر وحينئذ فيلزم من الاكتفاء فيه بالأقل الاكتفاء فيه بالأكمل حملا للمسح على وصول البلل الصادق بحقيقة المسح وحقيقة الغسل فتأمله؛ وبهذا يعلم ورود السؤال على القائلين بالتعبد إلا أن يكونوا قائلين بتعيين المسح.
"و" جواز "وضع اليد" عليه "بلا مد" لحصول المقصود المذكور به.
"الخامس: غسل رجليه مع كعبيه" من كل رجل أو مسح خفيهما بشروطه قال تعالى:
{وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6] بنصبه، وهو واضح وبجره على الجواز خلافا لمن زعم امتناعه وفصل بين المعطوفين للإشارة إلى وجوب الترتيب أو عطفا على الرءوس حملا على مسح الخفين أو على الغسل الخفيف إذ العرب تسميه مسحا وحكمته أنهما مظنة للإسراف فأشير لتركه بذلك والحامل على ذلك. الإجماع على تعين غسلهما حيث لا خف وخلاف الشيعة في ذلك وغيره لا يعتد به ودل على دخول الكعبين هنا ما مر في المرفقين وهما العظمان الناتئان من الجانبين عند مفصل الساق والقدم ولو فقد الكعب أو المرفق اعتبر قدره أي من غالب أمثاله فيما يظهر بخلاف ما إذا وجد في غير محله المعتاد كأن لاصق المرفق المنكب والكعب الركبة فإنه يعتبر وكذا في الحشفة كما اقتضاه إطلاقهم وقال جمع متأخرون: يعتبر قدره من غالب الناس والنصوص وكلامهم محمولان على غالب، ويجب هنا جميع ما مر نظيره في اليدين بما عليهما وما حاذاهما وهنا وثم إزالة ما بنحو شق أو جرح من نحو شمع أو دواء ما لم يصل لغور اللحم الغير الظاهر أو يلتحم فلا وجوب أو يضره فيتيمم.
"السادس: ترتيبه هكذا" من تقديم غسل الوجه فاليدين فالرأس فالرجلين لفعله صلى الله عليه وسلم المبين للوضوء المأمور به ولقوله في حجة الوداع:
"ابدءوا بما بدأ الله به" والعبرة بعموم اللفظ؛ ولأن الفصل بين المتجانسين لا بد له من فائدة هي وجوب الترتيب لا ندبه بقرينة الأمر في الخبر فلو غسل أربعة أعضائه معا لم يحسب إلا الوجه ولا يسقط كبقية الفروض والشروط لنسيان أو إكراه؛ لأنها من باب خطاب الوضع "فلو اغتسل محدث" في ماء قليل أو كثير بنية مما مر حتى نية الوضوء على الأوجه أو نية نحو الجنابة أو أداء الغسل غلطا لا عمدا خلافا للزركشي "فالأصح أنه إن أمكن تقدير" وقوع "ترتيب" في الخارج "بأن غطس ومكث" بقدر زمن الترتيب "صح" له الوضوء "وإلا" يمكث بأن خرج حالا "فلا" يصح "قلت الأصح الصحة. بلا مكث والله أعلم"؛ لأن الغسل فيما إذا أتى بنية صالحة له يكفي للأكبر فأولى الأصغر ولا نظر لكون المنوي حينئذ طهرا غير مرتب؛ لأن النية لا تتعلق بخصوص الترتيب ولتقدير الترتيب في لحظات لطيفة، وإن لم تحس قيل هذا خلاف الفرض إذ هو أنه

 

ج /1 ص -76-         لا يمكن تقدير ترتيبه، ويرد بمنع ما علل به كيف والتقدير من الأمور الوهمية لا الحسية وشتان ما بينهما وقول الروياني أن نية الوضوء بغسله أي أو رفع الحدث الأصغر لا تجزئه إذا لم يمكنه الترتيب حقيقة مبني على طريقة الرافعي خلافا لمن زعم بناءه على الطريقتين لما يأتي وبحث ابن الصلاح عدم الإجزاء عند نية ذلك أي، وإن أمكن؛ لأنه لم يقم الغسل مقام الوضوء ضعيف وما علل به ممنوع إذ لا ضرورة بل ولا حاجة لهذه الإقامة بل العلة الصحيحة هي إمكان تقدير الترتيب فكفته نية ما يتضمن ذلك من جميع ما ذكر حتى قصده بغسله الوضوء ومن ثم كان الوجه أنه لا يؤثر نسيان لمعة أو لمع في غير أعضاء الوضوء بل لو كان على ما عدا أعضاء الوضوء مانع كشمع لم يؤثر فيما يظهر سواء أمكن تقدير الترتيب أم لا. ومن قيد كالإسنوي ومن تبعه بإمكانه إنما أراد التفريع على العلة الأولى الضعيفة خلافا لمن زعم تفريعه على العلتين وما أفهمه المتن من أن الغمس لا بد منه، وأن الخلاف إنما هو في المكث هو كذلك؛ ؛ لأن تقدير الترتيب لا يأتي إلا عند عموم الماء لأعضاء الوضوء معا في حالة واحدة وما ذكرته من أن الغمس في القليل أي مع تأخر النية عن الغمس يرفع الحدث عن جميع أعضاء الوضوء، وإن لم يمكث نظرا لذلك التقدير هو المنقول المعتمد خلافا لمن زعم رفعه عن الوجه فقط إلا أن يحمل على تقدم النية على غمسه وسيعلم مما يأتي في الغسل أنه لو غسل جنب بدنه إلا أعضاء الوضوء ثم أحدث لم يجب ترتيبها؛ لأن الأصغر اندرج فكأنه لم يوجد، وإنما سنت نية رفعه خروجا من خلاف من لم يقل باندراجه فلا تنافي خلافا لمن وهم فيه أو إلا رجليه مثلا ثم أحدث كفاه غسلهما عن الأكبر بعد بقية أعضاء الوضوء أو قبلها أو في أثنائها والموجود في الأخيرين وضوء خال عن غسل الرجلين وهما مكشوفتان بلا علة إذ لم يجب فيه غسلهما لا عن الترتيب لوجوبه فيما عداهما.
"وسننه" أي الوضوء "السواك". هذا الحصر إضافي باعتبار المذكور هنا فلا اعتراض، وهو مصدر ساك فاه يسوكه وهو لغة الدلك وآلته؛ وشرعا استعمال نحو عود في الأسنان وما حولها وأقله مرة إلا إن كان لتغير فلا بد من إزالته فيما يظهر ويحتمل الاكتفاء بها فيه أيضا؛ لأنها تخففه وذلك للخبر الصحيح: "
لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء" أي أمرا يجاب ومحله بين غسل الكفين والمضمضة؛ لأن أول سننه التسمية كما يأتي ويسن في السواك حيث ندب لا بقيد كونه في الوضوء، وإن أوهمته العبارة. اتكالا على ما هو واضح كونه "عرضا" أي في عرض الأسنان ظاهرها وباطنها لا طولا بل يكره لخبر مرسل فيه وخشية إدماء اللثة وإفساد عمور الأسنان ومع ذلك يحصل به أصل السنة نعم اللسان يستاك فيه طولا لخبر فيه في أبي داود وشرط السواك أن يكون بمزيل، وهو الخشن فيجزئ "بكل خشن" ولو نحو سعد وأشنان لحصول المقصود به من النظافة وإزالة التغير نعم يكره بمبرد وعود ريحان يؤذي، ويحرم بذي سم ومع ذلك يحصل به أصل السنة؛ لأن الكراهة أو الحرمة لأمر خارج والعود أفضل من غيره وأولاه ذو الريح الطيب وأولاه الأراك للاتباع مع ما فيه من طيب طعم وريح وتشعيرة لطيفة تنقي ما بين الأسنان ثم بعده

 

ج /1 ص -77-         النخل؛ لأنه آخر سواك استاك به رسول الله صلى الله عليه وسلم وصح أيضا أنه كان أراكا لكن الأول أصح أو كل راو قال بحسب علمه ثم الزيتون لخبر الدارقطني: "نعم السواك الزيتون من شجرة مباركة تطيب الفم وتذهب بالحفر" أي، وهو داء في الأسنان، "وهو سواكي وسواك الأنبياء قبلي" واليابس المندى بالماء أولى من الرطب ومن المندى بماء الورد أي من جنسه ويحتمل مطلقا وذلك؛ لأن في الماء من الجلاء ما ليس في غيره ويظهر أن اليابس المندى بغير الماء أولى من الرطب؛ لأنه أبلغ في الإزالة "إلا أصبعه" المتصلة فلا يحصل بها أصل سنة السواك، وإن كانت خشنة "في الأصح" قالوا؛ لأنها لا تسمى سواكا ولما كان فيه ما فيه اختار المصنف وغيره حصوله بها أما الخشنة من أصبع غيره ولو متصلة وأصبعه المنفصلة فيجزئ، وإن قلنا يجب دفنها فورا وبحث الإسنوي إجزاءها، وإن قلنا بنجاستها ككل خشن نجس، ويلزمه غسل الفم فورا لعصيانه واعترض بأن قياس عدم إجزاء الاستنجاء بالمحترم والنجس عدمه هنا وجوابه أن ذاك رخصة، وهي لا تناط بمعصية والمقصود منه الإباحة، وهي لا تحصل بنجس بخلاف هذا ليس رخصة إذ لا يصدق عليه حدها بل هو عزيمة المقصود منه مجرد النظافة فلا يؤثر فيه ذلك ولا ينافيه خلافا لبعضهم خبر السواك مطهرة للفم؛ لأن معناه آلة تنقيه وتزيل تغيره فهي طهارة لغوية لا شرعية كما هو واضح ولا يجب عينا بل الواجب على من أكل نجسا له دسومة إزالتها ولو بغير سواك.
"ويسن" أي يتأكد "للصلاة" فرضها ونفلها، وإن سلم من كل ركعتين وقرب الفصل ولو لفاقد الطهورين، وإن لم يتغير فمه. والقياس. أنه لو تركه أولها سن له تداركه أثناءها بفعل قليل كما يسن له دفع المار بين يديه بشرطه وإرسال شعر أو كف ثوب ولو من مصل آخر ولسجدة التلاوة أو الشكر، وإن تسوك للقراءة على الأوجه ويفرق بينه وبين تداخل بعض الأغسال المسنونة بأن مبناها على التدخل لمشقتها ومن ثم كفت نية أحدها عن باقيها ولا كذلك هنا لما تقرر أنه يسن لكل ركعتين، وإن قرب الفصل؛ ولأنه يسن للصلاة، وإن تسوك لوضوئها ولم يفصل بينهما، ويفعله القارئ بعد فراغ الآية وكذا السامع كما هو ظاهر إذ لا يدخل وقتها في حقه أيضا إلا به فمن قال يقدمه عليه لتتصل هي به لعلة لرعاية الأفضل ولصلاة الجنازة وللطواف وذلك لخبر الحميدي بإسناد جيد
"ركعتان بسواك أفضل من سبعين ركعة بلا سواك" وليس فيه دليل على أفضليته على الجماعة التي هي بسبع وعشرين درجة؛ لأنه لم يتحد الجزاء في الحديثين؛ لأن درجة من هذه قد تعدل كثيرا من تلك السبعين ركعة وأيضا خبر الجماعة أصح بل في المجموع إن خبر السواك ضعيف من سائر طرقه، وإن الحاكم تساهل على عادته في تصحيحه فضلا عن قوله أنه على شرط مسلم. وقول ابن دقيق العيد المراد بالدرجة الصلاة لخبر مسلم: "صلاة الجماعة تعدل خمسا وعشرين من صلاة الفذ" منازع فيه بأنه ليس متفقا عليه كما صرحوا به أي لإمكان الأخذ بقضيته مضموما للدرجة التي في غيره فتكون صلاة الجماعة بخمس وعشرين صلاة وخمس وعشرين درجة وهذا هو الأليق بباب الثواب المبني على سعة الفضل والمانع من حصره بحمل الدرجة على الصلاة، ويمنعه أيضا أن رواية الصلاة خمس وعشرون ورواية

 

ج /1 ص -78-         الدرجة سبع وعشرون فكيف يتأتى الحمل مع ذلك وحينئذ فلا إشكال بوجه وبتسليم أن الدرجة الصلاة فلا شك أن للجماعة فوائد أخرى زائدة على هذا التضعيف في مقابلة الخطأ إليها وتوفر الخشوع والحفظ من الشيطان المقتضي لمزيد الكمال والثواب وغير ذلك مما وردت به السنة وذلك يزيد على زيادة السواك بكثير فلا تعارض. وأما الحمل الذي ذكره شيخنا في شرح الروض فلا يخلو عن تكلف ومخالفة لظاهر الحديثين فيحتاج لدليل لإمكان الجمع بغيره مما يوافق ظاهرهما كما علمت وجاء بسند حسن عن ابن عمران الجماعة في مسجد العشيرة بخمس عشرة صلاة وفي مسجد الجماعة بخمس وعشرين ومثل هذا لا دخل للرأي فيه فهو في حكم المرفوع وبه يندفع أيضا تفسير الدرجة بالصلاة؛ لأن أحاديث الدرجة متفقة على الخمس والعشرين وأحاديث الصلاة مختلفة فدل على أن الدرجة غير الصلاة؛ لأنها لم تختلف بالمحال والصلاة اختلفت بها وحينئذ فتكون الصلاة جماعة في مسجد العشيرة، وهو ما بإزاء الدور باثنين وأربعين صلاة وفي مسجد الجماعة وهو الجامع الأكثر جماعة غالبا. باثنين وخمسين صلاة وبهذا يتأيد ما قدمته أن تضعيف الجماعة يزيد على تضعيف السواك بكثير ولو عرف من عادته إدماء السواك لفمه استاك بلطف وإلا تركه، ويفعله لها ولغيرها ولو بالمسجد إن أمن وصول مستقذر إليه وكراهة بعض الأئمة له فيه أطالوا في ردها.
"وتغير الفم" ريحا أو لونا بنحو نوم أو أكل كريه أو طول سكوت أو كثرة كلام للخبر الصحيح:
"السواك مطهرة" أي بكسر الميم وفتحها مصدر ميمي بمعنى اسم الفاعل من التطهير أو اسم للآلة "للفم مرضاة للرب" ويتأكد في مواضع أخر كقراءة قرآن أو حديث أو علم شرعي أو آلته وكذكر كالتسمية أول الوضوء ولدخول مسجد ولو خاليا ومنزل ولو لغيره ثم يحتمل تقييده بغير الخالي ويفرق بينه وبين المسجد بأن ملائكته أفضل فروعوا كما روعوا بكراهة دخوله خاليا لمن أكل كريها بخلاف غيره، ويحتمل التسوية والأول أقرب ولإرادة أكل أو نوم ولاستيقاظ منه وبعد وتر وفي السحر وعند الاحتضار وللصائم قبل أوان الخلوف.
تنبيه: ندبه للذكر الشامل للتسمية مع ندبها لكل أمر ذي بال الشامل للسواك يلزمه دور ظاهر لا مخلص عنه. إلا بمنع ندب التسمية له ويوجه بأنه حصل هنا مانع منها هو عدم التأهل لكمال النطق بها ويسن أن يكون باليمين مطلقا؛ لأنها لا تباشر القذر مع شرف الفم وشرف المقصود بالسواك وأن يبدأ بجانب الفم الأيمن، وينبغي أن ينوي بالسواك السنة كالنسل بالجماع ويؤخذ منه أن ينبغي بمعنى يتحتم حتى لو فعل ما لم تشمله نية ما سن فيه بلا نية السنة لم يثب عليه وأن يعوده الصبي ليألفه وأن يجعل خنصره وإبهامه تحته والأصابع الثلاثة الباقية فوقه وأن يبلع ريقه أول استياكه. إلا لعذر وأن لا يمصه وأن يضعه فوق أذنه اليسرى لخبر فيه واقتداء بالصحابة رضي الله عنهم، فإن كان بالأرض نصبه ولا يعرضه وأن يغسله قبل وضعه كما إذا أراد الاستياك به ثانيا وقد حصل به نحو ريح ولا يكره إدخاله ماء وضوئه أي إلا إن كان عليه ما يقذره كما هو ظاهر وأن لا يزيد في طوله على

 

ج /1 ص -79-         شبر وأن لا يستاك بطرفه الآخر قيل؛ لأن الأذى يستقر فيه. وهو بسواك الغير بلا إذن ولا علم رضا حرام وإلا فخلاف الأولى إلا للتبرك كما فعلته عائشة رضي الله عنها، ويتأكد التخليل إثر الطعام قيل بل هو أفضل للاختلاف في وجوبه، ويرد بأنه موجود في السواك أيضا مع كثرة فوائده التي تزيد على السبعين ولا يبلع ما أخرجه بالخلال بخلاف لسانه؛ لأن الخارج به يغلب فيه عدم التغير.
"ولا يكره" في حالة من الحالات بل هو سنة مطلقا ولو لمن لا أسنان له لما مر أنه مرضاة للرب "إلا للصائم بعد الزوال"؛ لأن خلوف فمه، وهو بضم أوله ويفتح في لغة شاذة تغيره أطيب عند الله من ريح المسك يوم القيامة كما صح به الحديث وذكر يوم القيامة؛ لأنه محل الجزاء وإلا فأطيبيته عند الله موجودة في الدنيا أيضا كما دل عليه حديث آخر وأطيبيته تدل على طلب إبقائه ودل على تخصيصه بما بعد الزوال ما في خبر رواه جماعة وحسنه بعضهم أن من خصوصيات هذه الأمة أنهم يمسون وخلوف أفواههم أطيب عند الله من ريح المسك. والمساء لما بعد الزوال، ويمتد لغة إلى نصف الليل ومنه إلى الزوال صباح وحكمة اختصاصه بذلك أن التغير بعده يتمحض عن الصوم لخلو المعدة بخلافه قبله، وإنما حرمت إزالة دم الشهيد؛ لأنها تفويت فضيلة على الغير ومن ثم لو سوك الصائم غيره بغير إذنه حرم عليه لذلك ولو تمحض التغير من الصوم قبل الزوال بأن لم يتعاط مفطرا ينشأ عنه تغير ليلا كره من أول النهار ولو أكل بعد الزوال ناسيا مغيرا أو نام وانتبه كره أيضا على الأوجه؛ لأنه لا يمنع تغير الصوم ففيه إزالة له ولو ضمنا وأيضا فقد وجد مقتض هو التغير ومانع هو الخلوف والمانع مقدم إلا أن يقال إن ذلك التغير أذهب تغير الصوم لاضمحلاله فيه وذهابه بالكلية فسن السواك لذلك كما عليه جمع. وتزول الكراهة بالغروب.
تنبيه: هل تكره إزالة الخلوف بعد الزوال بغير السواك كأصبعه الخشنة المتصلة؛ لأن السواك لم يكره لعينه بل لإزالته له كما تقرر فكان ملحظ الكراهة زواله، وهو أعم من أن يكون بسواك أو بغيره أولا كما دل عليه ظاهر تقييدهم إزالته بالسواك وإلا لقالوا هنا أو في الصوم يكره للصائم إزالة الخلوف بسواك أو غيره كل محتمل والأقرب للمدرك الأول ولكلامهم الثاني فتأمله.
"والتسمية أوله" أي الوضوء للاتباع ولخبر لا وضوء لمن لم يسم وأخذ منه أحمد وجوبها ورده أصحابنا بضعفه أو حمله على الكامل لما يأتي في المضمضة وأقلها بسم الله وأكملها بسم الله الرحمن الرحيم "فإن ترك" ها ولو عمدا "ففي أثنائه" يأتي بها تداركا لها قائلا بسم الله. أوله وآخره لا بعد فراغه وكذا في الأكل ونحوه كما يصرح به كلام الروضة وغيرها بخلاف نحو الجماع لكراهة الكلام عنده، وهي هنا سنة عين وفي نحو الأكل سنة كفاية لما يأتي رابع أركان الصلاة، ويتردد النظر في الجماع هل يكفي تسمية أحدهما والظاهر نعم، "وغسل كفيه" إلى كوعيه "وإن تيقن طهرهما" ويسن غسلهما معا للاتباع قيل ظاهر تقديمه السواك أنه أول سننه ثم بعده التسمية ثم غسل الكفين ثم المضمضة ثم الاستنشاق

 

ج /1 ص -80-         وبه صرح جمع متقدمون قال الأذرعي، وهو المنقول وإليه يشير الحديث والنص ا هـ. وليس كما قال بل المنقول عن الشافعي وكثير من الأصحاب أن أوله التسمية وجزم به المصنف في مجموعه وغيره فينوي معها عند غسل اليدين إذ هو المراد بأوله في المتن بأن يقرن النية بها عند أول غسلهما كقرنها بتحرم الصلاة وحينئذ فيحتمل أنه يتلفظ بالنية بعد البسملة وعليه جريت في شرح الإرشاد لتشمله بركة التسمية ويحتمل أنه يتلفظ بها قبلها كما يتلفظ بها قبل التحرم ثم يأتي بالبسملة مقارنة للنية القلبية كما يأتي بتكبير التحرم كذلك فاندفع ما قيل قرنها بها مستحيل؛ لأنه يسن التلفظ بالنية ولا يعقل التلفظ معه بالتسمية وممن صرح بأنه ينوي عند غسل اليدين الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وابن الصباغ فالمراد بتقديم التسمية على غسلهما الذي عبر به غير واحد تقديمها على الفراغ منه. وعلى هذا المعتمد يكون الاستياك بين غسلهما والمضمضة كما استظهره ابن الصلاح كالإمام ووجهه بعضهم بأن الماء حينئذ يكون عقبه كما يجمع في الاستنجاء. بين الماء والحجر، ويلزم الأول خلو السواك عن شمول بركة التسمية له أو مقارنتها له دون غسل الكفين وهو خلاف ما صرحوا به كما علمت واعتبر قرن النية بما ذكر ليثاب عليه إذ ما تقدمها لا ثواب فيه، وإنما أثيب ناوي الصوم ضحوة من أول النهار؛ لأنه لا يتجزأ ويجزئ هنا نية مما مر. وكذا لو نوى بكل السنة كما هو ظاهر؛ لأنه تعرض للمقصود "فإن لم يتيقن طهرهما" بأن تردد فيه وصدقه بتيقن نجاستهما غير مراد لوضوحه "كره غمسهما" أو غمس إحداهما "في الإناء" الذي فيه مائع أو ماء دون القلتين "قبل غسلهما" ثلاثا لنهي المستيقظ عن غمس يده في الإناء قبل غسلها ثلاثا. معللا له بأنه لا يدري أين باتت يده الدال على أن سبب النهي توهم النجاسة لنوم أو غيره، وإنما لم تزل الكراهة بمرة مع تيقن الطهر بها؛ لأن الشارع إذا غيا حكما بغاية فإنما يخرج عن عهدته باستيفائها فاندفع استشكال هذا بأنه لا كراهة عند تيقن الطهر ابتداء. ومن ثم بحث الأذرعي أن محل هذا إذا كان مستندا ليقين غسلهما ثلاثا فلو غسلهما فيما مضى من نجس متيقن أو متوهم دون ثلاث بقيت الكراهة وهذه الثلاث هي الثلاث أول الوضوء لكنها في حالة التردد يسن تقديمها على الغمس فيما مر، "و" بعد غسل الكفين تسن "المضمضة و" بعد المضمضة كما أفهمه قوله: الآتي ثم يستنشق يسن "الاستنشاق" للاتباع ولم يجبا. للحديث الصحيح لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله فيغسل وجهه، ويديه، ويمسح رأسه، ويغسل رجليه وخبر تمضمضوا واستنشقوا ضعيف وحكمتهما معرفة أوصاف الماء "والأظهر أن فصلهما أفضل" من جمعهما لخبر فيه "ثم" على هذا "الأصح" أن الأفضل أنه "يتمضمض بغرفة ثلاثا ثم يستنشق بأخرى ثلاثا" حتى لا ينتقل عن عضو إلا بعد كمال طهره ومقابله ثلاث لكل متوالية أو متفرقة؛ لأنه أنظف وأفادت ثم ما مر من أن الترتيب هنا مستحق على كل قول لا مستحب لاختلاف المحل كسائر الأعضاء فمتى قدم شيئا على محله كأن اقتصر على الاستنشاق لغا واعتد بما وقع بعده في محله من غسل الكفين فالمضمضة فالاستنشاق؛ لأن اللاغي كالمعدوم كما صرحوا به في العفو عن الدية ابتداء فله العفو بعده عن القود عليها؛

 

ج /1 ص -81-         لأن عفوه الأول لما وقع في غير محله كان بمنزلة المعدوم فجاز له العفو عن القود عليها، فإن قلت قياس ما يأتي أنه لو أتى بالتعوذ قبل دعاء الافتتاح اعتد بالتعوذ وفات دعاء الافتتاح الاعتداد بالاستنشاق فيما ذكر وفوات ما قبله قلت يفرق بأن القصد بدعاء الافتتاح أن يقع الافتتاح به ولا يتقدمه غيره وبالبداءة بالتعوذ فإن ذلك لتعذر الرجوع إليه والقصد بالتعوذ أن تليه القراءة وقد وجد ذلك فاعتد به لوقوعه في محله. وما نحن فيه ليس كذلك؛ لأن كل عضو من الأعضاء الثلاثة المقصود منه بالذات تطهيره وبالعرضل وقوعه في محله وبالابتداء بالاستنشاق فات هذا الثاني فوقع لغوا وحينئذ فكأنه لم يفعل شيئا فسن له غسل اليدين فالمضمضة فالاستنشاق ليوجد المقصود من التطهير ووقوع كل في محله إذ لم يوجد مانع من ذلك فتأمله، ويأتي في تقديم الأذنين على محلهما ما يؤيد ذلك وقدمت لشرف منافع الفم؛ لأنه محل قوام البدن أكلا ونحوه والروح ذكرا ونحوه وأقلهما وصول الماء للفم والأنف وأكملهما أن يبالغ في ذلك كما قال "ويبالغ فيهما غير" برفعه فاعلا ونصبه استثناء أو حالا من ضمير المتوضئ الدال عليه السياق "الصائم" لأمر بذلك في الخبر الصحيح بأن يبلغ الماء إلى أقصى الحنك ووجهي الأسنان واللثات ويسن إمرار الأصبع اليسرى عليها ومج الماء، ويصعد الماء بنفسه إلى خيشومه مع إدخال خنصر يسراه وإزالة ما فيه من أذى ولا يستقصى فيه فإنه يصير سعوطا لا استنشاقا أي كاملا وإلا فقد حصل به أقله كما علم مما مر في بيان أقله أما الصائم فلا يبالغ كذلك خشية السبق إلى الحلق أو الدماغ فيفطر ومن ثم كرهت له. وإنما حرمت القبلة المحركة للشهوة ؛ لأن أصلها غير مندوب مع أن قليلها يدعو لكثيرها والإنزال المتولد منها لا حيلة في دفعه وهنا يمكنه مج الماء "قلت الأظهر تفضيل الجمع" بينهما لصحة أحاديثه على الفصل لعدم صحة حديثه والأفضل على الجمع كونه "بثلاث غرف يتمضمض من كل ثم يستنشق" من كل "والله أعلم" لورود التصريح به في رواية البخاري وقيل يجمع بينهما بغرفة واحدة وعليه قيل يتمضمض ثلاثا ولاء ثم يستنشق ثلاثا ولاء وقيل يتمضمض ثم يستنشق ثم ثانية كذلك ثم ثالثة كذلك والكل مجزئ، وإنما الخلاف في الأفضل، "وتثليث الغسل" ولو للسلس على الأوجه خلافا للزركشي لما يأتي أنه يغتفر له التأخير لمندوب يتعلق بالصلاة وذلك للإجماع على طلبه، ويحصل بتحريك اليد ثلاثا ولو في ماء قليل، وإن لم ينو الاغتراف على المعتمد لما مر أنه لا يصير مستعملا بالنسبة لها إلا بالفصل كبدن جنب انغمس ناويا في ماء قليل، ويأتي في تثليث الغسل ما يوضح ذلك فبحث أنه لو ردد ماء الأولى قبل انفصاله عن نحو اليد عليها لا تحسب ثانية؛ فيه نظر، وإن أمكن توجيهه بأن القصد منها النظافة والاستظهار فلا بد من ماء جديد وقد يحرم بأن ضاق الوقت بحيث لو ثلث لم يدرك الصلاة كاملة فيه وقول الشارح أن تركه حينئذ سنة صوابه واجب أو احتاج لمائه لعطش محترم أو لتتمة طهره ولو ثلث لم يتم بل لو كان معه ماء لا يكفيه حرم استعماله في شيء من السنن أيضا وقد يندب تركه بأن خاف فوت نحو جماعة لم يرج غيرها "والمسح" إلا للخف والجبيرة والعمامة. للحديث الحسن بل الصحيح كما أشار إليه المصنف "أنه صلى الله عليه وسلم

 

ج /1 ص -82-         مسح رأسه ثلاثا والدلك والتخليل، ويظهر أنه مخير بين تأخير ثلاثة كل من هذين عن ثلاثة الغسل وجعل كل واحدة منهما عقب كل واحدة من هذه، وأن الأولى أولى والسواك وسائر الأذكار كالبسملة والذكر عقبه للاتباع في أكثر ذلك ويكره النقص عن الثلاث كالزيادة عليها أي بنية الوضوء كما بحثه جمع وتحرم من ماء موقوف على التطهير، وإنما لم يعط المندوب مما وقف للأكفان؛ لأنه يتسامح في الماء لتفاهته ما لا يتسامح في غيره وشرط حصول التثليث حصول الواجب أولا ولا. يحصل لمن تمم وضوءه ثم أعاده مرتين خلافا لجمع متقدمين؛ لأنه لم ينقل مع تباعد غسل الأعضاء وبه فارق ما مر في الفم والأنف ولو اقتصر على مسح بعض رأسه وثلثه حصلت له سنة التثليث كما شمله المتن وغيره وقولهم لا يحسب تعدد قبل تمام العضو؛ مفروض في عضو يجب استيعابه بالتطهير ويفرق بينه وبين حسبان الغرة والتحجيل قبل الفرض بأن هذا غسل محل آخر قصد تطهيره لذاته فلم يتوقف على سبق غيره له وذاك تكرير غسل الأول فتوقف على وجود الأولى إذ لا يحصل التكرير إلا حينئذ.
"ويأخذ الشاك" في استيعاب أو عدد "باليقين" وجوبا في الواجب وندبا في المندوب ولو في الماء الموقوف نعم يكفي ظن استيعاب العضو بالغسل، وإن لم يتيقنه كما بينته في شرح الإرشاد ولا نظر لاحتمال الوقوع في رابعة، وهي بدعة؛ لأنها لا تكون بدعة إلا مع التحقق "ومسح كل رأسه" للاتباع إذ هو أكثر ما ورد في صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم وخروجا من خلاف موجبه والأفضل في كيفيته أن يضع يديه على مقدم رأسه ملصقا مسبحته بالأخرى وإبهامه بصدغيه، ويذهب بهما لقفاه ثم إن انقلب شعره ردهما لمبدئه ليصل الماء لجميعه ومن ثم كانا مرة وفارقا نظيرهما في السعي؛ لأن القصد ثم قطع المسافة وإلا لنحو ضفره أو طوله فلا لصيرورة الماء مستعملا أي لاختلاط بلله ببلل يده المنفصل عنه حكما بالنسبة للثانية. ولضعف البلل أثر فيه أدنى اختلاط فلا ينافيه ما مر من التقدير في اختلاط المستعمل بغيره، ويقع أقل مجزئ هنا وفي سائر نظائره كزيادة نحو قيام الفرض على الواجب إلا بعير الزكاة لتعذر تجزئه فرضا والباقي نفلا على المعتمد من تناقض فيه بينته بما فيه في شرح العباب وعلى وقوع الكل فرضا فمعنى عدهم له من السنن أنه باعتبار فعل الاستيعاب فإذا فعله وقع واجبا، "ثم" مسح جميع "أذنيه" ظاهرهما وباطنهما بباطن أنملتي سبابتيه وإبهاميه بماء غير ماء الرأس ومسح صماخيهما بطرفي سبابتيه بماء جديد أيضا للاتباع في ذلك كله نعم ماء الثانية أو الثالثة من ماء الرأس يحصل أصل سنة مسحهما؛ لأنه طهور وأفادت ثم إلغاء تقديمهما على مسح الرأس فيسن فعلهما بعده "فإن عسر رفع العمامة" أو نحو القلنسوة أو الخمار أو لم يرد ذلك نعم قد يوجه تقييده بأن سببه توقف الخروج من الخلاف عليه "كمل بالمسح عليها". وإن لم يضعها على طهر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم
مسح ناصيته وعلى عمامته وأفهم قوله: كمل أنه لا يكفي المسح عليها استقلالا والخبر المقتصر عليه فيه اختصار بدليل الخبر الأول، وينبغي أن لا يقتصر على أقل من الربع خروجا من خلاف موجبه، وإن قيل لا وجه له وأفهم قولهم إن التكميل بالمسح عليها رخصة أن شرطه أن

 

ج /1 ص -84-         السنة كما في التحقيق وشرحي مسلم والوسيط وصحح في الروضة والمجموع إباحته والرافعي كراهته لخبر فيه ورد بأنه ضعيف "وكذا" كأن حكمتها مع أن الخلاف بقوته فيما قبله أيضا تميز مقابله بصحة حديث الحاكم الآتي به فلا اعتراض عليه "التنشيف"، وهو أخذ الماء بنحو خرقة فلا إيهام في عبارته خلافا لمن زعمه يسن تركه في طهر الحي "في الأصح"؛ لأنه يزيل أثر العبادة فهو خلاف السنة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم رد منديلا جيء به إليه لأجل ذلك؛ عقب الغسل من الجنابة ما لم يحتجه لنحو برد أو خشية التصاق نجس به أو لتيمم عقبه فلا يسن تركه بل يتأكد فعله واختار في شرح مسلم إباحته مطلقا وخبر أنه صلى الله عليه وسلم كان له منديل يمسح به وجهه من الوضوء وفي رواية خرقة يتنشف بها صححه الحاكم وضعفه الترمذي وعلى كل ينبغي حمله على أنه لحاجة والأولى عدمه بنحو طرف ثوبه وفعله صلى الله عليه وسلم ذلك مرة لبيان الجواز، ويقف هنا وفي الغسل حامل المنشفة عن يمينه والصاب عن يساره وكانت أم عياش توضئه صلى الله عليه وسلم، وهي قائمة، وهو قاعد، "ويقول بعده" أي عقب الوضوء بحيث لا يطول بينهما فاصل عرفا فيما يظهر نظير سنة الوضوء الآتية ثم رأيت بعضهم قال، ويقول فورا قبل أن يتكلم انتهى ولعله بيان للأكمل "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله" لتكفل ذلك بفتح أبواب الجنة الثمانية لقائله يدخل من أيها شاء كما صح "اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين" رواه الترمذي "سبحانك" مصدر جعل علما للتسبيح وهو براءة الله من السوء أي اعتقاد تنزيهه عما لا يليق بجلاله منصوب على أنه بدل من اللفظ بفعله الذي لم يستعمل. فيقدر معناه لا ينصرف بل يلزم الإضافة وليس مصدر السبح بل سبح مشتق منه اشتقاق حاشيت من حاشا ولوليت من لولا وأففت من أف، "اللهم وبحمدك" واوه زائدة فالكل جملة واحدة أو عاطفة أي وبحمدك سبحتك "أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك"؛ لأن ذلك يكتب لقائله فلا يتطرق إليه إبطال كما صح حتى يرى ثوابه العظيم ويسن أن يأتي بجميع هذا ثلاثا كما مر مستقبل القبلة بصدره رافعا يديه وبصره ولو نحو أعمى كما يسن إمرار الموسى على الرأس الذي لا شعر به تشبها للسماء؛ وأن يقول عقبه وصلى الله وسلم على محمد وآل محمد، ويقرأ {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ}[القدر:1] أي ثلاثا كما هو القياس ثم رأيت بعض الأئمة صرح بذلك.
تنبيه: معنى أستغفرك أطلب منك المغفرة أي ستر ما صدر مني من نقص بمحوه فهي لا تستدعي سبق ذنب خلافا لمن زعمه وظاهر كلامهم ندب وأتوب إليك ولو لغير متلبس بالتوبة واستشكل بأنه كذب ويجاب بأنه خبر بمعنى الإنشاء أي أسألك أن تتوب علي أو هو باق على خبريته والمعنى أنه بصورة التائب الخاضع الذليل، ويأتي في وجهت وجهي وخشع لك سمعي ما يوافق بعض ذلك.
"وحذفت دعاء الأعضاء" المذكور في المحرر وغيره وهو مشهور "إذ لا أصل له" يعتد به ووروده من طرق لا نظر إليه؛ لأنها كلها لا تخلو من كذاب أو متهم بالوضع كما قاله بعض الحفاظ فهي ساقطة بالمرة. ومن شرط العمل بالحديث الضعيف كما قاله السبكي

 

ج /1 ص -85-         وغيره أن لا يشتد ضعفه فاتضح ما قاله المصنف واندفع ما أطال به الشراح عليه وبقي للوضوء سنن كثيرة استوفيتها بحسب الإمكان في شرح العباب. ومن المشهور منها استقبال القبلة في جميعه والدلك، ويتأكد كالموالاة لقوة الخلاف فيهما وتجنب رشاشه وجعل ما يصب منه عن يساره وما يغترف منه عن يمينه وترك تكلم بلا عذر ولا يكره ولو من عار؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كلم أم هانئ يوم فتح مكة، وهو يغتسل؛ ولطم الوجه بالماء واعترض بحديث فيه ويجاب بأنه لبيان الجواز وإسراف ولو على شط وأن يكون ماؤه نحو مد كما يأتي وتعهد ما يخاف إغفاله كموقيه. وعقبيه وخاتم يصل الماء لما تحته وغسل رجليه بيساره وشربه من فضل وضوئه ورش إزاره به إن توهم حصول مقذر له فيما يظهر وعليه يحمل رشه صلى الله عليه وسلم لإزاره به قيل وأن لا يصب ماء إنائه حتى يطف مخالفة للمجوس وبينت ما فيه في الفتاوى وكان صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أفضل ماء حتى يسيله على موضع سجوده فينبغي ندب ذلك لمن احتاج لتنظيف محل سجوده بتلك الفضلة خلافا لما يوهمه كلام بعضهم من ندبه مطلقا وصلاة ركعتين بعده أي بحيث ينسبان له عرفا كما يأتي بما فيه قبيل الجماعة، ويحصلان بغيرهما كتحية المسجد وفي مسح الرقبة خلاف والراجح عدم ندبه واعترض بأن حديثه يعمل به في الفضائل. ويرد بما مر آنفا كما يشير إليه قول المصنف أن خبرهما موضوع فبتقدير سلامته من الوضع هو شديد الضعف فلا يعمل به ويؤثر الشك قبل الفراغ من الوضوء لا بعده ولو في النية على الأوجه استصحابا لأصل الطهر فلا نظر لكونه يدخل الصلاة بطهر مشكوك فيه قياس ما يأتي في الشك بعد الفاتحة وقبل الركوع أنه لو شك بعد عضو في أصل غسله لزمه إعادته أو بعضه لم يلزمه فليحمل كلامهم الأول على الشك في أصل العضو لا بعضه.
فرع: صلى الخمس مثلا كلا بوضوء مستقل ثم علم ترك مسح الرأس مثلا من إحداهن لزمه إعادة الخمس ثم إن كمل وضوء العشاء بفرض أن الترك منه وأعادهن به أجزأه؛ لأن الترك إن كان من غيره فواضح أو منه فقد كمله، وإن أعادهن به بلا تكميل فلا؛ خلافا لمن وهم فيه لامتناع الصلاة به لاحتمال أن الترك منه فنيته غير جازمة ومن ثم لو غفل وأعادهن به لم يبق عليه إلا العشاء كما لو توضأ عن حدث وأعادهن ثم علم الترك من هذا أيضا ؛ لأن الترك الأول إن كان من العشاء فليس عليه غيرها أو من غيرها فوضوء العشاء كامل وقد أعادهن به مع الجزم بالنية في الصورتين.

باب مسح الخف
المراد به الجنس أو الخف الشرعي وكلاهما مجمل هنا مبين في غيره فلا يرد منع لبس خف على صحيحة ليمسحها وحدها وإن كانت الأخرى عليلة لوجوب التيمم عنها فكانت كالصحيحة بخلاف ما لو لم يكن له إلا رجل فإن بقي من فرض الأخرى بقية وإن قلت تعين لبس خفها ليمسح عليهما وإن لم يبق منه شيء مسح على الأخرى وحدها، وذكره هنا لتمام مناسبته بالوضوء؛ لأنه بدل عن غسل الرجلين فيه بل ذكره جمع في خامس

 

ج /1 ص -86-         فروضه لبيان أن الواجب الغسل أو المسح. وأخره جمع عن التيمم؛ لأن في كل مسحا مبيحا وأحاديثه صحيحة كثيرة. بل متواترة ومن ثم قال بعض الحنفية أخشى أن يكون إنكاره أي من أصله كفرا.
"يجوز في الوضوء" ولو وضوء سلس لما تقرر لا في غسل واجب أو مندوب ولا في إزالة نجس بل لا بد من الغسل إذ لا مشقة وأفهم يجوز أن الغسل أفضل منه نعم إن تركه رغبة عن السنة أي لإيثاره الغسل عليه لا من حيث كونه أفضل منه سواء أوجد في نفسه كراهته لما فيه من عدم النظافة مثلا أم لا، فعلم أن الرغبة عنه أعم وأن من جمع بينهما أراد الإيضاح أو شكا في جوازه أي لتخيل نفسه القاصرة شبهة فيه أو خاف من الغسل فوت نحو جماعة أو أرهقه حدث وهو متوضئ ومعه ماء يكفيه لو لبسه ومسح لا إن غسل كان أفضل بل يكره تركه ومثله في الأولين سائر الرخص. وقد يجب لنحو خوف فوت عرفة. أو إنقاذ أسير وجعله بعضهم هنا أفضل لا واجبا ويتعين حمله على مجرد خوف من غير ظن لكن سيأتي أنه يجب البدار إلى إنقاذ أسير رجي ولو على بعد وأنه إذا عارضه إخراج الفرض عن وقته قدم الإنقاذ أو لكونه لابسه بشرطه، وقد تضيق الوقت وعنده من الماء ما لا يكفيه لو غسل ويكفيه لو مسح وقد يحرم كأن لبسه محرم تعديا ثم إذا لبسه بشرطه كانت المدة فيه "للمقيم المسح على الخف" وكل من سفره لا يبيح القصر "يوما وليلة وللمسافر" سفر قصر "ثلاثة أيام بلياليها" المتصلة بها سبق اليوم الأول ليلته بأن أحدث وقت الغروب أو لا بأن أحدث وقت الفجر ولو أحدث أثناء ليل أو نهار اعتبر قدر الماضي منه من الليلة الرابعة أو اليوم الرابع. وكذا في اليوم والليلة للنص على ذلك في الأحاديث الصحيحة، وابتداء المدة إنما يحسب "من" انتهاء "الحدث". كبول أو نوم أو مس ولو من نحو مجنون كما اقتضاه إطلاقهم ويوجه بأن المعتبر في نحو الشروط خطاب الوضع كما يأتي في شروط الصلاة وحينئذ فالمجنون وغيره سواء في ذلك فبحث البلقيني استثناءه؛ لأنه لا صلاة عليه غفلة عن ذلك فعلى الأول إن أفاق وقد بقي من المدة التي حسبت عليه من الحدث شيء استوفاه وإلا فلا على أن علته تلحق الصبي المميز بالمجنون فيما ذكره ولا أظن أحدا يقول به فلو عبر بأنه ليس متأهلا للصلاة لسلم من ذلك "بعد لبس" لدخول وقت المسح به فلو أحدث فتوضأ وغسل رجليه فيه ثم أحدث فابتداؤها من الحدث الأول ويسن للابسه قبل الحدث تجديد الوضوء ويمسح عليه واغتفر له هذا قبل الحدث لأن وضوءه تابع غير مقصود ومن ثم لا تحسب المدة إلا من الحدث ولا يمسح سلس أحدث غير حدثه الدائم. ومتيمم لغير فقد الماء كمرض وبرد إلا لما يحل له لو بقي طهره الذي لبس عليه الخف فإن كان الحدث قبل فعل الفرض مسح له وللنوافل أو بعده مسح للنوافل فقط؛ لأن مسحه مترتب على طهره المفيد لذلك لا غير فإن أراد الفرض وجب النزع وكمال الطهر؛ لأنه محدث بالنسبة للفرض الثاني فكأنه لبس على حدث حقيقة فإن طهره لا يرفع الحدث. واستشكل جواز لبسه ليمسح عليه مع بطلان طهره بتخلل اللبس بينه وبين الصلاة ولبس في محله لأنه يغتفر له الفصل بما بين صلاتي الجمع وهو يسع اللبس وإن تكرر ولو شفي السلس

 

ج /1 ص -87-         والمتيمم وجب الاستئناف وغسل الرجلين وصورة المسح في التيمم المحض لغير فقد الماء أن يتكلف الغسل وتكلفه حرام على الأوجه؛ لأن الفرض أنه مضر وفي المتحيرة تردد، ويتجه أنها لا تمسح إلا للنوافل لأنها تغتسل لكل فرض فهي بالنسبة لغيره من أقسام السلس أما متيمم لفقد الماء. فلا يمسح شيئا إذا وجده لبطلان طهره برؤيته وإن قل. "فإن مسح" بعد الحدث ولو أحد خفيه "حضرا ثم سافر أو عكس" أي مسح سفرا ثم أقام "لم يستوف مدة سفر" تغليبا للحضر نعم إن أقام في الثاني بعد مضي أكثر من يوم وليلة أجزأه ما مضى وخرج بالمسح الحدث ومضى وقت الصلاة حضرا فلا عبرة بهما، بل يستوفي مدة المسافر وفارق هذا اعتبار الحدث في ابتداء المدة بأن العبرة ثم بجواز الفعل وهو بالحدث وفي المسح بالتلبس به لأنه أول العبادة بدليل أن من سافر وقت الصلاة له قصرها دون من سافر بعد إحرامه بها فدخول وقت المسح كدخول وقت الصلاة وابتداؤه كابتدائها، "وشرطه" ليجوز المسح عليه "أن يلبس بعد كمال طهر" لكل بدنه من الحدثين ولو طهر سلس ومتيمم تيمما محضا أو مضموما للغسل. كما علم مما مر لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح إذا تطهر فلبس خفيه فلو غسل رجلا وأدخلها ثم الأخرى وأدخلها لم يجز المسح حتى ينزع الأولى لإدخالها قبل كمال الطهر ولو غسلهما في ساق الخف ثم أدخلهما محل القدم أو وهما في مقرهما ثم نزعهما عنه إلى ساق الخف ثم أعادهما إليه جاز المسح بخلاف ما لو لبس بعد غسلهما ثم أحدث قبل وصولهما موضع القدم. وإنما لم يبطل المسح بإزالتهما عن مقرهما إلى ساق الخف يقيده الآتي ولم يظهر منهما شيء عملا بالأصل فيهما "ساتر" هو وما بعده أحوال ذكرت شروطا نظرا لقاعدة أن الحال مقيدة لصاحبها وأنها إذا كانت من نوع المأمور به أو من فعل المأمور تناولها الأمر كحج مفردا وادخل مكة محرما بخلاف اضرب هندا جالسة فإن قلت هذه الأحوال هنا من أي القسمين قلت يصح كونها من الأول باعتبار أن المأمور به أي المأذون فيه لبس الخف والساتر وما بعده من نوعه أي مما له به تعلق ومن الثاني باعتبار أنها تحصل بفعل المكلف أو تنشأ عنه "محل فرضه" ولو بنحو زجاج شفاف؛ لأن القصد هنا منع نفوذ الماء وبه فارق ستر العورة وهو قدمه بكعبيه من سائر جوانبه غير الأعلى عكس ساتر العورة؛ لأنه يلبس من أسفل ويتخذ لستر أسفل. البدن بخلاف ساترها فيهما ولكون السراويل من جنسه ألحق به وإن تخلفا فيه ولا يضر تخرق البطانة والظهارة لا على التحاذي ولاتصال البطانة به أجزأ الستر بها بخلاف جورب تحته "طاهرا" لا نجسا ولا متنجسا بما لا يعفى عنه مطلقا أو بما يعفى عنه. وقد اختلط به ماء المسح لانتفاء إباحة الصلاة به، وهي المقصود الأصلي منه ومن ثم لم يجز له أيضا نحو مس المصحف على المنقول المعتمد في المجموع وغيره. ومن أوهم كلامه خلاف ذلك يتعين حمله على نجس حدث بعد المسح نعم يعفى عن محل خرزه بشعر نجس ولو من خنزير رطب لعموم البلوى به فيطهر ظاهره بغسله سبعا بالتراب ويصلي فيه الفرض والنفل إن شاء لكن الأحوط تركه ويظهر العفو عنه أيضا في غير الخفاف مما لا يتيسر خرزه إلا به. "يمكن اتباع المشي فيه" بلا نعل للحوائج المحتاج إليها

 

ج /1 ص -88-         غالبا في المدة التي يريد المسح لها وهي يوم وليلة للمقيم ونحوه وثلاثة أيام للمسافر ويتجه اعتبار هذا في السلس وإن كان يجدد اللبس لكل فرض؛ لأنه لو تركه ومسح للنوافل استوفى المدة بكمالها فتقدر قوة خفه بها، ويحتمل تقديره بمدة الفرض الذي يريد المسح له فعلم أنه لا بد من قوته وإن أقعد لابسه "لتردد مسافر لحاجاته" المعتادة ثلاثة أيام وإلا امتنع المسح عليه كواسع رأس أو ضيق لا يتسع بالمشي عن قرب ورقيق لم يجلد قدمه.
تنبيه: أخذ ابن العماد من قولهم هنا لمسافر بعد ذكرهم له وللمقيم أن المراد التردد لحوائج سفر يوم وليلة للمقيم وسفر ثلاثة أيام لغيره والذي يتجه أن تعبيرهم بالمسافر هنا للغالب وأن المراد في المقيم تردده لحاجة إقامته المعتادة غالبا كما مر، وأما تقدير سفره وحوائجه له واعتبار تردده لها فلا دليل عليه ولا حاجة إليه مع ما قررته فتأمله.
"قيل و" ويشترط أيضا أن يكون "حلالا" فلا يكفي حرير لرجل ونحو مغصوب ونقد؛ لأن الرخصة لا تناط بمعصية والأصح أن ذلك لا يشترط كالتيمم بمغصوب؛ لأن المعصية ليست لذات اللبس. بل لخارج ومن ثم لم يجز مسح خف المحرم؛ لأن معصيته به من حيث اللبس لا غير فهو كمنع الاستجمار بالمحترم؛ لأن المانع في ذاته وإنما منعت المعصية بالسفر الترخص؛ لأنه مبيح والمغصوب هنا ليس مبيحا بل مستوفى به، "ولا يجزئ منسوج لا يمنع ماء" يصب على رجليه أي نفوذه وإن كان قويا يمكن تباع المشي عليه "في الأصح" لأنه خلاف الغالب من الخفاف المنصرف إليها النصوص وليس كمنخرق البطانة والظهارة بلا تحاذ؛ لأن هذا مع عدم منعه لنفوذ الماء إلى الرجل يسمى خفا فهو كخف يصل الماء من محل خرزه بخلاف ذاك كجلدة شدها على رجليه وأحكمها بالربط بجامع أن كلا لا يسمى خفا وفي وجه أن المعتبر ماء المسح لا الغسل وهو ضعيف نقلا ومدركا وإن جرى عليه جمع؛ لأن أدنى شيء يمنع ماء المسح أما منسوج يمنع ماء الغسل فيجزئ كلبد وخرق مطبقة، "ولا جرموقان" بضم الجيم وهما عند الفقهاء خف فوق خف مطلقا والمراد هنا خفان صالحان وقد مسح على أعلاهما فلا يجزئ "في الأظهر" لأن الرخصة إنما وردت في خف تعم الحاجة إليه وهذا لا تعم الحاجة إليه أي غالبا فلا نظر لعمومها إليه في بعض الأقاليم الباردة مع أنه يمكنه إدخال يده مثلا ومسح بعض الأسفل ولو وصل البلل إليه من موضع خرز فإن قصده أو والأعلى أو أطلق كفى أو الأعلى وحده فلا لوجود الصارف بقصده ما لا يصح مسحه وحده فإن لم يصلح الأسفل فكاللفافة فيمسح الأعلى أو الأعلى مسح الأسفل فإن مسح الأعلى فوصل بلله للأسفل. تأتت تلك الصور الأربع أو لم يصلح واحد منهما فلا إجزاء وذو الطاقين إن خيطا ببعضهما بحيث تعذر فصل أحدهما فكالخف الواحد وإلا فكالجرموقين ولو تخرق الأسفل وهو بطهر الغسل أو المسح جاز مسح الأعلى؛ لأنه صار أصلا أو وهو على حدث فلا كاللبس على حدث ولا يجزئ مسح خف فوق جبيرة؛ لأنه ملبوس فوق ممسوح فهو كمسح العمامة، "ويجوز مشقوق قدم شد" بالعرى بحيث لا يظهر شيء من محل الفرض.

 

ج /1 ص -89-         تنبيه: عبر شارح بقوله شد قبل المسح وقضيته أنه لو لبس المشقوق ولم يشده إلا بعد الحدث أنه يجزئه المسح عليه وفيه نظر بل لا وجه له؛ لأنه بالحدث شرع في المدة وحينئذ فكيف تحسب المدة على ما لم توجد فيه شروط الإجزاء فالوجه أن كل ما طرأ وزال مما يمنع المسح إن كان قبل الحدث لم ينظر إليه أو بعده نظر إليه.
"في الأصح" لحصول الستر والارتفاق به في الإزالة والإعادة بسهولة وبه فارق جلدة الأدم السابقة. واستشكل بأنه لا يسمى خفا بل زربولا ويرد بمنع ذلك. وتسميته زربولا إنما هو اصطلاح لبعض النواحي فلا ينظر إليه وبتسليمه فهذا في معنى الخف من كل وجه بخلاف نحو تلك الجلدة، أما إذا لم يشد كذلك فلا يكفي وإن لم يظهر شيء من الرجل؛ لأنه يظهر بالمشي.
"ويسن مسح" ظاهر "أعلاه" الساتر لظهر القدم "وأسفله" وعقبه وحرفه "خطوطا" بأن يضع يسراه تحت عقبه ويمناه على ظهر أصابعه ثم يمر اليمنى لساقه واليسرى لأطراف أصابعه من تحت مفرجا بين أصابع يديه لخبرين في ذلك أحدهما صحيح وبفرض ضعفهما الضعيف يعمل به في الفضائل فاندفع ما قيل كان الأولى أن يقول والأكمل بدل يسن؛ لأنه لم يثبت في ذلك سنة على أن الفرق بين العبارتين عجيب واستيعابه خلاف الأولى ويكره تكرار مسحه.
"ويكفي مسمى مسح" كما في الرأس ومن ثم أجزأ مسح بعض شعرة تبعا له على الأوجه، وإن بحث جمع أنه لا يجزئ قطعا وله وجه وبله وغسله وكره هنا لا ثم لأنه يفسده ويجزئ مسح شيء منه "يحاذي الفرض" إلا باطن ما يحاذي الفرض اتفاقا و "إلا" ظاهر ما يحاذي "أسفل الرجل وعقبها" وهو مؤخر القدم "فلا" يكفي مسح ذلك "على المذهب" لأنه لم يرد الاقتصار عليهما وثبت على الأعلى، والرخص يتعين فيها. الاتباع "قلت حرفه كأسفله" لما ذكر، "والله أعلم ولا مسح لشاك في بقاء المدة" كأن شك في زمن حدثه أو أن مسحه في الحضر أو السفر؛ لأن المسح رخصة بشروط منها المدة فإذا شك فيها رجع لأصل الغسل وظاهر كلامه أن الشك إنما يمنع فعل المسح ما دام موجودا حتى لو زال جاز فعله فلو شك مسافر فيه في ثاني يوم ثم زال قبل الثالث مسحه وأعاد ما فعله في الثاني مع التردد الموجب لامتناعه، وفي المجموع لو شك أصلى بالمسح ثلاث صلوات أو أربعا أخذ في وقت المسح بالأكثر وفي أداء الصلاة بالأقل احتياطا للعبادة فيهما قيل هذا مناف لقولهم لو شك بعد خروج وقت صلاة في فعلها لم يلزمه قضاؤها ا هـ. وهو اشتباه لما سأذكره أوائل الصلاة أنه إن شك في فعلها لزمه القضاء أو في كونها عليه لم يلزمه مع الفرق بينهما، "فإن أجنب" أو حاض أو نفس لابسه في أثناء المدة "وجب" عليه إن أراد المسح "تجديد لبس" بأن ينزعه ويتطهر ثم يلبس ولا يجزئه لمسح بقية المدة الغسل في الخف؛ لأن نحو الجنابة قاطع للمدة للأمر بالنزع منها الدال على عدم إجزاء غيره. ولأنها لا تكرر بتكرر الحدث الأصغر وإنما لم يؤثر في مسح الجبيرة؛ لأن الحاجة فيها

 

ج /1 ص -90-         أشد والنزع أشق ولو تنجسا فغسلهما فيه بقيت المدة للأمر بالنزع في الجنابة دون الخبث وليس هو في معناها. "ومن نزع" خفيه أو أحدهما ولو لخبث لم يمكنه غسله في الخف أو انفتح بعض الشرج أو ظهر بعض الرجل أو اللفافة عليها أي ولم يستره حالا وإلا احتمل العفو عنه نظير ما يأتي في كشف الريح لساتر العورة واحتمل الفرق بأن هذا نادر هنا بخلافه ثم وهو الذي يتجه؛ لأنهم احتاطوا هنا بتنزيل الظهور بالقوة وعلى خلاف العادة منزلة الظهور بالفعل ولم يحتاطوا بنظير ذلك ثم، وسره أن ما هنا رخصة والشك في شرطها يوجب الرجوع للأصل ولا كذلك ستر العورة أو طال ساق الخف على خلاف العادة فخرجت الرجل إلى حد لو كان معتاد الظهور شيء منها أو انتهت المدة ولو احتمالا بطل مسحه فيلزمه استئناف مدة أخرى ثم إن وجد واحد مما ذكر "وهو بطهر المسح" وإن غسل بعده رجليه؛ لأنه لم يغسلهما باعتقاد الفرض لسقوطه بالمسح "غسل قدميه" فقط لبطلان طهرهما دون غيرهما بذلك لأن الأصل الغسل، والمسح بدل عنه فإذا قدر على الأصل تعين كمتيمم رأى الماء "وفي قول يتوضأ" لأن الوضوء عبادة يبطلها الحدث فبطل كلها ببطلان بعضها كالصلاة ويجاب بأن الصلاة تجب فيها الموالاة بخلاف الوضوء ثم رأيت شارحا أجاب بنحوه وخرج بطهر المسح طهر الغسل بأن توضأ ولبس الخف ثم نزعه قبل الحدث أو أحدث ولكن توضأ وغسل رجليه في الخف فلا يلزمه شيء.

باب الغسل
بفتح الغين مصدر "غسل" واسم مصدر لـ "اغتسل" وبضمها مشترك بينهما وبين الماء الذي يغتسل به وبكسرها اسم لما يغسل به من سدر ونحوه، والفتح في المصدر واسمه أشهر من الضم وأفصح لغة وقيل عكسه والضم أشهر في كلام الفقهاء وهو لغة سيلان الماء على الشيء وشرعا سيلانه على جميع البدن بالنية ولا يجب فورا وإن عصى بسببه بخلاف نجس عصى به لانقطاع المعصية ثم ودوامها هنا.
"موجبه موت" لمسلم غير شهيد كما يعلم مما سيذكره في الجنائز ولا يرد عليه السقط إذا بلغ أربعة أشهر ولم تظهر فيه أمارة الحياة فإنه يجب غسله؛ لأن حد الموت وهو مفارقة الحياة أو عدمها عما من شأنه الحياة. أو عرض يضادها صادق عليه، "وحيض ونفاس" إجماعا لكن مع انقطاعهما وإرادة نحو صلاة فالموجب مركب هنا وفيما يأتي "وكذا ولادة بلا بلل" ولو لعلقة ومضغة قال القوابل. إنهما أصل آدمي "في الأصح" لأن ذلك مني منعقد ومن ثم صح الغسل عقبها وإنما لم يجب بخروج بعض الولد على ما بحثه بعضهم؛ لأنه لا يتحقق خروج منيها إلا بخروج كله ولو علل بانتفاء اسم الولادة لكان أظهر إذ الذي دلت عليه الأخبار أن كل جزء مخلوق من منيهما، "وجنابة" إجماعا وتحصل لآدمي حي فاعل أو مفعول به "بدخول حشفة" من واضح أصلي أو مشتبه به. متصل أو مقطوع لخبر الصحيحين:
"إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل" أي تحاذيا لا تماسا؛ لأن ختانها فوق ختانه وإنما يتحاذيان بتغييب الحشفة لا بعضها وإن جاوز قدرها العادة على ما مر في الوضوء فلم يجب

 

ج /1 ص -91-         به غسل نعم يسن خروجا من خلاف موجبه وإن شذ، "أو قدرها" من مقطوعها أو مخلوق بدونها الواضح المتصل أو المنفصل فيهما كما صرح به جمع متأخرون في الأول وعبارة التحقيق لا تنافي ذلك خلافا لمن ظنه، وقد صرحوا بأن إيلاج المقطوع على الوجهين في نقض الوضوء بمسه، والأصح نقضه ويجري ذلك في سائر الأحكام ففي الأول يعتبر قدر الذاهبة. من بقية ذكرها وإن جاوز طولها العادة كما يقتضيه إطلاقهم وفي الثاني يعتبر قدر المعتدلة لغالب أمثال ذلك الذكر وعليه يحمل قول البلقيني يعتبر الغالب في غيره ا هـ وكذا في ذكر البهيمة يعتبر قدر تكون نسبته إليه كنسبة معتدلة ذكر الآدمي المعتدل إليه فيما يظهر فيهما ولم تعتبر المساحة لأنه يلزم عليها عدم الغسل بدخول جميع ذكر بهيمة لم يساو ذلك المعتدل وهو بعيد، ولو ثناه وأدخل قدر الحشفة منه مع وجود الحشفة لم يؤثر وإلا أثر على الأوجه.
تنبيه: قضية إطلاقهم من أنه لا أثر لدخول بعض الحشفة الشامل لدخول قدر ما فقد منها من باقي الذكر وأن قدر الذاهبة مثلها أنه لو قطع بعضها لا يقدر بقدره من باقيه فلا يؤثر إيلاج الباقي منها ولو مع بقية الذكر وفيه بعد؛ لأنه إذا قدر منه قدر كلها الذاهب فأولى بعضها إلا أن يجاب بأن الموجب تغييب كلها أو قدره فلا يتبعض من بعضها الموجود وقدر المفقود، وقضية إطلاقهم البعض أنه لا فرق بين قطعه من طولها أو عرضها وهو قريب إن اختلت اللذة بقطع بعض الطول أيضا ويلزم مما تقرر من عدم الفرق وأنه لا يقدر قدر البعض الذاهب أنها لو شقت نصفين أو شق الذكر كذلك لا غسل بتغييب أحد الشقين وفي ذلك اضطراب للمتأخرين ولعل منشأه ما أشرت إليه من إطلاقهم، والمدرك المعارض له والذي يتجه مدركا أن بعض. الحشفة يقدر من باقي الذكر قدره سواء بعض الطول وبعض العرض وأن بعض الحشفة المشقوق لا شيء فيه وأن الذكر المشقوق إن أدخل منه قدر الذاهب منها أثر وإلا فلا ولا بعد في تأثير قدر الذاهب وإن كان موجودا في الشق الآخر؛ لأن الشق صيرهما كذكرين مستقلين. وزعم أن كلا منهما لا يسمى ذكرا ممنوع بإطلاقه لتصريحهم بأن ما قطعت حشفته وبقي قدرها منه للآكدية ولو بعد قطعه فكذا كل من الشقين الباقي منه قدر ما فقد منه من الحشفة لا بعد تسميتهما ذكرين حينئذ فتأمله ثم رأيت عبارة المجموع وهي ولا يتعلق ببعض الحشفة وحده شيء من الأحكام فقوله وحده قد يفهم أنه لا بد أن ينضم لذلك البعض قدر الذاهب من الباقي فيؤيد ما قدمته.
"فرجا" واضحا أي ما لا يجب غسله منه قبلا أو دبرا ولو لسمكة وميت وجنية إن تحقق كعكسه على الأوجه فيهما، وإن كان ناسيا أو مكرها أو الذكر عليه خرقة كثيفة بل ولو كان في قصبة كما أفتى به بعضهم وإن نوزع فيه بأن الأوجه أنه لا يترتب على ذلك حكم أصلا؛ لأن القصبة في معنى الخرقة إذا زادت كثافتها الشامل لها قولهم وإن كثفت فلتنط الأحكام بها كهي. أما الخنثى المولج أو المولج فيه فلا غسل عليه إلا إن تحقق كأن أولج رجل في فرجه وهو في فرج امرأة أو دبر فيجنب المشكل يقينا؛ لأنه جامع أو جومع والذكر الزائد إن نقض مسه وجب الغسل بإيلاجه وإلا فلا، "وبخروج مني" بتشديد الياء وقد تخفف

 

ج /1 ص -92-         من مني صب إلى ظاهر الحشفة وفرج البكر أو إلى ما يظهر عند جلوس الثيب على قدميها أي مني الشخص نفسه أول مرة أو مني الرجل من امرأة وطئت في قبلها أو استدخلته وقضت شهوتها بذلك الجماع أو الاستدخال؛ لأنه حينئذ يغلب على الظن اختلاط منيها بالخارج فهو اعتبار للمظنة كالنوم بخلاف ما إذا لم تقضها إذ لا مني لها حينئذ يختلط بالخارج "من طريقه المعتاد" إجماعا ولو لمرض كما صرحوا به في سلس المني "وغيره" إن استحكم بأن لم يخرج لمرض وكان من فرج زائد كأحد فرجي الخنثى أو من منفتح تحت صلب رجل بأن يخرج من تحت آخر فقرات ظهره أو ترائب امرأة وهي عظام الصدر. وقد انسد الأصلي وإلا فلا إلا أن يخلق منسد الأصلي ولو غير مستحكم فيما يظهر قياسا على ما مر في المنفتح تحت المعدة "ويعرف" المني وإن خرج دما عبيطا بخاصة واحدة من خواصه الثلاث التي لا توجد في غيره "بتدفقه" وهو خروجه بدفعات وإن لم يلتذ به ولا كان له ريح "أو لذة" بالمعجمة قوية "بخروجه" وإن لم يتدفق لقلته مع فتور الذكر عقبه غالبا "أو ريح عجين" أو طلع نخل كما بأصله ولعله سقط من نسخته أو اكتفى بأحد النظيرين حال كون المني "رطبا و" ريح "بياض بيض" حال كون المني "جافا" وإن لم يتدفق ولا التذ بخروجه كأن خرج ما بقي منه بعد الغسل "فإن فقدت الصفات" يعني الخواص المذكورة "فلا غسل" لأنه ليس بمني بخلاف ما لو فقد الثخن أو البياض ووجد أحد تلك الثلاثة نعم لو شك في شيء أمني هو أم مذي تخير ولو بالتشهي فإن شاء جعله منيا واغتسل أو مذيا وغسله وتوضأ؛ لأنه إذا أتى بأحدهما صار شاكا في الآخر ولا إيجاب مع الشك وإنما لزم من نسي صلاة من صلاتين فعلهما لتيقن لزومهما له فلا يبرأ منهما إلا بيقين ومن معه إناء مختلط تزكية الأكثر لسهولة العلم بالسبك نعم يقوى ورود قولهم لو شكت هل عليها عدة طلاق أو وفاة لزمها الأكثر أو شك هل زكاته بقرة أو شاة أو دراهم لزمه الكل إلا أن يفرق بأن مبنى العدة على الاحتياط والاستظهار لبراءة الرحم ما أمكن. ومن ثم وجب فيها التكرر مع الاكتفاء في أصل مقصودها بدونه وبأن ما ذكر في الزكاة إنما يتجه فيمن ملك الكل وشك في إخراج بعض أنواعه وحينئذ هو كمن نسي صلاة من صلاتين فيما ذكر فيه ويلزمه سائر أحكام ما اختاره ما لم يرجع عنه على الأوجه وحينئذ فيحتمل أنه يعمل بقضية ما رجع إليه في الماضي أيضا وهو الأحوط. ويحتمل أنه لا يعمل بها إلا في المستقبل لأنه التزم قضية الأول بفعله بموجبه فلم يؤثر الرجوع فيه.
تنبيه: هل غير الخارج منه ذلك مثله في التخيير المذكور وعليه فهل يلزم كلا الجري على قضية ما اختاره حتى لو اختار صاحبه أنه مذي والآخر أنه مني لم يقتد به؛ لأنه جنب بحسب ما اختاره لم أر في ذلك شيئا والذي ينقدح أن الثاني لا يلزمه غسل ما أصابه منه للشك وأنه لا يقتدي به في الصورة الأخيرة. ويتخير أيضا خنثى بإيلاجه في دبر ذكر ولا مانع من النقض أو في دبر خنثى أولج ذكره في قبله كما بينته في شرح العباب مع رد ما وقع للزركشي من وهم فيه وكذا يتخير المولج فيه أيضا ولو رأى منيا محققا في نحو ثوبه لزمه الغسل وإعادة كل صلاة تيقنها بعده ما لم يحتمل أي عادة فيما يظهر حدوثه من غيره.

 

ج /1 ص -93-         "والمرأة كرجل" فيما مر من حصول جنابتها بالإيلاج وخروج المني ومن أن منيها يعرف بإحدى الخواص الثلاث على المعتمد نعم الغالب في منيها الرقة والصفرة وظاهر المتن حصر الموجب فيما ذكر وهو كذلك وتحير المستحاضة ليس هو الموجب بل احتمال انقطاع الحيض كما يأتي وتنجس جميع البدن إنما يوجب إزالة النجاسة ولو بكشط الجلد، "ويحرم بها" أي الجنابة وإن تجردت عن الحدث الأصغر ويأتي ما يحرم بالحيض في بابه "ما حرم بالحدث" ومر في بابه "والمكث" وهل ضابطه هنا كما في الاعتكاف أو يكتفى هنا بأدنى طمأنينة لأنه أغلظ، كل محتمل والثاني أقرب. أو التردد من مسلم "في" أرض أو جدار أو هواء "المسجد" ولو بالإشاعة أو الظاهر لكونه على هيئة المساجد فيما يظهر؛ لأن الغالب فيما هو كذلك أنه مسجد ثم رأيت السبكي صرح بذلك فقال إذا رأينا مسجدا أي صورة مسجد يصلى فيه أي من غير منازع ولا علمنا له واقفا فليس لأحد أن يمنع منه لأن استمراره على حكم المساجد دليل على وقفه كدلالة اليد على الملك فدلالة يد المسلمين على هذا للصلاة فيه دليل على ثبوت كونه مسجدا. قال وإنما نبهت على ذلك لئلا يغتر بعض الطلبة أو الجهلة فينازع في شيء من ذلك إذا قام له هوى فيه ا هـ ويؤخذ منه أن حريم زمزم تجري عليه أحكام المسجد. وكون حريم البئر لا يصح وقفه مسجدا إنما ينظر إليه إن علم أنها خارجة عن المسجد القديم ولم يعلم ذلك بل يحتمل أنها محفورة فيه وعضده إجماعهم على صحة وقف ما أحاط بها مسجدا وإلا فوقف الممر للبئر كوقف حريمها إذ الحق فيهما لعموم المسلمين وكالمسجد ما وقف بعضه وإن قل مسجدا شائعا وسيعلم مما يأتي أنه لا عبرة في منى ومزدلفة وعرفة بغير مسجدي الخيف ونمرة أي الأصل منهما لا ما زيد فيهما "لا عبوره" أي المرور به ولو على هينته وإن حمل على الأوجه؛ لأن سير حامله منسوب إليه في الطواف ونحوه ولو عن له الرجوع قبل الخروج من الباب الآخر بخلاف ما إذا قصده قبل وصوله؛ لأنه تردد وهو أعني المرور به لغير غرض. خلاف الأولى. وذلك للخبر الحسن إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب مع قوله تعالى: {وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء:43]. والأصل في الاستثناء الاتصال الموجب لتقدير مواضع قبل الصلاة نعم إن احتلم فيه وعسر عليه الخروج منه جاز له المكث فيه للضرورة ولزمه التيمم ويحرم بترابه وهو الداخل في وقفه ولو فقد الماء إلا فيه ومعه إناء تيمم ودخل لملئه ليغتسل به خارجه فإن فقد الإناء جاز له الاغتسال فيه واغتفر له زمنه للضرورة بل لو كان الماء في نحو بركة فيه جاز له دخوله مطلقا ليغتسل منها وهو مار فيها لعدم المكث. ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم حل المكث له به جنبا وليس علي رضي الله عنه مثله في ذلك وخبره ضعيف وإن قال الترمذي حسن غريب قاله في المجموع وخرج بالمسجد نحو الرباط والمدرسة ومصلى العيد "والقرآن" من مسلم أيضا ولو صبيا كما مر ولو حرفا منه أي قراءته باللفظ بحيث يسمع نفسه إن اعتدل سمعه ولا عارض يمنعه وبإشارة الأخرس وتحريك لسانه كما بينت ذلك مع ما فيه في شرح العباب لا بالقلب للحديث الحسن "لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن" ويقرأ بكسر الهمزة نهي وبضمها خبر

 

ج /1 ص -94-         بمعناه نعم يلزم فاقد الطهورين قراءة الفاتحة في صلاته لتوقف صحتها عليها وإنما يحرم ما ذكر إن قصد القراءة وحدها أو مع غيرها "وتحل" لجنب وحائض ونفساء "أذكاره" ومواعظه وقصصه وأحكامه "لا بقصد قرآن" سواء أقصد الذكر وحده أم أطلق؛ لأنه أي عند وجود قرينة تقتضي صرفه عن موضوعه كالجنابة هنا لا يكون قرآنا إلا بالقصد. وذهب جمع متقدمون إلى أن ما لا يوجد نظمه إلا في القرآن كالإخلاص. يحرم مطلقا وهو متجه مدركا ومن ثم اختار جمع الحرمة في حالة الإطلاق مطلقا لكن تسوية المصنف بين أذكاره وغيرها مما ذكر صريح في جواز كله بلا قصد واعتمده غير واحد ولو أحدث جنب تيمم بحضر أو سفر حل له المكث والقراءة لبقاء تيممه بالنسبة إليهما وخرج بالقرآن نحو التوراة وما نسخت تلاوته، والحديث القدسي وبالمسلم الكافر فلا يمنع من القراءة إن رجي إسلامه ولم يكن معاندا ولا من المكث؛ لأنه لا يعتقد حرمتهما وإنما منع من مس المصحف لأن حرمته آكد نعم الذمية الحائض أو النفساء تمنع منهما بلا خلاف كما في المجموع وبه يعلم شذوذ مشيهما على مقابله في موضع آخر، وذلك لغلظ حدثهما وليس له ولو غير جنب دخول مسجد إلا لحاجة. مع إذن مسلم مكلف أو جلوس قاض للحكم به ويظهر أن جلوس مفت به للإفتاء كذلك. "وأقله" أي الغسل للحي من جنابة أو غيرها أو لسبب مما سن له الغسل إذ الغسل المندوب كالمفروض في الواجب من جهة الاعتداد به والمندوب من جهة كماله نعم يتفارقان في النية كما يعلم مما يأتي في الجمعة وبما تقرر يعلم أن في عبارته شبه استخدام؛ لأنه أراد بالغسل في الترجمة الأعم من الواجب والمندوب وبالضمير في موجبه الواجب وفي أقله وأكمله الأعم إذ الواجب من حيث وصفه بالوجوب لا أقل له ولا أكمل "نية رفع جنابة" ويدخل فيها نحو حيض عليها كعكسه أي رفع حكمه على ما مر بيانه في الوضوء "أو استباحة مفتقر إليه" كالقراءة. بخلاف نحو عبور المسجد "أو أداء فرض الغسل" أو فرض أو واجب الغسل أو أداء الغسل، وكذا الغسل للصلاة فيما يظهر كالطهارة للصلاة السابقة في الوضوء أو رفع الحدث؛ لأن رفعه يتضمن رفع الماهية من أصلها وقولهم إذا أطلق انصرف للأصغر غالبا مرادهم إطلاقه في عبارة الفقهاء أو الطهارة عنه أو الواجبة أو للصلاة لا الغسل أو الطهارة فقط؛ لأنه قد يكون عادة وبه فارق الوضوء أو رفع جنابة وعليها نحو حيض وعكسه غلطا كنية الأصغر غلطا وعليه الأكبر فيرتفع حدثه عن أعضاء الوضوء فقط غير رأسه لأنه لم ينو إلا مسحه إذ غسله غير مطلوب بخلاف باطن شعر لا يجب غسله؛ لأنه يسن فكأنه نواه ومنه يؤخذ ارتفاع جنابة محل الغرة والتحجيل إلا أن يفرق بأن غسل الوجه هو الأصل ولا كذلك محل الغرة والتحجيل ويصح رفع الحيض بنية النفاس وعكسه ما لم تقصد المعنى الشرعي كما هو ظاهر كنية الأداء بالقضاء وعكسه الآتي. والسلس هنا كما مر فتمتنع عليه نية رفع الحدث ونحوه ومر في شروط الوضوء شروط للنية وأنها كالبقية تأتي هنا ويجب في النية أن تكون نية "مقرونة" بنصبه لكونه صفة لمصدر محذوف معمول لنية الملفوظ به ويصح رفعه كما نقل عن خطه "بأول فرض" ليعتد بما بعدها وهو هنا أول مغسول ولو من أسفل البدن إذ لا يجب هنا

 

ج /1 ص -95-         ترتيب ويسن تقديمها مع السنن المتقدمة كالسواك ليثاب عليها كالوضوء ويأتي في عزوبها ما مر ثم وبقولي كالسواك اندفع الفرق بأن ما تقدم هنا من جملة الغسل الواجب فليكتف به جزما وحينئذ لا يحتاج لقوله فرض بخلاف ما تقدم ثم ليس من الوضوء الواجب فاحتاج إلى الاستصحاب لغسل شيء من الوجه ا هـ. على أن الذي يظهر أن قصده بالمتقدم كغسل اليد قبل إدخالها الإناء عند شكه في طهرها السنة صارف له عن الاعتداد به عن الغسل فتجب إعادته دون النية على قياس ما مر في غسل بعض الشفة بقصد المضمضة فاستويا من كل وجه "وتعميم" ظاهر وباطن "شعره" ولو لحية كثيفة ما عدا النابت في نحو عين وأنف وإن طال وذلك للخبر الحسن، وإن قال المصنف في موضع إنه ضعيف بل. قال القرطبي إنه صحيح عن علي كرم الله وجهه يرفعه "من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسله فعل به كذا وكذا من النار". قال: "فمن ثم عاديت شعر رأسي" فيجب نقض ضفائر لا يصل لباطنها إلا بالنقض بخلاف ما انعقد بنفسه وإن كثر ولو نتف شعرة لم يغسلها وجب غسل محلها مطلقا "وبشره" حتى الأظفار وما تحتها وما ظهر من صماخ وفرج عند جلوسها على قدميها وشقوق وما تحت قلفة وما ظهر مما باشره القطع من نحو أنف جدع وسائر معاطف البدن ومحل التوائه نعم يحرم فتق الملتحم، وذلك لحلول الحدث لكل البدن مع عدم المشقة لندرة الغسل ومر أنه يضر تغير الماء تغيرا ضارا ولو بما على العضو خلافا لجمع.
"ولا تجب مضمضة واستنشاق" وإن انكشف باطن الفم والأنف بقطع ساترهما وكذا باطن العين وهو ما يستتر عند انطباق الجفنين وإن انكشف بقطعهما كما في الوضوء. وكان وجه نفيه هذا هنا دون الوضوء قوة الخلاف هنا وعدم إغناء الوضوء عنهما لأن لنا قولا بوجوب كليهما كالوضوء ومن ثم سن رعايته بالإتيان بهما مستقلين وفي الوضوء وكره ترك واحد من الثلاثة وسن إعادة ما تركه منها وتأكد إعادة الأولين وفارق ما ذكر في باطن العين وجوب تطهيره من الخبث؛ لأنه أفحش وأخذ منه أن مقعدة المبسور إذا خرجت لم يجب غسلها عن الجنابة ويجب غسل خبثها ومحله إن لم يرد إدخالها وإلا لم يجب هذا أيضا.
تنبيه: قد يستشكل عدهم باطن الفم باطنا هنا وما يظهر من فرج الثيب ظاهرا بل قد يقال هذا أولى بكونه باطنا ثم رأيت الإمام صرح بهذه الأولوية فقال لا يجب غسل ما وراء ملتقى الشفرين كباطن الفم بل أولى ا هـ. وقد يجاب أخذا من تشبيه الأصحاب لباطن الفم بباطن العين الذي وافق الخصم فيه على أنه باطن ومن تشبيه الشافعي لما يظهر من الفرج بما بين الأصابع بأن حائل الفم لا تعهد له حالة مستقرة يعتاد زواله فيها بالكلية ويبقى داخله ظاهرا كله بخلاف باطن الفرج فإن حائله يعهد فيه ذلك بالجلوس على القدمين المعتاد المألوف دائما فأشبه ما بين الأصابع فإنه يظهر بتفريقها المعتاد فاستويا في أن لكل حالة بطون وهو التقاء الشفرين والأصابع وحالة ظهور وهو انفراج كل منهما فكما اتفقوا فيما بين الأصابع على أنه ظاهر فكذلك فيما بين الشفرين ووراء ما ذكرناه مذاهب أخرى في باطن الفم منها أنه ظاهر في الوضوء والغسل. وبه قال أحمد وغيره ظاهر في الغسل فقط وكل تمسك من السنة بما أجاب عنه في المجموع.

 

ج /1 ص -96-         "وأكمله" أي الغسل "إزالة القذر" بالمعجمة الطاهر كمني والنجس كمذي قال المصنف وينبغي أن يتفطن من يغتسل من نحو إبريق لدقيقة وهي أنه إذا طهر محل النجو بالماء غسله ناويا رفع الجنابة؛ لأنه إن غفل عنه بعد بطل غسله وإلا فقد يحتاج للمس فينتقض وضوءه أو إلى كلفة في لف خرقة على يده ا هـ وهنا دقيقة أخرى وهي أنه إذا نوى كما ذكر ومس بعد النية ورفع جنابة اليد كما هو الغالب حصل بيده حدث أصغر فقط فلا بد من غسلها بعد رفع حدث الوجه بنية رفع الحدث الأصغر. لتعذر الاندراج حينئذ "ثم الوضوء" كاملا للاتباع ويسن له استصحابه إلى الفراغ حتى لو أحدث سن له إعادته. وزعم المحاملي ومن تبعه اختصاصه بالغسل الواجب ضعيف كما علم مما قدمته "وفي قول يؤخر غسل قدميه" للاتباع أيضا والخلاف في الأفضل ورجح الأول؛ لأن في لفظ رواته كان المشعرة بالتكرار بل قيل الثاني إنما يدل على الجواز لا غير وعلى كل تحصل سنة الوضوء بتقديم كله وبعضه وتأخيره وتوسطه أثناء الغسل ثم إن تجردت جنابته عن الأصغر نوى به سنة الغسل أي أو الوضوء كما هو ظاهر وإلا نوى نية مجزئة مما مر في الوضوء خروجا من خلاف موجبه القائل بعدم الاندراج وهذه النية بقسميها سنة. لإجزاء نية الغسل عنها كما تكفي نية الوضوء عن خصوص نية المضمضة ثم لو أحدث بعد ارتفاع جنابة أعضاء وضوئه لزمه الوضوء مرتبا بالنية لزوال اندراجه الموجب لسقوط النية والترتيب أو بعضها لزمه غسل ما تأخر حدثه في محله بالنية كما علم مما مر آنفا "ثم" بعد الوضوء "تعهد معاطفه" وهي ما فيه التواء وانعطاف كالأذن وطبق البطن والسرة بأن يوصل الماء إليها حتى يتيقن أنه أصاب جميعها وإنما لم يجب ذلك حيث ظن وصوله إليها؛ لأن التعميم الواجب يكتفى فيه بغلبة الظن ويتأكد ذلك في الأذن بأن يأخذ كفا من ماء ثم يميل أذنه ويضعها عليه ليأمن من وصوله لباطنه وبحث تعين ذلك على الصائم للأمن به من المفطر "ثم" بعد تعهدها "يفيض" الماء "على رأسه و" قبل الإفاضة عليه الأولى له إذا كان له شعر في نحو رأسه أو لحيته أنه "يخلله" بأن يدخل أصابعه العشر مبلولة أصول شعره للاتباع ويسن تخليل سائر شعوره؛ لأن ذلك أقرب إلى الثقة بعموم الماء لها والمحرم كغيره لكن يتحرى الرفق خشية الانتتاف "ثم" بعد الفراغ من الرأس تخليلا ثم إفاضة يفيض الماء على "شقه الأيمن" مقدمه ثم مؤخره "ثم" بعد فراغه منه جميعه يفيضه على شقه "الأيسر" كذلك. وفارق ما يأتي في غسل الميت بأن ما هناك فيه يستلزم تكرر قلبه وفيه مشقة بخلافه هنا وما ذكر من هذا الترتيب هو مراد من عبر بعد ذلك يسن ترتيب الغسل خلافا لما يوهمه بعض العبارات.
تنبيه: وقع في الروضة وغيرها ما يصرح بأنه يقدم غسل أعضاء وضوئه على الإفاضة على رأسه لشرفها ونازع فيه الزركشي ثم أوله بما تنبو عنه عبارتها، وقد توجه على بعدها بأن شرف أعضاء الوضوء اقتضى تكرير طهارتها بالوضوء أولا ثم يغسلها بعد ثم يغسلها في ضمن الإفاضة على الرأس ثم البدن.
"ويدلك" ما تصل له يده من بدنه خروجا من خلاف من أوجبه دليلنا أن الآية والخبر

 

ج /1 ص -97-         ليس فيهما تعرض له مع أن اسم الغسل شرعا ولغة لا يفتقر إليه ويؤخذ من العلة أن ما لم تصل له يده يتوصل إلى دلكه بيد غيره مثلا إذ المخالف يوجب ذلك "ويثلث" بالشروط السابقة في الوضوء تخليل رأسه ثم غسله للاتباع ثم تخليل شعور وجهه ثم غسله ثم تخليل شعور بقية البدن ثم غسله قياسا عليه. وهذا الترتيب ظاهر وإن لم أر من صرح به، وتثليث البقية إما بأن يغسل شقه الأيمن ثم الأيسر ثم هكذا ثانية ثم ثالثة أو يوالي ثلاثة الأيمن ثم ثلاثة الأيسر وكان قياس كيفية التثليث في الوضوء تعين الثانية للسنة واقتضاه كلام الشارح لكن من المعلوم الفرق بين ما هنا وثم فإن كلا من المغسول ثم كاليدين متميز منفصل عن الآخر فتعينت فيه تلك الكيفية لذلك بخلاف ما هنا فإن كون البدن فيه كالعضو الواحد منع قياسه على الوضوء في خصوص ذلك وأوجب له حكما تميز به وهو حصول السنة بكل من الكيفيتين فتأمله. وكذا يسن تثليث الدلك والتسمية والذكر وسائر السنن هنا نظير ما مر هناك ومن ثم جرى هنا أكثر سنن الوضوء كتسمية مقترنة بالنية واستصحابها وترك نفض وتنشف واستعانة وتكلم لغير عذر وكالذكر عقبه والاستقبال والموالاة بتفصيلها السابق ثم وسيذكرها في التيمم وغير ذلك. ويكفي في راكد وإن قل تحرك جميع البدن ثلاثا وإن لم ينقل قدميه إلى محل آخر على الأوجه من اضطراب فيه بين الإسنوي والمتعقبين لكلامه؛ لأن كل حركة توجب مماسة ماء لبدنه غير الماء الذي قبلها ولم ينظر لهذه الغيرية المقتضية للانفصال المقتضي للاستعمال؛ لأن المدار في الانفصال المقتضي له على انفصال البدن عنه عرفا وما هنا ليس كذلك وكان الفرق أنه يغتفر في حصول سنة التثليث ما لا يغتفر في حصول الاستعمال؛ لأنه إفساد للماء فلا يكفي فيه الأمور الاعتبارية، وقد مر فيمن أدخل يده بلا نية اغتراف أن له أن يحركها ثلاثا وتحصل له سنة التثليث "وتتبع" المرأة ولو بكرا أو عجوزا خلية غير المحدة والمحرمة "لحيض" ولو احتمالا كما في المتحيرة على الأوجه أو نفاس، وتنجسه بخروج الدم لا يمنع تطييبه المقصود منه "أثره" أي عقب انقطاع دمه والغسل منه "مسكا" بأن تجعله في قطنة وتدخلها فرجها الواجب غسله لا غيره وإن أصابه الدم خلافا للمحاملي والمتولي نعم للثقبة التي ينقض خارجها حكم الفرج على الأوجه. وذلك لأمره صلى الله عليه وسلم بما ذكر ومن ثم تأكد وكره تركه؛ لأنه يطيب المحل ثم يهيئه للعلوق حيث كان قابلا له "وإلا" ترده وإن وجدته بسهولة "فنحوه" من طيب وأولاه أكثره حرارة كقسط أو أظفار. ومن ثم جاء عن عائشة رضي الله عنها استعمال الآس فالنوى فالملح فإن لم ترد الطيب فالطين لحصول أصل الطيب بذلك بل لو جعلت ماء غير ماء الرفع بدل ذلك كفى في دفع كراهة ترك الإتباع بل وفي حصول أصل سنة النظافة كما هو ظاهر فالترتيب للأولوية كما علم مما تقرر وبه يندفع ما قيل إجزاء غير المسك مع وجوده فيه استنباط معنى يعود على النص بالإبطال ووجه اندفاعه أنه يكفي في حكمة النص عليه كونه أفضل من غيره أما المحدة فتقتصر على قليل قسط أو أظفار ولا يضر ما فيهما من التطيب؛ لأنه يسير جدا فسومح لها فيها للحاجة قال الأذرعي والمحرمة كالمحدة وأولى بالمنع أي لقصر زمن الإحرام غالبا. ومن ثم رجح غيره الفرق بينهما

 

ج /1 ص -98-         وسيأتي في الصائمة أنه يكره لها التطيب فلو انقطع قبيل الفجر فنوت وأرادت الغسل بعده لم يسن لها التطيب فيما يظهر، "ولا يسن تجديده" أي الغسل لأنه لم ينقل ولما فيه من المشقة وكذا التيمم "بخلاف الوضوء" يسن تجديده ولو لماسح الخف كما مر وإن كمل بالتيمم لنحو جرح، وكون الإتيان ببعض الطهارة غير مشروع إنما هو مع إمكان فعل بعضها الآخر، وذلك لأن التجديد كان يجب لكل صلاة فلما نسخ وجوبه بقي أصل طلبه وفي خبر صححه بعضهم "من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات" ومحل ندب تجديده إذا صلى بالأول. صلاة ما ولو ركعة لا سجدة وطوافا وإلا كره كالغسلة الرابعة نعم يتجه أنه لو قصد به عبادة مستقلة حرم لتلاعبه وإذا لم يعارضه ما هو أهم منه وإلا لزم التسلسل.
"ويسن أن لا ينقص" بفتح أوله متعديا فضمير الفاعل للمتطهر وقاصرا فالماء هو الفاعل وهو ما نقل عن خطه "ماء الوضوء عن مد" وهو رطل وثلث "و" ماء "الغسل عن صاع" وهو خمسة أرطال وثلث تقريبا فيهما للاتباع ومحله فيمن بدنه قريب من اعتدال بدنه صلى الله عليه وسلم ونعومته وإلا زيد ونقص لائق به وقضية عبارتهما من ندب عدم النقص لمن بدنه كذلك أنه لا يسن له ترك زيادة لا سرف فيها والأوجه ما أخذه ابن الرفعة من كلامهم. والخبر أنه يندب له الاقتصار عليهما أي إلا لحاجة كتيقن كمال الإتيان بجميع المطلوبات وزعم غيره أن كلامهم يشعر بندب زيادة لا سرف فيها؛ لأن مندوباتهما لا تتأتى إلا بها قطعا ممنوع "ولا حد له" أي لمائهما فلو نقص عما ذكر وأسبغ كفى وفي خبر حسن أنه صلى الله عليه وسلم "
توضأ بثلثي مد" ويسن أن لا يغتسل لجنابة أو غيرها وأن لا يتوضأ لحدث أو غيره على الأوجه. في راكد لم يستبحر كنابع من عين غير جار؛ لأنه قد يقذره وأن يؤخر من أجنب بخروج المني غسله عن بوله لئلا يخرج معه فضلة منيه فيبطل غسله قال بعض الحفاظ وأن يخط من يغتسل في فلاة ولم يجد ما يستتر به خطا كالدارة ثم يسمي الله ويغتسل فيها وأن لا يغتسل نصف النهار ولا عند العتمة وأن لا يدخل الماء إلا بمئزره فإن أراد إلقاءه فبعد أن يستر الماء عورته ا هـ وكأنه اعتمد في غير الأخير على ما رآه كافيا في ندب ذلك. وإن لم يذكروه وفيه ما فيه وأن لا يزيل ذو حدث أكبر قبله شيئا من بدنه ولو نحو دم قال الغزالي لأن أجزاءه تعود إليه في الآخرة بوصف الجنابة ويقال إن كل شعرة تطالبه بجنابتها وأن يغسل كحائض أو نفساء انقطع دمها فرجه ويتوضأ إن وجد الماء وإلا تيمم ويحصل أصل السنة بغسل الفرج إن أراد نحو جماع أو نوم أو أكل أو شرب وإلا كره وينبغي أن يلحق بهذه الأربعة إرادة الذكر أخذا من تيممه صلى الله عليه وسلم لرد سلام من سلم عليه جنبا والقصد به في غير الأول تخفيف الحدث فينتقض به وفيه زيادة النشاط للعود فلا ينتقض به وهو كوضوء التجديد والوضوء لنحو القراءة فلا بد فيه من نية معتبرة ويجوز الغسل عاريا قال جمع. لا الوضوء عقبه ويرد بأن محله إذا لم يحتج له وإلا كخوف رشاش يلحق ثوبه جاز لما يأتي من حل التعري في الخلوة لأدنى غرض وأفتى بعضهم بحرمة جماع من تنجس ذكره قبل غسله أي إن وجد الماء وينبغي تخصيصه بغير السلس لتصريحهم بحل وطء المستحاضة مع جريان دمها وغير من يعلم من عادته أن الماء يفتره

 

ج /1 ص -99-         عن جماع يحتاج إليه، "ومن به" أي ببدنه "نجس" عيني أو حكمي "يغسله ثم يغتسل ولا تكفي لهما غسلة" واحدة "وكذا في الوضوء" لأنهما واجبان مختلفا الجنس فلا يتداخلان "قلت الأصح تكفيه" حتى في الميت وللعلم بهذا مما هنا سكت عن استدراك ما يأتي ثم كما ستعلمه "والله أعلم" لحصول الغرض منهما بمرور الماء على المحل أما في الحكمية فواضح. وأما في العينية فالفرض أنها زالت بجرية وأن الماء وارد لم يتغير ولا زاد وزنه ولا حالت بينه وبين العضو فإن انتفى شرط من ذلك فالحدث باق كالنجس، فعلم أن المغلظة لا يطهر محلها عن الحدث إلا بعد تسبيعها مع التعفير.
"ومن اغتسل لجنابة" أو حيض أو نفاس "و" نحو "جمعة" أو عيد بنيتهما "حصلا" أي غسلهما وإن كان الأكمل. إفراد كل بغسل وإنما لم يصح الظهر وسنته وخطبة الجمعة والكسوف بنية؛ لأن مبنى الطهارات على التداخل بخلاف الصلاة وما في معناها كالخطبة "أو لأحدهما حصل فقط" عملا بما نواه وإنما لم يندرج المسنون في الواجب؛ لأنه مقصود ومن ثم تيمم للعجز عنه بخلاف التحية ومن ثم حصلت بغيرها وإن لم تنو على ما يأتي؛ لأن القصد إشغال البقعة وأفهم المتن عدم صحة الواجب بنية النفل وكذا عكسه لكن يظهر أن محله إن تعمد وإلا فينبغي حصول السنة بذلك لعذره وأنه لو اغتسل لأحد واجبين أو أحد نفلين فأكثر بنيته فقط حصل الآخر وهو كذلك لما مر أن مبنى الطهارات على التداخل وظاهر أن المراد بحصول غير المنوي سقوط طلبه كما في التحية. "قلت ولو أحدث ثم أجنب أو عكسه" أو وجدا معا "كفى الغسل" وإن لم ينو معه الوضوء ولا رتب أعضاءه "على المذهب والله أعلم" لاندراج الأصغر في الأكبر ولا نظر لاختلاف الجنس مع حصول المقصود وأفهم قوله كفى أن الأصغر اضمحل ولم يبق له حكم وهو كذلك.

باب النجاسة وإزالتها
قيل كان ينبغي تأخيرها عن التيمم؛ لأنه بدل عما قبلها لا عنها أو تقديمها عقب المياه، وقد يجاب بأن لهذا الصنيع وجها أيضا وهو أن إزالتها لما كانت شرطا للوضوء والغسل على ما مر وكان لا بد في بعضها من تراب التيمم كانت آخذة طرفا مما قبلها ومما بعدها فتوسطت بينهما إشارة لذلك.
"هي" لغة المستقذر وشرعا بالحد مستقذر يمنع صحة الصلاة حيث لا مرخص وحدت بغير ذلك، وقد بسطت الكلام عليه في شرح العباب بما لا يستغنى عن مراجعته لكثرة فوائده وعزة أكثرها وبالعد وسلكه لسهولة معرفتها به وإشارة إلى أن الأصل في الأعيان الطهارة؛ لأنها خلقت لمنافع العباد وإنما تحصل أو تكمل بالطهارة وإلى أن ما عدا ما ذكره. ونحوه طاهر "كل مسكر" أي صالح للإسكار فدخلت القطرة من المسكر وأريد به هنا مطلق المغطي للعقل لا ذو الشدة المطربة وإلا لم يحتج لقولهم "مائع" كخمر بسائر أنواعها وهي المتخذة من العنب، ونبيذ وهو المتخذ من غيره لأنه تعالى سماها رجسا وهو شرعا النجس ولا يلزم منه نجاسة ما بعدها في الآية؛ لأن النجس إما مجاز فيه والجمع بين

 

ج /1 ص -100-      الحقيقة والمجاز جائز وعلى امتناعه وهو ما عليه الأكثرون. هو من عموم المجاز أو حقيقة لأنه يطلق أيضا على مطلق المستقذر واستعمال المشترك في معانيه جائز استغناء بالقرينة كما في الآية فاندفع ما لابن عبد السلام هنا وفي الحديث "كل مسكر خمر" وخرج بالمائع نحو البنج والحشيش والأفيون وجوزة الطيب وكثير العنبر والزعفران فهذه كلها مسكرة لكنها جامدة فكانت طاهرة والمراد بالإسكار هنا الذي وقع في عبارة المصنف وغيره في نحو الحشيش مجرد تغييب العقل فلا منافاة بينه وبين تعبير غيره بأنها مخدرة خلافا لمن وهم فيه وما ذكرته في الجوزة من أنها مسكرة بالمعنى المذكور وأنها حرام صرح به أئمة المذاهب الثلاثة واقتضاه كلام الحنفية ولا يرد على المتن جامد الخمر ودرديه ولا ذائب نحو حشيش لم تصر فيه شدة مطربة نظرا لأصلهما. "وكلب" للأمر بالتطهير من ولوغه سبعا مع التعفير والأصل عدم التعبد إلا لدليل بعينه ولا دليل على ذلك "وخنزير" لأنه أسوأ حالا منه إذ لا يجوز الانتفاع به في حالة الاختيار بحال مع صلاحيته له فلا يرد نحو الحشرات؛ ولأنه مندوب إلى قتله من غير ضرر، "وفرعهما" أي فرع كل منهما مع الآخر أو مع غيره ولو آدميا تغليبا للنجس إذ الفرع يتبع أخس أبويه في النجاسة وتحريم الذبيحة والمناكحة وأشرفهما في الدين وإيجاب البدل وعقد الجزية والأب في النسب والأم في الحرية. والرق وأخفهما في نحو الزكاة والأضحية وقضية ما تقرر من الحكم بتبعيته لأخس أبويه أن الآدمي المتولد بين آدمي أو آدمية ومغلظ له حكم المغلظ في سائر أحكامه وهو واضح في النجاسة ونحوها وبحث طهارته نظرا لصورته بعيد من كلامهم بخلافه في التكليف؛ لأن مناطه العقل ولا ينافيه نجاسة عينه للعفو عنها بالنسبة إليه بل وإلى غيره نظير ما يأتي في الوشم ولو بمغلظ إذا تعذرت إزالته فيدخل المسجد ويماس الناس ولو مع الرطوبة ويؤمهم؛ لأنه لا تلزمه إعادة ومال الإسنوي إلى عدم حل مناكحته وجزم به غيره؛ لأن في أحد أصليه ما لا يحل رجلا كان أو امرأة ولو لمن هو مثله وإن استويا في الدين وقضية ما يأتي في النكاح من أن شرط حل التسري حل المناكحة أنه لا يحل له وطء أمته بالملك أيضا لكن لو قيل باستثناء هذا إذا تحقق العنت لم يبعد ويقتل بالحر المسلم. قيل لا عكسه لنقصه وقياسه فطمه عن مراتب الولايات ونحوها كالقن بل أولى نعم فيه دية إن كان حرا؛ لأنها تعتبر بأشرف الأبوين كما مر قال بعضهم وبعيد أن يلحق نسبه بنسب الواطئ حتى يرثه ا هـ والوجه عدم اللحوق؛ لأن شرطه حل الوطء أو اقترانه بشبهة الواطئ وهما منتفيان هنا نعم يتردد النظر في واطئ مجنون إلا أن يقال المحل الموطوء هنا غير قابل للوطء فتعذر الإلحاق بالواطئ هنا مطلقا فعلم أنه لا قريب له إلا من جهة أمه إن كانت آدمية والذي يتجه أن له أن يزوج أمته؛ لأنه بالملك لا عتيقته لما تقرر أنه بعيد عن الولايات قال بعضهم ولو وطئ آدمي بهيمة فولدها الآدمي ملك لمالكها ا هـ وهو مقيس. "وميتة غير الآدمي والسمك والجراد" لتحريمها مع عدم إضرارها فلم يكن إلا لنجاستها وزعم إضرارها ممنوع وهي ما زالت حياته بغير ذكاة شرعية فخرج موت الجنين بذكاة أمه والصيد بالضغطة أو قبل إمكان ذكاته والناد بالسهم؛ لأن هذا ذكاتها شرعا واستثنى

 

 

ج /1 ص -101-      منها الآدمي لتكريمه بالنص. وهو في الكافر من حيث ذاته فلا ينافي إهداره لوصف عرضي قام به وللخبر الصحيح: "لا تنجسوا موتاكم" فإن المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا وذكر المسلم للغالب ومعنى نجاسة المشركين في الآية نجاسة اعتقادهم أو المراد اجتنابهم كالنجس والخلاف في غير ميتة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم قيل ومثلهم الشهداء والسمك للإجماع والجراد للإجماع أيضا على ما قاله غير واحد وللخبر الحسن: "أحلت لنا ميتتان ودمان السمك والجراد والكبد والطحال" لكن الصحيح كما في المجموع أن القائل أحلت إلى آخره ابن عمر رضي الله عنهما لكنه في حكم المرفوع ورواية رفع ذلك ضعيفة جدا ومن ثم قال أحمد إنها منكرة وخبر "الجراد أكثر جنود الله لا آكله ولا أحرمه" صريح في حله خلافا لمن وهم فيه وإنما لم يأكله لعذر كالضب على أنه جاء عند أبي نعيم أنهم غزوا سبع غزوات يأكلونه ويأكله معهم ورواية يأكلونه صحت في البخاري وغيره، "ودم" إجماعا حتى ما يبقى على العظام ومن صرح بطهارته أراد أنه يعفى عنه واستثنى منه الكبد والطحال والمسك أي ولو من. ميتة إن تجسد وانعقد وإلا فهو نجس تبعا لها والعلقة والمضغة ومني أو لبن خرجا بلون الدم ودم بيضة لم تفسد "وقيح" لأنه دم مستحيل وصديد وهو ماء رقيق يخالطه دم وكذا ماء قرح أو نفط إن تغير كما سيذكره "وقيء" وإن لم يتغير وإلا استقر في المعدة؛ لأنه فضلة وبلغم المعدة بخلافه من رأس أو صدر كالسائل من فم النائم ما لم يعلم. أنه من المعدة نعم من ابتلي به عفي عنه منه في الثوب وغيره وإن كثر كدم البراغيث كما هو ظاهر وما رجع من الطعام قبل وصوله للمعدة متنجس على ما قاله القفال وأطلق غيره طهارته وكلام المجموع في مواضع يؤيدها ومما يصرح بهما ما نقله الزركشي وغيره عن ابن عدلان وأقروه من أن محل بطلان صلاة من ابتلع طرف خيط وبقي بعضه بارزا إن وصل طرفه للمعدة لاتصال محموله وهو طرفه البارز بالنجاسة حينئذ بخلاف ما إذا لم يصل إليها؛ لأنه الآن ليس حاملا لمتصل بنجس ويظهر على الأول أن ما جاوز مخرج الحاء المهملة من ذلك؛ لأنه باطن وجرة وهي ما يخرجه الحيوان ليجتره ومرة سوداء أو صفراء وهي ما في المرارة لاستحالتهما لفساد، "وروث" بالمثلثة وهو إما خاص بما من الآدمي. كالعذرة أو بما من غير الآدمي أو بما من ذي الحافر أو أعم وهو ما في الدقائق فعلى غيره أريد به الأعم توسعا "وبول" ولو من طائر وسمك وجراد وما لا نفس له سائلة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم سمى الروث ركسا وهو شرعا النجس وأمر بصب الماء على البول، وحكاية جمع مالكية قولا للشافعي بطهارة بول الطفل غلط. واختار جمع متقدمون ومتأخرون طهارة فضلاته صلى الله عليه وسلم وأطالوا فيه ولو قاءت أو راثت بهيمة حبا صلبا بحيث لو زرع نبت فهو متنجس يغسل ويؤكل والعسل يخرج قيل من فم النحل فهو مستثنى من القيء وقيل من دبرها فهو مستثنى من الروث وقيل من ثقبتين تحت جناحها فلا استثناء إلا بالنظر إلى أنه حينئذ كاللبن وهو من غير المأكول نجس وليس العنبر روثا خلافا لمن زعمه بل هو نبات في البحر فما تحقق منه أنه مبلوع متنجس؛ لأنه متجسد غليظ لا يستحيل وجلدة المرارة طاهرة دون ما فيها كالكرش ومنه الخرزة المعروفة فيها لانعقادها من النجاسة كحصى الكلى

 

ج /1 ص -102-      تنبيه: لم أر من تعرض له: صرح بعض الحنفية في لبن الرمكة وهي الفرس. أو البرذونة المتخذة للنسل بأنه مسكر فيه شدة مطربة جدا فإن ثبت ذلك في لبن بعينه قلنا بنجاسته دون غيره؛ لأن الظاهر أن ذلك يختلف باختلاف الطباع وأما الحكم على الجنس كله لوجوده في أفراد منه فبعيد نعم قياس ما مر في الميتة التي لا نفس لها سائلة أنه لو ثبت ذلك في أكثر أفراد الجنس حكمنا به على كله ثم رأيت في بعض كتبهم المعتمدة أن الخلاف فيه ليس من حيث إسكاره؛ لأنه حينئذ كبزر البنج عندهم وهو مباح أي القليل منه بل من حيث إن اللبن تبع للحم وأبو حنيفة له فيه رواية أنه لا يحل، والأصح حله عنده وأن الكلام ليس في اللبن نفسه مطلقا بل في المتخذ منه أي وهو أنه يحمض فإذا حمض كان إسكاره على قدر حمضه، وقد يتخذ منه عرق ليشتد السكر منه وهذا لا شك في نجاسته لصدق حد المسكر عليه ولا فرق بين أكل المحبل وعدمه كحمار أحبل فرسا وشاة ولدت كلبا كما شمله كلامهم وقول الزركشي إنه نجس قطعا ممنوع. وأما لبن الآدمي ولو ذكرا وصغيرة وميتا فظاهر أيضا إذ لا يليق بكرامته أن يكون منشؤه نجسا والزباد لبن مأكول بحري كما في الحاوي ريحه كالمسك وبياضه بياض اللبن فهو طاهر أو عرق سنور بري كما هو المعروف المشاهد وهو كذلك عندنا ويعفى عن قليل شعره كالثلاث كذا أطلقوه ولم يبينوا أن المراد القليل في المأخوذ للاستعمال أو في الإناء المأخوذ منه والذي يتجه الأول إن كان جامدا لأن العبرة فيه بمحل النجاسة فقط فإن كثرت في محل واحد لم يعف عنه وإلا عفي بخلاف المائع فإن جميعه كالشيء الواحد فإن قل الشعر فيه عفي عنه وإلا فلا ولا نظر للمأخوذ.
"والجزء المنفصل من الحي كميتته" طهارة ونجاسة فيد الآدمي طاهرة خلافا لكثيرين وألية الخروف نجسة للخبر الحسن أو الصحيح "ما قطع من حي فهو ميت" نعم فارة المسك المنفصلة في الحياة. ولو احتمالا على الأوجه أو بعد ذكاته طاهرة وإلا لتنجس المسك بها لرطوبته قبل انعقاده قيل ومنه نوع من غير مأكول هو أطيبه وهو المسمى بالتركي فيتعين اجتناب ما علم فيه ذلك لنجاسته، "إلا شعر المأكول فطاهر" إجماعا وكذا الصوف والوبر والريش سواء أنتف أم جز أم تناثر وخرج بشعر المأكول عضو أبين وعليه شعر فإنه نجس وكذا شعره وكذا لحمة عليها ريشة ولا أثر لما بأصلها من الحمرة حيث لا لحم به ولا لشعر خرج مع أصله بخلافه مع قطعة جلد هي منبته وإن قلت أخذا مما تقرر في لحمة عليها ريشة خلافا لما يوهمه كلام بعضهم، ولو شك في شعر أو نحوه أهو من مأكول أم غيره أو هل انفصل من حي أو ميت فهو طاهر؛ لأن الأصل طهارة نحو الشعر وقياسه أن العظم كذلك وبه صرح في الجواهر، "وليست العلقة" وهي دم غليظ استحال عن المني سمي بذلك لعلوقه بكل ما لامسه. "والمضغة" وهي قطعة لحم بقدر ما يمضغ استحالت عن العلقة. "ورطوبة الفرج" أي القبل وهو ماء أبيض متردد بين المذي والعرق يخرج من باطن الفرج. الذي لا يجب غسله بخلاف ما يخرج مما يجب غسله فإنه طاهر قطعا ومن وراء باطن الفرج فإنه نجس قطعا ككل خارج من الباطن كالماء الخارج مع الولد أو قبيله والقطع في ذلك ذكره الإمام واعترض بأن المنقول جريان الخلاف في الكل "بنجس" من

 

ج /1 ص -103-      تنبيه: لم أر من تعرض له: صرح بعض الحنفية في لبن الرمكة وهي الفرس. أو البرذونة المتخذة للنسل بأنه مسكر فيه شدة مطربة جدا فإن ثبت ذلك في لبن بعينه قلنا بنجاسته دون غيره؛ لأن الظاهر أن ذلك يختلف باختلاف الطباع وأما الحكم على الجنس كله لوجوده في أفراد منه فبعيد نعم قياس ما مر في الميتة التي لا نفس لها سائلة أنه لو ثبت ذلك في أكثر أفراد الجنس حكمنا به على كله ثم رأيت في بعض كتبهم المعتمدة أن الخلاف فيه ليس من حيث إسكاره؛ لأنه حينئذ كبزر البنج عندهم وهو مباح أي القليل منه بل من حيث إن اللبن تبع للحم وأبو حنيفة له فيه رواية أنه لا يحل، والأصح حله عنده وأن الكلام ليس في اللبن نفسه مطلقا بل في المتخذ منه أي وهو أنه يحمض فإذا حمض كان إسكاره على قدر حمضه، وقد يتخذ منه عرق ليشتد السكر منه وهذا لا شك في نجاسته لصدق حد المسكر عليه ولا فرق بين أكل المحبل وعدمه كحمار أحبل فرسا وشاة ولدت كلبا كما شمله كلامهم وقول الزركشي إنه نجس قطعا ممنوع. وأما لبن الآدمي ولو ذكرا وصغيرة وميتا فظاهر أيضا إذ لا يليق بكرامته أن يكون منشؤه نجسا والزباد لبن مأكول بحري كما في الحاوي ريحه كالمسك وبياضه بياض اللبن فهو طاهر أو عرق سنور بري كما هو المعروف المشاهد وهو كذلك عندنا ويعفى عن قليل شعره كالثلاث كذا أطلقوه ولم يبينوا أن المراد القليل في المأخوذ للاستعمال أو في الإناء المأخوذ منه والذي يتجه الأول إن كان جامدا لأن العبرة فيه بمحل النجاسة فقط فإن كثرت في محل واحد لم يعف عنه وإلا عفي بخلاف المائع فإن جميعه كالشيء الواحد فإن قل الشعر فيه عفي عنه وإلا فلا ولا نظر للمأخوذ.
"والجزء المنفصل من الحي كميتته" طهارة ونجاسة فيد الآدمي طاهرة خلافا لكثيرين وألية الخروف نجسة للخبر الحسن أو الصحيح "ما قطع من حي فهو ميت" نعم فارة المسك المنفصلة في الحياة. ولو احتمالا على الأوجه أو بعد ذكاته طاهرة وإلا لتنجس المسك بها لرطوبته قبل انعقاده قيل ومنه نوع من غير مأكول هو أطيبه وهو المسمى بالتركي فيتعين اجتناب ما علم فيه ذلك لنجاسته، "إلا شعر المأكول فطاهر" إجماعا وكذا الصوف والوبر والريش سواء أنتف أم جز أم تناثر وخرج بشعر المأكول عضو أبين وعليه شعر فإنه نجس وكذا شعره وكذا لحمة عليها ريشة ولا أثر لما بأصلها من الحمرة حيث لا لحم به ولا لشعر خرج مع أصله بخلافه مع قطعة جلد هي منبته وإن قلت أخذا مما تقرر في لحمة عليها ريشة خلافا لما يوهمه كلام بعضهم، ولو شك في شعر أو نحوه أهو من مأكول أم غيره أو هل انفصل من حي أو ميت فهو طاهر؛ لأن الأصل طهارة نحو الشعر وقياسه أن العظم كذلك وبه صرح في الجواهر، "وليست العلقة" وهي دم غليظ استحال عن المني سمي بذلك لعلوقه بكل ما لامسه. "والمضغة" وهي قطعة لحم بقدر ما يمضغ استحالت عن العلقة. "ورطوبة الفرج" أي القبل وهو ماء أبيض متردد بين المذي والعرق يخرج من باطن الفرج. الذي لا يجب غسله بخلاف ما يخرج مما يجب غسله فإنه طاهر قطعا ومن وراء باطن الفرج فإنه نجس قطعا ككل خارج من الباطن كالماء الخارج مع الولد أو قبيله والقطع في ذلك ذكره الإمام واعترض بأن المنقول جريان الخلاف في الكل "بنجس" من

 

ج /1 ص -104-      الحيوان الطاهر وقول الشارح من الآدمي ليس لإخراجها من غيره بل لبيان أن مقابل الأصح فيها أقوى من غيره منه فيها من الآدمي كما يعلم من تقريره له "في الأصح" أما الأوليان فأولى من المني؛ لأنهما أقرب منه إلى الحيوانية وأما قول الإسنوي شرطهما على طريقة الرافعي أن يكونا من الآدمي لنجاسة مني غيره عنده وهما أولى منه بالنجاسة ويدل له جزم الرافعي بطهارة مني الآدمي وحكايته خلافا قويا في نجاستهما منه ا هـ. فمردود بأنهما أقرب إلى الحيوانية منه وهو أقرب إلى الدموية منهما وفيه نظر؛ لأن أصالة المني لم يعارضها فيه ما يبطلها وأصالتهما عارضها عند مقابل الأصح القائل بنجاستهما ما أبطلها وهو أن العلقة دم كالحيض والمضغة قطعة لحم فهي كميتة الآدمي النجسة على قول للشافعي فلهذا اتضح جزم الرافعي بطهارة المني وحكايته الخلاف القوي في نجاستهما لكنا مع ذلك لا نجزم على طريقة الرافعي بما قاله الإسنوي من تقييدهما بكونهما من الآدمي بل ذلك محتمل لما ذكر ولإطلاق طهارتهما من الحيوان الطاهر نظرا إلى أقربيتهما من الحيوانية ولا يعارضه جزم الرافعي بطهارته وحكايته الخلاف في نجاستهما؛ لأنه تابع في ذلك للأصحاب الناظرين لما ذكرته أن أصالة المني لم يعارضها شيء بخلاف أصالتهما وأما الأخيرة ولا فرق بين انفصالها وعدمه على المعتمد فلأنها كالعرق. وتولدها من محل النجاسة غير متيقن خلافا لمن زعمه فلا ينظر إليه وبفرضه فضرورة وصول ذكر المجامع والبيض والولد لمحلها أوجبت طهارتها حتى لا يتنجس ذكره بها كالبيض والولد ومن ثم قال في المجموع في موضع لا يجب غسل المولود إجماعا وإن قلنا بنجاسة الرطوبة. وبحث البلقيني أن رطوبة ثقبة بول المرأة نجسة قطعا إن كان أصلها. من الخارج وكذا إن شك؛ لأن الأصل في مثل هذه النجاسة إلا ما تحقق استثناؤه وكذا رطوبة فرج الحيوان الطاهر فإنه مخرج البول وكذا رطوبة الدبر قال وقضية كلام البغوي الجزم بطهارة رطوبة باطن الذكر أي وصرح به جمع ولا شك أن مخرجي المني والبول يجتمعان في ثقبته فإن كان البلل من مجرى المني فطاهر أو من مجرى البول أو شك فنجس ا هـ. وما ذكره ظاهر إلا في مسألة فرج الحيوان لما مر فيه وإلا في مسألة الشك فالذي يتجه فيه في الجميع الطهارة ودعواه الأصل السابق ممنوعة؛ لأن تلك الرطوبة مشابهة للعرق كما علم مما مر فلا نحكم بنجاستها إلا إن علم اختلاطها بنجس.
"ولا يطهر نجس العين" بغسل لأنه إنما شرع لإزالة ما طرأ على العين ولا استحالة إلى نحو ملح؛ لأن حقيقة الاستحالة هنا أن يبقى الشيء بحاله وإنما تغيرت صفاته فقط لكن يستثنى من هذا شيئان لا ثالث لهما في الحقيقة للنص عليهما ولعموم الاحتياج بل الاضطرار إليهما ومن ثم قال "إلا خمرا" ولو غير محترمة وأراد بها هنا مطلق المسكر ولو من نحو زبيب وتمر وحب لتصريحه كالأصحاب في بابي الربا والسلم بحل تلك المستلزم لطهارتها على أن أهل الأثر ومالكا وأحمد على وصفه بذلك كما هو قول للشافعي "تخللت" بنفسها من غير مصاحبة عين أجنبية لها لأن علة النجاسة والتحريم الإسكار، وقد زال ولحل اتخاذ الخل إجماعا وهو مسبوق بالتخمر قيل إلا في ثلاث صور فلو لم يطهر

 

ج /1 ص -105-      لتعذر اتخاذه ولا يرد على إطلاقه خلافا لمن زعمه تخلل ما وقع فيه خمر أو عظم نجس ثم نزع قبل تخلله لأن مانع الطهارة هنا تنجسه لا كونه خمرا.
تنبيه: المستثنى إنما هو الخمر بقيد التخلل لا مطلقا كما هو واضح فاندفع ما قيل في عبارته تساهل؛ لأن الطهر للخل لا للخمر ويتفرع على سبق الخل بالتخمر الحنث في أنت طالق إن تخمر هذا العصير فتخلل ولم يعلم تخمره نظرا للغالب أو المطرد.
"وكذا إن نقلت من شمس إلى ظل وعكسه" فتطهر "في الأصح" إذ لا عين "فإن خللت بطرح شيء" كملح أو وقع فيها بلا طرح وبقي إلى تخللها وإن لم يكن له أثر في التخلل أو نزع، وقد انفصل منه شيء أو كان نجسا وإن نزع فورا كما مر نعم يستثنى نحو حبات العناقيد مما يعسر التنقي منه كما يصرح به كلام المجموع وجرى عليه جمع متقدمون ومتأخرون خلافا لآخرين وإن أولوا كلام المجموع وبنوا كلام غيره على ضعيف إذ لا ملجئ لهم إلى ذلك. وكذا ما احتيج إليه لعصر يابس أو استقصاء عصر رطب؛ لأنه من ضرورته "فلا" تطهر ويحرم تعمد ذلك لخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر تتخذ خلا فقال
"لا" وعلته تنجس المطروح بالملاقاة فينجس الخل، وقيل لأنه استعجل إلى مقصوده بفعل محرم فعوقب بنقيض قصده كما لو قتل مورثه وعلى هذا لا تطهر بالنقل السابق وهو مقابل الأصح ثم ويطهر بطهرها طرفها وما ارتفعت إليه لكن بغير فعله تبعا لها وفي معنى تخلل الخمر انقلاب دم الظبية مسكا ونحوه لا دم البيضة فرخا؛ لأنه بانقلابه إليه يتبين أنه طاهر؛ لأنه أصل حيوان كالمني وعند عدم انقلابه إن كانت عن كبس ذكر. فكذلك لصلاحيته لمجيء الفرخ منه وإلا فلا وبه يجمع بين تناقض المصنف فيه.
تنبيه: يكثر السؤال عن زبيب يجعل معه طيب متنوع وينقع ثم يصفى فتصير رائحته كرائحة الخمر والذي يتجه فيه أن ذلك الطيب إن كان أقل من الزبيب تنجس وإلا فلا ولا عبرة بالرائحة أخذا من قولهم لو ألقي على عصير خل دونه أي وزنا كما هو ظاهر تنجس؛ لأنه لقلة الخل فيه يتخمر وإلا فلا لأن الأصل والظاهر عدم التخمر ويؤخذ منه أنهم نظروا في هذا للمظنة حتى لو قال خبير إن شاهدناه من حين الخلط في الأولى إلى التخلل ولم يشتد ولا قذف بالزبد لم يلتفت لقولهما وكذا لو قالا في الأخيرتين شاهدناه اشتد وقذف بالزبد ويحتمل الفرق بأن الاشتداد قد يخفى فلم ينظر لقولهما في الأولى بخلاف ما بعدها؛ لأنهما أخبرا بمشاهدة الاشتداد فلم يمكن إلغاء قولهم إلا إن قلنا إن ما نيط بالمظنة لا نظر لتخلفه في بعض أفراده وأن العلامة لا يلزم من وجودها وجود ما هي علامة عليه كما صرحوا به، فحينئذ يتجه إطلاقهم النجاسة والحرمة في الأولى وعدمهما في الأخيرتين وظاهر أن الخل في كلامهم مثال فيلحق به كل ما في معناه مما لا يقبل التخمر ويمنع من وجوده إن غلب أو ساوى.
تنبيه آخر: اختلف في انقلاب الشيء عن حقيقته كالنحاس إلى الذهب فقيل نعم لانقلاب العصا ثعبانا حقيقة بدليل
{فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} [طه:20] وإلا لبطل الإعجاز ولا

 

ج /1 ص -106-      مانع في القدرة من توجه الأمر التكويني إلى ذلك وتخصيص الإرادة له، وقيل لا لأن قلب الحقائق محال والقدرة لا تتعلق به، والحق الأول بمعنى أنه تعالى يخلق بدل النحاس ذهبا على ما هو رأي المحققين أو بأن يسلب عن أجزاء النحاس الوصف الذي صار به نحاسا ويخلق فيه الوصف الذي يصير به ذهبا على ما هو رأي بعض المتكلمين من تجانس الجواهر واستوائها في قبول الصفات، والمحال إنما هو انقلابه ذهبا مع كونه نحاسا لامتناع كون الشيء في الزمن الواحد نحاسا وذهبا، ومن ثم اتفق أئمة التفسير على ما مر في العصا بأحد هذين الاعتبارين المذكورين وبثانيهما يتجه قول أئمتنا في كلب مثلا وقع في مملحة فاستحال ملحا أنه باق على نجاسته بل وعلى الأول أيضا؛ لأنه غير متيقن فعملوا بالأصل.
تنبيه آخر: كثيرا ما يسأل عن علم الكيمياء وتعلمه هل يحل أو لا ولم نر لأحد كلاما في ذلك وظاهر أنه ينبني على هذا الخلاف فعلى الأول من علم العلم الموصل لذلك القلب علما يقينيا جاز له عمله وتعليمه إذ لا محذور فيه حينئذ بوجه وما تخيل أنه من هتك سر القدر وهو لا يجوز إفشاؤه كما في تفسير البيضاوي في
{بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [المائدة:67] فيرد بمنع أن هذا منه؛ لأن ما وضع له علم يتوصل إليه به لا يسمى العمل به هتكا لذلك وإنما الذي منه فعل الخضر صلى الله عليه وسلم في قتل الغلام وفي بعض حواشي البيضاوي المعتمدة هذا منه منزع صوفي وهو يؤيد ما ذكرته أن الهتك إنما هو في نحو فعل الخضر صلى الله عليه وسلم مما يكشفه الله لأخصائه موهبة إلهية من غير تعلم ولا استعداد، وإن قلنا بالثاني أو لم يعلم الإنسان ذلك العلم اليقيني وكان ذلك وسيلة للغش فالوجه الحرمة وكذا تطهير نحو نحاس حتى يقبل صبغا أو خلطا؛ لأنه غش صرف نعم إن باعه لمن يعلمه بحقيقته جاز ما لم يظن أنه يغش به غيره كبيع العنب لعاصر الخمر وتخيل أن الصبغ الذي لا ينكشف ملحق بقلب الأعيان فاسد لقولهم ضابط الغش أن يكون فيه وصف لو اطلع عليه لم يرغب فيه بذلك الثمن أي ولا تقصير من المشتري لما يأتي في زجاجة ظنها جوهرة وهنا لا تقصير إذ يعز الاطلاع على حقيقة ذلك المصبوغ، فإن قلت صرحوا بكراهة ضرب مثل سكة الإمام، وظاهره حل ضرب مغشوش غشه بقدر غش مضروب الإمام قلت هذا الظاهر متجه إذ لا محذور حينئذ حيث كان يساويه غشا وليونة بحيث لا يتفاوت ثمنهما.
"و" إلا "جلد نجس بالموت" خرج به جلد المغلظ "فيطهر بدبغه" واندباغه وآثر الأول لأنه الغالب "ظاهره" وهو ما لاقاه الدباغ "وكذا باطنه" وهو ما لم يلاقه. من أحد الوجهين أو ما بينهما "على المشهور" للأخبار الصحيحة فيه كخبر إذا دبغ الإهاب فقد طهر ودعوى أن الدباغ لا يصل لباطنه ممنوعة بل يصلحه بواسطة الرطوبة فيجوز بيعه والصلاة فيه واستعماله في الرطب نعم يحرم أكله من مأكول لانتقاله لطبع الثياب ولا يطهر شعره إذ لا يتأثر بالدباغ لكن يعفى عن قليله عرفا فيطهر حقيقة تبعا كدن الخمر واختار كثيرون طهارة جميعه؛ لأن الصحابة قسموا الفراء وهي من دباغ المجوس وذبحهم ولم ينكره أحد بل نقل جمع أن الشافعي رجع عن تنجس شعر الميتة وصوفها ويجاب بأن الرجوع لم يصح والاختيار لم يتضح؛ لأنها واقعة حال فعلية محتملة ذبح المجوس من حيث الجنس وهو

 

ج /1 ص -107-      لا يؤثر إلا إن شوهد في شيء بعينه فعلى مدعي ذلك إثباته ومن ثم علم ضعف ما مال إليه غير واحد وإن ألف فيه بعضهم من منع الصلاة في فراء السنجاب لأنه لا يذبح ذبحا صحيحا بل الصواب حلها؛ لأن ذلك لم يعلم في شيء بعينه مطلقا فهو من باب ما غلب تنجسه يرجع لأصله وكذا يقال في نظائر ذلك كالجبن الشامي المشتهر عمله بإنفحة الخنزير، وقد جاءه صلى الله عليه وسلم جبنة من عندهم فأكل منها ولم يسأل عن ذلك "والدبغ نزع فضوله" أي هو حقيقته أو المقصود منه والاندباغ انتزاعها وهو ما يعفنه من نحو لحم ودم "بحريف" وهو ما يلذع اللسان بحرافته. كقرظ وشب بالموحدة وشث بالمثلثة وذرق طير للخبر الحسن يطهرها أي الميتة الماء والقرظ وضابط نزعها منه أن يكون بحيث لو نقع في الماء لم يعد إليه النتن وهو مراد من عبر بالفساد أو هو أعم ليشمل نحو شدة تصلبه وسرعة بلائه لكن في إطلاق ذلك نظر. والذي يتجه أن ما عدا النتن إن قال خبيران إنه لفساد الدبغ ضر وإلا فلا؛ لأنا نجد ما اتفق على إتقان دبغه يتأثر بالماء فلا ينبغي النظر لمطلق التأثر به بل لتأثر يدل على فساد الدبغ "لا شمس وتراب" وملح وإن جف وطاب ريحه لأنها لم تزل لعود عفونته بنقعه في الماء "ولا يجب الماء" وفي نسخة ماء "في أثنائه" أي الدبغ "في الأصح" لأنه إحالة لا إزالة والمقصود يحصل برطب غيره، وذكر الماء في الخبر السابق شرط لحصول الطهارة الكاملة لا لأصلها بدليل حذفه من الحديث الأول "والمدبوغ كثوب نجس" أي متنجس لملاقاته للدباغ النجس أو الذي تنجس به قبل طهر عينه فيجب غسله بماء طهور مع التتريب والتسبيع إن أصابه مغلظ وإن سبع وترب قبل الدبغ؛ لأنه حينئذ لا يقبل الطهارة، "وما نجس" ولو من صيد ما عدا التراب إذ لا معنى لتتريبه "بملاقاة" المفاعلة هنا غير مرادة كعاقبت اللص "شيء" غير داخل ماء كثير كما اقتضاه كلام المجموع لكن ظاهر كلام التحقيق أنه لا فرق ويوجه بأن الكثير بمجرده لا يطهر المغلظ فلا يمنعه ابتداء وكان هذا هو وجه اعتماد الأذرعي وغيره للثاني ولم ينظر والتصريح للإمام وغيره بالأول؛ لأنه مبني على قول الإمام ومن تبعه بطهارة الإناء تبعا في الصورة الآتية قريبا مع بيان ضعفه. ولو وصل شيء من مغلظ وراء ما يجب غسله من الفرج فهل ينجسه فيتنجس ما وصل إليه كذكر المجامع أو لا؛ لأن الباطن لا ينجسه ما لاقاه كل محتمل فعلى الثاني يستثنى هذا من المتن "من نحو بدن" أو عرق "كلب" وإن تعدد أو متنجس به "غسل سبعا". فيه رد على من أورد عليه تنجس ماء كثير بنحو بوله فإنه يطهر بزوال التغير على أن القليل كذلك ويطهر بالكثيرة فهو الذي يرد ببادئ الرأي أما ظرفه فلا يطهر إلا بما يأتي فإنه بعد تنجسه بمغلظ لم يعهد طهره بغير التسبيع بخلاف الماء عهد فيه الطهر بزوال التغير والمكاثرة فلا تبعية خلافا لمن زعمها "إحداهن بالتراب" الطهور للحديث الصحيح: "طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب" وإذا وجب ذلك في ولوغه مع أن فمه أطيب ما فيه لكثرة لهثه فغيره أولى وفي رواية "أخراهن"، وفي أخرى "الثامنة" أي لمصاحبة التراب لها بدليل رواية "السابعة" وفي أخرى إحداهن وهي مبينة لأن النص على الأولى لبيان الأفضل والأخرى لبيان الجواز وبفرض عدم ثبوتها

 

ج /1 ص -108-      فالقاعدة أن القيود إذا تنافت سقطت وبقي أصل الحكم وأوفى رواية أولاهن أو أخراهن شك من الراوي كما بينه البيهقي ومزيل العين غسلة واحدة وإن تعدد وفارق ما مر في الاستنجاء بالحجر ببنائه على التخفيف وبحث أنه لا يعتد بالتتريب قبل إزالة العين. وهو متجه المعنى ويكفي مرور سبع جريات وتحريكه سبعا. ويظهر أن الذهاب مرة والعود أخرى ويفرق بينه وبين ما يأتي في تحريك اليد في الحك في الصلاة بأن المدار ثم على العرف في الراكد من غير تراب في نحو النيل أيام زيادته فعلم أن الواجب من التراب ما يكدر الماء ويصل بواسطته لجميع أجزاء النجس سواء أمزجهما قبل ثم صبهما عليه وهو الأولى خروجا من الخلاف أم سبق وضع الماء أو التراب وإن كان المحل رطبا لأنه وارد كالماء وقولهم لا يكفي ذره عليه ولا مسحه أو دلكه به المراد بمجرده "والأظهر تعين التراب". لأنه مأمور به للتطهير إذ القصد منه الجمع بين نوعي الطهور فلم يقم غيره من نحو أشنان أو صابون مقامه كالتيمم وبه فارق عدم تعين نحو القرظ في الدباغ "و" الأظهر "أن الخنزير ككلب" لما مر أنه أسوأ حالا منه ومثله المتولد منه أو من كلب مع طاهر آخر "ولا يكفي تراب نجس" ولا مستعمل في الأصح؛ لأنه لم يحصل الجمع بين نوعي الطهور ومن ثم اشترط في التراب هنا ما يأتي في التيمم نعم المختلط برمل خشن أو ناعم ونحو دقيق قليل لا يؤثر في التغير يكفي هنا كما هو ظاهر لحصول المقصود. به هنا لا ثم والطين تراب تيمم بالقوة فيكفي "ولا" تراب "ممزوج بمائع" وهو هنا ما عدا الماء الطهور "في الأصح" للنص على غسله بالماء سبعا مع مصاحبة التراب لإحداهن. ومحل عدم الإجزاء فيما إذا غسله بالماء سبعا الذي أطلقه في التنقيح أن غير المائع الماء أو كأن وضع الممزوج بمائع بعد جفاف المحل بحيث لا يمتزج بالماء وفي تحقيق محل الخلاف الذي في المتن بسط ليس هذا محله، "وما نجس ببول صبي" ذكر محقق "لم يطعم" بفتح أوله أي يذق للتغذي "غير لبن" ولم يجاوز سنتين. "نضح" بأن يعمه الماء وإن لم يسل كما فعله صلى الله عليه وسلم مع قوله المراد به الإنشاء في الخبر الصحيح: "يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام" ومثلها الخنثى وفارقت الذكر بأن الابتلاء بحمله أكثر أما إذا أكل غير لبن للتغذي كسمن أو جاوز سنتين فيتعين الغسل ولا يضر تناول شيء للتحنيك أو للإصلاح ولا لبن آدمي أو غيره ولو نجسا على الأوجه؛ لأن للمستحيل في الباطن حكم المستحال إليه ومن ثم لو أكل أو شرب مغلظا لزمه غسل قبله ودبره مرة لا غير وأجزأه الحجر والنص بوجوب السبع مع التراب محمول على ما إذا نزل المغلظ بعينه غير مستحيل خلافا لما في فتاوى البلقيني، "وما نجس بغيرهما" أي المغلظ والمخفف "إن لم يكن" أي يوجد فيه "عين". بأن كان الذي نجسه حكمية وهي التي لا تحس ببصر ولا شم ولا ذوق والعينية نقيض ذلك "كفى جري الماء" على ذلك المحل بنفسه وبغيره مرة إذ ليس ثم ما يزال ومن ذلك سكين سقيت نجسا وحب نقع في بول ولحم طبخ به فيطهر باطنها أيضا بصب الماء على ظاهرها ويفرق بينها وبين نحو آجر نقع في نجس فإن الظاهر أنه لا بد من نقعه فيه حتى يظن وصوله لجميع ما وصل إليه الأول بأن الأول يشبه تشرب المسام وهو لا يؤثر كما لو نزل صائم في ماء

 

ج /1 ص -109-      فأحس به في جوفه وأيضا فباطن تلك يشبه الأجواف وهي لا طهارة عليها كما نص عليه بخلاف نحو الآجر فيهما وفارق نحو السكين لبنا عجن بمائع نجس ثم حرق فإنه لا يطهر باطنه بالغسل إلا إذا دق وصار ترابا أو نقع حتى وصل الماء لباطنه بتيسر رده إلى التراب وتأثير نقعه فيه بخلاف تلك فإن في رد أجزاء بعضها حتى تصير كالتراب مشقة تامة وضياع مال. وبعضها لا يؤثر فيه النقع وإن طال نعم نص الشافعي رضي الله عنه على العفو عما عجن من الخزف بنجس أي يضطر إليه فيه واعتمده كثيرون وألحقوا به الآجر المعجون به "وإن كانت" عين فيه من غيرهما بل أو من أحدهما على الأوجه في المخففة والاكتفاء بالنضح فيها إنما هو للغالب من زوال أوصافها به "وجب" بعد زوال عينها "إزالة" أوصافها من "الطعم" وإن عسر لأن بقاءه دليل على بقاء العين، والأوجه جواز ذوق المحل إذا غلب على ظنه زوال طعمه للحاجة، "ولا يضر" في الحكم بطهر المحل حقيقة "بقاء لون أو ريح" يدرك بشم المحل أو بالهواء وظاهر أنه بعد ظن الطهر لا يجب شم ولا نظر نعم ينبغي سنه هنا فعلم أنه لو زال شمه أو بصره خلقة أو لعارض لم يلزمه سؤال غيره أن يشم أو ينظر له "عسر زواله". ولو من مغلظ بأن لم تتوقف إزالته على شيء أو توقفت على نحو صابون ولم يجده فيما يظهر للمشقة فإن وجده أي بثمن مثله فاضلا عما يعتبر في التيمم فيما يظهر أيضا بجامع أن كلا فيه تحصيل واجب خوطب به ومن ثم اتجه أيضا أن يأتي هنا التفصيل الآتي فيما إذا وجده بحد الغوث أو القرب نعم لا يجب قبول هبة هذا؛ لأن فيها منة بخلاف الماء أو توقفت على نحو حت وقرص لزمه وتوقفت الطهارة عليه ويظهر أن المدار في التوقف على ظن المطهر. وعليه يظهر أيضا أن محله إن كان له خبرة وحينئذ لا يلزمه الرجوع لقول غيره وإلا سأل خبيرا ويظهر أيضا أنه لو عرف من مغير شيئا لم يطرده فيه لاختلاف اللصوق بالمحل بالإعراض من نحو هواء ومزاج كما هو مشاهد وأفهم المتن أن المصبوغ بالنجس متى تيقنت فهي عين النجاسة بأن ثقل. أو كانت تنفصل مع الماء اشترط زوالها أو لونها أو ريحها فقط وعسر عفي عنه ومر أوائل الطهارة ما لو زال الريح ثم عاد وفي الاستنجاء جواز الاستعانة بنحو العسل والملح "وفي الريح" العسر الزوال "قول" إنه يضر وفي اللون وجه أيضا "قلت فإن بقيا معا" بمحل واحد "ضر على الصحيح والله أعلم" لقوة دلالتهما على بقاء العين وندرة العجز عنهما بخلاف ما لو بقيا بمحلين أو محال من نحو ثوب واحد ولا يتأتى فيه الخلاف فيما لو تفرقت دماء في ثوب كل منها قليل ولو اجتمعت لكثرت لأن ما هنا طاهر محله حقيقة وتلك نجسة معفو عنها بشرط القلة فإذا كثرت ولو بالنظر لمجموعها ضر عند المتولي ولم يضر عند الإمام واستفيد من المتن أن الأرض إذا لم تتشرب ما تنجست به لا بد من إزالة عينه قبل صب الماء القليل عليها كما لو كان في إناء وهو المعتمد، ومر في شرح قوله فإن كوثر بإيراد طهور إلى آخره ما يؤيده وإفتاء بعضهم بخلاف ذلك توهما من بعض العبارات غير صحيح وبعضهم بأن صب الماء على عين بول يطهره إذا لم يزد بها وزن الغسالة يحمل كما أشار إليه التقييد على آثار العين دون جرمها. وقول الماوردي إذا صب عليها ماء فغمرها أي بحيث

 

ج /1 ص -110-      استهلكت فيه طهر المحل والماء لا يختلف فيه أصحابنا طريقة ضعيفة؛ لأن مراده العراقيون وهم قائلون بالضعف المار في قول المتن فلو كوثر بإيراد طهور إلى آخره ولو كانت النجاسة جامدة فتفتت واختلطت بالتراب لم يطهر كالمختلط بنحو صديد بإفاضة الماء عليه مطلقا بل لا بد من إزالة جميع التراب المختلط بها.
"ويشترط" في طهر المحل "ورود الماء" القليل على المحل النجس وإلا تنجس لما مر فلا يطهر غيره لاستحالته وفارق الوارد بقوته لكونه عاملا ومن ثم لم يفترق الحال بين المنصب من أنبوب والصاعد من فوارة مثلا فلو تنجس فمه كفى أخذ الماء بيده إليه وإن لم يعلها عليه ويجب غسل كل ما في حد الظاهر منه ولو بالإدارة كصب ماء في إناء متنجس وإدارته بجوانبه. ولا يجوز له ابتلاع شيء قبل تطهيره وأفتى ابن كبن في مطر نازل وسط إناء متنجس كله بنجاسته فلا يطهره ويتعين حمله على نقط قليلة لم يتجاوز كل محلها؛ لأنها غير واردة حينئذ إذ هو كما تقرر العامل بأن أزال النجاسة عن محل نزوله فما تقرر هنا وأول الطهارة في طهارة نحو الإناء بالإدارة وإن لم تكن عقب الصب مفروض في وارد له قوة قهرت النجاسة بخلاف تلك النقط ولو على ثوب متنجس فإن كلا منها لما لم تتجاوز محلها لم تكن واردة فمحلها باق على نجاسته؛ لأنها لما عمته لم تكن للنقط النازلة بالبعض قوة على تطهيره "لا العصر" ولو فيما له حمل كالبساط "في الأصح" لطهارة الغسالة بشرطها الآتي والبلل الباقي فيه بعضها. ومحل الخلاف إن صب عليه في إجانة مثلا فإن صب عليه وهو بيده لم يحتج لعصر قطعا كالنجاسة المخففة والحكمية "والأظهر طهارة غسالة" لنجاسة عفي عنها كدم أو لا والتفرقة بينهما غير صحيحة؛ لأن محلها قبل الغسل ويؤيد ذلك ما مر أن ماء المعفو عنه مستعمل "تنفصل" عن المحل وهي قليلة "بلا تغير" ولا زيادة وزن. بعد اعتبار ما يأخذه الثوب من الماء ويعطيه من الوسخ الطاهر ويظهر الاكتفاء فيهما بالظن "وقد طهر المحل" بأن لم يبق فيه طعم ولا لون أو ريح سهل الزوال ونجاستها إن تغير أحد أوصافها أو زاد وزن الماء أو لم يطهر المحل؛ لأن البلل الباقي به بعض المنفصل فلزم من طهارته بعده طهارته ومن نجاسته نجاسته وإلا وجد التحكم فعلم أنها قبل الانفصال عن المحل حيث لم تتغير هي طاهرة قطعا وأن حكمها حكم المحل بعد الغسل فلو تطاير شيء من أول غسلات المغلظ قبل التتريب غسل ما أصابه ستا إحداهن بتراب أو من السابعة لم يجب شيء وأن غسالة المندوب كالغسلة الثانية والثالثة بعد طهر المحل في المتوسطة والمغلظة، وكذا المخففة فيما يظهر خلافا لبعضهم وسقوط وجوب الغسل فيها للترخيص لا يقتضي سقوط ندب التثليث فيها ألا ترى أن الغسل لما سقط عن الرأس في الوضوء لذلك لم يسقط تثليثه وإذا ندب في المتوهمة كما مر ثم فأولى المتيقنة طهور وأنه يتعين في نحو الدم إذا أريد غسله بالصب عليه في جفنة مثلا والماء قليل. إزالة عينه وإلا تنجس الماء بها بعد استقراره معها فيها ومال جمع متأخرون إلى المسامحة مع زيادة الوزن؛ لأنه عند عدم الزيادة النجاسة في الماء والمحل أو أحدهما ولكن أسقط الشارع اعتباره فلم يفترق الحال بين الزيادة وعدمها ويرد بأنها حيث لم توجد فالماء قهر

 

ج /1 ص -111-      النجاسة وأعدمها فكأنها لم توجد ولا كذلك مع وجودها. ومر ما يعلم منه أنه متى عسرت إزالة النجاسة عن المحل نظر للغسالة فقط فإن لم ينقطع اللون أو الريح مع الإمعان ويظهر ضبطه بأن يحصل بالزيادة عليه مشقة لا تحتمل عادة بالنسبة للمطهر في الغسل مع نحو صابون أو قرض ارتفع التكليف واستثنى من أن لها حكم المحل تغيره بالمغلظة أو زيادة وزنها فيجب التسبيع بالتراب من رشاشها مع أن المحل يطهر بما بقي من السبع وفيه نظر، وكلامهم يأباه وكما سومح في الاكتفاء في المحل بما بقي من السبع مع أن الباقي به فيه عين النجاسة فكذا غسالته على أن لك أن تأخذ مما مر أن مزيل العين مرة أنه متى نزلت الغسالة متغيرة أو زائدة الوزن لا تحسب من السبع وإنما يبتدأ حسبانها بعد زوال التغير وعدم الزيادة وأفتى بعضهم في مصحف تنجس بغير معفو عنه بوجوب غسله وإن أدى إلى تلفه. ولو كان ليتيم ويتعين فرضه على ما فيه فيما إذا مست النجاسة شيئا من القرآن بخلاف ما إذا كانت في نحو الجلد أو الحواشي، "ولو تنجس مائع" غير الماء وهو المتراد منه على قرب أي عرفا كما هو ظاهر ما يملأ محل المأخوذ منه وضده الجامد "تعذر تطهيره" لتقطعه فلا يعم الماء أجزاءه ومن ثم كان الزئبق مثله وإن كان على صورة الجامد ومن ثم يشترط في تنجسه توسط رطوبة، وذلك لأنه يتقطع تقطعا مختلفا كل وقت فتبعد ملاقاة الماء لجميع ما تنجس منه ولهذا لو لم يتخلل بين تنجسه وغسله تقطع كان كالجامد فيطهر بغسل ظاهره، "وقيل يطهر الدهن" إن تنجس بغير دهن "بغسله" ويرده الحديث الصحيح في الفارة تموت في السمن "إن كان جامدا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعا فلا تقربوه" وفي رواية "فأريقوه" إذ لو أمكن طهره شرعا لم يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإراقته لما فيه من إضاعة المال نعم محل وجوب إراقته حيث لم يرد استعماله في نحو وقود أو إسقاء دابة أو عمل نحو صابون به ويأتي قبيل العيد حكم الإيقاد به في المسجد وغيره والحيلة في تطهير العسل المتنجس إسقاؤه للنخل وسيأتي قبيل السير فرع نفيس يتعلق به.

باب التيمم
هو لغة القصد وشرعا إيصال التراب للوجه واليدين بشرائط تأتي وهو رخصة مطلقا وصحته بالتراب المغصوب لكونه آلة الرخصة لا المجوز لها والممتنع إنما هو كون سببها المجوز لها معصية، ومن خصوصياتنا وفرض سنة أربع وقيل سنة ست والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع.
"يتيمم المحدث" إجماعا "والجنب" للخبر الصحيح فيه والحائض والنفساء والمأمور بغسل أو وضوء مسنون، وكذا الميت وخص الأولين؛ لأنهما محل النص وأغلب من البقية "لأسباب" ويكفي فيها الظن كما قاله الرافعي.
تنبيه: جعله هذه أسبابا نظر فيه للظاهر أنها المبيحة فلا ينافي أن المبيح في الحقيقة إنما هو سبب واحد هو العجز عن استعمال الماء حسا أو شرعا وتلك أسباب لهذا العجز قيل لو قال لأحد أسباب كان أولى ويرد بوضوح المراد جدا فلا أولوية.

 

ج /1 ص -112-      "أحدها: فقد الماء" حسا كأن حال بينه وبينه سبع فالمراد بالحسي ما تعذر استعماله حسا ويؤيده قولهم في راكب بحر خاف من الاستقاء منه لا إعادة عليه؛ لأنه عادم للماء ويترتب على كون الفقد هنا حسيا صحة تيمم العاصي بسفره حينئذ؛ لأنه لما عجز عن استعمال الماء حسا لم يكن لتوقف صحة تيممه على التوبة فائدة بخلاف ما إذا كان مانعه شرعيا كعطش أو مرض وعبارة المجموع لا يتيمم للعطش عاص بسفره قبل التوبة اتفاقا، وكذا لو كان به قروح وخاف من استعمال الماء الهلاك؛ لأنه قادر على التوبة وواجد للماء انتهت قال الله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:43، المائدة:6]، "فإن تيقن" المراد باليقين هنا حقيقته خلافا. لمن وهم فيه بدليل ما يأتي في معنى التوهم "المسافر" أو الحاضر وذكر الأول للغالب "فقده تيمم بلا طلب"؛ لأنه حينئذ عبث "وإن توهمه" أي جوز، ولو على ندور وجود الماء وعود الضمير للمضاف إليه سائغ على حد {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام:145] كما هو التحقيق في الآية بل متعين هنا بقرينة السياق فلا اعتراض "طلبه" وجوبا في الوقت، ولو بنائبه الثقة وإن أنابه قبل الوقت. ما لم يشترط طلبه قبله، ولو واحدا عن ركب للآية، إذ لا يقال لمن لم يطلب لم يجد ولأنه طهارة ضرورة ولا ضرورة مع إمكان الطهر بالماء ولا يكفي طلب من لم يأذن ولا طلب فاسق إلا إن غلب على ظنه صدقه، وإنما لم يجب طلب المال للحج والزكاة؛ لأنه شرط للوجوب وهو لا يجب تحصيله وما هنا شرط للانتقال عن الواجب إلى بدله فلزم كطلب الرقبة في الكفارة وامتنعت الإنابة في القبلة؛ لأن المدار فيها على الاجتهاد وهو أمر معنوي يختلف باختلاف الأشخاص وهنا على الفقد الحسي وهو لا يختلف. تنبيه: ظاهر قولهم طلبه أنه لا بد من تيقن أنه طلب أو أناب من يطلب وطلب فلو غلب على ظنه أنه أو نائبه طلب في الوقت لم يكف؛ لأن الأصل عدم وجوده ولما يأتي أن ما تعلق بالفعل كعدد الركعات لا بد فيه من اليقين ولا ينافيه. ما مر عن الرافعي؛ لأن الفقد وما بعده أمر خارج عن فعله، وإنما يلزمه الطلب مما توهمه فيه.
"من رحله" وهو منزله وأمتعته بأن يفتشهما "ورفقته" بتثليث الراء المنسوبين لمنزله عادة لا كل القافلة إن تفاحش كبرها عرفا كما هو ظاهر إلى أن يستوعبهم أو يبقى من الوقت ما يسع تلك الصلاة ويكفي النداء فيهم بمن معه ماء يجود به، ولو بالثمن. فلا بد من ذكره وشرط ضم أو بدل عليه لذلك وفيه وقفة؛ لأن فيما ذكر طلب الدلالة عليه بالأولى "ونظر" من غير مشي "حواليه" من الجهات الأربع إلى الحد الآتي "إن كان بمستو" من الأرض ويخص مواضع الخضرة والطير بمزيد احتياط وظاهره وجوب هذا التخصيص، وإنما يطهر إن توقفت غلبة ظن الفقد عليه "فإن احتاج إلى تردد" بأن كان ثم انخفاض أو ارتفاع أو نحو شجر "تردد" حيث أمن بضعا ومحترما نفسا وعضوا ومالا وإن قل واختصاصا وخروج الوقت "قدر نظره" أي ما ينظر إليه في المستوي وهو غلوة سهم المسمى بحد الغوث وضبطه الإمام وغيره بأن يكون بحيث لو استغاث بالرفقة مع تشاغلهم وتفاوضهم لأغاثوه ويختلف ذلك باستواء الأرض واختلافها هذا ما في الروضة كأصلها

 

ج /1 ص -113-      المشير إلى الاتفاق عليه لكن خالفه في المجموع فقال إن كلامهم يخالفه لقولهم إن كان بمستو نظر حواليه ولا يلزمه المشي أصلا وإن كان بقربه جبل صعده ونظر حواليه. إن أمن قال الشافعي في البويطي وليس عليه أن يدور لطلب الماء؛ لأن ذلك أضر عليه من إتيانه في الموضع البعيد من طريقه وليس ذلك عليه عند أحد ا هـ قال الزركشي فقد أشار إلى نقل الإجماع على عدم وجوب التردد ا هـ ويمكن حمله على تردد لم يتعين بأن كان لو صعد أحاط بحد الغوث من الجهات الأربع، إذ لا فائدة مع ذلك لوجوب التردد وحمل الأول على ما إذا كان نحو الصعود لا يفيد النظر لجميع ذلك فيتعين التردد واعترض السبكي المتن وتبعه جمع بأنه إن أراد قدر نظره سواء ألحقه غوث أم لا خالف كل الأصحاب أو ضبط حد الغوث فهو كذلك غالبا لكن لو زاد نظره عليه أو نقص عنه اعتبر حد الغوث دون النظر وإن لم يصرحوا به ا هـ وقد علم الجواب عن المتن بما جمعت به مع ما هو ظاهر أن المراد النظر المعتدل فلا اعتراض عليه. "فإن لم يجد" الماء بعد الطلب المذكور "تيمم" لحصول الفقد حينئذ "فلو" طلب كما ذكر وتيمم و "مكث موضعه" ولم يتيقن بالطلب الأول أن لا ماء "فالأصح وجوب الطلب" مما يتوهم فيه الماء ثانيا وثالثا وهكذا حيث لم يفده الطلب الأول يقين الفقد "لما يطرأ" من نحو حدث وإرادة فرض ثان؛ لأنه قد يطلع على بئر خفيت عليه أو يجد من يدل عليه ويكون الطلب الثاني أخف ونظر فيه بأنه يلزم عليه انعدامه لو تكرر ويجاب بمنع ذلك حيث لم يفده التكرر اليقين فإنه لا بد في كل طلب من النظر أو التردد. على ما مر وإنما التفاوت في الإمعان في التفتيش لا غير بتسليمه حيث أفاده التكرار اليقين ارتفع الطلب عنه كما صرحوا به فلا وجه للنظر حينئذ أما إذا انتقل لمحل آخر أو حدث ما يوهم ماء كرؤية ركب أو سحاب فيلزمه الطلب قطعا "فلو علم" علما يقينيا نعم يظهر أن إخبار العدل كاف؛ لأن الشارع أقامه في مواضع مقام اليقين "ماء" بمحل "يصله المسافر لحاجته" كاحتطاب "وجب قصده"؛ لأنه إذا سعى إليه لشغله الدنيوي فالديني أولى ويسمى حد القرب وهو أزيد من حد الغوث السابق، ومن ثم ضبطوه بنصف فرسخ تقريبا، وإنما يلزمه قصده "إن لم يخف" خروج الوقت وإلا كأن نزل آخره. لم يلزمه خلافا للرافعي وإن تبعه جمع متأخرون بل يتيمم ويصلي بلا قضاء، وإنما لزم من معه ماء التطهر به وإن علم خروج الوقت؛ لأنه واجد ومحل ذلك فيمن لا يلزمه القضاء لو تيمم وإلا لزم قصده وإن خرج الوقت؛ لأنه لا بد له من القضاء ولم يخف "ضرر نفس" أو عضو أو بضع له أو لغيره "أو مال" كذلك فوق ما يجب بذله في الماء ثمنا أو أجرة فإن خاف شيئا من ذلك تيمم للمشقة بخلاف مال يجب بذله؛ لأنه ذاهب منه إن قصد الماء وإن ترك فلزمه القصد لعدم العذر حينئذ وبخلاف اختصاص؛ لأنه لا خطر له في جنب يقين الماء مع قدرة تحصيله، إذ دانق من المال خير منه وإن كثر وزعم أن هذا لا يأتي في نحو الكلب إلا إن حل قتله وإلا فلا طلب؛ لأنه يلزمه سقيه والتيمم فكيف يؤمر بتحصيل ما ليس بحاصل ويضيعه غلط فاحش؛ لأن الخشية على الاختصاص هنا إنما هي خشية أخذ الغير له لو قصد الماء وتركه لا خشية ذهاب روحه بالعطش وخوف

 

ج /1 ص -114-      انقطاع عن الرفقة حيث توحش به عذر هنا لا في الجمعة؛ لأنه هنا يأتي بالبدل والجمعة لا بدل لها "فإن كان" الماء "فوق ذلك" الذي هو حد القرب. ويسمى حد البعد "تيمم" وإن علم وصوله في الوقت للمشقة التامة في قصده. "ولو تيقنه" أي وجود الماء "آخر الوقت" بأن يبقى منه وقت يسع الصلاة كلها وطهرها فيه، ولو في منزله الذي هو فيه على الأوجه خلافا للماوردي "فانتظاره أفضل" لفضل الصلاة بالوضوء عليها بالتيمم "أو ظنه" آخره أو شك فيه كما علم بالأولى "فتعجيل التيمم أفضل في الأظهر"؛ لأن فضليته محققة فلا تفوت لمظنون ومن ثم لو ترتب على التأخير تفويت فضيلة محققة نحو جماعة سن التقديم قطعا، ومحل الخلاف ما إذا اقتصر على صلاة واحدة فإن صلى بالتيمم أول الوقت وبالوضوء آخره فهو النهاية في إحراز الفضيلة ويجاب عن استشكال ابن الرفعة له بأن الفرض الأولى ولم تشملها فضلية الوضوء بأن الثانية لما كانت عين الأولى كانت جابرة لنقصها ويلزم على ما قاله أن إعادة الفرض جماعة لا تندب؛ لأن الفرض الأولى ولم تشملها فضيلة الجماعة فكما أعرضوا عن هذا، ثم لما ذكرته فكذا هنا وقولهم الصلاة بالتيمم لا تعاد؛ لأنه لا يؤثر مع الإتيان بالبدل بخلاف الإعادة للجماعة فيهما. محله فيمن لا يرجو الماء بعد وكأن وجه الفرق أن تعاطي الصلاة مع رجاء الماء، ولو على بعد لا يخلو عن نقص، ولذا ذهب الأئمة الثلاثة إلى مقابل الأظهر أن التأخير أفضل مطلقا فجبر بندب الإعادة بالماء بخلاف من لم يرجه أصلا فلا محوج للإعادة في حقه. وأما حمل الزركشي الإعادة على متيقن الماء آخر الوقت؛ لأن إيقاعه الصلاة مع ذلك فيه خلل فهو غلط؛ لأن كلامهم إنما هو في مسألة الظن كما تقرر أما لو ظن أو تيقن عدمه آخره فالتقديم أفضل جزما وتيقن السترة والجماعة والقيام آخره وظنها كتيقن الماء وظنه نعم يسن تأخير لم يفحش عرفا لظان جماعة أثناء الوقت ويظهر أن الآخرين كذلك، ولو علم ذو النوبة من متزاحمين على نحو بئر أو ستر عورة أو محل صلاة أنها لا تنتهي إليه إلا بعد الوقت صلى فيه بلا إعادة إن كان. من شأن ذلك المحل وقت التيمم عدم غلبة وجود الماء فيه كما يعلم مما يأتي وذلك؛ لأنه عاجز حالا وجنس عذره غير نادر والقدرة بعد الوقت لا تعتبر بخلاف من عنده ماء لو اغترقه أو غسل به خبثا خرج الوقت فإنه لا يصلي لعدم عجزه حالا.
"ولو وجد" محدث أو جنب "ماء" ومنه برد أو ثلج قدر على إذابته أو ترابا "لا يكفيه فالأظهر وجوب استعماله" للخبر الصحيح
"إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"، وإنما لم يجب شراء بعض الرقبة في الكفارة؛ لأنه ليس برقبة وبعض الماء ماء، ولو لم يجد ترابا وجب استعماله جزما ولا يكلف مسح الرأس بنحو ثلج لا يذوب ولم يجد من الماء ما يطهر الوجه واليدين لعدم تصور استعماله قبل التيمم المذكور في قوله "ويكون" استعماله وجوبا على المحدث والجنب "قبل التيمم"؛ لأن التيمم لعدم الماء فلا يصح مع وجوده نعم الترتيب في المحدث واجب وفي الجنب الذي عليه أصغر أيضا أم لا مندوب فيقدم أعضاء وضوئه، ثم رأسه، ثم شقه الأيمن، ثم الأيسر، وإنما لم يجب ذلك لعموم الجنابة لجميع بدنه فلا مرجح يقتضي الوجوب، ومن ثم لو فعل ما ذكر من تقديم أعضاء

 

ج /1 ص -115-      الوضوء، ثم وجد بعض ماء يكفيه في فرض ثان أيضا وجب صرفه إلى الجنابة؛ لأن أعضاء الوضوء حينئذ قد ارتفعت جنابتها فكان غيرها أحق بصرف الماء إليه ليزيل جنابته نعم ينبغي أخذا مما قالوه في النجس. أن محل ما ذكر فيمن لا قضاء عليه فمن يقضي يتخير.
"ويجب شراؤه" أي الماء للطهارة ومثله التراب ولو بمحل يلزمه فيه القضاء ونحو الدلو واستئجاره بعد دخول الوقت لا قبله كما يلزمه شراء ساتر العورة فإن امتنع صاحب الماء من بيعه للطهر ولو تعنتا لم يجبر بخلاف امتناعه من بذله بعوضه وقد احتاج طالبه إليه لعطش ولم يحتج مالكه لشربه حالا فيجبر بل له مقاتلته فإن قتل هدر أو العطشان ضمنه، ولو لم يكن معه إلا ثمن الماء أو السترة قدمها لدوام نفعها مع عدم البدل، ومن ثم لزمه شراء ساتر عورة قنه لا ماء طهره سفرا وعلم من وجوب شراء ذلك بطلان نحو بيع ذلك في الوقت بلا حاجة للموجب أو القابل ويبطل تيممه ما قدر على شيء منه في حد القرب وإنما صحت هبة عبد يحتاجه للكفارة؛ لأنها على التراخي أصالة فلا آخر لوقتها وهبة ملك يحتاجه لدينه لتعلقه بالذمة، وقد رضي الدائن بها. فلم يكن له حجر على العين فإن عجز عن استرداده تيمم وصلى وقضى تلك الصلاة بماء أو تراب بمحل يغلب فيه عدم الماء لا ما بعدها؛ لأنه فوته قبل وقتها بخلاف ما إذا أتلفه عبثا في الوقت لا يلزمه قضاء أصلا لفقده حسا لكنه يعصي إن أتلفه لغير غرض لا له كتبرد. "بثمن" أو أجرة "مثله" وهو ما يرغب به فيه زمانا ومكانا ما لم ينته الأمر لسد الرمق؛ لأن الشربة حينئذ قد تساوي دنانير فلا يكلف زيادة على ذلك وإن قلت ما لم يبع بمؤجل ممتد إلى زمن يمكنه الوصول فيه لمحل ماله عادة والزيادة لائقة بالأجل عرفا "إلا أن يحتاج إليه" أي الثمن أو الأجرة "لدين" عليه، ولو مؤجلا سواء الذي في ذمته والمتعلق بعين ماله كضمانه دينا فيها "مستغرق" صفة كاشفة، إذ من لازم الاحتياج إليه لأجله استغراقه "أو مؤنة سفره" المباح ذهابا وإيابا على التفصيل الآتي في الحج ومن ثم اعتبرت هنا الحاجة للمسكن والخادم أيضا ويتجه في المقيم اعتبار الفضل عن يوم وليلة كالفطرة "أو نفقة" المراد بها هنا المؤنة أيضا وهي أعم لشمولها لسائر ما يحتاج إليه سفرا وحضرا كدواء وأجرة طبيب وأجرة خفارة وغيرها "حيوان" آدمي أو غيره، ولو لغيره وإن لم يكن معه على الأوجه؛ لأن هذه الأمور لا بدل لها بخلاف الماء "محترم" وهو ما حرم قتله ككلب منتفع به، وكذا ما لا نفع فيه ولا ضرر على المعتمد بخلاف نحو حربي ومرتد وكلب عقور وتارك صلاة بشرطه ومنه أن يؤمر بها في الوقت وأن يستتاب بعده فلا يتوب بناء على وجوب استتابته ومثله في هذا كل من وجبت استتابته وزان محصن فإن وجودهم كالعدم والماء المحتاج لثمنه لشيء مما ذكر كالعدم أيضا. "ولو وهب له ماء" أو أقرضه "أو أعير دلوا" أو حبلا "وجب القبول". في الوقت لا قبله "في الأصح"، وكذا يجب سؤال كل من ذلك إن تعين طريقا ولم يحتج له المالك، وقد ضاق الوقت، وقد جوز بذله له فيما يظهر لغلبة المسامحة في ذلك فلم تعظم المنة فيه ولأصل غلبة السلامة لم ينظر والاحتمال تلف نحو الدلو ولا إلى زيادة قيمته على ثمن مثل الماء فإن لم يقبل أثم، ثم إن تيمم والماء موجود بحد القرب مقدور عليه لم يصح تيممه وأعاد وإلا بأن

 

ج /1 ص -116-      عدم أو امتنع مالكه منه صح ولا إعادة "ولو وهب" أو أقرض "ثمنه" أو آلة الاستقاء "فلا" يلزمه قبوله إجماعا لعظم المنة وفارق قرض الماء بأن القدرة عليه عند المطالبة أغلب منها على الثمن وحيث طولب وللماء قيمة ولو تافهة لزمه قبوله منه، "ولو نسيه". أي الماء أو ثمنه أو آلة الاستقاء "في رحله أو أضله فيه" بأن فتش عليه فيه "فلم يجده بعد" إمعان "الطلب فتيمم" وصلى، ثم بان أنه معه "قضى" الصلاة "في الأظهر" لنسبته في إهماله حتى نسيه أو أضله إلى نوع تقصير، ومن ثم لو نسي بئرا بقربه قضى أيضا كما إذا لم يعثر عليها به وهي ظاهرة الآثار أما إذا لم يمعن فيه فيقضي جزما وخرج بنسيه ما لو أدرج ذلك في رحله ولم يعلمه فلا قضاء وعلم من ذلك أنه لو ورث ماء ولم يعلمه لم يلزمه القضاء "ولو أضل رحله" الذي فيه الماء أو الثمن أو آلة الاستقاء "في رحال" لغيره فصلى بالتيمم، ثم وجده فإن لم يمعن في الطلب قضى قطعا وإن أمعن فيه "فلا" قضاء؛ لأن من شأن مخيم الرفقة أو الغالب فيه أنه أوسع من مخيمه فلم ينسب هنا لتقصير ألبتة وختم بهاتين مع أنهما بآخر الباب المبحوث فيه عن القضاء أنسب كما يظهر ببادئ الرأي تذييلا لهذا المبحث لمناسبتهما له وإفادتهما مسائل حسنة في الطلب وهي أنه لا يفيد مع وجود التقصير وأن النسيان ليس عذرا مقتضيا لسقوطه وأن الإضلال يغتفر تارة ولا يغتفر أخرى فاندفع اعتراض الشراح عليه في ذكر هاتين هنا واتضح أنهما هنا أنسب.
"الثاني" من أسباب التيمم الفقد الشرعي لا من حيث نحو المرض كأن وجده بأكثر من ثمن مثله أو وهو مسبل للشرب أو، وقد احتاج إليه لعطش كما قال "أن يحتاج إليه" أي الماء "لعطش" حيوان "محترم" بعمومه ومعناه السابقين. بأن يخشى منه مرضا أو نحوه مما يأتي؛ لأن نحو الروح لا بدل لها ومن ثم حرم عليه التطهر بماء وإن قل ما توهم محترما محتاجا إليه في القافلة وإن كبرت وخرجت عن الضبط وكثير يجهلون فيتوهمون أن التطهر بالماء حينئذ قربة وهو خطأ قبيح كما نبه عليه المصنف في مناسكه ولا يكلف الطهر به، ثم جمعه لشرب غير دابة لاستقذاره عرفا ويلزمه ذلك إن خشي عطشها وكفاها مستعمله ويظهر أنه يلحق بالمستعمل كل متغير بمستقذر عرفا بخلاف متغير بنحو ماء ورد ولا يجوز له شرب نجس ما دام معه طاهر على المعتمد بل يشرب الطاهر ويتيمم ودعوى أن الطاهر مستحق للطهارة فصار كأنه معدوم يردها أن النجس لا يجوز شربه إلا للضرورة ولا ضرورة مع وجود الطاهر وليس تعينه للطهارة أولى من تعينه للشرب بل الأمر بالعكس؛ لأنه لا بدل له بخلافها فتعين ما ذكر، ولو احتاج لشرب الدابة لزمه سقيها النجس ويظهر إلحاق غير مميز بالدابة في المستقذر الطاهر لا في النجس ويجوز لعطشان بل يسن إن صبر إيثار عطشان آخر. لا لمحتاج لطهر إيثار محتاج لطهر وإن كان حدثه أغلظ كما اقتضاه إطلاقهم؛ لأن الأول حق للنفس والثاني حق لله تعالى نعم لو انتابوا ماء للتطهر ولم يحرزوه جاز تقديم الغير؛ لأن انتهاء المحتاج إلى ماء مباح من غير إحرازه لا يوجب ملكه له "ولو" لم يحتج إليه لذلك حالا بل "مآلا" أي مستقبلا وإن ظن وجوده لما تقرر أن الروح لا بدل لها فاحتيط لها برعايات الأمور المستقبلة أيضا لعم لو احتاج مالك ماء إليه أي، ولو لممونه ولا

 

ج /1 ص -117-      يقال الحق لغيره كما هو ظاهر مآلا وثم من يحتاجه حالا لزمه بذله له لتحقق حاجته ومن علم أو ظن حاجة غيره له مآلا لزمه التزود له إن قدر وإذا تزود للمآل ففضلت فضلة فإن ساروا على العادة ولم يمت منهم أحد فالقضاء أي لما كانت تكفيه تلك الفضلة باعتبار عادته الغالبة فيما يظهر وإلا فلا ولا يجوز ادخار ماء ولا استعماله لطبخ يتيسر الاكتفاء بغيره. ولا لتحويل كعك يسهل أكله يابسا على الأوجه فيهما.
"الثالث" من الأسباب: الفقد الشرعي من حيث ذلك بأن يكون به الآن أو يظن حدوثه بعد "مرض يخاف معه" ليس بشرط بل؛ لأن الغالب خوف ما يأتي مع وجود المرض دون فقده والمراد أن يخاف "من استعماله" أي الماء مطلقا أو المعجوز عن تسخينه مرضا أو زيادته وله وقع لا نحو صداع أو تألم خفيف أو "على منفعة عضو" بضم أوله وكسره أن تذهب كنقص ضوء أو سمع فالخوف على ذهاب أصل العضو أو الروح أولى نعم متى عصى بنحو المرض توقفت صحة تيممه على التوبة لتعديه "وكذا بطء البرء" بضم الباء وفتحها فيهما أي طول مدته وإن لم يزد الألم، وكذا زيادته وإن لم تطل المدة "أو الشين الفاحش". من نحو استحشاف أو نحول أو ثغرة تبقى أو لحمة تزيد وأصله الأثر المستكره "في عضو ظاهر" وهو ما يبدو في المهنة غالبا كالوجه واليدين وقيل ما لا يعد كشفه هتكا للمروءة ويرجع للأول إن أريد النظر لغالب ذوي المروآت وظاهر تقييد نحو العضو هنا بالمحترم ليخرج نحو يد تحتم قطعها لسرقة أو محاربة بخلاف واجبة القطع لقود لاحتمال العفو "في الأظهر" لقوله تعالى
{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [النساء:43، المائدة:6] الآية وصح أنه صلى الله عليه وسلم قال لما بلغه أن شخصا احتلم وبه جرح برأسه فأمر بالغسل فمات "قتلوه قتلهم الله أولم يكن شفاء العي السؤال؟" وألحق ما ذكر بالمرض؛ لأنه في معناه وخرج بالفاحش نحو قليل سواد وأثر جدري وبالظاهر الباطن، ولو في أمة حسناء تنقص به قيمتها واستشكله ابن عبد السلام بأنهم لم يكلفوه فلسا زائدا على ثمن المثل وأجيب عنه بما يقتضي عدم تحقق ذلك وأنه لو تحقق نقصه جاز التيمم ورد بأنه يلزم ذلك. في الظاهر أيضا ولم يقولوا به وليس في محله؛ لأن الاستشكال فيه أيضا وبما يقتضي استعمال الماء وإن تحقق نقص ذلك كما يقتل بترك الصلاة ورد بأن ترك قتله يؤدي إلى تفويت حق الله تعالى بالكلية ولا كذلك هنا؛ لأن للماء بدلا ويمكن توجيه ما أطلقوه بأن الغالب عدم تأثير القليل في الظاهر والكثير في الباطن بخلاف الكثير في الظاهر فأناطوا الأمر بالغالب فيهما ولم يعولوا على خلافه ويفرق بينه وبين بذله زائدا على الثمن بأن هذا يعد غبنا في المعاملة وهي لكونها العقل أي مرتبطة بكماله لا يسمح أهلها بالغبن فيها كما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يشح فيها بالتافه ويتصدق بالكثير فقيل له فقال ذاك عقلي وهذا جودي، ثم إن عرف ذلك، ولو بالتجربة اعتمد معرفته وإلا فإخبار عارف عدل رواية فإن انتفيا وتوهم شيئا مما مر تيمم. على الأوجه ولزمته الإعادة لكن لا يفعلها إلا بعد البرء أو وجود من يخبره بمبيح التيمم ونازع ابن العماد في جواز التيمم بما فيه نظر والفرق بين هذا ونظرهم إلى توهم سم طعام أحضر إليه حتى يعدل عنه للميتة بأن الصلاة هنا لزمت ذمته بيقين فلا

 

ج /1 ص -118-      يبرأ منها إلا بيقين يرد بأنا لا نقول بعدمها حتى يرد ذلك بل بفعلها، ثم بإعادتها وهذا غاية الاحتياط لها مع الخروج عما قد يكون سببا لتلف نحو النفس. "وشدة البرد" التي يخشى منها محذور مما ذكر، وقد عجز عن تسخينه أو تدفية أعضائه "ك" خوف نحو "مرض" في إباحة التيمم لما صح أن عمرو بن العاص رضي الله عنه تيمم لخوف الهلاك من شدة البرد فأقره صلى الله عليه وسلم على ذلك، "وإذا امتنع استعماله" أي الماء "في" كل البدن وجب تيمم واحد لا غير أو في محل من البدن "عضو" أو غيره لعلة يؤخذ من تعبيره بامتنع حرمة استعمال الماء مع خشية محذور مما مر وهو متجه في غير الشين ويدل له قولهم السابق فإن خشي ضرر نحو المشمس حرم عليه استعماله. نعم الشين الظاهر لا يقتضي حرمة إلا في قن تنقص قيمته ولم يأذن مالكه كما هو ظاهر "إن لم يكن عليه ساتر وجب" عليه قطعا عندنا "التيمم" الشرعي خلافا لمن اكتفى بمر التراب عليه وذلك لئلا يخلو محل العلة عن طهارة "وكذا" يجب "غسل الصحيح" الذي يمكن غسله "على المذهب" لرواية صحيحة في قصة عمرو السابقة أنه غسل معاطفه وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم صلى قال البيهقي معناه أنه غسل ما أمكنه وتوضأ وتيمم للباقي ويتلطف من خشي سيلان الماء لمحل العلة بوضع خرقة مبلولة بقربه لينغسل بقطرها ما حواليه من غير أن يسيل إليه شيء ويلزم العاجز استئجار من يفعل ذلك بأجرة مثله إن وجدها فاضلة عما يعتبر في الفطرة فإن تعذر ذلك قضى لندوره ولا يجب مسح محل العلة بالماء كما أفهمه كلامه ويجب بالتراب إن كان بمحل التيمم ما لم يخش منه شيء مما مر، "ولا ترتيب بينهما" أي التيمم وغسل الصحيح "للجنب" والحائض والنفساء أي لا يجب ذلك؛ لأن الأصل لا يجب فيه ذلك فأولى بدله، وإنما وجب تقديم الغسل إذا وجد ماء لا يكفيه؛ لأن التيمم هنا للعلة وهي مستمرة وثم لفقد الماء فوجب استعماله أولا ليوجد الفقد عند التيمم والأولى تقديم التيمم ليزيل الماء أثر التراب وبحث الإسنوي ندب تقديم ما يندب تقديمه في الغسل ففي جرح برأسه يغسل صحيحه، ثم يتيمم، ثم يغسل باقي بدنه.
تنبيه: ما أفاده المتن أن الجنب إذا أحدث لا يلزمه الترتيب وإن كانت علته في أعضاء الوضوء يشمل ما لو كانت علته في يده مثلا فتيمم عن الجنابة، ثم أحدث فتوضأ وأعاد التيمم عن الأكبر لإرادته فرضا ثانيا فيندرج فيه تيمم الأصغر وإن كان قبل الوضوء وهو متجه نظير ما مر في جنب بقي رجلاه فأحدث له غسلهما قبل بقية أعضاء وضوئه وما أومأ إليه كلام شارح أنه لا بد من التيمم في هذه الصورة عن الأصغر وقت غسل العليل فهو مناف لكلامهم أنه حيث اجتمع الأصغر والأكبر اضمحل النظر إلى الأصغر مطلقا.
"فإن كان محدثا" حدثا أصغر "فالأصح اشتراط التيمم وقت غسل العليل" رعاية لترتيب الوضوء فلا ينتقل عن عضو عليل حتى يكمله غسلا وبدلا فإن كان الوجه وجب تقديم التيمم على الشروع في غسل شيء من اليدين وله تقديمه على غسل صحيح الوجه وهو أولى وتأخيره عنه؛ لأن العضو الواحد لا ترتيب فيه "فإن جرح عضواه فتيممان" يلزمانه لما تقرر من اشتراط التيمم وقت غسل العليل أو أربعة أعضائه ولم تعم الجراحة الرأس فثلاث

 

ج /1 ص -119-      تيممات؛ لأن الرأس يكفي مسح صحيحه فإن عمته فأربع تيممات أو الثلاثة أيضا فتيمم واحد عن الوضوء لسقوط الترتيب أو ما عدا الرأس فتيمم واحد عن الوجه واليدين لسقوط غسلهما المقتضي لسقوط ترتيبهما بخلاف ما لو بقي بعضهما، ثم مسحه، ثم واحد عن الرجلين ويسن جعل اليدين كعضوين، وكذا الرجلان، "وإن كان" على العليل ساتر "كجبيرة" وهي نحو ألواح تشد لانجبار نحو الكسر أو لصوق بفتح أوله أو طلاء أو عصابة فصد "لا" عبارة أصله ولا قيل وهي أولى لإيهام تلك أن ما يمكن نزعه لا يسمى ساترا ا هـ ويرد بأن من الواضح أن هذا قيد للحكم لا لتسميتها ساترا فلم يحتج للواو "يمكن نزعها" عنه لخوف محذور مما مر. "غسل الصحيح" ويتلطف بغسل ما أخذته الجبيرة من الصحيح بحسب الإمكان وما تعذر غسله مما تحتها وأمكنه مسه الماء بلا إفاضة لزمه وإن لم توجد فيه حقيقة الغسل؛ لأنه أقرب إليها من المسح فتعين وحرف مسه بمسحه، ثم استشكل وليس في محله للفرق الظاهر بينهما، ومن ثم لم يجب المسح هنا وفارق المس بأنه أقرب للغسل كما تقرر "وتيمم" لرواية سندها جيد عند غير البيهقي في المحتلم السابق "إنما يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه خرقة، ثم يمسح عليهما ويغسل سائر جسده" "كما سبق" في مراعاة المحدث للترتيب وتعدد التيمم بتعدد العضو العليل أما إذا أمكن نزعها بلا خوف محذور مما مر فيجب ويظهر أن محله إن أمكن غسل الجرح أو أخذت بعض الصحيح أو كانت بمحل التيمم وأمكن مسح العليل بالتراب وإلا فلا فائدة لوجوب النزع وسيأتي آخر الباب بقية من أحكامها، ومنها أنه يجب عليه وضعها على طهر "ويجب مع ذلك" السابق "مسح كل جبيرته" أو نحوها وقت غسل عليله "بماء" أما أصل المسح فلخبر المشجوج السابق. وأما تعميمه فلأنه مسح أبيح للعجز عن الأصل كالمسح في التيمم وبه فارقت الخف، ومن ثم لم تتأقت ولو نفذ إليها نحو دم الجرح وعمها عفي عن مخالطة ماء مسحها له أخذا مما يأتي في شروط الصلاة أنه يعفى عن اختلاط المعفو عنه بأجنبي يحتاج إلى مماسته له "وقيل" يكفي مسح "بعضها". كالخف وهو يدل عما أخذته من الصحيح، ومن ثم لو لم تأخذ منه شيئا أو أخذت شيئا أو غسله لم يجب مسحها وكان قياسه أنه لا يجب مسح الزائد على ما أخذته من الصحيح لما تقرر أن مسحها إنما هو بدل عما أخذته منه لا عن محل الجرح؛ لأن بدله التيمم لا غير فوجوب مسح كلها مستشكل إلا أن يجاب بأن تحديد ذلك لما شق أعرضوا عنه وأوجبوا الكل احتياطا وخرج بالماء مسحها بالتراب إذا كان بعضو التيمم فلا يجب؛ لأنه ضعيف فلا يؤثر من فوق حائل نعم يسن كستر الجرح يمسح عليه خروجا من الخلاف.
"فإذا تيمم" من ذكر، وقد صلى فرضا بعد تيممه وغسل صحيحه كما مر "لفرض ثان" لما يأتي أنه لا يؤدى بالتيمم إلا فرض "ولم يحدث" يعني ولم يبطل تيممه "لم يعد الجنب غسلا" لشيء من بدنه لبقاء طهره كما يأتي "ويعيد المحدث" غسل "ما بعد عليله" لبطلان طهر العليل ويلزمه بطلان ما بعده عملا بقضية الترتيب الواجب على المحدث دون الجنب ويرده ما يأتي أن طهارته باقية بدليل أنه يتنفل به "وقيل يستأنفان" أي الجنب والمحدث لتركب طهرهما من أصل وبدل فإذا بطل

 

ج /1 ص -120-      البدل بطل الأصل كنزع الخف بناء على الضعيف أن فيه الوضوء "وقيل المحدث كجنب" فلا يحتاج إلى إعادة غسل ما بعد عليله لبقاء طهر العليل بدليل صحة تنفله كما تقرر، وإنما وجبت إعادة تيممه المتحد أو المتعدد لضعفه عن أداء فرض ثان به فإن قلت قياس سقوط الترتيب في هذه الطهارة الثانية لما تقرر من بقاء طهره الأول بدليل التنفل به أن لا تجب إعادة التيمم المتعدد في الأولى بل يكفي تيمم واحد؛ لأن تعدده فيها إنما كان لضرورة الترتيب، وقد سقط في الثانية فتعدده فيها الذي جزم به في شرح الروض جزم المذهب إنما يناسب مصحح الرافعي قلت هذا القياس له وجه وإن أمكن الجواب عنه بأن الأصل فيما وجب في الأولى أن يجب في الثانية سقط الماء لبقاء طهره فبقي التيمم المتعدد بحاله؛ لأن العلة في إيجابه نقصه عن أداء فرض ثان به وقد مر في الوضوء المجدد أنه في نحو النية كالأصل عملا بمقتضى التجديد أنه حكاية الأول بصفته وهذا مقرب لما هنا فوجوب تعدد التيمم هنا إنما هو لتوجه. حكاية الأول فلم ينظر لكون التيمم الواحد يكفي فتأمله "قلت هذا الثالث أصح والله أعلم" ووجهه واضح كما علمته مما تقرر فيه خلافا لمن نازع فيه أما إذا أحدث أو بطل تيممه فإنه يعيد جميع ما مر، ولو برئ أعاد المحدث غسل عليله وما بعده. وما صلاه جاهلا به أو توهمه فأزال اللصوق ولم يظهر من الصحيح ما يجب غسله لم يبطل تيممه، وإنما بطل بتوهم الماء؛ لأنه يوجب طلبه والبحث عنه ولا كذلك توهم البرء لو سقطت جبيرته في صلاته بطلت كنزع الخف ومحله ما إذا بان شيء مما يجب غسله، إذ لا يمكن بقاؤها مع وجوب غسل ما ظهر، وكذا ما بعده في الحدث الأصغر أو ما إذا تردد في بطلان تيممه وطال التردد أو مضى معه ركن، ثم إن علم البرء بطل تيممه أيضا وإلا فلا وبما تقرر من أن ملحظ بطلان الصلاة غير ملحظ بطلان التيمم اندفع قول بعضهم لا أثر لظهور شيء من الصحيح في بطلان التيمم؛ لأنه عن العليل ووجه اندفاعه أننا لم نجعل هذا الظهور سببا لبطلان التيمم بل لبطلان الصلاة وملحظهما مختلف كما تقرر.

فصل في أركان التيمم
وكيفيته وسننه ومبطلاته وما يستباح به مع قضاء أو عدمه وتوابعها.
"تيمم بكل" ما صدق عليه اسم "تراب"؛ لأنه الصعيد في الآية كما قاله ابن عباس وغيره ومما يمنع تأويله بغيره قوله تعالى:
{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [النساء:43] وزعم أن من فيه للابتداء سفساف لا يعول عليه وصح: "جعلت الأرض كلها لنا مسجدا وترابها" وفي رواية صحيحة وتربتها وهما مترادفان كما قاله أهل اللغة خلافا لمن وهم فيه "لنا طهورا" والاسم اللقب في حيز الامتنان له مفهوم كما هو مبين في محله. "طاهر" أراد به ما يشمل الطهور بدليل قوله الآتي ولا بمستعمل وذلك لتفسير ابن عباس وغيره للطيب في الآية بالطاهر فلا يجوز بنجس كأن جعل في بول، ثم جف أو اختلط به نحو روث متفتت ومنه تراب المقبرة المنبوشة لاختلاطها بعذرة الموتى وصديدهم المتجمد ومن ثم لم يطهره المطر قال القاضي، ولو وقعت ذرة نجاسة في صبرة تراب كبيرة تحرى وتيمم وهو مبني

 

ج /1 ص -121-      على الضعيف السابق أنه لا يشترط التعدد في التحري فعلى الأصح لا يتحرى إلا إن كان النجس لا يتجزأ، ثم جعل التراب قسمين نطير ما مر في فصل الكمين عن القميص بعد تنجس أحدهما ولا يضر أخذه من ظهر كلب لم يعلم التصاقه به مع رطوبة "حتى ما يداوى به" كالأرمني بكسر أوله وما يؤكل سفها كالمدر وطين مصر المسمى بالطفل كما صرح به جمع وما أخرجته الأرضة منه وإن اختلط بلعابها كمعجون بمائع جف وإن تغير به لونه وطعمه وريحه ويشترط أن يكون له غبار ولم يذكره؛ لأنه الغالب فيه. "و" من ثم صح "برمل" خشن "فيه غبار"، ولو منه بأن سحق وصار له كما بينته في شرح الإرشاد وغيره أما الناعم فلا؛ لأنه للصوقه بالعضو يمنع وصول الغبار إليه، ومن ثم لو علم عدم لصوقه لم يؤثر فإناطتهم. ذلك بالخشن والناعم للغالب ولا ينافي ما تقرر إعادة الباء المفيدة لمغايرة الرمل للتراب؛ لأنه بالنظر لصورة الرمل قبل السحق نعم التيمم حقيقة إنما هو بالغبار الذي صار ترابا لا بالرمل ففي العبارة نوع قلب وهو مما يؤثره الفصحاء لأغراض لا يبعد قصد بعضها هنا لا بمعدن كنورة سحاقة خزف ومثله طين سوي وصار رمادا؛ لأنه ليس بتراب بخلاف ما أصابته نار فاسود ولم يصر رمادا، "ومختلط بدقيق ونحوه" كجص وزعفران وإن قل الخليط جدا بحيث لا يدرك؛ لأنه لنعومته يمنع وصول التراب للعضو "وقيل إن قل الخليط جاز" نظير ما مر في الماء ويرده ما تقرر أن قليل الخليط هنا يمنع ولو احتمالا وصول المطهر للعضو لكثافته بخلافه ثم للطافة الماء، "و" مر أن التراب لا بد أن يكون طهورا فحينئذ "لا" يصح التيمم "بمستعمل" في حدث، وكذا خبث فيما يظهر بأن استعمل في مغلظ "على الصحيح" كالماء بل أولى وكون التراب لا يرفع الحدث فلا يتأثر بالاستعمال بخلاف الماء يرد بأن السبب في الاستعمال ليس هو خصوص رفع الحدث كما مر بل زوال المنع من نحو الصلاة بدليل أن ماء السلس مستعمل مع أنه لا يرفع حدثا فاستويا "وهو" أي المستعمل "ما بقي بعضوه" أي المتيمم بعد مسحه. "وكذا ما تناثر" بالمثلث منه بعد مسه له وإن لم يعرض عنه فلو أخذه من الهواء عقب انفصاله عما مسه لم يجز وإيهام قول الرافعي، وإنما يثبت له حكم الاستعمال إذا. انفصل بالكلية وأعرض عنه إلا جزاء غير مراد له؛ لأن غايته أنه كالماء وهو يضر فيه ذلك فأولى التراب نعم يفترقان في أنه لا يضر هنا رفع اليد بما فيها من التراب، ثم عودها إليه؛ لأنه لما احتاج لهذا هنا نزلوه منزلة الاتصال بخلافه ثم "في الأصح" كالمتقاطر من الماء وما قيل في توجيه مقابل الأصح أن التراب كثيف إذا علق بالمحل منع غيره أن يلصق به بخلاف الماء لرقته يرد بأن ذلك بفرض تسليمه إنما يقتضي علوق بعض المماس لا كله فبعض المماس متناثر وقد اشتبه فمنع الكل لعدم التمييز، ومن ثم لو تميز الملاصق عن غيره وتحقق أن المتناثر هو ذلك الغير لم يكن مستعملا كما هو واضح، ثم رأيت المجموع صرح بذلك فإنه قسم المتناثر إلى ما أصاب العضو ثم تناثر عنه وصحح أنه مستعمل وإلى ما لم يمسه ألبتة وإنما لاقى ما لصق به وقال المشهور أنه غير مستعمل كالباقي بالأرض ا هـ نعم لا يضر هنا رفع اليد عن العضو، ثم عودها إليه لمسح بقيته للاحتياج إليه هنا لا في الماء كما تقرر وعلم

 

ج /1 ص -122-      من ذلك جواز تيمم كثيرين من تراب يسير مرات كثيرة حيث لم يتناثر إليه شيء مما ذكر، "ويشترط قصده" أي التراب لقوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} [النساء:43، المائدة:6] أي اقصدوه بالنقل بالعضو أو إليه "فلو سفته" أي التراب "ريح عليه" أي على وجهه أو يده "فردده" على العضو "ونوى لم يجز" بضم أوله لانتفاء القصد بانتفاء النقل المحقق له وإن قصد بوقوفه في مهبها التيمم؛ لأنه في الحقيقة لم يقصد التراب وإنما أتاه لما قصد الريح، ومن ثم لو أخذه من العضو ورده إليه أو سفته على اليد فمسح بها وجهه مثلا أو أخذه من الهواء ومسح به مع النية المقترنة بالأخذ في غير الثانية ورفع اليد للمسح فيها كفى لوجود النقل المقترن بالنية حينئذ وظاهر أنه لو كثف التراب في الهواء فمعك وجهه فيه أجزأ أيضا كما لو معكه بالأرض "ولو يمم" بلا إذنه لم يجز كما لو سفته ريح أو "بإذنه" بأن نقل المأذون التراب للعضو ومسحه به ونوى الآذن نية معتبرة مقترنة بنقل المأذون ومستدامة. إلى مسح بعض الوجه "جاز"، ولو بلا عذر إقامة لفعل مأذونه مقام فعله، ومن ثم اشترط كون المأذون مميزا ولا يبطل نقل المأذون بحدث الآذن؛ لأنه غير مباشر للعبادة فهو كجماع المستأجر في زمن إحرام الأجير كذا قاله القاضي ومن تبعه والمعتمد ما بحثه الشيخان أنه يبطل؛ لأنه المباشر للنية بل والعبادة؛ لأن مأذونه إنما ناب عنه في مجرد أخذ التراب ومسح عضوه به ومن ثم لم يضر كفره لا في النية المقومة للعبادة والمحصلة لها وبه فارق المقيس عليه المذكور ويؤيده قولهم لا يضر حدث المأذون؛ لأن الناوي غيره وبه فارق بطلان حجه عن الغير بجماعه؛ لأنه الناوي ثم "وقيل يشترط عذر" للآذن؛ لأنه لم يقصد التراب ويرده أن قصد مأذونه كقصده.
"وأركانه" خمسة وزاد في الروضة التراب وقصده وقال الرافعي الأحسن إسقاطهما؛ لأنهم لم يعدوا الماء ركنا في الوضوء فكذا التراب ولأنه يلزم من النقل القصد وأجيب عن الأول بأن اشتراط طهورية الماء لا يختص بالوضوء بل يشاركه فيه الغسل وإزالة النجس فلم يحسن عده ركنا للوضوء بخلاف التراب فإنه مختص بمحل التيمم ويرد بمنع اختصاص التراب أيضا لوجوبه في المغلظة فساوى الماء إلا أن يفرق بأن المطهر ثم هو الماء لكن بشرط مزجه به فاختص استقلاله بالتطهير به فحسن عده ركنا فيه بخلاف الماء، ثم وعن الثاني بانفكاك القصد عن النقل بدليل. ما مر فيمن وقف بمهب ريح قاصدا التراب ورد بأن المدعى أنه يلزم من النقل القصد أي لوجوب قرن النية به كما يأتي لا عكسه فلا يرد ما ذكر في الوقوف بمهب الريح؛ لأن الذي فيه أنه لم يلزم من القصد النقل نعم قال السبكي إفراد القصد بالحكم عليه بالركنية أولى من عكسه المذكور في المتن؛ لأن القصد مدلول التيمم المأمور به في الآية والنقل لازم له ويجاب بمنع لزوم النقل له كما تقرر وبتسليمه فما في المتن هو الأولى؛ لأنه ذكر أولا الملزوم رعاية للفظ الآية، ثم اللازم؛ لأنه المطرد وهو الطريق لذلك الملزوم "نقل التراب" أي تحويله من نحو الأرض أو الهواء إلى العضو المسموح بنفس ذلك العضو كأن معك وجهه ويديه بالأرض ولا بد من الترتيب حقيقة، إذ لا يمكن تقديره هنا أو بغيره من مأذونه كما مر أو من نفسه كأن أخذ ما سفته الريح من الهواء أو من

 

ج /1 ص -123-      الوجه كما يأتي، ثم رده إليه وكأن سفت على يده أو كمه، ولو قبل الوقت فمسح به وبعده؛ لأن النقل به للوجه إنما وجد بعد الوقت وأفهم عد النقل ركنا بطلانه بالحدث قبل مسح الوجه ما لم يجدد النية قبل وصول التراب للوجه لوجود النقل حينئذ "فلو نقل من وجه" إليه أو "إلى يد" بأن حدث عليه بعد زوال ترابه بالكلية تراب آخر فأخذه ومسح به يديه "أو عكس" أي نقل من يد إلى وجه كذا منها إليها "كفى في الأصح" لوجود حقيقة النقل، ولو أخذه ليمسح به وجهه فتذكر أنه مسحه جاز أن يمسح به يديه أو ليديه ظانا أنه مسح وجهه فبان أنه لم يمسحه جاز مسحه به؛ لأن قصد عين المنقول إليه لا يشترط على المعتمد.
"و" ثانيها "نية استباحة الصلاة" ونحوها مما يفتقر للطهر وسيأتي تفصيل ما يستبيحه، ولو تيمم بنيتها ظانا أن حدثه أصغر فبان أكبر أو عكسه صح بخلاف ما لو تعمد نظير ما مر في نية المغتسل أو المتوضئ غير ما عليه، واتحاد النية والاستباحة في الحدثين هنا لا يقتضي الصحة مع التعمد خلافا لما وقع لابن الرفعة "لا" نية "رفع الحدث" أو الطهارة عنه؛ لأنه لا يرفعه وإلا لم يبطل بغيره كرؤية الماء ولأنه صلى الله عليه وسلم قال لعمرو بن العاص
"صليت بأصحابك وأنت جنب" فسماه جنبا مع تيممه إفادة لعدم رفعه نعم لو نوى بالحدث المنع من الصلاة وبرفعه رفعا خاصا بالنسبة لفرض ونوافل جاز كما هو ظاهر؛ لأنه نوى الواقع.
تنبيه: قوله صلى الله عليه وسلم لعمرو
"صليت" إلخ صريح في تقريره على إمامته وحينئذ فإن قيل بلزوم الإعادة أشكل بأن من تلزمه لا تصح إمامته أو بعدم لزومها أشكل بأن المتيمم للبرد تلزمه الإعادة، وقد يجاب بأنه إنما يفيد صحة صلاته. وأما صحة صلاتهم خلفه فهي واقعة حال محتملة؛ لأنهم لم يعلموا بوجوب الإعادة حالة الاقتداء فجاز اقتداؤهم لذلك وحينئذ فلا إشكال أصلا.
"ولو نوى" التيمم لم يكف جزما أو "فرض التيمم" أو فرض الطهارة "لم يكف في الأصح"؛ لأنه طهارة ضرورة غير مقصود في نفسه فلم يصلح لأن يجعل مقصودا بخلاف الوضوء، ومن ثم لا يسن تجديده فإن قلت كيف لا يصح هذا مع أنه إنما نوى الواقع قلت ممنوع بإطلاقه؛ لأنه وإن نواه من وجه نوى خلافه من وجه آخر؛ لأن تركه نية الاستباحة وعدوله إلى نية التيمم أو نية فرضيته ظاهر في أنه عبادة مقصودة في نفسها من غير تقييد بالضرورة وهذا خلاف الواقع، ومن ثم لما لم يكن في تيمم نحو غسل الجمعة استباحة جاز له نية تيمم الجمعة وسنة تيممها لانحصار الأمر فيها ويؤخذ مما قررته أنه لو نوى فرضية الإبدالي لا الأصلي صح ويوجه بأنه الآن نوى الواقع من كل وجه فلم يكن للإبطال وجه "ويجب قرنها" أي النية "بالنقل" السابق أي بأوله؛ لأنه أول الأركان "وكذا" يجب "استدامتها" ذكرا "إلى مسح شيء من الوجه على الصحيح" حتى لو عزبت قبل مسح شيء منه بطلت؛ لأنه المقصود وما قبله وسيلة وإن كان ركنا فعلم من كلامهم بطلانه بعزوبها فيما بين النقل المعتد به والمسح وهو كذلك وإن نقل جمع عن أبي خلف الطبري الصحة. واعتمدوه وليس من محل الخلاف كما هو ظاهر ما إذا عزبت قبل وصول يده لوجهه، ثم قرنها بنقلها إليه لما علم مما مر أنه حيث بطل نقله قبل وصول يديه لوجهه

 

ج /1 ص -124-      فنوى ورفعهما إليه أو مرغه عليهما كفى، "فإن نوى" بتيممه "فرضا ونفلا" أي استباحتهما "أبيحا" عملا بنيته وأفهم تنكيره الفرض عدم اشتراط توحيده فلو نوى فرضين أو أكثر استباح واحدا منهما أو من غيرهما وتعيينه ففي إطلاقه يصلي أي فرض شاء وفي تعيينه كأن تيمم لمنذورة أو لفائتة ضحى يصلي غيره كالظهر بعد دخول وقته ولأنه صح لما قصده فجاز غيره؛ لأنه من جنسه نعم لو عين فأخطأ لم يصح بخلاف الوضوء؛ لأنه يرفع الحدث وإذا ارتفع استباح ما شاء والتيمم مبيح وبالخطأ صادفت نيته استباحة ما لا يستباح "أو" نوى "فرضا" فقط "فله النفل على المذهب"؛ لأنه تابع أولوي بالاستباحة وسيعلم أن صلاة الجنازة في حكم النفل وإن تعينت عليه وظاهر أن الطواف كالصلاة ففرضه يبيح فرضها ونفله يبيح نفلها "أو" نوى "نفلا" فقط "أو" نوى "الصلاة" وأطلق "تنفل" أي جاز له النفل "لا الفرض على المذهب" ؛ لأن الفرض أصل فلا يتبع غيره وأخذا بالأحوط في الثانية وكون المفرد المحلى بأل للعموم إنما يفيد فيما مداره على الألفاظ والنيات ليست كذلك على أن بناءها على الاحتياط يمنع العمل فيها بمثل ذلك لو فرض أن للألفاظ فيها دخلا فاندفع ما للإسنوي وغيره هنا ونية ما عدا الصلاة كسجدة تلاوة أو مس مصحف أو قراءة أو مكث بمسجد أو استباحة وطء تبيح جميع ما عداها لا شيئا منها؛ لأنها أعلى ونية الأدون لا تبيح الأعلى نعم نية خطبة الجمعة كنية صلاة الجنازة فيستبيح بها ما عدا الفرض العيني فالحاصل أن نية الفرض تبيح الجميع ونية النفل أو الصلاة أو صلاة الجنازة أو خطبة الجمعة تبيح ما عدا الفرض العيني ونية شيء مما عدا الصلاة لا تبيحها وتبيح جميع ما عداها.
"و" ثالثها ورابعها وخامسها سواء أكان عن حدث أكبر أم أصغر "مسح" جميع "وجهه" السابق بيانه في الوضوء إلا ما يأتي بالتراب أي إيصاله إليه، ولو بخرقة ومنه ظاهر لحيته المسترسل والمقبل من أنفه على شفته وينبغي التفطن لهذا ونحوه فإنه كثيرا ما يغفل عنه "ثم" مسح جميع "يديه مع مرفقيه" للآية مع خبر الحاكم وصححه "التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين" لكن صوب غيره وقفه على ابن عمر رضي الله عنهما، ومن ثم اختار المؤلف وغيره القديم أنه يكفي مسحهما إلى الكوعين لحديث الصحيحين. الظاهر فيه ولكن البدلية المقتضية لإعطاء البدل حكم المبدل منه قد ترجح الأول على أنه واقعة حال فعلية محتملة فقدم مقتضى البدلية؛ لأنه لم يتحقق له معارض، ومن ثم وجب الترتيب هنا كهو، ثم، وإنما لم يجب في الغسل؛ لأنه لما وجب فيه تعميم البدن صار كله كعضو واحد، ومن ثم يجب وإن تمعك؛ لأن تعميم البدن بالتراب لا يجب مطلقا فلم يشبه الغسل ويكفي غلبة ظن تعميم العضو بالتراب، وقد يعترض وجوب الترتيب بأن في حديث البخاري المذكور ما يصرح بعدمه لولا تأويل الواو بثم نظرا للبدلية المذكورة، "ولا يجب" بل ويسن "إيصاله" أي التراب "منبت الشعر الخفيف" وفي وجه أو يد لما فيه من المشقة وبه فارق الوضوء "ولا ترتيب" بالفتح واجب بل مندوب "في نقله" أي التراب إلى العضوين "في الأصح فلو ضرب بيديه" التراب معا "ومسح بيمينه" أو يساره "وجهه وبيساره" أو يمينه "يمينه" أو يساره "جاز"؛ لأن الفرض الأصلي المسح والنقل وسيلة إليه فلم يشترط فيه ترتيب.

 

ج /1 ص -125-      تنبيه: يشترط لصحة التيمم تقدم طهر جميع البدن من نجس غير معفو عنه. إذا كان معه من الماء ما يكفي لإزالة الخبث القادر هو على إزالته سواء المسافر والحاضر وإن لزمته الإعادة بكل تقدير وتقدم الاجتهاد في القبلة لا ستر العورة؛ لأنه أخف ولهذا لا تجب الإعادة مع العري بخلافها مع الخبث وعدم القبلة.
"ويندب" للتيمم جميع ما مر في الوضوء مما يتصور جريانه هنا فمن ذلك "التسمية" أولا حتى لجنب ونحوه والذكر آخره السابق ثم، وذكر الوجه واليدين بناء على ندبه والاستقبال والسواك ومحله بين التسمية وأول الضرب كما أنه ثم بين غسل اليد والمضمضة، والغرة والتحجيل وأن لا يرفع يده عن العضو حتى يتم مسحه وتخليل أصابعه كما يأتي "ومسح وجهه ويديه بضربتين" لورودهما مع الاكتفاء بضربة حصل بها التعميم وقيل يسن ثلاث ضربات لكل عضو ضربة "قلت الأصح المنصوص وجوب ضربتين وإن أمكن بضربة بخرقة ونحوها" كأن يضرب بخرقة كبيرة، ثم يمسح ببعضها وجهه وببعضها يديه "والله أعلم" لخبر الحاكم المار آنفا بما فيه، قيل ويشكل على وجوبهما جواز التمعك ويرد بأنه لا إشكال في ذلك؛ لأن المراد بالضرب النقل ولو بالعضو الممسوح كما مر لا حقيقة الضرب والتمعك يشترط فيه الترتيب كما مر فإذا معك وجهه، ثم يديه فقد حصل له نقلتان نقلة للوجه ونقلة لليدين وآثروا التعبير بالضرب لموافقة لفظ الحديث والغالب إذ يكفي وضع اليد على تراب ناعم بدونه كما أن قوله فيه ضربة للوجه وضربة لليدين للغالب أيضا، إذ لو مسح ببعض ضربة الوجه وببعضها مع أخرى اليدين كفى وتجب الزيادة على ضربتين إن لم يحصل الاستيعاب بهما وإلا كرهت على ما في المجموع على المحاملي والروياني.
تنبيه: الصورة المذكورة بعد قوله وإن أمكن بضربة بخرقة هل الضربة الثانية الواجبة فيها. يمسح بها اليدين جميعهما أو بعض إحداهما مبهما أو معينا؛ لأنه لو عمم بالأولى الوجه وبعض اليدين جاز، للنظر في ذلك مجال والذي يتجه أن الذي يجب مسحه بها هو آخر جزء مسحه من اليد؛ لأن هذا هو الذي تتعين الضربة الثانية له فيقع بالأولى لغوا بخلاف ما قبله.
"ويقدم" ندبا "يمينه" على يساره "و" يقدم ندبا أيضا "أعلى وجهه" على باقيه كالوضوء فيهما وأسقط من أصله ندب الكيفية المشهورة في مسح اليدين لعدم ثبوت شيء فيها، ومن ثم نقل عن الأكثرين أنها لا تندب لكنه مشى في الروضة على ندبها، وإنما سن فيها مسح إحدى الراحتين بالأخرى ولم يجب لتأدي فرضهما بضربهما بعد مسح الوجه وجاز مسح الذراعين بترابهما لعدم انفصاله وللحاجة لتعذر مسح الذراع بكفها فهو كنقل الماء من محل إلى آخر مما يغلب فيه التقاذف ويعذر في رفع اليد وردها كما مر كرد متقاذف يغلب في الماء "وتخفيف الغبار" من كفيه إن كثف بالنفض أو النفخ حتى لا يبقى إلا قدر الحاجة للاتباع ولئلا يشوه خلقه ومن ثم لا يسن تكرار المسح ويسن أن لا يمسح التراب عن

 

ج /1 ص -126-      أعضاء التيمم حتى يفرغ من الصلاة "وموالاة التيمم" بتقدير التراب ماء "كالوضوء" فتسن وقيل تجب؛ لأنه بدله "قلت، وكذا الغسل" تسن موالاته كالوضوء خروجا من الخلاف، "ويندب تفريق أصابعه أولا" أي أول كل ضربة؛ لأنه أبلغ في إثارة الغبار لاختلاف موقع الأصابع فيسهل تعميم الوجه بضربة واحدة، وكذا اليدان ووصول الغبار بين الأصابع من التفريج في الأولى لا يمنع إجزاءه في الثانية إذا مسح به لما مر أن ترتيب النقل غير شرط فحصول التراب الثاني من التفريج في الثانية إن لم يزد الأول قوة لا ينقصه على أن الحاصل من ذلك غالبا غبار لبسه على المحل وهو لا يمنع الإجزاء بتراب التيمم. ومن ثم لو غشيه غبار لم يكلف نفضه للتيمم إلا إن منع وصول ترابه للعضو وعليه يحمل إطلاق التهذيب وجوب النفض وظاهر أنه لا يضر وصول الغبار من الأولى وإن كثر لما تقرر أن ترتيب النقل غير شرط فالواصل من الأولى يصلح للتيمم به إذا مسح به ويفارق مسألة التهذيب بأنه لا نقل فيها، ومن ثم لو أخذ التراب فيها بيده ونوى ثم مسح به أجزأ وإن كثر كما علم مما مر فيما لو سفته ريح على وجهه ولا ينافي ندب التفريق في الثانية نقل ابن الرفعة الاتفاق على وجوبه فيها؛ لأنه محمول على ما إذا لم يرد التخليل والأول على ما إذا أراده فالواجب فيها إما التفريق وإما التخليل فهو مع التفريق سنة. "ويجب نزع خاتمه" عند المسح "في" الضربة "الثانية والله أعلم" ولا يكفي تحريكه لتوقف وصول التراب لمحله على نزعه لكثافته وإن اتسع خلافا لما يوهمه تعبير غير واحد بغالبا؛ لأن انتقاله للخاتم بالتحريك ثم عوده للعضو يصيره مستعملا وليس كانتقاله لليد الماسحة ثم عوده للحاجة إلى هذا دون ذاك ويسن في الأولى ليمسح وجهه بجميع يديه للاتباع فإن قلت قولك؛ لأن انتقاله إلى آخره غير كاف؛ لأنه إن وصل للخاتم قبل مس العضو فلا استعمال أو بعده فقد طهر العضو بمسه قلت بل هو كاف لحالة أخرى أغفلها حصرك وهي أن التراب لا بد أن يصيب جزءا مما تحت الخاتم الذي تجافى عنه وهذا التراب يحتمل التكاثف الذي من شأنه أنه طبقة فوق أخرى ومعلوم أن السفلى مستعملة؛ لأنها الماسة دون التي فوقها وبتحريك الخاتم ينتقل هذا المختلط إلى الجزء الذي يلي الأول مما لم يصبه تراب فلا يطهره وهكذا كل جزء فرضته أصابه التراب دون ما يليه فاتضح أن المانع موجود مع وجود الخاتم مطلقا فتفطن له، نعم إن فرض تيقن عموم التراب لجميع ما تحت الخاتم من غير تحريكه فلا إشكال في الإجزاء حينئذ.
"ومن تيمم"، لمرض لم يبطل تيممه إلا بالبرء، وقد يشمله المتن بجعل الفقد شاملا للشرعي، وكذا وجده بأن يزول مانعه ولم يقترن بمانع آخر أو "لفقد ماء فوجده" أو ثمنه مع إمكان شرائه وإن قل "إن لم يكن في صلاة" بأن كان. قبل الراء من تكبيرة الإحرام "بطل" تيممه وإن ضاق الوقت عن الوضوء إجماعا، وكذا لو توهمه وإن زال توهمه سريعا كأن رأى ركبا أو تخيل سرابا ماء أو سمع من يقول عندي ماء لفلان أو نجس أو مستعمل أو ماء ورد؛ لأنه لم يأت بالمانع إلا بعد توهمه الماء بمجرد سماعه للفظه بخلاف أودعني فلان ماء وهو يعلم غيبته وعدم رضاه بأخذه أما لو لم يعلم ذلك فيبطل؛ لأنه يلزمه البحث عنه

 

ج /1 ص -127-      ولأنه إذا شك في الرضا صار آخذه متوهم الحل، وإنما يبطل فيما إذا رآه مثلا أو توهمه "إن لم يقترن" وجوده أو توهمه "بمانع كعطش" وسع وتعذر استقاء؛ لأنه حينئذ كالعدم ويؤخذ منه أن كل ما منع وجوب الطلب كذلك ومنه أن يخشى من لا تلزمه الإعادة خروج الوقت لو طلبه فقولهم هنا وإن ضاق الوقت محله فيمن يلزمه طلبه وإن خاف خروج الوقت وهو من تلزمه الإعادة وهذا معلوم مما قدموه في الطلب فوجب حمل إطلاقهم هنا عليه كما تقرر. وإنما لم يبطل بتوهم سترة أو برء لعدم وجوب طلبها لغلبة الضنة بها وعدم حصوله بالطلب.
فرع: ذكر شارح هنا كلاما عن الحنفية فيما لو مر متيمم نائم ممكنا بماء، ثم استيقظ وعلمه بعد بعده عنه ولم يبين حكم ذلك عندنا والذي يظهر من كلامهم فيما إذا أدرج في رحله ماء ولم يقصر في طلبه أو كان بقربه بئر خفية الآثار أو رأى واطئ متيممة الماء دونها عدم بطلان تيممه.
"أو" إن وجده بلا مانع أيضا ولا عبرة بتوهمه هنا "في صلاة" بأن كان بعد تمام الراء من تكبيرة الإحرام "لا يسقط" أي قضاؤها "به" لكونه بمحل الغالب فيه وجود الماء "بطلت" الصلاة لبطلان تيممها كما علم من سياق كلامه إذ المبحث في مبطله لا مبطلها فلا اعتراض عليه "على المشهور" وإن ضاق الوقت على ما تقرر لعدم الفائدة في بقائها لوجوب إعادتها "وإن أسقطها" لكونه بمحل الغالب فيه فقد الماء أو استوى فيه الأمران "فلا" تبطل الصلاة بل يتمها ويسلم الثانية؛ لأن تيممه لا يبطل إلا بانتهائها وإن تلف الماء وهي منها تبعا ففعلها إلا سجود سهو تذكره بعدها وإن قرب الفصل لفصله عنها بالسلام صورة وإن بان بالعود لو جاز أنه لم يخرج به ووجه عدم بطلانها برؤيته هنا أنه تلبس بالمقصود كوجود المكفر الرقبة بعد شروعه في الصوم وليس كمصل بخف تخرق فيها لامتناع افتتاحها مع تخرقه مع تقصيره بعدم تعهده ولا كأعمى قلد في القبلة فأبصر فيهما لبنائها على أمر ضعيف هو التقليد على أن البدل هنا لم ينقض بخلاف التيمم ولا كمعتدة بالأشهر. حاضت فيها لقدرتها على الأصل قبل فراغ البدل ولا كمستحاضة شفيت فيها لتجدد حدثها نعم إن نوى قاصر بعد رؤيته إقامة أو إتماما بطلت؛ لأن إنشاءه بهذه النية زيادة لم يستبحها كافتتاح صلاة أخرى وهو بعد الرؤية باطل فاندفع بالتصوير فيهما بالقاصر ما للإسنوي هنا أما لو أقام أو نوى ذلك قبل رؤية الماء أو معها فلا تبطل والشفاء في الصلاة كرؤية الماء ففيها تفصيله المذكور فإن وضع الجبيرة على طهر لم تبطل وإلا بطلت، ولو يمم ميت لفقد الماء وصلي عليه، ولو بالوضوء، ثم وجده، ولو بعد صلاته وجب غسله والصلاة عليه في الحضر؛ لأن ذلك خاتمة أمره فاحتيط له وقياسه أن من صلي عليه بالتيمم، ثم رأى الماء قبل دفنه لزمه إعادتها إن كان حاضرا أما المسافر فلا يلزمه شيء من ذلك إذا وجده فيها أو بعدها فقد نقل ابن الرفعة وأقروه الاتفاق بل أشار لنقل الإجماع على أن صلاة الجنازة كالخمس في وجود الماء قبل إحرامها أو بعده وردوا تفرقة الإسنوي بينهما أخذا من كلام البغوي والحاصل أنها كغيرها من الخمس وأن تيمم الميت كتيمم الحي. وأما قول ابن

 

ج /1 ص -128-      خيران ليس لحاضر أن يتيمم ويصلي على الميت فيرد حيث لم يكن ثم غيره وإن أمكن توجيهه بأن صلاته لا تغني عن الإعادة وليس هنا وقت مضيق وتكون بعده قضاء حتى يفعلها لحرمته بأن وقتها الواجب فعلها فيه أصالة قبل الدفن فتعين فعلها قبله لحرمته، ثم بعده إذا رئي الماء لإسقاط الفرض. على أن عبارته أولت بأنها في حاضر أي أو مسافر واجد للماء خاف لو توضأ فاتته صلاة الجنازة فهذا لا يتيمم عندنا خلافا لأبي حنيفة أما إذا كان ثم من يحصل به الفرض فليس له التيمم لفعلها؛ لأنه لا ضرورة به إليه ولا فرق في عدم بطلان الصلاة السابقة برؤية الماء بين الفرض والنفل. "وقيل يبطل النفل"؛ لأنه لا حرمة له كالفرض وإدخاله النفل فيما يسقط بالتيمم تارة وتارة لا يقتضي أن نحو المقيم كما يلزمه قضاء الفرض يسن له قضاء النفل الذي يشرع قضاؤه وأنه يجوز له فعل النفل بالتيمم وإن لم يشرع قضاؤه وبه يصرح قوله بعد وأن المتنفل إلى آخره "والأصح إن قطعها" أي الصلاة التي تسقط بالتيمم الشاملة للنافلة كما يصرح به كلامه فحمل غير واحد من الشراح لها على الفرض إنما هو؛ لأن من جملة مقابل الأصح وجها بحرمة القطع وهو لا يأتي في النفل "ليتوضأ أفضل" من إتمامها بالتيمم وإن كان في جماعة تفوت بالقطع أو نوى إعادتها بالماء بعد فراغها كما شمله كلامهم خروجا من خلاف من أوجبه وقدم على من حرمه؛ لأنه أقوى ولا يجوز له قلبها نفلا ويسلم من ركعتين؛ لأنه كافتتاح صلاة بعد رؤية الماء ومر أنه باطل وبه فارق ندبه لمن خشي فوت الجماعة كما يأتي نعم إن ضاق وقتها بأن كان لو توضأ وقع جزء منها خارجه حرم قطعها لتفويته بعضها مع قدرة فعل جميعها فيه بلا ضرورة "و" الأصح "أن المتنفل". الذي لم ينو عددا بل أطلق، ثم رأى الماء قبل ركعتين "لا يجاوز ركعتين" بل يسلم منهما؛ لأنه الأحب المعهود في النوافل فإن رآه بعد فعلهما اقتصر على الركعة التي رآها فيها وحمل شارح هذا للعبارة قال لصدقها على أنه لم يجاوز ركعتين بعد رؤية الماء فأوهم أن له فعل ركعتين بعد رؤيته مطلقا وليس كذلك "إلا من نوى عددا" قبل رؤية الماء وإن زاد على ما نواه عند الإحرام كما هو ظاهر ومنه الركعة عند الفقهاء فالاعتراض عليه باصطلاح الحساب غير سديد على أن بعضهم وافق الفقهاء "فيتمه" عملا بنيته ولا يزيد عليه لما مر أن الزيادة كافتتاح صلاة أخرى، ولو رآه أثناء قراءة تيمم لها بطل تيممه وإن نوى قدرا معلوما لعدم ارتباط بعضها ببعض. وبه يعلم أنه لو رآه أثناء طواف بطل أيضا؛ لأن صحة بعضه لا ترتبط ببعض أو رأته نحو حائض أثناء وطء تيممت له وجب النزع بخلاف ما لو رآه هو لبقاء تيممها؛ لأنه لا يبطل إلا برؤيتها دون رؤيته خلافا لمن وهم فيه.
"ولا يصلى بتيمم"، ولو من صبي وجنب تجردت جنابته عن الحادث الأصغر خلافا لمن غلطوا فيه ويشكل على الصبي تجويزهم جمع المعادة مع الأصلية بتيمم واحد إلا أن يفرق بأن صلاة الصبي صالحة للوقوع عن الفرض لو بلغ فيها ولا كذلك المعادة وإن استويا في وجوب نية الفرض فيهما كما يأتي أي صورة والقيام وغيرهما، وإنما. لم يصل بتيممه لفرض بلغ بعده وقبل الدخول في الفرض فرضا كما صححه في التحقيق احتياطا له

 

ج /1 ص -129-      إذ صلاته في الحقيقة نفل فلم يقع تيممه إلا للنفل "غير فرض" واحد عيني كما صح عن ابن عمر قال البيهقي ولم يعرف له مخالف من الصحابة بل روى الدارقطني عن ابن عباس من السنة أن لا يصلي بتيمم واحد إلا صلاة واحدة، ثم يحدث للثانية تيمما وقول الصحابي من السنة في حكم المرفوع ولأنه طهارة ضعيفة ولأن الوضوء كان يجب لكل فرض فنسخ يوم الخندق فبقي التيمم على الأصل من وجوب الطهر لكل فرض وخرج بيصلى تمكين الحليل مرارا بتيمم وجمعها بين ذلك وصلاة فرض بأن نوته في تيممها كما مر فإنه جائز للمشقة وعلم من كلامه في غير هذا المحل أن الطواف بمنزلة الصلاة فلا يجمع بين فرضين منه ولا بين فرضه وفرض الصلاة كالخطبة والجمعة مطلقا؛ لأنه لما جرى قول أنها بمثابة ركعتين ألحقت بالفرض العيني، وإنما لم يستبح الجمعة بنيتها نظرا لكونها فرض كفاية فالحاصل أن لها شبها متأصلا بالعيني روعي كما روعي كونها فرض كفاية احتياطا فيهما ويؤيده ما مر في الصبي فإنه روعي في صلاته صورة الفرض فلم يجمع بين فرضين وحقيقة النفل فلم يصل الفرض لو بلغ، وإنما لم يجب تيمم لكل من الخطبتين؛ لأنهما بمنزلة شيء واحد، ولو صلى بتيمم فرضا تجب إعادته كأن ربط بخشبة، ثم فك جاز له إعادته به وإن كان فعل الأولى فرضا؛ لأن الثانية هي الفرض الحقيقي فجاز الجمع نظرا لهذا وصلاته الثانية بتيمم الأولى نظرا لفرضيتها أولا هذا غاية ما يوجه به كلامهم هنا، ثم رأيت في كلام شيخنا ما يوافقه لكن قياسه هذا على ما يأتي في المنسية من خمس لا يتم؛ لأن ما عدا الفرض ثم وسيلة له ولا كذلك هنا؛ لأن الأولى وجبت لحرمة الوقت والثانية للخروج من عهدة الفرض فلا وسيلة أصلا ومع ذلك كله فهذا يشكل على ما مر في الصبي من رعاية الصورة والحقيقة احتياطا بل هذا أولى فتأمله.
"ويتنفل ما شاء"؛ لأن. النفل لا ينحصر فخفف فيه "والنذر" أي المنذور من نحو صلاة وطواف "كفرض" أصلي "في الأظهر"؛ لأن الأصل أنه يسلك به مسلك واجب الشرع نعم إن نذر إتمام كل نفل شرع فيه جاز له نوافل مع فرضه؛ لأن ابتداءها نفل والقراءة المنذورة كذلك إن عينها نعم إن قطعها بنية الإعراض، ثم أراد إتمامها احتمل وجوب التيمم؛ لأنه بالإعراض عن البقية صيرها كالفرض المستقل ومثله ما لو نذر سورتين في وقتين فيحتمل وجوب التيمم لكل؛ لأنهما لا يسميان الآن فرضا واحدا "والأصح صحة" فروض كفاية نحو "جنائز" وإن تعينت "مع فرض" عيني لشبهها أصالة بالنفل في جواز الترك وتعينها بانفراد المكلف عارض، وإنما لم يجز فيها الجلوس والركوب؛ لأنه يمحو ركنها الأعظم وهو القيام ومر أن نية النفل تبيحها خلافا لقول شارح هنا لا تبيحها؛ لأنه من غير جنسها فهي رتبة متوسطة بين الفرض والنفل ا هـ ويلزمه أن نية النفل لا تبيح نحو مس المصحف؛ لأنه من غير جنسه وهو خلاف ما صرحوا به، "و" الأصح "أن من نسي إحدى الخمس" ولم يعلم عينها لزمه فعل الخمس فورا وجوبا إن كان الفوات بغير عذر وإلا فندبا وكنسيان إحداهن ما لو صلاهن بخمس وضوءات، ثم علم ترك لمعة من إحداهن لتيقنه حينئذ أن عليه إحداهن، وقد جهل عينها فيلزمه. فعلهن، إذ لا تتيقن براءة ذمته إلا بذلك فإن أراد فعلهن

 

ج /1 ص -130-      بالتيمم "كفاه تيمم لهن"؛ لأن الفرض واحد ووجوب ما عداه من الخمس إنما هو بطريق الوسيلة لتتحقق براءة الذمة قال السبكي والأحسن كفاه لهن تيمم لإيهام ذاك أنه إنما يكفيه تيمم إذا نوى به الخمس وليس مرادا بل المراد أنه يتيمم تيمما واحدا للمنسية ويصلي به الخمس انتهى وإيهام ذلك يدفعه ما هو معلوم أنه إذا وجد فعل وما فيه رائحته كان التعلق بالفعل فقط ويعضده بل يعينه السياق فإنه إنما هو في نية فرض واستباحته مع غيره تبعا، ولو تذكر المنسية بعد فعل الخمس لم تلزمه إعادتها كما رجحه المصنف وسبقه إليه صاحب البحر ويفرق بينه وبين ما لو ظن حدثا فتوضأ له، ثم تيقنه بأنه ثم يمكنه اليقين بنحو المس بخلافه هنا. "وإن نسي صلاتين منهن وعلم كونهما مختلفتين" كظهر وعصر من يوم أو يومين "صلى كل صلاة" من الخمس "بتيمم" وهذه طريقة ابن القاص "وإن شاء تيمم مرتين" عدد المنسي "وصلى" بكل تيمم عدد غير المنسي مع زيادة واحد وترك ما بدأ به قبله فيصلي في هذه الصورة "بالأول أربعا" كالظهر والعصر والمغرب والعشاء وعلم مما مر أنه إن كان الفوات بغير عذر وجب كونها ولاء أو بعذر كالنسيان هنا سن كونها "ولاء" لما فيه من المبادرة ببراءة الذمة "وبالثاني أربعا" كذلك "ليس منها التي بدأ بها" كالصبح والعصر والمغرب والعشاء فيبرأ بيقين؛ لأنه صلى ما عدا الصبح والظهر بتيممين فإن كانت المنسيتان فيهن تأدت كل بتيمم وإن كانتا تينك تأدت الظهر بالتيمم الأول والصبح بالثاني وإن كانتا إحدى أولئك مع إحدى هاتين فكذلك وهذه طريقة ابن الحداد وهي المستحسنة عندهم ولهم فيها عبارات وضوابط أخر أما إذا لم يترك ما بدأ به كأن يصلي بالثاني الظهر والعصر والمغرب والصبح فلا يبرأ لاحتمال أن المنسيتين العشاء وواحدة غير الصبح. فبالأول تصح غير العشاء فتبقى العشاء عليه "أو" نسي "متفقين" بينهما ولا يكونان إلا من يومين أو شك في اتفاقهما "صلى الخمس مرتين بتيممين"؛ لأن الفرض في كل مرة واحد فيقع بذلك التيمم وما عداه وسيلة كما مر، ولو تيقن ترك واحد من طواف وإحدى الخمس طاف وصلى الخمس بتيمم؛ لأن الفرض في الحقيقة واحد ووجوب فعل الكل وسيلة نظير ما مر. "ولا يتيمم لفرض قبل" ظن دخول "وقت فعله"؛ لأنه طهارة ضرورة ولا ضرورة قبل الوقت، وإنما جاز أوله ليحوز فضيلته ومبادرة لبراءة ذمته ولا يصح أيضا النفل قبله، ولو احتمالا إلا إن جدد النية بعده قبل المسح كما مر أما فيه فيصح له ولو قبل بعض شروطه كخطبة جمعة لغير الخطيب لما مر فيه أنه لا بد له من تيممين مطلقا وكستر كما أفاده قول الروضة وأصلها قبل وقته وصرح به الإسنوي وغيره ولا ينافيه زيادة المتن وأصله فعله؛ لأن الوقت قبل فعل هذه الشروط يسمى وقت الفعل فلا اعتراض عليهما خلافا لمن ظنه، وإنما لم يصح أي عند وجود الماء لا مطلقا خلافا لمن وهم فيه ففي المجموع إذا قلنا لا يجزئ الحجر في نادر كالمذي أو إن رطوبة الفرج لا يعفى عنها يتيمم ويقضي ويأتي في المتن أن من بجرحه دم لا يعفى عنه يتيمم ويقضي قبل طهر جميع البدن مما لا يعفى عنه للتضمخ به مع ضعف التيمم لا لكون زواله شرطا لصحة الصلاة وإلا لما صح قبل زواله عن الثوب والمكان وألحق به الاجتهاد في القبلة مما مر من وجوب الإعادة

 

ج /1 ص -131-      فيهما ويدخل وقت فعل الثانية في جمع التقديم بفعل الأولى فيتيمم لها بعدها لا قبلها نعم إن دخل وقتها قبل فعلها بطل تيممه؛ لأنه إنما صح لها تبعا وقد زالت التبعية بانحلال رابطة الجمع وبه فارق ما مر من استباحة الظهر بالتيمم لفائتة ضحى؛ لأنه ثم لما استباحها استباح غيرها تبعا وهنا لم يستبح ما نوى على الصفة المنوية فلم يستبح غيره وقضيته بطلان تيممه ببطلان الجمع بطول الفصل وإن لم يدخل الوقت فقولهم يبطل بدخوله مثال لا قيد، ولو أراد الجمع تأخيرا صح التيمم للظهر وقتها نظرا لأصالته لها لا للعصر؛ لأنه ليس وقتا لها ولا لمتبوعها؛ لأنها الآن غير تابعة للظهر ووقت الفائتة تذكرها فلو تيمم شاكا فيها، ثم بانت لم تصح والمنذورة المتعلقة بوقت معين لا يصح لها قبله وصلاة الجنازة لا يصح لها قبل الغسل أو بدله بل بعده، ولو قبل التكفين لكن يكره، "وكذا النفل المؤقت" راتبا كان أو غيره لا يتيمم له قبل دخول وقته "في الأصح" لما مر في الفرض وسيأتي بيان وقت صلاة الرواتب والعيد والكسوف ووقت صلاة الاستسقاء لمن أرادها وحده انقطاع الغيث ومع الناس اجتماع أكثرهم وظاهر أنه يلحق بها في ذلك صلاة الكسوفين فيدخل الوقت لمن أرادها وحده بمجرد التغير ومع الناس باجتماع معظمهم واعترض التوقف على الاجتماع بأنه يلزم عليه أن من أراد صلاة الجنازة أو العيد في جماعة لا يتيمم لها إلا بعد الاجتماع ولا قائل به ويجاب بالفرق بأن صلاة الجنازة مؤقتة بمعلوم وهو من فراغ الغسل إلى الدفن والعيد وقتها محدد. الطرفين كالمكتوبة فلم يتوفقا على اجتماع وإن أراده بخلاف الاستسقاء والكسوفين، إذ لا نهاية لوقتهما معلومة فنظر فيهما إلى ما عزم عليه وظن بعضهم أن لا مخلص من ذلك الاعتراض فأجاب بأن الفرض في متيمم للفقد يريد فعلها بالصحراء فإن علم أن لا ماء بها يتيمم بعد الخروج إليها لا قبله لئلا يحدث توهم يبطل تيممه وإن توهم أن بها ماء أخر إلى الاجتماع ويرد بأن فيه مخالفة لإطلاقهم اعتبار الاجتماع وبأنه قد يعلم أن لا ماء بها فيحدث ما يوهم حدوث ماء بها فيؤخر للاجتماع فلا وجه لما ذكره من التفصيل والتحية بدخول المسجد وخرج بالمؤقت النوافل المطلقة فيتيمم لها أي وقت شاء ما عدا وقت الكراهة إن تيمم قبله أو فيه ليصلي فيه وإلا صح فإن قلت هي مؤقتة أيضا بمقتضى ما ذكر قلت المراد بالمؤقت ما له وقت محدود الطرفين والمطلقة ليست كذلك؛ لأن ما عدا وقت الكراهة يزيد وينقص لما يأتي فيه أن منه ما يتعلق بالفعل وهو قد يزيد، وقد ينقص.
"ومن لم يجد ماء ولا ترابا" لكونه بصحراء فيها حجر أو رمل فقط أو بحبس فيه تراب ندي ولا أجرة معه يجففه بها "لزمه في الجديد أن يصلي الفرض" المكتوب الأداء ولو الجمعة لكنه لا يحسن من الأربعين لنقصه. وذلك لحرمة الوقت كالعاجز عن السترة والاستقبال وإزالة النجاسة وهي صلاة صحيحة يحنث بها من حلف لا يصلي ويحرم الخروج منها ويبطلها الحدث ونحوه كرؤية ماء أو تراب، ولو بمحل لا يسقط القضاء ويتجه جوازها أول الوقت خلافا لبحث الأذرعي أنه يجب تأخيرها إلى ضيقه ما دام يرجو ماء أو ترابا وعن القفال أنه أفتى بفعله لصلاة الجنازة ويوجه بوجوب تقديمها على الدفن وإن لم

 

ج /1 ص -132-      تفت به ففعلت وفاء بحرمة الميت كحرمة الوقت في غيرها لكن الذي نقله الزركشي عن قضية كلام القفال أنه لا يصليها أي؛ لأنها في مرتبة النفل كما مر، ثم رأيته علله بقوله كما في حق الميت إذا تعذر غسله وتيممه فإنه لا يصلى عليه ولأنها في حكم النفل وهو ممنوع منه ا هـ وتبعه غيره فقال قول القفال يصلى فيه نظر وإن تعينت عليه وسبقهما لذلك الأذرعي فقال لا يجوز إقدامه على فعلها قطعا؛ لأن وقتها متسع ولا تفوت بالدفن ولا ينافي ذلك أن المتيمم في الحضر يصلي عليها؛ لأنه يباح له النفل الملحقة هي به ووقع للأذرعي أنه ناقض نفسه فقال في باب الجنائز من لا يسقط بتيممه الفرض وفاقد الطهورين إن تعينت على أحدهما صلى قبل الدفن، ثم أعادها إذا وجد الطهر الكامل وهذا التفصيل له وجه ظاهر فليجمع به بين من قال بالمنع ومن قال بالجواز. وأما قوله الثاني وإن تعينت عليه ففيه نظر ظاهر وكفاقدهما من عليه بحيث خشي من إزالته مبيح تيمم أو حبس عليه وخرج بالفرض المذكور ما عداه فلا يجوز له تنفل ولا قضاء فائتة. مطلقا ولا نحو مس مصحف، وكذا نحو قراءة لغير الفاتحة في الصلاة ومكث بمسجد لنحو جنب وتمكين زوج بعد انقطاع نحو حيض لعدم الضرورة، "ويعيد" وجوبا؛ لأن عذره نادر لا يدوم ولا بدل هنا هذا إن وجد ماء، وكذا ترابا بمحل يسقط القضاء إلا لم تجز الإعادة هنا كغيره؛ لأنه لا فائدة فيها وليس هنا حرمة وقت حتى تراعى واختار المصنف القول بأن كل صلاة وجبت في الوقت من خلل لا تجب إعادتها؛ لأن القضاء إنما يجب بأمر جديد ولم يثبت في ذلك شيء قيل مراده بالإعادة القضاء كما بأصله لا مصطلح الأصوليين أن ما بوقته إعادة وما بخارجه قضاء ا هـ وليس بصحيح بل مراده بها ما يشمل الأمرين فيلزمه فعلها في الوقت وإن وجد ما مر فيه وإلا فخارجه.
"ويقضي المقيم المتيمم لفقد الماء" لندرة فقده في الإقامة وعدم دوامه ويباح له بالتيمم إذا كان جنبا أو نحوه القراءة مطلقا كما اقتضاه كلام الشيخين وغيرهما وقال جمع إنه كفاقد الطهورين ويسن له قضاء ما صلاه من النوافل أي التي تقضى، والجمعة يفعلها ويقضي الظهر "لا المسافر". المتيمم فلا يقضي وإن قصر سفره لعموم الفقد فيه والتعبير بهما للغالب والضابط أنه متى تيمم بمحل الغالب وقت التيمم فيه أي وفيما حواليه إلى حد القرب من سائر الجوانب فيما يظهر أخذا مما مر أنه يلزمه السعي لذلك عند تيقن الماء فيه فلا تعتبر الغلبة فيما وراء ذلك وجود الماء أعاد وإلا بأن غلب فقده أو استوى الأمران فلا ولا يعتبر محل الصلاة على الأوجه "إلا العاصي بسفره" كآبق وناشزة فإنه يقضي سواء تيمم لفقد ماء أو جرح أو مرض "في الأصح"؛ لأن سقوط الفرض بالتيمم فيه رخصة. أيضا فلا تناط بمعصية ولأنه لما لزمه فعله خرج عن مضاهاة الرخص المحضة قاله الإمام ويؤخذ منه أن الواجب ليس رخصة محضة، ومن ثم قال السبكي هو رخصة من حيث قيام سبب الحكم الأصلي وعزيمة من حيث وجوبه وتحتمه ا هـ وبه يجمع بين من عبر في أكل الميتة للمضطر بأنه رخصة ومن عبر بأنه عزيمة. وأما تردد الإمام في موضع أن الوجوب هل يجامع الرخصة فيحمل على أن مرده هل يجامع الرخصة المحضة هذا ولك أن تقول الذي يتجه ما صرح به كلامهم أن الوجوب يجامع الرخصة المحضة وأنه

 

ج /1 ص -133-      لا ينافي تغيرها إلى سهولة؛ لأن الوجوب فيها لما كان موافقا لغرض النفس من حيث إنه أخف عليها من الحكم الأصلي غالبا لم يكن منافيا لما فيها من التسهيل ويصح تيممه فيه إن فقد الماء حسا لحيلولة نحو سبع لما مر أول الباب لا شرعا لنحو مرض وعطش فلا يصح تيممه حتى يتوب لقدرته على زوال مانعه بالتوبة، ولو عصى بالإقامة بمحل لا يغلب فيه وجود الماء وتيمم لفقده لم يلزمه القضاء؛ لأنه ليس محلا للرخصة بطريق الأصالة حتى يفترق الحال فيه بين العاصي وغيره بخلاف السفر فاندفع ما للسبكي هنا.
"ومن تيمم لبرد" بحضر أو سفر "قضى في الأظهر" لندرة فقد ما يسخن به الماء أو يدثر به أعضاءه، وإنما لم يأمر صلى الله عليه وسلم عمرا بالإعادة في حديثه السابق إما لعلمه بأنه يعلمها أو؛ لأن القضاء على التراخي وتأخير البيان لوقت الحاجة جائز "أو" تيمم "لمرض" في غير سفر معصية لما مر فيه "يمنع الماء مطلقا" أي في كل أعضاء الطهارة "أو" يمنعه "في عضو" منها "ولا ساتر" عليه "فلا" قضاء عليه لعموم عذره "إلا أن يكون بجرحه" أو غيره "دم كثير" لا يعفى عنه لكونه بفعله قصدا أو جاوز محله أو عاد إليه كما يعلم مما يأتي في شروط الصلاة فإذا تعذر غسله حينئذ أعاد لندرة العجز عن إزالته بماء حار أو نحوه أما اليسير فلا يضر إلا إن كان بمحل التيمم ومنع وصول التراب لمحله لنقص البدل والمبدل حينئذ قيل لا حاجة لهذا الاستثناء؛ لأن من صلى بنجاسة لا يعفى عنها يلزمه القضاء وإن لم يكن متيمما ا هـ ويجاب بأن فيه فائدة. وهي التفصيل المذكور في مفهوم الكثير "وإن كان" بالأعضاء أو بعضها "ساتر" كجبيرة ولم يكن به دم لا يعفى عنه هنا أيضا وذكره في الأول تمثيل لا تقييد "لم يقض في الأظهر إن وضع على طهر" لشبهه بالخف بل أولى للضرورة ومحله إن لم يكن بعضو التيمم وإلا لزمه القضاء قطعا على ما في الروضة لنقص البدل والمبدل لكن كلامه في المجموع يقتضي ضعفه "فإن وضع على حدث وجب نزعه" إن لم يخف منه محذور تيمم؛ لأنه مسح على ساتر فاشترط وضعه على طهر كالخف "فإن تعذر" نزعه ومسح وصلى "قضى على المشهور" لفوات شرط الوضع وما أوهمه صنيعه من أنه لا يجب نزع الموضوع على طهر غير مراد بل هو كالموضوع على حدث لاستوائهما في وجوب مسحهما نعم مر أن مسحه إنما هو عوض عما أخذه من الصحيح وأنه لو لم يأخذ شيئا منه لم يجب مسحه وحينئذ فيتجه حمل قولهم بوجوب النزع فيهما وتفصليهم بين الوضع على طهر وعلى حدث على ما إذا أخذت شيئا منه وإلا لم يجب نزع ولا قضاء؛ لأنه حينئذ كعدم الساتر.
تنبيه: المراد بالطهر الواجب وضعها عليه ليسقط القضاء الطهر الكامل كالخف ذكره الإمام وصاحب الاستقصاء وعبارة المجموع صريحة فيه وهي تجب عليه الطهارة لوضع الجبيرة على عضوه وهو مراد الشافعي رضي الله تعالى عنه بقوله ولا يضعها إلا على وضوء انتهت.
وقضية التشبيه بالخف أمور الأول أنه لا بد من كمال طهارة الوضوء إن وضعها على شيء من أعضائه وكلام ابن الأستاذ صريح في هذا وهو ظاهر الثاني أنه لو وضعها

 

ج /1 ص -134-      على طهارة التيمم لفقد الماء لا يكفيه كما لا يلبس الخف في هذه الحالة وهو ظاهر أيضا الثالث أنه لو وضعها على غير أعضاء الوضوء اشترط طهره من الحدثين أيضا وفيه بعد، ومن ثم لم يرتضه الزركشي بل رجح الاكتفاء بطهارة محلها فلو وضعها المحدث على غير أعضاء الوضوء ولا جنابة، ثم أجنب مسح ولا قضاء؛ لأنه على طهارة الغسل وهي لا تنتقض إلا بالجنابة فهي الآن كاملة.

 

ج /1 ص -135-      باب الحيض
والاستحاضة والنفاس ولما كانا كالتابعين له لأصالته أما الاستحاضة فواضح. وأما النفاس فلأن أكثر أحكامه بطريق القياس عليه ولغلبه أحكامه أفردوه بالترجمة، وهو لغة السيلان وشرعا دم جبلة يخرج في وقت مخصوص، والنفاس الدم الخارج بعد فراغ الرحم والاستحاضة ما عداهما على الأصح والقول بأن بني إسرائيل أول من وقع الحيض فيهم. يبطله حديث الصحيحين
"هذا شيء كتبه الله على بنات آدم". "أقل سنه" الذي يمكن أن يحكم على ما تراه المرأة فيه بكونه حيضا "تسع سنين" قمرية أي استكمالها إلا إن رأته قبل تمامها بدون ستة عشر يوما بلياليها فزعم إيهام هذا أن التسع كلها ظرف للحيض ولا قائل به ليس في محله؛ لأنه إنما يوهم ذلك لو كانت التسع ظرفا وهي هنا خبر كما هو جلي وشتان ما بينهما ولا حد لآخر سنه ولا ينافيه تحديد سن اليأس باثنين وستين سنة لأنه باعتبار الغالب حتى لا يعتبر النقص عنه كما يأتي، ثم وإمكان إنزالها كإمكان حيضها بخلاف إمكان إنزال الصبي لا بد فيه من تمام التاسعة، والفرق حرارة طبع النساء كذا قيل والأوجه أنه لا فرق ثم رأيته صرح بذلك في المجموع حيث جعل الأصح فيهما استكمال التسع أي التقريبي المعتبر بما مر وزاد في الصبي وجها تسع ونصف ووجها عشر سنين، وأشار إلى أن الإمام فرق بأنها أسرع بلوغا منه أي؛ لأنها أحر طبعا منه، "وأقله" زمنا "يوم وليلة". أي قدرهما متصلا، وهو أربع وعشرون ساعة، وإن لم تتلفق إلا من أربعة عشر يوما مثلا بناء على قول السحب الآتي آخر الباب وسيأتي ثم ما يعلم منه أن المراد بالاتصال أن يكون نحو القطنة بحيث لو أدخل تلوث، وإن لم يخرج الدم إلى ما يجب غسله في الاستنجاء، "وأكثره" زمنا "خمسة عشر" يوما "بلياليها"، وإن لم تتصل وغالبه ستة أو سبعة كل ذلك باستقراء الشافعي رضي الله عنه بل صح النص بالأخير، "وأقل" زمن "طهر بين" زمني "الحيضتين خمسة عشر يوما" بلياليها لأنه أقل ما ثبت وجوده أما بين حيض ونفاس فيكون أقل من ذلك تقدم الحيض أو تأخر بل لو رأت الحامل يوما وليلة دما قبيل الطلق كان حيضا، ولو رأت النفاس ستين، ثم انقطع، ولو لحظة، ثم رأت الدم كان حيضا بخلاف انقطاعه في الستين فإن العائد لا يكون حيضا إلا إن عاد بعد خمسة عشر يوما، "ولا حد لأكثره" إجماعا فإن المرأة قد لا تحيض أصلا وغالبه بقية الشهر بعد غالب الحيض السابق، ولو اطردت عادة امرأة أو أكثر بمخالفة شيء مما مر لم تتبع لأن بحث الأولين أتم وحمل دمها على الفساد أولى من خرق العادة المستمرة وقد

 

ج /1 ص -136-      فلم يكن الوجوب أي على القول به في زمن الحيض قال فإن فرض طروه عقب فراغه أمكن ذلك إن سلم ثبوتهما حينئذ ا هـ وتسليم ذلك ظاهر إن مضى عقب الفراغ وقبل الطرو ما يسعهما لكنه ليس قضاء لما وقع طلبه في الحيض، "و" يحرم "ما بين سرتها وركبتها" إجماعا في الوطء. ولو بحائل بل من استحله. كفر أي زمن الدم ولمفهوم الخبر الصحيح "لك ما فوق الإزار" كناية عنهما وعما فوقهما مطلقا وعما بينهما بحائل في غير الوطء "وقيل لا يحرم غير الوطء" لخبر مسلم "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" ورجحوا الأول مع أن هذا أصح منه لتعارضهما وعنده يترجح ما فيه احتياط وفي الخبر "من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه" وبه يضعف اختيار المصنف للثاني، وإن وجه بأن الحديث الأول في مفهومه عموم للوطء وغيره وخصوص بما تحت الإزار، والثاني منطوقه فيه عموم لما تحت الإزار وفوقه وخصوص بما عدا الوطء فيكون خصوص كل قاضيا على عموم الآخر لأنا لا نسلم أن هذا من باب التخصيص. بل من باب أن ذكر بعض أفراد العام لا يخصصه وحينئذ يتحقق التعارض ويتعين الاحتياط كما تقرر فتأمله وعبارته تحتمل أن المحرم الاستمتاع، وهو عبارة أصله والروضة وغيرهما وأنه المباشرة وهي عبارة المجموع والتحقيق وغيرهما فعلى الأول يحرم النظر بشهوة لا اللمس بغيرها وعلى الثاني عكسه، وهو الأوجه. وبحث الإسنوي تحريم مباشرتها له بنحو يدها فيما بينهما ردوه بأنه استمتاع بما عدا ما بين سرتها وركبتها، وهو جائز إذ لا فرق بين استمتاعه بما عداهما بلمسه بيده أو سائر بدنه أو بلمسها له لكنها تمتنع بمنعه ولا عكس، وقد يقال إن كانت هي المستمتعة اتضح ما قاله؛ لأنه كما حرم عليه استمتاعه بما بين سرتها وركبتها خوف الوطء المحرم يحرم استمتاعها بما بين سرته وركبته لذلك وخشية التلوث بالدم ليس علة ولا جزء علة لوجود الحرمة مع تيقن عدمه، وإن كان هو المستمتع اتجه الحل؛ لأنه مستمتع بما عدا ما بينهما وسيذكر في الطلاق حرمته في حيض ممسوسة ليست بحامل بحمل تعتد بوضعه فلا اعتراض عليه في ذكره حله في قوله: "فإذا انقطع" دم الحيض لزمن إمكانه ومثله النفاس "لم يحل قبل الغسل" أو التيمم "غير" الطهر بنية التعبد والصلاة لفاقد الطهورين بل تجب و "الصوم"؛ لأن سبب تحريمه. خصوص الحيض وإلا لحرم على الجنب. "والطلاق" لزوال مقتضى التحريم، وهو تطويل العدة وما بقي لا يزول إلا بالغسل أو بدله لبقاء المقتضى من الحدث المغلظ في غير الاستمتاع. وأما فيه فلقوله تعالى {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة:222] قرئ في السبع بالتشديد، وهو واضح الدلالة وبالتخفيف وهو بفرض أنه بمعنى المشدد كما قاله ابن عباس وجماعة واضح أيضا وإلا فلقوله عقبه {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة:222].
تنبيه: ذكروا أن الجماع في الحيض يورث علة مؤلمة جدا للمجامع وجذام الولد وحكى الغزالي امتداد هذا الثاني للغسل ويرتفع قبل الطهر أيضا سقوط قضاء الصلاة كذا عبر الرافعي بالقضاء، وكان وجهه أن من شأن القضاء سبق مقتض له فاتضح التعبير فيه بالسقوط تارة وعدمه أخرى ولا كذلك الأداء فاختصار عبارته بحذف القضاء واستعمال السقوط فيهما يفوت التنبيه على هذه النكتة الدقيقة ولا يرد ارتفاع حرمة نكاح المستبرأة

 

ج /1 ص -137-      بالانقطاع؛ لأنه لم يحرم بالحيض بل حرمته موجودة قبله فليس مما نحن فيه.
"والاستحاضة" كأن يجاوز الدم خمسة عشر ويستمر "حدث دائم كسلس" بفتح اللام أي دوام بول أو نحوه فإنه حدث دائم أيضا فهو تشبيه لبيان حكمها الإجمالي لا تمثيل لها فلهذا فرع عليه قوله "فلا تمنع الصوم والصلاة" وغيرهما مما يحرم بالحيض كالوطء، ولو حال جريان الدم، والتضمخ بالنجاسة للحاجة جائز بيانا لذلك الحكم الإجمالي، وقوله "فتغسل المستحاضة فرجها" بيانا لحكمها التفصيلي وإشارة إلى أن أكثر أحكامها الآتية تأتي في السلس وجوبا إن لم ترد الاستنجاء بالحجر أو خرج الدم لمحل لا يجزئ فيه الحجر قبل الوضوء أو التيمم "و" عقب الاستنجاء. تحشؤه وجوبا بنحو قطن دفعا للنجس أو تخفيفا له، ثم إن انقطع به لم يلزمها عصبه وإلا لزمها عقب ذلك أنها "تعصبه" بفتح فسكون بعصابة على كيفية التلجم المشهورة نعم إن تأذت بالحشو أو العصب وآلمها اجتماع الدم لم يلزمها، وإن كانت صائمة تركت الحشو نهارا واقتصرت على العصب محافظة على الصوم لا الصلاة عكس ما قالوه فيمن ابتلع خيطا؛ لأن الاستحاضة علة مزمنة الظاهر دوامها فلو روعيت الصلاة. ربما تعذر قضاء الصوم ولا كذلك، ثم وبه يعلم رد قول الزركشي ينبغي منعها من صوم النفل؛ لأنها إن حشت أفسرت وإلا ضيعت فرض الصلاة من غير اضطرار لذلك، ووجه رده أن التوسعة لها في طرق الفضائل بدليل ما يأتي من جواز التأخير لمصلحة الصلاة وصلاة النفل، ولو بعد الوقت كما في الروضة، وإن خالفه في أكثر كتبه اقتضت أن تسامح بذلك ولا يضر خروج دم بعد العصب إلا إن كان لتقصير في الشد وبحث وجوب العصب على سلس المني أيضا تقليلا للحدث كالخبث قال الجلال البلقيني، ولو انفتح في مقعدته دمل فخرج منه غائط لم يعف عن شيء منه وقال والده بعد قول الإسنوي إنما يعفى عن بول السلس بعد الطهارة ما ذكره غير صحيح بل يعفى عن قليله أي الخارج بعد أحكام ما وجب من حشو وعصب في الثوب والبدن كما في التنبيه قبل الطهارة وبعدها وتقييدهم بها إنما هو لبيان أن ما يخرج بعدها لا ينقضها وتبعه في الخادم بل قال ابن الرفعة سلس البول ودم الاستحاضة يعفى حتى عن كثيرهما لكن غلطه النشائي أي بالنسبة لكثير البول، "و" عقب العصب "تتوضأ" وجوبا فلا يجوز لها تأخير الوضوء عنه كما لا يجوز لها تأخير الحشو عن الاستنجاء والعصب عن الحشو ولا يجوز لها أن تتوضأ إلا "وقت الصلاة" لا قبله؛ لأنها طهارة ضرورة كالتيمم، ومن ثم كانت كالمتيمم في تعين نية الاستباحة كما قدمه في الوضوء وفي أنها لا تجمع بين فرضين عينيين كما سنذكره وفي أنها إن نوت فرضا ونفلا. أبيحا وإلا فما نوته وغيره ما لم يكن أعلى منه مما مر في التيمم بتفصيله "وتبادر" بالوضوء لوجوب الموالاة عليها فيه كما مر ولها تثليثه وبقية سننه لما يأتي و "بها" أي الصلاة عقبه تخفيفا للحدث ما أمكن وقال جمع يغتفر الفصل بما بين صلاتي الجمع، "فلو أخرت لمصلحة الصلاة كستر" لعورة "وانتظار جماعة" مشروعة لها وإجابة مؤذن وإقامة وأذان لسلس وذهاب إلى المسجد الأعظم إن شرع لها "لم يضر" لندب التأخير لذلك فلا تعد به مقصرة واستشكل بأن اجتناب الخبث شرط ومراعاته أحق،

 

ج /1 ص -138-      ويجاب بأن ذلك إنما يتوجه لو كانت المبادرة تزيله بالكلية، وإنما لم يراع تخفيفه لما مر أن الاستحاضة علة مزمنة والظاهر دوامها فوسع لها في النوافل وإن أدى إلى عدم اجتناب بعض الخبث، ومن ثم لو اعتادت الانقطاع في جزء من الوقت بقدر ما يسع الوضوء والصلاة ووثقت بذلك لزمها تحريه فإذا وجد الانقطاع فيه لزمها المبادرة بالفرض فقط ولم يجز لها التعجيل لسنة فإن رجت ذلك فقط ففي وجوب التأخير له وجهان بناهما الشيخان على ما مر في التيمم ورجح الزركشي ما جزم به في الشامل من وجوب التأخير كما لو كان ببدنه نجاسة ورجا الماء آخر الوقت فإنه يجب التأخير لإزالتها فكذا هنا انتهى؛ وفيه وقفة؛ لأن ذا النجاسة ثم بتسليم ما ذكر فيه لا عذر له في التعجيل مع أنه يلزمه القضاء لو صلى بالنجاسة، وهذه لها عذر لما مر أن الاستحاضة علة مزمنة والظاهر دوامها "وإلا" يكن التأخير لمصلحة الصلاة "فيضر على الصحيح". لما مر من تكرر الحدث المستغنية عنه، "ويجب الوضوء لكل فرض" ولو منذور أو تتنفل ما شاءت كالمتيمم بجامع دوام الحدث فيهما وصح قوله صلى الله عليه وسلم لمستحاضة "توضئي لكل صلاة"، "وكذا" يجب لكل فرض "تجديد" غسل الفرج ولحشو و "العصابة في الأصح" كتجديد الوضوء، ولو ظهر الدم على العصابة أو زالت عن محلها زوالا له وقع وجب التجديد قطعا لكثرة الخبث مع إمكان بل سهولة تقليله، "ولو انقطع الدم بعد" نحو "الوضوء"، ولو في الصلاة أو فيه "ولم تعتد انقطاعه وعوده" وجب الوضوء لاحتمال الشفاء والأصل أن لا عود "أو" انقطع فيه أو بعده، وقد "اعتادت" الانقطاع، ولو على ندور. على ما اقتضاه كلام المعظم لكن بحث الرافعي أنه كالعدم "ووسع" في الصورتين "زمن الانقطاع" المعتاد "وضوءا والصلاة" أي أقل ما يمكن من واجبهما فيما يظهر ترجيحه من تردد للأذرعي باعتبار حالها والصلاة التي تريدها على الوجه الذي أفهمته عبارة الروضة خلافا للإسنوي "وجب الوضوء" وإعادة ما صلته به لإمكان أداء العبادة بلا مقارنة حدث وتبين بطلان الطهر اعتبارا بما في نفس الأمر أما لو عاد الدم قبل إمكان ما ذكر سواء اعتادت عوده أم لا أو ظنت قرب عوده لعادة أو إخبار ثقة قبل إمكان ذلك أيضا فإن وضوءها باق بحاله فتصلي به نعم إن امتد الزمن على خلاف العادة بحيث يسع ما ذكر بأن بطلان وضوئها وما صلته به وبما تقرر علم أن خبر العارف الثقة بعوده قريبا أو بعيدا كالعادة، ولو شفيت حقيقة لم يلزمها تجديد شيء إلا إن خرج حدث عند الشروع في الوضوء أو بعده.

فصل في أحكام المستحاضة
إذا "رأت" المرأة الدم "لسن الحيض" السابق أي فيه، وهو ما بعد التسع "أقله" فأكثر "ولم يعبر" أي يجاوز الدم لا بقيد كونه أقله لاستحالته فلم يحتج للاحتراز عنه على أنه يصح أن يريد بالأقل هنا ما عدا الأكثر وحينئذ لا يرد على العبارة شيء، لا يقال دون الأكثر بقيد كونه دونه لا يمكن مجاوزته للأكثر أيضا فساوى الأقل؛ لأنا نقول بل يمكن، والفرق أن الأقل بقيد كونه. يوما وليلة لا يتوهم فيه مجاوزة حتى تنفى بخلاف الدون لشموله لما

 

ج /1 ص -139-      عدا آخر لحظة من الخمسة عشر فهو لاتصاله به قد تتوهم مجاوزته فاحتيج لنفيه ونظيره قول المتن فإن بلغهما أي الماء دون القلتين كما هو صريح السياق ففيه هذا التأويل، وإن كان الظاهر رجوع الضمير للماء لا بقيد كونه دون "أكثره" ولم يكن بقي عليها بقية طهر كما هو معلوم من حكمه على الطهر بأنه لا يمكن أن يكون دون خمسة عشر فاندفع إيراد هذا عليه "فكله حيض" على أي صفة كان واحتمال تغير العادة ممكن فلو رأت خمسة أسود، ثم أحمر حكمنا على الأحمر أيضا أنه حيض ثم إن انقطع قبل خمسة عشر استمر الحكم وإلا فالحيض الأسود فقط، أما إذا بقي عليها بقية طهر كأن رأت ثلاثة دما، ثم اثني عشر نقاء، ثم ثلاثة دما، ثم انقطع فالثلاثة الأخيرة دم فساد وخرج بانقطاع ما لو استمر فإن كانت مبتدأة فغير مميزة أو معتادة عملت بعادتها كما قالوه فيما لو رأت خمستها المعهودة أول الشهر، ثم نقاء أربعة عشر، ثم عاد الدم واستمر فيوم وليلة من أول العائد طهر، ثم تحيض خمسة أيام منه ويستمر دورها عشرين وبمجرد رؤية الدم لزمن إمكان الحيض يجب التزام أحكامه، ثم إن انقطع قبل يوم وليلة بان أن لا شيء فتقضي صلاة ذلك الزمن. وإلا بان أنه حيض، وكذا في الانقطاع بأن كانت لو أدخلت القطنة خرجت بيضاء نقية فيلزمها حينئذ التزام أحكام الطهر، ثم إن عاد قبل خمسة عشر كفت وإن انقطع فعلت وهكذا حتى تمضي خمسة عشر فحينئذ ترد كل إلى مردها الآتي فإن لم تجاوزها بان أن كلا من الدم والنقاء المحتوش حيض وفي الشهر الثاني وما بعده لا تفعل للانقطاع شيئا مما مر لأن الظاهر أنها فيه كالأول هذا ما صححه الرافعي، وهو وجيه لكن الذي صححه في التحقيق والروضة وهو المنقول كما في المجموع أن الثاني وما بعده كالأول. "والصفرة والكدرة حيض في الأصح" لشمول الأذى في الآية لهما وصح عن عائشة رضي الله عنها أن النساء كن يبعثن بالدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة فتقول لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء ولا يعارضه قول أم عطية كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئا؛ لأن الأول أصح وعائشة أفقه وألزم له صلى الله عليه وسلم من غيرها على أن قولها بعد الطهر مجمل لاحتماله بعد دخول زمنه أو بعد انقضائه والمبين أولى منه وما اقتضاه المتن من جريان الخلاف في المبتدأة والمعتادة في أيام العادة وغيرها هو المعتمد خلافا لما وقع في الروضة وغيرها قيل سياقه يوهم أنهما دم والمعروف أنهما ماءان لا دمان انتهى وإيهامه لذلك. ممنوع على أن نفي الدموية عنهما من أصلها ليس بصحيح "فإن عبره" أي الدم أكثره فإما أن تكون مبتدأة أو معتادة، وكل منهما ما مميزة أو غير مميزة والمعتادة إما ذاكرة للقدر والوقت أو ناسية لهما أو لأحدهما فالأقسام سبعة "فإن كانت مبتدأة" أي أول ما ابتدأها الدم "مميزة بأن" تفسير لمطلق المميزة لا بقيد كونها مبتدأة "ترى قويا وضعيفا فالضعيف استحاضة"، وإن طال "والقوي حيض إن لم ينقص" القوي "عن أقله" أي الحيض "ولا عبر أكثره" ليمكن جعله حيضا "ولا نقص الضعيف عن أقل الطهر" وهو خمسة عشر يوما ولاء ليجعل طهرا بين الحيضتين فلو اختل شرط مما ذكر كانت فاقدة شرط تمييز وسيأتي حكمها كأن رأت يوما أسود ويوما أحمر وهكذا لعدم اتصال الضعيف بخلاف ما لو رأت يوما وليلة أسود، ثم أحمر

 

ج /1 ص -140-      مستمرا سنينا كثيرة فإن الضعيف كله طهر؛ لأن أكثر الطهر لا حد له وإنما يغتفر للقيد الثالث كما قاله المتولي إن استمر الدم بخلاف ما لو رأت عشرة سوادا، ثم عشرة حمرة مثلا وانقطع فإنها تعمل بتمييزها مع نقص الضعيف عن خمسة عشر، وكذا لو رأت خمسة أسود، ثم خمسة أصفر، ثم ستة أحمر أو سبعة أسود، ثم سبعة أحمر، ثم ثلاثة أسود فتعمل بتمييزها فحيضها الأسود الأول على المعتمد الذي صححه في التحقيق وجرى عليه أكثر المتأخرين ومحله إن انقطع لما تقرر عن المتولي. وإلا فهي فاقدة شرط تمييز، ولو رأت يوما وليلة أسود فأحمر فإن انقطع قبل خمسة عشر فالكل حيض، وإن جاوز عملت بتمييزها فحيضها الأسود وتقضي أيام الأحمر وفي الشهر الثاني بمجرد انقلاب الأحمر تلتزم أحكام الطهر وتعرف القوة والضعف باللون فأقواه الأسود ومنه ما فيه خطوط سواد فالأحمر فالأشقر فالأصفر فالأكدر وبالثخانة والريح الكريه وما له ثلاث صفات كأسود ثخين منتن أقوى مما له صفتان كأسود ثخين أو منتن وما له صفتان أقوى مما له صفة فإن تعادلا كأسود ثخين وأسود منتن وكأحمر ثخين أو منتن وأسود مجرد فالحيض السابق وشمل قوله والقوي حيض ما لو تأخر كخمسة حمرة، ثم خمسة أو أحد عشر سوادا، ثم أطبقت الحمرة، ولو رأت مبتدأة خمسة عشر حمرة ثم مثلها أسود تركت الصلاة والصوم جميع الشهر؛ لأنه لما اسود في الثانية تبين أن ما قبله استحاضة، ثم إن استمر الأسود. كانت غير مميزة فحيضها يوم وليلة من أول كل شهر وقضت الصلاة فلا يتصور مستحاضة تؤمر بترك الصلاة والصوم إحدى وثلاثين يوما إلا هذه، وليس قياس هذا ما لو رأت أكدر خمسة عشر ثم أصفر، ثم أشقر، ثم أحمر، ثم أسود كذلك، ثم أسود ثخينا أو منتنا، ثم ثخينا منتنا كذلك حتى تترك ذينك ثلاثة أشهر ونصفا خلافا لجمع لأنا إنما رتبنا الحيض فيما مر على الخمسة عشر الثانية لنسخها للأولى لقوتها من غير معارض مع أن الدور لم يتم وهنا لما تم الدور ثم استمر الدم لم ينظر للقوة لأنه عارضها تمام الدور المقتضي للحكم عليه حيث مضى ولم يوجد فيه تمييز بأن يوما وليلة منه حيض وبقيته طهر فوجب في الدور الثاني أن يكون كذلك عملا بالأحوط المبني عليه أمرها، أما المعتادة فيتصور تركها لذينك خمسة وأربعين يوما بأن تكون عادتها خمسة عشر أول كل شهر فترى أول شهر خمسة عشر حمرة، ثم ينطق السواد فتترك الخمسة عشر الأولى للعادة، ثم الثانية للقوة رجاء استقرار التمييز، ثم الثالثة لأنه لما استمر السواد بان أن مردها العادة، ولو رأت بعد القوي ضعيفين وأمكن ضم أولهما كخمسة سوادا، ثم خمسة حمرة، ثم صفرة مستمرة وكخمسة سوادا ثم خمسة صفرة، ثم حمرة مستمرة. فالعشرة الأولى حيض فإن كانت الحمرة في الأولى أحد عشر تعذر ضمها للسواد وتعين ضمها للصفرة "أو" كانت "مبتدأة لا مميزة بأن فيه ما مر رأته بصفة" واحدة "أو" مميزة بأن رأته بأكثر لكن "فقدت شرط تمييز" ففقدت معطوف على لا مميزة لا على رأت فاندفع ما قيل إنه يقتضي أن فاقدة شرط تمييز تسمى غير مميزة وليس كذلك بل تسمى مميزة غير معتد بتمييزها على أن قولهم الآتي وحيث إلى آخره يقتضي أنها لا يطلق عليها اسم المميزة بلا قيد ومن ثم أطلق عليها في الروضة أنها غير مميزة فلا اعتراض عليه وإن

 

ج /1 ص -141-      عطف فقدت على رأت "فالأظهر أن حيضها يوم وليلة و" أن "طهرها تسع وعشرون" لتيقن سقوط الصلاة عنها في الأقل وما بعده مشكوك فيه واليقين لا يترك إلا بمثله أو أمارة ظاهرة كالتمييز والعادة لكنها في الدور الأول تصبر إلى خمسة عشر لعله ينقطع، ثم بعدها إن استمر الدم على صفته أو تغير لأدون اغتسلت وصلت، وإن تغير لأعلى صبرت أيضا كما مر وفي الدور الثاني وما بعده تغتسل وتصلي بمجرد مضي يوم وليلة وتقضي ما زاد على يوم وليلة في الدور الأول وعبر بتسع وعشرين لا ببقية الشهر؛ لأن شهر المستحاضة الذي هو دورها لا يكون إلا ثلاثين هذا كله إن عرفت وقت ابتداء الدم وإلا فمتحيرة كما يأتي وحيث أطلقت المميزة فالمراد الجامعة للشروط السابقة، "أو" كانت "معتادة" غير مميزة "بأن سبق لها حيض وطهر" وهي تعلمهما "فترد إليهما قدرا ووقتا"، وإن زاد الدور على تسعين يوما كأن لم تحض من كل سنة إلا خمسة أيام فهي الحيض وباقي السنة طهر للحديث الصحيح بأمر مستحاضة بالرد لذلك نعم يلزمها في أول دور أن تمسك عند مجاوزة العادة عما يحرم بالحيض لعله ينقطع قبل أكثره. فيكون الكل حيضا وفي الدور الثاني وما بعده تغتسل بمجرد مجاوزة العادة وشمل كلامهم هنا الآيسة إذا حاضت وجاوز دمها خمسة عشر فترد لعادتها قبل اليأس لما يأتي في العدد أنها تحيض برؤية الدم ويتبين كونها غير آيسة فلزم كونها مستحاضة بمجاوزة دمها الأكثر، وقول الفتى وكثيرين من معاصريه إنه دم فساد غفلة عما ذكروه في العدد إن أرادوا الحكم على جمعيه بذلك وإلا فهو تحكم مخالف لتصريحهم هنا أن دم الحيض المجاوز استحاضة وقد يجاب عنهم بأنه يطلق على الاستحاضة أنها دم فساد فلم يخالفوا غيرهم "وتثبت العادة" المردودة هي إليها فيما ذكر "بمرة في الأصح"؛ لأن الحديث المذكور دل على اعتبار الشهر الذي وليه شهر الاستحاضة من غير تفصيل بين أن يخالف ما قبله أو يوافقه فلو كانت عادتها المستمرة خمسة من كل شهر، ثم صارت ستة في شهر، ثم استحيضت ردت للستة هذا في عادة متفقة وإلا فإن انتظمت لم تثبت إلا بمرتين كأن حاضت في شهر ثلاثة، ثم في شهر خمسة، ثم في شهر سبعة ثم ثلاثة، ثم خمسة، ثم سبعة، ثم استحيضت في السابع فترد لثلاثة ثم خمسة، ثم سبعة لأن تعاقب الأقدار المختلفة قد صار عادة لها فإن لم تتكرر بأن استحيضت في الرابعة ردت للسبعة إن علمتها ولو نسيت ترتيب تلك المقادير أو لم تنتظم أو لم يتكرر الدور ونسيت آخر النوب فيهما احتاطت فتحيض من كل شهر ثلاثة ثم هي كحائض في نحو الوطء وطاهر في العبادة إلى آخر. السبعة لكنها تغتسل آخر الخمسة والسبعة، ثم تكون كطاهر إلى آخر الشهر أو معتادة مميزة قدمت التمييز كما قال "ويحكم للمعتادة المميزة" حيث خالفت العادة التمييز كأن كانت خمسة من أول كل شهر فاستحيضت فرأت خمستها حمرة، ثم خمسة سوادا، ثم حمرة مطبقة "بالتمييز لا العادة" فيكون حيضها السواد فقط "في الأصح"؛ لأن التمييز علامة حاضرة وفي الدم الذي هو محل النزاع والعادة منقضية وفي صاحبته ومحل الخلاف حيث لم يتخلل بينهما أقل الطهر وإلا كأن كانت عادتها خمسة أول الشهر فرأت عشرين أحمر، ثم خمسة أسود كان كل منهما حيضا قطعا "أو" كانت "متحيرة بأن" هي إما

 

ج /1 ص -142-      على بابها؛ لأن المراد هنا المتحيرة المطلقة وهي محصورة فيما ذكر فيكون قوله الآتي الذي هو تصريح بمفهوم الحصر، وإن حفظت المفيد لقسمين آخرين كل منهما يسمى متحيرة مقيدة راجعا لمطلق المتحيرة لا بقيد التفسير المذكور، وهذا أحسن أو بمعنى كان ليفيد بالمنطوق أنها ثلاثة أقسام أيضا هذا أحدها والآخران أفادهما مقابله، وهو، وإن حفظت إلى آخره فتعيين شارح هذا وادعاؤه أنه الأصوب ممنوع "نسيت" أو جهلت وقت ابتداء الدور أو "عادتها قدرا ووقتا" ولا تمييز لها وإن قالت دوري ثلاثون وتسمى أيضا محيرة بكسر الياء؛ لأنها حيرت الفقهاء في أمرها، ومن ثم لم يختلف أصحابنا. ويخطئ بعضهم بعضا في باب كما هنا "ففي قول كمبتدأة" غير مميزة فيكون حيضها يوما وليلة على الأظهر من أول الهلال؛ لأنه الغالب على ما فيه وطهرها بقية الشهر لما في الاحتياط الآتي من الحرج الشديد المرفوع عن الأمة "والمشهور وجوب الاحتياط" الآتي؛ لأن كل زمن يمر عليها محتمل للحيض والطهر والانقطاع وإدامة حكم الحيض عليها باطل إجماعا والطهر ينافيه الدم والتبعيض تحكم فاقتضت الضرورة الاحتياط إلا في عدة فرقة الحياة فإنها بثلاثة أشهر على التفصيل الآتي في العدد نظرا للغالب أن كل شهر لا يخلو عن حيض وطهر ولأن انتظار سن اليأس فيه ضرر لا يطاق ما لم تعلم قدر دورها فبثلاثة أدوار فإن شكت في قدر دورها، وقالت أعلم أنه لا يزيد على ستة فدورها ستة وإذا تقرر وجوب الاحتياط "فيحرم" على حليلها "الوطء" ومباشرة ما بين سرتها وركبتها ويحرم عليها تمكينه لاحتمال الحيض لا طلاقها لأن علة تحريمه من تطويل العدة لا يتأتى هنا لما تقرر في عدتها وعلى زوجها مؤنها ولا خيار له؛ لأن وطأها متوقع "ومس المصحف" والمكث بالمسجد. إلا لصلاة أو طواف أو اعتكاف، ولو نفلا "والقراءة في غير الصلاة"، وإن خشيت النسيان لإمكان دفعه بإمرارها على القلب والنظر في المصحف إما في الصلاة فجائزة مطلقا وفارقت فاقد الطهورين بأن جنابته محققة، "وتصلي" وجوبا "الفرائض" ولو منذورة، وكذا صلاة الجنازة كما بحثه الإسنوي "أبدا" لاحتمال الطهر "وكذا النفل" الراتب وغيره "في الأصح" ندبا؛ لأنه من مهمات الدين فلا وجه لحرمانها إياه، ولو بعد خروج وقت الفرض كما صححه في الروضة، وإن صحح في كتب خلافه لأن إباحة النوافل المطلقة لها تدل على أنهم وسعوا لها في شأن النوافل وسكت أي هنا وإلا فقد صرح به في فصل القدوة عن وجوب قضائها مع أنه المعتمد عندهما لطول تفريعه لكن انتصر كثيرون لعدم وجوبه وأنه الذي عليه النص والجمهور، "وتغتسل لكل فرض". في وقته كما بأصله وكأنه اكتفى بقوله وتتوضأ وقت الصلاة وذلك لاحتمال الانقطاع كل وقت ومن ثم لو ذكرت وقته كعند الغروب اغتسلت عنده كل يوم فقط أو كانت ذات تقطع لم تكرره مدة النقاء؛ لأنه لم يطرأ بعده دم ويلزمها إذا لم تنغمس إن ترتب بين أعضاء الوضوء على الأوجه لاحتمال أنه واجبها ولا يلزمها نيته على الأوجه أيضا؛ لأن جهلها بالحال يصيرها كالغالط، وهو يجزئه الوضوء بنية نحو الحيض ولا تجب المبادرة بها عقبه؛ لأنه لا يمكن تكرر الانقطاع بينه وبينها بخلاف الحدث واحتمال وقوعه في الحيض والانقطاع بعده لا حيلة في دفعه لكن ينبغي ندبها؛ لأنها تقلل

 

ج /1 ص -143-      الاحتمال؛ لأنه في الزمن الطويل أظهر منه في اليسير فإن أخرت جددت الوضوء حيث يلزم المستحاضة المؤخرة، "وتصوم رمضان" لاحتمال أنها طاهر جميعه "ثم" تصوم "شهرا" آخر "كاملين" حال من رمضان وشهرا وتنكيره غير مؤثر لتخصيصه بما قدرته وهي مؤكدة لرمضان لئلا يتوهم إطلاقه على بعضه. بل مؤسسة كما يعلم من قولنا الآتي فالكمال إلى آخره ومؤسسة ل "شهرا" لإفادتها أن المراد به ثلاثون يوما متوالية "فيحصل" لها بفرض أن رمضان ثلاثون يوما "من كل" منهما "أربعة عشر" يوما لاحتمال أن حيضها الأكثر وأنه طرأ أثناء يوم وانقطع أثناء السادس عشر فيبطل منه ستة عشر يوما فإن نقص رمضان حصل لها منه ثلاثة عشر وبقي عليها ستة عشر فإذا صامت شهرا كاملا بقي عليها يومان هنا أيضا فالكمال في رمضان قيد لغرض حصول الأربعة عشر لا لبقاء اليومين كما هو واضح فلا اعتراض على المتن كما لا يعترض عليه بأنه لا يبقى عليها شيء إذا علمت أن الانقطاع كان ليلا لوضوحه أيضا "ثم" إذا بقي عليها يومان "تصوم من ثمانية عشر" يوما ستة أيام "ثلاثة أولها وثلاثة آخرها فيحصل اليومان الباقيان"؛ لأن الحيض إن طرأ أثناء أول صومها حصل الأخيران أو ثانيه فالأول والثامن عشر أو ثالثه فالأولان، أو أثناء السادس عشر حصل الثاني والثالث أو السابع عشر فالثالث والسادس عشر أو الثامن عشر فالسادس عشر والسابع عشر ولا تتعين هذه الكيفية كما هو مبسوط في المطولات بل بالغ بعضهم فقال يمكن تحصيلها بكيفيات تبلغ ألف صورة وصورة ولعله في جميع مسائل الصوم بأنواعه لا في هذه الصورة بخصوصها لبداهة فساده.
"ويمكن قضاء يوم" عليها بنذر مثلا "بصوم يوم، ثم" صوم "الثالث" من الأول "والسابع عشر" منه لوقوع يوم من الثلاثة في الطهر بكل تقدير كما علم مما مر ولا يتعين هذا أيضا "وإن حفظت" أي المتحيرة لا بقيد التفسير كما مر "شيئا" من عادتها ونسيت شيئا كالوقت فقط أو القدر فقط "فلليقين" من طهر أو حيض "حكمه"، وهذه تحيرها نسبي فلذا جعلها عقب المتحيرة المطلقة. فزعم أن سياقه يقتضي أنها متحيرة مطلقة ليس في محله "وهي في" الزمن "المحتمل" للحيض والطهر "كحائض في الوطء" ومس المصحف والقراءة في غير الصلاة "وطاهر في العبادة" المحتاجة للنية كما علم من الأمثلة السابقة احتياطا كالمتحيرة المطلقة "وإن احتمل انقطاعا وجب الغسل لكل فرض" احتياطا أيضا وإلا فالوضوء لكل فرض ففي حفظ القدر فقط كأن قالت كان حيضي ستة أيام من العشر الأول من كل شهر الخامس والسادس حيض يقينا وما بعد العاشر طهر يقينا ومن السابع للعاشر يحتمل الانقطاع فتغتسل لكل فرض ومن الأول للخامس يحتمل الطرو فلا غسل قالوا ولا تخرج هذه أي المحافظة للقدر فقط عن التحير المطلق إلا بحفظ قدر الدور وابتدائه وقدر الحيض كهذا المثال بخلاف قولها حيضي خمسة وأضللتها في دوري ولا أعرف سوى هذا أو ودوري ثلاثون ولا أعرف ابتداءه فهي متحيرة مطلقة لأن كل زمن يمر عليها محتمل للثلاثة الحيض والطهر والانقطاع وفي حفظ الوقت فقط كأن قالت اعلم أني أحيض في الشهر مرة وأكون في سادسه حائضا السادس حيض يقينا والعشر الأخير طهر يقينا ومنه للعشرين

 

ج /1 ص -144-      يحتمل الانقطاع دون الطرو ومن الأول للسادس يحتمل الطرو فقط "والأظهر أن دم الحامل" الصالح لكونه حيضا، ولو بين توأمين حيض للخبر الصحيح "دم الحيض أسود يعرف" ولأنه لا يمنعه الرضاع لو وجد، وإن ندر فكذا الحمل، وإنما حكم الشارع ببراءة الرحم به نظرا للغالب، وكون الحمل يسد مخرج الحيض إنما هو أغلبي أيضا نعم الدم الخارج مع الطلق أو الولد ليس حيضا ولا نفاسا وإذا ثبت أنه حيض جرت عليه أحكامه إلا حرمة الطلاق فيه إن انقضت العدة بالحمل لكونه. منسوبا للمطلق وإلا حرم لانقضاء العدة بالحيض حينئذ "و" الأظهر أن "النقاء بين الدم" الذي يمكن كونه حيضا بأن لم يزد النقاء مع الدم على خمسة عشر واحتوش بدمين في الخمسة عشر ولم ينقص مجموع الدم عن أقل الحيض كما تفيده "أل" العهدية في الدم فإصلاح نسخة المصنف التي بخطه كذلك إلى أقل الحيض ليس في محله "حيض" سحبا لحكم الحيض عليه؛ لأنه لما نقص عن أقل الطهر أشبه الفترة بين دفعات الدم، والفرق بينهما أن النقاء شرطه أن تخرج القطنة بيضاء نقية والفترة تخرج معها ملوثة، ومن ثم اتفقوا على أنها حيض ومحل الخلاف في نحو الصلاة والصوم والوطء دون انقضاء العدة فإنه لا يحصل به إجماعا ودون الطلاق فإنه لا يحل فيه.
"وأقل النفاس" وهو الدم الخارج بعد فراغ جميع الرحم، وإن وضعت علقة أو مضغة. فيها صورة خفية أخذا مما مر في الغسل، إذ لا تسمى ولادة إلا حينئذ كما صرحوا به فلا تخالف بين ما ذكروه هنا وفي العدد خلافا لمن ظنه، وإطلاقهم أنها لا تنقضي بعلقة محمول على الأغلب أنه لا صورة فيها خفية من النفس، وهو الدم، إذ به قوام الحياة أو لخروجه عقب نفس وإذا لم يتصل بالولادة فابتداؤه من رؤية الدم على تناقض للمصنف فيه وعليه فزمن النقاء لا نفاس فيه فيلزمها فيه أحكام الطاهرات لكنه محسوب من الستين كما قاله البلقيني "لحظة" هو كقول غيره مجة بمعنى قول الروضة لا حد لأقله أي لا يتقدر بل ما وجد منه، وإن قل نفاس لكن اللحظة أنسب بذكر الغالب والأكثر؛ لأن الكل زمن "وأكثره ستون" يوما "وغالبه أربعون" يوما بالاستقراء كما مر "ويحرم به ما حرم بالحيض" حتى الطلاق إجماعا؛ لأنه دم حيض يجتمع قبل نفخ الروح وبعد النفخ يكون غذاء الولد ولا يؤثر في لحوقه به في ذلك تخالفهما في غيره، إذ النفاس لا يتعلق به عدة ولا استبراء ولا بلوغ لحصولها قبله بالولادة أو الإنزال الناشئ عنه العلوق وأقله لا يمكن أن يسقط صلاة لتعذر استغراقه لوقتها بخلاف أقل الحيض كذا نقله ابن الرفعة عن البندنيجي ولك منعه بأنه يتصور إسقاطه لها بأن تكون مجنونة من أول الوقت إلى أن تبقى لحظة فتنفس حينئذ فمقارنة النفاس لهذه اللحظة أسقطت إيجاب الصلاة عنها حتى لا يلزمها قضاؤها، ثم رأيت بعض الشراح. أشار لذلك "وعبوره ستين" يوما "كعبوره" أي الحيض "أكثره" فيأتي هنا أقسام المستحاضة بأحكامها فإن اعتادت نفاسا وحيضا فنفاسها العادة وبعد قدرها إلى مضي قدر طهرها المعتاد من الحيض طهر، ثم بعده حيضها كعادتها أو نفاسا فقط فهي مبتدأة في الحيض فطهرها بعد نفاسها المعتاد تسعة وعشرون يوما، ثم تحيض أقله

 

ج /1 ص -145-      وتطهر تسعة وعشرين يوما وهكذا ومثلها فيما ذكر مبتدأة فيهما، وإن تكررت ولادتها بلا دم ونفاس المبتدأة مجة أو حيضا فقط ردت في الحيض لعادتها فيه كالطهر وفي النفاس لمحة كما ترد مميزة فيه لتمييزها ما لم تزد على ستين ولا شرط للضعيف هنا ولو نسيت عادة نفاسها احتاطت أبدا سواء المبتدأة في الحيض والناسية لعادتها فيه. وأما قول ابن الرفعة لا يتصور التحير في النفاس إذ المذهب أن من عادتها أن لا تراه أصلا إذا رأت الدم وجاوز الستين تكون كالمبتدأة وحينئذ فابتداء نفاسها معلوم وبه ينتفي التحير ففيه نظر، إذ ما ذكره لا يدل على انتفاء مطلق التحير عن النفاس لما تقرر في الناسية، ومن ثم قال الجلال البلقيني النفساء الناسية إن نسيت قدر عادة نفاسها وعلمت وقت ولادتها وجاوز الدم تحتاط أبدا إن كانت مبتدأة؛ لأن ابتداء حيضها غير معلوم، وإن نسيت القدر والوقت بأن تقول ولدت مجنونة واستمر بي الدم وأنا مبتدأة في الحيض احتاطت أبدا أيضا.