تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج /1 ص -146-      كتاب الصلاة
هي شرعا أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم غالبا فلا ترد صلاة الأخرس وصلاة المريض التي يجريها على قلبه، بل لا يردان مع حذف غالبا؛ لأن وضع الصلاة ذلك فما خرج عنه لعارض لا يرد عليه سميت بذلك لاشتمالها على الصلاة لغة وهي الدعاء. وخرج بقولي مخصوصة سجدتا التلاوة، والشكر فإنهما ليستا صلاة كصلاة الجنازة.
"المكتوبات" أي المفروضات العينية "خمس" معلومة من الدين بالضرورة في كل يوم وليلة ولا ترد الجمعة؛ لأنها من جملة الخمس في يومها كما سيعلم من كلامه ولم تجتمع هذه الخمس لغير نبينا صلى الله عليه وسلم وورد أن الصبح لآدم، والظهر لداود، والعصر لسليمان، والمغرب ليعقوب، والعشاء ليونس ولا ينافيه قول جبريل في خبره الآتي بعد صلاته الخمس هذا وقت الأنبياء قبلك لاحتمال أن المراد أنه وقتهم على الإجمال وإن اختص كل ممن ذكر منهم بوقت وفرضت ليلة الإسراء ولم يجب صحيح يوم تلك الليلة لعدم العلم بكيفيتها. فإن جبريل لما علمها له صلى الله عليه وسلم بصلاته عند باب الكعبة مما يلي الحفرة، ثم إلى الحجر بالكسر الخمس في أوقاتها مرتين في يومين ابتداء بالظهر إشارة إلى أن دينه سيظهر على الأديان ظهورها على بقية الصلوات فمن ثم تأسى أئمتنا بذلك وبآية
{أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء:78] في البداءة بها فقالوا "الظهر" سميت بذلك؛ لأنها أول صلاة ظهرت كما تقرر ولفعلها وقت الظهيرة أي الحر "وأول وقته زوال الشمس" أي عقب وقت زوالها أي ميلها عن وسط السماء المسمى بلوغها إليه بحالة الاستواء باعتبار ما يظهر لنا لا نفس الأمر فلو ظهر أثناء التحرم لم يصح وإن كان بعده في نفس الأمر، وكذا في نحو الفجر ويعلم بزيادة الظل على ظل الاستواء إن كان وإلا فبحدوثه "وآخره مصير ظل الشيء" هو لغة الستر ومنه أنا في ظل فلان واصطلاحا أمر وجودي خلقه الله لنفع البدن وغيره تدل عليه الشمس. كما في الآية لكن في الدنيا بدليل {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الواقعة:30] ولا شمس ثم فليس هو عدمها خلافا لمن توهمه "مثله سوى ظل استواء الشمس" أي الظل الموجود عنده في غالب البلاد وقد ينعدم في بعضها كمكة في بعض الأيام واختلفوا في قدره فيها فقيل يوم واحد هو أطول أيام السنة وقيل جميع أيام الصيف وقيل ستة وخمسون يوما وقيل ستة وعشرون قبل انتهاء الطول ومثلها عقبه وقيل يومان يوم قبل الأطول بستة وعشرين يوما ويوم بعده بستة وعشرين وما عدا الأخير، والأول غلط والذي بينه أئمة الفلك هو الأخير وقول أصحابنا أن صنعاء كمكة في ذلك لا يوافق ما حرره أئمة الفلك؛ لأن عرض مكة أحد وعشرون درجة وعرض صنعاء على ما في زيج ابن الشاطر خمس عشرة درجة تقريبا فلا ينعدم الظل فيها إلا قبل الأطول بنحو خمسين يوما وبعده بنحوها أيضا وقد بسطت

 

ج /1 ص -147-      الكلام على ذلك وما يتعلق به ويوضحه في شرح العباب ولها وقت فضيلة أول الوقت، وجواز إلى ما يسع كله، ثم حرمة ونوزع فيه بأن المحرم التأخير إليه لا إيقاعها فيه ويرد بأن هذا لا يمنع تسميته وقت حرمة بذلك الاعتبار، وضرورة وسيأتي وهذه الأربعة تجزئ في البقية وعذر وهو وقت العصر لمن يجمع، واختيار وهو وقت الجواز
"وهو" أي مصير ظل الشيء مثله سوى ظل الاستواء أي عقبه هو "أول وقت العصر" لكن لا يكاد يتحقق ظهور ذلك إلا بأدنى زيادة وهي من وقت العصر فلو فرض مقارنة تحرمه لها باعتبار ما يظهر لنا صح نظير ما قالوه في عرض الشراك أن فعل الظهر لا يسن تأخيره عنه، والتأخير. في خبر جبريل لمصير الفيء مثله ليس للاشتراط، بل؛ لأن الزوال لا يتبين بأقل من قدره عادة فإن فرض تبينه بأقل منه عمل به وذلك لما في حديث جبريل وسنده صحيح
"وصلى بي العصر حين كان ظله أي الشيء مثله" ولا ينافيه قوله "وصلى بي الظهر حين كان ظله مثله"؛ لأن معناه فرغ منها حينئذ كما شرع في العصر في اليوم الأول حينئذ فلا اشتراك بين الوقتين لخبر مسلم وقت الظهر إذا زالت الشمس ما لم يحضر العصر "ويبقى" وقته "حتى تغرب" الشمس للخبر الصحيح "وقت العصر ما لم تغرب الشمس" سميت بذلك لمعاصرتها الغروب كذا قيل ولو قيل لتناقص ضوء الشمس منها حتى يفنى تشبيها بتناقص الغسالة من الثوب بالعصر حتى تفنى لكان أوضح "والاختيار أن لا يؤخر" بالفوقية "عن" وقت "مصير الظل" للشيء "مثلين" سوى ظل الاستواء إن كان؛ لأن جبريل صلاها به في ثاني يوم حينئذ ولها غير الأوقات الأربعة السابقة وقت اختيار وهو هذا ووقت عذر وهو وقت الظهر لمن يجمع ووقت كراهة بعد الاصفرار فأوقاتها سبعة وزيد ثامن على ضعيف وهو صلاتها فيه بعد إفسادها فإنها قضاء عند جمع ومع ضعفه هو لا يختص بالعصر وهي الصلاة الوسطى لصحة الحديث به من غير معارض فهي أفضل الصلوات وتليها الصبح، ثم العشاء، ثم الظهر، ثم المغرب فيما يظهر من الأدلة وإنما فضلوا جماعة الصبح، والعشاء؛ لأنها فيهما أشق.
فرع: عادت بعد الغروب عاد الوقت كما ذكره ابن العماد وقضية كلام الزركشي خلافه وأنه لو تأخر غروبها عن وقته المعتاد قدر غروبها عنده وخرج الوقت وإن كانت موجودة ا هـ وما ذكره آخرا بعيد، وكذا أولا. فالأوجه كلام ابن العماد ولا يضر كون عودها معجزة له صلى الله عليه وسلم كما صح حديثها في وقعة الخندق خلافا لمن زعم ضعفه، أو وضعه، وكذا صح أنها حبست له عن الغروب ساعة من نهار ليلة الإسراء؛ لأن المعجزة في نفس العود وأما بقاء الوقت بعودها فبحكم الشرع ومن ثم لما عادت صلى على العصر أداء، بل عودها لم يكن إلا لذلك لاشتغاله حتى غربت بنومه صلى الله عليه وسلم في حجره قال ابن العماد ويحتاج لمعرفة وقت العصر إذا طلعت من مغربها ا هـ وأقول: جاء في حديث مرفوع أنها إذا طلعت من مغربها تسير إلى وسط السماء، ثم ترجع، ثم بعد ذلك تطلع من المشرق كعادتها وبه يعلم أنه يدخل وقت الظهر برجوعها؛ لأنه بمنزلة زوالها ووقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثله، والمغرب بغروبها وفي هذا الحديث أن ليلة طلوعها من مغربها تطول بقدر

 

ج /1 ص -148-      ثلاث ليال لكن ذلك لا يعرف إلا بعد مضيها لانبهامها على الناس فحينئذ قياس ما يأتي في التنبيه الآتي أنه يلزمه قضاء الخمس؛ لأن الزائد ليلتان فيقدران عن يوم وليلة وواجبهما الخمس.
"والمغرب" يدخل وقته "بالغروب" أي غيبوبة جميع قرص الشمس وإن بقي الشعاع ويعرف في العمران، والصحاري التي بها جبال بزوال الشعاع من أعالي الحيطان، والجبال من غرب بعد "ويبقى" وقتها "حتى يغيب الشفق الأحمر في القديم" للأحاديث الصحيحة الصريحة فيه، والأحمر صفة كاشفة. إذ الشفق حيث أطلق إنما ينصرف للأحمر وخرج به الأصفر، والأبيض ولو لم يغب، أو لم يكن بمحل اعتبر حينئذ غيبته بأقرب محل إليه ولها غير الأربعة السابقة وقت عذر وهو وقت العشاء لمن يجمع ووقت اختيار وهو وقت الفضيلة لنقل الترمذي عن العلماء من الصحابة فمن بعدهم كراهة تأخيرها عن أول الوقت ويؤخذ منه إذ من هؤلاء القائلون بالجديد كراهة هذا التأخير حتى على الجديد وحينئذ فلا يتصور عليها أن لها وقت جواز بلا كراهة وكأنه؛ لأن في وقتها من الخلاف ما ليس في غيره فإن قلت يأتي في ضبطه وقت الفضيلة ما يفهم منه أنه يقرب من وقت الجواز هنا على الجديد قلت ادعاء قربه منه ممنوع إذ المعتبر في وقت الجواز على الجديد زمن ما يجب ويندب بتقدير وقوعه وإن ندر وهذا يقرب من نصف وقتها على القديم وفي وقت الفضيلة عليهما ما يحتاجه بالفعل وهو ينقص عن ذلك بكثير فيتصور حتى على الجديد وقت فضيلة أول الوقت وما فضل عنه كراهة فتأمله "وفي الجديد ينقضي بمضي قدر" زمن "وضوء" وغسل وتيمم وطلب خفيف. وإزالة خبث يعم البدن، والثوب، والمحل ويقدر مغلظا "وستر عورة" واجتهاد في القبلة "وأذان" ولو في حق امرأة على الأوجه؛ لأنه يندب لها إجابته "وإقامة" وألحق بهما سائر سنن الصلاة المتقدمة عليها كتعمم وتقمص ومشي لمحل الجماعة وأكل جائع حتى يشبع "وخمس ركعات"، بل سبع لندب ثنتين قبلها أيضا؛ لأن جبريل صلاها في اليومين في وقت واحد وجوابه أن المبين فيه إنما هو أوقات الاختيار وقد تقرر أن وقت اختيارها هو وقت فضيلتها على أنه متقدم بمكة وهذه الأحاديث متأخرة بالمدينة فقدمت لا سيما وهي أكثر رواة وأصح إسنادا واستثنيت هذه الأمور لتوقف بعضها على دخوله وعدم وجوب تقديم باقيها، والعبرة في جميعها بالوسط المعتدل من فعل كل إنسان واستشكل الجديد باتفاقهم على جمع التقديم فيه ومن شرطه وقوع الثانية في وقت الأولى وأجيب بأن الوقت السابق يسعهما سيما إن قدمت تلك الأمور على الوقت. "ولو شرع في الوقت" على الجديد وقد بقي منه ما يسعها. وإلا لم يجز المد كذا أطلقوه وبه يندفع بحث بعضهم أن من أدرك ركعة لزمه المبادرة بإيقاع ما يمكنه منها في الوقت، أو دون ركعة لم يلزمه ذلك "ومد" في صلاته المغرب وهي مثال إذ سائر الخمس إلا الجمعة كذلك بقراءة، أو ذكر، بل، أو سكوت كما هو ظاهر "حتى" خرج وقتها على الجديد جاز قيل بلا خلاف فلا كراهة ولا خلاف الأولى، أو حتى "غاب الشفق جاز" له ذلك المد من غير كراهة لكنه خلاف الأولى "على الصحيح" وإن لم يوقع منها ركعة على المعتمد لما صح

 

ج /1 ص -149-      أنه صلى الله عليه وسلم قرأ فيها الأعراف في الركعتين كلتيهما وأن الصديق رضي الله عنه طول في الصبح فقيل له كادت الشمس أن تطلع فقال لو طلعت لم تجدنا غافلين ولظهور شذوذ المقابل قطع في غير هذا الكتاب بالجواز نعم يحرم المد إن ضاق وقت الثانية عنها ويظهر أن مثله ما لو كان عليه فائتة فورية وسيأتي آخر سجود السهو بسط يتعلق بذلك فراجعه "قلت القديم أظهر والله أعلم"، بل هو جديد؛ لأن الشافعي رضي الله عنه علق القول به في الإملاء على صحة الحديث وقد صحت فيه أحاديث. من غير معارض. "والعشاء" يدخل وقتها وهي بكسر العين، والمد لغة اسم لأول الظلام وسميت به الصلاة لفعلها حينئذ "بمغيب الشفق" الأحمر لما مر وينبغي ندب تأخيرها لزوال الأصفر، والأبيض خروجا من خلاف من أوجب ذلك ومر أن من لا شفق لهم يعتبر بأقرب بلد إليهم ويظهر أن محله ما لم يؤد اعتبار ذلك إلى طلوع فجر هؤلاء بأن كان ما بين الغروب ومغيب الشفق عند هم بقدر ليل هؤلاء ففي هذه الصورة لا يمكن اعتبار مغيب الشفق لانعدام وقت العشاء حينئذ وإنما الذي ينبغي أن ينسب وقت المغرب عند أولئك إلى ليلهم فإن كان السدس مثلا جعلنا ليل هؤلاء سدسه وقت المغرب وبقيته وقت العشاء وإن قصر جدا، ثم رأيت بعضهم ذكر في صورتنا هذه اعتبار غيبوبة الشفق بالأقرب وإن أدى إلى طلوع فجر هؤلاء فلا يدخل به وقت الصبح عند هم، بل يعتبرون أيضا بفجر أقرب البلاد إليهم وهو بعيد جدا إذ مع وجود فجر لهم حسي كيف يمكن إلغاؤه ويعتبر فجر الأقرب إليهم والاعتبار بالغير إنما يكون كما يصرح به كلامهم فيمن انعدم عند هم ذلك المعتبر دون ما إذا وجد فيدار الأمر عليه لا غير ولا ينافي هذا إطلاق أبي حامد الآتي لتعين حمله على اعتبار ما قررته من النسبة "ويبقى" وقتها "إلى الفجر" الصادق لخبر مسلم "ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى" خرجت الصبح إجماعا فيبقى على مقتضاه في غيرها، "والاختيار أن لا تؤخر عن ثلث الليل" اتباعا لفعل جبريل "وفي قوله نصفه" لحديث صحيح فيه ومن ثم كان عليه الأكثرون ولها غير هذا، والأربعة السابقة وقت كراهة وهو ما بين الفجرين كما قاله الشيخ أبو حامد وهو أوجه من قول الروياني باتحاده مع وقت الجواز وإن حكاه في شرح الروض ولم يتعقبه، ووقت عذر وهو وقت المغرب لمن يجمع تقديما.
تنبيه: لو عدم وقت العشاء كأن طلع الفجر كما غربت الشمس وجب قضاؤها على الأوجه من اختلاف فيه بين المتأخرين. ولو لم تغب إلا بقدر ما بين العشاءين فأطلق الشيخ أبو حامد أنه يعتبر حالهم بأقرب بلد يليهم وفرع عليه الزركشي وابن العماد أنهم يقدرون في الصوم ليلهم بأقرب بلد إليهم، ثم يمسكون إلى الغروب بأقرب بلد إليهم وما قالاه إنما يظهر إن لم تسع مدة غيبوبتها أكل ما يقيم بنية الصائم لتعذر العمل به عندهم فاضطررنا إلى ذلك التقدير بخلاف ما إذا وسع ذلك وليس هذا حينئذ كأيام الدجال لوجود الليل هنا وإن قصر ولو لم يسع ذلك إلا قدر المغرب أو أكل الصائم قدم أكله وقضى المغرب فيما يظهر.
"والصبح" يدخل وقتها "بالفجر الصادق"؛ لأن جبريل صلاها أول يوم حين حرم الفطر

 

ج /1 ص -150-      على الصائم وإنما يحرم بالصادق إجماعا ولا نظر لمن شذ فلم يحرمه إلا بطلوع الشمس ومن ثم رد وإن نقل عن أجلاء صحابة وتابعين بأنه مخالف للإجماع وإن استدل له بقوله تعالى {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء:12] الدال على أنه لا آية للنهار إلا الشمس المؤيد بآية {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ} [الحج:61- لقمان:29- فاطر:13- الحديد:6] الدالة على أنه لا فاصل بينهما؛ لأن كل ذلك سفساف ومن ثم استبعد غير واحد صحة ذلك عن أحد يعتد به "وهو" بياض شعاع الشمس عند قربها من الأفق الشرقي "المنتشر ضوءه معترضا بالأفق" أي نواحي السماء بخلاف الكاذب وهو ما يبدو مستطيلا وأعلاه أضوأ من باقيه، ثم تعقبه ظلمة.
تنبيه: في تحقيق هذا وكونه مستطيلا كلام طويل لأهل الهيئة مبني على الحدس المبني على قواعد الحكماء الباطلة شرعا من منع الخرق، والالتئام، أو التي لم يشهد بصحتها. على أنه لا يفي ببيان سبب كون أعلاه أضوأ مع أنه أبعد من أسفله من مستمده وهو الشمس ولا ببيان سبب انعدامه بالكلية حتى تعقبه ظلمة كما صرح به الأئمة وقدروها بساعة، والظاهر أن مرادهم مطلق الزمن؛ لأنها تطول تارة وتقصر أخرى وزعم بعض أهل الهيئة عدم انعدامه وإنما يتناقص حتى ينغمر في الفجر الصادق ولعله باعتبار التقدير لا الحس وفي خبر مسلم "لا يغرنكم أذان بلال" ولا هذا العارض لعمود الصبح "حتى يستطير" أي ينتشر ذلك العمود أي في نواحي الأفق وقد يؤخذ من تسمية الفجر الأول عارضا للثاني شيئان أحدهما أنه يعرض للشعاع الناشئ عند الفجر الثاني انحباس قرب ظهوره كما يشعر به التنفس في قوله تعالى
{وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} [التكوير:18] وعند ذلك الانحباس يتنفس منه شيء من شبه كوة، والمشاهد في المنحبس إذا خرج بعضه دفعة أن يكون أوله أكثر من آخره وهذا لكون كلام الصادق قد يدل عليه ولإنبائه عن سبب طوله وإضاءة أعلاه واختلاف زمنه وانعدامه بالكلية الموافق للحس أولى مما ذكره أهل الهيئة القاصر عن كل ذلك، ثانيهما أنه صلى الله عليه وسلم أشار بالعارض إلى أن المقصود بالذات هو الصادق وأن الكاذب إنما قصد بطريق العرض ليتنبه الناس به لقرب ذلك فيتهيئوا ليدركوا فضيلة أول الوقت لاشتغالهم بالنوم الذي لولا هذه العلامة لمنعهم إدراك أول الوقت فالحاصل أنه نور يبرزه الله من ذلك الشعاع، أو يخلقه حينئذ علامة على قرب الصبح ومخالفا له في الشكل ليحصل التمييز وتتضح العلامة العارضة من المعلم عليه المقصود فتأمل ذلك فإنه غريب مهم وفي حديث عند أحمد "ليس الفجر الأبيض المستطيل في الأفق ولكن الفجر الأحمر المعترض" وفيه شاهد لما ذكرته آخرا ومما يؤيد ما أشرت إليه من الكوة ما أخرجه غير واحد عن ابن عباس أن للشمس ثلثمائة وستين كوة تطلع كل يوم من كوة فلا بدع أنها عند قربها من تلك الكوة ينحبس شعاعها، ثم يتنفس كما مر، ثم رأيت للقرافي المالكي وغيره كالأصبحي من أئمتنا فيه كلاما يوضحه ويبين صحة ما ذكرته من الكوة ويوافق استشكالي لكونه يظهر، ثم يغيب وحاصله وإن كان فيه طول لمس الحاجة إليه أنه بياض يطلع قبل الفجر الصادق، ثم يذهب عند أكثر الأبصار دون الراصد المجتهد القوي النظر وذكر ابن بشير المالكي أنه من نور

 

ج /1 ص -151-      الشمس إذا قربت من الأفق فإذا ظهر أنست به الأبصار فيظهر لها أنه غاب وليس كذلك ونقل الأصبحي إبراهيم أن بعضهم ذكر أنه يذهب بعد طلوعه ويعود مكانه ليلا وهذا البعض كثيرون من أئمتنا كما مر وأن أبا جعفر البصري بعد أن عرفه بأنه عند بقاء نحو ساعتين يطلع مستطيلا إلى نحو ربع السماء كأنه عمود وربما لم ير إذا كان الجو نقيا شتاء وأبين ما يكون إذا كان الجو كدرا صيفا أعلاه دقيق وأسفله واسع أي ولا ينافي هذا ما قدمته أن أعلاه أضوأ؛ لأن ذاك عند أول الطلوع وهذا عند مزيد قربه من الصادق. وتحته سواد، ثم بياض، ثم يظهر ضوء يغشي ذلك كله، ثم يعترض: ورده بأنه رصده نحو خمسين سنة فلم يره غاب وإنما ينحدر ليلتقي مع المعترض في السواد ويصيران فجرا واحدا وزعم غيبته، ثم عوده وهم، أو رآه يختلف باختلاف الفصول فظنه يذهب وبعض الموقتين يقول هو المجرة إذا كان الفجر بالسعود ويلزمه أنه لا يوجد إلا نحو شهرين في السنة قال القرافي وقال آخرون هو شعاع الشمس يخرج من طاق بجبل قاف، ثم أبطله بأن جبل قاف لا وجود له وبرهن عليه بما يرده ما جاء عن ابن عباس من طرق خرجها الحفاظ وجماعة منهم ممن التزموا تخريج الصحيح وقول الصحابي ذلك ونحوه مما لا مجال للرأي فيه حكمه حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم منها أن وراء أرضنا بحرا محيطا، ثم جبلا يقال له قاف، ثم أرضا، ثم بحرا، ثم جبلا وهكذا حتى عد سبعا من كل وأخرج بعض أولئك عن عبد الله بن بريدة أنه جبل من زمرد محيط بالدنيا عليه كنفا السماء وعن مجاهد مثله وكما اندفع بذلك قوله لا وجود له اندفع قوله: أثره ولا يجوز اعتقاد ما لا دليل عليه؛ لأنه إن أراد بالدليل مطلق الإمارة فهذا عليه أدلة أو الإمارة القطعية فهذا مما يكفي فيه الظن كما هو جلي، ثم نقل أعني القرافي عن أهل الهيئة أنه يظهر، ثم يخفى دائما، ثم استشكله، ثم أطال في جوابه بما لا يتضح إلا لمن أتقن علمي الهندسة، والمناظرة وأولى منه أنه يختلف باختلاف النظر لاختلافه باختلاف الفصول، والكيفيات العارضة لمحله قد يدق في بعض ذلك حتى لا يكاد يرى أصلا وحينئذ فهذا عذر من عبر بأنه يغيب وتعقبه ظلمة.
"ويبقى حتى تطلع الشمس" لخبر مسلم بذلك ويكفي طلوع بعضها بخلاف الغروب إلحاقا لما لم يظهر بما ظهر لقوته "والاختيار أن لا تؤخر عن الإسفار" وهو الإضاءة بحيث يميز الناظر القريب منه؛ لأن جبريل صلاها ثاني يوم كذلك ولها غير هذا، والأوقات الأربعة السابقة وقت كراهة من الحمرة إلى أن يبقى ما يسعها.
تنبيه: المراد بوقت الفضيلة ما يزيد فيه الثواب من حيث الوقت وبوقت الاختيار ما فيه ثواب دون ذلك من تلك الحيثية وبوقت الجواز ما لا ثواب فيه منها وبوقت الكراهية ما فيه ملام منها وبوقت الحرمة ما فيه إثم منها وحينئذ فلا ينافي هذا ما يأتي أن الصلاة غير ذات السبب في الوقت المكروه، أو المتحرى هو بها لا تنعقد؛ لأن الكراهة ثم من حيث إيقاعها فيه وهنا من حيث التأخير إليه لا الإيقاع وإلا لنافى أمر الشارع بإيقاعها في جميع أجزاء الوقت فإن قلت ظاهر ما ذكر في وقت الفضيلة، والاختيار تغايرهما وقد صرحوا باتحادهما في وقت المغرب كما مر وفي قولهم في نحو العصر وقت اختيارها من مصير

 

ج /1 ص -152-      المثل إلى مصير المثلين وفضيلتها أول الوقت قلت الاختيار له إطلاقان إطلاق يرادف وقت الفضيلة وإطلاق يخالفها وهو الأكثر المتبادر فلا تنافي ومما يصرح بالثاني قولهم في كل من العصر، والصبح له وقت فضيلة أول الوقت، ثم اختيار إلى مصير المثلين، أو الإسفار فصرحوا بتخالفهما. هنا جريا على الإطلاق الثاني.
فائدتان: إحداهما: قيل الحكمة في كون المكتوبات سبع عشرة ركعة أن زمن اليقظة من اليوم، والليلة سبع عشرة ساعة غالبا اثنا عشر النهار ونحو ثلاث ساعات من الغروب وساعتين من قبيل الفجر فجعل لكل ساعة ركعة لتجبر ما يقع فيها من التقصيرات.
ثانيتهما: اختصاص الخمس بهذه الأوقات تعبد عند أكثر العلماء وأبدى غيرهم له حكما من أحسنها تذكر الإنسان بها نشأته إذ ولادته كطلوع الشمس ونشؤه كارتفاعها وشبابه كوقوفها عند الاستواء وكهولته كميلها وشيخوخته كقربها للغروب وموته كغروبها وفيه نقص فيزاد عليه وفناء جسمه كانمحاق أثرها وهو الشفق الأحمر فوجبت العشاء حينئذ تذكيرا بذلك كما أن كماله في البطن وتهيئته للخروج كطلوع الفجر الذي هو مقدمة لطلوع الشمس المشبه بالولادة فوجبت الصبح حينئذ لذلك أيضا وكان حكمة كون الصبح ركعتين بقاء كسل النوم والعصرين أربعا أربعا توفر النشاط عند هما بمعاناة الأسباب وكان حكمة خصوصها تركب الإنسان من عناصر أربعة وفيه أخلاط أربعة فجعل لكل من ذلك في حال النشاط ركعة لتصلحه وتعدله وهذا أولى وأظهر من قول القفال إنما لم يزد عليها؛ لأن مجموع آحادها عشرة ولا شيء من العدد يخرج أصله عنها، والمغرب ثلاثا أنها وتر النهار كما في الحديث فتعود عليه بركة الوترية
"أن الله وتر يحب الوتر" ولم تكن واحدة؛ لأنها تسمى البتيراء من البتر وهو القطع وألحقت العشاء بالعصرين لينجبر نقص الليل عن النهار إذ فيه فرضان وفي النهار ثلاثة لكون النفس على الحركة فيه أقوى.
فرع: صح أن أول أيام الدجال كسنة وثانيها كشهر وثالثها كجمعة، والأمر في اليوم الأول وقيس به الأخيران بالتقدير بأن تحرر قدر أوقات الصلوات وتصلى، وكذا الصوم وسائر العبادات الزمانية وغير العبادات كحلول الآجال ويجري ذلك فيما لو مكثت الشمس طالعة عند قوم مدة.
تنبيه: ذكر أصحابنا أن المواقيت مختلفة باختلاف ارتفاع البلاد فقد يكون الزوال ببلد طلوعها بآخر وعصرا بآخر ومغربا بآخر وعشاء بآخر وما ذكروه أن سبب ذلك اختلاف ارتفاع الأرض لا يوافق كلام علماء الهيئة، والميقات؛ لأن ذلك إنما ينبني على كرية الأرض، والفلك دون ارتفاع الأرض وانخفاضها؛ لأنه ليس له كبير ظهور في الحس إذ أعظم جبل ارتفاعا على الأرض فرسخان وثلث فرسخ. ونسبته إلى كرة الأرض تقريبا كنسبة سبع عرض شعيرة إلى كرة قطرها ذراع فلم ينشأ ذلك الاختلاف إلا من اختلاف أوضاع الشمس بالنسبة إلى كرة الأرض فما من درجة من الفلك تكون فيها الشمس في وقت من الأوقات إلا وهي طالعة بالنسبة إلى بقعة غاربة بالنسبة إلى أخرى متوسطة بالنسبة إلى أخرى

 

ج /1 ص -153-      في وقت عصر بالنسبة إلى أخرى وعشاء وصبح كذلك.
"قلت يكره تسمية المغرب عشاء و" تسمية "العشاء عتمة" للنهي الصحيح عنهما وورود تسمية الثاني لبيان الجواز "و" يكره "النوم قبلها" أي قبل فعلها بعد دخول وقتها ولو وقت المغرب لمن يجمع؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يكرهه وما بعده رواه الشيخان ولأنه ربما استمر نومه حتى فات الوقت ويجري ذلك في سائر أوقات الصلوات ومحل جواز النوم إن غلبه بحيث صار لا تمييز له ولم يمكنه دفعه، أو غلب على ظنه أنه يستيقظ وقد بقي من الوقت ما يسعها وطهرها وإلا حرم ولو قبل دخول الوقت على ما قاله كثيرون ويؤيده ما يأتي من وجوب السعي للجمعة على بعيد الدار قبل وقتها إلا أن يجاب بأنها مضافة لليوم بخلاف غيرها. ومن ثم قال أبو زرعة المنقول خلاف ما قاله أولئك. "والحديث بعدها" أي بعد دخول وقتها وفعلها فيه، أو قدره إن جمعها تقديما لا قبل ذلك على الأوجه؛ لأنه ربما فوته صلاة الليل، أو أول وقت الصبح، أو جميعه وليختم عمله بأفضل الأعمال وقضية الأول كراهته قبلها أيضا لكن فرق الإسنوي بأن إباحة الكلام قبلها تنتهي بالأمر بإيقاعها في وقت الاختيار، وأما بعدها فلا ضابط له فكان خوف الفوات فيه أكثر وهو أوجه من قول غيره: هو قبلها أولى بالكراهة لتفويته فضيلة أول الوقت، ويرد بما يعلم مما يأتي أن مطلق الحديث قبلها لا يستلزم تفويت ذلك فصح تقييدهم ببعدها، وأما ما قبلها فإن فوت وقت الاختيار كره أي كان خلاف الأولى وإلا فلا "إلا" لمنتظر الجماعة ليعيدها معهم ولو بعد وقت الاختيار وللمسافر لخبر أحمد "لا سمر بعد العشاء إلا لمصل، أو مسافر وإلا لعذر"، أو "في خير" كعلم شرعي، أو آلة له، أو قراءة أو ذكر، أو مذاكرة آثار الصالحين، أو إيناس ضيف، أو زوجة عند زفافها، أو الملاطفة بها ونحو ذلك "والله أعلم" لما صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يحدثهم عامة ليله عن بني إسرائيل ولأنه خير ناجز فلا يترك لمفسدة متوهمة.
"ويسن تعجيل الصلاة لأول الوقت" إذا تيقن دخوله للأحاديث الصحيحة
"أن الصلاة أول وقتها أفضل الأعمال" ويحصل باشتغاله بأسبابها عقب دخوله ولا يكلف العجلة على خلاف العادة ويغتفر له مع ذلك شغل خفيف وكلام قصير وأكل لقم توفر خشوعه. وتقديم سنة راتبة، بل لو قدمها أعني الأسباب قبل الوقت وأخر بقدرها من أوله حصل سنة التعجيل على ما في الذخائر ويستثنى من ندب التعجيل مسائل كثيرة ذكرتها في شرح العباب وغيره وضابطها أن كل ما ترجحت مصلحة فعله ولو أخر فاتت يقدم على الصلاة وأن كل كمال كالجماعة اقترن بالتأخير وخلا عنه التقديم يكون التأخير لمن أراد الاقتصار على صلاة واحدة حتى لا ينافي ما يأتي في الإبراد معه أفضل ويندب للإمام الحرص على أول الوقت لكن بعد مضي وقت اجتماع الناس وفعلهم لأسبابها عادة وبعده يصلي بمن حضر وإن قل؛ لأن الأصح أن الجماعة القليلة أوله أفضل من الكثيرة آخره ولا ينتظر ولو نحو شريف وعالم فإن انتظره كره ومن ثم لما اشتغل صلى الله عليه وسلم عن وقت عادته أقاموا الصلاة فتقدم أبو بكر مرة وابن عوف أخرى مع أنه لم يطل تأخره، بل أدرك صلاتهما واقتدى بهما وصوب فعلهما نعم يأتي في تأخر الراتب تفصيل لا ينافيه هذا لعلمهم منه صلى الله عليه وسلم بالحرص

 

ج /1 ص -154-      على أول الوقت وقد يجب التأخير ولو عن الوقت كما في محرم خاف فوت الحج لو صلى العشاء وكمن رأى نحو غريق، أو أسير لو أنقذه أو صائل على محترم لو دفعه خرج الوقت ويجب التأخير أيضا للصلاة على ميت خيف انفجاره.
تنبيه: تجب الصلاة بأول الوقت وجوبا موسعا إلى أن لا يبقى إلا ما يسعها كلها بشروطها ولا يجوز تأخيرها عن أوله إلا إن عزم على فعلها. أثناءه، وكذا كل واجب موسع قيل إنما يجب ذلك حيث لم يسن التأخير لا كالإبراد وفيه نظر، ثم رأيت بعضهم رده بأنه يلزم مريد جمع التأخير الشامل للمندوب، والجائز نيته وإلا عصى وكانت قضاء وكان وجه الرد به إن ندب التأخير لم يناف وجوب النية وإن اختلف ملحظ البابين، والأولى في وجهه أن ندب التأخير عارض فلا يرفع حكم الواجب الأصلي وهو توقف جواز التأخير على العزم وإذا أخرها بالنية ولم يظن موته فيه فمات لم يعص؛ لأنه لم يقصر لكون الوقت محدودا ولم يخرجها عنه وبه فارق ما يأتي في الحج ومثله فائتة بعذر؛ لأن وقتها العمر أيضا فإن قلت مر في النوم أنه لو توهم الفوت معه حرم فهل قياسه هذا حتى يتضيق بتوهم الفوت قلت نعم إلا أن يفرق بأن من شأن النوم التفويت فلم يجز إلا مع ظن الإدراك بخلافه هنا.
"وفي قوله تأخير" فعل "العشاء أفضل" ما لم يجاوز وقت الاختيار لأحاديث فيه ومن ثم اختاره المصنف وغيره. لكن تقديمها هو الذي واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدون، "و" مر أن محل ندب التعجيل ما لم تعارضه مصلحة راجحة فلذلك "يسن الإبراد بالظهر" أي إدخالها وقت البرد بتأخيرها دون أذانها عن أول وقتها إلى أن يبقى للحيطان ظل يمشي فيه قاصد الجماعة ولا يجاوز نصف الوقت "في شدة الحر" لخبر البخاري
"إذا اشتد الحر فأبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم" أي غليانها وانتشار لهبها وخرج بالظهر الجمعة؛ لأن تأخيرها معرض لفواتها لكون الجماعة شرطا فيها وما في الصحيحين مما يخالف ذلك حمل على بيان الجواز "والأصح اختصاصه" أي سن الإبراد "ببلد حار" أي شديد الحر كالحجاز وبعض العراق، واليمن "وجماعة مسجد" أو محل آخر غيره "يقصدونه" كلهم، أو بعضهم بمشقة في طريقهم إليه شديدة بحيث تسلب خشوعهم كأن يأتوه "من بعد" في الشمس لمشقة التعجيل حينئذ بخلاف وقت بارد أو معتدل وإن كان ببلد حار وبلد باردة، أو معتدلة وإن وقع فيها شدة حر أي؛ لأنه عارض لوضعها فلم يعتبر ويؤخذ منه أن البلد لو خالفت قطرها في أصل وضعه بأن كان شأنه الحرارة دائما وشأنها البرودة كذلك كالطائف بالنسبة لقطر الحجاز أو عكسها لم يعتبر القطر هنا، بل تلك البلد التي هو فيها وبهذا يجمع بين من عبر ببلد ومن عبر بقطر فالأول في بلد خالفت وضع القطر والثاني في بلد لم تخالفه كذلك لكن قد يعرض لها مخالفته وعلى هذا يحمل قول الزركشي اشتراط شدة الحر مخالف لتعليل الرافعي إلا أن يريد بقوله في شدة الحر أي من حيث الجملة لا بالنسبة إلى أفراد البقاع، والأشخاص ا هـ. فالحاصل أنه لا بد من كونه وقت الحر وإن تخلف بالنسبة لبقعة، أو شخص وبلد حار وضعا ومن يصلي ببيته منفردا أو جماعة

 

ج /1 ص -155-      وجمع بمصلى يأتونه بلا مشقة، أو حضروه ولم يأتهم غيرهم أو يأتيهم من غير مشقة عليه لنحو قرب منزله، أو وجود ظل يمشي فيه فلا يسن الإبراد لهؤلاء لعدم المشقة نعم نحو إمام محل الجماعة المقيم به يسن له تبعا لهم للاتباع والذي يتجه أن الأفضل له فعلها أولا، ثم معهم؛ لأن سن الإبراد في حقه بطريق التبع كما تقرر فشمل ذلك قولهم: يسن لراجي الجماعة أثناء الوقت فعلها أوله، ثم معهم وعدم نقل الإعادة عنه صلى الله عليه وسلم لا يستلزم عدم ندبها وفرق بعضهم بين ما هنا وقولهم يسن إلى آخره بما لا يصح فاحذره وكذا يسن الإبراد لمن يقصد المسجد للصلاة فيه منفردا كما بحثه الإسنوي وغيره وفي كلام الرافعي إشعار به. ومن وقع بعض صلاته في الوقت" وبعضها خارجه "فالأصح أنه إن وقع" في الوقت منها "ركعة" كاملة بأن فرغ من السجدة الثانية. "فالجميع أداء وإلا" يقع فيه منها ركعة كذلك "فقضاء" كلها سواء أخر لعذر أم لا لخبر الشيخين "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" أي مؤداة، والفرق اشتمال الركعة على معظم أفعال الصلاة إذ غالب ما بعدها تكرير لها فجعل ما بعد الوقت تابعا لها بخلاف ما دونها ولما كان في هذه التبعية ما فيها كان التحقيق عند الأصوليين أن ما في الوقت أداء مطلقا وما بعده قضاء مطلقا والحديث كما ترى ظاهر في رد هذا ولا خلاف في الإثم على الأقوال كلها كما يعلم من كلام المجموع أن من قال بخلاف ذلك لا يعتد به وثواب القضاء دون ثواب الأداء خلافا لمن زعم استواءهما على أنه يتعين فرضه في قضاء ما أخره لعذر وإلا فلا وجه له ومر أن من أفسد صلاته في الوقت، ثم أعادها فيه كانت أداء لا قضاء خلافا لكثيرين، "ومن جهل الوقت" لنحو غيم "اجتهد" جوازا إن قدر على اليقين ووجوبا إن لم يقدر ولو أعمى نظير ما مر في الأواني نعم إن أخبره ثقة عن مشاهدة، أو سمع أذان عدل عارف بالوقت في صحو لزمه قبوله ولم يجتهد إذ لا حاجة به للاجتهاد حينئذ بخلاف ما لو أمكنه الخروج لرؤية نحو الشمس ؛ لأن فيه مشقة عليه في الجملة وإنما حرم على القادر على العلم بالقبلة التقليد ولو لمخبر عن علم لعدم المشقة فإنه إذا علم عين القبلة مرة واحدة اكتفى بها ما لم ينتقل عن ذلك المحل، والأوقات متكررة فيعسر العلم كل وقت وللمنجم العمل بحسابه ولا يقلده فيه غيره وإذا أخبر ثقة عن اجتهاد لم يجز لقادر تقليده إلا أعمى البصر، أو البصيرة فإنه مخير بين تقليده، والاجتهاد نظرا لعجزه في الجملة "بورد" كقراءة ودرس "ونحوه" كصنعة منه، أو من غيره وصياح ديك مجرب وكثرة المؤذنين يوم الغيم بحيث يغلب على الظن أنهم لكثرتهم لا يخطئون، وكذا ثقة عارف بأوقات. يومه إذ لا يتقاعد عن الديك المجرب وعلم من كلامه حرمة الصلاة وعدم انعقادها مع الشك في دخول الوقت وإن بان أنها في الوقت؛ لأنه لا بد من ظن دخوله بأمارة ووقع في حديث عند أبي داود ما ظاهره يخالف ذلك في المسافر ولا حجة فيه؛ لأنه واقعة حال محتملة أنها للمبالغة في المبادرة وغيرها، بل عند التأمل لا دلالة فيه أصلا؛ لأن قول أنس "كنا إذا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فقلنا زالت الشمس، أو لم تزل صلى الظهر"؛ لأن الذي فيه أنهم إنما شكوا قبل صلاته بهم لاستحالة شكهم معها. وبفرضه هو لا عبرة به ألا ترى أنه يجوز اعتماد خبر العدل وإن

 

ج /1 ص -156-      شك فيه إلغاء للشك واكتفاء بوصف العدالة ففعله صلى الله عليه وسلم أولى بذلك وبهذا يتضح اندفاع قول المحب الطبري لا يبعد تخصيص المسافر بما فيه من جواز الظهر عند الشك في الزوال أي مثلا كما خص بالقصر ونحوه. "فإن" اجتهد وصلى، ثم بعد خروج الوقت "تيقن صلاته" أي إحرامه بها "قبل الوقت" ولو بخبر عدل رواية عن علم لا اجتهاد "قضى في الأظهر" لفوات شرطها وهو الوقت فإن تيقن في الوقت أعاد قطعها قيل لو قال أعاد كان أولى ا هـ وهو وهم لما علمت أن محل الخلاف إنما هو في تبين ذلك بعد الوقت "وإلا" يتيقنها قبله ولو بان لم يبن الحال "فلا" قضاء عليه لعدم تيقن المفسد.
فرع: صلى في الوقت، ثم وصل قبله لبلد يخالف مطلعها مطلع بلده لزمه إعادتها نظير ما يأتي في الصوم كذا بحث ولك أن تقول إن أراد بما يأتي الموافقة معهم في الآخر صوما، أو فطرا فليس نظير مسألتنا لاختلاف يوم الرؤية ويوم الموافقة وإنما الذي يتوهم أنه نظيرها أن يرى ببلده فيصوم، ثم يسافر ويصل أثناء يومه لبلد لم ير أهله وحكم هذه لم أره صريحا، بل كلامهم محتمل إذ قضية تعليلهم بأنه بالانتقال إليهم صار مثلهم الفطر وقضية تخصيص الشراح قول الحاوي، والإرشاد فطرا بمن سافر من بلد غير الرؤية إلى بلدها أنه يستمر صائما ويوجه بأنه استند هنا إلى حقيقة الرؤية فلم يعارضها في ذلك اليوم إلا ما هو أضعف منها وهو استصحاب المنتقل إليهم بخلاف ما لو أصبح آخره صائما فانتقل في ذلك اليوم لبلد عيد فإنه يفطر؛ لأنه عارض الاستصحاب ما هو أقوى منه وهو الرؤية وعلى الاحتمال الأول يفرق بأن الصلاة خفف فيها من حيث الوقت ما لم يخفف في رمضان؛ لأنه لا يقبل غيره بخلافها فاحتيط له أكثر ومن ثم لو جمع تقديما، ثم دخل المقصد في وقت الظهر لم تلزمه إعادة العصر ثم رأيت بعضهم. رجح مقتضى هذا فقال الأقرب عدم لزوم الإعادة كصبي صلى، ثم بلغ في الوقت.
"ويبادر بالفائت" الذي عليه وجوبا إن فات بغير عذر وإلا كنوم لم يتعد به ونسيان كذلك بأن لم ينشأ عن تقصير بخلاف ما إذا نشأ عنه كلعب شطرنج، أو كجهل بالوجوب وعذر فيه ببعده عن المسلمين أو إكراه على الترك، أو التلبس بالمنافي فندبا تعجيلا لبراءة ذمته "ويسن ترتيبه وتقديمه" إن فات بعذر "على الحاضرة التي لا يخاف فوتها" وإن خشي فوت جماعتها على المعتمد خروجا من خلاف من أوجب ذلك وللاتباع ولم يجب؛ لأن كل واحدة عبادة مستقلة وكقضاء رمضان، والترتيب في المؤديان إنما هو لضرورة الوقت وفعله صلى الله عليه وسلم المجرد للندب وقدم. على الجماعة مع كونه سنة وهي فرض كفاية لاتفاق موجبيه على أنه شرط للصحة وقول أكثر موجبيها عينا أنها ليست شرطا للصحة فكانت رعاية الخلاف فيه آكد وبهذا يندفع ما للإسنوي وغيره هنا أما إذا خاف فوت الحاضرة بأن يقع بعضها وإن قل خارج الوقت فيلزمه البداءة بها لحرمة خروج بعضها عن الوقت مع إمكان فعل كلها فيه ويجب تقديم ما فات بغير عذر على ما فات بعذر وإن فقد الترتيب؛ لأنه سنة، والبدار واجب ومن ثم وجب تقديمه على الحاضرة إن اتسع وقتها، بل لا يجوز كما هو ظاهر لمن عليه فائتة بغير عذر أن يصرف زمنا لغير قضائها كالتطوع إلا ما يضطر إليه لنحو

 

ج /1 ص -157-      نوم، أو مؤنة من تلزمه مؤنته، أو لفعل واجب آخر مضيق يخشى فوته ولو تذكر فائتة وهو في حاضرة لم يقطعها مطلقا، أو شرع في فائتة ظانا سعة وقت الحاضرة فبان ضيقه لزمه قطعها ولو شك في قدر فوائت عليه لزمه أن يأتي بكل ما لم يتيقن فعله، أو بعد الوقت في فعل مؤداته لزمه قضاؤها، أو في كونها عليه فلا. ويفرق بأن شكه في اللزوم مع قطع النظر عن الفعل شك في استجماع شروط اللزوم، والأصل عدمه بخلافه في الفعل فإنه مستلزم لتيقن اللزوم، والشك في المسقط، والأصل عدمه وسيأتي أنه لا تجوز إعادة الفرض في غير جماعة إلا إن شك في شرط له، أو جرى في صحته خلاف ووقع في بعض روايات حديث الصبح التي ناموا عنها ما يقتضي على ما زعمه شارح ندب فعلها ثانيا في مثل وقتها من اليوم الثاني قال وهي مسألة عزيزة لم أر من صرح بها ا هـ وليس كما قال لما علمت أن قواعدنا تقتضي حرمة ذلك ولا حجة في تلك الرواية؛ لأن لفظها صلوها الغد لوقتها أي لا تظنوا أن وقتها تغير بصلاتنا لها في غيره، بل دوموا على ما كنتم عليه من صلاتها في وقتها ويؤيده الرواية الأخرى أنه صلى الله عليه وسلم لما صلى بهم قالوا يا رسول الله ألا نقضيها لوقتها من الغد قال: "نهاكم ربكم عن الربا ويقبله منكم!".
فهذا صريح فيما قلناه من معنى تلك الرواية، بل في حرمة فعل الفائتة ثانيا. من غير موجب.
"وتكره الصلاة عند الاستواء" وإن ضاق وقته؛ لأنه يسع التحريم للنهي الصحيح عنه "إلا يوم الجمعة" ولو لمن لم يحضرها لحديث فيه لكن فيه مقال إلا أن يكون قد اعتضد "وبعد" أداء فعل "الصبح حتى" تطلع الشمس بخلافه قبل فعلها يجوز النفل مطلقا ومن طلوعها حتى "ترتفع الشمس كرمح" طوله نحو سبعة أذرع في رأي العين وإلا فالمسافة طويلة سواء أصلى الصبح أم لا "و" بعد أداء فعل "العصر" ولو لمن جمع تقديما "حتى" تصفر الشمس بخلافه قبل فعلها يجوز النفل مطلقا ومن الاصفرار حتى "تغرب" لمن صلى العصر ومن لم يصلها فالكراهة تتعلق بالفعل في وقتين وبالزمن في ثلاثة أوقات كما تقرر وهي للتحريم وقيل للتنزيه وعليهما لا تنعقد؛ لأنها لذات كونها صلاة وإلا لحرمت كل عبادة وهي تنافي الانعقاد إذ لا يتناولها مطلق الأمر وإلا كان مطلوبا منهيا عنه من جهة واحدة وهو محال كما هو مقرر في الأصول وأصل ذلك ما صح من طرق متعددة أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في تلك الأوقات مع التقييد بالرمح، أو الرمحين في رواية أبي نعيم في مستخرجه على مسلم لكنه مشكل بما يأتي في العرايا أنهم عند الشك في الخمسة أو الدون. أخذوا بالأكثر وهو الخمسة احتياطا فقياسه هنا امتداد الحرمة للرمحين لذلك وقد يجاب بأن الأصل جواز الصلاة إلا ما تحقق منعه وحرمة الربا إلا ما تحقق حله فأثر الشك هنا الأخذ بالزائد وثم الأخذ بالأقل عملا بكل من الأصلين فتأمله ومع الإشارة إلى حكمة النهي بأنها تطلع وتغرب بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار ومعنى كونها بين قرنيه وفاقا لجمع محققين وإن نازع فيه آخرون وأطال ابن عبد السلام في الانتصار إلى أنه تعبد محض وأن ما أبدى له من الحكم الكثيرة كلها غير متضحة، بل متكلفة وقد نهينا عن التكلف أنه يلصق

 

ج /1 ص -158-      ناصيته بها حتى يكون سجود عابديها سجودا له "إلا لسبب" لم يتحره متقدم على الفعل، أو مقارن له "كفائتة" ولو نافلة اتخذها وردا لصلاته صلى الله عليه وسلم سنة الظهر بعد العصر لما شغل عنها، والمختص به إدامتها بعد لا أصل فعلها.
تنبيه: علل غير واحد اختصاص هذه الإدامة به صلى الله عليه وسلم بأنه كان إذا عمل عملا داوم عليه ويرده ما يأتي في معنى الراتب المؤكد وغيره وما جاء في رواية أنه صلى الله عليه وسلم في نومهم عن الصبح قضى سنتها ولم يداوم عليها وبتسليمه فمعنى داوم عليه أنه كان لا يتركه إلا لما هو أهم، أو لبيان الجواز وما ذكره المتكلمون في الخصائص أن منها مداومته في هذه الصورة ولم يتعرضوا لما سواها ووجه الخصوصية حرمة المداومة فيها على أمته وإباحتها له على ما يصرح به كلام المجموع أو ندبها له على ما نقله الزركشي وعليهما فتركه صلى الله عليه وسلم للمداومة لا إشكال فيه بوجه فتأمله.
"وكسوف" لأنها معرضة للفوات "وتحية" لم يدخل المسجد بقصدها فقط "وسجدة شكر" وتلاوة كما بأصله وكان إيثارها؛ لأنها محل النص؛ لأن كعب بن مالك رضي الله عنه فعلها بعد الصبح لما نزلت توبته ومحله إن لم تقرأ قبل الوقت، أو فيه بقصد السجود فقط فيه وإلا لم تنعقد. أي إن استمر قصد تحريه إلى دخول الوقت فيما يظهر، وكذا يقال في كل تحر؛ لأن قصد الشيء قبل وقته المنقطع قبله لا وجه للنظر إليه ويؤيده ما يأتي في رد قول جمع المكروه تأخيرها إليه إلى آخره وركعتي طواف وصلاة جنازة ولو على غائب على الأوجه وإعادة مع جماعة ولو إماما خلافا للبلقيني ومن تبعه نعم يلزمه نية الإمامة كما يأتي وصلاة استسقاء وسنة وضوء وكذا عيد وضحى بناء على دخول وقتهما بالطلوع وقد نقل ابن المنذر الإجماع على فعل الفائتة وصلاة الجنازة بعد الصبح، والعصر ويقاس بهما ما في معناهما مما ذكر أما ما لا سبب لها كصلاة التسبيح وذات السبب المتأخر كركعتي الاستخارة وركعتي الإحرام ونوزع فيه بأن سببهما إرادته لا فعله ويرد بمنع ذلك، بل هو السبب الأصلي، والإرادة من ضروريات وقوعه أما إذا تحرى إيقاع صلاة غير صاحبة الوقت في الوقت المكروه من حيث كونه مكروها أخذا من قول الزركشي الصواب الجزم بالمنع إذا علم بالنهي وقصد تأخيرها ليفعلها فيه فيحرم مطلقا ولو فائتة يجب قضاؤها فورا؛ لأنه معاند للشرع وعبر الزركشي وغيره بمراغم للشرع بالكلية وهو مشكل بتكفيرهم من قيل له قص أظفارك فقال لا أفعله رغبة عن السنة فإذا اقتضت الرغبة عن السنة التكفير فأولى هذه المعاندة، والمراغمة ويجاب بتعين حمل هذا على أن المراد أنه يشبه المراغمة، والمعاندة لا أنه موجود فيه حقيقتهما وقول جمع المكروه وتأخيرها إليه لا إيقاعها فيه مردود بأن المنهي عنه بالذات الإيقاع لا التأخير وكذا إذا دخل المسجد بقصد التحية فقط بخلاف تأخير الصلاة على ميت حضر قبل الصبح، والعصر لكثرة المصلين عليه بعدهما.
تنبيه: فيه تحقيق لكثير مما سبق ورد لأوهام وقعت فيه اعلم أن المعتمد أن المراد بالمتأخر وقسيميه بالنسبة للصلاة لا للوقت المكروه فصلاة الجنازة، والفائتة ونحو صلاة

 

ج /1 ص -159-      الاستسقاء، والكسوف. والنذر وسنة الطواف، والتحية، والوضوء أسبابها من طهر الميت وتذكر الفائتة، والقحط، والكسوف، والنذر، والطواف ودخول المسجد، والوضوء متقدمة على الأول وعلى الثاني إن تقدمت على الوقت فمتقدمة وإلا فمقارنة وهذا التفصيل أولى من إطلاق المجموع في الثانية أن سببها متقدم وغيره أنه مقارن وقيل تحرم؛ لأن سببها متأخر أي وهو الغيث ويرد بأن القحط هو الحامل عليها لطلب الغيث فالأول هو السبب الأصلي فكانت إناطة الحكم به أولى قيل وقع في المجموع حرمتها وهو سبق قلم انتهى وليس في محله، بل الذي فيه حلها ونازع الغزالي في جواز سنة الوضوء بأنه لا يكون سببا للصلاة، بل هي سببه فاستحالت نيته بها بأن يضيفها إليه ويرد بأن معنى كونه سببا لها أنه سبب لندب صلاة مخصوصة عقبه لا لمطلق الصلاة وكونها سببه أن مشروعيته لأجل الصلاة من حيث هي صلاة وواضح فرقان ما بين المقامين فبطلت الاستحالة التي ذكرها، والمعادة لتيمم، أو انفراد لا يكون سببها إلا مقارنا لاستحالة وجود سبب لها قبل الوقت، وكذا العيد، والضحى بناء على دخول وقتهما بالطلوع ويأتي في التحية حال الخطبة وفيمن شرع في صلاة قبل الخطبة فصعد الخطيب المنبر أنه يلزمه الاقتصار على ركعتين فيحتمل القياس ويحتمل الفرق بأن ذاك أغلظ لاستواء ذات السبب وغيرها، ثم لا هنا والذي يتجه القياس في الأولى بجامع أن كلا لم يؤذن له إلا في ركعتين فالزيادة عليهما كإنشاء صلاة أخرى مطلقا، ثم ولا سبب لها هنا لا في الثانية فإذا نوى أكثر من ركعتين من النفل المطلق، ثم دخل وقت الكراهة ولم يتحر تأخير بعضها إليه لم يلزمه الاقتصار على ركعتين بدخوله؛ لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء.
"وإلا" صلاة "في" بقعة من بقاع "حرم مكة" المسجد وغيره مما حرم صيده "على الصحيح" للحديث الصحيح "
يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا. طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار" ولزيادة فضلها ثم فلا يحرم من استكثارها للمقيم به ولأن الطواف صلاة بالنص واتفقوا على جوازه فالصلاة مثله قال المحاملي، والأولى عدم الفعل خروجا من خلاف من حرمه انتهى لا يقال هو مخالف للسنة الصحيحة كما عرف؛ لأنا نقول ليس قوله وصلى صريحا في إرادة ما يشمل سنة الطواف وغيرها وإن كان ظاهرا فيه نعم في رواية صحيحة "لا تمنعوا أحدا صلى" من غير ذكر الطواف وبها يضعف الخلاف.

فصل فيمن تلزمه الصلاة أداء وقضاء وتوابعهما
"إنما تجب الصلاة" السابقة وهي الخمس "على كل مسلم" ولو فيما مضى فدخل المرتد "بالغ عاقل" ذكر، أو أنثى، أو خنثى "طاهر" لا كافر أصلي بالنسبة. للمطالبة بها في الدنيا؛ لأن الذمي لا يطالب بشيء وغيره يطالب بالإسلام أو بذل الجزية، بل للعقاب عليها كسائر الفروع أي المجمع عليها كما هو ظاهر في الآخرة لتمكنه منها بالإسلام ولنص {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر:43] {الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت:7] ولا صبي ومجنون ومغمى

 

ج /1 ص -160-      عليه وسكران بلا تعد لعدم تكليفهم ووجوبها على متعد بنحو جنونه عند من عبر به وجوب انعقاد سبب لوجوب القضاء عليه ولا حائض ونفساء وإن استعجلتا ذلك بدواء؛ لأنهما مكلفتان بتركها قيل إن حمل عدم الوجوب على أضداد من ذكره على عدم الإثم بالترك وعدم الطلب في الدنيا ورد الكافر، أو على الأول ورد أيضا، أو على الثاني ورد غيره ممن ذكر انتهى وليس بسديد؛ لأن الوجوب حيث أطلق إنما ينصرف لمدلوله الشرعي وهو هنا كذلك ثبوتا وانتفاء غاية ما فيه أن في الكافر تفصيلا، والقاعدة أن المفهوم إذا كان فيه تفصيل لا يرد. فبطل إيراده على أن قوله ورد غيره سهو وصوابه ورد الصبي "ولا قضاء على الكافر" إذا أسلم ترغيبا له في الإسلام ولقوله تعالى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال:38]، "إلا المرتد" بالجر كذا اقتصر عليه غير واحد ولعله لاقتصار ضبط المصنف عليه، أو لكونه الأفصح فيلزمه قضاء ما فاته زمن الردة حتى زمن جنونه، أو إغمائه، أو سكره فيها ولو بلا تعد تغليظا عليه بخلاف زمن حيضها ونفاسها ووقع في المجموع ما يخالفه وهو سبق قلم؛ لأن إسقاطها عنها عزيمة فلم تؤثر فيها الردة. وعنه رخصة فأثرت فيها إذ ليس المرتد من أهلها ونظر فيه الإمام بأنه لم يعص بالجنون فمقارنة الردة له كمقارنة المعصية في السفر له وجوابه ما تقرر أن الردة الموجبة للقضاء مقارنة للجنون فلم يؤثر فيها تغليظا عليه بخلاف السفر فإنه لم يقترن به مانع للقصر أصلا فإن قلت لم وجب القضاء مع الجنون المقارن لها تغليظا ومنع الجنون صحة إقراره فلم ينظر للتغليظ عليه لأجلها وأوجب السكر الأول ولم يمنع الثاني تغليظا فيهما مع أنها أفحش منه قلت؛ لأنها ليس فيها جناية إلا على حقوق الله تعالى فاقتضت التغليظ فيها فحسب وهو فيه جناية على الحقين فاقتضى التغليظ عليه فيهما فتأمله. "ولا" قضاء على "الصبي" الذكر، والأنثى لما فاته زمن صباه بعد بلوغه لعدم تكليفه "ويؤمر" مع التهديد فلا يكفي مجرد الأمر. أي يجب على كل من أبويه وإن علا ويظهر أن الوجوب عليهما على الكفاية فيسقط بفعل أحدهما لحصول المقصود به، ثم الوصي، أو القيم، وكذا نحو ملتقط ومالك قن ومستعير ووديع وأقرب الأولياء فالإمام فصلحاء المسلمين. فيمن لا أصل له تعليمه ما يضطر إلى معرفته من الأمور الضرورية التي يكفر جاحدها ويشترك فيها العام، والخاص ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بمكة ودفن بالمدينة كذا اقتصروا عليهما وكان وجهه أن إنكار أحدهما كفر لكن لا ينحصر الأمر فيهما وحينئذ فلا بد أن يذكر له من أوصافه صلى الله عليه وسلم الظاهرة المتواترة ما يميزه ولو بوجه، ثم ذينك، وأما مجرد الحكم بهما قبل تمييزه بوجه فغير مفيد فيجب بيان النبوة، والرسالة وأن محمدا الذي هو من قريش واسم أبيه كذا وأمه كذا وبعث بكذا ودفن بكذا نبي الله ورسوله إلى الخلق كافة ويتعين أيضا ذكر لونه لتصريحهم بأن زعم كونه أسود كفر، والمراد لئلا يزعم أنه أسود فيكفر ما لم يعذر لا أن الشرط في صحة الإسلام خطور كونه أبيض، وكذا يقال في جميع ما إنكاره كفر فتأمله، ثم أمره "بها" أي الصلاة ولو قضاء وبجميع شروطها وبسائر الشرائع الظاهرة ولو سنة كسواك ويلزمه أيضا نهيه عن المحرمات "لسبع" أي عقب تمامها إن ميز وإلا فعند التمييز بأن يأكل ويشرب ويستنجي

 

ج /1 ص -161-      وحده ويوافقه خبر أبي داود أنه صلى الله عليه وسلم سئل متى يؤمر الصبي بالصلاة فقال إذا عرف يمينه من شماله أي ما يضره مما ينفعه وإنما لم يجب أمر مميز قبل السبع لندرته "ويضرب" ضربا غير مبرح وجوبا ممن ذكر "عليها" أي على تركها ولو قضاء، أو ترك شرط من شروطها، أو شيء من الشرائع الظاهرة. ولو لم يفد إلا المبرح تركهما وفاقا لابن عبد السلام وخلافا لقول البلقيني يفعل غير المبرح كالحد، والفرق ظاهر وسيذكر الصوم في بابه "لعشر" أي عقب تمامها لا قبله على المعتمد للحديث الصحيح "مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها" وفي رواية "مروا أولادكم" وحكمة ذلك التمرين عليها ليعتادها إذا بلغ وأخر الضرب للعشر؛ لأنه عقوبة، والعشر زمن احتمال البلوغ بالاحتلام مع كونه حينئذ يقوى ويحتمله غالبا نعم بحث الأذرعي في قن صغير لا يعرف إسلامه أنه لا يؤمر بها أي وجوبا لاحتمال كفره ولا ينهى عنها لعدم تحقق كفره، والأوجه ندب أمره ليألفها بعد البلوغ واحتمال كفره إنما يمنع الوجوب فقط ولا ينتهي وجوب ذينك على من ذكر إلا ببلوغه رشيدا وأجرة تعليمه ذلك كقرآن وآداب في ماله، ثم على أبيه وإن علا، ثم أمه وإن علت ومعنى وجوبها في ماله كزكاته ونفقة ممونه وبدل متلفه ثبوتها. في ذمته ووجوب إخراجها من ماله على وليه فإن بقيت إلى كماله وإن تلف المال لزم إخراجها وبهذا يجمع بين كلامهم المتناقض في ذلك.
تنبيه: ذكر السمعاني في زوجة صغيرة ذات أبوين أن وجوب ما مر عليهما فالزوج وقضيته وجوب ضربها وبه ولو في الكبيرة صرح جمال الإسلام بن البزري بتقديم الزاي نسبة لبزر الكتان وهو ظاهر؛ لأنه أمر بمعروف لكن إن لم يخش نشوزا أو أمارته وهذا أولى من إطلاق الزركشي الندب وقول غيره في الوجوب نظر، والجواز محتمل وأول ما يلزم المكلف الجاهل بالله تعالى معرفته تعالى عند الأكثرين وعند غيرهم النظر المؤدي إليها ووجوبها قطعي وشرعي لا عقلي على الأصح ويلزم من كونه شرعيا توقفه على معرفة النبي صلى الله عليه وسلم وبهذا يتضح ما صرح به السمعاني من أنها أول الواجبات مطلقا لا يقال هذا أيضا يتوقف على ذاك فجاء الدور؛ لأنا نقول. هذا توقف بوجه وذاك توقف بالكمال فلا دور وإن قلنا الواجب المعرفة بوجه ما؛ لأن الحيثية بذلك الوجه مختلفة بالاعتبار ومر أول الكتاب إشارة لذلك.
"ولا" قضاء "على" شخص "ذي حيض"، أو نفاس ولو في ردة كما مر إذا طهر، بل يحرم عليه كما مر أول الحيض "أو" ذي "جنون أو إغماء"، أو سكر بلا تعد إذا أفاق إلا في زمن الردة كما مر "بخلاف" ذي "السكر"، أو الجنون، أو الإغماء المتعدي به إذا أفاق منه فإنه يلزمه القضاء وإن ظن متناول المسكر أنه لقلته لا يسكره لتعديه، وكذا يجب القضاء على من أغمي عليه أو سكر بتعد، ثم جن، أو أغمي عليه أو سكر بلا تعد مدة ما تعدى به وإن عرف وإلا فما ينتهي إليه السكر غالبا، والإغماء بمعرفة الأطباء لا ما بعده بخلاف مدة جنون المرتد كما مر؛ لأن من جن في ردته مرتد في جنونه حكما ومن جن مثلا في سكره ليس بسكران في دوام جنونه قطعا وظاهر ما تقرر أن الإغماء يقبل طرو إغماء آخر

 

ج /1 ص -162-      عليه دون الجنون وأنه يمكن تمييز انتهاء الأول بعد طرو الثاني عليه وفي تصور ذلك بعد إلا أن يقال إن الإغماء مرض وللأطباء دخل في تمايز أنواعه ومددها بخلاف الجنون. وقد يعكر عليه ما أفهمه كلامهم أيضا من دخول سكر على سكر إلا أن يقال إن السكر يتميز خارجا بالشدة، والضعف فالتمييز بين أنواعه ممكن ويندب القضاء لنحو مجنون لا يلزمه، ثم وقت الضرورة السابق أنه يجري في سائر الصلوات هو وقت زوال مانع الوجوب، "و" حكمه أنه "لو زالت هذه الأسباب" الكفر الأصلي، والصبا ونحو الحيض، والجنون "و" قد "بقي من" آخر "الوقت تكبيرة" أي قدرها "وجبت الصلاة" أي صلاة الوقت إن بقي سليما زمن يسع أخف ممكن منها كركعتين للمسافر القاصر ومن شروطها قول المحشي قوله "لأنه يمكنه فعلها وقوله ما يعلم منه وقوله أما الصبي فواضح" ليس في نسخ الشارح التي بأيدينا. على الأوجه خلافا لمن نازع في بعضها ومن مؤداة لزمته تغليبا للإيجاب كما لو اقتدى مسافر بمتم لحظة من صلاته يلزمه الإتمام وكان قياسه الوجوب بدون تكبيرة لكن لما لم يظهر ذلك غالبا هنا أسقطوا اعتباره لعسر تصوره إذ المدار على إدراك قدر جزء محسوس من الوقت وبه يفرق بين اعتبار التكبيرة هنا دون المقيس عليه؛ لأن المدار فيه على مجرد الربط وسيعلم مما يأتي أن محل عدم الوجوب بإدراك دون تكبيرة إذا لم تجمع مع ما بعده وإلا لزمت معها إن خلا من الموانع قدرهما.
"وفي قول يشترط ركعة" بأخف ما يمكن لخبر من أدرك ركعة السابق وجوابه أن الحديث محتمل، والقياس المذكور واضح فتعين الأخذ به وإنما لم تدرك الجمعة بدون ركعة؛ لأنه إدراك إسقاط وهذا إدراك إيجاب فاحتيط فيهما "والأظهر" على الأول "وجوب الظهر" مع العصر "بإدراك تكبيرة آخر" وقت "العصر و" وجوب "المغرب" مع العشاء بإدراك تكبيرة "آخر" وقت "العشاء" لاتحاد الوقتين في العذر ففي الضرورة أولى ويشترط بقاء سلامته هنا أيضا بقدر ما مر وما لزمه فلو بلغ، ثم جن مثلا قبل ما يسع ذلك فلا لزوم وإن زال الجنون فورا على ما اقتضاه إطلاقهم نعم إن أدرك ركعة آخر العصر مثلا فعاد المانع بعد ما يسع المغرب وجبت فقط لتقدمها بكونها صاحبة الوقت وما فضل لا يكفي للعصر هذا إن لم يشرع فيها قبل الغروب وإلا تعينت لعدم تمكنه من المغرب ونوزع فيه بما لا يجدي ولو أدرك من وقت العصر قدر ركعتين ومن وقت المغرب قدر ركعتين مثلا وجبت العصر فقط كما لو وسع مع المغرب قدر أربع ركعات للمقيم أو ركعتين للمسافر. فتتعين العصر؛ لأنها المتبوعة لا الظهر؛ لأنها تابعة ويأتي نظير ذلك في إدراك تكبيرة آخر وقت العشاء، ثم خلا من الموانع قدر تسع ركعات للمقيم أو سبع للمسافر فتجب الصلوات الثلاث أو سبع، أو ست لزم المقيم الصبح، والعشاء فقط، أو خمس فأقل لم يلزمه سوى الصبح ولو أدرك ثلاثا من وقت العشاء لم هي. وكذا تجب المغرب على الأوجه نظرا لتمحض تبعيتها للعشاء وخص ما ذكر؛ لأن الصبح، والعصر، والعشاء لا يتصور وجوب واحد منها بإدراك جزء مما بعدها إذ لا جمع وللبلقيني في فتاويه هنا ما ينبغي مراجعته مع التأمل قيل لو حذف آخر لأفاد وجوب الظهر بإدراك غير الآخر أيضا ا هـ

 

ج /1 ص -163-      وليس بصحيح؛ لأن ما قبل الآخر لا يلزم فيه الظهر إلا إن أدرك بعد قدر صاحبة الوقت قدرها كما يأتي فتعين في كلامه التقييد بالآخر وإن استويا في أنه لا بد من إدراك ما يسع في الكل لافتراقهما في أن إدراك ما يسع في غير الآخر يكون من الوقت وفيه يكون من غير الوقت.
"ولو بلغ فيها" أي الصلاة بالسن ولا يتصور بالاحتلام لتوقفه على خروج المني وإن تحقق وصوله لقصبة الذكر "أتمها" وجوبا "وأجزأته على الصحيح" لأنه أداها صحيحة بشرطها فلم يؤثر تغير حاله بالكمال فيها كقن عتق أثناء الجمعة وكون أولها نفلا لا يمنع وقوع باقيها واجبا كحج التطوع. وكما لو نذر إتمام ما هو فيه من صوم تطوع نعم تسن الإعادة هنا وفيما يأتي خروجا من الخلاف "أو" بلغ "بعدها" في الوقت حتى العصر مثلا في جمع التقديم بسن، أو غيره "فلا إعادة" واجبة "على الصحيح" لما ذكر وفارق ما لو حج ثم بلغ بأنه غير مأمور بالنسك فضلا عن ضربه على تركه وبأنه لما وجب مرة في العمر امتاز بتعين وقوعه حال الكمال بخلافها فيهما ومحل هذا وما قبله إن قلنا إن نية الفرضية لا تلزمه، أو نواها أما إذا قلنا بلزومها ولم ينوها فهو لم يصل شيئا هنا وليس في صلاة ثم فتلزمه ولو زال عذر جمعة بعد عقد الظهر لم يؤثر إلا إذا اتضح الخنثى بالذكورة وأمكنته الجمعة لتبين كونه من أهلها وقت عقدها
"ولو" طرأ مانع كأن "حاضت" أو نفست "أو جن"، أو أغمي عليه "أول الوقت" واستغرقه "وجبت تلك" الصلاة "إن" كان قد "أدرك" من الوقت قبل طرو مانعه فالأول في كلامه نسبي بدليل ما عقبه به فلا اعتراض عليه "قدر الفرض" الذي يلزمه بأخف ممكن مع إدراك زمن طهر يمتنع تقديمه كتيمم وطهر سلس. بخلاف غيره؛ لأنه كان يمكنه تقديمه وقد عهد التكليف بالمقدمة قبل دخول الوقت كالسعي إلى الجمعة قبل وقتها على بعيد الدار وبه يعلم أنه لا فرق هنا بين الصبي، والكافر وغيرهما، وادعاء أن الصبي غير مكلف به وأن التخفيف على الكافر اقتضى اعتبار قدر الطهر في حقه بعد الوقت مطلقا يرده في الأول أنهم لو نظروا للتكليف لم يعتبروا الإمكان قبل الوقت مطلقا، وفي الثاني أنه مكلف كالمسلم فكما اعتبروا الإمكان في المسلم فكذا فيه، والتخفيف عليه إنما يكون في أمر انقضى بجميع آثاره قبل الإسلام وما هنا ليس كذلك فتأمله ويجب معها ما قبلها إن جمعت معها وأدرك قدرها أيضا دون ما بعدها مطلقا؛ لأن وقت الأولى لا يصلح للثانية إلا في الجمع ووقت الثانية يصلح للأولى مطلقا وكالأول ما لو طرأ المانع أثناءه كما علم مما تقرر وأما إذا زال أثناءه فالحكم كذلك لكن لا يتأتى استثناء طهر لا يمكن تقديمه في غير الصبي، والكافر "وإلا" يدرك ذلك "فلا" يجب لانتفاء التمكن واشترطوا هنا قدر الفرض وفي الآخر قدر التحرم؛ لأن ما هناك إزالة فيمكنه البناء بعد الوقت ولا كذلك هنا فاشترط تمكنه.
تنبيه: صرح في أصل الروضة، والمجموع في الصبي يبلغ آخر وقت العصر مثلا بتكبيرة أنه لا بد في لزوم العصر له من أن يدرك من زمن المغرب قدرها وقدر الطهارة وفي أصل الروضة فيما إذا بلغ أول وقت الظهر مثلا أنه لا بد من إدراك قدرها أول الوقت

 

ج /1 ص -164-      دون الطهارة؛ لأنه كان يمكنه تقديمها على الوقت وهذا مشكل جدا؛ لأنهم في إدراك الآخر لم يعتبروا قدرته على الطهارة قبل البلوغ مع كونها في الوقت وفي إدراك الأول اعتبروا قدرته عليها قبل الوقت وكان العكس أولى بل متحتما؛ لأنه قبل الوقت لم يتوجه إليه خطاب من وليه بطهارة ومع ذلك اعتبرت قدرته على تقديم الطهارة حتى لو جن بعد أن أدرك من أول الوقت قدر الفرض فقط لزمه قضاؤه وفي الوقت توجه إليه خطاب الولي بها ومع ذلك لم تعتبر قدرته عليها في الوقت قبل البلوغ، بل اشترطوا خلوه من الموانع وقت المغرب بقدرها كالفرض حتى لو جن قبل ذلك لم يلزمه قضاء العصر وحينئذ فقد يؤخذ من هذا ترجيح ما أشارت إليه الروضة اعتراضا على أصلها أنه ينبغي استواء الآخر، والأول في عدم اعتبار القدرة على التقديم؛ لأنه لم يجب، وإلى هذا مال جماعة لكن أكثر المتأخرين على اعتماد ما في أصل الروضة من التفرقة المذكورة وعليه فيمكن التمحل لما لمحوه في الفرق بأمرين: أحدهما أنه في الآخر لما لم يدرك قدر العصر المتبوع للطهارة في الوقت وإنما قدر عليه بعده لزم اعتباره بعده أيضا إعطاء للتابع حكم متبوعه وحذرا من تميز التابع باعتباره في الوقت مع كون متبوعه لم يعتبر إلا بعده وفي الأول لما أدرك قدر الفرض الذي هو المتبوع أول الوقت استغنى به عن تقدير إمكان تابعه الممكن التقديم أول الوقت أيضا فالحاصل أن المتبوع في إدراك الآخر استتبع تابعه في كونه يقدر بعد الوقت مثلا لئلا يتميز التابع وفي إدراك الأول اكتفى بوقوع المتبوع كله في الوقت عن وقوع تابعه فيه احتياطا للفرض بلزومه بما ذكر. ثانيهما: أنه في إدراك الآخر تعارض عليه أمران بقياس ما قرروه: العصر وهي تقتضي اعتبار الطهارة من وقت المغرب، والمغرب وهي تقتضي اعتبار طهارتها من وقت العصر لما تقرر في إدراك أول الوقت فعملوا هنا بذلك فيهما فاعتبروا طهارة العصر بعد وقتها وطهارة المغرب قبل وقتها ولم يعتبروا تمكنه من الطهارتين في وقت العصر؛ لأن فيه إجحافا عليه بإلزامه بالفرضين الأداء، والقضاء وإن زالت السلامة قبل تمكنه من الطهارتين فخرجوا عن ذلك الإجحاف ولم يلزموه بالعصر إلا إن أدرك قدر طهرها من وقت المغرب واقتضى الاحتياط لصاحبة الوقت وهي المغرب الاكتفاء بقدرته على تقديم طهارتها قبل وقتها، وأما الإدراك أولا فلم يتعارض فيه شيئان بالنظر لصاحبة الوقت فاحتيط لها بإلزامه بها بمجرد تمكنه من طهرها قبل الوقت.

فصل في الأذان، والإقامة.
الأصل فيهما الإجماع المسبوق برؤية عبد الله بن زيد المشهورة. ليلة تشاورا فيما يجمع الناس ورآه عمر فيها أيضا قيل وبضعة عشر صحابيا وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم سمى تلك الرؤية وحيا وصح قوله إنها رؤيا حق إن شاء الله وفي حديث عند البزار فيه مقال أنه صلى الله عليه وسلم أريه ليلة الإسراء، ثم أخر للمدينة حتى وجدت تلك المرائي وكان حكمة ترتبه دون سائر الأحكام عليها أنه تميز مع اختصاره بأنه جامع لسائر أصول الشريعة وكمالاتها فاحتاج لما يؤذن بهذا التميز ولا شك أن تقدم تلك الرؤيا مع شهادته صلى الله عليه وسلم بأنها حق ومقارنة الوحي لها

 

ج /1 ص -165-      أو سبقه عليها لرواية أبي داود وغيره أنه قال لعمر لما أخبره برؤيته سبقك بها الوحي رفع لشأنه وتعظيم لقدره.
"الأذان" بالمعجمة وهو لغة الإعلام وشرعا ذكر مخصوص شرع أصله للإعلام بالصلاة المكتوبة "والإقامة" وهي لغة مصدر أقام وشرعا الذكر الآتي؛ لأنه يقيم إلى الصلاة كل منهما مشروع إجماعا، ثم الأصح أن كلا منهما "سنة" على الكفاية كابتداء السلام إذ لم يثبت ما يصرح بوجوبهما "وقيل" إنهما "فرض كفاية" لكل من الخمس للخبر المتفق عليه
"إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم" ولأنها من الشعائر الظاهرة كالجماعة وهو قوي ومن ثم اختاره جمع فيقاتل أهل بلد تركوهما، أو أحدهما بحيث لم يظهر الشعار ففي بلد صغيرة يكفي بمحل وكبيرة لا بد من محال نظير ما يأتي في الجماعة والضابط أن يكون بحيث يسمعه كل أهلها لو أصغوا إليه وعلى الأول. لا قتال لكن لا بد في حصول السنة بالنسبة لكل أهل البلد من ظهور الشعار كما ذكر فعلم أنه لا ينافيه ما يأتي أن أذان الجماعة يكفي سماع واحد له؛ لأنه بالنظر لأداء أصل سنة الأذان وهذا بالنظر لأدائه عن جميع أهل البلد ومن ثم لو أذن واحد في طرف كبيرة حصلت السنة لأهله دون غيرهم وبهذا يعلم أنه لا فرق فيما ذكر بين أذان الجمعة وغيرها وإن كانت لا تقام إلا بمحل واحد من البلد؛ لأن القصد من الأذان غيره من إقامتها كما هو واضح من قولنا فعلم أنه لا ينافيه ما يأتي إلى آخره، "وإنما يشرعان للمكتوبة" دون المنذورة وصلاة الجنازة، والنفل وإن شرعت له الجماعة فلا يندبان، بل يكرهان لعدم ورودهما فيها نعم قد يسن الأذان لغير الصلاة كما في آذان المولود، والمهموم، والمصروع، والغضبان ومن ساء خلقه من إنسان، أو بهيمة وعند مزدحم الجيش وعند الحريق قيل وعند إنزال الميت لقبره قياسا على أول خروجه للدنيا لكن رددته في شرح العباب وعند تغول الغيلان أي تمرد الجن لخبر صحيح فيه، وهو، والإقامة خلف المسافر. "ويقال في العيد ونحوه". من كل نفل شرعت فيه الجماعة وصلي جماعة ككسوف واستسقاء وتراويح لا جنازة؛ لأن المشيعين حاضرون غالبا "الصلاة" بنصبه إغراء ورفعه مبتدأ. أو خبرا "جامعة" بنصبه حالا ورفعه خبرا للمذكور، أو المحذوف أو مبتدأ حذف خبره لتخصيصه بما قبله وذلك لثبوته في الصحيحين في كسوف الشمس وقيس به ما في معناه مما ذكر، أو الصلاة الصلاة، أو هلموا إلى الصلاة، أو الصلاة رحمكم الله، والأول أفضل، "والجديد ندبه" أي الأذان "للمنفرد" بعمران، أو صحراء وإن بلغه أذان غيره على المعتمد للخبر الآتي، "ويرفع" المؤذن ولو منفردا "صوته" بالأذان ما استطاع ندبا للخبر الصحيح "إذا كنت في غنمك، أو باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة" "إلا بمسجد"، أو غيره "وقعت فيه جماعة". أو صلوا فرادى وانصرفوا فلا يندب فيه الرفع، بل يندب عدمه لئلا يوهمهم دخول وقت صلاة أخرى، أو يشككهم في وقت الأولى لا سيما في الغيم فيحضرون مرة ثانية وفيه مشقة شديدة وبه اندفع ما قيل لا حاجة لاشتراط

 

ج /1 ص -166-      وقوع الجماعة للإيهام على أهل البلد أيضا وذلك؛ لأن إيهامهم أخف مشقة إذ يفرض توهمهم لا يحصل منهم الحضور إلا مرة.
تنبيه: إنما يتجه التقييد بالانصراف فيما إذا اتحد محل الجماعة بخلاف ما إذا تعدد؛ لأن الرفع في أحدها يضر المنصرفين من البقية بعود كل لما صلى به، أو لغيره فيتجه حينئذ ندب عدم الرفع وإن لم ينصرفوا وقضية المتن ندب الأذان مع الرفع للجماعة الثاني وإن كرهت ونوزع فيه بأنه ينبغي كراهته؛ لأنه وسيلة ويرد بأن كراهتها لأمر خارج لا يقتضي كراهة وسيلتها كما هو ظاهر.
"ويقيم للفائتة" قطعا "ولا يؤذن" لها "في الجديد" لزوال الوقت ولما صح أنه صلى الله عليه وسلم فاتته. صلاة يوم الخندق فقضاها ولم يؤذن لها "قلت القديم" أنه يؤذن لها فعلت جماعة، أو فرادى خلافا لما يوهمه كلام الشارح ولا ينافيه القديم السابق للاختلاف عنه، بل قيل إن ذاك جديد لا قديم وهو "أظهر والله أعلم" للخبر الصحيح
"أنه صلى الله عليه وسلم لما فاتته الصبح بالوادي سار قليلا، ثم نزل وأذن بلال فصلى ركعتين، ثم الصبح" وذلك بعد الخندق فالأذان على الأول حق للوقت وعلى الثاني حق للفرض وفي الإملاء حق للجماعة، "فإن كان" عليه "فوائت" وأراد قضاءها متوالية "لم يؤذن لغير الأولى" أو متفرقة فإن طال فصل بين كل عرفا أذن لكل ولو جمع تأخيرا أذن للأولى فقط سواء كانت صاحبة الوقت، أم غيرها، وكذا تقديما ما لم يدخل وقت الثانية قبل فعلها فيؤذن لها لزوال التبعية ولو والى بين فائتة ومؤداة أذن لأولاهما إلا أن يقدم الفائتة، ثم بعد الأذان لها. يدخل وقت المؤداة فيؤذن لها أيضا.
"وتندب لجماعة النساء"، والخناثى ولكل على انفراده أيضا "الإقامة" على المشهور؛ لأنها لاستنهاض الحاضرين فلا رفع فيها يخشى منه محذور مما يأتي "لا الأذان على المشهور" لما فيه من الرفع الذي قد يخشى من افتتان، والتشبه بالرجال ومن ثم حرم عليها رفع صوتها به وإن كان ثم أجنبي يسمع وإنما لم يحرم غناؤها وسماعه للأجنبي حيث لا فتنة؛ لأن تمكينها منه ليس فيه حمل الناس على مؤد لفتنة بخلاف تمكينها من الأذان؛ لأنه يسن الإصغاء للمؤذن، والنظر إليه وكل منهما إليها مفتن ولأنه لا تشبه فيه إذ هو من وضع النساء بخلاف الأذان فإنه مختص بالذكور فحرم عليها التشبه بهم فيه وقضية هذا عدم التقييد بسماع أجنبي إلا أن يقال لا يحصل التشبه إلا حينئذ ويؤيده ما يأتي في أذانها للنساء الظاهر في أنه لا فرق في عدم كراهته بين قصدها للأذان وعدمه فإن قلت ينافيه ما يأتي من حرمته قبل الوقت بقصده بجامع عدم مشروعية كل قلت يفرق بأن ذاك فيه منابذة صريحة للشرع بخلاف هذا إذ الذي اقتضاه الدليل فيه عدم ندبه لا غير ولا رفع صوتها بالتلبية؛ لأن كل أحد مشغول بتلبية نفسه مع أنه لا يسن الإصغاء لها ولا نظر الملبي. ولو أذنت للنساء بقدر ما يسمعن لم يكره وكان ذكر الله تعالى، وكذا الخنثى
"والأذان مثنى" معدول عن اثنين اثنين أي معظمه إذ التكبير أوله أربع، والتشهد آخره واحد "والإقامة فرادى إلا لفظ الإقامة" للحديث المتفق عليه أمر بلال أي أمره صلى الله عليه وسلم كما في رواية النسائي أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة إلا الإقامة أي؛ لأنها المصرحة بالمقصود وإلا لفظ التكبير فإنه يثنى أولها وآخرها واعتذر عنه

 

ج /1 ص -167-      بأنه على نصف لفظه في الأذان فكأنه فرد قال ولهذا شرع جمع كل تكبيرتين في الأذان بنفس واحد أي مع وقفة لطيفة على الأولى للاتباع فإن لم يقف فالأولى الضم وقيل الفتح بخلاف بقية ألفاظه فإنه يأتي بكل كلمة في نفس وفي الإقامة يجمع كل كلمتين بصوت.
"ويسن إدراجها" أي إسراعها. "وترتيله" أي الثاني فيه للأمر بهما ولأنه للغائبين فالترتيل فيه أبلغ وهي للحاضرين فالإدراج فيها أشبه ومن ثم سن أن تكون أخفض صوتا منه "والترجيع فيه" لثبوته في خبر مسلم وهو ذكر الشهادتين مرتين سرا بحيث يسمعه من بقربه عرفا قبل الجهر بهما ليتدبرهما ويخلص فيهما إذ هما المقصودتان المنجيتان وليتذكر خفاءهما أول الإسلام، ثم ظهورهما الذي أنعم الله به على الأمة إنعاما لا غاية وراءه سمي بذلك؛ لأنه رجع للرفع بعد تركه، أو للشهادتين بعد ذكرهما فيصح تسمية كل به لكن الأشهر الذي في أكثر كتب المصنف أنه للأول، "والتثويب" بالمثلثة "في" كل من أذاني مؤداة وأذان فائتة "الصبح" وهو "الصلاة خير من النوم" مرتين بعد الحيعلتين للحديث الصحيح فيه
"من تاب إذا رجع"؛ لأنه بمعنى ما قبله فكان به راجعا إلى الدعاء بالصلاة ويكره في غير الصبح كحي على خير العمل مطلقا فإن جعله بدل الحيعلتين لم يصح أذانه وفي خبر الطبراني برواية من ضعفه ابن معين أن بلالا كان يؤذن للصبح فيقول حي على خير العمل فأمره صلى الله عليه وسلم أن يجعل مكانها الصلاة خير من النوم ويترك حي على خير العمل وبه يعلم أنه لا متشبث فيه لمن يجعلونها بدل الحيعلتين، بل هو صريح في الرد عليهم، "وأن يؤذن" ويقيم "قائما" وعلى عال احتيج إليه و "للقلبة"؛ لأنه المأثور سلفا وخلفا ولخبر الصحيحين "يا بلال قم فناد"، بل يكره أذان غير مستقبل وكأنهم إنما لم يأخذوا بما في خبر الطبراني وأبي الشيخ أن بلالا كان يترك الاستقبال في بعضه غير الحيعلتين لمخالفته للمأثور المذكور الذي هو في حكم الإجماع المؤيد بالخبر المرسل استقبل وأذن على أن الخبر ضعيف؛ لأن في سنده من ضعفه ابن معين ومعارض برواية راويه المذكور أيضا أن بلالا كان ينحرف عن القبلة عن يمينه في مرتي حي على الصلاة وعن يساره في مرتي حي على الفلاح ويستقبل القبلة في كل ألفاظ الأذان الباقية وحينئذ كان الأخذ بهذا الموافق لما مر، والموجب لحجية المرسل، والمثبت للاستقبال فيما عدا الحيعلتين وهو مقدم على النافي أولى وغير قائم قدر. نعم لا بأس بأذان مسافر راكبا، أو ماشيا وإن بعد محل انتهائه عن محل ابتدائه بحيث لا يسمع من في أحدهما الآخر، والالتفات بعنقه لا بصدره يمينا مرة في مرتي حي على الصلاة، ثم يسارا مرة في مرتي حي على الفلاح وخصا بذلك؛ لأنهما خطاب آدمي كسلام الصلاة ومن ثم ينبغي أن يكون الالتفات هنا بخده لا بخديه نظير ما يأتي ثم وكره في الخطبة؛ لأنها وعظ للحاضرين فالالتفات إعراض عنهم مخل بأدب الوعظ من كل وجه وإنما ندب في الإقامة؛ لأن القصد منها مجرد الإعلام لا غير فهي من جنس الأذان فألحقت به واختلف في التثويب فقال ابن عجيل لا وغيره نعم؛ لأنه في المعنى دعاء كالحيعلتين ويسن جعل سبابتيه في صماخي أذنيه فيه دونها والفرق أنه أجمع للصوت المطلوب رفعه فيه أكثر وأنه يستدل به الأصم، والبعيد وقضيتهما أنه لا يسن لمن يؤذن لنفسه. بخفض الصوت وبهما

 

ج /1 ص -168-      علم سر إلحاقهم لها به في الالتفات لا هنا، "ويشترط" في كل منه ومن الإقامة إسماع النفس لمن يؤذن وحده وإلا فإسماع واحد وعدم بناء غيره على ما أتى به؛ لأنه يوقع في اللبس وكالحج و "ترتيبه وموالاته" للاتباع ولأن تركهما يوهم اللعب ويخل بالإعلام ولا يضر يسير كلام وسكوت ونوم وإغماء وجنون وردة وإن كره "وفي قوله لا يضر كلام وسكوت طويلان" كسائر الأذكار، والكلام في طويل لم يفحش وإلا ضر جزما. "وشرط المؤذن"، والمقيم "الإسلام، والتمييز" فلا يصحان من كافر وغير مميز كسكران لعدم تأهلهم للعبادة ويحكم بإسلام غير العيسوي. بنطقه بالشهادتين فيعيده لوقوع أوله في الكفر ويشترط لصحة نصب نحو الإمام له تكليفه وأمانته ومعرفته بالوقت، أو مرصد لإعلامه به؛ لأن ذلك ولاية فاشترط كونه من أهلها "و" شرط المؤذن "الذكورة". فلا يصح أذان امرأة وخنثى لرجال وخناثى ولو محارم كإمامتها لهم وأذانهما للنساء جائز كما مر. "ويكره" كل منهما "للمحدث" غير المتيمم لخبر الترمذي "لا يؤذن إلا متوضئ" نعم إن أحدث أثناءه سن له إتمامه "و" كراهته "للجنب" غير المتيمم "أشد"؛ لأن حدثه أغلظ "والإقامة" مع أحد الحدثين "أغلظ" منه مع ذلك الحدث لتسببه لوقوع الناس فيه بانصرافه للطهارة. وبحث الإسنوي مساواة أذان الجنب لإقامة المحدث "ويسن" للأذان "صيت" أي عالي الصوت لزيادة الإعلام وللخبر الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال لرائي الأذان في النوم: "ألقه على بلال فإنه أندى صوتا منك" أي أبعد مدى صوت وقيل أحسن ويسن "حسن الصوت" وإن كان يلقنه لعدم إحسانه؛ لأنه أبعث على الإجابة و "عدل" ليقبل خبره بالوقت وليؤمن نظره إلى العورات وحر وعالم بالمواقيت من ذرية مؤذنيه صلى الله عليه وسلم فذرية مؤذني أصحابه فذرية صحابي ويظهر تقديم ذريته صلى الله عليه وسلم على ذرية مؤذني الصحابة وعلى ذرية صحابي ليس منهم ويكره أذان فاسق وصبي وأعمى؛ لأنهم مظنة الخطأ، والتمطيط، والتغني فيه ما لم يتغير به المعنى وإلا حرم، بل كثير منه كفر فليتنبه لذلك ولا يجوز ولا يصح نصب راتب مميز، أو فاسق مطلقا، وكذا أعمى إلا إن ضم إليه من يعرفه الوقت. "والإمامة أفضل منه في الأصح" لمواظبته صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين عليها ولأن الصحابة احتجوا بتقديم الصديق للإمامة على أحقيته بالخلافة ولم يقولوا بذلك في بلال وغيره "قلت الأصح أنه" مع الإقامة لا وحده كما اعتمده خلافا لمن نازع فيه "أفضل والله أعلم" لقوله تعالى. {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} [فصلت:33] قالت عائشة هم المؤذنون ولا ينافيه قول ابن عباس هو النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه الأحسن مطلقا وهم الأحسن بعده ولا كون الآية مكية؛ لأنه لا مانع من أن المكي يشير إلى فضل ما سيشرع بعد ولما صح أنه صلى الله عليه وسلم دعا له بالمغفرة وللإمام بالإرشاد، والمغفرة أعلى ومن ثم قال الماوردي دعا للإمام بالإرشاد خوف زيفه وللمؤذن بالمغفرة لعلمه بسلامة حاله وأنه جعله أمينا، والإمام ضامنا، والأمين خير من الضامن وأنه قال: "المؤذن يغفر له مدى صوته ويشهد له كل رطب ويابس" وأخذ ابن حبان من خبر "من دل على خير فله مثل أجر فاعله" أن المؤذن يكون له مثل أجر من صلى بأذانه وإنما لم يواظب صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه عليه لاحتياج مراعاة الأوقات فيه إلى فراغ وكانوا مشغولين بأمور

 

ج /1 ص -169-      الأمة ومن ثم قال عمر رضي الله عنه لولا الخليفى أي الخلافة لأذنت واعترض بأن الاشتغال بذلك إنما يمنع الإدامة لا الفعل في بعض الأحيان لا سيما أوقات الفراغ كما اعترض الجواب بأنه لو أذن لقال إني رسول الله وهو لا يجزئ، أو أن محمدا رسول الله ولا جزالة فيه بأنه في غاية الجزالة ككل إقامة ظاهر مقام مضمر لنكتة على أنه صح أنه أذن مرة في السفر راكبا فقال ذلك ونقل عنه في تشهد الصلاة أنه كان يأتي بأحدهما تارة وبالآخر أخرى على ما يأتي ثم فالأحسن الجواب بأن عدم فعله للأذان لا دلالة فيه لأحد القولين لاحتماله وقد تفضل سنة الكفاية على فرضها كابتداء السلام على جوابه وقيل إن علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة فهي أفضل وإلا فهو وقضيته، بل صريحة أن كلا من الوجهين الأولين قائل بأفضلية ما رآه على الإطلاق، "وشرطه" عدم الصارف، وكذا الإقامة فلو قصد تعليم غيره لم يعتد به لا النية على الأصح ومن ثم ينبغي ندبها وفرع على الأصح أنه لو كبر تكبيرتين بقصده، ثم أراد صرفهما للإقامة لم ينصرفا عنه فيبني عليهما وفي التفريع نظر و "الوقت"؛ لأنه إنما يراد للإعلام به فلا يجوز ولا يصح قبله إجماعا كما صرح به بعضهم للإلباس ومنه يؤخذ. أنه حيث أمن لم يحرم؛ لأنه ذكر نعم إن نوى به الآذان اتجهت حرمته؛ لأنه تلبس بعبادة فاسدة ويستمر ما بقي الوقت وقول ابن الرفعة إلى وقت الاختيار لعله للأفضل، والنص على سقوط مشروعيته بفعل الصلاة يحمل على أن ذلك بالنسبة للمصلي "إلا الصبح" للخبر الصحيح فيه وحكمته أن الفجر يدخل وفي الناس الجنب، والنائم فجاز ندب تقديمه ليتهيئوا لإدراك فضيلة أول الوقت ولا تقدم الإقامة على وقتها بحال وهو إرادة الدخول في الصلاة حيث لا جماعة وإلا فأذان لإمام ولو بالإشارة فإن قدمت عليه اعتد بها وقيل لا يشترط أن لا يطول الفصل أي عرفا بينهما كما في المجموع وفيه أيضا يسن بعد الإقامة لكل أحد، والإمام آكد الأمر بتسوية الصفوف بنحو استووا رحمكم الله وأن يلتفت بذلك يمينا، ثم شمالا فإن كبر المسجد أمر الإمام من يأمر بالتسوية فيطوف عليهم، أو ينادي فيهم ويسن لكل من حضر أن يأمر بذلك من رأى منه خللا في تسوية الصف، والأولى خلافا لأبي حنيفة ترك الكلام بعد الإقامة وقبل الإحرام إلا لحاجة ا هـ ملخصا وبه يعلم أن الكلام لحاجة لا يؤثر في طول الفصل وأن الطول إنما يحصل بالسكوت، أو الكلام غير المندوب لا الحاجة وقد قال الأذرعي يظهر أن الجماعة إذا كثرت كثرة مفرطة وامتدت الصفوف إلى الطرقات أن ينتظر فراغ من يسوي صفوفهم أو تستثنى هذه الصورة؛ لأن في وقوف الإمام عن التكبير ومن معه قياما إلى تسويتها بأمر طائف ونحوه تطويلا كثيرا وإضرارا بالجماعة وكلام الأئمة محمول على الغالب ا هـ وفي شرحي للعباب، والذي يتجه ما بحثه أولا وهو ما اقتضاه إطلاقهم انتظار الإمام تسويتها وإن فرض أن في ذلك إبطاء لكن إن لم يفحش بأن لم يمض زمن يقطع نسبة الإقامة عن الصلاة من كل وجه؛ لأن ذلك من مصلحتها فلم يضر الإبطاء لأجله فإن فحش بأن مضى ذلك أعادها وظاهر أن الكلام في غير الجمعة لوجوب الموالاة فيها ويحتاط للواجب ما لا يحتاط لغيره ومن ثم ينبغي أن يضبط الطول المضر فيها بقدر ركعتين بأخف ممكن أخذا من نظيره في جمع تقديم ولا يضبط

 

ج /1 ص -170-      الطول هنا بذلك لما تقرر من الفرق بين الواجب، والمندوب "فمن نصف الليل" كالدفع من مزدلفة ولأن العرب تقول حينئذ انعم صباحا وصحيح الرافعي أنه في الشتاء حين يبقى سبع وفي الصيف حين يبقى نصف سبع لخبر فيه رده المصنف بأن الحديث باطل واختير تحديده بالسحر. وهو السدس الأخير وأذان الجمعة الأول ليس كالصبح في ذلك خلافا لما في الرونق؛ لأنه لا مجال للقياس في ذلك على أنه نوزع في نسبة الرونق للشيخ أبي حامد.
"ويسن مؤذنان للمسجد" وكل محل للجماعة "يؤذن واحد قبل الفجر" من نصف الليل وينبغي أن الأفضل كونه من السحر لما تقرر "وآخر بعده" للاتباع وحكمته تميز من يؤذن قبل ممن يؤذن بعد، والزيادة عليهما لا تسن إلا لحاجة ولا يقال يسن عدمها، والقول بسن عدم الزيادة على أربعة مردود بأن الضابط الحاجة، والمصلحة ثم إن اتسع الوقت ترتبوا ويبدأ الراتب منهم وإلا أقرع للابتداء فإن ضاق تفرقوا إن اتسع المسجد وإلا اجتمعوا ما لم يؤد لاختلاط الأصوات وإلا فواحد فلو لم يوجد إلا واحد أذن المرتين خلافا للغزالي ومن تبعه فإن اقتصر فالأولى بعده فمما في المتن للأفضل ولو أذن الراتب وغيره أقام الراتب أو غيره فقط أقام فإن تعدد فالأول "ويسن لسامعه" كالإقامة بأن يفسر اللفظ وإلا لم يعتد بسماعه. نظير ما يأتي في السورة للمأموم ولو جنبا وحائضا "مثل قوله" بأن يأتي بكل كلمة عقب فراغه منها كذا اقتصروا عليه لكن بحث الإسنوي الاعتداد بابتدائه مع ابتدائه فرغا معا أم لا وتبعه في موضع كجمع لكني خالفته في شرح العباب. فبينت أنه لا تكفي المقارنة كما يدل عليه كلام المجموع، ثم رأيت ابن العماد قال ردا عليه الموافق للمنقول أنها لا تكفي للتعقيب في الخبر وكما لو قارن الإمام في أفعال الصلاة بل أولى؛ لأن ما هنا جواب وهو يستدعي التأخر ومراده من هذا القياس أن المقارنة ثم مكروهة فلتمنع هنا الاعتداد وإن لم تمنعه، ثم؛ لأنها ثم خارجية وهنا ذاتية كما أشار إليه تعليله للأولوية وحاصله أن ما هنا جواب وذاته تقتضي التأخر فمخالفته ذاتية وما هناك أمر بمتابعة لتعظيم الإمام ومخالفته مضادة لذلك فهي خارجية وذلك لخبر الطبراني بسند رجاله ثقات إلا واحدا فمختلف فيه وآخر قال الحافظ الهيتمي لا أعرفه أن المرأة إذا أجابت الأذان، أو الإقامة كان لها بكل حرف ألف ألف درجة وللرجل ضعف ذلك وللخبر المتفق عليه
"إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن" وأخذوا من قوله مثل ما يقول ولم يقل مثل ما تسمعون أنه يجيب في الترجيع وإن لم يسمعه ويؤخذ من ترتيبه القول على النداء الصادق بالكل، والبعض أن قولهم عقب كل كلمة للأفضل فلو سكت حتى فرغ كل الأذان، ثم أجاب قبل فاصل طويل عرفا كفى في أصل سنة الإجابة كما هو ظاهر وبهذا الذي قررته في الخبر يعلم وهم من استدل به لمقالة الإسنوي ويقطع للإجابة نحو القراءة، والدعاء، والذكر وتكره لمن في الصلاة إلا الحيعلة أو التثويب، أو صدقت فإنه يبطلها إن علم وتعمد ولمجامع وقاضي حاجة بل يجيبان بعد الفراغ كمصل إن قرب الفصل واختار السبكي أن الجنب، والحائض لا يجيبان لخبر "كرهت أن أذكر الله إلا على طهر" ولخبر "كان يذكر الله على

 

ج /1 ص -171-      كل أحيانه إلا لجنابة" وهما صحيحان ووافقه ولده التاج في الجنب لإمكان طهره حالا لا الحائض لتعذر طهرها مع طول أمد حدثها ويجيب مؤذنين مترتبين سمعهم ولو بعد صلاته. والأول آكد قال غير واحد إلا أذاني الفجر، والجمعة فإنهما سواء ولو سمع البعض أجاب فيما لا يسمعه "إلا في حيعلتيه" وهما حي على الصلاة وحي على الفلاح "فيقول" عقب كل "لا حول" أي تحول عن المعصية. "ولا قوة" على الطاعة ومنها ما دعوتني إليه "إلا بالله" فجملة ما يأتي به في الأذان أربع وفي الإقامة ثنتان لما في الخبر الصحيح "من قال ذلك مخلصا من قلبه دخل الجنة"، "قلت وإلا في التثويب فيقول صدقت وبررت" بكسر الراء وحكي فتحها "والله أعلم" لأنه مناسب وقول ابن الرفعة لخبر فيه رد بأنه لا أصل له وقيل يقول صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول في كل من كلمتي الإقامة أقامها الله وأدامها ما دامت السموات، والأرض وجعلني من صالحي أهلها لخبر أبي داود به وبحمل الإسنوي أنه في قوله في الليلة الممطرة، أو نحو المظلمة عقب الحيعلتين ألا صلوا في رحالكم يجيبه بلا حول ولا قوة إلا بالله وقوله ذلك سنة تخفيفا عنهم.
"و" يسن "لكل" من المؤذن، والمقيم وسامعهما "أن يصلي" ويسلم "على النبي صلى الله عليه وسلم بعد فراغه" من الأذان، أو الإقامة للأمر بالصلاة عقب الأذان في خبر مسلم وقيس بذلك غيره "ثم" يسن له أن يقول عقبهما "اللهم رب هذه الدعوة التامة" هي الأذان سمي بذلك لكماله وسلامته من تطرق نقص إليه ولاشتماله على جميع شرائع الإسلام وقواعده مقاصدها بالنص وغيرها بالإشارة "والصلاة القائمة" أي التي ستقوم "آت محمدا الوسيلة" هي أعلى درجة في الجنة لا تكون إلا له صلى الله عليه وسلم وحكمة طلبها له مع تحقق وقوعها له بالوعد الصادق إظهار الافتقار، والتواضع مع عود عائدة جليلة للسائل أشار إليها بقوله صلى الله عليه وسلم:
"ثم سلوا الله لي الوسيلة فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له شفاعتي" أي وجبت كما في رواية "يوم القيامة" أي بالوعد الصادق، وأما في الحقيقة فلا يجب لأحد على الله شيء تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا "والفضيلة" عطف تفسير، أو أعم وحذف من أصله وغيره، "والدرجة الرفيعة" وختمه بيا أرحم الراحمين؛ لأنه لا أصل لهما "وابعثه مقاما محمودا" وفي رواية صحيحة أيضا المقام المحمود "الذي" بدل من المنكر، أو عطف بيان، أو نعت للمعرف ويجوز القطع للرفع أو النصب "وعدته" بقولك {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} [الإسراء:79]، وهو هنا اتفاقا مقام الشفاعة العظمى في فصل القضاء يحمده فيه الأولون، والآخرون؛ لأنه المتصدي له بسجوده أربع سجدات أي كسجود الصلاة كما هو الظاهر تحت العرش حتى أجيب لما فزعوا إليه بعد فزعهم لآدم، ثم لأولي العزم نوح فإبراهيم فموسى فعيسى واعتذار كل صلى الله عليهم وسلم واختلفوا فيه في الآية، والأشهر كما هنا وقول مجاهد هو أن يجلسه معه على العرش أطال الواحدي في رده لغة إذ البعث لا يطلق حقيقة على القعود، بل هو ضده سيما وقد أكد ب "مقاما" على أنه يوهم ما تعالى الله عنه علوا كبيرا وإنما سن هذا الدعاء لخبر البخاري: "من قال ذلك حين يسمع النداء حلت له شفاعتي يوم القيامة" ويسن الدعاء بين الأذان، والإقامة؛ لأنه لا يرد كما في حديث حسن ويكره للمؤذن

 

ج /1 ص -172-      وغيره الخروج من محل الجماعة بعده وقبل الصلاة إلا لعذر ويسن تأخيرها قدر ما يجتمع الناس إلا في المغرب أي للخلاف القوي في ضيق وقتها ومن ثم أطبق العلماء على كراهة تأخيرها عن أوله كما مر.

فصل في بيان استقبال الكعبة، أو بدلها وما يتبع ذلك
"استقبال" عين "القبلة". أي الكعبة وليس منها الحجر، والشاذروان؛ لأن ثبوتهما منها ظني وهو لا يكتفى به في القبلة وفي الخادم ليس المراد بالعين الجدار، بل أمر اصطلاحي أي وهو سمت البيت وهواؤه إلى السماء، والأرض السابعة والمعتبر مسامتتها عرفا لا حقيقة وكونها بالصدر في القيام، والقعود وبمعظم البدن في الركوع، والسجود ولا عبرة بالوجه إلا فيما يأتي في مبحث القيام في الصلاة ولا بنحو اليد كما يعلم مما يأتي "شرط لصلاة القادر" على ذلك لكن يقينا بمعاينة، أو مس، أو بارتسام أمارة في ذهنه تفيد ما يفيده أحد هذين في حق من لا حائل بينه وبينها، أو ظنا فيمن بينه وبينها حائل محترم، أو عجز عن إزالته كما يأتي لقوله تعالى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة:149، 150] أي عين الكعبة بدليل أنه صلى الله عليه وسلم. ركع ركعتين في وجه الكعبة وقال "هذه القبلة" فالحصر فيها دافع لحمل الآية على الجهة وخبر "ما بين المشرق، والمغرب قبلة" محمول على أهل المدينة ومن سامتهم وقول شريح من أصحابنا من اجتهد فأخطأ إلى الحرم جاز لحديث "البيت قبلة لأهل المسجد، والمسجد لأهل الحرم، والحرم لأهل مشارق الأرض ومغاربها" مردود بأن ما ذكره حكما وحديثا لا يعرف وصحة صلاة الصف المستطيل من المشرق إلى المغرب محمول على انحراف فيه، أو على أن المخطئ فيه غير معين؛ لأن صغير الجرم كلما زاد بعده اتسعت مسامتته كالنار الموقدة من بعد وغرض الرماة فاندفع ما قيل يلزم أن من صلى بإمام بينه وبينه قدر سمت الكعبة أن لا تصح صلاته، والمراد بالصدر جميع عرض البدن كما بينته في شرح الإرشاد فلو استقبل طرفها فخرج شيء من العرض بخلاف غيره كطرف اليد خلافا للقونوي عن محاذاته لم تصح بخلاف استقبال الركن؛ لأنه مستقبل بجميع العرض لمجموع الجهتين ومن ثم لو كان إماما امتنع التقدم عليه في كل منهما أما العاجز عن الاستقبال لنحو مرض، أو ربط قال الشارح، أو خوف من نزوله عن دابته على نحو نفسه، أو ماله، أو انقطاعا عن رفقته إن استوحش به فيصلي على حسب حاله، أو يعيد مع صحة صلاته لندرة عذره. ولو تعارض هو، والقيام قدمه؛ لأنه آكد إذ لا يسقط في النفل إلا لعذر بخلاف القيام، "إلا في" صلاة "شدة الخوف" وما ألحق به مما يأتي في بابه فليس التوجه شرطا فيها نفلا كانت، أو فرضا للضرورة ولو أمن راكبا نزل واشترط ببنائه بعد نزوله أن لا يستدبر القبلة.
تنبيه: ما ذكره ذلك الشارح مشكل بأنه يلزم عليه أن استثناء شدة الخوف منقطع وفيه نظر، بل الوجه أنه متصل وأن كلا من الخائف من نزوله ومن شدة الخوف قادر حسا لكنه ليس بآمن فأبيح له ترك الاستقبال ووجوب الإعادة على الأول دون الثاني إنما هو لما علم من كلامهم في التيمم من الفرق بينهما.

 

ج /1 ص -173-      "و" إلا في "نفل السفر" المباح. الذي تقصر فيه الصلاة لو كان طويلا "فللمسافر" لمقصد معين مع بقية الشروط إلا طول السفر "التنفل" ولو نحو عيد وكسوف صوب مقصده كما يأتي "راكبا" للاتباع رواه البخاري وإعانة الناس على الجمع بين مصلحتي معاشهم ومعادهم إذ وجوب الاستقبال فيه مع كثرة الحاجة إليه تستدعي ترك الورد، أو المعاش "وماشيا" كالراكب ويشترط ترك فعل كثير كعدو، أو إعداء وتحريك رجل لغير حاجة وترك تعمد وطء نجس مطلقا وإن عم الطريق فإن نسيه ضر رطب غير معفو عنه لا يابس ودابة لجامها بيده. كذلك كما لو تنجس فمها؛ لأنه بإمساكه حامل لمماس، أو مماس مماس النجاسة وهو مبطل بخلاف مس المماس بلا حمل كما يأتي في شروط الصلاة ولا يكلف ماش التحفظ عن النجس؛ لأنه يختل به خشوعه ودوام سيره فلو بلغ المحط المنقطع به السير، أو طرف محل الإقامة أو نواها ماكثا بمحل. صالح لها نزل وأتمها بأركانها للقبلة ما لم يمكنه ذلك عليها ويجب استقبال راكب السفينة إلا الملاح وهو من له دخل في تسييرها فإنه يتنفل لجهة مقصده ولا يلزمه الاستقبال إلا في التحرم إن سهل ولا إتمام الأركان وإن سهل؛ لأنه يقطعه عن عمله "ولا يشترط طول سفره على المشهور" لعموم الحاجة مع المسامحة في النفل بحل العقود فيه مطلقا وغيره نعم يشترط أن يكون مقصده على مسافة لا يسمع منها النداء بشروطه الآتية في الجمعة ويفرق بين هذا وحرمة سفر المرأة، والمدين بشرطهما. فإنه يكفي فيه وجود مسمى السفر بأن المجوز هنا الحاجة وهي تستدعي اشتراط ذلك وثم تفويت حق الغير وهو لا يتقيد بذلك "فإن أمكن" أي سهل "استقبال الراكب في مرقد" كمحفة "وإتمام ركوعه وسجوده" وحدهما، أو مع غيرهما "لزمه" الاستقبال، والإتمام لما قدر عليه من الكل، أو البعض كراكب السفينة إذ لا مشقة "وإلا" يمكنه ذلك كله "فالأصح أنه إن سهل الاستقبال" المذكور وهو استقبال الراكب لنحو وقوفها وسهولة انحرافه عليها، أو تحريفها، أو سيرها وزمامها بيده وهي ذلول "وجب" لتيسره "وإلا" يسهل لنحو جموحها، أو سيرها وهي مقطورة ولم يسهل انحرافه عليها ولا تحريفها "فلا" يجب لعسره "ويختص" وجوب الاستقبال حيث سهل "بالتحرم" فلا يجب فيما بعده وإن سهل؛ لأنه تابع له نعم المعتمد في الواقفة أي طويلا على ما عبر به الشارح وعليه يظهر أن المراد به ما يقطع تواصل السير عرفا أنها ما دامت واقفة لا يصلى عليها إلا إلى القبلة لكن لا يلزمه إتمام الأركان، ثم إن سار بسير الرفقة أتم لجهة مقصده أولا لغرض امتنع حتى يتم على ما فيه مما بينته في شرح الإرشاد؛ لأنه بالوقوف لزمه فرض التوجه وظاهر صنيع المتن أنه لا يجب الاستقبال في الجميع وإتمام الأركان كلها، أو بعضها. إلا أن قدر عليهما معا وإلا لم يجب الإتمام مطلقا ولا الاستقبال إلا في تحرم سهل وفي كلام غيره ما يؤيد ذلك والكلام في غير الواقفة لما مر فيها، "وقيل يشترط" الاستقبال "في السلام أيضا" كالتحرم؛ لأنه طرفها الثاني ويرد بأنه يحتاط للانعقاد ما لا يحتاط للخروج ومن ثم وجب اقتران النية بالأول دون الثاني "ويحرم انحرافه عن" استقبال صوب مقصده عامدا عالما مختارا لا مطلقا لجواز قطع النفل، والتنظير فيه ليس في محله، بل مع مضيه في الصلاة لتلبسه

 

ج /1 ص -174-      بعبادة فاسدة لبطلانها بذلك الانحراف؛ لأن جهة مقصده صارت في حقه بمنزلة القبلة فعلم أنه لا يلزمه سلوك "طريقة" بل أن لا يعدل عن جهة المقصد كذا أطلقوه وقضيته أنه في منعرجات الطريق بحيث يبقى المقصد خلف ظهره مثلا ينحرف لاستقبال جهة المقصد أو القبلة لكنه مشق ثم رأيتهم أطلقوا أنه لا يضر سلوك منعطفات الطريق، وظاهره: الإطلاق ومن ثم عدل غير واحد إلى التعبير بصوب الطريق ليفهم ذلك "إلا إلى القبلة" وإن كانت خلف ظهره على المنقول المعتمد خلافا لما بحثه جمع؛ لأنها الأصل فاغتفر له الرجوع إليها وإن تضمن استقبال غير المقصد ولو قصد غير مقصده انحرف إليه فورا؛ لأنه صار قبلته بمجرد قصده أما إذا. انحرف ناسيا أو جاهلا، أو لغلبة الدابة فلا بطلان إن عاد عن قرب كما لو انحرف المصلي على الأرض ناسيا وإلا بطلت فيحرم استمراره ولو أحرف قهرا بطلت مطلقا لندرته "ويومئ" إن شاء "بركوعه وسجوده" حال كونه "أخفض" من ركوعه وجوبا إن أمكنه ليتميز عنه ولا يلزمه وضع الجبهة على نحو السرج ولا بذل وسعه في الانحناء للمشقة "والأظهر أن الماشي يتم ركوعه وسجوده" لسهولة ذلك عليه. وبحث الأذرعي أنه يومئ في نحو الثلج، والوحل "ويستقبل فيهما وفي إحرامه" وجلوسه بين السجدتين وجوبا لما ذكر "ولا يمشي إلا في قيامه" ومنه الاعتدال لسهولة مشي القائم فسقط عنه التوجه فيه ليمشي فيه بقدر ذكره ولا يجوز بين السجدتين لقصره مع إحداث قيام فيه وهو ممتنع ويؤخذ منه أنه لو كان يزحف، أو يحبو جاز له فيه "وتشهده" ولو الأول وسلامه لطوله، "ولو صلى" شخص قادر على النزول "فرضا" ولو نذرا، وكذا صلاة جنازة على المعتمد ويفرق بين هذا وإلحاقها بالنفل في التيمم بأن المعنى السابق المجوز للنفل على الدابة من كثرته مع تكرر الاحتياج للسفر غير موجود فيها فبقيت على أصلها من عدم إلحاقها بالنفل وهذا أولى من الفرق بأن الجلوس يمحو صورتها؛ لأنه منتقض بامتناع فعلها على السائرة على المعتمد مع بقاء القيام "على دابة واستقبل" القبلة "وأتم ركوعه وسجوده" وسائر أركانه لكونه بنحو محفة "وهي واقفة جاز" وإن لم تكن معقولة كما لو صلى على سرير، أو غير مستقبل، أو لم يتم كل الأركان "أو سائرة" وإن لم تمش إلا ثلاث خطوات فقط متوالية "فلا" يجوز إلا لعذر كما مر لنسبة سيرها إليه بدليل صحة الطواف عليها فلم يكن مستقرا في نفسه وفارقت السفينة بأنها تشبه البيت للإقامة فيها شهرا ودهرا والسرير الذي يحمله رجال بأن سيره منسوب إليهم وسير الدابة منسوب إليه وبأنها لا تراعي جهة واحدة ولا تثبت عليها بخلافهم قاله المتولي قال حتى لو كان لها من يلزم لجامها بحيث. لا تختلف الجهة جاز ذلك وعليه يدل كلام جمع متقدمين وهو صريح في صحة الفرض في نحو محفة سائرة؛ لأن من بيده زمام الدابة يراعي القبلة قال الشارح وهي مسألة عزيزة نفيسة يحتاج إليها أي لو خلت عن نزاع ومخالفة لإطلاقهم أما العاجز عن النزول عنها كأن خشي منه مشقة لا تحتمل عادة، أو فوت الرفقة وإن لم يحصل له إلا مجرد الوحشة على ما اقتضاه إطلاقهم فيصلي عليها على حسب حاله قال القاضي ولا إعادة عليه وعليه فيفرق بين هذا بعد تعين فرضه فيما لو استقبل وأتم الأركان عليها وما مر

 

ج /1 ص -175-      آنفا بأن ترك القبلة أخطر كما مر وأطلقا الإعادة ويحمل على ما إذا لم يستقبل، أو لم يتم الأركان وكأن شيخنا أشار لذلك بفرضه أنه صلى لمقصده ولو خاف الماشي ذلك لو أتم ركوعه وسجوده أومأ بهما وأعاد.
"ومن صلى" فرضا، أو نفلا "في" داخل "الكعبة" من كعبته ربعته، والكعبة كل بيت مربع كذا في القاموس وفي كلامهم أن إبراهيم صلى الله على نبينا وعليه وسلم بنى الكعبة مربعة ولا ينافيه اختلاف بعد ما بين أركانها؛ لأنه قليل لا ينافي التربيع وهذا أعني أن سبب تسميتها كعبة تربيعها أوضح من جعل سببها ارتفاعها كما سمي كعب الرجل بذلك لارتفاعه وأصوب من جعله استدارتها إلا أن يريد قائله بالاستدارة التربيع مجازا أو يكون أخذ الاستدارة في الكعب سببا لتسميته لكنه مخالف لكلام أئمة اللغة "واستقبل جدارها، أو بابها" حال كونه "مردودا" وإن لم ترتفع عتبته. إن سامت بعض الباب كما هو ظاهر "أو" حال كونه "مفتوحا" لكن "مع ارتفاع عتبته ثلثي ذراع" بذراع الآدمي تقريبا "أو" صلى "على سطحها"، أو في عرصتها لو انهدمت، والعياذ بالله تعالى "مستقبلا من بنائها"، أو ما ألحق به كعصا مسمرة، أو ثابتة وشجرة ثابتة وتراب منها مجتمع "ما سبق جاز" لتوجهه إلى جزء من البيت وإن بعد عنه، أكثر من ثلاثة أذرع، أو خرج بعض بدنه عن هواء الشاخص؛ لأنه متوجه ببعضه جزءا وبباقيه هواءها لكن تبعا فلا ينافيه ما يأتي وقضية كلامهم أن الشجرة الجافة هنا كالرطبة وحينئذ فيشكل بما يأتي في الأصول، والثمار أنها لا تكون مثلها إلا إن عرش عليها مثلا ويجاب بأن الثبوت يختلف عرفا المراد به هنا وثم ألا ترى أنه ثم في الوتد بمجرد الغرور هنا بزيادة الثبوت فإن قلت. هذا مقو للإشكال قلت لا؛ لأن الملحظ هنا ثبوت يصيره كالجزء في الشرف، واليابسة فيها ذلك بزيادة؛ لأنها ليست أجنبية بخلاف الوتد المغروز وثم ثبوت يصيره كالجزء المنتفع به بالقوة، أو بالفعل، والوتد كذلك بخلاف اليابسة التي ليس عليها نحو تعريش ونقل بعضهم اشتراط وقف نحو العصا الثابتة وقد يؤيده ما قررته من الفرق لكن ظاهر كلامهم خلافه ويوجه بأنه يعد منها باعتبار الظاهر وإن استحق الإزالة من وجه آخر وصح أنه صلى الله عليه وسلم صلى فيها النفل ورواية لم يصل فيها أي في مرة أخرى كما صح إذ المثبت مقدم على النافي وإذا ثبت جواز النفل فيها جاز له الفرض أيضا إذ لا فارق بين الاستقبال فيهما في الحضر ومن ثم لم يراعوا خلاف المانع فيهما لكنه ظاهر في النفل لصريح المخالفة فيه دون الفرض؛ لأن القياس المذكور قابل للمنع بأن النفل اغتفر فيه حصرا أيضا ما لم يغتفر في الفرض إلا أن يجاب بأن الأصل استواء الفرض، والنفل في الشروط إلا إذا ورد دليل بالفرق ولم يرد هنا وأيضا فعلة المنع لم تتضح وما لم تتضح العلة فيه لا بد من نص صريح فيه إذ الأمور التعبدية لا تثبت إلا بالنصوص الصريحة فكان الخلاف فيه ضعيف المدرك جدا وما ضعف مدركه كذلك لا يراعى، بل النفل داخلها أفضل منه ببقية المسجد بخلاف البيت فإنه فيه أفضل منه حتى من الكعبة كما شمله الحديث، بل نقل الإجماع على أنه فيه أفضل منه في غيره حتى المسجد الحرام، وكذاك الفرض أفضل في الكعبة إلا إذا رجا جماعة خارجها؛ لأن الفضيلة المتعلقة

 

ج /1 ص -176-      بذات العبادة أولى من الفضيلة المتعلقة بمحلها أما إذا لم يستقبل ما ذكر فلا يصح؛ لأنه صلى فيه لا إليه وإنما جاز استقبال هوائها لمن هو خارجها هدمت، أو وجدت؛ لأنه يسمى عرفا مستقبلا لها بخلاف من فيها؛ لأنه في هوائها فلا يسمى عرفا مستقبلا له فاندفع ما شنع به بعض الحنفية غفلة عن رعاية العرف المناط به ضابط الاستقبال اتفاقا.
"ومن أمكنه علم القبلة" بأن كان بالمسجد الحرام، أو خارجه. ولا حائل أو وثم حائل أحدثه لغير حاجة أو أحدثه غيره تعديا وأمكنته إزالته فيما يظهر "حرم عليه التقليد" وهو الأخذ بقول الغير الناشئ عن الاجتهاد وأراد به هنا الأخذ بقول الغير ولو عن علم ويفرق بين هذا واكتفاء الصحابة رضوان الله عليهم بالإخبار عنه صلى الله عليه وسلم مع إمكان اليقين بالسماع منه، والأخذ بقول الغير في المياه ونحوها بأن المدار في القبلة لكونها أمرا حسيا على اليقين بخلاف الأحكام ونحوها "والاجتهاد" كمجتهد وجد النص فعلم أن من بالمسجد وهو أعمى أو في ظلمة لا يعتمد إلا المس الذي يحصل له به اليقين أو إخبار عدد التواتر وكذا قرينة قطعية بأن كان قد رأى محلا فيه من جعل ظهره له مثلا يكون مستقبلا، أو أخبره بذلك عدد التواتر "وإلا" يمكنه علم عينها، أو أمكنه وثم حائل ولو حادثا بفعله لحاجة لكن إن لم يكن تعدى بإحداثه، أو زال تعديه فيما يظهر فيهما "أخذ" وجوبا. في الأولى، وكذا في الثانية إن لم يتكلف المعاينة ولا يجوز له الاجتهاد "بقول ثقة" في الرواية يصير ولو أمة لا كافر قطعا ولا فاسق وغير مكلف على الأصح ويجب سؤاله إن سهل بأن لم تكن فيه مشقة عرفا كما هو ظاهر "يخبر عن علم" كقوله هذه الكعبة، أو رأيت الجم الغفير يصلون لهذه الجهة. أو القطب مثلا هنا وهو عالم بدلالته وكمحراب وهو بقرية نشأ بها قرون من المسلمين بشرط أن يسلم من الطعن لا ككثير من قرى أرياف مصر وغيرها أو بجادة يكثر طارقوها من المسلمين نعم يجوز الاجتهاد في المحراب المذكور بأقسامه يمنة ويسرة لإمكان الخطأ فيهما مع ذلك ولا يجب خلافا للسبكي؛ لأن الظاهر أنه على الصواب وبه يعلم أن المراد بالعلم هنا ما يشمل الظن لا جهة لاستحالته فيها وجعل بعضهم إخبار صاحب المنزل عن القبلة من ذلك حتى يجب الأخذ به ويحرم الاجتهاد ويتعين حمله على ما إذا لم يعلم أن سبب إخباره اجتهاده وإلا لم يجز لقادر على الاجتهاد الأخذ بخبره كما هو ظاهر وما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى إليه. ومثله محاذيه كما هو واضح يمتنع الاجتهاد فيه ولو يمنة ويسرة؛ لأنه لا يقر على خطأ وليس مثله ما نصبه الصحابة رضي الله عنهم كقبلة البصرة، والكوفة، "فإن فقد" الثقة المخبر عن علم ومن في معناه "وأمكنه الاجتهاد" لعلمه بأدلة القبلة "حرم" عليه "التقليد"؛ لأن المجتهد لا يقلد مجتهدا، بل يجتهد وجوبا بالأدلة. وأضعفها الريح وأقواها القطب الشمالي بتثليث القاف وهو مشهور وتختلف دلالته باختلاف الأقاليم فبمصر يجعله المصلي خلف أذنه اليسرى وبالعراق وما وراء النهر خلف أذنه اليمنى وباليمن قبالته مما يلي جانبه الأيسر وبالشام وراءه وقيل ينحرف بدمشق وما قاربها إلى الشرق قليلا، "وإن تحير" المجتهد فلم يظهر له شيء لنحو غيم، أو تعارض أدلة "لم يقلد في الأظهر" وإن ضاق الوقت؛ لأنه مجتهد، والتحير عارض يزول عن قرب "وصلى

 

ج /1 ص -177-      كيف كان" لحرمة الوقت، وكذا لو ضاق الوقت عن الاجتهاد "ويقضي" إذا ظهرت له القبلة بعد الوقت؛ لأنه نادر ويؤدي إن ظهرت له فيه. "ويجب" حيث لم يكن ذاكرا للدليل الأول "تجديد الاجتهاد" وسؤال المجتهد حيث جوزنا تقليده "لكل صلاة" أي فرض عيني مؤداة أو فائتة ولو منذورة ومعادة مع جماعة "تحضر" أي يحضر فعلها بأن يدخل وقته فلا اعتراض عليه "على الصحيح" وإن لم يفارق محله سعيا في إصابة الحق ما أمكن؛ لأن الظن الأول لا ثقة ببقائه فالاجتهاد الثاني إن وافق فهو زيادة وإلا فهو غالبا إنما يكون لأقوى، والأخذ بالأقوى واجب "ومن عجز عن الاجتهاد وتعلم الأدلة" وهي كثيرة فيها تصانيف متعددة "كأعمى" بصر أو بصير "قلد" وجوبا "ثقة" في الرواية كأمة لا غير مكلف ولا فاسق وكافر إلا إن علمه قواعد صيرت له ملكة يعلم القبلة بحيث يمكنه أن يبرهن عليها وإن نسي تلك القواعد كما هو ظاهر وكلام الماوردي المخالف لذلك ضعيف "عارفا" بالأدلة كالعامي في الأحكام يقلد مجتهدا فيها فإن صلى بلا تقليد قضى وإن أصاب وإن اختلف عليه مجتهدان أخذ بقول أعلمهما وأوثقهما ندبا وقال جمع وجوبا. "وإن قدر" على تعلم الأدلة "فالأصح وجوب التعلم" عينا لظواهرها دون دقائقها إن كان بحضر، أو أراد سفرا يقل فيه العارفون وليس بين قرى متقاربة بها محاريب معتمدة كما هو ظاهر لكثرة الاشتباه حينئذ مع ندرة من يرجع إليه بخلاف من بحضر وسفر يكثر عارفوه، أو بين قرى كذلك بأن يسهل عادة رؤية عارف، أو محراب معتمد قبل ضيق الوقت فإن التعلم حينئذ فرض كفاية فيصلي بالتقليد ولا يقضي وإنما وجب تعلم بقية الشروط عينا مطلقا؛ لأنه لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم، والسلف بعده ألزموا آحاد الناس بذلك مطلقا بخلاف بقية الشروط.
تنبيه: إلحاق الحضر بالسفر فيما ذكر ظاهر وتفرقتهم بينهما إنما هي باعتبار غلبة وجود العارف، أو ما يقوم مقامه في الحضر دون السفر وإذا لزمه التعلم عينا عصى بتركه.
"فيحرم التقليد" وإن ضاق الوقت عن تعلمها فيصلي على حسب حاله ويقضي، "ومن صلى باجتهاد" منه، أو من مقلده "فتيقن" هو، أو مقلده "الخطأ" معينا ولو يمنة، أو يسرة بمشاهدة الكعبة، أو نحو المحراب السابق، أو بإخبار ثقة عن أحد هذين فالقول بأنه إنما تيقن بقرب مكة ممنوع "قضى" إن بان له بعد الوقت وإلا أعاد فيه وجوبا فيهما "في الأظهر" كالحاكم يجد النص بخلاف حكمه وسواء أتيقن الصواب أم لا لكنه إنما يفعل. المقضي إذا تيقن الصواب أو ظنه أما إذا لم يتيقن الخطأ فلا قضاء جزما وإن ظنه باجتهاد لا ينقض بالاجتهاد وعلى الأظهر "فلو تيقنه فيها" ولو يمنة، أو يسرة إن كان بإخبار ثقة عن علم كما يأتي "وجب استئنافها" لعدم الاعتداد بما مضى وخرج بتيقن الخطأ ظنه ففيه تفصيل مذكور في قوله "وإن تغير اجتهاده" ثانيا فيها إلى أرجح بأن ظهر له الصواب في جهة أخرى، أو أخبره عن اجتهاد به أعلم عنده من مقلده "عمل بالثاني" وجوبا؛ لأنه الصواب في ظنه لكن يشترط مقارنة ظهوره لظهور الخطأ وإلا بطلت لمضي جزء منها إلى غير قبلة محسوبة أما لو كان اجتهاده الثاني أضعف فكالعدم، وكذا المساوي على المعتمد

 

ج /1 ص -178-      خلافا للمجموع وغيره وإطلاق الجمهور وجوب التحول محمول على ما إذا كان الثاني أوضح وخرج بالأعلم عنده الأدون، والمثل، والمشكوك فيه وإنما لم يجب الأخذ بقول الأفضل ابتداء كما مر؛ لأنه هنا التزم جهة بدخوله في الصلاة إليها فلا يتحول عنها إلى أخرى إلا بأرجح بخلافه قبلها فيخير مطلقا فإن قلت غاية الالتزام لجهة أنه يستمر عليها إلا أنه يتحول لغيرها ولو أرجح فكان المناسب تخييره هنا كالابتداء قلت المراد بالتزام الجهة أنه بدخوله في الصلاة لجهة التزم ترجيح أحد الظنين بالجري عليه بالفعل فإذا أخبره من هو مظنة لكون الصواب معه لزمه الرجوع إليه وقبلها لم يلتزم شيئا فبقي على تخييره بإخباره عن اجتهاد إخباره عن عيان كالقطب فيجب قطعها وإن كان مقلده أرجح وبقولي فيها ما لو تغير قبلها فإن تيقن الخطأ اعتمد الصواب وإن ظنه وظن صواب جهة أخرى اعتمد أوضح الدليلين عنده ويفرق بينه. وبين ما مر في الإعلام بأن الظن المستند لفعل النفس أقوى من المستند للغير فإن تساويا تخير زاد البغوي، ثم يعيد لتردده حالة الشروع وما لو تغير بعدها فلا أثر له إلا إن تيقن الخطأ كما مر "ولا قضاء" لما فعله أولا؛ لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد، والخطأ غير معين وأراد بالقضاء ما يشمل الإعادة "حتى لو صلى أربع ركعات" بنية واحدة "لأربع جهات بالاجتهاد" أربع مرات بأن ظهر له الصواب في كل مقارنا للخطأ وكان الثاني أقوى من الأول "فلا قضاء"؛ لأن كل واحدة مؤداة باجتهاد ولم يتعين فيها الخطأ وقيل يقضي لاشتمال صلاته على الخطأ قطعا فليس هنا نقض اجتهاد باجتهاد واختاره جمع لظهور مدركه، والتعليل إنما يتضح في أربع صلوات.

باب صفة الصلاة
أي كيفيتها المشتملة على فرض داخل في ماهيتها ويسمى ركنا وخارج عنها ويسمى شرطا وهو ما قارن كل معتبر سواه ومقارنة الطهر للستر مثلا موجودة حالة الصلاة. فلا ترد خلافا لمن زعمه ويأتي له تعريف آخر لكن ذاك باعتبار رسمه الأظهر وهذا باعتبار خاصته المقصودة منه وهي مقارنته لسائر معتبراتها فكأنه المقوم لها، ومر في الاستقبال أنه في نحو القيام بالصدر ونحو السجود بمعظم البدن وعلى سنة وهي إما تجبر بالسجود وتسمى بعضا لأنها لما تأكدت بالجبر أشبهت البعض الحقيقي وهو الأول أو لا تجبر به وتسمى هيئة وقد شبهت الصلاة بالإنسان فالركن كرأسه والشرط كحياته والبعض كعضوه والهيئة كشعره.
"أركانها ثلاثة عشر" بناء على أن الطمأنينة في محالها الأربعة صفة تابعة للركن ويؤيده ما يأتي في بحث التقدم والتأخر على الإمام وفي الروضة سبعة عشر بناء على أنها ركن مستقل أي بالنسبة للعد لا للحكم في نحو التقدم المذكور فالخلف لفظي كذا أطبقوا عليه وليس كذلك بل هو معنوي إذ من الواضح أنه لو شك في السجود في طمأنينة الاعتدال مثلا فإن جعلناها تابعة لم يؤثر شكه كما لو شك في بعض حروف الفاتحة بعد فراغها أو مقصودة لزمه العود للاعتدال فورا كما لو شك في أصل قراءة الفاتحة بعد الركوع فإنه

 

ج /1 ص -179-      يعود إليها كما يأتي فإن قلت المقرر في كلامهم هو الثاني قلت فيبطل قول من قال أن الاستقلال إنما هو بالنسبة للعد لا للحكم فإن قلت فما وجه الجمع بين جعلها مستقلة في مسألتنا وتابعة في التقدم والتأخر؟ قلت: يوجه ذلك بأن قاعدة البناء على اليقين في الصلاة توجب التسوية بين التابع والمقصود بخلاف التقدم والتأخر فإنهما منوطان بالأمور الحسية التي يظهر بها فحش المخالفة والطمأنينة ليست كذلك فتأمله. ويفرق بينها وبين بعض حروف الفاتحة بأنه ثم تيقن أصل القراءة والأصل مضيها على الصحة وهنا شك في أصل الطمأنينة فلا أصل يستند إليه وفقد الصارف شرط للاعتداد بالركن والولاء يأتي بيانه والخلاف فيه في الثالث عشر قيل وبقياس عد الفاعل ركنا في نحو الصوم والبيع تكون الجملة أربعة أو ثمانية عشر ا هـ. وقد يجاب بأن جعل الفاعل ركنا في البيع خلاف التحقيق فلم ينظروا إليه هنا فإن قلت قياس عده شرطا ثم عده شرطا هنا ولم يقولوا به قلت الشرط ثم غيره هنا كما هو واضح وأما جعله ركنا في الصوم فهو لأن ماهيته لا وجود لها في الخارج وإنما تتعقل بتعقل الفاعل فجعل ركنا لتكون تابعة له بخلاف نحو الصلاة توجد خارجا فلم يحتج للنظر لفاعلها.
أحدها: "النية" لما مر في الوضوء، وقيل إنها شرط لأنها قصد الفعل وهو خارج عنه ويجاب بأنه بتمام التكبير يتبين دخوله فيها من أوله قيل وفائدة الخلاف أنه لو افتتحها مع مقارنة مفسد كخبث فزال قبل تمامها لم تصح على الركنية بخلاف الشرطية وفيه نظر لأنه إن أريد بافتتاحها ما يسبق تكبيرة الإحرام فهو غير ركن ولا شرط أو ما يقارنها ضر عليهما. لمقارنته لبعض التكبيرة، "فإن صلى فرضا" أي أراد صلاته "وجب قصد فعله" من حيث كونه صلاة ليتميز عن بقية الأفعال فلا يكفي إحضارها في الذهن مع الغفلة عن خصوص الفعل لأنه المطلوب وهي هنا ما عدا النية وإلا لزم التسلسل بل ومعها لجواز تعلقها بنفسها أيضا كالعلم يتعلق بغيره مع نفسه ونظيره الشاة من أربعين فإنها تزكي نفسها وغيرها على أن لك أن تمنع ورود أصل السؤال بأن كل ركن غيرها لا يحتاج لنية له بخصوصه فهي كذلك وتعلقها بالمجموع من حيث هو مجموع لا يقتضي تعلقها. بكل فرد من أجزائه "و" وجب "تعيينه" من ظهر أو غيره ليتميز عن غيره فلا يكفي نية فرض الوقت قيل الأصوب فعلها وتعيينها لأنه يلزم من إعادة الضمير على فرض إلغاء قوله والأصح وجوب نية الفرضية لأنه بمعناه ا هـ وليس بسديد إذ ضمير تعيينه يرجع للفعل كما هو واضح وضمير فعله يرجع له من حيث كونه صلاة كما قررته وقرينته قوله والأصح إلخ فلم يلزم ما ذكر أصلا على أنه لو رجع ضمير فعله. للفرض لم يلزمه ذلك أيضا إذ لا يلزم من قصد المضاف للفرض الذي هو الفعل قصد الفرض بخصوصه وبتسليمه فالنية لا يكتفى فيها باللوازم.
تنبيه: لا ينافي اعتبار التعيين هنا ما يأتي أنه قد ينوي القصر ويتم والجمعة ويصلي الظهر لأن ما هنا باعتبار الذات وصلاته غير ما نواه ثم باعتبار عارض اقتضاه.

 

ج /1 ص -180-      "والأصح وجوب نية الفرضية" في مكتوبة ونذر وصلاة جنازة كأصلي فرض الظهر مثلا أو الظهر فرضا والأولى أولى للخلاف في إجزاء الثانية نظرا إلى أن الظهر اسم للزمان وذلك ليتميز عن النفل. ومعادة على ما يأتي فيها لتحاكي الأصلية ومنه يؤخذ اعتماد ما في الروضة وأصلها من وجوب نية الفرضية على الصبي لتحاكي الفرض أصالة، ويؤيده وجوب القيام عليه ولو نظروا لكونها نفلا في حقه لم يوجبوه فتصويب الإسنوي وغيره تصويب المجموع وغيره عدم وجوبها عليه لذلك يرد بما ذكرته فإن قلت: لم اختلف المرجحون في وجوب نية الفرضية في المعادة وصلاة الصبي ولم يختلفوا في وجوب القيام فيهما؟ قلت لأن القصد المحاكاة وهي بالقيام حسي ظاهر وبالنية قلبي خفي والمحاكاة إنما تظهر بالأول فوجب دون الثاني فلم تجب على قول "دون الإضافة إلى الله تعالى" فلا تجب أي استحضارها في الذهن لأنها لا تكون أي باعتبار الواقع إلا له فاندفع ما قيل في تصوير هذا إشكال لأن فعل الفرضية لا يكون إلا لله فلا ينفك قصد الفرضية عن نية الإضافة إلى الله تعالى ا هـ فدعوى عدم الانفكاك المذكور ليست في محلها لكنها تسن خروجا من خلاف من أوجبها ليتحقق معنى الإخلاص ويسن أيضا نية الاستقبال وعدد الركعات لذلك، "و" الأصح "أنه" لا تجب نية الأداء ولا القضاء بل تسن وإن كان عليه فائتة مماثلة للمؤداة أو المقضية خلافا لما اعتمده الأذرعي بل تنصرف للمؤداة وللسابقة من المقضيات ويفرق بين هذا وما يأتي في نحو سنة الظهر والعيد بأنه لا مميز ثم الإضافة للمتبوع من حيث كونها قبله أو بعده أو الوقت كعيد النحر وهنا التميز حاصل بذكر فرض الظهر مثلا ويكون الوقوع للسابق فلم يحتج لذكر أداء ولا قضاء ومما يوضح ذلك أن الأول من وضع المشترك والثاني من وضع العلم وشتان ما بينهما فتأمله وأنه "يصح الأداء بنية القضاء وعكسه" إن عذر بنحو غيم أو قصد المعنى اللغوي إذ كل يطلق على الآخر لغة وإلا لم يصح لتلاعبه وأخذ البارزي من هذا أن من مكث بمحل عشرين سنة يصلي الصبح لظنه دخول وقته ثم بان خطؤه لم يلزمه إلا قضاء واحدة لأن صلاة كل يوم تقع عما قبله إذ لا تشترط نية القضاء ولا يعارضه النص على أن من صلى الظهر بالاجتهاد فبانت قبل الوقت. لم تقع على فائتة عليه لأن محل هذا فيمن أدى بقصد أنها التي دخل وقتها والأول فيمن أدى بقصد التي عليه من غير أن يقصد التي دخل وقتها، "والنفل ذو الوقت" كالرواتب "أو السبب" كالكسوف "كالفرض فيما سبق" من اشتراط قصد فعل الصلاة وتعيينها إما بما اشتهر به كالتراويح والضحى والوتر سواء الواحدة والزائد عليها أو بالإضافة كعيد الفطر وخسوف القمر وسنة الظهر القبلية. وإن قدمها أو البعدية وكذا كل ما له راتبة قبلية وبعدية ولا نظر إلى أن البعدية لم يدخل وقتها كما لا نظر لذلك في العيد إذ الأضحى أو الفطر المحترز عنه لم يدخل وقته وأيضا فالقرائن الحالية لا تخصص النيات كما مر في الوضوء نعم ما تندرج في غيرها لا يجب تعيينها بالنسبة لسقوط طلبها بل لحيازة ثوابها كتحية مسجد وسنة إحرام واستخارة ووضوء وطواف "وفي" اشتراط "نية النفلية وجهان" قيل تجب كالفرض، وقيل لا "قلت الصحيح لا تشترط نية النفلية والله أعلم" لأن النفلية لازمة له بخلاف

 

ج /1 ص -181-      الفرضية للظهر مثلا إذ قد تكون معادة ويسن هنا أيضا نية الأداء والقضاء والإضافة إلى الله تعالى والاستقبال وعدد الركعات ويبطل الخطأ فيه عمدا لا سهوا، وكذا الخطأ في اليوم في القضاء على ما قاله البغوي والمتولي لكن قضية كلام الشيخين في التيمم خلافه دون الأداء لأن معرفته بالوقت المتعين للفعل تلغي خطأه فيه "ويكفي في النفل المطلق" وهو ما لا يتقيد بوقت ولا سبب "نية فعل الصلاة" لأنه أدنى درجاتها فإذا قصد فعلها. وجب حصوله، "والنية بالقلب" إجماعا هنا وفي سائر ما تشرع فيه لأنها القصد وهو لا يكون إلا به فلا يكفي مع غفلته نطلق ولا يضر إذا خالف ما في القلب "ويندب النطق" بالمنوي "قبيل التكبير" ليساعد اللسان القلب وخروجا من خلاف من أوجبه وإن شذ وقياسا على ما يأتي في الحج المندفع به التشنيع بأنه لم ينقل.
تنبيه: قيل له صل ولك دينار فصلى بقصده أو قصد دفع غريم صح ولا دينار له ونقل الفخر الرازي إجماع المتكلمين مع أن أكثرهم من أئمتنا على أن من عبد أو صلى لأجل خوف العقاب أو طلب الثواب لم تصح عبادته محمول على من محض عبادته لذلك وحده. لكن النظر حينئذ في بقاء إسلامه، ومما يدل على أن هذا مراد المتكلمين أنه محط نظرهم لمنافاته لاستحقاقه تعالى العبادة من الخلق لذاته أما من لم يمحضها بأن عمل له تعالى مع الطمع في ذلك وطلبه فتصح عبادته جزما، وإن كان الأفضل تجريد العبادة عن ذلك وهذا محمل قوله تعالى
{يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً} [السجدة:16] بناء على تفسير يدعون بيعبدون وإلا لم يرد إذ شرط قبول الدعاء أن يكون كذلك.
"الثاني تكبيرة الإحرام" للحديث الصحيح
"تحريمها التكبير وتحليلها التسليم" مع قوله للمسيء صلاته في الخبر المتفق عليه "إذا قمت إلى الصلاة فكبر" سميت بذلك لتحريمها ما كان حلالا قبلها وجعلت فاتحة الصلاة ليستحضر المصلي معناها الدال على عظمته من تهيأ لخدمته حتى تتم له الهيبة والخشوع، ومن ثم زيد في تكريرها ليدوم له استصحاب ذينك في جميع صلاته إذ لا روح ولا كمال لها بدونهما والواجب فيها ككل قولي إسماع نفسه إن صح سمعه ولا لغط أو نحوه "ويتعين على القادر" عليها لفظ "الله أكبر" للإتباع مع خبر البخاري "صلوا كما رأيتموني أصلي" أي علمتموني إذ الأقوال لا ترى فلا يكفي الله كبير ولا الرحمن أكبر ويسن جزم الراء وإيجابه غلط وحديث التكبير جزم لا أصل له وبفرض صحته المراد به عدم مده كما حملوا عليه الخبر الصحيح السلام جزم على أن الجزم المقابل للرفع اصطلاح حادث فكيف تحمل عليه الألفاظ الشرعية وعدم تكريرها. ويضر زيادة واو ساكنة لأنه يصير جمع لاه أو متحركة بين الكلمتين كمتحركة قبلهما وإنما صح والسلام عليكم على ما في فتاوى القفال لتقدم ما يمكن العطف عليه ثم لا هنا وكذا كل ما غير المعنى كتشديد الباء وزيادة ألف بعدها بل إن علم معناه كفر ولا تضر وقفة يسيرة بين كلمتيه وهي سكتة التنفس وبحث الأذرعي أنه لا يضر ما زاد عليها لنحو عي ويسن أن لا يصل همزة الجلالة بنحو مأموما ولو كبر مرات ناويا الافتتاح بكل. دخل فيها بالوتر وخرج بالشفع لأنه لما دخل بالأولى خرج بالثانية لأن نية الافتتاح بها

 

ج /1 ص -182-      متضمنة لقطع الأولى وهكذا فإن لم ينو ذلك ولا تخلل مبطل كإعادة لفظ النية فما بعد الأولى ذكر لا يؤثر ونظير ذلك إن حلفت بطلاقك فأنت طالق فإذا كرره طلقت بالثانية وانحلت بها اليمين الأولى وبالرابعة وانحلت بها الثالثة وبالسادسة وانحلت بها الخامسة وهكذا، "ولا تضر زيادة لا تمنع الاسم" أي اسم التكبير بأن كانت بعده مطلقا أو بين جزأيه وقلت وهي من أوصافه تعالى بخلاف هو ويا رحمن "كالله" أكبر من كل شيء وكالله "الأكبر" لأنها مفيدة للمبالغة في التعظيم بإفادتها حصر الكبرياء والعظمة بسائر أنواعهما فيه تعالى ومع ذلك هي خلاف الأولى للخلاف في إبطالها وقد يشكل هذا بالبطلان في الله هو أكبر مع أن هو كأل في الوضع وإفادة الحصر إلا أن يفرق بأن هو كلمة مستقلة غير تابعة بخلاف أل "وكذا الله الجليل" أو عز وجل "أكبر في الأصح" لأنها زيادة يسيرة بخلاف الطويلة كالله لا إله إلا هو أكبر كما في التحقيق وبه يندفع التمثيل لغير الضار بهذا مع زيادة الذي وللضار بهذا مع زيادة الملك القدوس. "لا أكبر الله" فإنه لا يكفي "على الصحيح" لأنه لا يسمى تكبيرا وبه فارق إجزاء عليكم السلام الآتي "ومن عجز" بفتح الجيم أفصح من كسرها عن النطق بالتكبير بالعربية ولم يمكنه التعلم في الوقت "ترجم" عنه وجوبا بأي لغة شاء ولا يعدل لذكر آخر "ووجب التعلم إن قدر" عليه ولو بسفر لكن إن وجد المؤن المعتبرة في الحج. فيما يظهر وإن أمكن الفرق بأن هذا فوري لأنه لا ضابط يظهر هنا إلا ما قالوه ثم نعم لو قيل هنا يجب المشي على من قدر عليه وإن طال كمن لزمه الحج فورا لم يبعد وذلك لأن ما لا يتم الواجب إلا به واجب وإنما لم يلزمه السفر لتحصيل ماء الطهر لأنه لا يدوم نفعه بخلاف التعلم ومن ثم لو قدر عليه آخر الوقت لم تجز الصلاة بالترجمة أوله بخلافها بالتيمم كما مر ويجب قضاء ما صلاه بالترجمة إن ترك التعلم مع إمكانه ووقته من الإسلام فيمن طرأ عليه وفي غيره من التمييز على الأوجه ويجري ذلك في كل واجب قولي وعلى أخرس يحسن تحريك لسانه على مخارج الحروف كما بحثه الأذرعي ومن تبعه فتحريك لسانه وشفتيه ولهاته قدر إمكانه لأن الميسور لا يسقط بالمعسور فإن عجز عن ذلك نواه بقلبه نظير ما يأتي فيمن عجز عن كل الأركان أما من لا يحسن ذلك فلا يلزمه تحريكه لأنه عبث، وفارق الأول بأنه كناطق انقطع صوته فإنه يتكلم بالقوة وإن لم يسمع صوته بخلاف هذا فإنه كعاجز عن الفاتحة وبدلها فيقف بقدرها ولا يلزمه تحريك، فعلم من هذا ما يصرح به كلام المجموع أن التحريك ليس بدلا عن القراءة فإن قلت اكتفى في الجنب بتحريك لسانه على رأي ولم يذكر شفة ولا لهاة وبالإشارة على رأي وكل منهما ينافي ما تقرر وقلت يفرق بأن المدار هنا على أن الميسور لا يسقط بالمعسور كما تقرر وثم على القراءة وهي في كل من الناطق والأخرس بحسبه. "ويسن" للإمام الجهر بتكبير تحرمه وانتقاله. وكذا مبلغ احتيج إليه لكن إن نويا الذكر أو الإسماع وإلا بطلت وغير المبلغ يكره له ذلك لإيذائه غيره وللمصلي مطلقا "وضع يديه" أي كفيه في تكبيره الذي للتحرم إجماعا بل قال ابن خزيمة وغيره بوجوب ذلك "حذو" بإعجام الذال "منكبيه" بحيث تحاذي أطراف أصابعه أعلى أذنيه وإبهاماه

 

ج /1 ص -183-      شحمتي أذنيه وراحتاه منكبيه للاتباع الوارد من طرق صحيحة متعددة لكنها مختلفة الظواهر فجمع الشافعي بينهما بما ذكر ويسن كشفهما ونشر أصابعه وتفريقها وسطا "والأصح" أن الأفضل في وقت الرفع أن يكون "رفعه مع ابتدائه" أي التكبير للاتباع كما في الصحيحين "ولا ندب في الانتهاء" كما في الروضة لكنه رجح في تحقيقه وتنقيحه ومجموعه ندب انتهائهما معا أيضا واعتمده الإسنوي وغيره ويسن إرسالهما إلى ما تحت صدره. "ويجب قرن النية بالتكبير" كله لا توزيعا لإجزائها على أجزائه. بل لا بد أن يستحضر كل معتبر فيها مما مر وغيره كالقصر للقاصر وكونه إماما أو مأموما في الجمعة والقدوة لمأموم في غيرها أراد الأفضل مع ابتدائه ثم يستمر مستصحبا لذلك كله إلى الراء، وقيل يجب تقدم ذلك على أوله بيسير "وقيل" وصححه الرافعي في الطلاق "يكفي" قرنها "بأوله" لأن استصحابها دواما لا يجب ذكرا ورد بأن الانعقاد يحتاط له وفي المجموع والتنقيح المختار ما اختاره الإمام والغزالي أنه يكفي فيها المقارنة العرفية عند العوام بحيث يعد مستحضر للصلاة قال الإمام وغيره والأول بعيد التصور أو مستحيله انتهى لا يقال استحضار الجمل ممكن في أدنى لحظة كما صرح به الإمام نفسه لأنا نقول ذاك من حيث الإجمال وما نحن فيه من حيث التفصيل، ولذلك صوب السبكي وغيره هذا الاختيار وقال ابن الرفعة أنه الحق وغيره أنه قول الجمهور والزركشي أنه حسن بالغ لا يتجه غيره والأذرعي أنه صحيح والسبكي من لم يقل به وقع في الوسواس المذموم وفي نحو الجليل من الله الجليل أكبر تجب مقارنة النية له أيضا كما يصرح به قولهم ثم يستمر إلى آخره وهو متجه وإن نوزع فيه بأن الانعقاد لا يتوقف عليه ويرد بأنه إذا زاده صار من جملة ما يتوقف عليه وإلا لزم إجزاء النية بعد عزوبها وهو بعيد.
"الثالث" من الأركان "القيام في فرض القادر" عليه ولو في فرض صبي ومعادة لقوله صلى الله عليه وسلم لعمران بن الحصين وكانت به بواسير: "صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب" رواه البخاري زاد النسائي: "
فإن لم تستطع فمستلقيا" {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] وخرج بالفرض النفل وسيأتي وبالقادر غيره كراكب سفينة خاف نحو دوران رأس إن قام وكرقيب غزاة أو كمينهم خاف إن قام رؤية العدو وفساد التدبير لكن تجب الإعادة هنا لندرته ومن ثم لو كان خوفهم من قصد العدو لهم لم تجب وفاقا للتحقيق وخلافا للمجموع لأنه ليس بنادر كما هو واضح والتعليل بأن العذر هنا أعظم فيه نظر إذ الأعظمية لا دخل لها في الإعادة وعدمها كما يعلم من مبحثها وكسلس لا يستمسك حدثه إلا بالقعود ولمريض أمكنه بلا مشقة قيام لو انفرد لا إن صلى في جماعة إلا مع الجلوس في بعضها الصلاة معهم مع الجلوس في بعضها وإن كان الأفضل انفراده ليأتي بها كلها من قيام وكان وجهه أن عذره اقتضى مسامحته بتحصيل الفضائل فاندفع قول جمع لا يجوز له ذلك لأن القيام آكد من الجماعة. ومن ثم لو كان قرأ الفاتحة فقط لم يقعد أو والسورة قعد فيها. جاز له قراءتها مع القعود وإن كان الأفضل تركها وأخروا القيام عن سابقيه مع تقدمه عليهما لأنهما ركنان حتى في النفل ولأنه قبلهما شرط وركنيته إنما هي

 

ج /1 ص -184-      معهما وبعدهما ويسن أن يفرق بين قدميه بشبر خلافا لقول الأنوار بأربع أصابع فقد صرحوا بالشبر في تفريقهما في السجود "وشرطه" الاعتماد على قدميه أو أحدهما كما يعلم مما يأتي و "نصب فقاره" وهو مفاصل الظهر لأن اسم القيام لا يوجد إلا معه ولا يضر استناده لما لو زال لسقط إلا إن كان بحيث يمكنه رفع رجليه لأنه الآن غير قائم بل معلق نفسه ومن ثم لو أمسك واحد منكبيه أو تعلق بحبل في الهواء بحيث لم يصر له اعتماد على شيء من قدميه لم تصح صلاته وإن مستا الأرض ولا يضر قيامه على ظهر قدميه من غير عذر خلافا لبعضهم لأنه لا ينافي اسم القيام وإنما لم يجز نظيره في السجود لأنه ينافي وضع القدمين المأمور به ثم، "فإن وقف منحنيا" لأمامه أو خلفه بأن يصير إلى أقل الركوع أقرب تحقيقا في الأولى وتقديرا في الثانية ولا يضر في ذكر هذه هنا كون البطلان فيها لعدم الاستقبال أيضا لأنه الآن خارج بمقدم بدنه عن القبلة وذلك لأنه يجوز اجتماع سببي إبطال على شيء واحد على أنه قد ينحصر الإبطال في زوال القيام بأن يكون في الكعبة وهي مسقوفة فاندفع ما للإسنوي هنا "أو مائلا" ليمينه أو يساره "بحيث لا يسمى قائما" عرفا "لم يصح" لتركه الواجب بلا عذر ويقاس بذلك ما لو زال اسم القعود الواجب بأن يصير. إلى أقل ركوع القاعد أقرب فيما يظهر، ولو عجز عن النهوض إلا بمعين لزمه ولو بأجرة مثل طلبها فاضلة عما يعتبر في الفطرة فيما يظهر وقول ابن الرفعة لو قدر أن يقوم بعكاز أو اعتماد على شيء لم يلزمه ضعيف كما أشار إليه الأذرعي أو محمول على ما قاله الغزي على ملازمة ذلك ليستمر له القيام فلا ينافي الأولى لأن محلها فيما إذا عجز عن النهوض إلا بالمعين لكنه إذا قام استقل ا هـ والأوجه أنه لا فرق فحيث أطاق أصل القيام أو دوامه بالمعين لزمه "فإن لم يطق" انتصابا "وصار كراكع" لكبر أو غيره "فالصحيح أنه يقف كذلك" وجوبا لقربه من الانتصاب "ويزيد" وجوبا "انحناءه لركوعه إن قدر" على الزيادة تمييزا بين الواجبين وقول الإمام والغزالي يلزمه القعود لأنه لا يسمى قائما يرده تصحيحهما أنه لو عجز عن القيام على قدميه وأمكنه النهوض على ركبتيه لزمه مع أنه لا يسمى قائما وإن أمكن الفرق بأن ذاك انتقل إلى الركوع المنافي للقيام بكل وجه بخلاف هذا فإن لم يقدر لزمه كما هو ظاهر إذا فرغ من قدر القيام أن يصرف ما بعده للركوع بطمأنينته ثم للاعتدال بطمأنينته ويخص قولهم لا يجب قصد الركن بخصوصه بغير هذا ونحوه وجوده لتعذر وجود صورة الركن إلا بالنية، "ولو أمكنه القيام دون الركوع والسجود" منه. لعلة بظهره تمنع الانحناء "قام" وجوبا ولو بمعين بل وإن كان مائلا على جنب بل وإن كان أقرب إلى حد الركوع فيما يظهر "وفعلهما بقدر إمكانه" فيحني إمكانه صلبه ثم رقبته ثم رأسه ثم طرفه لأن الميسور لا يسقط بالمعسور ولو أمكنه الركوع فقط كرره عنه وعن السجود فإن قدر على زيادة على أكمله لزمه جعلها للسجود تمييزا بينهما وخرج بقولي منه من يقدر عليهما لو قعد فيصلي قاعدا ويتمهما لا قائما ويومئ بهما على ما جزم به بعضهم وعلله بأن اعتناء الشارع بإتمامهما فوق اعتنائه بالقيام لسقوطه في صلاة النفل دونهما وكذا في صلاة الفرض فيما لو كان لو قرأ السورة أو صلى مع الجماعة قعد فيقعد كما مر تحصيلا لفضل السورة

 

ج /1 ص -185-      والجماعة ولا يومئ بذينك لأجل ذلك كما مر. "ولو عجز عن القيام" بأن لحقه به مشقة ظاهرة أو شديدة عبارتان المراد منهما واحد وهو أن تكون بحيث لا تحتمل عادة وإن لم تبح التيمم أخذا من تمثيل المجموع لها بأن تكون كدوران رأس راكب السفينة واشتراط إباحته وجه ضعيف. كما صرحوا به كالاكتفاء بمجرد إذهاب الخشوع "قعد" إجماعا "كيف شاء" كما اقتضاه إطلاق الخبر السابق ولا ينقص ثوابه لعذره ولو نهض متجشما المشقة لم تجز له القراءة في نهوضه لأنه دون القيام الصائر إليه وقول الفتى ومن تبعه تجزئه لأنه أعلى من القعود الذي هو فرضه يرد بأنه إنما يكون فرضه ما دام فيه، "وافتراشه" ولو امرأة في محل قيامه في فرض أو نفل "أفضل" من توركه وكذا من "تربعه في الأظهر" لأنه المعهود في غير محل القيام ما عدا التشهد الأخير ولأنه الذي تعقبه الحركة وتربعه صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز فأفضل بمعنى فاضل وينبغي أنه لو تعارض التربع والتورك قدم التربع لجريان الخلاف القوي في أفضليته على الافتراش ولم يجر ذلك في التورك "ويكره" الجلوس مادا رجليه و "الإقعاء" في جزء من أجزاء الصلاة للنهي الصحيح عنه وفسره الجمهور "بأن يجلس على وركيه" وهما أصل فخذيه وهو الأليان كذا قاله شيخنا ويلزمه اتحاد الورك والألية وليس كذلك ففي القاموس الفخذ ما بين الساق والورك وهو ما فوق الفخذ وتورك اعتمد على وركه وتورك فلان الصبي جعله على وركه معتمدا عليها وتورك في الصلاة وضع الورك على الرجل اليمنى؛ وهذا منهي عنه أو وضع الأليين أو إحداهما على الأرض والألية العجيزة أو ما يركب العجز من شحم ولحم، والعجيزة العجز وهو مؤخر الشيء. هذا حاصل ما فيه في محاله وهو صريح في تغاير الورك والألية والفخذ. لكنه لم يبين الحد الفاصل للورك عن الآخرين ويبينهما ما سأذكره في الجراح أن الورك هو المتصل بمحل القعود من الألية وهو مجوف وله اتصال بالجوف الأعظم بخلاف الفخذ ويصدق على ذلك المجوف أن أعلاه يوضع عليه الصبي وأسفله يوضع على الأرض فذكر القاموس لهذين مشير لما ذكرته فتأمله وما ذكره من كراهة وضعه على اليمنى واضح "ناصبا ركبتيه" زاد أبو عبيدة مع وضع يديه بالأرض ولعل هذا شرط لتسميته إقعاء لغة لا شرعا وحكمة كراهته ما فيه من التشبه بالكلاب والقردة كما في رواية، وقيل أن يضع يديه بالأرض ويقعد على أطراف أصابعه، وقيل أن يفرش رجليه أي أصابعهما بأن يلصق بطونها بالأرض ويضع ألييه على عقبيه قال في الروضة وهذا غلط لخبر مسلم "الإقعاء سنة نبينا صلى الله عليه وسلم" وفسره العلماء بهذا وقد نص في البويطي والإملاء على ندبه في الجلوس بين السجدتين أي وإن كان الافتراش أفضل منه وألحق بالجلوس بينهما كل جلوس قصير كجلسة الاستراحة "ثم ينحني" وجوبا المصلي فرضا قاعدا "لركوعه" إن قدر "بحيث تحاذي جبهته ما قدام ركبتيه" من مصلاه هذا أقل ركوعه "والأكمل أن تحاذي" جبهته "موضع سجوده" وركوع القاعد في النفل كذلك وذلك قياسا على أقل ركوع القائم وأكمله إذ الأول يحاذي فيه ما أمام قدميه والثاني يحاذي فيه قريب محل سجوده، فمن قال إنهما على وزان ركوع القائم أراد بالنسبة لهذا الأمر التقريبي لا التحديدي، "فإن عجز عن القعود" بالمعنى السابق "صلى لجنبه"

 

ج /1 ص -186-      للخبر السابق مستقبل القبلة بوجهه ومقدم بدنه وجوبا كذا قالوه وفي وجوب استقبالها بالوجه هنا دون القيام والقعود نظر وقياسهما عدم وجوبه إذ لا فارق بينهما لإمكان الاستقبال بالمقدم دونه وتسميته مع ذلك مستقبلا في الكل بمقدم بدنه وبهذا يفرق بينه وبين ما يأتي في رفع المستلقي رأسه ليستقبل بوجهه بناء على ما أفهمه اقتصار شيخنا في شرح الروض تبعا لغيره عليه لأنه ثم لما لم يمكنه بمقدم بدنه لم يجب بغيره لكنه في شرح منهجه عبر هنا بالوجه ومقدم البدن أيضا والظاهر أنه لا تخالف فيحمل الأول على ما إذا لم يمكنه الرفع إلا بقدر استقبال وجهه فقط والثاني على ما إذا أمكنه أن يستقبل بمقدم بدنه أيضا فحينئذ يسقط الاستقبال بالوجه لأنه لا ضرورة إليه حينئذ ويسن كونه على جنبه "الأيمن" كالميت في اللحد ويكره كونه على الأيسر إن أمكنه على الأيمن "فإن عجز" عن الجنب بالمعنى السابق ولو بمعرفة نفسه أو بقول طبيب ثقة ولو عدل رواية فيما يظهر له إن صليت مستلقيا أمكن. مداواة عينك مثلا "فمستلقيا" يصلي على ظهره وأخمصاه إلى القبلة لخبر النسائي السابق ويجب أن يضع تحت رأسه نحو مخدة ليستقبل بوجهه القبلة لا السماء إلا أن يكون داخل الكعبة وهي مسقوفة أو بأعلاها ما يصح استقباله وفي داخلها له أن يصلي منكبا على وجهه ولو مع قدرته على الاستلقاء فيما يظهر لاستواء الكيفيتين في حقه حينئذ وإن كان الاستلقاء أولى. ويظهر أن قولهم وأخمصاه أو رجلاه للقبلة كالمختضر لبيان الأفضل فلا يضر إخراجهما عنهما لأنه لا يمنع اسم الاستلقاء والاستقبال حاصل بالوجه كما مر فلم يجب بغيره مما لم يعهد الاستقبال به نعم إن فرض تعذره بالوجه لم يبعد إيجابه بالرجل حينئذ تحصيلا له ببعض البدن ما أمكنه إن أطاق الركوع والسجود أتى بهما وإلا أومأ بهما برأسه ويقرب جبهته من الأرض ما أمكنه ويجعل السجود أخفض وظاهر أنه يكفي أدنى زيادة على الإيماء بالركوع وإن قدر على أكثر من ذلك خلافا لما توهمه بعض العبارات فإن عجز أومأ بأجفانه ولا يجب هنا على الأوجه إيماء أخفض للسجود بخلافه فيما مر لظهور التمييز بينهما في الإيماء بالرأس دون الطرف فإن عجز كأن أكره على ترك كل ما ذكر في الوقت أجرى الأفعال على قلبه كالأقوال إذا اعتقل لسانه وجوبا في الواجبة وندبا في المندوبة. ولا إعادة ولا تسقط عنه الصلاة ما دام عقله ثابتا أما إذا أكره على التلبث بفعل مناف للصلاة فلا يلزمه شيء ما دام الإكراه وإنما لزم المصلوب الإيماء لأنه لم يمنع من الصلاة وهذا منع منها مع زيادة التلبس بفعل المنافي وتلزمه الإعادة لندرة عذره ويحصل هنا بما يأتي في الطلاق، كذا أطلقه بعضهم وقياس ما مر من سقوط نحو القيام بالمشقة السابقة أن ما هنا أوسع فيحصل بأدون مما هناك، "وللقادر التنفل" ولو نحو عيد "قاعدا" إجماعا ولكثرة النوافل "وكذا مضطجعا" والأفضل كونه على اليمين "في الأصح" لحديث البخاري "صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم وصلاة النائم" أي المضطجع "على النصف من صلاة القاعد" ومحله في القادر وفي غير نبينا صلى الله عليه وسلم إذ من خصائصه أن تطوعه غير قائم كهو قائما لأنه مأمون الكسل ويلزم المضطجع القعود للركوع والسجود أما مستلقيا فلا يصح مع إمكان الاضطجاع وإن تم

 

ج /1 ص -187-      ركوعه وسجوده لعدم وروده. أي والنائم إنما يتبادر منه المضطجع وتردد غير واحد في عشرين ركعة من قعود هل تساوي عشرا من قيام والذي يتجه أن العشرين أفضل من حيث كثرة القراءة والتسابيح ومحالها والعشر أفضل من حيث زيادة القيام لأنه أفضل أركان الصلاة للحديث الصحيح أفضل الصلاة طول القنوت ولأن ذكره وهو القراءة أفضل من ذكر غيره وكون المصلي أقرب ما يكون من ربه إذا كان ساجدا إنما هو بالنسبة لاستجابة الدعاء فيه فلا ينافي أفضلية القيام. والحاصل أن تطويله أفضل من تكرير غيره كالسجود دون الكلام فيما إذا استوى الزمنان فالزمن المصروف لطول القيام أفضل من الزمن المصروف لتكرير السجود فإن قلت ما الأفضل من تينك الزيادتين قلت هذا الخبر يقتضي القيام وخبر ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم يفهم استواءهما وكون المنطوق أقوى من المفهوم يرجح الأولى لا سيما والخبر الثاني طعن في سنده وادعي نسخه وفي المجموع وإطالة القيام أفضل من تكثير الركعات وللمتنفل قراءة الفاتحة في هويه وإن وصل لحد الراكع فيما يظهر لأن هذا أقرب للقيام من الجلوس ومن ثم لزم العجز كما أمر نعم ينبغي أنه لا يحسب ركوعه إلا بزيادة انحناء له بعد فراغ قراءته لئلا يلزم اتحاد ركني القيام والركوع ويحتمل أنه لا يشترط ذلك بل يكفي زيادة طمأنينة بقصده ولا بعد في ذلك الاتحاد ألا ترى أن المصلي قاعدا نفلا يتحد محل تشهده الأول وقيامه ويتميزان بذكرهما وكون ما هنا سنة وركنا وما هناك ركنا ليس له كبير تأثير في الفرق ثم رأيت بعضهم بحث الأول وأخذه من قولهم أن الإتيان بالتحرم في حال الركوع أي صورته مناف للفرض لا للنفل فإذا جاز تحرمه في الركوع فقراءته كذلك لكن ينبغي تقييده بما ذكرته وبعضهم أفتى في قاعد انحنى عن القعود بحيث لا يسمى قاعدا أنه يصح ويزيد انحناء للركوع بحيث لا يبلغ مسجده وهو صريح فيما قيدت به ما مر واعتراضه. بقولهم إن المضطجع يرتفع للركوع كقاعد يرد بأنه لا يمكن هنا الركوع مما هو فيه فلزمه الارتفاع إلى المرتبة التي قبله ثم الركوع فيها بخلافه في مسألتنا وبعضهم جوز لمريد سجدة التلاوة في النفل قراءة الفاتحة في هويه إلى وصوله للسجود.
"الرابع" من الأركان "القراءة" للفاتحة في القيام أو بدله لما يأتي "ويسن" وقيل يجب "بعد التحرم" بفرض أو نفل ما عدا صلاة الجنازة ولو على غائب أو قبر على الأوجه "دعاء الافتتاح" إلا لمن أدرك الإمام في غير القيام. ما لم يسلم قبل أن يجلس أو في الاعتدال وإلا لمن خاف فوت بعض الفاتحة لو أتى به وإلا إن ضاق الوقت بحيث يخرج بعض الصلاة عنه لو أتى به والتعوذ مثله في هذه الثلاثة وإلا إن شرع في التعوذ أو القراءة ولو سهوا وورد فيه أدعية كثيرة مشهورة وأفضلها وجهت وجهي أي ذاتي وكنى عنها بالوجه إشارة إلى أن المصلي ينبغي أن يكون كله وجها مقبلا بكليته على الله تعالى لا يلتفت لغيره بقلبه في لحظة منها وينبغي محاولة الصدق عند التلفظ بذلك حذرا من الكذب في مثل هذا المقام للذي فطر السموات والأرض أي أبدعهما على غير مثال سبق حنيفا أي مائلا عن كل الأديان والطرائق إلى دين الحق وطريقه وتأتي به وبما بعده المرأة

 

ج /1 ص -188-      أيضا على إرادة الشخص. ويؤيده أمره صلى الله عليه وسلم لفاطمة بأن صلاتي إلخ عند شهود أضحيتها وبه يرد قول الإسنوي القياس المشركات المسلمات وقول غيره القياس حنيفة مسلمة وهو حال من وجهي قيل لا من ضمير وجهت لئلا يلزم تأنيثه ويرد بأنه إذا فرض أن المراد الشخص لم يلزم ذلك مسلما وما أنا من المشركين تأكيد لائق بالمقام أن صلاتي خصت لأنها أفضل أعمال البدن ولأن الكلام فيها ونسكي أي عبادتي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين وكان صلى الله عليه وسلم تارة يقول هذا وتارة يقول ما في الآية لأنه أول المسلمين مطلقا ولا يجوز لغيره ذكره إلا إن قصد لفظ الآية ولا يزيد الإمام على هذا إلا إن أم في مسجد غير مطروق بمحصورين رضوا بالتطويل ولم يطرأ غيرهم وإن قل حضوره ولا تعلق بعينهم حق كأجراء وأرقاء ومتزوجات، "ثم" بعده إن أتى به سن "التعوذ" فثم لندب ترتيبه إذا أرادهما لا لنفي سنية التعوذ لو أراد الاقتصار عليه وذلك للآية المحمول فيها عند أكثر العلماء الأمر على الندب وقرأت. على أردت قراءته أي إذا أردتها فقل: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" ومن ثم كان هذا هو أفضل صيغه وسيأتي في العيد أن تكبيره بعد الافتتاح وقبل التعوذ، وبحث عدم ندبه لمن يأتي بذكر بدل الفاتحة مردود بأن الأوجه خلافه لأن للنائب حكم المنوب عنه ويفوت بالشروع في القراءة. ولو سهوا "ويسرهما" ندبا حتى في جهرية كسائر الأذكار وقضية كلامهم أنه خارجها يجهر به للفاتحة وغيرها، وعليه أئمة القراء ومحله كما بحث إن كان ثم من يسمعه لينصت لئلا يفوته من المقروء شيء قيل وبهذا يفرق بينه وبين داخلها ويرد عليه الإمام في الجهرية فإنه يسر به مع أن المأمومين مأمورون بالإنصات له فالأولى التعليل بالاتباع، والأوجه أنه خارجها سنة عين ويفرق بينها وبين التسمية للآكلين بأن القصد ثم حفظ المطعوم من الشيطان وهو حاصل بالتسمية الواحدة وهنا حفظ القارئ فطلبت من كل بخصوصه وبه يظهر أن التسمية في الوضوء سنة عين "ويتعوذ كل ركعة على المذهب" لأن في كل قراءة جديدة وهو لها لا لافتتاحها ومن ثم سن في قراءة القيام الثاني من كل من ركعتي صلاة الكسوف وإنما لم يعده لو سجد لتلاوة لقرب الفصل وأخذ منه أنه لا يعيد البسملة أيضا وإن كانت السنة لمن ابتدأ من أثناء سورة أي غير براءة كما قاله الجعبري ورد قول السخاوي لا فرق أن يبسمل وكسجود التلاوة كل ما يتعلق بالقراءة بخلاف ما إذا سكت إعراضا أو تكلم بأجنبي. وإن قل وألحق بذلك إعادة السواك "والأولى آكد" مما بعدها للاتفاق على ندبه فيها "وتتعين الفاتحة كل" قيام من قيامات الكسوف الأربعة وكل "ركعة" كما جاء عن نيف وعشرين صحابيا وللخبر المتفق عليه "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" الظاهر في نفي الحقيقة لا كمالها للخبر الصحيح كما قاله أئمة حفاظ: "لا تجزئ صلاة لا يقرأ الرجل فيها بأم القرآن"، ونفي الإجزاء وإن لم يفد الفساد على الخلاف الشهير في الأصول. لكن محله فيما لم تنف فيه العبادة لنفي بعضها وبفرض عدم هذا فالدليل على استعماله في الواجب الخبر الصحيح أيضا أنه صلى الله عليه وسلم قال للمسيء في صلاته "إذا استقبلت القبلة فكبر ثم اقرأ بأم القرآن ثم اصنع ذلك في كل ركعة" وصح أيضا أنه صلى الله عليه وسلم

 

ج /1 ص -189-      كان يقرؤها في كل ركعة ومر خبر "صلوا كما رأيتموني أصلي" وصح أنه نهى المؤتمين به عن القراءة خلفه إلا بأم القرآن حيث قال "لعلكم تقرؤون خلفي؟" قلنا نعم قال "لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها". "إلا ركعة مسبوق" فلا تتعين فيها لأنها وإن وجبت عليه يتحملها الإمام عنه بشرطه كما يأتي فلا اعتراض على عبارته خلافا لمن ظنه زاعما أن ظاهرها عدم وجوبها عليه بالكلية وذلك لأن المتبادر من تعين الشيء عدم قبوله لتحمل قبوله لذلك وقد يتصور ذلك في كل الصلاة لسبقه في الأولى وتخلفه عن الإمام بنحو زحمة أو نسيان أو بطء حركة فلم يقم في كل مما بعدها إلا والإمام راكع، "والبسملة" آية كاملة "منها" عملا ويكفي فيه الظن لا سيما إن قرب من اليقين لإجماع الصحابة على ثبوتها في المصحف بخطه مع تحريمهم في تجريده عما ليس بقرآن بل حتى عن نقطه وشكله وإثبات نحو أسماء السور والأعشار فيه من بدع الحجاج على أنه جعلها بغير خطه ولقوة هذا قال بعض الأئمة إنها منها يقينا ويؤيده تواترها عند جماعة من قراء السبع. وصح من طرق أنه صلى الله عليه وسلم عدها آية منها وأنه صلى الله عليه وسلم قال "إذا قرأتم الحمد فاقرءوا بسم الله الرحمن الرحيم إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها" وفيه أصرح رد على من كره تسميتها أم القرآن ولا يكفرنا في البسملة إجماعا كمثبتها خلافا لمن وهم فيهما لما تقرر أن الأصح أن ثبوتها ظني لا يقيني ولا تكفير بظني ثبوتا ولا نفيا بل ولا بيقيني لم يصحبه تواتر وإن أجمع عليه كإنكار أن لبنت الابن السدس مع بنت الصلب، والأصح أنها آية كاملة من أول كل سورة كما صرح به خبر مسلم في {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ} [الكوثر:1] ولا قائل بالفرق ما عدا براءة لأنها نزلت بالسيف باعتبار أكثر مقاصدها ومن ثم حرمت أولها كما هو ظاهر، "وتشديداتها" منها وهي أربع عشرة فتخفيف مشدد كأن قرأ الرحمن بفك الإدغام ولا نظر لكون ال لما ظهرت خلفت الشدة فلم يحذف شيئا لأن ظهورها لحن فلم يمكن قيامه مقامها يبطل قراءته لأنه حرفان أولهما ساكن لا عكسه ولو علم معنى إياك المخفف وتعمده كفر. لأنه ضوء الشمس وإلا سجد للسهو "و" تجب رعاية جميع حروفها فحينئذ "لو أبدل" حاء الحمد لله هاء أو نطق بقاف العرب المترددة بينها وبين الكاف والمراد بالعرب المنسوبة إليهم أخلاطهم الذين لا يعتد بهم، ولذا نسبها بعض الأئمة لأهل الغرب وصعيد مصر بطلت إلا إن تعذر عليه التعلم قبل خروج الوقت واقتضاء كلام جمع بل صريحه الصحة في قاف العرب وإن قدر ضعيف لما في المجموع أنه إذا نطق بسين مترددة بينها وبين الصاد بطلت إن قدر وإلا فلا ويجري ذلك في سائر أنواع الإبدال وإن لم يتغير المعنى كالعالمون فحينئذ لو أبدل "ضادا" منها أي أتى بدلها "بظاء" وزعم أن الباء مع الإبدال إنما تدخل على المتروك مردود كما مر مع تحريره في الخطبة "لم تصح" قراءته لتلك الكلمة "في الأصح" لتغييره النظم والمعنى إذ ضل بمعنى غاب وظل يفعل كذا بمعنى فعله نهارا ولا نظر لعسر التمييز وقرب المخرج لأن الكلام كما تقرر فيمن يمكنه النطق بها ومن ثم صرحوا بأن الخلاف في قادر لم يتعمد وعاجز أمكنه التعلم فترك إما عاجز عنه فيجزئه قطعا وقادر عليه

 

ج /1 ص -190-      متعمد له فلا يجزئه قطعا بل تبطل صلاته إن علم ولو أتى بذال الذين. مهملة بطلت قيل على الخلاف، وقيل قطعا فزعم عدم البطلان فيها مطلقا لأنه لا يغير المعنى ضعيف.
تنبيه: وقع في عباراتهم في فروع هنا ما يوهم التنافي، والتحقيق أنه لا إيهام وأنهم إنما أطلقوا في بعضها اتكالا على ما فهم من كلامهم في نظيره وقد بينت ذلك في شرح العباب بما حاصله أنه متى خفف القادر مشددا أو لحن أو أبدل حرفا بآخر ولم يكن الإبدال قراءة شاذة كإنا أنطيناك أو ترك الترتيب في الفاتحة أو السورة فإن غير المعنى بأن بطل أصله أو استحال إلى معنى آخر ومنه كسر كاف إياك لا ضمها وعلم وتعمد بطلت صلاته وإلا فقراءته لتلك الكلمة فلا يبنى عليها إلا إن قصر الفصل ويسجد للسهو فيما إذا تغير المعنى بما سها به مثلا لأن ما أبطل عمده يسجد لسهوه وأجروا هذا التفصيل في القراءة الشاذة إذا غيرت المعنى، وأطلقوا البطلان بها إذا اشتملت على زيادة حرف أو نقصه. ويتعين حمله كما أشار إليه بعضهم على أنه من عطف الخاص على العام فيختص ذلك بما إذا تغير المعنى بالزيادة أو النقص ويؤيده حذف المصنف لهما في فتاويه وتبيانه واقتصاره على تغيير المعنى وأنه لو نطق بحرف أجنبي لم تبطل مطلقا وتصريحهم بذلك التفصيل في تخفيف المشدد مع أن فيه نقص حرف ولا يقال هذا ليس فيه إلا نقص هيئة لأن زيادة الحرف في الشاذ تشمل ذلك فاندفع الأخذ بظاهر كلامهم من البطلان في الزيادة والنقص مطلقا وتحرم القراءة بشاذ مطلقا قيل إجماعا واعترض وهو ما وراء السبعة، وقيل العشرة وانتصر له كثيرون وتلفيق قراءتين كنصب آدم وكلمات أو رفعهما وفي المجموع يسن لمن قرأ بقراءة من السبع أن يتم بها وإلا جاز بشرط أن لا يكون ما قرأه بالثانية مرتبطا بالأولى. أي لاستلزامه هيئة لم يقرأ بها أحد ثم غير المعنى أبطل وإلا فلا.
"ويجب ترتيبها" بأن يأتي بها على نظمها المعروف للاتباع ولأنه مناط الإعجاز ومن ثم وجب ولو خارج الصلاة فلو بدأ بنصفها الثاني مثلا لم يعتد به مطلقا ثم إن سها بتأخير الأول ولم يطل فصل بنى عليه وإن تعمد تأخيره وقصد به التكميل خلافا لما أوهمه كلام الزركشي أنه إذا لم يقصد شيئا كذلك أو طال فصل أي بين فراغه وإرادة تكميله بأن تعمد السكوت لما يأتي أنه سهو لا يضر ولو مع طوله إلا أن يفرق كما يأتي استأنفه لأن قصد التكميل به صارف وبه يندفع ما أطال به الإسنوي وغيره في حسبانه مطلقا ويفرق بين هذا ونظيره في نحو الوضوء والآذان والطواف والسعي فإنه يعتد بما أتى به ثانيا في محله مطلقا بأن هذا لكونه مناط الإعجاز ويحرم خارج الصلاة أيضا يحتاط له أكثر، ولو ترك حرفا مثلا متعمدا استأنف قراءة تلك الكلمة إن لم يغير المعنى وإلا فالصلاة أو غير متعمد لم يعتد بما بعده حتى يأتي به قبل طول الفصل كما علم مما مر.
"و" تجب "موالاتها". بأن يفصل بين شيء منها وما بعده بأكثر من سكتة التنفس أو العي للاتباع مع خبر
"صلوا كما رأيتموني أصلي" "فإن" فصل بأكثر من ذلك سهوا أو لتذكر الآية، طال كما يأتي لم يضر كما لو كرر آية منها في محلها ولو لغير عذر كما قاله جمع متقدمون خلافا للإسنوي ومن تبعه وعاد إلى ما قرأه قبل واستمر على الأوجه قال البغوي ولو شك أثناءها في البسملة فأكملها مع

 

ج /1 ص -191-      الشك ثم ذكر أنه أتى بها لزمه إعادة ما قرأه على الشك لا استئنافها لأنه لم يدخل فيها غيرها وقال ابن سريج يجب استئنافها وهو الأوجه لتقصيره بما قرأه مع الشك فصار كأنه أجنبي وإن "تخلل ذكر" أجنبي لا يتعلق بالصلاة كالحمد للعطاس والفتح على غير الإمام بالقصد والقيد الآيتين والتسبيح لنحو داخل "قطع الموالاة" وإن قل لإشعاره بالإعراض ومن ثم لو كان سهوا أو جهلا لم يقطعها وإن طال كما حررته في شرح العباب وقال جمع يقطعها كما ينقطع الترتيب فيما مر ويرده فرقهم بين نسيانه ونسيان الموالاة بأنها أسهل منه لأنه مناط الإعجاز بخلافها. "فإن تعلق بالصلاة كتأمينه لقراءة إمامه وفتحه عليه" إذا سكت بقصد القراءة ولو مع الفتح وإلا بطلت صلاته على المعتمد وكسجوده معه لتلاوة وكسؤال رحمة أو استعاذة من عذاب عند قراءة إمامه آيتهما "فلا" يقطعها "في الأصح". لندب ذلك له لكن يسن له الاستئناف خروجا من الخلاف بخلاف فتحه عليه قبل سكوته لعدم ندبه حينئذ، "ويقطع" الموالاة "السكوت" العمد "الطويل" عرفا وهو ما يشعر مثله بقطع القراءة بخلافه لعذر كسهو أو جهل أو إعياء وفارق ما مر في الترتيب بأنه لكونه مناط الإعجاز الاعتناء به أكثر "وكذا يسير" وضبطه المتولي بنحو سكتة تنفس واستراحة "قصد به قطع القراءة في الأصح" لتأثير الفعل مع النية كنقل الوديع الوديعة بنية الخيانة فإنه مضمن وإن لم يضمن بأحدهما وحده وإنما بطلت الصلاة بنية قطعها فقط لأنها ركن تجب إدامتها حكما والقراءة لا تفتقر لنية خاصة فلم تؤثر نية قطعها قال الإسنوي وقضيته أن نية القطع لا تؤثر في الركوع وغيره من الأركان.
فرع: شك قبل ركوعه في أصل قراءة الفاتحة لزمه قراءتها أو في بعضها فلا وقياسه أنه لو شك في جلوس التشهد مثلا في السجدة الثانية فإن كان في أصل الإتيان بها أو بطمأنينتها على ما مر لزمه فعلها أو في بعض أجزائها كوضع اليد فلا لكن ظاهر إطلاقهم في الشك. في غير الفاتحة لزوم الإتيان به مطلقا ووجه بأن حروفها كثيرة فسومح بالشك في بعضها بخلاف غيرها، ويرده فرقهم بين الشك فيها وفي بعضها بأن الأصل في الأول عدم الفعل والظاهر في الثاني مضيها تامة وهذا يأتي في غيرها.
"فإن جهل الفاتحة" كلها بأن عجز عنها في الوقت لنحو ضيقه أو بلادة أو عدم معلم أو مصحف ولو عارية أو بأجرة مثل وجدها فاضلة عما يعتبر في الفطرة "فسبع آيات" يأتي بها إن أحسنها. لأن هذا العدد مرعي فيها بنص قوله تعالى
{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي} [الحجر:87] فراعيناه في بدلها وإن لم يشتمل على ثناء ودعاء وتسن ثامنة لتحصيل السورة ولا يجوز له أن يترجم عنها لقوله تعالى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} [يوسف:2] والعجمي ليس كذلك ومن ثم كان التحقيق كما مر امتناع وقوع المعرب فيه وما فيه مما يوهم ذلك ليس منه بل من توافق اللغات فيه وللتعبد بلفظ القرآن وبه فارق وجوب الترجمة عن تكبيرة الإحرام وغيرها مما ليس بقرآن "متوالية" على ترتيب المصحف فالتعبير به يفيد وجوب ترتيبها بخلاف عكسه فلا اعتراض عليه خلافا لمن زعمه "فإن عجز" عنها كذلك "فمتفرقة قلت الأصح المنصوص" في الأم "جواز المتفرقة" وإن لم تفد معنى منظوما كثم

 

ج /1 ص -192-      نظر والحروف المقطعة أوائل السور كما اقتضاه إطلاقهم وإن نازع فيه غير واحد لكن يتجه في هذا أنه لا بد أن ينوي به القراءة لأنه حينئذ لا ينصرف للقرآن بمجرد التلفظ به "مع حفظه متوالية والله أعلم" كما في قضاء رمضان ولحصول المقصود ولو أحسن آية أو أكثر من الفاتحة أتى به في محله وببدل الباقي من القرآن فإن كان الأول قدمه على البدل أو الآخر قدم البدل عليه أو بينهما قدم. من البدل بقدر ما لم يحسنه قبله ثم يأتي بما يحسنه ثم ببدل الباقي فإن لم يحسن بدلا كرر ما حفظه منها بقدرها أو من غيرها أتى به ثم ببدل الباقي من الذكر إن أحسنه وإلا كرر بقدرها أيضا ولا عبرة ببعض الآية بلا خلاف ذكره ابن الرفعة لكن نوزع فيه، "فإن عجز" عن القرآن "أتى بذكر" متنوع إلى سبعة أنواع ليقوم كل نوع مكان آية ولما في صحيح ابن حبان وإن ضعف "ن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني لا أستطيع أتعلم القرآن فعلمني ما يجزيني من القرآن وفي لفظ الدارقطني ما يجزيني في صلاتي قال "قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله" أشار فيه إلى السبعة بذكر خمسة منها ولعله لم يذكر له الآخرين لأن الظاهر حفظه للبسملة وشيء من الدعاء ولما كان الحمد لله بعض آية وهو لا يتعين قراءته على ما مر لم يجب تعقيبه للبسملة أو قدرها إن لم يحفظها ولا يتعين لفظ الوارد ويجزئ الدعاء المتعلق بالآخرة أي سبعة أنواع منه وإن حفظ ذكرا غيره فإن لم يعرف ما يتعلق بالدنيا أجزأه، "ولا يجوز نقص حروف البدل" من قرآن أو ذكر "عن" حروف "الفاتحة" وهي بالبسملة والتشديدات مائة وخمسة وخمسون حرفا بقراءة ملك ولو بالإدغام خلافا لبعضهم لأن غايته أنه يجعل المدغم مشددا وهو حرفان من الفاتحة والبدل.
تنبيه: ما ذكر من أن حروفها بدون تشديداتها وبقراءة ملك بلا ألف مائة وأحد وأربعون هو ما جرى عليه الإسنوي وغيره وهو مبني على أن ما حذف رسما لا يحسب في العد وبيانه أن الحروف الملفوظ بها ولو في حالة كألفات الوصل مائة وسبعة وأربعون وقد اتفق أئمة الرسم على حذف ست ألفات ألف اسم وألف بعد لام الجلالة مرتين وبعد ميم الرحمن مرتين وبعد عين العالمين فالباقي ما ذكره الإسنوي وخالفه شيخنا في شرح البهجة الصغير فقال بعد ذكر أنها مائة وأحد وأربعون هذا ما ذكره الإسنوي وغيره وتبعتهم في الأصل، والحق أنها مائة وثمانية وثلاثون بالابتداء بألفات الوصل ا هـ. وكأنه نظر إلى أن صراط في الموضعين والألف بعد ضاد الضالين محذوفة رسما لكن هذا قول ضعيف والأرجح كما قاله الشاطبي صاحب المرسوم ثبوتها في الأولين، والمشهور بل اقتضى كلام بعضهم أنه متفق عليه ثبوت الثالثة وحينئذ اتجه ما ذكره الإسنوي. وقول شيخنا بالابتداء إلى آخره لا يختص بالحق الذي ذكره بل يأتي على كلام الإسنوي أيضا نظرا لثبوتها في الرسم، هذا واعتبار الرسم فيما نحن فيه لا وجه له لأن كلامنا في قراءة أحرف بدل أحرف عجز عنها وذلك إنما يناط بالملفوظ دون المرسوم لأنهم يرسمون ما لا يتلفظ به وعكسه لحكم ذكروها على أنها غير مطردة، ولذا قالوا خطان لا يقاس عليهما خط المصحف

 

ج /1 ص -193-      الإمام وخط العروضيين فاصطلاح أهل الرسم لا يوافق اللفظ المنوطة به القراءة بوجه فالحق الذي لا محيص عنه اعتبار اللفظ وعليه فهل تعتبر ألفات الوصل نظرا إلى أنه قد يتلفظ بها في حالة الابتداء أولا لأنها محذوفة من اللفظ غالبا كل محتمل، والأول أوجه فيجب مائة وسبعة وأربعون حرفا غير الشدات الأربعة عشر فالجملة مائة وأحد وستون حرفا فإن قلت يلزم على فرض الشدات كذلك عد الحرف الواحد مرتين لأن لام الرحمن مثلا حسبت وحدها والراء حسبت وحدها ثم حسبتا واحدا في الشدة قلت الممتنع حسابه مرتين من جهة واحدة وما هنا ليس كذلك لأنهما حسبتا أولا نظرا لأصل الفك وثانيا نظرا لعارض الإدغام وكما حسبت ألفات الوصل نظرا لبعض الحالات هكذا هذه فتأمل ذلك فإنه مهم.
"في الأصح" كما لا يجوز النقص عن آياتها وإنما أجزأ قضاء يوم قصير عن طويل لعسر رعاية المماثلة في الأيام استشكل قطعهم بوجوب السبع في البدل دون عدد الحروف مع أنها المقصودة بالثواب ويجاب بأن خصوص كونها سبعا وقعت المنة به كما مر بخلاف خصوص عدد حروفها فكانت عنايتهم بذاك أقوى وإناطة الثواب بها لا تختص بالفاتحة فخف أمرها. ويشترط أن لا يقصد بالذكر غير البدلية ولو معها فلو افتتح أو تعوذ بقصد السنة والبدل لم يكف، "فإن لم يحسن شيئا" من قرآن ولا غيره وعجز عن التعلم وترجمة الذكر والدعاء. نظير ما مر "وقف" وجوبا "قدر الفاتحة" في ظنه أي بالنسبة لزمن قراءتها المعتدلة من غالب أمثاله نظير ما مر فيمن خلق بلا نحو مرفق أو حشفة وذلك لأن القراءة والوقوف بقدرها كانا واجبين فإذا تعذر أحدهما بقي الآخر ويلزمه القعود بقدر التشهد الأخير ويسن له الوقوف بقدر السورة والقنوت والقعود بقدر التشهد الأول "ويسن عقب الفاتحة" لقارئها ولو خارج الصلاة لكنه فيها آكد ومثلها بدلها إن تضمن دعاء "آمين" مع سكتة لطيفة بينهما تمييزا لها عن القرآن وحسن زيادة رب العالمين وذلك للخبر المتفق عليه: "
إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين فإنه من وافق قوله قول الملائكة" أي في الزمن، وقيل الإخلاص والمراد الملائكة المؤمنون على أدعية المصلين والحاضرون لصلاتهم "غفر له ما تقدم من ذنبه" وفي حديث البيهقي وغيره "أن اليهود لم يحسدونا على شيء ما حسدونا على القبلة والجمعة وقولنا خلف الإمام آمين".
تنبيه: أفهم قوله عقب فوت التأمين بالتلفظ بغيره ولو سهوا كما في المجموع عن الأصحاب وإن قل، نعم ينبغي استثناء نحو رب اغفر لي للخبر الحسن أنه صلى الله عليه وسلم قال عقب الضالين
"رب اغفر لي آمين" وأفهم أيضا فوته بالسكوت أي بعد السكوت المسنون وينبغي أن محله إن طال نظير ما مر في الموالاة وبما قررته يعلم الرد على من قال لا يفوت إلا بالشروع في السورة أو الركوع نعم ما أفهمه من فوته. بالشروع في الركوع ولو فورا متجه والأفصح الأشهر أن يأتي بها "خفيفة الميم بالمد" وهي اسم فعل بمعنى استجب مبني على الفتح ويسكن عند الوقف، "ويجوز" الإمالة و"القصر" مع تخفيفها وتشديدها لأنه لا يخل بالمعنى وفيها التشديد مع المد أيضا ومعناها قاصدين فإن أتى بها

 

ج /1 ص -194-      وأراد قاصدين إليك وأنت أكرم من أن تخيب قاصدا لم تبطل صلاته لتضمنه الدعاء أو مجرد قاصدين بطلت، وكذا إن لم يرد شيئا كما هو ظاهر "و" الأفضل للمأموم في الجهرية أنه "يؤمن مع تأمين إمامه" لا قبله ولا بعده ليوافق تأمين الملائكة كما دل عليه الخبر السابق وبه يعلم أن المراد بأمن في رواية إذا أمن الإمام فأمنوا أراد أن يؤمن ولأن التأمين لقراءة إمامه وقد فرغت لا لتأمينه، ومن ثم اتجه أنه لا يسن للمأموم إلا إن سمع قراءة إمامه. ويؤيده ما يأتي أن المأموم لا يؤمن لدعاء قنوت إمامه إلا إن سمعه وليس لنا ما يسن فيه تحري مقارنة الإمام سوى هذا فإن لم تتفق له موافقة أمن عقبه ولو أخره عن الزمن المسنون أمن قبله ولم ينتظره اعتبارا بالمشروع وقد يشكل عليه ما يأتي في جهر الإمام أو إسراره من أن العبرة فيهما بفعله لا بالمشروع إلا أن يجاب بأن السبب للتأمين وهو انقضاء قراءة الإمام وجد فلم يتوقف على شيء آخر والسبب في قراءة المأموم للسورة متوقف على فعل الإمام فاعتبره وقضية كلامهم أنه لا يسن لغير المأموم وإن سمع قبله لكن في البخاري إذا أمن القارئ فأمنوا وعمومه يقتضي الندب في مسألتنا وفيه نظر ا هـ "ويجهر به" ندبا في الجهرية الإمام والمنفرد قطعا والمأموم "في الأظهر" وإن تركه إمامه لرواية البخاري عن عطاء أن ابن الزبير رضي الله عنهما كان يؤمن هو ومن وراءه بالمسجد الحرام حتى أن للمسجد للجة وهي بالفتح فالتشديد اختلاط الأصوات وصح عن عطاء أنه أدرك مائتي صحابي بالمسجد الحرام إذا قال الإمام ولا الضالين رفعوا أصواتهم بآمين أما السرية فيسرون فيها جميعهم كالقراءة، "ويسن" في سرية وجهرية لإمام ومنفرد كمأموم لم يسمع "سورة بعد الفاتحة" في غير صلاة فاقد الطهورين من الجنب لحرمتها عليه وصلاة الجنازة لكراهتها فيها وذلك للأخبار الكثيرة الصحيحة في ذلك ولم تجب للحديث الصحيح أم القرآن عوض من غيرها وليس غيرها عوضا منها ويحصل أصل سنتها. بآية بل ببعضها إن أفاد على الأوجه والأفضل ثلاث وسورة كاملة أفضل من بعض طويلة وإن طال من حيث الاتباع الذي قد يربو ثوابه على زيادة الحروف نظير صلاة ظهر يوم النحر للحاج بمنى دون مسجد مكة في حق من نزل إليه لطواف الإفاضة إذ الاتباع ثم يربو على زيادة المضاعفة فاندفع ما لكثيرين هنا، ثم البعض في التراويح أفضل كما أفتى به ابن الصلاح وعلله بأن السنة القيام في جميعها بالقرآن ومثلها نحو سنة الصبح لورود البعض فيها أيضا. وأفهم قوله بعد الفاتحة أنه لو قدمها عليها لم تحسب كما لو كرر الفاتحة إلا إذا لم يحفظ غيرها على الأوجه "إلا" في الركعة "الثالثة" من المغرب وغيرها "والرابعة" من الرباعية وما بعد أول تشهد من النوافل "في الأظهر" لثبوته من فعله صلى الله عليه وسلم ومقابله ثبت في مسلم من فعله صلى الله عليه وسلم أيضا وقاعدة تقديم المثبت على النافي تؤيده فلذا صححه أكثر العراقيين واختاره السبكي وعليه يكون أقصر من الأوليين لندب تقصير الثانية عن الأولى كما صرح به الخبر ولأن النشاط في الأول وما يليه أكثر وبه يتوجه مخالفتهم لتلك القاعدة وحملهم قراءتها فيهما على بيان الجواز لأن المعروف المستمر من أحواله صلى الله عليه وسلم رعاية النشاط أكثر من غيره "قلت فإن سبق بهما" أي بالثالثة والرابعة من صلاة نفسه كما يأتي بيانه أو بالأوليين الدال

 

ج /1 ص -195-      عليهما سياقه من صلاة إمامه بأن لم يدركهما منها معه وإنما أدركه في الثالثة والرابعة منها. أو من صلاة نفسه بأن أدركهما منها معه لكنه لم يتمكن من قراءة السورة فيهما "قرأها فيهما" أي في الثالثة والرابعة بالنسبة للمأموم حين تداركهما في الحالة الأولى أو الثانية أو بالنسبة للإمام أو الأولى والثانية بالنسبة للمأموم وهو خلف الإمام في الحالة الثانية فيهما إن تمكن لنحو بطء قراءة الإمام ما لم تسقط عنه لكونه مسبوقا فيما أدركه لأن الإمام إذا تحمل عنه الفاتحة فالسورة أولى "والله أعلم" لئلا تخلو صلاته من السورة بلا عذر وإنما قضى السورة دون الجهر لأن السنة آخر الصلاة ترك الجهر وليست السنة آخرها ترك السورة بل لا يسن فعلها وبين العبارتين فرق واضح.
تنبيه: ما قررت به المتن من أن الضمير الأول والثاني للأوليين أو للثالثة والرابعة باعتبارين هو التحقيق الذي يجمع به بين كلام الشارحين وغيرهم المتناقض في ذلك، أو أكثرهم على عود الأول للأوليين والثاني للأخيرتين وزعم بعضهم أن عودهما معا أو الأول وحده للأخيرتين ممتنع لأنه لا يعقل سبقه بهما مع إدراك الأوليين لا بالنسبة لصلاة نفسه ولا بالنسبة. لصلاة الإمام يرده ما قررته من الاعتبارين المذكورين وفي المجموع عن التبصرة متى أمكن المسبوق قراءة السورة في أولييه لنحو بطء قراءة الإمام قرأها المأموم معه ولا يعيدها في أخرييه أي وإن لم يقرأها معه ويوجه بأنه لما تمكن فترك عد مقصرا فلم يشرع له تدارك قال عنها ومتى لم يمكنه ذلك قرأها في أخرييه، وعلى هذا لو أدرك ثانية رباعية وأمكنته السورة في أولييه تركها في الباقي أي لتقصيره كما علم مما قدمته وإن تعذرت في ثانيته دون ثالثته قرأها فيها ولا يقرؤها في رابعته أي بخلاف ما إذا لم تمكنه في ثالثته فيقرؤها في رابعته كما أفهمه كلامه ا هـ بل الأولى عودهما معا للأخيرتين لأنهما الملفوظ به الأقرب الذي يمنع تشتت الضمير ولا إشكال عليه لأنه إذا أدرك ثالثة الإمام ورابعته ولم يتمكن فيهما من السورة صار الذي أدركه مع الإمام أولى نفسه والذي فاته معه ثالثة نفسه ورابعته وحينئذ يصدق على هذه الصورة أنه سبق بالثالثة والرابعة من صلاة نفسه وأنه يقرأ في الثالثة والرابعة حين تداركهما ولظهور هذا سلكه الشارح المحقق واعتراض بعض الشارحين عليه علم رده مما قررته فتأمله وخرج بفيهما صلاة المغرب فإن سبق بالأوليين بالاعتبار السابق وتمكن من قراءة سورتهما في الثالثة قرأهما فيها أخذا من قولهم لئلا تخلو عنهما صلاته أو بالأولى قرأها في الثانية والثالثة كما علم مما مر ويأتي في التمكن مع التفويت هنا ما مر آنفا من عدم التدارك.
"ولا سورة للمأموم" الذي يسمع الإمام في جهريه "بل يستمع" لصحة نهيه عن القراءة خلفه ما عدا الفاتحة ومن ثم كرهت له، وقيل تحرم واختير إن آذى غيره "فإن بعد" بأن لم يسمعها أو سمع صوتا لا يميز حروفه وإن قرب منه لنحو صمم به "أو كانت سرية قرأ في الأصح" لفقد السماع الذي هو سبب النهي وقضية المتن اعتبار المشروع فيقرأ في سرية جهر الإمام فيها لا عكسه وصححه في الشرح الصغير لكن الذي في الروضة اقتضاء والمجموع تصريحا اعتبار فعل الإمام. "ويسن" للمصلي الحاضرة ولو إماما لكن بالشروط

 

ج /1 ص -196-      السابقة في دعاء الافتتاح وإن نازع في اعتبارها هنا الأذرعي "للصبح والظهر طوال" بضم الطاء وكسرها "المفصل" نعم يسن كما في الروضة وأصلها وغيرهما نقص الظهر عن الصبح بأن يقرأ فيها قريب طواله لما يأتي ولأن النشاط فيها أكثر "وللعصر والعشاء أوساطه وللمغرب قصاره" للخبر الصحيح الدال على ذلك وحكمته طول وقت الصبح مع قصرها فجبرت بالتطويل وقصر وقت المغرب على الخلاف فيه وفعلها فجبرت بالتخفيف، والثلاثة الباقية طويلة وقتا وفعلا فجبرت بالتوسط في غير الظهر وبما مر فيه وفارقهما بأنه لقربه من الصبح النشاط فيه أكثر منه فيهما وتراخى عنه لقلة النشاط فيه بالنسبة لها فهو مرتبة متوسطة بين الصبح وبين العصر والعشاء وطواله من الحجرات إلى عم فأوساطه إلى الضحى فقصاره إلى الآخر على ما اشتهر. "و" يسن "لصبح الجمعة" إذا اتسع الوقت "الم تنزيل" السجدة "وفي الثانية هل أتى" بكمالها لثبوته مع دوامه من فعله صلى الله عليه وسلم وبه يتضح اندفاع ما قيل الأولى تركهما في بعض الجمع حذرا من اعتقاد العامة وجوبهما وحديث أنه قرأ في جمعة بسجدة غير الم تنزيل. منظر في سنده ويلزم من ذلك الحذر ترك أكثر السنن المشهورة ولا قائل به فإن ترك الم في الأولى أتى بهما في الثانية أو قرأ هل أتى في الأولى قرأ الم في الثانية لئلا تخلو صلاته عنهما، وكذا في كل صلاة سن في أولييها سورتان معينتان وظاهر أنه يسن لمن شرع في غير السورة المعينة ولو سهوا قطعها وقراءة المعينة أما إذا ضاق الوقت عنهما فيأتي بسورتين قصيرتين على الأوجه وقول الفارقي ومن تبعه ببعضهما من تفرد كما أشار إليه الأذرعي أما المسافر فيسن له في صبحه في الجمعة وغيرها الكافرون ثم الإخلاص لحديث فيه وإن كان ضعيفا وورد أيضا أنه صلى الله عليه وسلم صلى في صبح السفر بالمعوذتين وعليه فيصير المسافر مخيرا بين ما في الحديثين بل قضية كون الحديث الثاني أقوى سندا وإيثارهم التخفيف للمسافر في سائر قراءته أن المعوذتين أولى ويسن بالجهر بالقراءة لغير المأموم في الصلوات الجهرية المعلوم أكثرها من كلامه كركعتي الطواف ليلا ووقت صبح وكالعيد. ولو قضاء وقولهم العبرة في الجهر وضده في المقضية بوقت القضاء محله في غيرها لأن الجهر لما سن فيها في محل الإسرار استصحب، نعم المرأة لا تجهر إلا إن لم يسمعها أجنبي ومثلها الخنثى وليكن جهرهما دون جهر الرجل ولا يجهر مصل ولا غيره إن شوش على نحو نائم أو مصل فيكره كما في المجموع وفتاوى المصنف وبه رد على ابن العماد نقله عنهما الحرمة إن كان مستمعو القراءة أكثر من المصلين نظرا لزيادة المصلحة ثم نظر فيه وبحث المنع من الجهر بحضرة المصلي مطلقا لأن المسجد وقف على المصلين أي أصالة دون الوعاظ والقراء ونوافل الليل المطلقة يتوسط فيها بين الجهر والإسرار بأن يقرأ هكذا مرة وهكذا أخرى أو يدعي أن بينهما واسطة بأن يرفع عن إسماع نفسه إلى حد لا يسمعه غيره.
فرع: تسن سكتة يسيرة وضبطت بقدر سبحان الله بين التحرم ودعاء الافتتاح وبينه وبين التعوذ وبينه وبين البسملة وبين آخر الفاتحة وآمين وبين آمين والسورة إن قرأها وبين آخرها وتكبير الركوع فإن لم يقرأ سورة فبين آمين والركوع ويسن للإمام أن يسكت في

 

ج /1 ص -197-      الجهرية بقدر قراءة المأموم الفاتحة إن علم أنه يقرؤها في سكتته كما هو ظاهر وأن يشتغل في هذه السكتة بدعاء أو قراءة وهي أولى وحينئذ فيظهر أنه يراعي الترتيب والموالاة بينها وبين ما يقرؤه بعدها لأن السنة القراءة على ترتيب المصحف وموالاته وفارق حرمة تنكيس الآي بأنه مع كون ترتيبها كما هي عليه من فعله صلى الله عليه وسلم اتفاقا يزيل بعض أنواع الإعجاز بخلافه في السور ونقل الباقلاني الإجماع على حرمة قراءة آية من كل سورة لكن ظاهر قول الحليمي خلط سورة بسورة خلاف الأدب، والبيهقي: الأولى بالقارئ أن يقرأ على التأليف المنقول يرده وممن صرح بكراهته أبو عبيد وبحرمته ابن سيرين ولو تعارض الترتيب وتطويل الأولى كأن قرأ الإخلاص فهل يقرأ الفلق نظرا للترتيب أو الكوثر نظرا لتطويل الأولى؟ كل محتمل والأول أقرب، وكذا يسن لمأموم فرغ من الفاتحة في الثالثة أو الرابعة أو من التشهد الأول قبل الإمام. أن يشتغل بدعاء فيهما أو قراءة في الأولى وهو أولى ولو لم يسمع قراءة الإمام سن له، وكذا في أوليي السرية أن يسكت بقدر قراءة الإمام الفاتحة إن ظن إدراكها قبل ركوعه وحينئذ يشتغل بالدعاء لا غير لكراهة تقديم السورة على الفاتحة قال في المجموع ويسن وصل البسملة بالحمد للإمام وغيره وأن لا يقف على أنعمت عليهم لأنه ليس بوقف ولا منتهى آية عندنا ا هـ. فإن وقف على هذا لم تسن له الإعادة من أول الآية وما ذكره في الأول عجيب فقد صح "نه صلى الله عليه وسلم كان يقطع قراءته آية آية يقول بسم الله الرحمن الرحيم ثم يقف الحمد لله رب العالمين ثم يقف الرحمن الرحيم ثم يقف"ومن ثم قال البيهقي والحليمي وغيرهما يسن الوقف على رءوس الآي وإن تعلقت بما بعدها للاتباع.
"الخامس الركوع" للكتاب والسنة وإجماع الأمة وهو لغة الانحناء وشرعا انحناء خاص "وأقله" للقائم "أن ينحني" انحناء خالصا لا مشوبا بانخناس وإلا بطلت "قدر بلوغ راحتيه" أي كفيه "ركبتيه" لو أراد وضعهما عليهما مع اعتدال خلقته وسلامة يديه وركبتيه لأنه بدون ذلك لا يسمى ركوعا فلا نظر لبلوغ راحتي طويل اليدين ولا أصابع معتدلهما. وإن نظر فيه الإسنوي ولا لعدم بلوغ راحتي القصير ويجب أن يكون متلبسا "بطمأنينة" للأمر بها في الخبر المتفق عليه، وضابطها أن تسكن وتستقر أعضاؤه "بحيث ينفصل رفعه" منه "عن هويه" بفتح أوله ويجوز ضمه إليه ولا يكفي عن ذلك زيادة الهوي "و" يلزمه أنه "لا يقصد به" أي الهوي "غيره" أي الركوع لا أنه يقصده نفسه لأن نية الصلاة منسحبة عليه.
"فلو هوى لتلاوة" أو قتل نحو حية "فجعله" عند بلوغه حد الركوع "ركوعا لم يكف" بل يلزمه أن ينتصب ثم يركع لصرفه هويه لغير الواجب فلم يقم عنه، وكذا سائر الأركان ومن ثم لو شرع مصلي فرض في صلاة أخرى سهوا وقرأ ثم تذكر لم يحسب له ما قرأه إن كانت تلك نافلة لأنه قرأ معتقدا النفلية كذا أطلقه غير واحد وليس بصحيح لما يأتي قبيل الثاني عشر، وفي سجود السهو واختلاف التصوير هنا وثم لا نظر إليه لاتحاد المدرك فيهما بل ذاك أولى كما هو ظاهر ولو شك وهو ساجد هل ركع لزمه الانتصاب فورا ثم الركوع ولا يجوز له القيام راكعا وإنما يحسب هويه عن الركوع كما في الروضة

 

ج /1 ص -198-      والمجموع فيما لو تذكر في السجود أنه لم يركع ومنازعة الزركشي كالإسنوي فيه مردودة لأنه صرف هويه المستحق للركوع إلى أجنبي عنه في الجملة إذ لا يلزم من السجود من قيام وجود هوي الركوع وبه يفرق بين هذا وما لو شك غير مأموم بعد تمام ركوعه في الفاتحة فعاد للقيام ثم تذكر أنه قرأ فيحسب له انتصابه عن الاعتدال وما لو قام من السجود يظن أن جلوسه للاستراحة أو التشهد الأول فبان أنه بين السجدتين أو للتشهد الأخير. وذلك لأنه في الكل لم يصرف الركن لأجنبي عنه فإن القيام في الأول والجلوس في الأخيرين واحد وإنما ظن صفة أخرى لم توجد فلم ينظر لظنه بخلافه في مسألة الركوع فإنه بقصده الانتقال للسجود لم يتضمن ذلك قصد الركوع معه لما تقرر أن الانتقال إلى السجود لا يستلزمه وبه يعلم أنه لو شك قائما في ركوعه فركع ثم بان أنه هوى من اعتداله لم يلزمه العود للقيام بل له الهوي من ركوعه. لأن هوي الركوع بعض هوي السجود فلم يقصد أجنبيا فتأمل ذلك كله فإنه مهم وبه يتضح أن قول الزركشي لو هوى إمامه فظنه يسجد للتلاوة فتابعه فبان أنه ركع حسب له واغتفر للمتابعة الواجبة عليه إنما يأتي على نزاعه في مسألة الروضة أما على ما فيها فواضح أنه لا يحسب له لأنه قصد أجنبيا كما قررته وظن المتابعة الواجبة لا يفيد كظن وجوب السجود في مسألة الروضة فلا بد أن يقوم ثم يركع. وكذا قول غيره لو هوى معه ظانا أنه هوى للسجود الركن فبان أن هويه للركوع أجزأه هويه عن الركوع لوجود المتابعة الواجبة في محلها، بخلاف مسألة الزركشي لا تأتي إلا على مقابل ما في الروضة أيضا كما علم مما قررته وإشارته لفرق بين صورته وصورة الزركشي مما يتعجب منه بل هما على حد سواء "وأكمله" مع ما مر "تسوية ظهره وعنقه" بأن يمدهما حتى يصيرا كالصفيحة الواحدة للاتباع "ونصب ساقيه" وفخذيه إلى الحقو ولا يثني ركبتيه لفوات استواء الظهر به "وأخذ ركبتيه بيديه" ويفرق بينهما كما في السجود "وتفريق أصابعه" للاتباع فيهما تفريقا وسطا "للقبلة" لأنها أشرف الجهات بأن لا يحرف شيئا منها عن جهتها يمنة أو يسرة "و" من جملة الأكمل أيضا أنه "يكبر في ابتداء هويه" يعني قبيله "ويرفع يديه" كما صح عنه صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة ونقله البخاري عن سبعة عشر صحابيا وغيره عن أضعاف ذلك بل لم يصح عن واحد منهم عدم الرفع ومن ثم أوجبه بعض أصحابنا "ك" رفعهما في "إحرامه" بأن يبدأ به وهو قائم ويداه مكشوفتان وأصابعهما منشورة مفرقة وسطا مع ابتداء التكبير فإذا حاذى كفاه منكبيه انحنى مادا التكبير إلى استقراره في الركوع لئلا يخلو جزء من صلاته عن ذكر. وكذا في سائر الانتقالات حتى في جلسة الاستراحة فيمده على الألف التي بين اللازم والهاء لكن بحيث لا يتجاوز سبع ألفات لانتهاء غاية هذا المد من ابتداء. رفع رأسه إلى تمام قيامه "و" من جملته أيضا أنه "يقول" بعد استقراره فيه "سبحان ربي العظيم" وبحمده "ثلاثا" للاتباع وصح أنه لما أنزل {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة:74] قال صلى الله عليه وسلم "اجعلوها في ركوعكم" فلما نزلت {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1] قال "اجعلوها في سجودكم" وحكمته أنه ورد: أقرب ما يكون العبد من ربه إذا كان ساجدا، فخص بالأعلى أي عن الجهات والمسافات لئلا يتوهم بالأقربية

 

ج /1 ص -199-      ذلك، وقيل لأن الأعلى أفعل تفضيل وهو أبلغ من العظيم والسجود أبلغ في التواضع فجعل الأبلغ للأبلغ وأقله فيهما واحدة وأكمله إحدى عشرة ودونه تسع فسبع فخمس فثلاث فهي أدنى كماله كما في رواية "ولا يزيد الإمام" عليها إلا بالشروط المارة في الافتتاح "ويزيد المنفرد" ندبا ومثله مأموم طول إمامه "اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي" وشعري وبشري "وما استقلت به قدمي" بالإفراد وإلا لقال: قدماي لله رب العالمين لورود ذلك كله وليصدق حينئذ لئلا يكون كاذبا إلا أن يريد أنه بصورة الخاشع وإنما وجب للقيام والجلوس الأخير ذكر ليتميزا عن صورتهما العادية بخلاف الركوع والسجود إذ لا صورة لهما عادة يميزان عنها وألحق بهما الاعتدال والجلوس بين السجدتين لأن اكتنافهما بما قبلهما وما بعدهما يخرجهما عن العادي على أنهما وسيلتان لا مقصودتان ويسن فيه كالسجود سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي وتكره القراءة في غير القيام للنهي عنها.
"السادس الاعتدال قائما" أو قاعدا مثلا. كما كان قبل ركوعه للحديث الصحيح
ثم ارفع حتى تعتدل قائما ويجب أن يكون فيه "مطمئنا" للخبر الصحيح "ثم ارفع حتى تطمئن قائما" وفي رواية صحيحة أيضا "فإذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها" وفي أخرى صحيحة أيضا "لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره من الركوع والسجود" ويجب الاعتدال والجلوس بين السجدتين والطمأنينة فيهما ولو في النفل كما في التحقيق وغيره فاقتضاء بعض كتبه عدم وجوب ذينك فضلا عن طمأنينتهما غير مراد أو ضعيف خلافا لجزم الأنوار، ومن تبعه بذلك الاقتضاء غفلة عن الصريح المذكور في التحقيق كما تقرر وتعبيره بطمأنينة ثم وبمطمئنا هنا تفنن كقوله في السجود ويجب أن يطمئن وفي الجلوس بين السجدتين مطمئنا، نعم لو قيل عبر فيه كالاعتدال بمطمئنا دون الآخرين إشارة لمخالفتهما لهما في الخلاف المذكور لم يبعد "ولا يقصد" بالقيام إليه "غيره فلو رفع" رأسه "فزعا من شيء لم يكف" نظير ما مر في الركوع فليعد إليه ثم يقوم وخرج بفزعا ما لو شك راكعا في الفاتحة فقام ليقرأها فتذكر أنه قرأها فإنه يجزئه هذا القيام عن الاعتدال كما مر.
تنبيه: ضبط شارح فزعا بفتح الزاي وكسرها أي لأجل الفزع أو حالته وفيه نظر بل يتعين الفتح فإن المضر الرفع لأجل الفزع وحده لا الرفع المقارن للفزع من غير قصد الرفع لأجله فتأمله.
"ويسن رفع يديه" حذو منكبيه كما في التحرم لصحة الخبر به "مع ابتداء رفع رأسه قائلا سمع الله لمن حمده" أي تقبله منه ويكفي من حمد الله سمعه. ويسن للإمام والمبلغ الجهر به لأنه ذكر الانتقال وإطباق أكثر عوام الشافعية على الإسرار به والجهر بربنا لك الحمد جهل وخبر:
"إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد". معناه قولوا ذلك مع ما علمتموه مني من سمع الله لمن حمده لأنه صلى الله عليه وسلم كان يجهر بهذه ويسر بربنا

 

ج /1 ص -200-      لك الحمد وقاعدة التأسي تحملهم على الإتيان بسمع الله لمن حمده وعدم علمهم بربنا لك الحمد يحملهم على عدم الإتيان به فأمرهم به فقط لأنه المحتاج للتنبيه عليه "فإذا انتصب" قائما أرسل يديه وما قيل يجعلهما تحت صدره كالقيام يأتي قريبا رده و "قال ربنا" أو اللهم ربنا "لك" أو ولك "الحمد" أو لك الحمد ربنا أو الحمد لربنا وأفضلها ربنا لك الحمد عند الشيخين لأنه أكثر الروايات أو ربنا ولك الحمد كما في الأم ووجه بتضمنه جملتين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما في التحقيق وصح أنه صلى الله عليه وسلم رأى بضعا وثلاثين ملكا يستبقون إلى هذه أيهم يكتبها أولا "ملء" بالرفع صفة والنصب حالا أي مالئا بتقدير تجسمه "السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد" أي بعدهما كالكرسي والعرش وغيرهما مما لا يحيط به إلا علم علام الغيوب ويسن هذا حتى للإمام مطلقا خلافا للمجموع أنه إنما يسن له ربنا لك الحمد فقط "ويزيد المنفرد" وإمام من مر "أهل" أي يا أهل ويجوز الرفع بتقدير أنت "الثناء" أي المدح "والمجد" أي العظمة والكرم "أحق" مبتدأ "ما قال العبد وكلنا لك عبد" اعتراض والخبر "لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد". بفتح الجيم أي صاحب الغنى أو المال أو الحظ أو النسب "منك الجد" أي عندك جده وإنما الذي ينفعه عندك رضاك ورحمتك لا غير وفي رواية حق بلا همزة كلنا بلا واو فالخبر ما قال العبد وكلنا إلى آخره بدل من ما.
"ويسن" بعد ذكر الاعتدال وهو إلى من شيء بعد خلافا لمن قال الأولى أن لا يزيد على ربنا لك الحمد ولمن قال الأولى أن يأتي بذلك الذكر كله "القنوت في اعتدال ثانية الصبح" للخبر الصحيح عن أنس
"ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا" ونقل البيهقي العمل بمقتضاه عن الخلفاء الأربعة وصح من أكثر الطرق أنه صلى الله عليه وسلم فعله للنازلة بعد الركوع فقسنا عليه هذا، وجاء بسند حسن أن أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم كانوا يفعلونه بعد الركوع فلو قنت شافعي قبله لم يجزه ويسجد للسهو فإن قلت قياس كلام أئمتنا الجمع بين الروايات المتعارضة هنا بحمل ما قبل على أصل السنة وما بعد على كمالها. وكذا يقال في نظائر لذلك لا سيما في هذا الباب قلنا إنما خرجوا عن ذلك لأنهم رأوا مرجحا للثانية وقادحا في الأولى هو أن أبا هريرة صرح ببعد وأنس تعارض عنه حديث راوييه محمد وعاصم في القبل والبعد فتساقطا وبقي حديث أبي هريرة الناص على البعدية بلا معارض فأخذوا به "وهو اللهم اهدني فيمن هديت إلى آخره" أي وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت أي معهم لأندرج في سلكهم أو التقدير واجعلني مندرجا فيمن هديت، وكذا في الآتيين بعده. فهو أبلغ مما لو حذف وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت رواه جمع هكذا بسند صحيح في قنوت الوتر كما في المجموع وقال البيهقي صح أن تعليم هذا الدعاء وقع لقنوت صلاة الصبح ولقنوت الوتر وسيأتي في رواية زيادة فاء في إنك وواو في إنه وزاد العلماء فيه بعد واليت ولا يعز من عاديت وإنكاره مردود بوروده في رواية البيهقي وبقوله تعالى {فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:98] وبعد تعاليت فلك الحمد على ما قضيت أستغفرك وأتوب

 

 

ج /1 ص -201-      إليك ولا بأس بهذه الزيادة بل قال جمع إنها مستحبة لورودها في رواية البيهقي ويسن للمنفرد وإمام من مر أن يضم لذلك قنوت عمر الآتي في الوتر وتقديم هذا عليه لأنه الوارد عنه صلى الله عليه وسلم ومن ثم لو أراد أحدهما فقط اقتصر على هذا ولا تتعين كلماته فيجزئ عنها آية تضمنت دعاء أو شبهه كآخر البقرة بخلاف نحو سورة تبت ولا بد من قصده بها لكراهة القراءة في غير القيام فاحتيج لقصد ذلك حتى يخرج عنها.
"والإمام" يسن له أن يقنت "بلفظ الجمع" لصحة الخبر بذلك ولا يأتي في المنفرد فتعين حمله على الإمام للنهي عن تخصيصه نفسه بالدعاء وأنه إن فعله فقد خانهم سنده حسن. وقضيته أن سائر الأدعية كذلك ويتعين حمله على ما لم يرد عنه صلى الله عليه وسلم وهو إمام بلفظ الإفراد وهو كثير بل قال بعض الحفاظ إن أدعيته كلها بلفظ الإفراد ومن ثم جرى بعضهم على اختصاص الجمع بالقنوت وفرق بأن الكل مأمورون بالدعاء إلا فيه فإن المأموم يؤمن فقط، والذي يتجه ويجتمع به كلامهم والخبر أنه حيث اخترع دعوة كره له الإفراد وهذا هو محمل النهي وحيث أتى بمأثور اتبع لفظه "والصحيح سن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم آخره" لصحته في قنوت الوتر الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنهما مع زيادة فاء في إنك وواو في إنه بلفظ وصلى الله على النبي وقيس به قنوت الصبح وخرج بآخره أوله فلا يسن فيه خلافا لمن زعمه ولا نظر لكونها تسن أول الدعاء لأن هذا مستثنى رعاية للوارد فيه ويسن أيضا السلام وذكر الآل ويظهر أن يقاس بهم الصحب لقولهم يستفاد سن الصلاة عليهم من سنها على الآل لأنها إذا سنت عليهم وفيهم من ليسوا صحابة فعلى الصحابة أولى ثم رأيت شارحا صرح بذلك فإن قلت ينافيه إطباقهم على عدم ذكرها في صلاة التشهد قلت يفرق بأنهم ثم اقتصروا على الوارد وهنا لم يقتصروا عليه بل زادوا ذكر الآل بحثا فقسنا بهم الأصحاب لما علمت وكان الفرق أن مقابلة الآل بآل إبراهيم في أكثر الروايات ثم تقتضي عدم التعرض لغيرهم وهنا لا مقتضى لذلك فإن قلت لم لم يسن ذكر الآل في التشهد الأول وما الفرق بينه وبين القنوت قلت يفرق بأن هذا محل دعاء فناسب ختمه بالدعاء لهم بخلاف ذاك ولو قرأ المصلي أو سمع آية فيها اسمه صلى الله عليه وسلم لم تستحب الصلاة عليه كما أفتى به المصنف ويسن أن لا يطول القنوت فإن طوله فسيأتي قريبا.
"و" الصحيح سن "رفع يديه" في جميع القنوت والصلاة والسلام بعده للاتباع وسنده صحيح أو حسن وفارق نحو دعاء الافتتاح والتشهد بأن ليديه وظيفة ثم لا هنا. ومنه يعلم رد ما قيل: في السنة في الاعتدال جعل يديه تحت صدره كالقيام وبحث أنه في حال رفعهما ينظر إليهما لتعذره حينئذ إلى موضع السجود ومحله إن ألصقهما لا إن فرقهما فإن قلت ما السنة من هذين قلت كل سنة كما دل عليه كلامهم في الحج ويسن له ككل داع رفع بطن يديه للسماء إن دعا بتحصيل شيء وظهرهما إن دعا برفعه "و" الصحيح أنه "لا يمسح وجهه" أي الأولى تركه إذا لم يرد والخبر فيه واه على أنه غير مقيد بالقنوت أما خارجها فغير مندوب على ما في المجموع ومندوب على ما جزم به في التحقيق "و" الصحيح "أن الإمام يجهر به" للاتباع المبطل لقياسه على بقية أدعية الصلاة وسواء المؤداة

 

ج /1 ص -202-      والمقضية أما منفرد ومأموم سن له فيسران به "و" الصحيح "أنه" إذا جهر به الإمام "يؤمن المأموم" جهرا "للدعاء" للاتباع ومنه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على المعتمد وقول شارح يشارك وإن كانت دعاء للخبر الصحيح رغم أنف من ذكرت عنده فلم يصل علي ترد بأن التأمين في معنى الصلاة عليه مع أنه الأليق بالمأموم لأنه تابع للداعي فناسبه التأمين على دعائه قياسا على بقية القنوت ولا شاهد في الخبر لأنه في غير المصلي "ويقول الثناء" سرا وهو الأولى وأوله أنك تقضي إلخ أو يسكت مستمعا لإمامه أو يقول أشهد لا نحو صدقت وبررت لبطلان الصلاة به خلافا للغزالي وإن جزم بما قاله جمع، وزعم أن ندب المشاركة هنا اقتضى المسامحة وأن هذا لا يقاس. بإجابة المؤذن بذلك لكراهتها في الصلاة لا يصح إلا لو صح في خبر أنه يقول هذا فحيث لم يصح ذلك بل لم يرد أبطل على الأصل في الخطاب، هذا كله إن كان سمع "فإن لم يسمعه" لإسرار الإمام به أو لنحو بعد أو صمم أو سمع صوتا لا يفهمه "قنت" سرا كبقية الأذكار، "ويشرع القنوت" أي يسن قال بعضهم وليس المراد به هنا ما مر في الصبح لأنه لم يرد في النازلة وإنما الوارد الدعاء برفعها فهو المراد هنا قال ولا يجمع بينه وبين الدعاء برفعها لئلا يطول الاعتدال وهو مبطل ا هـ وظاهر المتن وغيره خلاف ذلك بل هو صريح إذ المعرفة إذا أعيدت بلفظها كانت عين الأولى غالبا وقوله وهو مبطل خلاف المنقول فقد قال القاضي لو طول القنوت المشروع زائدا على العادة كره وفي البطلان احتمالان وقطع المتولي وغيره بعدمه لأن المحل محل الذكر والدعاء وبه مع ما يأتي في القنوت لغير النازلة في فرض أو نفل يعلم أن تطويل اعتدال الركعة الأخيرة بذكر أو دعاء غير مبطل مطلقا لأنه لما عهد في هذا المحل ورود التطويل في الجملة استثنى من البطلان بتطويل القصير زائدا على قدر المشروع فيه بقدر الفاتحة، إذا تقرر هذا فالذي يتجه أنه يأتي بقنوت الصبح ثم يختم بسؤال رفع تلك النازلة له فإن كانت جدبا دعا ببعض ما ورد في أدعية الاستسقاء "في سائر" أي باقي من السؤر وهو البقية "المكتوبات للنازلة" العامة أو الخاصة التي في معنى العامة لعود ضررها على المسلمين على الأوجه كوباء وطاعون وقحط وجراد، وكذا مطر مضر بعمران أو زرع وفاقا لمن خصه بالثاني لأنه لم يرد في الأول إلا الدعاء وذلك لأن رفع وباء المدينة لم يرد فيه إلا الدعاء ومع ذلك جعلوه من النازلة وخوف عدو كأسر عالم أو شجاع للأحاديث الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم قنت شهرا يدعو على قاتلي أصحابه القراء ببئر معونة لدفع تمردهم لا لتدارك المقتولين لتعذره وقيس غير خوف العدو عليه. ومحله اعتدال الأخيرة ويجهر به الإمام في السرية أيضا "لا" القنوت فيهن "مطلقا" أي لنازلة وغيرها فلا يسن لغيرها بل يكره "على المشهور" لعدم وروده لغير النازلة وفارقت الصبح غيرها بشرفها مع اختصاصها بالتأذين قبل الوقت وبالتثويب وبكونها أقصرهن فكانت بالزيادة أليق أما غير المكتوبات فالجنازة يكره فيها مطلقا لبنائها على التخفيف والمنذورة والنافلة التي تسن فيها الجماعة وغيرهما لا يسن فيها ثم إن قنت فيها لنازلة لم يكره وإلا كره وقول جمع يحرم وتبطل في النازلة ضعيف، وكذا قول بعضهم تبطل إن أطال لإطلاقهم كراهة القنوت في

 

ج /1 ص -203-      الفرائض وغيرها لغير النازلة المقتضي أنه لا فرق بين طويلة وقصيرة، وفي الأم ما يصرح بذلك ومن ثم لما ساقه بعضهم قال وفيه رد على الريمي وغيره في قولهم إن أطال القنوت في النافلة بطلت قطعا.
"السابع السجود" مرتين في كل ركعة للكتاب والسنة وإجماع الأمة وكرر دون غيره لأنه أبلغ في التواضع ولأنه لما ترقى فقام ثم ركع ثم سجد وأتى بنهاية الخدمة أذن له في الجلوس فسجد ثانيا شكرا على استخلاصه إياه ولأن الشارع لما أمر بالدعاء فيه وأخبر بأنه حقيق بالإجابة سجد ثانيا شكرا على إجابته تعالى لما طلبه كما هو المعتاد فيمن سأل ملكا شيئا فأجابه ذكر ذلك القفال وجعل المصنف السجدتين ركنا واحدا هو ما صححه في البيان، والموافق لم يأت في مبحث التقدم والتأخر أنهما ركنان وهو ما صححه في البسيط "وأقله مباشرة بعض جبهته" وهي ما اكتنفه الجبينان وهما المنحدران عن جانبيها "مصلاه" للحديث الصحيح
"إذا سجدت فمكن جبهتك من الأرض ولا تنقر نقرا" مع حديث أنهم شكوا إليه صلى الله عليه وسلم. حر الرمضاء في جباههم فلم يزل شكواهم فلولا وجوب كشفها لأمرهم بسترها وحكمته أن القصد من السجود مباشرة أشرف الأعضاء وهو الجبهة لمواطئ الأقدام ليتم الخضوع والتواضع الموجب للأقربية السابقة في خبر: أقرب ما يكون العبد من ربه إذا كان ساجدا ولذا احتاج لمقدمة تحصل له كمال ذلك وهي الركوع فلو سجد على جبينه أو أنفه أو بعض عمامته لم يكف أو على شعر بجبهته أو ببعضها وإن طال كما اقتضاه إطلاقهم ويفرق بينه وبين ما مر في المسح بأنه ثم يجعل أصلا فاحتيط له بكونه منسوبا بالمحلة قطعا وهنا هو باق على تبعيته لمنبته إذ السجود عليهما فلم يشترط فيه ذلك كفى كعصابة عمتها لنحو جرح يخشى من إزالتها مبيح تيمم ولا إعادة إلا إن كان تحتها نجس لا يعفى عنه، "فإن سجد على" محمول له "متصل به جاز إن لم يتحرك بحركته" كطرف عمامته لأنه في حكم المنفصل عنه فعد مصلى له حينئذ ولذا فرع هذا على ما قبله بخلاف ما إذا تحرك بها بالفعل لا بالقوة في جزء من صلاته فيما يظهر ثم رأيت شيخنا أفتى به لأنه حينئذ كيده وإنما لم يفصلوا كذلك في ملاقاته لنجس لمنافاته للتعظيم الذي وجب اجتناب النجس لأجله وهنا العبرة بكون الشيء مستقرا كما أفاده خبر "مكن جبهتك" ولا استقرار مع التحرك ثم إن علم امتناع السجود عليه وتعمده بطلت صلاته وإلا أعاده، نعم يجزئ على نحو عود. أو منديل بيده لا نحو كتفه كسرير يتحرك بحركته لأنه غير محمول له قيل يستثنى سجوده على نحو ورقة التصقت بجبهته وارتفعت معه فإن صلاته صحيحة مع أنه سجد على ما يتحرك بحركته ا هـ. وليس بصحيح لأنها عند ابتداء السجود عليها غير متحركة بحركته وارتفاعها معه إنما يؤثر فيما بعد، "ولا يجب وضع يديه" أي بطنهما "وركبتيه" بضم أوله "وقدميه" أي أطراف بطون أصابعهما في سجوده "في الأظهر" لأن الجبهة هي المقصودة بالوضع كما مر ولأنه لو وجب وضع غيرها لوجب الإيماء به عند العجز "قلت الأظهر وجوبه" على مصلاه أي حال كونها مطمئنة في آن واحد مع الجبهة فيما يظهر "والله أعلم". للخبر المتفق عليه "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم" وذكر

 

ج /1 ص -204-      الجبهة. وهذه الستة، نعم لا يجب وضع كلها بل يكفي جزء من كل بطني كفيه أو أصابعهما ومن ركبتيه ومن بطني أصابع رجليه كالجبهة دون ما عدا ذلك كالحرف وأطراف الأصابع وظهرها ويسن كشفها إلا الركبتين فيكره ولا يجب التحامل عليها بل يسن كما تصرح به عبارة التحقيق والمجموع والروضة بخلاف الجبهة لأنها المقصود الأعظم كما يجب كشفها والإيماء بها أو تقريبها من الأرض عند تعذر وضعها دون البقية ولا يجب وضع الأنف بل يسن لقوة الخلاف فيه ومن ثم اختير وجوبه لتصريح الحديث به.
تنبيه: لم أر لأحد من أئمتنا تحديد الركبة وعرفها في القاموس بأنها موصل ما بين أسافل أطراف الفخذ وأعالي الساق ا هـ وصريح ما يأتي في الثامن وما بعده أنها من أول المنحدر عن آخر الفخذ إلى أول أعلى الساق وعليه فكأنهم اعتمدوا في ذلك العرف لبعد تقييد الأحكام بحدها اللغوي لقلته جدا إلا أن يقال أرادوا بالموصل ما قررناه وهو قريب ثم رأيت الصحاح قال والركبة معروفة فبين أن المدار فيها على العرف والكلام في الشرع وهو يدل على أن القاموس إن لم تحمل عبارته على ما ذكرناه اعتمد في حده لها بذلك عليه وكثيرا ما يقع له الخروج عن اللغة إلى غيرها كما يأتي أول التعزير.
"ويجب أن يطمئن" فيه للأمر بذلك في خبر المسيء صلاته "و" أن "ينال مسجده" بفتح جيمه وكسرها أي محل سجوده "ثقل" فاعل "رأسه" بأن يتحامل عليه بحيث لو كان تحته. نحو قطن لانكبس وظهر أثره على يده لو كانت تحته لخبر: "إذا سجدت" السابق وتخصيص هذا بالجبهة ظاهر فيما مر أنه لا يجب تمكين غيرها، "و" يجب "أن لا يهوي لغيره" نظير ما مر في الركوع "فلو سقط" من الاعتدال "لوجهه" أي عليه قهرا لم يحسب له لأنه لا بد من نية أو فعل أي اختياري ولم يوجد واحد منهما "وجب العود إلى الاعتدال" مع الطمأنينة إن سقط قبلها ليهوي منه فإن قلت ما وجه هذا التفريع مع أن ما قبله يفهم عدم وجوب العود لأنه مع السقوط قهرا يصدق عليه أنه لم يهو لغيره قلت يوجه بأن الهوي للغير المفهوم من المتن أنه لا يعتد به صادق بمسألة السقوط لأنه يصدق عليها أنه وقع هويه للغير وهو الإلجاء وخرج بسقوطه من الاعتدال ما لو سقط من الهوي بأن هوى ليسجد فسقط فإنه لا يضر لأنه لم يصرفه عن مقصوده نعم إن سقط على جبهته بقصد الاعتماد عليها أو لجنبه فانقلب بنية الاستقامة فقط ولم يقصد صرفه عن السجود وإلا بطلت لم يجزئه السجود فيهما للصارف فيعيده لكن بعد أدنى رفع في الأولى كما هو ظاهر. والجلوس في الثانية ولا يقم وإلا بطلت إن علم وتعمد أما إذا انقلب بنية السجود أولا لا بنية شيء أو بنيته ونية الاستقامة فيجزئه "وأن ترتفع أسافله" أي عجيزته وما حولها "على أعاليه" إن ارتفع موضع الجبهة وإلا فهي مرتفعة، كذا قيل وفيه نظر لأنه قد يستوي ولا ترتفع لانخناس أو نحوه "في الأصح" للاتباع وسنده صحيح، نعم من به علة لا يمكنه معها ارتفاع أسافله يسجد إمكانه إلا أن يمكنه وضع نحو وسادة. ويحصل التنكيس فيجب ولا ينافي هذا قولهم لو عجز إلا أن يسجد بمقدم رأسه أو صدغه وكان به أقرب به للأرض وجب لأنه ميسوره ا هـ لأنه هنا قدر على زيادة القرب وثم المقدور عليه وضع

 

ج /1 ص -205-      الوسادة لا القرب فلم يلزمه إلا مع حصول التنكيس لوجود حقيقة السجود حينئذ، نعم قد يؤخذ من قولهم المذكور أنه لو لم يمكنه زيادة الانحناء إلا بوضع الوسادة لزمه وضعها وهو محتمل.
تنبيه: اليدان من الأعالي كما علم من حد الأسافل وحينئذ فيجب رفعها على اليدين أيضا.
"وأكمله" أنه "يكبر" ندبا "لهويه" للاتباع "بلا رفع" ليديه رواه البخاري "ويضع ركبتيه" وقدميه "ثم يديه" كما صح عنه صلى الله عليه وسلم "ثم جبهته وأنفه" للاتباع أيضا ويسن وضعهما معا وكشف الأنف "ويقول سبحان ربي الأعلى" وبحمده "ثلاثا" كما مر بما فيه في الركوع "ويزيد" عليه "المنفرد" وإمام من مر "اللهم لك" قدم الاختصاص "سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي" أي كل بدني وعبر عنه بالوجه لنظير ما قدمته في الافتتاح "للذي خلقه" أي أوجده من العدم "وصوره" على هذه الصورة البديعة العجيبة "وشق سمعه وبصره" أي منفذهما بحوله وقوته "تبارك الله أحسن الخالقين" أي في الصورة وأما الخلق الحقيقي فليس إلا له تعالى "ويضع يديه حذو" أي مقابل "منكبيه" وعبارة النهاية ويضع يديه على موضعهما في رفعهما انتهت وفي حديث التصريح بذلك "وينشر أصابعه مضمومة للقبلة ويفرق ركبتيه" وقدميه قدر شبر موجها أصابعهما للقبلة ويبرزهما من ذيله مكشوفتين حيث لا خف "ويرفع بطنه عن فخذيه ومرفقيه عن جنبيه في" متعلق بيفرق وما بعده "ركوعه وسجوده" للاتباع المعلوم من أحاديث متعددة في كل ذلك إلا تفريق الركبتين ورفع البطن عن الفخذين في الركوع فقياسا على السجود "وتضم المرأة" ندبا بعضها إلى بعض وتلصق بطنها بفخذيها في جميع الصلاة لأنه أستر لها ولحديث فيه لكنه منقطع "و" مثلها في ذلك "الخنثى" احتياطا، وكذا الذكر العاري ولو بخلوة على ما بحثه الأذرعي.
"الثامن الجلوس بين سجدتيه مطمئنا". ولو في النفل كما مر للخبر الصحيح فيه ثم ارفع حتى تطمئن جالسا "ويجب أن لا يقصد برفعه غيره" فلو رفع لنحو شوكة أصابته أعاد "و" يجب "أن لا يطوله ولا الاعتدال" لأنهما شرعا للفصل لا لذاتيهما فكانا قصيرين فإن طول أحدهما فوق ذكره المشروع فيه قدر الفاتحة في الاعتدال وأقل التشهد في الجلوس عامدا عالما بطلت صلاته "وأكمله" أنه "يكبر" بلا رفع ليديه مع رفع رأسه للاتباع "ويجلس مفترشا" للاتباع "واضعا يديه" على فخذيه ندبا فلا يضر إدامة وضعهما على الأرض إلى السجدة الثانية اتفاقا خلافا لمن وهم فيه "قريبا من ركبتيه" بحيث تسامت أولهما رءوس الأصابع ولا يضر أي في أصل السنة انعطاف رءوسهما على الركبة ونوزع فيه بأنه يخل بتوجيهها للقبلة ويجاب بمنع إخلاله بذلك من أصله وإنما يخل بكماله فلذا لم يضر في أصل السنة كما ذكرته "وينشر أصابعه" مضمومة للقبلة كما في السجود "قائلا رب اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني وارزقني واهدني وعافني" للاتباع في الكل وسنده صحيح زاد في الإحياء واعف عني "ثم يسجد" السجدة "الثانية كالأولى" في الأقل

 

ج /1 ص -206-      والأكمل "والمشهور سن جلسة خفيفة" ولو في نفل وإن كان قويا "بعد السجدة الثانية في كل ركعة يقوم عنها" بأن لا يعقبها تشهد باعتبار إرادته وإن خالف المشروع كما أفتى به البغوي وذلك للاتباع رواه البخاري وكونها لم ترد في أكثر الأحاديث لا حجة فيه لعدم ندبها وورود ما يخالف ذلك غريب. وتسمى جلسة الاستراحة وهي فاصلة ليست من الأولى ولا من الثانية وأفهم قوله خفيفة أنه لا يجوز تطويلها كالجلوس بين السجدتين بضابطه السابق وهو كذلك على المنقول المعتمد كما بينته في شرحي العباب والإرشاد وقوله يقوم عنها أنها لا تسن لقاعد.
"التاسع والعاشر والحادي عشر التشهد" سمي به من باب إطلاق الجزء وهو الشهادتان على الكل "وقعوده والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم" بعده كما يأتي وقعودها وسيأتي أن قعود التسليمة الأولى ركن أيضا "فالتشهد وقعوده إن عقبهما سلام ركنان" للخبر الصحيح المصرح بالأمر به بقوله قولوا التحيات لله إلخ وبأنه فرض بعد أن لم يكن. وإذا ثبت وجوبه وجب قعوده باتفاق من أوجبه "وإلا" يعقبهما سلام "فسنتان" لجبرهما بالسجود في خبر الصحيحين والركن لا يجبر به "وكيف قعد" في التشهدين وغيرهما كجلسة الاستراحة وبين السجدتين ولمتابعة الإمام "جاز" إجماعا، "ويسن في" التشهد "الأول الافتراش فيجلس على كعب يسراه" بعد أن يضجعها بحيث يلي ظهرها الأرض "وينصب يمناه" أي قدمه اليمنى "ويضع أطراف" بطون "أصابعه" منها على الأرض متوجهة للقبلة "وفي" التشهد "الآخر" بالمعنى الآتي "التورك وهو كالافتراش" في كيفيته المذكورة "لكن يخرج يسراه من جهة يمينه ويلصق وركه بالأرض" للاتباع رواه البخاري وخولف بينهما ليتذكر به أي ركعة هو فيها وليعلم المسبوق أي تشهد هو فيه ولما كان الأول هو هيئة المستوفز سن فيما عدا الأخير لأنه يعقبه حركة وهي عنه أسهل والثاني هيئة المستقر سن في الأخير إذ لا يعقبه شيء "والأصح" أنه "يفترش المسبوق" في تشهد إمامه الأخير "والساهي" في تشهده الأخير قبل سجود السهو لأنه ليس آخر صلاتهما ومحله إن نوى الساهي السجود أو أطلق على الأوجه والأسن له التورك "ويضع فيهما" أي التشهدين "يسراه على طرف ركبته" اليسرى بحيث تسامت رءوسها أول الركبة "منشورة الأصابع" للاتباع رواه مسلم "بلا ضم" بل يفرجها تفريجا وسطا "قلت" الأصح الضم والله أعلم. لأن تفريجها يزيل بعضها كالإبهام عن القبلة "ويقبض من يمناه" بعد وضعها على فخذه الأيمن عند الركبة "الخنصر والبنصر" بكسر أولهما وثالثهما "وكذا الوسطى في الأظهر" للاتباع رواه مسلم، وقيل يحلق بين الوسطى والإبهام بالتحليق بين رأسيهما، وقيل بوضع أنملة الوسطى بين عقدتي الإبهام والخلاف في الأفضل وقدم الأول لأنه أصح ورواته أفقه "ويرسل المسبحة" في كل التشهد للاتباع وهي بكسر الباء التي تلي الإبهام سميت بذلك لأنها يشار بها للتوحيد وتسمى أيضا السبابة لأنها يشار بها عند المخاصمة والسب "ويرفعها" مع إمالتها قليلا لئلا تخرج عن سمت القبلة "عند" همزة "قوله إلا الله" للاتباع ولا يضعها إلى آخر التشهد قاصدا بذلك الإشارة لكون المعبود واحدا في ذاته وصفاته وأفعاله ليجمع في توحيده بين اعتقاده وقوله

 

ج /1 ص -207-      وفعله وخصت بذلك لاتصالها بنياط القلب فكأنها سبب لحضوره وتكره الإشارة بسبابة اليسار. وتكره الإشارة بسبابة اليسار وإن قطعت يمناه لفوات سنة وضعها السابق ومنه يؤخذ أنه لا يسن رفع غير السبابة لو فقدت لفوات سنة قبضها السابق ويظهر فيما لو وضع اليمنى على غير الركبة أن يشير بسبابتها حينئذ لما هو واضح أن كلا من الوضع على الفخذ والرفع وغيرهما مما ذكر سنة مستقلة "ولا يحركها" عند رفعها للاتباع وصح تحريكها فيحمل للجمع بينهما على أن المراد به الرفع لا سيما وفي التحريك قول بأنه حرام مبطل للصلاة فمن ثم قلنا بكراهته "والأظهر ضم الإبهام إليها" أي المسبحة "كعاقد ثلاثة وخمسين" عند متقدمي الحساب بأن يجعل رأس الإبهام عند أسفلها على طرف راحتها للاتباع رواه مسلم، وقيل بأن يجعلها مقبوضة تحت المسبحة، وقيل يرسل الإبهام أيضا مع طول المسبحة، وقيل يضعها على أصبعه الوسطى كعاقد ثلاثة وعشرين والخلاف في الأفضل ورجحت الأولى لنظير ما مر "والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم" مع قعودها "فرض في التشهد". يعني بعده فلا يجزئ قبله خلافا لجمع "الأخير" يعني الواقع آخر الصلاة وإن لم يسبقه تشهد آخر كتشهد صبح وجمعة ومقصورة وذلك للأخبار الصحيحة الدالة على ذلك بل بعضها مصرح به كما بسطته في عدة كتب لا سيما شرح العباب والدر المنضود في الصلاة والسلام على صاحب المقام المحمود مع الرد الواضح على من زعم شذوذ الشافعي بإيجابها "والأظهر سنها في الأول" لأنها ركن في الأخير فسنت كالتشهد، "ولا تسن" الصلاة "على الآل في" التشهد "الأول على الصحيح" لبنائه على التخفيف ولأن فيها نقل ركن قولي على قول وهو مبطل على قول، واختير مقابله لصحة حديث فيه وآله مر أول الكتاب، وقيل كل مسلم أي في مقام الدعاء ونحوه واختاره في شرح مسلم.
"فرع" وقع هنا للقاضي ومن تبعه أنه لو شك أثناء الصلاة في مبطل لطهارته أثر كالشك في النية، والمعتمد أنه لا يؤثر كما يأتي في سجود السهو.
"وتسن" الصلاة على الآل "في" التشهد "الأخير وقيل يجب" للأمر بها أيضا بل قيل تجب على إبراهيم لذلك أيضا، "وأكمل التشهد مشهور" وفيه أحاديث صحيحة بألفاظ مختلفة اختار الشافعي منها تشهد ابن عباس لتأخره وقوله
أنه صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم إياه كما يعلمهم السورة من القرآن ولزيادة المباركات فيه فهو أوفق بقوله تعالى {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور:61] وهو التحيات أي كل ما يحيا به من الثناء والمدح بالملك والعظمة وجمعت لأن كل ملك من ملوك الدنيا كان له تحية مخصوصة فجعل ذلك كله لله تعالى بطريق الاستحقاق الذاتي دون غيره المباركات. أي الناميات الصلوات أي الخمس، وقيل أعم الطيبات أي الصالحات للثناء على الله تعالى وحكمة ترك العاطف هنا مرت أول الكتاب لله السلام أي السلامة من الآفات عليك خوطب إشارة إلى أنه الواسطة العظمى الذي لا يمكن دخول حضرة القرب إلا بدلالته وحضوره وإلى أنه أكبر الخلفاء عن الله فكان خطابه كخطابه أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أي جمع صالح وهو القائم بحقوق الله وحقوق عباده من الملائكة ومؤمني الإنس والجن

 

ج /1 ص -208-      أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ولا يسن أوله بسم الله وبالله قيل والخبر فيه ضعيف واعترض ولا يجب ترتيبه بشرط أن لا يتغير معناه وإلا بطلت صلاته إن تعمده. وصرح في التتمة بوجوب موالاته وسكتوا عليه وفيه ما فيه "وأقله التحيات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله" لورود إسقاط المباركات بل صحته قال في المجموع ولو ورد إسقاط الصلوات قال غيره والطيبات وردا بأنه لم يرد إسقاطهما كما صرح به الرافعي وعلله بأنهما تابعان للتحيات واستفيد من المتن أن الأفضل تعريف السلام وأنه لا يجوز إبدال لفظ من هذا الأقل ولو بمرادفه كالنبي بالرسول وعكسه ومحمد بأحمد أو غيره، وكذا في سلام التحلل. ويفرق بينهما وبين ما يأتي في محمد في الصلاة عليه بأن ألفاظها الواردة كثر اختلاف الروايات فيها فدل على عدم التعبد بلفظ محمد فيها لا يقال قياسه أن لفظ الصلاة عليه لا يتعين لأنا نقول إنما تتعين لما فيها من الخصوصية التي لا توجد في مرادفها ومن ثم اختص بها الأنبياء صلى الله عليهم وسلم، وقضية كلام الأنوار أنه يراعى هنا التشديد وعدم الإبدال وغيرهما نظير ما مر في الفاتحة نعم النبي فيه لغتان الهمز والتشديد فيجوز كل منهما لا تركهما معا لأن فيه إسقاط حرف بخلاف حذف تنوين سلام. فإنه مجرد لحن غير مغير للمعنى ويؤخذ مما تقرر في التشديد أنه لو أظهر النون المدغمة في اللازم في أن لا إله أبطل لتركه شدة منه نظير ما مر في الرحمن بإظهار أل فزعم عدم إبطاله لأنه لحن لا يغير المعنى ممنوع لأن محل ذلك حيث لم يكن فيه ترك حرف والشدة بمنزلة الحرف كما صرحوا به نعم لا يبعد عذر الجاهل بذلك لمزيد خفائه ووقع لابن كبن أن فتحة لام رسول الله من عارف متعمد حرام مبطل ومن جاهل حرام غير مبطل إن لم يمكنه التعلم وإلا أبطل ا هـ. وليس في محله لأنه ليس فيه تغيير للمعنى فلا حرمة ولو مع العلم والتعمد فضلا عن البطلان، نعم إن نوى العالم الوصفية ولم يضمر خبرا أبطل لفساد المعنى حينئذ "وقيل يحذف وبركاته" لإغناء السلام عنه "و" قيل يحذف "الصالحين". لإغناء إضافة العباد إلى الله عنه ويرد بصحة الخبر به مع أن المقام مقام إطناب فلا ينظر لما ذكر "ويقول" جوازا "وأن محمدا رسوله قلت الأصح" أنه لا يجوز له أن يقول ذلك ولا يجب عليه إعادة لفظ أشهد فيقول "وأن محمدا رسول الله وثبت" ذلك "في صحيح مسلم والله أعلم" لكن بلفظ محمدا عبده ورسوله فالمراد إسقاط لفظة أشهد. والحاصل أنه يكفي وأشهد أن محمدا عبده ورسوله رواه الشيخان وأشهد أن محمدا رسول الله وأن محمدا عبده ورسوله رواهما مسلم ويكفي أيضا وأن محمدا رسول الله وإن لم يرد لأنه ورد إسقاط لفظ أشهد والإضافة للظاهر تقوم مقام زيادة عبد لا وأن محمدا رسوله خلافا لما في أصل الروضة أيضا على ما يأتي لأنه لم يرد وليس فيه ما يقوم مقام زيادة العبد وزعم الأذرعي أن الصواب إجزاؤه لثبوته في خبر ابن مسعود بلفظ عبده ورسوله يرد بأن هنا ما قام مقام المحذوف وهو لفظ عبد ولا كذلك في ذاك ولا ينافيه أن التعبد غالب على ألفاظ التشهد ومن ثم لم يجز إبدال لفظ من ألفاظه السابقة بمرادفه

 

ج /1 ص -209-      كما مر لأن تغاير الصيغ الواردة هنا اقتضى أن يقاس بها ما في معناها لا غيره فلا يقاس وأن محمدا رسوله على الثابت وهو وأن محمدا عبده ورسوله ويتردد النظر في وأشهد أن محمدا رسوله وظاهر المتن وغيره إجزاؤه ووقع في الرافعي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في تشهده وأشهد أني رسول الله وردوه بأن الأصح خلافه، نعم إن أراد تشهد الأذان صح لأنه صلى الله عليه وسلم أذن مرة في سفر فقال ذلك.
تنبيه: علم مما قررته أن الرافعي في المحرر وأصل الروضة على ما تقتضيه عبارته قائل بجواز: وأن محمدا رسوله فلذا استدرك عليه المصنف بما أفهم منعه ووقع للشارح خلاف هذا التقرير وهو صحيح في نفسه لكن يلزم عليه أن قوله قلت إلخ زيادة محضة وكان سببه أنه ثبت عنده أن الرافعي لا يقول بجواز ذلك وهو المنقول عن الشرحين والمحرر.
"وأقل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم" الواجبة "و" أقل الصلاة على "آله" الواجبة على قول والمسنونة على الأصح "اللهم صل على محمد وآله". لحصول اسمها بذلك ويكفي الصلاة على محمد إن نوى بها الدعاء فيما يظهر وصلى الله على محمد أو رسوله أو النبي دون أحمد ونحو الحاشر ويفارق ما يأتي في الخطبة بأن الصلاة يحتاط لها أكثر فصينت عن أدنى إيهام ولا يجزئ عليه هنا ولا ثم "والزيادة" على ذلك "إلى" قوله "حميد" أي حامد لأفعال خلقه بإثابتهم عليها أو محمود بأقوالهم وأفعالهم "مجيد" أي ماجد وهو الكامل شرفا وكرما "سنة في" في التشهد "الأخير" ولو للإمام للأمر بها في الأحاديث الصحيحة فيقول اللهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد وفي روايات زيادات أخر بينتها مع ما يتعلق بهذه الألفاظ. وما قاله العلماء في هذا التشبيه وأنه لا دلالة فيه بوجه على أفضلية إبراهيم على نبينا صلى الله عليهما وسلم في الدر السابق آنفا ونازع الأذرعي في ندب هذا الإمام غير من مر لطوله ثم بحث امتناعه لو خرج به وقت الجمعة ونظر في غيرها والأوجه كما علم مما قدمته في المد أنه متى شرع فيها وقد بقي وقت يسعها جاز الإتيان بذلك وإن خرج الوقت وإلا لم يجز، "وكذا الدعاء بعده" أي بعدما ذكر كله سنة ولو للإمام للأمر به في الأحاديث الصحيحة بل يكره تركه للخلاف في وجوب بعضه الآتي وأما التشهد الأول فيكره فيه لبنائه على التخفيف إلا إن فرغه قبل إمامه فيدعو حينئذ كما مر ويلحق به كل تشهد غير محسوب للمأموم، بل هذا داخل في الأول لأن المراد به غير الأخير نظير ما مر في الآخر وقضية المتن وغيره أنه لا فرق بين الدعاء الأخروي والدنيوي وقال جمع أنه بالأول سنة وبالثاني مباح أي ولو بنحو ارزقني أمة صفتها كذا خلافا لمن منعه أما الدعاء بمحرم فمبطل لها "ومأثوره". أي المنقول منه هنا عنه صلى الله عليه وسلم "أفضل" من غيره لأنه صلى الله عليه وسلم المحيط باللائق بكل محل بخلاف غيره "ومنه اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت" لا استحالة فيه لأنه طلب قبل الوقوع أن يغفر إذا وقع وإنما المستحيل طلب المغفرة الآن لما سيقع "إلى آخره" وهو ما أسررت

 

ج /1 ص -210-      وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت رواه مسلم وروي أيضا "إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ من أربع من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح" أي بالحاء لأنه يمسح الأرض كلها إلا مكة والمدينة وبالخاء لأنه ممسوخ العين الدجال أي الكذاب وأوجب هذا بعض العلماء ويندب التعميم في الدعاء لخبر المستغفري ما من دعاء أحب إلى الله من قول العبد اللهم اغفر لأمة محمد مغفرة عامة وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول اللهم اغفر لي فقال: "ويحك لو عممت لاستجيب لك" وفي أخرى أنه ضرب منكب من قال اغفر لي وارحمني ثم قال له: "عمم في دعائك فإن بين الدعاء الخاص والعام كما بين السماء والأرض" وفي ذلك رد على من منع الدعاء بالمغفرة للمسلمين إذ لا يلزم منها ولو عامة عدم دخول بعض النار لصدقها بأن تعم أفراد المسلمين دون ما عليهم فإن نوى بعمومها هذا أيضا لو امتنع بل ربما يكون كفرا لمخالفته ما علم قطعا ضرورة أنه لا بد من دخول جمع منهم النار، "ويسن أن لا يزيد" الإمام في الدعاء "على قدر" أقل "التشهد و" أقل "الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم" بل الأفضل أن ينقص عن ذلك كما في الروضة وغيرها لأنه تبع لهما. فإن ساواهما كره أما المأموم فهو تابع لإمامه، وأما المنفرد فقضية كلام الشيخين أنه كالإمام لكن أطال المتأخرون في أن المذهب أنه يطيل ما شاء ما لم يخف وقوعه في سهو ومثله إمام من مر وظاهر أن محل الخلاف فيمن لم يسن له انتظار نحو داخل، "ومن عجز عنهما" أي التشهد والصلاة "ترجم" وجوبا في الواجب وندبا في المندوب لما مر في التحرم "ويترجم للدعاء" المأثور عنه صلى الله عليه وسلم في محل من الصلاة "والذكر المندوب" أي المأثور كذلك "العاجز" عن النطق بهما بالعربية كما يترجم عن الواجب لحيازة الفضيلة ويتردد النظر في عاجز قصر بالتعلم هل يترجم عن المندوب المأثور وظاهر كلامهم هنا أنه لا فرق وفيه ما فيه "ولا" العاجز عن غير المأثور منهما فلا يجوز له أن يخترع غيرهما ويترجم عنه جزما فتبطل به صلاته ولا "القادر" على مأثورهما فلا يجوز له الترجمة عنهما وتبطل بها صلاته "في الأصح" إذ لا حاجة إليها حينئذ.
فرع: ظن مصلي فرض أنه في نفل فكمل عليه لم يؤثر على المعتمد وفارق ما مر في وضوء الاحتياط بأن النية هنا بنيت ابتداء على يقين بخلافها ثم وليس قيام النفل مقام الفرض منحصرا في التشهد الأول وجلسة الاستراحة ولا ينافي ذلك قول التنقيح ضابط ما يتأدى به الفرض بنية النفل أن تسبق نية تشملهما ثم يأتي بشيء من تلك العبادة ينوي به النفل ويصادف بقاء الفرض عليه لأن معنى ذلك الشمول أن يكون ذلك النفل داخلا كالفرض في مسمى مطلق الصلاة بخلاف سجود التلاوة والسهو كما يأتي.
"الثاني عشر السلام" للخبر السابق وتحليلها التسليم ويجب إيقاعه إلى انتهاء ميم عليكم حال القعود. أو بدله وصدره للقبلة والمعنى فيه أنه كان مشغولا عن الناس ثم أقبل عليهم كغائب حضر "وأقله السلام عليكم" لأنه الثابت عنه صلى الله عليه وسلم فإن قال عليك أو السلام عليكما أو سلامي عليكم متعمدا عالما بطلت أو عليهم فلا لأنه دعاء ومر إجزاء

 

ج /1 ص -273-      كتاب صلاة الجماعة
 "كتاب" كأن حكمة الترجمة به دون جميع ما ذكر في كتاب الصلاة إلى الجنائز أن الجماعة صفة زائدة على ماهية الصلاة وليست فعلا حتى تكون من جنسها فكانت كالأجنبية من هذه الحيثية فأفردها بكتاب ولا كالأجنبية من حيث إنها صفة تابعة للصلاة فوسطها بين أبوابها ولما كانت صلاة الجنازة مغايرة لمطلق الصلاة مغايرة ظاهرة أفردها بكتاب متأخر عن جميع أبواب الصلاة نظرا لتلك المغايرة.
"صلاة الجماعة" هي مشروعة بالكتاب؛ لأنه تعالى أمر بها في الخوف في سورة النساء ففي الأمن أولى، والسنة للأخبار الآتية وغيرها وشرعت بالمدينة دون مكة لقهر الصحابة بها وإجماع الأمة. وأقلها.هنا إمام ومأموم كما يفيده قوله وما كثر جمعه أفضل لخبر صحيح به "هي في الفرائض" أي المكتوبات فأل للعهد الذكري في قوله أول كتاب الصلاة المكتوبات خمس فساوى قول أصله في الخمس واندفع الاعتراض عليه "غير" بالنصب حالا أو استثناء ويمتنع الجر؛ لأنها لا تعرف بالإضافة إلا إن وقعت بين ضدين "الجمعة" لما يأتي أنها فيها فرض عين وشرط صحتها اتفاقا "سنة مؤكدة" للخبر المتفق عليه
"صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ أي بالمعجمة بسبع وعشرين درجة"، والأفضلية تقتضي الندبية فقط ولا تعارض هذه رواية "خمس وعشرين"؛ لأن القاعدة في باب الفضائل الأخذ بأكثرها ثوابا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يخبر بالقليل أولا ثم بالكثير زيادة في النعمة عليه وعلى أمته وحكمة السبع والعشرين أن فيها فوائد تزيد على صلاة الفذ بنحو ذلك كما بينته في شرح العباب وخرج بالفرائض بالمعنى المذكور المنذورة فلا تشرع فيها لاختصاصها بأنها شعار المكتوبة كالأذان فبناء مجلي لهذا على أنه يسلك بالنذر مسلك واجب الشرع أو جائزه غلطوه فيه، والكلام في منذورة لا تسن الجماعة فيها قبل وإلا كالعيد.فهي تسن فيها لا للنذر وفيما لم تنذر الجماعة فيها وإلا وجبت الجماعة فيها بالنذر والنافلة ومر مشروعيتها في بعضها دون بعض. "وقيل" هي "فرض كفاية للرجال" البالغين العقلاء الأحرار المستورين المقيمين في المؤداة فقط للخبر الصحيح "ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الجماعة" وفي رواية "الصلاة إلا استحوذ" أي غلب "عليهم الشيطان فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية"، وإذا تقرر أنها فرض كفاية "فتجب" ليسقط الحرج عن الباقين وإقامتها في كل مؤداة من الخمس بجماعة ذكور أحرار بالغين على الأوجه ثم رأيت شارحا رجحه أيضا وعليه فيفرق بين هذا وسقوط فرض صلاة الجنازة بالصبي بأن القصد ثم الدعاء وهو منه أقرب للإجابة وسقوط فرض إحياء الكعبة بنحو الصبيان والأرقاء على ما فيه بأن القصد ثم حضور جمع من المسلمين في تلك المواضع حتى تنتفي عنهم وصمة إهمالها وهذا حاصل بالناقصين أيضا وهنا إظهار الشعار الآتي وهو يستدعي كمال القائمين

 

ج /1 ص -274-      به في محل الإقامة أي الذي تنعقد فيه الجمعة لو وجبت فلا يعتد بها خارجه بحيث لا يظهر بها الشعار عرفا فيه فيما يظهر وتعدد محالها "بحيث يظهر" بها "الشعار" في ذلك المحل البادية أو غيرها وضبط بأن يكون مريدها لو سمع إقامتها وتطهر أمكنه إدراكها وفيه ضيق، والظاهر أن الأمر أوسع من ذلك وأنه يكفي أن يكون كل من أهل محلها لو قصد من منزله محلا من محالها لا يشق عليه مشقة ظاهرة فعلم أنه يكفي "في القرية" الصغيرة أي التي فيها نحو ثلاثين رجلا إقامتها بمحل واحد وأن الكبيرة لا بد من تعددها فيها كما تقرر وظاهر تمثيلهم للصغيرة بما فيها ثلاثون ولما بعده بما يأتي أن المدار في الصغر والكبر على قلة الجماعة وكثرتهم لا على اتساع الخطة وضيقها وقد يستشكل؛ لأن المدار على دفع مشقة الحضور وهو يقتضي النظر للثاني وقد يوجه الأول بأن سبب المشقة إنما نشأ من تفرق مساكنهم فلم ينظر لمشقتهم واكتفي بمحل واحد في حقهم، وإن كانت قريتهم بقدر بلد كبيرة خطة، ولو عددها بعض المقيمين دون جمهورهم وظهر بهم الشعار كفى، ولو قل عدد سكان القرية أي بحيث لو أظهروا الجماعة لم يظهر بهم شعار قال الإمام لم تلزمهم وسكت عليه في الروضة لكنه عبر بقوله عقبه هذا كلام الإمام واختار في المجموع خلافه وهو الأوجه لخبر "ما من ثلاثة" المذكور ولأن الشعار أمر نسبي فهو في كل محل يحسبه ولا يكفي فعلها في البيوت وقيل يكفي وينبغي حمله على ما إذا فتحت أبوابها بحيث صارت لا يحتشم كبير ولا صغير من دخولها ومن ثم كان الذي يتجه الاكتفاء بإقامتها في الأسواق إن كانت كذلك وإلا فلا؛ لأن لأكثر الناس مروآت تأبى دخول بيوت الناس، والأسواق.
تنبيه: الشعار بفتح أوله وكسره لغة العلامة، والمراد به هنا كما هو ظاهر أجل علامات الإيمان وهي الصلاة بظهور أجل صفاتها الظاهرة وهي الجماعة.
"فإن" لم يظهر الشعار كما تقرر بأن "امتنعوا كلهم" أو بعضهم كأهل محلة من قرية كبيرة ولم يظهر الشعار إلا بهم "قوتلوا" أي قاتل الممتنعين الإمام أو نائبه لإظهار هذه الشعيرة العظيمة وعلى أنها سنة لا يقاتلون ويظهر أنه لا يجوز له أن يفجأهم بالقتال بمجرد الترك كما يومئ إليه قوله امتنعوا بل حتى يأمرهم فيمتنعوا من غير تأويل أحد مما يأتي في ترك الصلاة نفسها "ولا يتأكد الندب للنساء تأكده للرجال" بناء على أنها سنة لهم "في الأصح" لخشية المفسدة فيهن مع كثرة المشقة فيكره تركها لهم لا لهن "قلت الأصح المنصوص أنها" إذا وجدت جميع الشروط السابقة "فرض كفاية" للخبر السابق، وذكر "أفضل" في الخبر قبله محمول على من صلى منفردا لقيام غيره بها أو لعذر كمرض أما إذا اختل شرط مما مر فلا تجب وإن تمحض الأرقاء في بلد، وعجيب تردد شارح في هذه مع قولهم: إن الأرقاء لا يتوجه إليهم فرض الجماعة بل قد تسن وقد لا تسن لامرأة وخنثى ولمميز نعم يلزم وليه أمره بها ليتعودها إذا كمل.ولمن فيه رق ولعراة عمي أو في ظلمة وإلا فهي لهم مباحة ولسافرين وظاهر النص المقتضي لوجوبها عليهم محمول على نحو عاص بسفره ولمصلين مقضية اتحدت "وقيل" هي فرض "عين والله أعلم" للخبر

 

ج /1 ص -275-      المتفق عليه "لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار" وأجابوا عنه بأنه وارد في قوم منافقين بقرينة السياق وهمه بالإحراق كان قبل تحريم المثلة.
"و" الجماعة "في المسجد لغير المرأة"، والخنثى من ذكر ولو صبيا "أفضل" منها خارجه للخبر المتفق عليه
"أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" أي فهي في المسجد أفضل نعم إن وجدت في بيتها فقط فهو أفضل وكذا لو كانت فيه أكثر منها في المسجد على ما اعتمده الأذرعي وغيره., والأوجه خلافه لاعتناء الشارع بإحياء المساجد أكثر وبحث الإسنوي والأذرعي أن ذهابه للمسجد لو فوتها على أهل بيته كان إقامتها معهم أفضل قيل وفيه نظر. ا هـ. وكأن وجهه أن فيه إيثارا بقربه مع إمكان تحصيلها لهم بأن يعيدها معهم ويرد بأن الفرض فواتها لو ذهب للمسجد وأن جماعته لا تتعطل بغيبته وذلك لا إيثار فيه؛ لأن حصولها لهم بسببه ربما عادل فضلها في المسجد أو زاد عليه فهو كمساعدة المجرور من الصف أما المرأة فجماعتها في بيتها أفضل للخبر الصحيح "لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن"، فإن قلت إذا كانت خيرا لهن فما وجه النهي عن منعهن المستلزم لذلك الخير قلت أما النهي فهو للتنزيه كما يصرح به سياق هذا الحديث ثم الوجه حمله على زمنه صلى الله عليه وسلم أو على غير المشتهيات إذا كن مبتذلات، والمعنى أنهن، وإن أريد بهن ذلك ونهى عن منعهن؛ لأن في المسجد لهن خيرا فبيوتهن مع ذلك خير لهن؛ لأنها أبعد عن التهمة التي قد تحصل من الخروج لا سيما إن اشتهيت أو تزينت ومن ثم كره لها حضور جماعة المسجد إن كانت تشتهى ولو في ثياب رثة أو لا تشتهى وبها شيء من الزينة أو الطيب وللإمام أو نائبه منعهن حينئذ كما أن له منع من أكل ذا ريح كريه من دخول المسجد ويحرم عليهن بغير إذن ولي أو حليل أو سيد أو هما في أمة متزوجة.ومع خشية فتنة منها أو عليها وللإذن لها في الخروج حكمة ومثلها في كل ذلك الخنثى وبحث إلحاق الأمرد الجميل بها في ذلك أيضا وفي إطلاقه نظر.
تنبيه: تكره إقامة جماعة بمسجد غير مطروق له إمام راتب بغير إذنه قبله أو معه أو بعده، ولو غاب الراتب انتظر ندبا ثم إن أرادوا فضل أول الوقت أم غيره، وإن لم يريدوا ذلك لم يؤم غيره إلا إن خافوا فوت الوقت كله ومحل ذلك حيث لا فتنة وإلا صلوا فرادى مطلقا والجماعة في الجمعة ثم في صبحها ثم في الصبح ثم في العشاء ثم العصر أفضل ولا ينافيه أن العصر الوسطى؛ لأن المشقة في ذينك أعظم ويظهر تقديم الظهر على المغرب أفضلية وجماعة.
"وما كثر جمعه" من المساجد أو غيرها "أفضل" للخبر الصحيح
"وما كان أكثر فهو أحب إلى الله تعالى" نعم الجماعة في المساجد الثلاثة أفضل منها في غيرها، وإن قلت بل قال المتولي إن الانفراد فيها أفضل من الجماعة في غيرها لكن الأوجه خلافه "إلا لبدعة إمامه" التي لا تقتضي تكفيره كرافضي أو فسقه ولو بمجرد التهمة أي التي فيها نوع قوة كما هو واضح.أو غيرهما مما يقتضي كراهة الاقتداء به فالأقل جماعة بل الانفراد أفضل

 

ج /1 ص -276-      وكذا لو كان لا يعتقد وجوب بعض الأركان أو الشروط، وإن أتى بها؛ لأنه يقصد بها النفلية وهو مبطل عندنا، ومن ثم أبطل الاقتداء به مطلقا بعض أصحابنا وجوزه الأكثر رعاية لمصلحة الجماعة واكتفاء بوجود صورتها وإلا لم يصح اقتداء بمخالف وتعطلت الجماعات، ولو تعذرت إلا خلف من يكره الاقتداء به لم تنتف الكراهة كما شمله كلامهم ولا نظر لإدامة تعطلها لسقوط فرضها حينئذ. وبما تقرر علم ضعف اختيار السبكي ومن تبعه أن الصلاة خلف هؤلاء ومنهم المخالف أفضل من الانفراد، فإن قلت ما وجه الكراهة التي ذكرتها في المخالف قلت ما يعلم مما يأتي في مبحث الوقف أن كل ما وقع الاختلاف في الإبطال به من حيث الجماعة يقتضي الكراهة من تلك الحيثية "أو" كون القليلة بمسجد متيقن حل أرضه ومال بانيه أو إمامه يبادر بالصلاة أول الوقت أو يطيل القراءة حتى يدرك بطيء القراءة الفاتحة، والكثيرة بغير ذلك أو "تعطل مسجد قريب" أو بعيد.عن الجماعة فيه "لغيبته" عنه لكونه إمامه أو يحضره الناس بحضوره فقليل الجمع في ذلك أفضل من كثيره بل بحث شارح أن الانفراد بالمتعطل عن الصلاة فيه لغيبته أفضل لكن الأوجه خلافه، وأما اعتماد شارح التقييد بالقريب؛ لأن له حق الجوار وهو مدعو منه فمردود بأنه مدعو من البعيد أيضا وحق الجوار يعارضه خبر مسلم "أعظم الناس في الصلاة أجرا أبعدهم إليها ممشى" ولو تعارض الخشوع والجماعة فهي أولى كما أطبقوا عليه حيث قالوا: إن فرض الكفاية أفضل من السنة وأيضا فالخلاف في كونها فرض عين وكونها شرطا لصحة الصلاة أقوى منه في شرطية الخشوع وإفتاء ابن عبد السلام بأنه أولى مطلقا إنما يأتي على أنها سنة وكذا إفتاء الغزالي بأنه إذا كان الجمع يمنعه الخشوع في أكثر صلاته فالانفراد أولى على أنه بعيد؛ لأن القائلين بشرطيته مع شذوذهم إنما يقولون بها في جزء من الصلاة لا في كلها، فإن قلت تقديمها ينافي ما يأتي من تقديمه في ذي جوع أو عطش. قلت لا ينافيه؛ لأن ما هنا مفروض فيمن يتوهم فواته بها من حيث إيثاره العزلة فأمر بها قهرا لنفسه المتخيلة ما قد يكون سببا لاستيلاء الشيطان عليها كما دل عليه الخبر السابق "إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية" وأما ذاك فمانعه ظاهر فقدم؛ لأنه يعد عذرا كمدافعة الحدث ثم رأيت للغزالي إفتاء آخر يصرح بما ذكرته متأخرا عن ذلك الإفتاء فيمن لازم الرياضة في الخلوة حتى صارت طاعته تتفرق عليه بالاجتماع بأنه رجل مغرور إذ ما يحصل له في الجماعة من الفوائد أعظم من خشوعه وأطال في ذلك.
"وإدراك تكبيرة الإحرام" مع الإمام "فضيلة" مأمور بها لكونها صفوة الصلاة كما في حديث البزار ولأن ملازمها أربعين يوما يكتب له بها براءة من النار وبراءة من النفاق كما في حديث ضعيف "وإنما تحصل" بحضور تكبيرة الإمام و "بالاشتغال بالتحرم عقب تحرم إمامه"، فإن لم يحضرها أو تراخى فاتته نعم يغتفر له وسوسة خفيفة واستشكل بعدم اغتفارهم الوسوسة في التخلف عن الإمام بتمام ركنين فعليين ويرد بأنها حينئذ لا تكون إلا ظاهرة فلا تنافي وفرق بأشياء غير ذلك فيها نظر "وقيل" تحصل "بإدراك بعض القيام" لأنه محل التحرم "وقيل" تحصل بإدراك "أول ركوع" أي بالركوع الأول؛ لأن.حكمه حكم قيامها

 

ج /1 ص -277-      ومحلهما إن لم يحضر إحرام الإمام وإلا فاتته عليهما أيضا والصحيح إدراك الجماعة" في غير الجمعة ومنه فيما يظهر مدرك ما بعد ركوعها الثاني فيحصل له فضل الجماعة في ظهره؛ لأنه أدرك بعضها في جماعة "ما لم يسلم" الإمام أي ينطق بالميم من عليكم؛ لأنه لا يخرج إلا به على ما مر فيه أواخر سجود السهو فمتى أدركه قبله أدركها، وإن لم يجلس معه لإدراكه معه ما يعتد له به من النية وتكبيرة الإحرام وللاتفاق على جواز الاقتداء حينئذ فلو لم يحصلها به لأبطل الصلاة؛ لأنه زيادة بلا فائدة، أما الجمعة فلا تدرك إلا بركعة كما يأتي وشمل كلامه من أدرك جزءا من أولها ثم فارق بعذر أو خرج الإمام بنحو حدث ومعنى إدراكها بذلك أنه يكتب له أصل ثوابها، وأما كماله، فإنما يحصل بإدراك جميعها مع الإمام ومن ثم قالوا لو أمكنه إدراك بعض جماعة ورجا جماعة أخرى.فالأفضل انتظارها ليحصل له كمال فضيلتها تامة ويظهر أن محله ما لم تفت بانتظارهم فضيلة أول الوقت أو وقت الاختيار سواء في ذلك الرجاء واليقين ولا ينافيه ما مر في منفرد رجا الجماعة لوضوح الفرق بينهما وأفتى بعضهم بأنه لو قصدها فلم يدركها كتب له أجرها لحديث فيه وهو ظاهر دليلا لا نقلا "وليخفف الإمام" ندبا "مع فعل الأبعاض، والهيئات" أي بقية السنن وجميع ما يأتي به من واجب ومندوب بحيث لا يقتصر على الأقل ولا يستوفي الأكمل وإلا كره بل يأتي بأدنى الكمال كما مر ثم للخبر المتفق عليه "إذا أم أحدكم الناس فليخفف، فإن فيهم الصغير، والكبير، والضعيف، والمريض وذا الحاجة، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطل ما شاء"، "إلا أن يرضى" الجميع "بتطويله" باللفظ لا بالسكوت فيما يظهر وهم "محصورون" بمسجد غير مطروق لم يطرأ غيرهم ولا يتعلق بعينهم حق كإجراء عين على عمل ناجز وأرقاء ومتزوجات كما مر فيندب له التطويل كما في المجموع عن جمع واعتمده جمع متأخرون وعليه تحمل الأخبار الصحيحة في تطويله صلى الله عليه وسلم أحيانا أما إذا انتفى شرط مما ذكر فيكره له التطويل، وإن أذن ذو الحق السابق في الجماعة؛ لأن الإذن فيها لا يستلزم الإذن في التطويل فاحتيج للنص عليه نعم أفتى ابن الصلاح فيما إذا لم يرض واحد أو اثنان أو نحوهما لعذر بأنه يراعى في نحو مرة لا أكثر رعاية لحق الراضين لئلا يفوت حقهم بواحد أي مثلا وفي المجموع أنه حسن متعين.واعترضه الأذرعي كالسبكي بأنه صلى الله عليه وسلم "خفف لبكاء الصبي وشدد النكير على معاذ في تطويله ولم يستفصل" وبأن مفسدة تنفير غير الراضي لا تساوي مصلحته وأجيب بأن قصتي بكاء الصبي ومعاذ لا كثرة فيهما وفيه نظر، "ويكره" للإمام "التطويل"، وإن كان "ليلحقه آخرون" لإضراره بالحاضرين مع تقصير المتأخرين بعدم المبادرة، وإن كان المسجد بمحل عادتهم يأتونه أفواجا واعترض بأن في أحاديث صحيحة أنه صلى الله عليه وسلم كان يطيل الأولى ليدركها الناس" قيل فلتستثن الأولى من إطلاقهم ما لم يبالغ في تطويلها. ا هـ. والذي دل عليه كلامهم ندب تطويلها على الثانية لكن لا بهذا القصد بل لكون النشاط فيها أكثر والوسوسة أقل، ومن صرح بأن من حكمة تطويل الإمام أن يدركها قاصد الجماعة.مراده أن هذا من فوائدها لا أنه يقصد تطويلها لذلك وقول الراوي "كي يدركها الناس" تعبير عما فهمه لا عن أنه صلى الله عليه وسلم قصد ذلك فالحق ما قالوه،

 

ج /1 ص -278-      قيل إنما جزموا هنا بالكراهة وحكوا الخلاف في المسألة عقبها؛ لأن تلك فيمن دخل وعرف به الإمام بخلاف هذه. ا هـ. وهو بعيد إذ معرفته إن أريد بها معرفة ذاته تقتضي زيادة الكراهة ومن ثم كان الأكثرون عليها فيما يأتي؛ لأن فيه تشريكا ولو قصد به التودد إليه كان حراما على ما يأتي أو الإحساس بدخوله لم يكن ذلك بمجرده كافيا في الفرق فالوجه الفرق بأن الداخل ثم تأكد حقه بلحوقه فيما يتوقف انتظاره فيه على إدراك الركعة أو الجماعة فعذر بانتظاره بخلافه هنا "ولو أحس" الإمام إذ الخلاف، والتفصيل الآتي إنما يأتي فيه، وأما منفرد أحس بداخل يريد الاقتداء به فينتظره ولو مع نحو تطويل إذ ليس ثم من يتضرر بتطويله ويؤخذ منه أن إمام الراضين بشروطهم المذكورة كذلك وهو متجه نعم لا بد هنا أن يسوي بينهم في الانتظار لله أيضا "في الركوع" الذي تدرك به الركعة "أو التشهد الأخير بداخل" إلى محل الصلاة يريد الاقتداء به لم يكره انتظاره في الأظهر لعذره بإدراكه الركعة أو الجماعة.وخرج بفرضه الكلام في انتظاره في الصلاة انتظاره قبلها بأن أقيمت، فإن الانتظار حينئذ يحرم اتفاقا كما حكاه الماوردي والإمام وأقره ابن الرفعة وغيره لكنهما عبرا بلم يحل وظاهره ذلك إلا أنه يشكل؛ لأنهم بسبيل من الصلاة بدونه على أنه يمكن حمل لم يحل على نفي الحل المستوي الطرفين ثم رأيت بعضهم صرح بالكراهة وهو يؤيد ما ذكرته. هذا "إن لم يبالغ فيه" أي الانتظار وإلا بأن كان لو وزع على جميع أفعال الصلاة لظهر له أثر محسوس في كل على انفراده كره ولو لحق آخر في ذلك الركوع أو ركوع آخر وانتظاره وحده لا مبالغة فيه بل مع ضمه للأول كره أيضا عند الإمام "ولم يفرق" بضم الراء "بين الداخلين" بانتظار بعضهم لنحو ملازمة أو دين أو صداقة دون بعض بل يسوي بينهم في الانتظار لله تعالى بنفع الآدمي، فإن ميز بعضهم ولو لنحو علم أو شرف وأبوة أو انتظرهم كلهم لا لله بل للتودد إليهم كره وقال الفوراني يحرم للتودد وفي الكفاية تفريعا على الاستحباب الآتي إن قصد بانتظاره غير وجه الله تعالى بأن كان يميز في انتظاره بين داخل وداخل لم يصح قولا واحدا لكن اعترضه ابن العماد بأنه سبق قلم من لم يستحب إلى لم يصح؛ لأنه حكى بعد في البطلان قولين وخرج بداخل من أحس به قبل شروعه في الدخول فلا ينتظره؛ لأنه إلى الآن لم يثبت له حق وبه يندفع استشكاله بأن العلة إن كانت التطويل انتقض بخارج قريب مع صغر المسجد وداخل بعيد مع سعته. "قلت المذهب استحباب انتظاره" لكن بالشروط السابقة، وإن لم تغن صلاة المأمومين عن القضاء على الأوجه أو كانوا غير محصورين نعم علم مما مر أن المحصورين الراضين لا يتأتى فيهم شرط التطويل "والله أعلم" لخبر أبي داود كان صلى الله عليه وسلم ينتظر ما دام يسمع وقع نعل ولأنه إعانة على خير من إدراكه الركعة.أو الجماعة، نعم إن كان الداخل يعتاد البطء وتأخير الإحرام إلى الركوع سن عدمه زجرا له أو خشي خروج الوقت بانتظاره حرم في الجمعة وكذا في غيرها إن كان شرع وقد بقي ما لا يسعها لامتناع المد حينئذ كما مر أو كان لا يعتقد إدراك الركعة بالركوع أو الجماعة بالتشهد كره كالانتظار في غيرهما؛ لأن مصلحة الانتظار للمأموم ولا مصلحة له هنا كما لو أدركه في الركوع الثاني من صلاة الكسوف،

 

ج /1 ص -279-      "ولا ينتظر في غيرهما" أي الركوع، والتشهد الأخير فيكره لعدم فائدته نعم يسن انتظار الموافق المتخلف لإتمام الفاتحة في السجدة الأخيرة لفوات ركعته بقيامه منها قبل ركوعه كما يأتي وبحث الزركشي سن انتظار بطيء القراءة أو النهضة، فيه نظر والذي يتجه أنه إن ترتب على انتظارهما إدراك سن بشرطه وإلا فلا.
تنبيه: ما قررته من كراهة الانتظار عند اختلال شرط من شروطه السابقة حتى على تصحيح المتن الندب هو ما في التحقيق، والمجموع كما بينته في شرح العباب فقول الشارح إنه مباح لا مكروه مردود ولو رأى مصل نحو حريق خفف وهل يلزمه القطع وجهان والذي يتجه أنه يلزمه لإنقاذ حيوان محترم ويجوز له لإنقاذ نحو مال كذلك.
"ويسن للمصلي" فرضا مؤدى غير المنذورة لما مر فيها وغير صلاة الخوف أو شدته على الأوجه؛ لأنه احتمل المبطل فيها للحاجة فلا يكرر وغير صلاة الجنازة نعم لو أعادها.صحت ووقعت نفلا كما في المجموع وكأن وجه خروجها عن نظائرها أن الإعادة إذا لم تطلب لا تنعقد التوسعة في حصول نفع الميت لاحتياجه له أكثر من غيره ولو مقصورة أعادها تامة سفرا أو بعد إقامته وزعم أنه يعيدها بعد الإقامة مقصورة مع من يقصر؛ لأنها حاكية للأولى بعيد ونظيره إعادة الكسوف بعد الانجلاء، ومغربا على الجديد؛ لأن وقتها عليه يسع تكرارها مرتين بل أكثر كما علم مما مر فيه، وجمعة حيث سافر لبلد أخرى أو جاز تعددها ونوزع فيه بما لا يصح وفرضا يجب قضاؤه كمقيم تيمم وظهر معذور في الجمعة على الأوجه خلافا للأذرعي فيهما. وإنما يتجه ما ذكره في الأولى إن قلنا بمنع النفل له؛ لأنه لا ضرورة به إليه.أما إذا قلنا له النفل توسعة في تحصيل الثواب فلا وجه لمنع الإعادة بل يتعين ندبها لذلك أو نفلا تسن فيه الجماعة ككسوف كما نص عليه ووتر رمضان "وحده وكذا جماعة في الأصح"، وإن كانت أكثر وأفضل ظاهر من الثانية "إعادتها" قيل المراد هنا معناها اللغوي لا الأصولي أي بناء على أنها عندهم ما فعل لخلل في الأولى من فقد ركن أو شرط أما إذا قلنا إنها ما فعل لخلل أو عذر كالثواب فتصح إرادة معناها الأصولي إذ هو حينئذ فعلها ثانيا رجاء الثواب "مع جماعة يدركها" زيادة إيضاح أو المراد يدرك فضلها فتخرج الجماعة المكروهة كما يأتي ويدخل من أدرك ركعة من الجمعة المعادة لا أقل إذ لا تنعقد جمعة ودونها في غيرها.من آخرها وهو ظاهر وكذا من أولها، وإن فارق لغير عذر فيما يظهر ثم رأيت الزركشي صرح بذلك فقال لو أعاد الصبح والعصر في جماعة ثم أخرج نفسه منها بغير عذر احتمل البطلان هنا لإيقاعه نافلة في وقت الكراهة.، والأقرب الصحة؛ لأن الإحرام بها صحيح وهي صلاة ذات سبب فلا يؤثر الانفراد في إبطالها؛ لأن الانفراد وقع في الدوام. ا هـ. أو مع واحد مرة كما نص عليه لا أزيد منها في الوقت كما في المجموع ولم يره من نقله عن المتأخرين لا خارجه أي بأن يقع تحرمها فيه ولو وقع باقيها خارجه فيما يظهر ويؤيده قولهم لو أحرم بالعمرة آخر جزء من رمضان ووقع باقيها في شوال كانت كالواقعة كلها في رمضان ثوابا وغيره ثم رأيت شيخنا بعد أن ذكر أن الأكثرين على أن الإعادة قسم من الأداء أخص منه وأن

 

ج /1 ص -280-      البيضاوي في منهاجه وتبعه التفتازاني على أنها قسيم له قال ويؤخذ من كونها قسما من الأداء أي وهو الصواب أنها تطلب وتكون إعادة اصطلاحية على الصحيح، وإن لم يبق من الوقت ما يسع ركعة. ا هـ. وهو موافق لما ذكرته إلا أنه لا يوافق كلام الأصوليين في تعريف الأداء ولا كلام الفقهاء من اشتراط ركعة، وإنما الذي يوافق الأول بحث اشتراط وقوعها كلها في الوقت لكنه مع ذلك بعيد؛ لأن المدار في الفروع الفقهية على ما يوافق كلام الفقهاء لا الأصوليين فالذي يتجه الآن اشتراط ركعة، وإن كان ظاهر كلام المجموع يؤيد اشتراط الكل.ولو وقت الكراهة إماما كان أو مأموما في الأولى أو الثانية للخبر الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم لما سلم من صلاة الصبح بمسجد الخيف رأى رجلين لم يصليا فسألهما فقالا صلينا في رحالنا فقال "إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصلياها معهم، فإنها لكما نافلة" وصليتما يصدق بالانفراد، والجماعة وخبر "من صلى وحده ثم أدرك جماعة فليصل إلا الفجر، والعصر" أعل بالوقف ورد بأن ثقة وصله ويجاب بأن المصرح بالجواز في الوقتين أصح منه وهو الخبر الأول، والخبر الآخر وهو أن رجلا دخل بعد صلاة العصر فقال صلى الله عليه وسلم "من يتصدق على هذا فيصلي معه؟" فصلى معه رجل أي أبو بكر رضي الله عنه كما في سنن البيهقي فيه ندب صلاة من صلى مع الداخل وندب شفاعة من لم يرد الصلاة معه إلى من يصلي معه وأن المسجد المطروق لا تكره فيه جماعة بعد جماعة كذا في المجموع وفيه نظر إذ الجماعة الثانية هنا بإذن الإمام وأن أقل الجماعة إمام ومأموم وجوز شارح الإعادة أكثر من مرة وقال إنه مقتضى كلامهم، وإن التقييد بالمرة لم يعتمده سوى الأذرعي والزركشي. ا هـ. ويرده ما مر أنه المنصوص وأشار إليه الإمام وقال لم ينقل فعلها أكثر من مرة واعتمده آخرون غير ذينك فبطل ما ذكره وحينئذ يندفع بحيث إنها إنما تسن إذا حضر في الثانية من لم يحضر في الأولى وإلا لزم استغراق الوقت ووجه اندفاعه أنه لا استغراق إذ لا تندب الإعادة إلا مرة وإلا لم تنعقد كالإعادة منفردا أي إلا لعذر كأن وقع خلاف في صحة الأولى فيما يظهر ثم رأيت كلام القاضي صريحا فيه وهو لو ذكر في مؤداه أن عليه فائتة أتم ثم صلى الفائتة ثم أعاد الحاضرة خروجا من الخلاف. وكأن شيخنا اعتمد هذا البحث حيث قال فيمن صليا فريضة منفردين الظاهر أنه لا يسن لأحدهما الاقتداء بالآخر في إعادتها فلا تسن الإعادة، وإن شمله كلام المنهاج وغيره لقولهم إنما تسن الإعادة.لغير من الانفراد له أفضل. ا هـ. وبما قررته يعلم أن قوله لقولهم إلى آخره فيه نظر ظاهر؛ لأن قولهم المذكور لا شاهد فيه لما ذكره أصلا لمنع أن الانفراد هنا أفضل بل الأفضل الاقتداء حيث لا مانع، وإنما شاهده ذلك البحث لكن مع قطع النظر عن الملازمة التي ذكرها، وبحث جمع اشتراط نية الإمامة قال بعضهم في الصبح والعصر وقال أكثرهم بل مطلقا وهو الأوجه؛ لأن الإمام إذا لم ينوها تكون صلاته فرادى وهي لا تنعقد كما تقرر، فإن قلت قال في المجموع المشهور من مذهبنا أنه لا يشترط لصحة الجماعة نية الإمامة وقضيته أن صلاته جماعة لكن لا ثواب فيها وبه يرد أنها انعقدت له فرادى. قلت يتعين تأويل عبارته بأنها جماعة بالنسبة للمأمومين دونه وإلا لانعقدت الجمعة حينئذ اكتفاء بصورة الجماعة ألا

 

ج /1 ص -281-      ترى أن الجماعة المكروهة لنحو فسق الإمام يكتفى بها لصحة صلاة الجمعة مع كونها شرطا لصحتها كما أنها هنا كذلك قال الأذرعي ما حاصله إنما تسن الإعادة مع المنفرد إن كان ممن لا يكره الاقتداء به ويحسن أن يقال إن كانت الكراهة لفسقه أو بدعته لم يعدها معه وإلا أعادها، ووجهه ظاهر ثم تردد فيما لو رأى منفردا صلى مع قرب قيام الجماعة هل يصلي معه، وإن لم يعذر أو إن عذر أو ينتظر إقامتها. ا هـ. والأوجه. أنه لا فرق بين الفسق والبدعة وغيرهما؛ لأن العلة وهي حرمان الفضيلة موجودة في الكل إذ كل مكروه من حيث الجماعة يمنع فضلها، وإن كانت الصلاة جماعة صورة يسقط بها فرض الكفاية بل ويكتفى بها في الجمعة مع أنها شرط فيها، والأوجه فيما تردد فيه أنه حيث لم يكن المسجد مطروقا وله إمام راتب لم يأذن لا يصلي معه مطلقا لكراهة إقامة الجماعة فيه بغير إذن إمامه وإلا صلى معه وبحث الزركشي كالأذرعي أن محل سن الإعادة مع جماعة إذا كانوا بغير مسجد تكره إقامة الجماعة فيه ثانيا وهو يؤيد ما رجحته ويظهر أن محل ندبها مع المنفرد إن اعتقد جوازها أو ندبها وإلا لم تنعقد؛ لأنه لا فائدة لها تعود عليه وبحث أيضا أنها لا تسن إذا كان الانفراد أفضل وأنه لو أعادها نحو العراة. فإن سنت لهم الجماعة فواضح وإلا لم تنعقد قال الأذرعي ولا خفاء أن محل سنها ما لم يعارضها ما هو أهم منها وإلا فقد تحرم وقد تكره وقد تكون خلاف الأولى. ا هـ. ولا ينافي ما تقرر من عدم الانعقاد لمن لم تشرع له الجماعة؛ لأن الحرمة ومقابلها هنا لمعنى خارج فلا ينافي مشروعية الجماعة وفضلها.
تنبيه: وقع في شرحي للإرشاد، والعباب مع الإشارة في الثاني إلى التوقف في ذلك النظر لكلام المتأخرين الدال على أن سبب ندب الإعادة لمن صلى منفردا وجود فضل الجماعة تارة وصورتها أخرى ولمن صلى جماعة رجاء كون الفضل في الثانية ولو دون الأولى لما في الخبر المتفق عليه أن معاذا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يذهب ويصلي بأصحابه مع كون الجماعة الأولى أكمل وأتم فبنيت على ذلك حمل تلك الأبحاث السابقة.على الثاني؛ لأنه الذي ترتبط إعادته برجاء الثواب دون الأول؛ لأن القصد وجود صورة الجماعة في فرضه ليخرج عن نقص عدم الجماعة فيه ويؤيد الاكتفاء بالصورة في هذا اكتفاؤهم بها في الجمعة كما مر إذ لو صليت في جماعة مكروهة انعقدت مع كون الجماعة شرطا لصحتها كالمعادة فإذا اكتفي ثم بصورتها فهنا في المنفرد أولى ثم نظرت كلام المجموع، والروضة وغيرهما فرأيته ظاهرا في أن سبب الإعادة في القسمين حصول الفضيلة وعبارة الروضة كالمهذب وأقره في شرحه ويستحب لمن صلى إذا رأى من يصلي تلك الفريضة وحده أن يصليها معه لتحصل له فضيلة الجماعة وعبارة الكفاية وتسن الإعادة أيضا مع من رآه يصلي منفردا ليحصل للثاني فضيلة الجماعة بالاتفاق لورود الخبر بذلك أي السابق وهو "من يتصدق على هذا". وإذا تقرر أن ملحظ ندب الإعادة رجاء الثواب مطلقا اتجهت تلك الأبحاث التي حاصلها أنه لا تندب الإعادة بل لا تجوز للمنفرد وغيره إلا إذا كانت الجماعة التي يعيد معها فيها ثواب من حيث الجماعة لكن يؤخذ مما مرّ عن

 

ج /1 ص -282-      الزركشي في مسألة المفارقة أن العبرة في ذلك بتحرمها، وإن انتفى الثواب بعد ذلك من حيث الجماعة لنحو انفراد عن الصف أو مقارنة أفعال الإمام، فإن قلت لم اشترطوا هنا ذلك واكتفوا في الجمعة بصورة الجماعة وإن كرهت مع كونها شرطا لصحة كل منهما قلت يفرق بأن الفرض هنا قد وقع فلم يكن للإتيان بالثاني مسوغ إلا رجاء الثواب وإلا كان كالعبث وثم الفرض منوطة صحته بوقوعه في جماعة فوسع للناس فيها بالاكتفاء بصورتها إذ لو كلفوا بجماعة فيها ثواب لشق ذلك عليهم، فإن قلت بحث بعضهم في المنفرد ندب الإعادة معه، والاقتداء به، وإن كره؛ لأن الكراهة تختص بالمصلي معه لتقصيره بالاقتداء به ومع ذلك يكتب له ثواب الإعانة فالكراهة لأمر خارج. ا هـ. قلت هذا البحث يوافق ما قدمته عن الشرحين السابقين، وأما ما هنا فالمدار فيه على ثواب عند التحرم في صلاة المنفرد من حيث الجماعة وفي هذه لا يحصل ذلك خلافا لهذا الباحث ومر في التيمم أنه لو صلى به ولم يرج الماء ثم وجده لم تسن له إعادتها واعترض بما صح أنه صلى الله عليه وسلم قال لمسافر تيمم وصلى: "أجزأتك صلاتك وأصبت السنة" وقال للذي أعاد بالوضوء "لك الأجر مرتين" ولا يؤخذ من الأول عدم ندب إعادتها مع جماعة خلافا لمن زعمه؛ لأن ذاك في إعادتها منفردا لأجل الماء، وأما إعادتها مع الجماعة فلا نزاع فيه؛ لأن المتيمم في الإعادة جماعة كالمتوضئ. "وفرضه الأولى" المغنية عن القضاء وغيرها بناء على ما مر من ندب إعادتها "في الجديد" للخبر الأول ولسقوط الطلب بها. والأصح أنه ينوي بالثانية الفرض" صورة حتى لا يكون نفلا مبتدأ أو ما هو فرض على المكلف في الجملة لا عليه هو؛ لأنه إنما أعادها لينال ثواب الجماعة في فرضه، وإنما يناله إن نوى الفرض و؛ لأن حقيقة الإعادة إيجاد الشيء ثانيا بصفته الأولى وبهذا مع اشتراطهم في الوضوء المجدد أنه لا بد فيه من نية مجزئة في الوضوء الأول يتجه ما هنا دون ما اعتمده في الروضة، والمجموع أنه يكفي نية الظهر مثلا على أنه اعترض أيضا بأنه اختيار للإمام وليس وجها فضلا عن كونه معتمدا أما إذا نوى حقيقة الفرض فتبطل صلاته لتلاعبه ولو بان فساد الأولى لم تجزئه الثانية على المنقول المعتمد عند المصنف في رءوس المسائل وكثيرين وقال الغزالي تجزئه وتبعه ابن العماد وتبعه شيخنا في شرح منهجه غافلين عن بنائه له على رأيه أن الفرض أحدهما كذا قيل وفيه نظر بل الوجه البطلان على القولين أما على الثاني فواضح؛ لأنه صرفها عن ذلك.بنية غير الفرض وكذا على الأول؛ لأنه ينوي به غير حقيقته وتأييد الإجزاء بغسل اللمعة في الوضوء للتثليث وإقامة جلسة الاستراحة مقام الجلوس بين السجدتين ليس في محله؛ لأن ما هنا في فعل مستأنف فهو كانغسال اللمعة في وضوء التجديد وقد قالوا بعدم إجزائه؛ لأن نيته لم تتوجه لرفع الحدث أصلا فهذا هو نظير مسألتنا. وأما غسلها للتثليث، فإنما أجزأ؛ لأن نيته اقتضت أن لا يكون ثانية ولا ثالثة إلا بعد تمام الأولى ولا جلسة استراحة إلا بعد جلوس بين السجدتين فنيته متضمنة حسبان هذين، وأما نيته في الأولى هنا فلم يتعرض لفعل الثانية بوجه وجودا ولا عدما فأثر فيها ما قارنها مما منع وقوعها فرضا كما تقرر نعم يؤخذ من كلامهم في غسل اللمعة للنسيان أنه لو نسي

 

ج /1 ص -283-      هنا فعل الأولى فصلى مع جماعة ثم بان فساد الأولى أجزأته الثانية لجزمه بنيتها حينئذ
تنبيه: يجب فيها القيام كما مر ويحرم القطع؛ لأنهم أثبتوا لها أحكام الفرض لكونها على صورته ولا ينافيه جواز جمعها مع الأصلية بتيمم واحد ويفرق بأن النظر هنا لحيثية الفرض وثم لصورته لما تقرر أنها على صورة الأصلية فروعي فيها ما يتعلق بالصورة وهو النية والقيام وعدم الخروج ونحوها لا مطلقا فتأمله.
"ولا رخصة في تركها" أي الجماعة "وإن قلنا" إنها "سنة" لتأكدها "إلا لعذر" للخبر الصحيح
"من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له" أي كاملة إلا من عذر قيل السنة في تركها رخصة مطلقا فكيف ذلك وجوابه أخذا من المجموع أن المراد لا رخصة تقتضي منع الحرمة على الفرض، والكراهة على السنة إلا لعذر ومن ثم فرع على السنة أن تاركها يقاتل على وجه وترد شهادته وتجب بأمر الإمام إلا مع عذر "عام كمطر".وثلج يبل ثوبه وبرد ليلا أو نهارا إن تأذى بذلك للخبر الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة في الرحال يوم مطر لم يبل أسفل النعال أما إذا لم يتأذ بذلك لخفته أو كن ولم يخش تقطيرا من سقوفه على ما قاله القاضي؛ لأن الغالب فيه النجاسة فلا يكون عذرا "أو ريح عاصف" أي شديد "أو ريح بارد أو ظلمة شديدة بالليل" أو وقت الصبح لخبر بذلك ولعظم مشقتها فيه دون النهار. "وكذا وحل" بفتح الحاء ويجوز إسكانها "شديد" بأن لم يأمن معه التلوث أو الزلق "على الصحيح" ليلا أو نهارا؛ لأنه أشق من المطر وحذف في التحقيق، والمجموع التقييد بالشديد واعتمده الأذرعي "أو خاص كمرض" مشقته كمشقة المشي في المطر، وإن لم يسقط القيام في الفرض للاتباع رواه البخاري "وحر" من غير سموم "وبرد شديدين" بليل أو نهار كالمطر بل أولى لكن الذي في الروضة وكذا أصلها أول كلامه تقييد الحر بوقت الظهر أي، وإن وجد ظلا يمشي فيه.وبه فارق مسألة الإبراد، وأما حر نشأ من السموم وهي الريح الحارة فهو عذر ليلا ونهارا حتى على ما فيهما ولا فرق هنا بين من ألفهما أو لا؛ لأن المدار على ما به التأذي والمشقة وصوب عد الروضة وغيرها لهما من العام ويجاب بأن الشدة قد تختص بالمصلي باعتبار طبعه فيصح عدهما من الخاص أيضا ثم رأيت شارحا أشار لذلك، "وجوع وعطش ظاهرين" أي شديدين لكن بحضرة مأكول أو مشروب وكذا إن قرب حضوره وعبر آخرون بالتوقان إليه ولا تنافي؛ لأن المراد به شدة الشوق لا أصله وهو مساو لشدة أحد ذينك وقول جمع متأخرين شدة أحدهما كافية وإن لم يحضر ذلك رد أي إن أرادوا ولا قرب حضوره بأنه مخالف للأخبار كخبر "إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء" وخبر "لا صلاة بحضرة طعام" ولنصوص الشافعي وأصحابه. ا هـ. والذي يتجه حمل ما قاله أولئك على ما إذا اختل أصل خشوعه لشدة جوعه أو عطشه؛ لأنه حينئذ كمدافعة الحدث بل هو أولى من المطر ونحوه مما مر؛ لأن مشقة هذا أشد ولأنها تلازمه في الصلاة بخلاف تلك وحمل كلام الأصحاب على ما إذا لم يختل خشوعه إلا بحضرة ذلك أو قرب حضوره فيبدأ بأكل لقم يكسر بها حدة جوعه إلا أن يكون مما يستوفى دفعة كلبن ويؤيد ما ذكرته كراهة الصلاة في كل حال يسوء فيه خلقه وشدتهما

 

ج /1 ص -284-      تسيء الخلق كما صرحوا به، وكل ما اقتضى كراهة الصلاة عذر هنا ومن ثم عد بعضهم من الأعذار هنا كل وصف كره معه القضاء كشدة الغضب، والحاصل أنه متى لم تطلب الصلاة فالجماعة أولى "ومدافعة حدث".بول أو غائط أو ريح لم يمكنه تفريغ نفسه، والتطهر قبل فوت الجماعة لكراهة الصلاة حينئذ ومحل ما ذكر في هذه الثلاثة إن اتسع الوقت بحيث لو قدمها أدرك الصلاة كاملة فيه وإلا حرم ما لم يخش من ترك أحدها مبيح تيمم وإلا قدمه. وإن خرج الوقت كما هو ظاهر "وخوف ظالم" مضاف لمفعوله "على" معصوم من عرض أو "نفس أو مال" أو اختصاص فيما يظهر له أو لغيره، وإن لم يلزمه الذب عنه فيما يظهر أيضا خلافا لمن قيد به وذكر ظالم تمثيل فقط، وإن خرج به ما يأتي إذ الخوف على نحو خبزه في تنور عذر أيضا هذا إن لم يقصد بذلك إسقاط الجماعة وإلا لم يعذر ومع ذلك لو خشي تلفه سقطت عنه كما هو ظاهر للنهي عن إضاعة المال وكذا في أكل الكريه بقصد الإسقاط فيأثم بعدم حضور الجمعة لوجوبه عليه حينئذ ولو مع الريح المنتن لكن يسن له السعي في إزالته إن أمكن ولا فرق عند عدم قصد ذلك بين علمه بنضجه قبل فوت الجماعة وعدمه على الأوجه بشرط أن يحتاج إليه وأن يخشى تلفه لو لم يخبزه أما خوف غير ظالم كذي حق عليه واجب فورا فيلزمه الحضور وتوفيته وكخوفه على نحو خبزه خوفه عدم إنبات بذره أو ضعفه أو أكل نحو جراد له أو فوت نحو مغصوب لو اشتغل عنه بالجماعة ويظهر في تحصيل تملك مال أنه عذر إن احتاج إليه حالا وإلا فلا "و" خوف "ملازمة" أو حبس "غريم أو معسر".مصدر مضاف لفاعله فلا ينون غريم؛ لأنه حينئذ الدائن. ومثله وكيله أو لمفعوله فينون؛ لأنه حينئذ المدين هذا إن عجز عن إثبات إعساره أو عسر عليه وإلا بأن كان له به بينة وهناك حاكم يقبلها قبل الحبس وإلا فكالعدم كما بحث أو كان مما يقبل فيه دعوى الإعسار بيمينه كصداق ودين إتلاف فلا عذر "وعقوبة" تقبل العفو كقود وحد قذف وتعزير لله تعالى أو لآدمي و "يرجى تركها" ولو على بعد ولو بمال "إن تغيب أياما" يعني زمنا يسكن فيه غضب المستحق بخلاف نحو حد الزنا إذا بلغ الإمام وإلا كان تغيبه عن الشهود عذرا حتى لا يرفعوه على ما ذكره شارح وبخلاف ما علم من مستحقه بقرائن أحواله أنه لا يعفو عنه، وإنما جاز التغيب مع تضمنه منع حق يلزمه تسليمه فورا؛ لأنه وسيلة للعفو المندوب إليه ونظيره جواز تأخير الغاصب الرد الواجب عليه فورا إلى الإشهاد لعذر هـ بعدم تصديقه في دعوى الرد "وعري" بأن لم يجد ما تختل مروءته بتركه من اللباس؛ لأن عليه مشقة بتركه "وتأهب لسفر" مباح "مع رفقة ترحل" قبل صلاة الجماعة. ولو تخلف لها لاستوحش للمشقة في تخلفه حينئذ "وأكل ذي ريح كريه" لمن يظهر منه ريحه كثوم وبصل وكراث.وفجل لم تسهل معالجته ولو مطبوخا بقي ريحه المؤذي، وإن قل على الأوجه خلافا لمن قال يغتفر ريحه لقلته ويؤيد ما ذكرته حذفه تقييد أصله بنيء وذلك لأمره صلى الله عليه وسلم في الخبر الصحيح "من أكل شيئا من ذلك أن يجلس ببيته وأن لا يدخل المسجد لإيذائه الملائكة" ومن ثم كره لآكل ذلك ولو لعذر فيما يظهر الاجتماع بالناس وكذا دخوله المسجد بلا ضرورة ولو خاليا إلا إن أكله لعذر فيما يظهر، والفرق واضح قيل ويكره أكل

 

ج /1 ص -285-      ذلك إلا لعذر. ا هـ. وفي شرح الروض نعم هذا أي الأكل متكئا وما قبله أي أكل المنتن مكروهان في حقه كما في حق أمته صرح به الأصل. ا هـ. ولم أر التصريح بكراهته للأمة في الروضة وأصلها فلعل صرح به راجع للمشبه فقط ثم في إطلاق كراهة أكله لنا نظر ولو قيدت بما إذا أكله وفي عزمه الاجتماع بالناس أو دخول المسجد لم يبعد ثم رأيت نسخة معتمدة من شرح الروض مفيدة أن الشيخ تنبه لما ذكرته وعبارتها صرح به صاحب الأنوار مقيدا بالنيء انتهت وألحق به.كل ذي ريح كريه من بدنه أو مماسة وهو متجه، وإن نوزع فيه ومن ثم منع نحو أبرص وأجذم من مخالطة الناس وينفق عليهم من بيت المال أي فمياسيرنا فيما يظهر أما ما تسهل معالجته فليس بعذر فيلزمه الحضور في الجمعة ويسن السعي في إزالته فعلم أن شرط إسقاط الجماعة والجمعة أن لا يقصد بأكله الإسقاط كما مر، وإن تعسر إزالته
"وحضور قريب" أو نحو صديق أو مملوك أو مولى أو أستاذ "محتضر" أي حضره الموت. وإن كان له متعهد؛ لأنه يشق عليه فراقه فيتشوش خشوعه "أو" حضور قريب أو أجنبي "مريض بلا متعهد" له أو له متعهد شغل بنحو شراء الأدوية؛ لأن حفظه أهم من الجماعة "أو" حضور قريب أو نحوه ممن مر له متعهد لكن "يأنس به" أي بالحاضر؛ لأن تأنيسه أهم ومن أعذارها أيضا نحو زلزلة وغلبة نعاس وسمن مفرط لخبر صحيح فيه وليالي زفاف في المغرب والعشاء. وسعي في استرداد مال يرجو حصوله وعمى حيث لم يجد قائدا بأجرة مثل وجدها فاضلة عما يعتبر في الفطرة ولا أثر لإحسانه المشي بالعصا إذ قد تحدث وهدة يقع فيها.
تنبيه: هذه الأعذار تمنع الإثم أو الكراهة كما مر ولا تحصل فضيلة الجماعة كما في المجموع واختار غيره ما عليه جمع متقدمون من حصولها إن قصدها لولا العذر والسبكي حصولها لمن كان يلازمها لخبر البخاري الصريح فيه وأوجه منهما حصولها لمن جمع الأمرين الملازمة وقصدها لولا العذر، والأحاديث بمجموعها لا تدل على حصولها في غير هذين وقد يجاب بأن الحاصل له حينئذ أجر محاك لأجر الملازم الفاعل لها وهذا غير أجر خصوص الجماعة فلا خلاف في الحقيقة بين المجموع وغيره فتأمله ثم هي إنما تمنع ذلك فيمن لم يتأت له إقامة الجماعة في بيته وإلا لم يسقط الطلب عنه لكراهة الانفراد له، وإن حصل الشعار بغيره.

فصل في صفات الأئمة ومتعلقاتها
"لا يصح اقتداؤه بمن يعلم بطلان صلاته" لعلمه بنحو حدثه لتلاعبه "أو يعتقده" أي البطلان كأن يظنه ظنا غالبا مستندا للاجتهاد في نحو الطهارة "كمجتهدين اختلفا".اجتهادا "في القبلة" ولو بالتيامن، والتياسر، وإن اتحدت الجهة "أو" في "إناءين" لماء طاهر ونجس بأن أدى اجتهاد كل لغير ما أدى إليه اجتهاد الآخر فصلى كل لجهة أو توضأ من إناء فليس لأحدهما الاقتداء بالآخر لاعتقاده بطلان صلاته "فإن تعدد الطاهر" من الآنية كالمثال الآتي ولم يظن من حال غيره شيئا "فالأصح الصحة" في اقتداء بعضهم ببعض "ما لم يتعين إناء الإمام

 

ج /1 ص -286-      للنجاسة" لما يأتي ويؤخذ منه كراهة الاقتداء هنا للخلاف في بطلأنه وأنه لا ثواب في الجماعة لما يأتي في بحث الموقف أن كل مكروه من حيث الجماعة يمنع فضلها، "فإن ظن" بالاجتهاد "طهارة إناء غيره" كإنائه "اقتدى به قطعا" إذ لا تردد أو نجاسته امتنع قطعا، "ولو اشتبه خمسة" من الآنية "فيها" إناء "نجس على خمسة" من الناس واجتهد كل واحد "فظن كل طهارة إنائه" الإضافة للاختصاص من حيث الاجتهاد لا للملك إذ لا يشترط فيما يجتهد فيه أن يكون ملكه كما مر ثم رأيت أكثر النسخ إناء وحينئذ لا إشكال "فتوضأ به" ولم يظن شيئا من أحوال الأربعة "وأم كل" منهم الباقين "في صلاة" من الخمس مبتدئين بالصبح "ففي الأصح" السابق آنفا "يعيدون العشاء"؛ لأن النجاسة تعينت بزعمهم في إناء إمامها، فإن قلت ما وجه اعتبار التعين بالزعم هنا مع أن المدار إنما هو على علم المبطل المعين ولم يوجد بخلاف المبهم لما مر من صحة صلاة أو أربع صلوات بالاجتهاد إلى أربع جهات قلت لما كان الأصل في فعل المكلف وهو اقتداؤه بهم هنا صونه عن الإبطال ما أمكن اضطررنا لأجل ذلك إلى اعتباره وهو لاختياره له بالتشهي يستلزم اعترافه ببطلان صلاة الأخير فآخذناه به، وأما ثم فكل اجتهاد وقع صحيحا فلزمه العمل بقضيته ولم يبال بوقوع مبطل مبهم "إلا إمامها فيعيد المغرب" لصحة ما قبلها بزعمه وهو متطهر بزعمه في العشاء فتعين إمام المغرب للنجاسة، والضابط أن كلا يعيد ما ائتم فيه آخرا ولو كان في الخمسة نجسان صحت صلاة كل خلف اثنين فقط ولو سمع صوت حدث أو شمه بين خمسة وتناكروه وأم كل في صلاة.فكما ذكر.
تنبيه: يؤخذ مما تقرر من لزوم الإعادة أنه يحرم عليهم فعل العشاء وعلى الإمام فعل المغرب لما تقرر من تعين النجاسة في كل، فإن قلت إنما يتعين بالفعل لهما لا قبلهما قلت ممنوع بل المعين هو فعل ما قبلهما لا غير كما هو صريح كلامهم.
"و" شمل قوله يعتقده الاعتقاد الجازم لدليل نشأ عن الاجتهاد في الفروع فعليه "لو اقتدى شافعي بحنفي" مثلا أتى بمبطل في اعتقادنا أو اعتقاده كأن "مس فرجه أو افتصد فالأصح الصحة في الفصد دون المس اعتبارا" فيهما "بنية المقتدي" أي اعتقاده؛ لأنه محدث عنده بالمس دون الفصد وبحث جمع أن محله إذا نسيه لتكون نيته للصلاة جازمة في اعتقاده.بخلاف ما إذا علمه؛ لأنه متلاعب عندنا أيضا لعلمنا بأنه لم يجزم بالنية ويرد بأن هذا لو كان فرض المسألة لم يأت ما علل به مقابل الأصح عدم صحتها خلف المفتصد من اعتبار نية الإمام؛ لأنه متلاعب فلا تقع منه صحيحة فلم يتصور جزم المأموم بالنية فالخلاف إنما هو عند علمه حال النية بفصده، فإن قلت فما وجه صحة الاقتداء به حينئذ وهو متلاعب عندنا كما تقرر قلت كونه متلاعبا عندنا ممنوع إذ غاية أمره أنه حال النية عالم بمبطل عنده وعلمه به مؤثر في جزمه عنده.لا عندنا فتأمله وأيضا فالمدار هنا على وجود صورة صلاة صحيحة عندنا وإلا لم يصح الاقتداء بمخالف مطلقا؛ لأنه معتقد لعدم وجوب بعض الأركان وهذا مبطل عندنا فاقتضت الحاجة للجماعة اغتفار اعتقاده مبطلا عندنا وإتيانه بمبطل عنده، وإن تعمده ولو شك شافعي في إتيان المخالف بالواجبات عند المأموم

 

ج /1 ص -287-      لم يؤثر في صحة الاقتداء به تحسينا للظن به في توقي الخلاف ومر في سجدة ص أن المبطل الذي يغتفر جنسه في الصلاة لا يضر إتيان المخالف به وكذا لا يضر إخلاله بواجب إن كان ذا ولاية.خوفا من الفتنة فيقتدي به الشافعي ولا إعادة عليه وكأنهم إنما لم يوجبوا عليه موافقته في الأفعال مع عدم نية الاقتداء به لعسر ذلك وإلا فهو محصل لدفع الفتنة ولصحة صلاة الشافعي يقينا ويشكل على ذلك ما يأتي أنه لا تصح الجمعة المسبوقة، وإن كان السلطان معها الصادق بكونه إمامها إذ قياس ما هنا صحة اقتدائهم به خوف الفتنة بل هي ثم أشد ويجاب بأنه عهد إيقاع غير الجمعة مع اختلال بعض شروطها لعذر ولم يعهد ذلك في الجمعة بعد تقدم جمعة أخرى، فإن اضطروا للصلاة معه نووا ركعتين نافلة.
تنبيه: رجح مقابل الأصح جماعة من أكابر أئمتنا بل ألف فيه مجلي ونقل عن الأكثرين لكن نوزع فيه واختاره جمع محققون متأخرون وعلى المذهب فرق ابن عبد السلام بين ما هنا وعدم صحة اقتداء أحد مجتهدين في الماء أو القبلة إذا اختلف اجتهادهما بالآخر بأن المنع مطلقا هنا يؤدي إلى تعطيل الجماعة المطلوب تكثيرها بخلافه في ذينك لندرتهما، فإن قلت يؤيد المقابل المذكور ما هو معلوم أن من قلد تقليدا صحيحا كانت صلاته صحيحة حتى عند مخالفه قلت معنى كونها صحيحة عند المخالف أنها تبرئ فاعلها عن المطالبة بها ونحو ذلك لا أنا نربط صلاتنا بها؛ لأن هذا تخلفه مفسدة أخرى هي اعتقادنا أنه غير جازم بالنية بالنسبة إلينا فمنعنا الربط لذلك لا لاعتقادنا بطلان صلاته بالنسبة لاعتقاده فالحاصل أنها من حيث ربطنا بها غير صالحة لذلك ومن حيث إبراؤها لذمة فاعلها صالحة له ظاهرا فيهما وأما باطنا فكل من صلاتنا وصلاته يحتمل الصحة وغيرها لأن الحق أن المصيب في الفروع واحد لكن على كل مقلد أن يعتقد بناء على أنه يجب تقليد الأرجح عنده أن ما قاله مقلده أقرب إلى موافقة ما في نفس الأمر مما قاله غيره مع احتمال مصادفة قول غيره لما فيه فتأمله.
"ولا تصح قدوة بمقتد" بغيره إجماعا ولو احتمالا ولو بعد السلام.كما مر في سجود السهو، وإن بان إماما وذلك لاستحالة اجتماع كونه تابعا متبوعا ولا أثر عند التردد للاجتهاد فيما يظهر خلافا للزركشي لأن شرطه أن يكون للعلامة فيه مجال ولا مجال لها هنا؛ لأن مدار المأمومية على النية لا غير وهي لا يطلع عليها وخرج بمقتد ما لو انقطعت القدوة كأن سلم الإمام فقام مسبوق فاقتدى به آخر أو مسبوقون فاقتدى بعضهم ببعض فتصح في غير الجمعة في الثانية على المعتمد لكن مع الكراهة "ولا بمن تلزمه إعادة"، وإن اقتدى به مثله "كمقيم تيمم" لنقص صلاته "ولا" قدوة "قارئ بأمي في الجديد"، وإن لم يمكنه التعلم ولا علم بحاله؛ لأنه لا يصح لتحمل القراءة عنه لو أدركه راكعا مثلا ومن شأن الإمام التحمل ويصح اقتداؤه بمن يجوز كونه أميا إلا إذا لم يجهر في جهرية فتلزمه مفارقته.فإن استمر جهلا حتى سلم لزمته الإعادة ما لم يبن أنه قارئ.
تنبيه: لزوم المفارقة هنا يشكل عليه ما مر أن إمامه لو لحن مغيرا في الفاتحة لم تلزمه

 

ج /1 ص -288-      مفارقته لاحتمال نسيانه وهذا موجود هنا وقد يجاب بحمل ذلك على ما إذا لم يجوز كونه أميا وإلا لزمته كما هنا؛ لأن عدم جهره أو لحنه يقوي كونه أميا وقضيته أنه متى تردد في مانع اقتداء وقامت قرينة ظاهرة على وجوده لزمته المفارقة ومر عن السبكي ما يؤيده.
"وهو من يخل بحرف أو تشديدة من الفاتحة" بأن لم يحسنه وهو نسبة لأمه حال ولادته وحقيقته لغة من لا يكتب ومن يحسن سبع آيات مع من لا يحسن إلا الذكر وحافظ نصف الفاتحة الأول بحافظ نصفها الثاني مثلا كقارئ مع أمي "ومنه أرت" بالمثناة "يدغم" بإبدال "في غير موضعه" أي الإدغام المفهوم من يدغم فلا يضر إدغام فقط كتشديد لام أو كاف مالك "وألثغ" بالمثلثة "يبدل حرفا" أي يأتي بغيره بدله كراء بغين وسين بثاء نعم لا تضر لثغة يسيرة بأن لم تمنع أصل مخرجه، وإن كان غير صاف، "وتصح" ولو في الجمعة بتفصيله الآتي فيها.قدوة أمي وأخرس "بمثله" بالنسبة للمعجوز عنه، وإن لم يكن مثله في الإبدال كما إذا عجزا عن الراء وأبدلها أحدهما غينا، والآخر لاما بخلاف عاجز عن راء بعاجز عن سين، وإن اتفقا في البدل لإحسان أحدهما ما لم يحسنه الآخر، "وتكره" القدوة "بالتمتام" وهو من يكرر التاء، والقياس التأتاء "والفأفاء" بهمزتين، والمد وهو من يكرر الفاء والواو أي وهو من يكرر الواو وكذا سائر الحروف لزيادته ونفرة الطبع عن سماعه ومن ثم كرهت له الإمامة وصحت لعذره مع إتيانه بأصل الحرف "واللاحن" لحنا لا يغير المعنى كفتح دال نعبد وكسر بائها ونونها لبقاء المعنى، وإن أثم بتعمد ذلك "فإن" لحن لحنا "غير معنى" ولو في غير الفاتحة وكاللحن هنا الإبدال لكنه لا يشترط فيه تغيير المعنى كما مر "كأنعمت بضم أو كسر" أو أبطله كالمتقين وحذفه من أصله لفهمه بالأولى، "أبطل صلاة من أمكنه التعلم" ولم يتعلم؛ لأنه ليس بقرآن.نعم إن ضاق الوقت صلى لحرمته ويظهر أنه لا يأتي بتلك الكلمة؛ لأنها غير قرآن قطعا فلم تتوقف صحة الصلاة حينئذ عليها بل تعمدها ولو من مثل هذا مبطل وأعاد لتقصيره وحذف هذا من أصله؛ لأنه معلوم ولا يجوز الاقتداء به في الحالين "فإن عجز لسانه أو لم يمض زمن إمكان تعلمه" من حين إسلامه فيمن طرأ إسلامه ومن التمييز في غيره على الأوجه كما مر؛ لأن الأركان، والشروط لا فرق في اعتبارها بين البالغ وغيره "فإن كان في الفاتحة" أو بدلها ولو الذكر كما هو ظاهر "فكأمي" ومر حكمه "وإلا" بأن كان في غيرها وغير بدلها "فتصح صلاته، والقدوة به" وكذا إن جهل التحريم وعذر أو نسي أنه لحن أو في صلاة فعلم أن صلاته لا تبطل بالتغيير في غير الفاتحة أو بدلها إلا إذا قدر وعلم وتعمد؛ لأنه حينئذ كلام أجنبي وشرط إبطاله ذلك بخلاف ما في الفاتحة أو بدلها، فإنه ركن وهو لا يسقط بنحو جهل أو نسيان نعم لو تفطن للصواب قبل السلام بنى ولم تبطل صلاته وحيث بطلت صلاته هنا يبطل الاقتداء به لكن للعالم بحاله كما قاله الماوردي ويفرق بينه وبين ما يأتي في الأمي بأن هذا يعسر الاطلاع على حاله قبل الاقتداء به واختار السبكي ما اقتضاه قول الإمام ليس لهذا قراءة غير الفاتحة؛ لأنه يتكلم بما ليس بقرآن بلا ضرورة من البطلان مطلقا.
"ولا تصح قدوة رجل" أي ذكر ولو صبيا "ولا خنثى" مشكل "بامرأة ولا خنثى" مشكل

 

ج /1 ص -289-      إجماعا في الرجل بالمرأة إلا من شذ كالمزني ولاحتمال أنوثة الإمام وذكورة المأموم في خنثى بخنثى وذكورة المأموم في خنثى بامرأة وأنوثة الإمام في رجل بخنثى أما قدوة امرأة بامرأة أو خنثى أو رجل وخنثى برجل ورجل برجل فصحيحة فالصور تسع ويكره اقتداء رجل بخنثى اتضحت ذكورته وخنثى اتضحت أنوثته بامرأة ومحله إن اتضح بظني كقوله للشك "وتصح" القدوة "للمتوضئ بالمتيمم" الذي لا يلزمه قضاء لكمال صلاته "و" للمتوضئ "بماسح الخف وللقائم بالقاعد، والمضطجع"، والمستلقي ولو موميا ولأحدهم بالآخر لذلك وللاتباع في الثاني قبل موته صلى الله عليه وسلم بيوم أو يومين وهو ناسخ لخبر "وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون" وزعم أنه لا يلزم من نسخ وجوب القعود وجوب القيام يرد بأن القيام هو الأصل، وإنما وجب القعود لمتابعة الإمام فحين إذ نسخ ذلك زال اعتبار المتابعة فلزم وجوب القيام؛ لأنه الأصل "والكامل" أي البالغ الحر "بالصبي" المميز ولو في فرض لخبر البخاري أن عمرو بن سلمة بكسر اللام كان يؤم قومه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ست أو سبع نعم البالغ ولو مفضولا أو قنا أولى منه للخلاف في صحة الاقتداء به ومن ثم كره كما في البويطي "والعبد" ولو صبيا لما صح أن عائشة كان يؤمها عبدها ذكوان نعم الحر أولى منه إلا إن تميز بنحو فقه كما يأتي، والحر في صلاة الجنازة أولى مطلقا؛ لأن دعاءه أقرب للإجابة، وتكره إمامة الأقلف ولو بالغا كما في روضة شريح وغيرها "والأعمى، والبصير سواء على النص" إذا اتحدا حرية أو رقا مثلا؛ لأن الأعمى أخشع، والبصير عن الخبث أحفظ نعم صرح جمع بأن البصير أولى من أعمى مبتذل ورد بأن الأعمى في عكسه كذلك واختير ترجيح البصير مطلقا؛ لأن الخبث مفسد بخلاف ترك الخشوع أما إذا اختلفا فحر أعمى أولى من قن بصير، "والأصح صحة قدوة" نحو "السليم بالسلس" أي سلس البول ونحوه ممن لا تلزمه إعادة، والطاهر بالمستحاضة غير المتحيرة" لكمال صلاتهما أيضا، وكونها للضرورة لا ينافي كمالها وإلا لوجبت إعادتها أما قدوة مثلهما بهما فصحيحة جزما، وأما المتحيرة فلا يصح الاقتداء ولو لمثلها بها لوجوب الإعادة عليها "ولو بان إمامه" بعد الصلاة على خلاف ظنه "امرأة" أو خنثى "أو كافرا معلنا" كفره كذمي "قيل أو" بان كافرا "مخفيا" كفره كزنديق "وجبت الإعادة" لتقصيره بترك البحث لظهور أمارة المبطل من الأنوثة، والكفر وانتشار أمر الخنثى غالبا بخلافه في المخفي ويقبل قوله في كفره على ما نص عليه في الأم قيل ولولاه لكان الأقرب عدم قبوله إلا بعد إسلامه. ا هـ. وفيه نظر بل الأقرب قبوله ما لم يسلم ثم يقتدي به ثم يقول له بعد الفراغ لم أكن أسلمت حقيقة أو ارتددت.لكفره بذلك فلا يقبل خبره بخلافه في غير ذلك لقبول أخباره عن فعل نفسه ويصح الاقتداء بمجهول الإسلام ما لم يبن خلافه ولو بقوله؛ لأن إقدامه على الصلاة دليل ظاهر على إسلامه وفي المجموع لو بان أن إمامه لم يكبر للإحرام بطلت صلاته؛ لأنها لا تخفى غالبا أو كبر ولم ينو فلا. ا هـ. قال الحناطي وغيره ولو أحرم بإحرامه ثم كبر ثانيا بنية ثانية سرا بحيث لم يسمع المأموم لم يضر في صحة الاقتداء، وإن بطلت صلاة الإمام أي؛ لأن هذا مما يخفى ولا أمارة عليه."لا" إن بان إمامه محدثا أو

 

ج /1 ص -290-      "جنبا أو ذا نجاسة خفية" في ثوبه أو ملاقيه أو بدنه ولو في جمعة إن زاد على الأربعين كما يأتي إذ لا أمارة عليها فلا تقصير ومن ثم لو علم ذلك ثم نسيه واقتدى به ولم يحتمل تطهره لزمته الإعادة أما إذا بان ذا نجاسة طاهرة فتلزمه الإعادة لتقصيره ورجح المصنف في كتب أن لا إعادة مطلقا., والأوجه في ضبط الظاهرة أن تكون بحيث لو تأملها المأموم رآها فلا فرق بين من يصلي إمامه قائما وجالسا ولو قام رآها المأموم وفرق الروياني بين من لم يرها لبعده أو اشتغاله بصلاته فيعيد ومن لم يرها لكونها بعمامته ويمكنه رؤيتها إذا قام فجلس عجزا فلم يمكنه رؤيتها فلا يعيد لعذره واعترض بأنه يلزمه الفرق بين البصير، والأعمى يفصل فيه بين أن يكون بفرض زوال عماه بحيث لو تأملها رآها وأن لا وفيه نظر بل الذي يتجه فيه أنه لا تلزمه إعادة لعدم تقصيره بوجه فلم ينظر للحيثية المذكورة فيه، فإن قلت فما وجه الرد على الروياني حينئذ قلت وجهه ما أفاده كلامهم أن المدار هنا على ما فيه تقصير وعدمه وبوجود تلك الحيثية يوجد التقصير نظير ما مر في نجس يتحرك بحركته أن المدار على الحركة بالقوة بخلافه في السجود على متحرك بحركته لفحش النجاسة وما هنا نجاسة فكان إلحاقها بها أولى "قلت الأصح المنصوص وقول الجمهور: إن مخفي الكفر هنا كمعلنه والله أعلم" لعدم أهلية الكافر للصلاة بوجه بخلاف غيره "والأمي كالمرأة في الأصح" بجامع النقص، فإن بان ذلك أو شيء مما مر غير نحو الحدث والخبث أثناء الصلاة استأنف أو بعدها أعاد. بخلاف ما لو بان حدثه أو خبثه أثناءها، فإنه يلزمه مفارقته ويبني، والفرق أن الوقوف على نحو قراءته أسهل منه على طهره؛ لأنه، وإن شوهد فحدوث الحدث بعده قريب بخلاف القراءة.
"ولو اقتدى" رجل "بخنثى" في ظنه "فبان رجلا" أو خنثى بامرأة فبان أنثى أو خنثى بخنثى فبانا مستويين مثلا "لم يسقط القضاء في الأظهر" لعدم انعقاد صلاته لعدم جزم نيته وخرج بقولنا في ظنه ما لو كان خنثى في الواقع بأن كان اشتباه حاله موجودا حينئذ.لكن ظنه رجلا ثم بان خنثى بعد الصلاة ثم اتضح بالذكورة فلا تلزمه إعادة على الأوجه للجزم بالنية بخلاف ما لو صلى خنثى خلف امرأة ظانا أنها رجل ثم تبين أنوثة الخنثى كما صححه الروياني؛ لأن للمرأة علامات ظاهرة غالبا تعرف بها فهو هنا مقصر، وإن جزم بالنية، "والعدل" ولو قنا مفضولا "أولى" بالإمامة "من الفاسق" ولو حرا فاضلا إذ لا وثوق به في المحافظة على الشروط ولخبر الحاكم وغيره "
إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكم خياركم، فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم" وفي مرسل "صلوا خلف كل بر وفاجر" ويعضده ما صح أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يصلي خلف الحجاج وكفى به فاسقا وتكره خلفه وهي خلف مبتدع لم يكفر ببدعته أشد لأن اعتقاده لا يفارقه وتكره إمامة من يكرهه أكثر القوم.لمذموم فيه شرعي غير نحو ما ذكرته لورود تغليظات فيه في السنة حتى أخذ منها بعضهم أن ذلك كبيرة لا الائتمام به قال الماوردي ويحرم على الإمام نصب الفاسق إماما للصلوات؛ لأنه مأمور بمراعاة المصالح وليس منها أن يوقع الناس في صلاة مكروهة. ا هـ. ويؤخذ منه حرمة نصب كل من كره الاقتداء به وناظر المسجد ونائب الإمام كهو في تحريم

 

ج /1 ص -291-      ذلك كما هو ظاهر، والأصح أن الأفقه" في الصلاة وما يتعلق بها، وإن لم يحفظ غير الفاتحة "أولى من الأقرأ" غير الأفقه، وإن حفظ كل القرآن؛ لأن الحاجة للفقه أهم لعدم انحصار حوادث الصلاة ولأنه صلى الله عليه وسلم قدم أبا بكر على من هم أقرأ منه لخبر البخاري لم يجمع القرآن في حياته صلى الله عليه وسلم إلا أربعة أنصار خزرجيون زيد بن ثابت وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وأبو زيد رضي الله عنهم وخبر: أحقهم بالإمامة أقرؤهم محمول على عرفهم الغالب أن الأقرأ أفقه لأنهم كانوا يضمون للحفظ معرفة فقه الآية وعلومها نعم يتساوى قن فقيه وحر غير فقيه كما في المجموع وينبغي حمله على قن أفقه وحر فقيه؛ لأن مقابلة الحرية بزيادة الفقه غير بعيدة بخلاف مقابلتها بأصل الفقه فهو أولى منها لتوقف صحة الصلاة عليه دونها ثم رأيت السبكي أشار لذلك "و" الأصح أن الأفقه أولى من "الأورع"؛ لأن حاجة الصلاة إلى الفقه أهم كما مر ويقدم الأقرأ على الأورع والأوجه أن المراد بالأقرأ الأصح قراءة، فإن استويا في ذلك فالأكثر قراءة وبحث الإسنوي أن التميز بقراءة السبع أو بعضها من ذلك وتردد في قراءة مشتملة على لحن لا يغير المعنى ويتجه أنه لا عبرة بها وبحث أيضا تقديم الأزهد على الأورع؛ لأنه أعلى منه إذ الزهد تجنب فضل الحلال، والورع تجنب الشبه.خوفا من الله تعالى فهو زيادة على العدالة بالعفة وحسن السيرة ولو تميز المفضول من هؤلاء الثلاثة ببلوغ أو إتمام عدالة أو معرفة نسب كان أولى "ويقدم الأفقه، والأقرأ" أي كل منهما وكذا الأورع "على الأسن، والنسيب" فعلى أحدهما أولى؛ لأن فضيلة كل من الأولين لها تعلق تام بصحة الصلاة أو كما لها بخلاف الأخيرين "والجديد تقديم الأسن" في الإسلام "على النسيب"؛ لأن فضيلة الأول في ذاته، والثاني في آبائه إذ هو المنسوب لمن يعتبر في الكفاءة كالعرب بتفصيلهم وكالعلماء أو الصلحاء ولا عبرة بسن في غير الإسلام فيقدم شاب أسلم أمس على شيخ أسلم اليوم نعم بحث المحب الطبري أنهما لو أسلما معا واستويا في الصفات قدم الأسن لعموم خبر مسلم بتقديم الأسن ومن أسلم بنفسه أولى ممن أسلم بالتبعية؛ لأن فضيلته في ذاته نعم إن كان بلوغ التابع قبل إسلام المستقل قدم التابع؛ لأنه أقدم إسلاما حينئذ، وخبر "وليؤمكم أكبركم" كان لجمع متقاربين في الفقه كما في مسلم وفي رواية في العلم وتعتبر الهجرة أيضا فيقدم أفقه فأقرأ فأورع فأقدم هجرة بالنسبة لآبائه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالنسبة لنفسه إلى دار الإسلام فأسن فأنسب فعلم أن المنتسب للأقدم هجرة مقدم على المنتسب لقريش مثلا، وإن ذكر النسب لا يغني عن ذكر الأقدم هجرة، "فإن استويا" في الصفات المذكورة في المتن وغيره كالهجرة "فنظافة" الذكر بأن.لم يسم أي ممن لم يعلم منه عداوته بنقص يسقط العدالة فيما يظهر ثم نظافة "الثوب، والبدن" من الأوساخ "وحسن الصوت وطيب الصنعة" بأن يكون كسبه فاضلا كتجارة وزراعة "ونحوها" من الفضائل يقدم بكل منها على مقابله لإفضائه إلى استمالة القلوب وكثرة الجمع ومن ثم قدم على الأوجه من تناقض للمصنف عند الاستواء في جميع ما مر آنفا الأحسن ذكرا ثم الأنظف ثوبا فوجها فبدنا فصنعة ثم الأحسن صوتا فصورة، فإن استويا وتشاحا أقرع هذا كله حيث لا إمام راتب أو أسقط حقه للأولى وإلا قدم الراتب على الكل

 

ج /1 ص -292-      وهو من ولاه الناظر ولاية صحيحة بأن لم يكره الاقتداء به أخذا مما مر عن الماوردي المقتضي عدم الصحة؛ لأن الحرمة فيه من حيث التولية أو كان بشرط الواقف "ومستحق المنفعة".يعني من جاز له الانتفاع بمحل كما أشارت إليه عبارة أصله "بملك" له "ونحوه" كإجارة وإعارة ووقف وإذن سيد "أولى" بالإمامة فيما يسكنه بحق من غيره، وإن تميز بسائر ما مر فيؤمهم إن كان أهلا ولو نحو فاسق على ما اقتضاه إطلاقهم بناء على ما هو المتبادر أن المراد بالأهل من تصح إمامته، وإن كرهت "فإن لم يكن" المستحق للمنفعة حقيقة وهو من عدا نحو المستعير إذ لا تجوز الإنابة إلا لمن له الإعارة والمستعير من المالك لا يعير وكذا القن المذكور حضر المعير والسيد أو غابا خلافا لتقييد شارح الامتناع بحضرة المعير وبما تقرر علم أن في كلامه نوع استخدام "أهلا" للإمامة كما مر كامرأة للرجال أو للصلاة كالكافر، وإن تميز بسائر ما مر "فله" إن كان رشيدا "التقديم" لأهل يؤمهم أي يندب له ذلك لخبر مسلم "لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه" وفي رواية لأبي داود "في بيته ولا في سلطانه" أما المحجور عليه إذا دخلوا بيته لمصلحته وكان زمنها بقدر زمن الجماعة، فإن أذن وليه لواحد تقدم وإلا صلوا فرادى قاله الماوردي والصيمري ونظر فيه القمولي.وكأنه لمح أن هذا ليس حقا ماليا حتى ينوب الولي عنه فيه وهو ممنوع؛ لأن سببه الملك فهو من توابع حقوقه وللولي دخل فيها "ويقدم" السيد "على عبده الساكن" بملك السيد وهو واضح؛ لأنهما ملكه أو بملك غيره؛ لأن السيد هو المستعير في الحقيقة "لا" على "مكاتبه في ملكه" أي المكاتب يعني فيما استحق منفعته ولو بنحو إجارة وإعارة من غير السيد بدليل كلامه السابق فلا يقدم سيده عليه؛ لأنه أجنبي منه ويؤخذ منه بالأولى أنه لا يقدم على قنه البعض فيما ملكه ببعضه الحر، والأصح تقديم المكتري" ومقرر نحو الناظر "على المكري"، والمقرر نظرا لملك المنفعة وقيد شارح المكري بالمالك وهو موهم إلا أن يراد المالك للمنفعة ومع ذلك هو موهم أيضا إذ لا يكرى إلا مالك لها فهو لبيان الواقع لا للاحتراز "والمعير على المستعير" لملكه الرقبة، والمنفعة واختار السبكي تقديم المستعير لشمول في بيته المار في الخبر له وإلا لزم تقديم نحو المؤجر أيضا ويجاب عنه بأن الإضافة للملك أو للاختصاص وكلاهما متحقق في ملك المنفعة فدخل المستأجر وخرج المستعير؛ لأنه غير مالك لها.
والوالي في محل ولايته أولى من الأفقه والمالك" إلا إذا أذن في الصلاة في ملكه، وإن لم يأذن في الجماعة بخلاف ما إذا لم يكن فيهم وال لا تقام الجماعة في ملكه إلا بإذنه فيها لئلا يلزم تقدم غيره بغير إذنه وهو ممتنع وظاهر أن محل الأول إن لم يزد زمن الجماعة وإلا احتيج لإذنه فيها وعلم من كلامه تقدمه على غير ذينك بالأولى، وذلك للخبر السابق ويقدم من الولاة الأعم ولاية وهو أولى من الراتب إن شملت ولايته الإمامة بخلاف ولاة نحو الشرطة على الأوجه ولو ولى الإمام أو نائبه الراتب قدم على والي البلد وقاضيه على الأوجه أيضا بل يظهر تقديمه على من عدا الإمام الأعظم من الولاة.

 

ج /1 ص -293-      فصل في بعض شروط القدوة وكثير من آدابها ومكروهاتها
"لا يتقدم" المأموم "على إمامه في الموقف" يعني المكان لا بقيد الوقوف أو التقييد به للغالب؛ لأن ذلك لم ينقل "فإن تقدم".القائم أو غيره عليه يقينا في غير صلاة شدة الخوف وفاقا لابن أبي عصرون "بطلت" إن كان في الابتداء أو الأثناء وتسمية ما في الابتداء بطلانا تغليب وإلا فهي لم تنعقد "في الجديد"؛ لأن هذا أفحش من المخالفة في الأفعال المبطلة لما يأتي أما لو شك في التقدم عليه فلا تبطل، وإن جاء من إمامه؛ لأن الأصل عدم المبطل فقدم على أصل بقاء التقدم "ولا تضر مساواته" للإمام لعدم المخالفة لكنها مكروهة مفوتة لفضيلة الجماعة أي فيما ساوى فيه لا مطلقا، وإن اعتد بصورتها في الجمعة وغيرها حتى يسقط فرضها فلا تنافي خلافا لمن ظنه وكذا يقال كما يصرح به كلامهم لا سيما كلام المجموع في كل مكروه من حيث الجماعة كمخالفة السنن الآتية في هذا الفصل، واللذين بعده المطلوبة من حيث الجماعة.
تنبيه: من الواضح مما مر أن من أدرك التحرم قبل سلام الإمام حصل فضيلة الجماعة، وهي السبع والعشرون لكنها دون من حصلها من أولها بل أو في أثنائها قيل ذلك أن المراد بالفضيلة الفائتة هنا فيما إذا ساواه في البعض السبعة والعشرون في ذلك الجزء وما عداه مما لم يساوه فيه يحصل له السبع والعشرون لكنها متفاوتة كما تقرر وكذا يقال في كل مكروه هنا أمكن تبعيضه.
"ويندب تخلفه" عنه "قليلا" بأن تتأخر أصابعه عن عقب إمامه فيما يظهر؛ لأنه الأدب نعم قد تسن المساواة كما يأتي في العراة، والتأخر الكثير.كما في امرأة خلف رجل "والاعتبار" في التقدم والتأخر، والمساواة في القيام وكذا الركوع كما هو ظاهر "بالعقب" الذي اعتمد عليه، وإن اعتمد على المتأخرة أيضا كما هو قياس نظائره خلافا للبغوي وهو ما يصيب الأرض من مؤخر القدم دون أصابع الرجل؛ لأن فحش التقدم إنما يظهر به فلا أثر لتقدم أصابع المأموم مع تأخر عقبه بخلاف عكسه ولا للتقدم ببعض العقب المعتمد على جميعه إن تصور فيما يظهر ترجيحه من خلاف حكاه ابن الرفعة عن القاضي وعلل الصحة بأنها مخالفة لا تظهر فأشبهت المخالفة اليسيرة في الأفعال وبه يفرق بين ما هنا وضرر التقدم ببعض نحو الجنب فيما يأتي لأن تلك مخالفة فاحشة كما هو ظاهر وفي القعود بالألية ولو راكبا وفي الاضطجاع بالجنب أي جميعه وهو ما تحت عظم الكتف إلى الخاصرة فيما يظهر وفي الاستلقاء بالعقب إن اعتمد عليه أيضا وإلا فآخر ما اعتمد عليه فيما يظهر ثم رأيت الأذرعي قال هنا يحتمل أن العبرة برأسه ويحتمل غير ذلك وما ذكرته أوفق بكلامهم كما هو واضح سواء في كل مما ذكر اتحدا قياما مثلا أو لا، ومحل ما ذكر في العقب وما بعده إن اعتمد عليه فإن اعتمد على غيره وحده كأصابع القائم وركبة القاعد اعتبر ما اعتمد عليه على الأوجه حتى لو صلى قائما معتمدا على خشبتين تحت إبطيه فصارت رجلاه معلقتين في الهواء أو مماستين للأرض من غير اعتماد بأن لم يمكنه غير

 

ج /1 ص -294-      هذه الهيئة اعتبرت الخشبتان فيما يظهر ويتردد النظر في مصلوب اقتدى بغيره؛ لأنه لا اعتماد له على شيء إلا أن يقال.اعتماده في الحقيقة على منكبيه؛ لأنهما الحاملان له فليعتبرا وكان هذا هو ملحظ الإسنوي في اعتبارهما فيمن تعلق بحبل، ورده ببطلان صلاته إنما هو من حيثية أخرى هي أن هذه الهيئة يوجب اختيارها عدم انعقاد الصلاة كما علم مما مر في مبحث القيام ولم أر لهم كلاما في الساجد ويظهر اعتبار أصابع قدميه إن اعتمد عليها أيضا وإلا فآخر ما اعتمد عليه نظير ما مر ثم رأيت بعضهم بحث اعتبار أصابعه ويتعين حمله على ما ذكرته، "ويستديرون" أي المأمومون ندبا إن صلوا "في المسجد الحرام حول الكعبة" كما فعله ابن الزبير رضي الله عنهما وأجمعوا عليه ويوجه بأن فيه إظهارا لتمييزها وتعظيمها وتسوية بين الكل في توجههم إليها وبه يتجه إطلاقهم ذلك الشامل لكثرة الجماعة وقلتهم خلافا لمن قيد الندب بكثرتهم ويندب أن يقف الإمام خلف المقام للاتباع ومعلوم مما مر في الاستقبال أنه لو وقف صف طويل في أخريات المسجد الحرام صح بقيده السابق ثم "ولا يضر كونه أقرب إلى الكعبة في غير جهة الإمام في الأصح" إذ لا يظهر بذلك مخالفة فاحشة بخلافه من في جهته ويؤخذ من هذا الخلاف القوي.أن هذه الأقربية مكروهة مفوتة لفضيلة الجماعة وهو محتمل بل متجه كالانفراد عن الصف بل أولى؛ لأن الخلاف المذهبي أحق بالمراعاة من غيره ولو توجه أحدهما للركن فكل من جانبيه جهته، "وكذا لو وقفا في الكعبة واختلفت جهتاهما" بأن كان وجهه لوجهه أو ظهره لظهره أو وجه أو ظهر أحدهما لجنب الآخر فتصح، وإن تقدم عليه حينئذ بخلاف ما إذا كان وجه الإمام لظهر المأموم كما أفهمه المتن لتقدمه عليه مع اتحاد جهتهما فإيراد هذه عليه في غير محله وشمل كلامهم في هذه ما لو استقبلا سقفها وكان المأموم أرفع من الإمام لصدق تقدمه عليه في جهته حينئذ إذ الظاهر أن تصويرهم بكون ظهر المأموم إلى وجه الإمام ليس للتقييد بل المراد أن يكون مستقبلهما واحدا، والمأموم إليه أقرب، وإن لم يصدق أن ظهره لوجهه ولو كان بعض مقدمه لجهة الإمام وبعضه لغيرها وتقدم ضر على الأوجه تغليبا للمبطل أما لو كان الذي فيها الإمام فلا حجر على المأموم أو المأموم امتنع توجهه لجهة إمامه لتقدمه عليه في جهته "ويقف" عبر به هنا وفيما يأتي للغالب أيضا "الذكر" ولو صبيا لم يحضره غيره "عن يمينه" وإلا.سن للإمام تحويله للاتباع "فإن حضر آخر أحرم عن يساره"، فإن لم يكن بيساره محل أحرم خلفه ثم تأخر إليه من هو على اليمين "ثم" بعد إحرامه لا قبله "يتقدم الإمام أو يتأخران" في القيام وألحق به الركوع "وهو" أي تأخرهما "أفضل" للاتباع أيضا ولأن الإمام متبوع فلا يناسبه الانتقال هذا إن سهل كل منهما لسعة المكان وإلا تعين ما سهل منهما تحصيلا للسنة أما في غير القيام، والركوع فلا تقدم ولا تأخر.لعسره حتى يقوموا، "ولو حضر" ابتداء معا أو مرتبا "رجلان" أو صبيان "أو رجل وصبي صفا" أي قاما صفا "خلفه" للاتباع أيضا "وكذا لو حضر امرأة أو نسوة" فقط فتقف هي أو هن خلفه، وإن كن محارمه للاتباع أيضا أو ذكر وامرأة فهو عن يمينه وهي خلف الذكر أو ذكران بالغان أو بالغ وصبي وامرأة أو خنثى فهما خلفه وهي أو الخنثى خلفهما للاتباع أو ذكر وخنثى وأنثى وقف الذكر

 

ج /1 ص -295-      عن يمينه، والخنثى خلفهما، والأنثى خلف الخنثى "ويقف خلفه الرجال" ولو أرقاء كما هو ظاهر "ثم" إن تم صفهم وقف خلفهم "الصبيان"، وإن كانوا أفضل خلافا للدارمي ومن تبعه ويتردد النظر في الفساق، والصبيان، وظاهر تعبيرهم بالرجال تقديم الفساق أما إذا لم يتم فيكمل بالصبيان لما يأتي أنهم من الجنس ثم الخناثى، وإن لم يكمل صف من قبلهم "ثم النساء".كذلك لخبر مسلم "ليليني" أي بتشديد النون بعد الياء وبحذفها وتخفيف النون "منكم أولو الأحلام، والنهى" أي البالغون العقلاء "ثم الذين يلونهم" ثلاثا ولا يؤخر صبيان لبالغين لاتحاد جنسهم بخلاف من عداهم لاختلافه ويسن أن لا يزيد ما بين كل صفين، والأول، والإمام على ثلاثة أذرع ومتى كان.بين صفين أكثر من ثلاثة أذرع كره للداخلين أن يصطفوا مع المتأخرين، فإن فعلوا لم يحصلوا فضيلة الجماعة أخذا من قول القاضي لو كان بين الإمام ومن خلفه أكثر من ثلاثة أذرع فقد ضيعوا حقوقهم فللداخلين الاصطفاف بينهما وإلا كره لهم و أفضل صفوف الرجال أولها ثم ما يليه وهكذا وأفضل كل صف يمينه وقول جمع من بالثاني أو اليسار يسمع الإمام ويرى أفعاله أفضل ممن بالأول أو اليمين؛ لأن الفضيلة المتعلقة بذات العبادة أفضل من المتعلقة بمكانها مردود بأن في الأول، واليمين من صلاة الله تعالى وملائكته على أهلهما كما صح ما يفوق سماع القراءة وغيره وكذا في الأول من توفير الخشوع ما ليس في الثاني لاشتغالهم بمن أمامهم، والخشوع روح الصلاة فيفوق سماع القراءة وغيره أيضا فما فيه يتعلق بذات العبادة أيضا وقد رجحوا الصف الأول على من بالروضة الكريمة، وإن قلنا بالأصح أن المضاعفة تختص بمسجده صلى الله عليه وسلم، والصف الأول هو ما يلي الإمام، وإن تخلله منبر أو نحوه وهو بالمسجد الحرام.من بحاشية المطاف فمن أمامهم ولم يكن أقرب إلى الكعبة من الإمام في غير جهته.لما مر دون من يليهم ولا عبرة بتقدم من بسطح المسجد على من بأرضه كما هو ظاهر لكراهة الارتفاع حتى في المسجد كما يأتي ولندرة ذلك فلم يرد من النصوص "وتقف إمامتهن" أنثه قال الرازي؛ لأنه قياسي كما أن رجلة تأنيث رجل وقال القونوي بل المقيس حذف التاء إذ لفظ إمام ليس صفة قياسية بل صيغة مصدر أطلقت على الفاعل فاستوى المذكر والمؤنث فيها وعليه فأتى بالتاء لئلا يوهم أن إمامهن الذكر كذلك "وسطهن" ندبا لثبوت ذلك من فعل عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، فإن أمهن خنثى تقدم كالذكر، والسين هنا ساكنة لا غير في قول وفي آخر السكون أفصح من الفتح ككل ما هو بمعنى بين بخلاف وسط الدار مثلا الأفصح فتحه ويجوز إسكانه، والأول ظرف وهذا اسم وإمام عراة فيهم بصير ولا ظلمة كذلك وإلا تقدم عليهم ومخالفة جميع ما ذكر مكروهة مفوتة لفضيلة الجماعة كما مر.
"ويكره وقوف المأموم فردا" عن صف من جنسه للنهي الصحيح عنه ودل على عدم البطلان عدم أمره صلى الله عليه وسلم لفاعله بالإعادة فأمره بها في رواية للندب على أن تحسين الترمذي لهذا وتصحيح ابن حبان له معترض بقول ابن عبد البر أنه مضطرب والبيهقي أنه ضعيف ولهذا قال الشافعي رضي الله عنه لو ثبت قلت به ويؤخذ من قولهم هنا: إن الأمر بالإعادة للندب أن كل صلاة وقع خلاف أي غير شاذ في صحتها تسن إعادتها ولو وحده كما مر،

 

ج /1 ص -296-      "بل يدخل الصف إن وجد سعة" بفتح السين فيه بأن كان لو دخل فيه وسعه أي من غير إلحاق مشقة لغيره كما هو ظاهر، وإن لم تكن فيه فرجة ولو كان بينه وبين ما فيه فرجة أو سعة كما في المجموع واقتضاء ظاهر التحقيق خلافه غير مراد، وإن وجه بأنه لا تقصير منهم في السعة بخلاف الفرجة؛ لأن تسوية الصفوف بأن لا يكون في كل منها فرجة ولا سعة متأكدة الندب هنا فيكره تركها كما علم مما مر صفوف كثيرة خرقها كلها ليدخل تلك الفرجة أو السعة لتقصيرهم بتركها لكراهة الصلاة لكل من تأخر عن صفها وبهذا كالذي مر عن القاضي يعلم ضعف ما قيل من عدم فوت الفضيلة هنا على المتأخرين نعم إن كان تأخرهم لعذر كوقت الحر بالمسجد الحرام فلا كراهة ولا تقصير كما هو ظاهر وتقييد الإسنوي بصفين ونقله عن كثيرين ردوه بأنه التبس عليه بمسألة التخطي مع وضوح الفرق؛ لأنهم إلى الآن لم يدخلوا في الصلاة فلم يتحقق تقصيرهم ويؤخذ من تعليلهم بالتقصير أنه لو عرضت فرجة بعد كمال الصف في أثناء الصلاة لم يخرق إليها وهو محتمل "وإلا" يجد سعة "فليجر" ندبا لخبر يعمل به في الفضائل وهو "أيها المصلي هلا دخلت في الصف أو جررت رجلا من الصف فيصلي معك؟ أعد صلاتك" ويؤخذ من فرضهم ذلك فيمن لم يجد فرجة حرمته على من وجدها لتفويته الفضيلة على الغير من غير عذر "شخصا" منه حرا لا قنا لدخوله في ضمانه بوضع يده عليه.يعلم منه بقرائن أحواله أنه يظنه "بعد الإحرام" لا قبله فيحرم عليه كما في الكفاية وإن نوزع فيه بل في أصل كون الجذب بعد الإحرام بأنه إذا أحرم منفردا لا تنعقد صلاته عند المخالفين وفيه نظر، فإن الفرض أنه لم يجد فرجة في الصف فلا تقصير منه يقتضي بطلان صلاته عندهم وذلك لإضراره له بتصييره منفردا ويؤخذ منه حرمته أيضا فيما لو لم يكن في الصف الذي يجر منه إلا اثنان فيحرم جر أحدهما إليه لأنه يصير الآخر منفردا بفعل أحدثه يعود نفعه إليه وضرره على غيره وهنا فيما إذا أمكنه الخرق ليصطف مع الإمام خرق وله إن وسعهما مكانه جرهما إليه "وليساعده المجرور" ندبا؛ لأن فيه إعانة على بر مع حصول ثواب صفة له؛ لأنه لم يخرج منه إلا لعذر "ويشترط علمه" أي المأموم وأراد بالعلم ما يشمل الظن بدليل قوله أو مبلغا "بانتقالات الإمام" ليتمكن من متابعته "بأن" أي كأن "يراه أو" يرى "بعض صف" من المقتدين به أو واحدا منهم، وإن لم يكن في صف "أو يسمعه أو" يسمع "مبلغا" بشرط كونه ثقة كما قاله جمع متقدمون ومتأخرون أي عدل رواية؛ لأن غيره لا يقبل إخباره نعم مر قبول إخبار الفاسق عن فعل نفسه فيمكن القول بنظيره هنا في الإمام إلا أن يفرق بأن ذاك إخبار عن فعل نفسه صريحا بخلاف هذا.ويأتي جواز اعتماده إن وقع في قلبه صدقه فيأتي نظيره هنا وأما قول المجموع يكفي إخبار الصبي فيما طريقه المشاهدة كالغروب فضعيف، وإن نقله عن الجمهور واعتمده غير واحد فعليه لا يشترط كون نحو المبلغ ثقة ولنحو أعمى اعتماد حركة من بجانبه إن كان ثقة على ما تقرر ولو ذهب المبلغ في أثناء الصلاة لزمه نية المفارقة أي ما لم يرج عوده قبل مضي ما يسع ركنين في ظنه فيما يظهر، "وإذا جمعهما مسجد" ومنه جداره ورحبته وهي ما حجر عليه لأجله، وإن كان بينهما طريق ما لم يتيقن

 

ج /1 ص -297-      حدوثها بعده وأنها غير مسجد، ومنارته التي بابها فيه أو في رحبته لا حريمه وهو ما يهيأ لإلقاء نحو قمامته "صح الاقتداء" إجماعا "وإن بعدت المسافة وحالت الأبنية" التي فيه المتنافذة الأبواب إليه.أو إلى سطحه كما أفهمه كلام الشيخين خلافا لما يوهمه كلام الأنوار فلو كان بوسطه بيت لا باب له إليه، وإنما ينزل إليه من سطحه كفى، وإن توقف فيه شارح وسواء أغلقت تلك الأبواب أم لا بخلاف ما إذا سمرت على ما وقع في عبارات لكن ظاهر المتن وغيره أنه لا فرق وجرى عليه شيخنا في فتاويه فقال في مسجد سدت مقصورته وبقي نصفين لم ينفذ أحدهما إلى الآخر أنه يصح اقتداء من في أحدهما بمن في الآخر؛ لأنه يعد مسجدا واحدا قبل السد وبعده. ا هـ. ولك أن تقول إن فتح لكل من النصفين باب مستقل ولم يمكن التوصل من أحدهما إلى الآخر فالوجه أن كلا مستقل حينئذ عرفا وإلا فلا وعليه يحمل كلام الشيخ وسيأتي فيما إذا حال بين جانبي المسجد نحو طريق ما يؤيد ما ذكرته فتأمله، والمساجد المتلاصقة المتنافذة الأبواب كما ذكر كمسجد واحد، وإن انفرد كل بإمام وجماعة نعم التسمير هنا ينبغي أن يكون مانعا قطعا ويشترط أن لا يحول بين جانبي المسجد أو بينه وبين رحبته أو بين المساجد نهر أو طريق قديم بأن سبقا وجوده أو وجودها إذ لا يعدان مجتمعين حينئذ بمحل واحد فيكونان كالمسجد وغيره وسيأتي، "ولو كانا بفضاء" كبيت واسع وكما لو وقف أحدهما بسطح، والآخر بسطح، وإن حال بينهما شارع ونحوه "شرط أن لا يزيد ما بينهما على ثلثمائة ذراع".بذراع اليد المعتدلة؛ لأن العرف يعدهما مجتمعين في هذا دون ما زاد عليه "تقريبا" لعدم ضابط له من الشارع "وقيل تحديدا" وغلط فعلى الأول لا تضر زيادة غير متفاحشة كثلاثة أذرع ونحوها وما قاربها واستشكل بأنهم على التقريب في القلتين لم يغتفر وإلا نقص رطلين فما الفرق مع أن الزيادة كالنقص وقد يفرق بأن الوزن أضبط من الذراع فضايقوا ثم أكثر لأنه الأليق به على أن الملحظ مختلف إذ هو ثم تأثر الماء بالواقع فيه وعدمه وهنا عد أهل العرف لهما مجتمعين أو غير مجتمعين فلا جامع بين المسألتين، "فإن تلاحق" أي وقف خلف الإمام "شخصان أو صفان" مترتبان وراءه أو عن يمينه أو عن يساره "اعتبرت المسافة" المذكورة "بين" الشخص أو الصف "الأخير و" الصف أو الشخص "الأول"، فإن تعددت الأشخاص أو الصفوف اعتبرت بين كل شخصين أو صفين، وإن بلغ ما بين الأخير، والإمام فراسخ بشرط أن يمكنه متابعته "وسواء" فيما ذكر "الفضاء المملوك، والوقف"، والموات "والمبعض" الذي بعضه ملك وبعضه وقف ومثله ما بعضه ملك أو وقف وبعضه موات سواء في ذلك المسقف كله وبعضه وقيل يشترط في المملوك الاتصال كالأبنية "ولا يضر" في الحيلولة بين الإمام، والمأموم "الشارع المطروق" أي بالفعل فاندفع اعتراضه بأن كل شارع مطروق أو المراد كثير الطروق؛ لأنه محل الخلاف على ما ادعاه الإسنوي ورد بحكاية ابن الرفعة للخلاف مع عدم الطروق فيما لو وقف بسطح بيته، والإمام بسطح المسجد وبينهما هواء فعن الزجاج الصحة وعن غيره المنع أي، والأصح الأول كما مر "والنهر المحوج إلى سباحة" بكسر السين أي عوم "على الصحيح" فيهما؛ لأن ذلك لا يعد حائلا عرفا كما لو كانا في سفينتين مكشوفتين

 

ج /1 ص -298-      في البحر "فإن كانا في بناءين كصحن وصفة أو" صحن أو صفة.و "بيت" من مكان واحد كمدرسة مشتملة على ذلك أو من مكانين وقد حاذى الأسفل الأعلى إن كانا على ما يأتي "فطريقان أصحهما إن كان بناء المأموم" أي موقفه "يمينا" للإمام "أو شمالا" له "وجب اتصال صف من أحد البناءين بالآخر" لأن اختلاف الأبنية يوجب الافتراق فاشترط الاتصال ليحصل الربط، والمراد بهذا الاتصال أن يتصل منكب آخر واقف ببناء الإمام بمنكب آخر واقف ببناء المأموم وما عدا هذين من أهل البناءين لا يضر بعدهم عنهما بثلثمائة ذراع فأقل ولا يكفي عن ذلك وقوف واحد طرفه بهذا البناء وطرفه بهذا البناء؛ لأنه لا يسمى صفا فلا اتصال "ولا تضر فرجة" بين المتصلين المذكورين "لا تسع واقفا" أو تسعه ولا يمكنه الوقوف فيها "في الأصح" لاتحاد الصف معها عرفا، "وإن كان الواقف" خلف بناء الإمام فالصحيح صحة القدوة بشرط أن لا يكون بين الصفين المصلي أحدهما ببناء الإمام، والآخر ببناء المأموم أي بين آخر واقف ببناء الإمام وأول واقف ببناء المأموم "أكثر من ثلاثة أذرع" تقريبا؛ لأن الثلاثة لا تخل بالاتصال العرفي في الخلف بخلاف ما زاد عليها "والطريق الثاني لا يشترط إلا القرب" في سائر الأحوال السابقة بأن لا يزيد ما بينهما على ثلثمائة ذراع "كالفضاء" أي قياسا عليه؛ لأن المدار على العرف وهو لا يختلف فمنشأ الخلاف العرف كما هو ظاهر، وإنما يكتفي بالقرب على هذا "إن لم يكن حائل" بأن كان يرى الإمام أو بعض المقتدين به ويمكنه الذهاب إليه لو أراده بوجوده مع الاستقبال من غير ازورار ولا انعطاف بقيده الآتي في أبي قبيس "أو حال" بينهما حائل فيه "باب نافذ" وقف مقابله واحد أو أكثر يراه المقتدي ويمكنه الذهاب إليه كما ذكرناه وهذا الواقف بإزاء المنفذ كالإمام بالنسبة لمن خلفه فلا يتقدموا عليه.بالإحرام، والموقف فيضر أحدهما دون التقدم بالأفعال؛ لأنه ليس بإمام حقيقة.ومن ثم اتجه جواز كونه امرأة، وإن كان من خلفه رجالا ولا يضر زوال هذه الرابطة أثناء الصلاة فيتمونها خلف الإمام إن علموا بانتقالاته؛ لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء وبما قررته في حال الدال عليه مقابلته بقوله الآتي أو جدار اندفع اعتراضه بأن النافذ ليس بحائل ثم رأيت شارحا ذكر ذلك أيضا أخذا من إشارة الشارح إليه "فإن حال ما" أي بناء "يمنع المرور لا الرؤية" كالشباك، والباب المردود "فوجهان" أصحهما في المجموع وغيره البطلان وقوله الآتي، والشباك يفهم ذلك فلذا لم يصرح هنا بتصحيحه وبحث الإسنوي أن هذا في غير شباك بجدار المسجد وإلا كالمدارس التي بجدار المساجد الثلاثة صحت صلاة الواقف فيها؛ لأن جدار المسجد منه، والحيلولة فيه لا تضر رده جمع، وإن انتصر له آخرون بأن شرط الأبنية في المسجد تنافذ أبوابها على ما مر فغاية جدار المسجد أن يكون كبناء فيه فالصواب أنه لا بد من وجود باب.أو خوخة فيه يستطرق منه إليه من غير أن يزور كما مر في غير المسجد ويظهر أن المدار على الاستطراق العادي "أو" حال "جدار" ومنه أن يقف في صفة شرقية أو غربية من مدرسة بحيث لا يرى الواقف في أحدهما الإمام م ولا أحدا خلفه أو باب مغلق ابتداء "بطلت" القدوة أي لم تنعقد "باتفاق الطريقين" أو دواما وعلم بانتقالات الإمام ولم يكن

 

ج /1 ص -299-      بفعله ولا أمكنه فتحه لم يضر على الأوجه؛ لأن حكم الدوام أقوى مع عدم نسبته لتقصير بعدم إحكام فتحه أولا إذ تكليفه بذلك مع مشقته وعدم دليل يصرح به بعيد "قلت الطريق الثاني أصح"؛ لأن المشاهدة قاضية بأن العرف يوافقها و ادعاء أولئك موافقة ما قالوه للعرف لعله باعتبار عرفهم الخاص وهو لا نظر إليه إذا عارضه العرف العام "والله أعلم، وإذا صح اقتداؤه في بناء" آخر غير بناء الإمام للاتصال على الأولى أو مطلقا على الثانية "صح اقتداء من خلفه، وإن حال جدار" أو جدر "بينه وبين الإمام" اكتفاء بهذا الرابط ومر أنه لمن خلفه كالإمام في التقدم عليه موقفا وإحراما نعم لا يضر بطلان صلاته في الأثناء لأن الدوام "أقوى نظير ما مر في الباب و" من تفاريع الطريقة الأولى خلافا لجمع أنه.
"لو وقف في علو وإمامه في سفل أو عكسه شرط محاذاة بعض بدنه بعض بدنه" بأن يكون بحيث يحاذي رأس الأسفل قدم الأعلى مع فرض اعتدال قامة الأسفل أما على الثانية المعتمدة فلا يشترط إلا القرب نعم إن كانا بمسجد أو فضاء صح مطلقا باتفاقهما.
تنبيه: فرع أبو زرعة على اعتبار المحاذاة أنه لو قصر فلم يحاذ ولو قدر معتدلا حاذى صح وهو ظاهر وأنه لو طال فحاذى ولو قدر معتدلا لم يحاذ لم يصح وتبعه شيخنا وقد يستشكل بأنه إذا اكتفى بالمحاذاة التقديرية فيما مر فهذه التي بالفعل أولى إلا أن يقال المدار في هذه الطريقة على القرب العرفي وهو لا يوجد إلا بالمحاذاة مع الاعتدال لا مع الطول ونظيره أن من جاوز سمعه العادة لا يعتبر سماعه لنداء الجمعة بغير بلده فلا يلزمه بتقدير أنه لو اعتدل لم يسمع، وإن من وصلت راحتاه لركبتيه لطولهما ولو اعتدلتا لم تصلا لم يكف.
و "لو وقف في موات" أو شارع "وإمامه في مسجد" اتصل به الموات أو الشارع أو عكسه "فإن لم يحل شيء" مما مر بينهما "فالشرط التقارب" بأن لا يزيد ما بينهما على ثلثمائة ذراع واعترض قوله لم يحل شيء بأنه لو كان بجدار المسجد باب ولم يقف بحذائه أحد لم تصح القدوة ويرد بأن هذا فيه حائل كما علم من كلامه فلا يرد عليه "معتبرا" ذلك التقارب "من آخر المسجد" أي طرفه الذي يلي من هو خارجه؛ لأنه لما بني للصلاة لم يعد فاصلا "وقيل من آخر صف"، فإن لم يكن فيه إلا الإمام فمن موقفه ومحله إن لم تخرج الصفوف عنه وإلا فمن آخر صف قطعا "وإن حال جدار أو باب مغلق منع" لعدم الاتصال "وكذا الباب المردود"، وإن لم يغلق خلافا للإمام "والشباك في الأصح" لمنع الأول المشاهدة، والثاني الاستطراق وبما تقرر علم صحة صلاة الواقف على أبي قبيس بمن في المسجد وهو ما نص عليه ونصه على عدم الصحة محمول على البعد أو على ما إذا حدثت أبنية بحيث لا يصل إلى بناء الإمام لو توجه إليه من جهة إمامه إلا بازورار أو انعطاف بأن يكون بحيث لو ذهب إلى الإمام من مصلاه لا يلتفت عن جهة القبلة.بحيث يبقى ظهره إليها، "قلت يكره ارتفاع المأموم على إمامه" إذا أمكن وقوفهما بمستو "و عكسه"، وإن كانا في المسجد كما نص عليه ومن ثم أطلقه الشيخان كالأصحاب ولم ينظروا إلى نصه الآخر بخلافه؛ لأن الملحظ أن رابطة الاتباع تقتضي استواء الموقف وهذا جار في المسجد وغيره وعند ظهور تكبر من المرتفع وعدمه خلافا لمن نظر لذلك وذلك للنهي عن الثاني رواه أبو

 

ج /1 ص -300-      داود، والحاكم وقياسا للأول عليه وظاهر أن المدار على ارتفاع يظهر حسا، وإن قل ثم رأيت عن الشيخ أبي حامد أن قلة الارتفاع لا تؤثر وينبغي حمله على ما ذكرته "إلا لحاجة" تتعلق بالصلاة كتبليغ توقف إسماع المأمومين عليه وكتعليمهم صفة الصلاة "فيستحب" الارتفاع لما فيه من مصلحة الصلاة، فإن لم تتعلق بها ولم يجد إلا موضعا عاليا أبيح وفي الكفاية عن القاضي أنه إذا كان لا بد من ارتفاع أحدهما فليكن الإمام واعترض بأنه محل النهي فليكن المأموم؛ لأنه مقيس ويجاب بأن علة النهي من مخالفة الأدب مع المتبوع أتم في المقيس فكان إيثار الإمام بالعلو أولى "ولا يقوم" مريد القدوة.ولو شيخا أي لا يسن له قيام إن كان جالسا، وجلوس إن كان مضطجعا وتوجه إن أراد أن يصلي على الحالة التي هو عليها "حتى يفرغ المؤذن" يعني المقيم ولو الإمام فإيثاره للغالب فحسب "من الإقامة" جميعها؛ لأنه وقت الدخول في الصلاة وهو قبله مشغول بالإجابة ولا ينافيه الخبر الصحيح "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني قد خرجت"؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج عقب الإقامة ولو كان بطيء النهضة بحيث لو أخر إلى فراغها فاتته فضيلة التحرم مع الإمام قام في وقت يعلم به إدراكه للتحرم ومر ندب الإقامة من قيام فيسن قيام المقيم قبلها والأولى للداخل عندها أو وقد قربت أن يستمر قائما لكراهة الجلوس من غير صلاة، والنفل حينئذ كما قال "ولا يبتدئ نفلا" ومثله الطواف كما هو ظاهر "بعد شروعه" أي المقيم "فيها" أي الإقامة وكذا عند قرب شروعه فيها أي يكره لمن أراد الصلاة معهم ذلك كراهة تنزيه للخبر الصحيح "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" ويؤخذ مما تقرر أن من ابتدئت الإقامة وهو قائم لا يسن له الجلوس ثم القيام؛ لأنه يشغله عن كمال الإجابة فهو كقيام الجالس المذكور في المتن "فإن كان فيه" أي النفل حال الإقامة "أتمه" ندبا سواء الراتبة، والمطلقة إذا نوى عددا، فإن لم ينوه اتجه الاقتصار على ركعتين "إن لم يخش فوت الجماعة والله أعلم" لإحرازه الفضيلتين ويتجه في نافلة مطلقة الاقتصار على ركعتين أخذا مما يأتي في الفرض، فإن كان في راتبة كأكثر الوتر فهل يسن قبلها نافلة مطلقة ويقتصر على ركعتين.أخذا من ذلك أيضا أو يفرق بأن الفرض جنس مغاير للنفل من كل وجه وأمكن القلب إليه ويأتي فيه التفصيل الآتي بخلاف الراتبة والمطلقة، فلم يبق إلا النظر لفوت الجماعة وعدمه كما تقرر كل محتمل والثاني أقرب إلى كلامهم، فإن خشي فوتها وهي مشروعة له إن أتمه بأن يسلم الإمام قبل فراغه منه قطعه ودخل فيها ما لم يغلب على ظنه وجود جماعة أخرى فيتمه كما أفهمه المتن بجعل أل في الجماعة للجنس، والكلام في غير الجمعة أما فيها فيجب قطعه لإدراكها بإدراك ركوعها الثاني وخرج بالنفل الفرض، فإذا كان في تلك الحاضرة وقام لثالثتها أتمها ندبا أي إن لم يخش فوت الجماعة كما هو ظاهر مما يأتي وقبل القيام لها يقلبها نفلا.ويقتصر على ركعتين ما لم يخش فوت الجماعة لو صلاهما وإلا ندب له قطعها ولو خشي فوت الوقت إن قطع أو قلب حرم، وإن كان في فائتة حرم قلبها نفلا وقطعها؛ لأن تلك الجماعة غير مشروعة فيها ويجب قلبها نفلا إن خشي فوت الحاضرة كما أفهمه قول المجموع سلم من ركعتين ليشتغل بالحاضرة وظاهر

 

 

ج /1 ص -301-      أن له بعد قلبها نفلا قطعها بل ينبغي وجوبه ابتداء إذا توقف الإدراك عليه والحاصل أنه إن أمكنه القلب إلى ركعتين وإدراك الحاضرة بعد السلام منهما وجب وعليه يحمل قول القاضي الذي أقره عليه في المجموع أنه يحرم قطعها وإلا بأن كان القلب إلى ركعتين يفوت الحاضرة وجب القطع وعليه يحمل ما قدمته أوائل الصلاة تبعا لشيخنا وغيره أنه يجب قطعها.

فصل في بعض شروط القدوة أيضا
"شرط" انعقاد "القدوة" ابتداء كما أفاده ما سيذكره أنه لو نواها في الأثناء جاز فلا اعتراض عليه خلافا لمن وهم فيه "أن ينوي المأموم مع التكبير" للتحرم."الاقتداء أو الجماعة" أو الائتمام أو كونه مأموما أو مؤتما؛ لأن المتابعة عمل فافتقرت للنية ولا يضر كون الجماعة تصلح للإمام أيضا؛ لأن اللفظ المطلق ينزل على المعهود الشرعي فهي من الإمام غيرها من المأموم فنزلت في كل على ما يليق به وبه يعلم أن قول جمع لا يكفي نية نحو القدوة أو الجماعة بل لا بد أن يستحضر الاقتداء بالحاضر ضعيف وإلا لم يأت إشكال الرافعي المذكور في الجماعة، والجواب عنه بما تقرر أن اللفظ المطلق إلى آخره، فإن قلت مر أن القرائن الخارجية لا عمل لها في النيات قلت النية هنا وقعت تابعة؛ لأنها غير شرط للانعقاد ولأنها محصلة لصفة تابعة فاغتفر فيها ما لم يغتفر في غيرها ثم رأيت بعض المحققين صرح بما ذكرته من أخذ ضعف ما ذكره.أولئك من إشكال الرافعي وجوابه ثم قال فكل منهما صريح في أن نية الاقتداء بوضعها الشرعي ربط صلاة المأموم بصلاة الإمام الحاضر فلا يحتاج لنية ذلك فتعبير كثيرين بأنه يكفي نية الاقتداء بالإمام الحاضر مرادهم نية ما يدل على ذلك وقد تقرر أن نية الاقتداء بمجردها موضوعة لذلك شرعا وخرج بمع التكبير تأخرها عنه فتنعقد له فرادى ثم إن تابع فسيأتي "والجمعة كغيرها" في اشتراط النية المذكورة "على الصحيح"، وإن افترقا في أن فقد نية القدرة مع تحرمها يمنع انعقادها بخلاف غيرها وكون صحتها متوقفة على الجماعة لا يغني عن وجوب نية الجماعة فيها ومر في المعادة ما يعلم منه وجوب نية الاقتداء عند تحرمها فهي كالجمعة "فلو ترك هذه النية" أو شك فيها في غير الجمعة "وتابع" مصليا "في الأفعال" أو في فعل واحد كأن هوى للركوع متابعا له، وإن لم يطمئن كما هو ظاهر أو في السلام بأن قصد ذلك من غير اقتداء به وطال عرفا.انتظاره له "بطلت صلاته على الصحيح"؛ لأنه متلاعب، فإن وقع ذلك منه اتفاقا لا قصدا أو انتظره يسيرا أو كثيرا بلا متابعة لم تبطل جزما وما اقتضاه قول العزيز وغيره أن الشك هنا كهو في أصل النية من البطلان بانتظار طويل، وإن لم يتابع وبيسير مع المتابعة غير مراد بدليل قول الشيخين أنه في حال شكه كالمنفرد ومن ثم أثر شكه في الجمعة إن طال زمنه، وإن لم يتابع أو مضى معه ركن؛ لأن الجماعة فيها شرط فهو كالشك في أصل النية ويؤخذ منه أنه يؤثر الشك فيها بعد السلام فتستثنى من إطلاقهم أنه هنا بعده لا يؤثر؛ لأنه لا ينافي الانعقاد ثم رأيت بعضهم استثناها

 

ج /1 ص -302-      واستدل بكلام للزركشي وابن العماد، "ولا يجب تعيين الإمام" باسمه أو وصفه كالحاضر أو الإشارة إليه بل يكفي نية الاقتداء ولو بأن يقول لنحو التباس للإمام بغيره.نويت القدوة بالإمام منهم؛ لأن مقصود الجماعة لا يختلف قال الإمام بل الأولى عدم تعيينه "فإن عينه" باسمه "وأخطأ" فيه بأن نوى الاقتداء بزيد واعتقد أو ظن أنه الإمام فبان عمرا "بطلت صلاته" إن وقع ذلك في الأثناء وإلا لم تنعقد، وإن لم يتابع على المنقول ونظر فيه السبكي ومن تبعه بما رده عليهم الزركشي وغيره من أن فساد النية مبطل أو مانع من الانعقاد كما يأتي فيمن قارنه في التحرم ووجه فسادها ربطها بمن لم ينو الاقتداء به كما في عبارة أي وهو عمرو أو بمن ليس في صلاة كما في أخرى أي مطلقا أو في صلاة لا تصلح للربط بها وهو زيد فالمراد بالربط في الأولى الصوري وفي الثانية المنوي وخرج بعينه باسمه إلى آخره ما لو علق بقلبه القدوة بالشخص سواء أعبر فيه عن ذلك بمن في المحراب أو بزيد هذا أو الحاضر أم عكسه أم بهذا الحاضر أم بهذا أم بالحاضر وهو يظنه أو يعتقده زيدا فبان عمرا فيصح على المنقول المرجح في الروضة، والمجموع وغيرهما، وإن أطال جمع في رده وفرق ابن الأستاذ بأنه ثم تصور في ذهنه معينا اسمه زيد وظن أو اعتقد أنه الإمام فظهر أنه غيره فلم يصح للعلتين المذكورتين المعلوم منهما أنه لم يجزم بإمامة ذلك الغير.وهنا جزم في كل تلك الصور بإمامة من علق اقتداءه بشخصه وقصده بعينه لكنه أخطأ في الحكم عليه اعتقادا أو ظنا بأن اسمه زيد وهو أعني الخطأ في ذلك لا يؤثر؛ لأنه وقع في أمر تابع لا مقصود فهو لم يقع في الشخص لعدم تأتيه حينئذ فيه بل في الظن ولا عبرة بالظن البين خطؤه وبهذا يتضح قول ابن العماد محل ما صححه النووي من أنه متى علق القدوة بالحاضر الذي يصلي لم يضر اعتقاد كونه زيدا من غير ربط باسمه إن علق القدوة بشخصه وإلا بأن نوى القدوة بالحاضر ولم يخطر بباله الشخص فلا يصح كما نقله الإمام عن الأئمة؛ لأن الحاضر صفة لزيد الذي ظنه وأخطأ فيه ويلزمه من الخطأ في الموصوف الخطأ في الصفة أي فبان أنه اقتدى بغير الحاضر وبما تقرر من أن القدوة بالحاضر لا تستلزم تعليق القدوة بالشخص ومن فرق ابن الأستاذ السابق يندفع استشكال الإمام تصور كونه نية الاقتداء بزيد الذي هو الربط السابق يوجد مع غفلته عن حضوره لاستلزام ذلك الاقتداء بمن لا يعرف وجوده ويبعد صدور ذلك من عاقل وقول ابن المقري الاستشكال هو الحق ثم أجاب بما لا يلاقيه مردود ولا ينافي ما مر في زيد هذا تخريج الإمام وغيره الصحة فيه على أن اسم الإشارة فيه بدل وهو في نية الطرح فكأنه قال خلف هذا وعدمها على أنه عطف بيان فهو عبارة عن زيد وزيد لم يوجد؛ لأن هذا إنما هو لبيان مدرك الخلاف، وأما الحكم على المعتمد فهو ما قدمته ومن ثم استوى زيد هذا وهذا زيد في أنه إن وجد الربط بالشخص صح وإلا فلا، وأما النظر للبدل وعطف البيان، فإنما يتأتى عند عدم ذلك الربط.والمراد بهما هنا معناهما؛ لأن البحث في النية القلبية ومن ثم قالوا لا يتخرج الخلاف هنا في بعت هذه الفرس فبانت بغلة؛ لأن للعبارة المعارضة للإشارة مدخلا ثم لا هنا، ولو تعارض الربط بالشخص وبالاسم كخلف هذا إن كان زيدا لم

 

ج /1 ص -303-      يصح كما هو ظاهر مما تقرر؛ لأن الربط بالشخص حينئذ أبطله التعليق المذكور وبحث بعضهم صحتها بيده مثلا؛ لأن المقتدي بالبعض مقتد بالكل أي؛ لأن الربط لا يتبعض وبعضهم بطلأنها؛ لأنه متلاعب ويرد بمنع ما علل به على الإطلاق ومع ذلك هو الأوجه لا لما علل به فحسب بل؛ لأن الربط إنما يتحقق إن ربط فعله بفعله وهذا مفهوم من الاقتداء به لا بنحو يده أو رأسه أو نصفه الشائع إلا إن نوى أنه عبر بالبعض عن الكل وتخريج هذا على قاعدة أن ما يقبل التعليق كطلاق وعتق تصح إضافته إلى بعض محله وما لا كنكاح ورجعة لا يصح فيه ذلك، والإمامة من الثاني فيه نظر؛ لأن القاعدة في الأمور المعنوية الملحوظ فيها السراية وعدمها وما نحن فيه ليس كذلك لأن المنوي هنا المتابعة وهي أمر حسي لا يتصور فيه تجزؤ بوجه ولا يتحقق إلا إن ربط بالفعل كما تقرر وبه فارق ما هنا ما يأتي في الكفالة من الفرق بين نحو اليد ونحو الرأس "ولا يشترط للإمام" في صحة الاقتداء به في غير الجمعة "نية الإمامة" أو الجماعة لاستقلاله بخلاف المأموم، فإنه تابع أما في الجمعة فتلزمه إن لزمته نية الإمامة مع التحرم، وإن زاد على الأربعين وإلا لم تنعقد له، فإن لم تلزمه وأحرم بها وهو زائد عليهم اشترطت أيضا، وإن أحرم بغيرها فلا ومر أنه في العادة تلزمه نية الإمامة فتكون حينئذ كالجمعة "وتستحب" له "نية الإمامة" خروجا من خلاف من أوجبها ولينال فضل الجماعة.ووقتها عند التحرم وما قيل أنها لا تصح معه لأنه حينئذ غير إمام قال الأذرعي غريب ويبطله وجوبها على الإمام في الجمعة عند التحرم وإلا لم تنعقد له، فإن لم ينو ولو لعدم علمه بالمقتدين جاوزا الفضل دونه، وإن نواها في الأثناء حصل له الفضل من حينئذ "فإن أخطأ" الإمام "في تعيين تابعه" في غير الجمعة كأن نوى الإمامة بزيد فبان عمرا "لم يضر"؛ لأن خطأه في النية لا يزيد على تركها وهو جائز له بخلاف نيته في الجمعة ونية المأموم، "و" من شروط القدوة توافق نظم صلاتيهما في الأفعال الظاهرة فحينئذ "تصح قدوة المؤدي بالقاضي، والمفترض بالمنتفل وفي الظهر بالعصر وبالعكوس" أي بعكس كل مما ذكر نظرا لاتفاق الفعل في الصلاتين، وإن تخالفت النية، والانفراد هنا أفضل وعبر بعضهم بأولى خروجا من الخلاف وقضيته أنه لا فضيلة للجماعة نظير ما مر في فصل الموقف.ورد بقولهم الآتي الانتظار أفضل إذ لو كانت الجماعة مكروهة لم يقولوا ذلك ونقل الأذرعي أن الانتظار ممتنع أو مكروه ضعيف على أن الخلاف في هذا الاقتداء ضعيف جدا فلم يقتض تفويت فضيلة الجماعة، وإن كان الانفراد أفضل وقد نقل الماوردي إجماع الصحابة على صحة الفرض خلف النفل وصح أن معاذا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم بقومه هي له تطوع ولهم مكتوبة والأصح صحة الفرض خلف صلاة التسبيح وينتظره في السجود إذا طول الاعتدال أو الجلوس بين السجدتين وفي القيام إذا طول جلسة الاستراحة وبه يعلم أنه لو اقتدى شافعي بمثله فقرأ إمامه الفاتحة وركع واعتدل ثم شرع في الفاتحة مثلا أنه لا يتبعه بل ينتظره ساجدا وبه صرح القاضي واقتضاه كلام البغوي واستوضحه الزركشي، وأما ما اقتضاه كلام القفال أن له انتظاره في الاعتدال ويحتمل تطويل الركن القصير في ذلك فبعيد، وإن مال إليه شيخنا

 

ج /1 ص -304-      فخيره بين الأمرين وذلك لأن تطويل القصير مبطل، والسبق بالانتقال للركن غير مبطل فروعي ذلك لحظره مع عدم محوج للتطويل، فإن قلت هل يفترق الحال بين أن يعود الإمام إلى القيام ناسيا أو لتذكره أنه ترك الفاتحة، والفرق أنه في الأول لم يسبقه إلا بالانتقال كما ذكر بخلافه في الثاني، فإنه لما بان أنه إلى الآن في القيام كان انتقال المأموم إلى السجود سبقا له بركنين وبعض الثالث أو هما سواء قلت هما سواء ويبطل ذلك الفرق إن شرط البطلان بالتقدم كالتأخر علم المأموم بمنعه وتعمده له حالة فعله لما تقدم به وهنا لم يوجد من المأموم حال الركوع، والاعتدال واحد من هذين فلم يكن لهما دخل في الإبطال ولم يحسبا من التقدم المبطل فلزم أنه لم يسبقه إلا بالانتقال إلى السجود عاد للقيام ناسيا أم متعمدا "وكذا الظهر بالصبح، والمغرب" ونحوهما "وهو كالمسبوق" فإذا سلم قام وأتم "ولا تضر متابعة الإمام في القنوت" في الصبح "والجلوس الأخير في المغرب" كالمسبوق بل هي أفضل من فراقه.وإن لزم عليها تطويل اعتداله بالقنوت وجلسة الاستراحة بالتشهد؛ لأنه لأجل المتابعة وهو لا يضر ويشكل عليه ما مر في صلاة التسبيح الظاهر في وجوبه إلا أن يفرق بأن هيئة تلك غير معهودة ومن ثم قيل بعدم مشروعيتها بخلاف ما هنا "وله فراقه إذا اشتغل بهما" وهو فراق بعذر فلا يفوت به فضيلة الجماعة كما قاله جمع متأخرون وأجروا ذلك في كل مفارقة خير بينها وبين الانتظار.
"وتجوز الصبح خلف الظهر في الأظهر" كعكسه وكذا كل صلاة أقصر من صلاة الإمام لاتفاق نظم الصلاتين "فإذا قام" الإمام "للثالثة إن شاء فارقه" بالنية "وسلم"؛ لأن صلاته قد تمت وهو فراق بعذر "وإن شاء انتظره ليسلم معه قلت انتظاره" ليسلم معه "أفضل والله أعلم" ليقع سلامه مع الجماعة وعند الانتظار يتشهد كما قاله الإمام ثم يطيل الدعاء على الأوجه من تردد فيه للأذرعي فإن قلت تشهده قبله ينافيه ما يأتي أن في تقدمه عليه بركن قولي قولا بعدم الاعتداد به قلت الظاهر أن محل ذلك في متابع للإمام؛ لأنه الذي تظهر فيه المخالفة أما متخلف عنه قصدا فلا يتأتى فيه ذلك القول إذ لا مخالفة حينئذ وخرج بفرضه الكلام في الصبح والمغرب خلف الظهر، فإذا قام للرابعة امتنع على المأموم انتظاره، وإن جلس للاستراحة كما يصرح به كلام الشيخين وغيرهما خلافا لمن جوزه إذا جلس للاستراحة كما بينته في شرح العباب وذلك لأنه يحدث به جلوسا مع تشهد لم يفعله الإمام فيفحش التخلف حينئذ فتبطل صلاته إن علم وتعمد ولا أثر لجلسة الاستراحة هنا ولا لجلوسه للتشهد من غير تشهد في الصبح بالظهر؛ لأن جلسة الاستراحة تطويلها مبطل فما استدامه غير ما فعله الإمام بكل وجه فلم ينظر لفعل الإمام ولأن جلوسه من غير تشهد كلا جلوس؛ لأنه تابع له فلم يعتد به بدونه وعلم من هذا بالأولى أنه لو ترك إمامه الجلوس، والتشهد لزمه مفارقته؛ لأن المخالفة حينئذ أفحش فليس التعبير بالجلوس، والتشهد جريا على الغالب بل فائدتهما بيان عدم فحش المخالفة عند وجودهما باستمراره فيما كان فيه الإمام ويصح اقتداء من في التشهد بالقائم ولا تجوز له متابعته بل ينتظره إلى أن يسلم معه وهو أفضل وله مفارقته وهو فراق بعذر ولا نظر هنا إلى أنه أحدث جلوسا لم يفعله

 

ج /1 ص -305-      الإمام؛ لأن المحذور إحداثه بعد نية الاقتداء لا دوامه كما هنا "وإن أمكنه القنوت في الثانية".بأن وقف إمامه يسيرا "قنت" ندبا تحصيلا للسنة مع عدم المخالفة "وإلا" يمكنه "تركه" ندبا خوفا من التخلف المبطل قال الإسنوي والقياس أنه يسجد للسهو. ا هـ. وكأنه لم ينظر لتحمل الإمام؛ لأن صلاته ليس فيها قنوت وفيه نظير ثم رأيت غيره جزم بعدم السجود وهو القياس "وله فراقه" بالنية "ليقنت" تحصيلا للسنة وهو فراق بعذر فلا يكره ولو لم يفارق وقنت بطلت صلاته بهوي إمامه إلى السجود كما لو تخلف للتشهد الأول كذا أفتى به القفال، والمعتمد عند الشيخين أنه لا بأس بتخلفه له إذا.لحقه في السجدة الأولى وفارق التشهد الأول بأنهما هنا اشتركا في الاعتدال فلم ينفرد به المأموم وثم انفرد بالجلوس ومن ثم لو جلس الإمام ثم للاستراحة لم يضر التخلف له على ما اقتضاه هذا الفرق ومقتضى ما قدمته آنفا أنه يضر ثم ظاهر قول الشيخين وغيرهما هنا إذا لحقه في السجدة الأولى أنه لو لم يلحقه فيها بطلت صلاته لكن ينافيه إطلاقهم الآتي أن التخلف بركن بل بركنين ولو طويلين لا يبطل، فإن قلت هذا فيه فحش مخالفة وقد قالوا لو خالفه في سنة فعلا أو تركا وفحشت المخالفة كسجود التلاوة، والتشهد الأول بطلت صلاته، والتخلف للقنوت من هذا قلت لو كان من هذا لتعين اعتماد كلام القفال وقياسه على التشهد الأول وقد تقرر أنه غير معتمد فتعين أن التخلف للقنوت ليس من ذلك ويفرق بأن المتخلف لنحو التشهد الأول أحدث سنة يطول زمنها ولم يفعلها الإمام أصلا ففحشت المخالفة وأما تطويله للقنوت فليس فيه إحداث شيء لم يفعله الإمام فلم تفحش المخالفة إلا بالتخلف بتمام ركنين فعليين كما أطلقوه، والحاصل أن الفحش في التخلف للسنة غيره في التخلف بالركن، وإن الفرق أن إحداث ما لم يفعله الإمام مع طول زمنه فحش في ذاته فلم يحتج لضم شيء إليه بخلاف مجرد تطويل ما فعله الإمام، فإنه مجرد صفة تابعة فلم يحصل الفحش به بل بانضمام توالي ركنين تامين إليه فتأمله وحينئذ فقولهم هنا إذا لحقه في السجدة الأولى قيد لعدم الكراهة لا للبطلان حتى يهوي للسجدة الثانية وعلى هذا يحمل قول الزركشي المعروف للأصحاب أن التخلف للقنوت مبطل بدليل قوله في محل آخر وقد حكي الخلاف في ذلك لا خلاف بل القول بالبطلان مصور بما إذا فحشت المخالفة أي بأن تأخر بركنين وليس كلام الرافعي فيه بدليل قوله إذا لحقه على القرب. "فإن اختلف فعلهما كمكتوبة وكسوف أو جنازة" قال البلقيني وسجدة تلاوة أو شكر."لم يصح" الاقتداء فيهما "على الصحيح" لتعذر المتابعة مع المخالفة في النظم، وزعم الصحة في القيام الأول منهما إذ لا مخالفة فيه ثم يفارقه يرد بأن الربط مع تخلف النظم متعذر فمنع الانعقاد وبه فارق الانعقاد في ثوب ترى منه عورته عند الركوع وفي ثاني قيام ركعة الكسوف الثانية وآخر تكبيرات الجنازة لانقضاء تخالف النظم ومثلهما ما بعد السجود فيما قاله البلقيني أما لو صلى الكسوف كسنة الصبح فيصح الاقتداء بها وعلم من كلامه في سجودي السهو، والتلاوة.
أنه يشترط أيضا لصحة الاقتداء به موافقة الإمام في سنن تفحش المخالفة فيها فعلا وتركا كسجدة تلاوة وسجود سهو وتشهد أول وفي قيام منه، وإن لم يفرغ من سجوده إلا

 

ج /1 ص -306-      والإمام قائم عنه بعدما أتى به، فإن خالف عامدا عالما بطلت صلاته نعم لا يضر تخلف لإتمامه بقيده الآتي في شرح قوله، فإن لم يكن عذر.بخلاف نحو جلسة الاستراحة.

فصل في بعض شروط القدوة أيضا
"تجب متابعة الإمام في أفعال الصلاة" لخبر الصحيحين
"إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا" ويؤخذ من قوله في أفعال الصلاة أن الإمام لو ترك فرضا لم يتابعه في تركه؛ لأنه إن تعمد أبطل وإلا لم يعتد بفعله وتسمية الترك لتضمنه الكف فعلا اصطلاح أصولي ثم المتابعة الواجبة إنما تحصل "بأن" يتأخر جميع تحرمه عن جميع تحرمه وأن لا يسبقه بركنين وكذا بركن لكن لا بطلان ولا يتأخر بهما أو بأكثر من ثلاثة طويلة ولا يخالفه في سنة تفحش المخالفة فيها وهذا كله يعلم من مجموع كلامه، وأما المندوبة فتحصل بأن "يتأخر ابتداء فعله" أي المأموم "عن ابتدائه" أي فعل الإمام."ويتقدم" انتهاء فعل الإمام "على فراغه" أي المأموم "منه" أي من فعله وأكمل من هذا أن يتأخر ابتداء فعل المأموم عن جميع حركة الإمام فلا يشرع حتى يصل الإمام لحقيقة المنتقل إليه ودل على أن هذا تفسير لكمال المتابعة كما تقرر لا بقيد وجوبها قوله "فإن قارنه" في الأفعال كما دل عليه السياق فالاستثناء منقطع وعدم ضرر المقارنة في الأقوال معلوم بالأولى؛ لأنها أخف أو والأقوال ولو السلام كما دل عليه حذف المعمول المفيد للعموم والاستثناء الآتي إذ الأصل فيه الاتصال "لم يضر" لانتظام القدوة مع ذلك نعم تكره المقارنة وتفوت بها فيما وجدت فيه فضيلة الجماعة كما مر مبسوطا في فصل لا يتقدم على إمامه ويصح أن يكون ذلك تفسيرا للواجبة أيضا.بأن يراد بالتأخر والتقدم المفهومين من عبارته المبطل منهما الدال عليه كلامه بعد ولا ترد عليه حينئذ المقارنة في التحرم ولا التخلف بالسنة السابقة للعلم بهما من كلامه وخرج بالأفعال على الأول الأقوال، فإنها لا تجب المتابعة فيها بل تسن إلا تكبيرة الإحرام قيل إيجابه المتابعة إن أراد به في الفرض، والنفل وردت جلسة الاستراحة أو في الفرض فقط ورد التشهد الأول. ا هـ. وليس بسديد لما مر قبيل الفصل أن الذي دل عليه كلامه أن المراد الأول لكن لا مطلقا في النفل بل فيما تفحش فيه المخالفة وجلسة الاستراحة ليست كذلك "إلا تكبيرة الإحرام" فتضر المقارنة فيها إذا نوى الاقتداء مع تحرمه ولو بأن شك هل قارنه فيها أو لا وكذا التقدم ببعضها على فراغه منها إذ لا تنعقد صلاته حتى يتأخر جميع تكبيرته عن جميع تكبيرة الإمام يقينا لأن الاقتداء به قبل ذلك اقتداء.بمن ليس في صلاة إذ لا يتبين دخوله فيها إلا بتمام التكبير وإيراد ما بعد كذا عليه يندفع بحمل المقارنة على ما يشملها في البغض، والكل ولو ظن أو اعتقد تأخر جميع تكبيرته صح ما لم يبن خلافه وإفتاء البغوي بأنه لو كبر فبان إمامه لم يكبر انعقدت له منفردا ضعيف، وإن اعتمده شارح والذي صرح به غيره أنها لا تنعقد، وإن اعتقد تقدم تحرم الإمام وهو الذي دل عليه نص البويطي وكلام الروضة ولو زال شكه في ذلك عن قرب لم يضر كالشك في أصل النية. "وإن تخلف بركن" فعلى قصير أو طويل

 

ج /1 ص -307-      "بأن فرغ الإمام منه" سواء أوصل للركن الذي بعده أم كان فيما بينهما "وهو" أي المأموم "فيما" أي ركن "قبله لم تبطل في الأصح"، وإن علم وتعمد للخبر الصحيح "لا تبادروني بالركوع ولا بالسجود فهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني به إذا رفعت" وأفهم قوله فرغ أنه متى أدركه قبل فراغه منه لم تبطل قطعا، فإن قلت علم من هذا أن المأموم لو طول الاعتدال بما لا يبطله حتى سجد الإمام وجلس بين السجدتين ثم لحقه لا يضر وحينئذ يشكل عليه ما لو سجد الإمام للتلاوة وفرغ منه، والمأموم قائم، فإن صلاته تبطل، وإن لحقه قلت الفرق أن سجدة التلاوة لما كانت توجد خارج الصلاة أيضا كانت كالفعل الأجنبي ففحشت المخالفة بها بخلاف إدامة بعض أجزاء الصلاة، فإنه لا يفحش إلا إن تعدد "أو" تخلف "بركنين" فعليين متواليين "بأن فرغ" الإمام "منهما وهو فيما قبلهما" بأن ابتدأ الإمام الهوي للسجود يعني زال عن حد القيام فيما يظهر وإلا بأن كان أقرب للقيام من أقل الركوع فهو إلى الآن في القيام فلا يضر بل قولهم هوى للسجود بفهم ذلك فقولي في شرح الإرشاد، وإن كان للقيام أقرب أي منه إلى السجود أو أكمل الركوع "فإن لم يكن عذر" بأن تخلف لقراءة الفاتحة وقد تعمد تركها حتى ركع الإمام أو لسنة كقراءة السورة ومثله ما لو تخلف لجلسة الاستراحة أو لإتمام التشهد الأول إذا قام إمامه وهو في أثنائه لتقصيره بهذا الجلوس لغير المطلوب منه، وقول كثيرين إن تخلفه لإتمام التشهد مطلوب فيكون كالموافق المعذور.ممنوع كقول بعضهم إنه كالمسبوق ثم رأيت شيخنا وغيره صرحوا بما ذكرته ومر آنفا في تخلفه للقنوت ما يوافق هذا على أن ذاك مستديم لواجب هو الاعتدال فلم يتخلف لفعلي مسنون بخلاف هذا "بطلت" صلاته لفحش المخالفة "وإن كان" أي وجد عذر "بأن أسرع" الإمام "قراءته" والمأموم بطيء القراءة لعجز خلقي لا لوسوسة أو انتظر سكتة الإمام ليقرأ فيها الفاتحة فركع عقبها على الأوجه أو سها عنها حتى ركع الإمام ولم تقيد الوسوسة هنا بالظاهرة وإن قيدت بها في إدراك فضيلة التحرم لتأتي التفصيل ثم لا هنا إذ التخلف لها إلى تمام ركنين يستلزم ظهورها أما من تخلف لوسوسة فلا يسقط عنه شيء منها كمتعمد تركها وينبغي في وسوسة صارت كالخلقية بحيث يقطع كل من رآه بأنه لا يمكنه تركها أن يأتي فيه ما في بطيء الحركة وما بعد قولي ومثله فله التخلف لإكمالها إلى قرب فراغ الإمام من الركن الثاني فحينئذ يلزمه لبطلان صلاته بشروع الإمام فيما بعده نية المفارقة إن بقي عليه شيء منها لإكماله وبحث أن محل اغتفار ركنين فقط للموسوس إذا استمرت الوسوسة بعد ركوع الإمام، فإن تركها بعده اغتفر التخلف لإكمالها ما لم يسبق بأكثر من ثلاثة طويلة؛ لأنه لا تقصير منه الآن وفيه نظر بل الأوجه أنه لا فرق لأن تفويت إكمالها قبل ركوع الإمام نشأ من تقصيره بترديد الكلمات من غير بطء خلقي في لسانه سواء أنشأ ذلك من تقصيره في التعلم أم من شكه في إتمام الحروف فلا يفيده تركه بعد ركوع الإمام رفع ذلك التقصير وألحق بمنتظر سكتة الإمام والساهي عنها من نام متمكنا في تشهده الأول فلم يتنبه إلا، والإمام راكع وقد ينظر فيه بالفرق بينهما بأن كلا من ذينك أدرك من القيام ما يسعها بخلاف النائم فالأوجه أنه كمن تخلف لزحمة أو بطء حركة وقد أفتى جمع

 

ج /1 ص -308-      فيمن سمع تكبير الرفع من سجدة الركعة الثانية فجلس للتشهد ظانا أن الإمام يتشهد، فإذا هو في الثالثة فكبر للركوع فظنه لقيامها فقام فوجده راكعا بأنه يركع معه ويتحمل عنه الفاتحة لعذره أي مع عدم إدراكه القيام وبه يرد إفتاء آخرين بأنه كالناسي للقراءة ومن ثم لو نسي الاقتداء في السجود مثلا ثم ذكره فلم يقم عن سجدته إلا، والإمام راكع.ركع معه كالمسبوق ففرقهم بين هاتين الصورتين صريح فيما ذكرته من الفرق بين من يدرك قيام الإمام وبين من لا يدركه "وركع قبل إتمام المأموم الفاتحة فقيل يتبعه وتسقط البقية" لعذره كالمسبوق "والصحيح" أنه "يتمها" وجوبا وليس كالمسبوق؛ لأنه أدرك محلها "ويسعى خلفه" على ترتيب صلاة نفسه "ما لم يسبق بأكثر من ثلاثة أركان مقصودة" لذاتها "وهي الطويلة" فلا يحسب منها الاعتدال ولا الجلوس بين السجدتين لأنهما، وإن قصدا لكن لا لذاتهما بل لغيرهما كما مر في سجود السهو ولا بد في السبق بالأكثر المذكور أن ينتهي الإمام إلى الرابع أو ما هو على صورته فمتى قام من السجود مثلا ففرغ المأموم فاتحته قبل تلبس الإمام بالقيام، وإن تقدمه جلسة الاستراحة أو بالجلوس ولو للتشهد الأول كما اقتضاه كلامهم فيهما ويفرق بأن تلك قصيرة يبطل تطويلها فاغتفرت بخلاف التشهد الأول سعى على ترتيب نفسه أو بعد تلبسه فكما قال، "فإن سبق بأكثر" مما ذكر بأن انتهى إلى الرابع.كأن ركع، والمأموم في الاعتدال أو قام أو قعد وهو في القيام "فقيل يفارقه" بالنية وجوبا لتعذر الموافقة ، والأصح" أنه لا تلزمه مفارقته بل "يتبعه" وجوبا إن لم ينو مفارقته "فيما هو فيه" لفحش المخالفة في سعيه على ترتيب نفسه ومن ثم أبطل من عامد عالم، وإذا تبعه فركع وهو إلى الآن لم يتم الفاتحة تخلف لإكمالها ما لم يسبق بالأكثر أيضا "ثم يتدارك" ما فاته "ولو لم يتم" المأموم "الفاتحة لشغله بدعاء الافتتاح" مثلا وقد ركع إمامه "فمعذور" كبطيء القراءة فحكمه ما مر وظاهر كلامهم هنا عذره، وإن لم يندب له دعاء الافتتاح بأن ظن أنه لا يدرك الفاتحة لو اشتغل به وحينئذ يشكل بما مر في نحو تارك الفاتحة متعمدا إلا أن يفرق بأن له هنا نوع شبهة لاشتغاله بصورة سنة بخلافه فيما مر وأيضا فالتخلف لإتمام التشهد أفحش منه هنا وبما يأتي في المسبوق أن سبب عدم عذره كونه اشتغل بالسنة عن الفرض إلا أن يفرق بأن المسبوق يتحمل عنه الإمام فاحتيط له بأن لا يكون صرف شيئا لغير الفرض والموافق لا يتحمل عنه فعذر للتخلف لإكمال الفاتحة، وإن قصر بصرفه بعض الزمن لغيرها لأن تقصيره باعتبار ظنه دون الواقع، والحاصل من كلامهم أننا بالنسبة للعذر وعدمه ندير الأمر على الواقع وبالنسبة لندب الإتيان بنحو التعوذ للمسبوق ندير الأمر على ظنه.
"هذا كله في" المأموم "الموافق" وهو من أدرك من قيام الإمام زمنا يسع الفاتحة بالنسبة إلى القراءة المعتدلة لا لقراءة الإمام ولا لقراءة نفسه على الأوجه كما بينته في شرح الإرشاد وغيره وقول شارح هو من أحرم مع الإمام غير صحيح، فإن أحكام الموافق والمسبوق تأتي في كل الركعات ألا ترى أن الساعي على ترتيب نفسه ونحوه كبطيء النهضة إذا فرغ من سعيه على ترتيب نفسه، فإن أدرك مع الإمام زمنا يسع الفاتحة فموافق وإلا فمسبوق

 

ج /1 ص -309-      ولو شك أهو مسبوق أو موافق لزمه الاحتياط فيتخلف لإتمام الفاتحة ولا يدرك الركعة على الأوجه من تناقض فيه للمتأخرين؛ لأنه تعارض في حقه أصلان عدم إدراكها وعدم تحمل الإمام عنه فألزمناه إتمامها رعاية للثاني وفاتته الركعة بعدم إدراك ركوعها رعاية للأول احتياطا فيهما وقضية كلام بعضهم أن محل هذا إن لم يحرم عقب إحرام الإمام أو عقب قيامه من ركعته وإلا لم يؤثر شكه وهو إنما يأتي على أن العبرة في الموافق بإدراك قدر الفاتحة من قراءة الإمام والمعتمد خلافه كما تقرر. "فأما مسبوق ركع الإمام في فاتحته فالأصح أنه إن لم يشتغل بالافتتاح، والتعوذ" بأن قرأ عقب تحرمه "ترك قراءته وركع"، وإن كان بطيء القراءة فلا يلزمه غير ما أدركه هنا بخلاف ما مر في الموافق لأن ما هنا رخصة فناسبها رعاية حاله لا غير بخلاف الموافق."وهو" بركوعه معه أو قبل قيامه عن أقل الركوع "مدرك للركعة" بشرطه الآتي؛ لأنه لم يدرك غير ما قرأه فيتحمل الإمام عنه ما بقي كما يتحمل عنه الكل لو أدركه راكعا أو ركع عقب تحرمه "وإلا" بأن اشتغل بهما أو بأحدهما أو لم يشتغل بشيء بأن سكت زمنا بعد تحرمه وقبل قراءته وهو عالم بأن واجبه الفاتحة "لزمه قراءة" من الفاتحة سواء أعلم أنه يدرك الإمام قبل سجوده أم لا على الأوجه "بقدره" أي ما أتى به أي بقدر حروفه في ظنه كما هو ظاهر أو بقدر زمن ما سكته لتقصيره في الجملة بالعدول من الفرض إلى غيره وإن كان قد أمر بالافتتاح، والتعوذ لظنه الإدراك فركع على خلاف ظنه وعن المعظم يركع وتسقط عنه البقية واختير بل رجحه جمع متأخرون وأطالوا في الاستدلال له، وإن كلام الشيخين يقتضيه وعلى الأول متى ركع قبل وفاء ما لزمه بطلت صلاته إن علم وتعمد كما هو ظاهر وإلا لم يعتد بما فعله ومتى ركع الإمام وهو متخلف لما لزمه وقام من الركوع فاتته الركعة بناء على أنه متخلف بغير عذر ومن عبر بعذره.فعبارته مؤولة ثم إذا فرغ قبل هوي الإمام للسجود وافقه ولا يركع وإلا بطلت إن علم وتعمد وكذا حيث فاته الركوع، وإن لم يفرغ وقد أراد الإمام الهوي للسجود فقد تعارض في حقه وجوب وفاء ما لزمه وبطلان صلاته بهوي الإمام للسجود لما تقرر أنه متخلف بغير عذر فلا مخلص له عن هذين إلا نية المفارقة فتتعين عليه حذرا من بطلان صلاته عند عدمها بكل تقدير ويشهد له ما مر في متعمد ترك الفاتحة وبطيء الوسوسة ثم رأيت شيخنا أطلق نقلا عن التحقيق واعتمده أنه يلزمه متابعته في الهوي حينئذ ويمكن توجيهه بأنه لما لزمته المتابعة قبل المعاوضة استصحب وجوبها وسقط موجب تقصيره من التخلف لقراءة قدر ما لحقه فغلب واجب المتابعة فعليه إن صح لا تلزمه مفارقته أما إذا جهل أن واجبه ذلك فهو بتخلفه لما لزمه متخلف بعذر قاله القاضي.
"ولا يشتغل المسبوق بسنة بعد التحرم" أي لا يسن له الاشتغال بها "بل بالفاتحة"؛ لأنها الأهم ويسرع فيها ليدركها "إلا" منقطع إن أريد بالمسبوق من مر باعتبار ظنه ومتصل إن أريد به من سبق بأول القيام لكنه يقتضي أن من لم يسبق به يشتغل بها مطلقا والظاهر خلافه وأنه لا فرق بين من أدرك أول القيام وأثناءه في التفصيل المذكور وحينئذ فالتعبير بالمأموم أولى "أن يعلم" أي يظن لاعتياد الإمام التطويل "إدراكها" مع ما يأتي به فيأتي به ندبا

 

ج /1 ص -310-      بخلاف ما إذا جهل. أو ظن منه الإسراع وأنه لا يدركها معه فيبدأ بالفاتحة "ولو علم المأموم في ركوعه" أي بعد وجود أقله "أنه ترك الفاتحة أو شك" في فعلها "لم يعد إليها" أي لمحلها، فإن فعل بطلت صلاته إن علم وتعمد لفوات محلها "بل يصلي ركعة بعد سلام الإمام" تداركا لما فاته كالمسبوق "فلو علم أو شك" في فعلها "وقد ركع الإمام ولم يركع هو" أي لم يوجد منه أقل الركوع، وإن هوى له "قرأها" بعد عوده للقيام فيما إذا هوى لبقاء محلها "وهو متخلف بعذر" فيأتي فيه حكمه السابق من التخلف لإتمامها بشرطه ويؤخذ منه أنا حيث قلنا بعوده للركن كان متخلفا بعذر فيأتي به ويسعى على نظم نفسه ما لم يسبق بأكثر من ثلاثة طويلة.وإلا وافق الإمام وأتى بركعة بعد سلامه "وقيل يركع" لأجل المتابعة "ويتدارك بعد سلام الإمام" ما فاته وافهم قوله وقد ركع الإمام أنه لو ركع قبله ثم شك لزمه العود ويوجه بأن ركوعه هناك يسن أو يجوز له تركه، والعود للإمام فكان ذلك بمنزلة شكه قبل أن يركع بالكلية ويأتي ذلك في كل ركن علم المأموم تركه أو شك فيه بعد تلبسه بركن بعده يقينا أي وكان في التخلف له فحش مخالفة كما يعلم من المثل الآتية فيوافق الإمام ويأتي بدله بركعة بعد سلام إمامه فعلم أنه لو قام إمامه فقط فشك هل سجد معه سجد كما نقله القاضي عن الأئمة لأنه تخلف يسير مع كونه لم يتلبس بعده بركن يقينا؛ لأن أحد طرفي شكه يقتضي أنه في الجلوس بين السجدتين ومثله ما لو شك بعد رفع إمامه من الركوع في أنه ركع معه أو لا فيركع لذلك أي كون تخلفه يسيرا مع أن أحد طرفي شكه يقتضي أنه باق في القيام الذي قبل الركوع بخلاف ما لو قام هو أي مع إمامه أو قبله فيما يظهر ثم شك في السجود فلا يعود إليه لفحش المخالفة مع تيقن التلبس بركن بعده وهو القيام ومثله لو شك وهو ساجد معه هل ركع معه أو لا فلا يركع لذلك وظاهر ذلك أنه لو شك وهو جالس للاستراحة أو ناهض للقيام في السجود عاد له، وإن كان الإمام في القيام؛ لأنه لم يتلبس إلى الآن بركن بعده ولو كان شكه في السجود.في الركعة الأخيرة فهل جلوسه للتشهد الأخير كقيامه فيما ذكر بجامع أنه تلبس في كل بركن أو يفرق بأنه في صورة القيام قد تلبس بركن يقينا مع فحش المخالفة بالعود لبعد ما بين القيام، والسجود بخلافه في صورة الجلوس، فإنه لم يتلبس بركن يقينا لما تقرر أن أحد طرفي شكه يقتضي أنه إلى الآن في الجلوس بين السجدتين مع عدم فحش المخالفة لقرب ما بين الجلوس، والسجود ويؤيده صورة الركوع، فإن هذين موجودان فيها لقرب ما بين القيام والركوع ولأن أحد طرفي شكه يقتضي أنه إلى الآن في القيام فلم يتلبس بركن يقينا وهذا أقرب ولا يخالفه ما في المتن في الفاتحة؛ لأنه بالركوع تلبس بركن أي بصورته إذ هو المراد في الضابط المذكور على كل من طرفي الشك أي سواء أفرض أنه قرأها أم لا، فإن قلت عدم العود هنا يدفع ما تقرر من التقييد بفحش المخالفة قلت لا يدفعه؛ لأن محل التقييد في ركنين فعليين؛ لأنهما اللذان يظهر فيهما فحش المخالفة وعدمه بخلاف القولي والفعلي ومن ثم لم يعولوا على السبق أو التأخر بالقولي مطلقا، "ولو سبق إمامه بالتحرم لم تنعقد" صلاته كما علم بالأولى مما مر في مقارنته له فيها وذكره هنا توطئة لما بعده "أو بالفاتحة

 

ج /1 ص -311-      أو التشهد" بأن فرغ من أحدهما قبل شروع الإمام فيه "لم يضره ويجزئه" لإتيانه به في محله من غير فحش مخالفة "وقيل تجب إعادته" مع فعل الإمام أو بعده وهو الأولى، فإن لم يعده بطلت؛ لأن فعله مترتب على فعله فلا يعتد بما سبقه به ويسن مراعاة هذا الخلاف بل يسن هكذا بالمحشي وليس في الشرح ولعله نسخة وقعت له. ا هـ. مصححه. ولو في أولي السرية تأخير جميع فاتحته عن فاتحة الإمام إن ظن أنه يقرأ السورة، فإن قلت لم قدمتم رعاية هذا الخلاف على خلاف البطلان بتكرير القولي قلت؛ لأن هذا الخلاف أقوى، والقاعدة أخذا من كلامهم أنه إذا تعارض خلافان قدم أقواهما وهذا كذلك؛ لأن حديث "فلا تختلفوا عليه" يؤيده وتكرير القولي لا نعلم له حديثا يؤيده ثم رأيت الأنوار قال في التقدم بقولي لا تسن إعادته للخروج من الخلاف لوقوعه في الخلاف ا هـ. وما ذكرته أوجه مدركا وفيه كالتتمة لو علم أن إمامه يقتصر على الفاتحة لزمه أن يقرأ الفاتحة مع قراءته. ا هـ. وفي قوله لزمه نظر ظاهر إلا أن يكون مراده أنه متى أراد البقاء على متابعته وعلم من نفسه أنه بعد ركوعه لا يمكنه قراءتها إلا وقد سبقه بأكثر من ركنين يتحتم عليه قراءتها معه؛ لأنه لو سكت عنها إلى أن ركع يكون متخلفا بغير عذر لتقصيره بخلاف نحو منتظر سكتة الإمام لأنه لم يعلم من حال الإمام شيئا فعلم أن محل ندب تأخير فاتحته إن رجا أن إمامه يسكت بعد الفاتحة قدرا يسعها أو يقرأ سورة تسعها وأن محل ندب سكوت الإمام إذا لم يعلم أن المأموم قرأها معه أو لا يرى قراءتها. "ولو تقدم" على إمامه "بفعل كركوع وسجود، فإن كان" ذلك "بركنين" فعليين متواليين "بطلت" صلاته إن تعمد وعلم التحريم لفحش المخالفة، فإن سها أو جهل لم يضر لا يعتد له بهما، فإذا لم يعد للإتيان بهما مع الإمام سهوا أو جهلا أتى بعد سلام إمامه بركعة.وإلا أعادها وصورة التقدم بهما أن يركع ويعتدل ثم يهوي للسجود مثلا، والإمام قائم أو أن يركع قبل الإمام فلما أراد الإمام أن يركع رفع فلما أراد أن يرفع سجد فلم يجتمع معه في الركوع ولا في الاعتدال وفارق ما مر في التخلف بأن التقدم أفحش ومن ثم حرم بركن إن علم وتعمد بخلاف التخلف به، فإنه مكروه ومن تقدم بركن سن له العود إن تعمد وإلا تخير "وإلا" بأن تقدم بركن فعلي أو بركنين قوليين أو قولي وفعلي كالفاتحة، والركوع "فلا" تبطل، وإن علم وتعمد لقلة المخالفة "وقيل تبطل بركن" تام مع العلم، والتعمد لفحش التقدم بخلاف التأخر والكلام في غير التقدم بالسلام أي بالميم آخر الأولى فهو به مبطل ويفهمه بالأولى ما يأتي أنه لو تعمد المسبوق القيام قبل سلام إمامه بطلت وقول الأنوار أن هذا مبني على ضعيف أن التقدم بركن مبطل غير صحيح نقلا ومعنى، فإذا أبطل القيام لما فيه من المخالفة الفاحشة فالسلام أولى؛ لأنه أفحش.

فصل في زوال القدوة وإيجادها وإدراك المسبوق للركعة وأول صلاته وما يتبع ذلك
إذا "خرج الإمام من صلاته" بحدث أو غيره "انقطعت القدوة" به لزوال الرابطة فيسجد لسهو نفسه ويقتدي بغيره وغيره به ويظهر أنها تنقطع أيضا بتأخر الإمام عن المأموم لكن

 

ج /1 ص -312-      بالنسبة لمن تأخر عنه لا لمن لم يتأخر عنه، وإنها لا تنقطع بنية الإمام قطعها؛ لأنها لا تتوقف على نيته فلم تؤثر فيها ويؤخذ منه الانقطاع حيث لزمته كالجمعة وسيعلم مما يأتي انقطاعها أيضا بنية الإمام الاقتداء بغيره "فإن لم يخرج وقطعها المأموم" بأن نوى المفارقة "جاز" مع الكراهة المفوتة لفضيلة الجماعة حيث لا عذر؛ لأن ما لا يتعين فعله لا يتعين بالشروع فيه ولو فرض كفاية إلا في الجهاد وصلاة الجنازة، والنسك "وفي قول" قديم "لا يجوز" القطع "إلا بعذر"؛ لأنه إبطال للعمل وقد قال تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد:33].فإن فعل بطلت صلاته، والمراد به كما قاله الإمام ما "يرخص في ترك الجماعة" ابتداء، فإنه يجوز قطعها؛ لأن الفرقة الأولى في ذات الرقاع فارقت النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما صلى بهم ركعة "ومن العذر" الملحق بذلك ويؤخذ من إلحاقه بالمرخص في الأثناء إلحاقه به في ترك الجماعة ابتداء وهو متجه، وتخيل فرق بينهما بعيد بل ربما يقال ذاك أولى "تطويل الإمام" القراءة أو غيرها كما هو ظاهر وتعبيرهم بالقراءة لعله للغالب لكن لا مطلقا بل بالنسبة لمن لا يصبر لضعف أو شغل ولو خفيفا بأن يذهب خشوعه فيما يظهر وظاهر كلامهم أنه مع ذلك لا فرق بين أن يكونوا محصورين رضوا بتطويله بمسجد غير مطروق، وأن لا وهو متجه لما صح أن بعض المؤتمين بمعاذ قطع القدوة لتطويله بهم ولم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم ورواية مسلم أنه استأنف معارضة برواية أحمد أنه بنى على أن الأولى شاذة وبفرض عدم شذوذها فهي حجة أيضا.لأنه إذا جاز إبطال الصلاة لعذر فالجماعة أولى وفي القصة ما يدل للتعدد فيحتمل أنهما شخصان، وأنه شخص واحد مرة بنى ومرة استأنف ثم قطعه للصلاة مشكل إلا أن يجاب بأنه ظن أن التطويل مجوز للقطع واستدلالهم بهذه القصة للمفارقة بغير عذر عجيب مع ما في الخبر أن الرجل شكا العمل في حرثه الموجب لضعفه عن احتمال التطويل فاندفع ما قيل ليس فيها غير مجرد التطويل وهو غير عذر نعم إن قلنا بأنهما شخصان وثبت في رواية شكاية مجرد التطويل اتضح ما قالوه "وتركه سنة مقصودة كتشهد" أولى وقنوت وكذا سورة إذ الذي يظهر في ضبط المقصودة أنها ما جبرت بسجود السهو أو قوي الخلاف في وجوبها أو وردت الأدلة بعظيم فضلها وقد تجب المفارقة كأن عرض مبطل لصلاة إمامه وقد علمه فيلزمه نيتها فورا وإلا بطلت، وإن لم يتابعه اتفاقا كما في المجموع ويوجه بأن المتابعة الصورية موجودة فلا بد من قطعها وهو متوقف على نيته وحينئذ فلو استدبر الإمام أو تأخر عن المأموم اتجه عدم وجوبها لزوال الصورة.
"ولو أحرم منفردا ثم نوى القدوة في خلال صلاته جاز" فلا تبطل صلاته به "في الأظهر" مع الكراهة المفوتة لفضيلة الجماعة وذلك لما "فعله الصديق رضي الله عنه لما جاء صلى الله عليه وسلم وهو إمام فتأخر واقتدى به" إذ الإمام في حكم المنفرد وصح أنه صلى الله عليه وسلم أحرم بهم ثم تذكر في صلاته أنه جنب فذهب فاغتسل ثم جاء وأحرم بهم" ومعلوم أنهم أنشئوا نية اقتداء به؛ لأن صلاتهم هنا لم ترتبط بصلاة إمام بخلاف ما يأتي قريبا وهل العذر هنا كما في صورة الخبر وكأن اقتدى ليتحمل عنه الفاتحة فيدرك الصلاة كاملة في الوقت مانع للكراهة نظير

 

ج /1 ص -313-      ما مر أو يفرق بأنه مع العذر. ثم لا خلاف فيه بخلافه هنا على ما اقتضاه كلامهم محل نظر وهو إلى الثاني أميل. قال الجلال البلقيني لم يتعرضوا للإمام إذا أراد أن يقتدي بآخر ويعرض عن الإمامة وهذه "وقعت للصديق مع النبي صلى الله عليه وسلم لما ذهب للصلح بين جماعة من الأنصار وفي مرض موته ثم جاء وهو في الصلاة فأخرج نفسه من الإمامة واقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم، والصحابة رضي الله عنهم أخرجوا أنفسهم عن الاقتداء به واقتدوا بالنبي صلى الله عليه وسلم" وقضية استدلالهم بالأول للأظهر كما مر جواز ذلك بل الاتفاق عليه والثاني ظاهر ا هـ. ملخصا واستظهاره للثاني فيه نظر بل لا يصح أما أولا ففي الصحيحين "أن أبا بكر استخلف النبي صلى الله عليه وسلم" وعند الاستخلاف لا يحتاج المأموم لنية بل لو خرج الإمام من الصلاة أي أو الإمامة كما صرح به قولهم إذا جاز الاستخلاف مع عدم بطلان صلاة الإمام فمع بطلأنها أولى ثم قدم هو أو بعض المأمومين أو تقدم أجنبي ولو غير مقتد به بشرطه لم يحتاجوا لنية بالخليفة كما يأتي فاندفع قول الجلال، والصحابة أخرجوا أنفسهم إلخ ووجه اندفاعه أن الجماعة باقية في حقهم لكن رابطة الأول زالت وخلفتها رابطة الثاني من غير استئناف نية منهم، وأما ثانيا فقد صرح القفال بأن الإمام لو اقتدى بآخر سقط اقتداؤهم به وصاروا منفردين ولهم الاقتداء بالإمام الثاني الذي اقتدى به الإمام لقصة الصديق فقوله صاروا منفردين.وإن كان ضعيفا كما علم مما تقرر يرد قول الجلال أخرجوا أنفسهم عن الاقتداء به، وأما قوله واقتدوا بالنبي صلى الله عليه وسلم أي تابعوه لما تقرر أنهم لا يحتاجون لنية فصحيح كما صرحت به رواية الصحيحين، والحاصل أن أبا بكر أخرج نفسه عن الإمامة بتأخره عنه صلى الله عليه وسلم الثابت في الصحيحين ثم نوى الاقتداء به صلى الله عليه وسلم، والصحابة بتقدمه صلى الله عليه وسلم بعد استخلاف أبي بكر له صاروا مقتدين به، وإن لم ينووا ذلك ومعنى رواية والناس يقتدون بأبي بكر أنه كان يسمعهم تكبيره صلى الله عليه وسلم لامتناع الاقتداء بالمأموم اتفاقا.
تنبيه: في المجموع في روايات قليلة ذكرها البيهقي وغيره "أن النبي صلى الله عليه وسلم في مرض وفاته صلى خلف أبي بكر" وأجاب الشافعي والأصحاب عنها إن صحت بأنها كانت مرتين مرة كان صلى الله عليه وسلم مأموما ومرة كان إماما. ا هـ. وقد يجمع بأنه أولا اقتدى بأبي بكر ثم تأخر أبو بكر واقتدى به ولعل الجمع بهذا أقرب لتصريحهم بأنه صلى الله عليه وسلم لم يصل وراء أحد من أمته إلا وراء عبد الرحمن بن عوف في تبوك.
"وإن كان في ركعة أخرى" غير ركعة الإمام متقدما عليه أو متأخرا عنه إذ لا يترتب عليه محذور؛ لأنه يلغي نظم صلاة نفسه ويتبعه كما قال "ثم" بعد اقتدائه به "يتبعه" وجوبا "قائما كان أو قاعدا" مثلا رعاية لحق الاقتداء.ومر في فصل نية القدوة أنه لو اقتدى به في تشهده انتظره ولا يتابعه "فإن فرغ الإمام أولا فهو كمسبوق" فيقوم ويتم صلاته وحينئذ يجوز الاقتداء به ولو في الجمعة واقتداؤه بغيره إلا فيها "أو" فرغ "هو" أي المأموم أولا "فإن شاء فارقه" بالنية وسلم ولا كراهة؛ لأنه فراق لعذر "وإن شاء انتظره" بقيده السابق في فصل نية القدوة "ليسلم معه" وهو الأفضل "وما أدركه المسبوق" مع الإمام مما يعتد له به لا كالاعتدال وما بعده، فإنه لمحض المتابعة فلا يكون من محل الخلاف "فأول صلاته"

 

ج /1 ص -314-      وما يفعله بعد سلام الإمام فآخر صلاته للخبر المتفق عليه "فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا"، والإتمام يستلزم سبق ابتداء. فخبر مسلم "واقض ما سبقك" يحمل القضاء فيه على المعنى اللغوي؛ لأنه مجاز مشهور على أنه يتعين ذلك لاستحالة حقيقة القضاء الشرعية هنا "فيعيد في الباقي" من الصبح مثلا من أدرك ثانيتها معه التي هي أولى المأموم وقنت معه فيها كما هو السنة كما مر وأفاده قوله يعيد "القنوت"؛ لأن محله آخر الصلاة وفعله قبله مع الإمام لمحض المتابعة، "ولو أدرك ركعة من المغرب" مع الإمام "تشهد في ثانيته" إذ هي محل تشهده الأول وتشهده مع الإمام في أولي نفسه لمحض المتابعة وهذا إجماع منا ومن المخالف وهو حجة لنا على أن ما يدركه معه أول صلاته ومر أنه لو أدركه في أخيرتي رباعية مثلا، فإن أمكنه فيهما قراءة السورة معه قرأ وإلا قرأهما من غير جهر؛ لأنه صفة لا تقضى في أخيرتي نفسه تداركا لهما لعذره، "وإن أدركه" أي المأموم الإمام "راكعا أدرك الركعة" أي ما فاته من قيامها وقراءتها، وإن قصر بتأخير تحرمه لا لعذر حتى ركع للخبر الصحيح بذلك وبه علم أنه لا يسن الخروج من خلاف جمع من أصحابنا وغيرهم أنه لا يدركها لمخالفتهم لسنة صحيحة فقول الأذرعي الاحتياط توقى ذلك إلا أن يضيق الوقت أو تكون ثانية الجمعة يرد بما ذكرته ولو ضاق الوقت وأمكنه إدراك ركعة بإدراك ركوعها مع من يتحمل عنه الفاتحة لزمه الاقتداء به كما هو ظاهر "قلت" إنما يدركها "بشرط أن" يكون ذلك الركوع محسوبا له كما يفيده كلامه في الجمعة بأن لا يكون محدثا عنده فلا يضر طرو حدثه.بعد إدراك المأموم له معه ولا في ركوع زائد سها به وسنذكر في الكسوف أن ركوع صلاته الثاني لا يدرك به الركعة أيضا لأنه، وإن حسب له بمنزلة الاعتدال وأن "يطمئن" بالفعل لا بالإمكان يقينا "قبل ارتفاع الإمام عن أقل الركوع والله أعلم ولو شك في إدراك حد الإجزاء" بأن شك هل اطمأن قبل ارتفاع الإمام عن أقل الركوع "لم تحسب ركعته في الأظهر" وكذا إن ظن إدراك ذلك بل أو غلب على ظنه؛ لأن هذا رخصة وهي لا بد من تحقق سببها فلم ينظر لأصل بقاء الإمام فيه ويسجد الشاك للسهو؛ لأنه شاك بعد سلام الإمام في عدد ركعاته فلم يتحمله عنه، "ويكبر".المسبوق "للإحرام ثم للركوع" ومثله هنا وفيما يأتي مريد سجدة تلاوة خارج الصلاة لأنه تعارض في حقه قرينتا الافتتاح، والهوي لاختلافهما وحينئذ لا يحتاج لنية إحرام بالأولى إذ لا تعارض ويظهر أن محله إن عزم عند التحرم على أن يكبر للركوع أيضا أما لو كبر للتحرم غافلا عن ذلك ثم طرأ له التكبير للركوع فكبر له فلا تفيده هذه التكبيرة الثانية شيئا بل يأتي في الأولى التفصيل الآتي "فإن نواهما" أي الإحرام، والركوع "بتكبيرة" واحدة اقتصر عليها "لم تنعقد" صلاته "على الصحيح"؛ لأنه شرك بين فرض وسنة مقصودة فأشبه نية الظهر وسنته لا الظهر والتحية "وقيل تنعقد" له "نفلا" كما لو أخرج خمسة دراهم مثلا ونوى بها الفرض والتطوع، فإنها تقع له تطوعا وعلى الأول يفرق بأن النية ثم يغتفر فيها ما لا يغتفر هنا وأيضا فالنفل ثم لا يحتاج لنية فلم يؤثر فيه فساد النية بالتشريك وهنا لا ينعقد إلا بنيته فأثر فيه اقترانها بمفسد وهو التشريك المذكور ولعل هذا هو ملحظ من قال لا جامع معتبر بين المسألتين،

 

ج /1 ص -315-      "وإن" نوى بها التحرم فقط وأتمها وهو إلى القيام مثلا أقرب منه إلى أقل الركوع انعقدت صلاته، وإن "لم ينو" بها "شيئا لم تنعقد" صلاته "على الصحيح"؛ لأن قرينة الافتتاح تصرفها إليه وقرينة الهوي تصرفها إليه فاحتيج لقصد صارف عنهما وهو نية التحرم فقط لتعارضهما وبه يرد استشكال الإسنوي له بأن قصد الركن لا يشترط؛ لأن محله حيث لا صارف وهنا صارف كما علمت وعلم من.كلامه ما بأصله أن نية الركوع فقط كذلك إذ لا تحرم وكذا نية أحدهما مبهما للتعارض هنا أيضا ويزاد سادسة وهي ما لو شك أنوى بها التحرم وحده أو لا إذ الظاهر في هذه البطلان أيضا، "ولو أدركه" أي الإمام "في اعتداله" مثلا "فما بعده انتقل معه" وجوبا نعم يظهر فيما لو أحرم وهو في جلسة الاستراحة أنه لا يلزمه موافقته فيها أخذا مما مر أن المخالفة فيها غير فاحشة ومر في شرح ولو فعل في صلاته غيرها ما يتعلق بما هنا فراجعه "مكبرا" ندبا، وإن لم يحسب له موافقة له في تكبيره ، والأصح أنه يوافقه" ندبا أيضا "في" أذكار ما أدركه معه، وإن لم يحسب له كالتحميد، والدعاء "والتشهد، والتسبيحات" وقيل تجب موافقته في التشهد الأخير وغلط وقيل تجب في القنوت والتشهد الأول واعترض ندب الموافقة في التشهد بأن فيه تكرير ركن قولي وفي إبطاله خلاف ويرد بشذوذه أو منع جريانه هنا؛ لأنه لصورة المتابعة وبه يتجه موافقته في الصلاة حتى على الآل ولو في تشهد المأموم الأول ولا نظر لعدم ندبها فيه لما تقرر أن ملحظ الموافقة رعاية المتابعة لا حال المأموم، "و" الأصح "أن من أدركه" أي الإمام فيما لا يحسب له كأن أدركه "في سجدة" أولى أو ثانية مثلا "لم يكبر للانتقال إليها" لأنه لم يتابعه في ذلك ولا هو محسوب له بخلاف الركوع وأفهم قوله إليها ما قدمه أنه يكبر بعد ذلك إذا انتقل معه من السجود أو غيره موافقة له وخرج بأولى أو ثانية ما لو أدركه في سجدة التلاوة..قال الأذرعي فالذي ينقدح أنه يكبر للمتابعة، فإنها محسوبة له قال: وأما سجدتا السهو فينقدح في التكبير لهما خلاف من الخلاف في أنه يعيدهما آخر صلاته أو لا إن قلنا لأكبر وإلا فلا ا هـ. وفي كون التلاوة محسوبة له نظر ظاهر إذ من الواضح أنه إنما يفعلها للمتابعة فحينئذ الذي يتجه أنه لا يكبر للانتقال إليها "وإذا سلم الإمام قام" يعني انتقل ليشمل المصلي غير قائم "المسبوق مكبرا إن كان" جلوسه مع الإمام "موضع جلوسه" لو انفرد كأن أدركه في ثالثة رباعية أو ثانية ثلاثية وأفهم كلامه أنه لا يقوم قبل سلام الإمام، فإن تعمده بلا نية مفارقة أبطل والمراد هنا كما علم مما مر في سجود السهو عن المجموع مفارقة حد القعود، وإن سها أو جهل لم يعتد بجميع ما أتى به حتى يجلس ثم يقوم بعد سلام الإمام ومتى علم ولم يجلس بطلت صلاته وبه فارق من قام عن إمامه في التشهد الأول عامدا، فإنه يعتد بقراءته قبل قيام الإمام؛ لأنه لا يلزمه العود له وكذا الناسي على خلاف ما مر في المتن "وإلا" يكن محل جلوسه لو انفرد كأن أدركه في ثانية أو رابعة رباعية أو ثالثة ثلاثية "فلا" يكبر عند قيامه أو بدله "في الأصح"؛ لأنه ليس محل تكبيره وليس فيه موافقة الإمام ومر أن الأفضل للمسبوق أن لا يقوم إلا بعد تسليمتي الإمام ويجوز بعد الأولى، فإن مكث في محل جلوسه لو انفرد لم يضر، وإن طال أو في غيره.بطلت صلاته إن علم وتعمد لوجوب

 

ج /1 ص -316-      القيام عليه فورا وإلا سجد للسهو ويظهر أن المخل بالفورية هنا هو ما يزيد على قدر جلسة الاستراحة وقد مر أن تطويلها المبطل يقدر بما يقدر به تطويل الجلوس بين السجدتين وذلك لأن قدرها عدوه تطويلا غير فاحش وكذا يقال في كل محل قالوا فيه يجب على المأموم القيام أو نحوه فورا فضبط الفورية يتعين بما ذكرته ثم رأيته في المجموع صرح بذلك وعبارته وإن لم يكن في اشتغال المأموم بها تخلف فاحش بأن ترك الإمام جلسة الاستراحة أتى بها المأموم. قال أصحابنا؛ لأن المخالفة فيها يسيرة قالوا ولهذا لو زاد قدرها في غير موضعه لم تبطل صلاته انتهت فتأمل قوله: زاد قدرها في غير موضعه، فإنه صريح في أن كل ما وجب الفور في الانتقال عنه إلى غيره فتخلف بقدر جلسة الاستراحة لا يضر لأنه الآن قد زاد قدر جلسة الاستراحة في غير محله وقد علمت أنهم مصرحون بأن زيادة قدرها لا تضر.

"باب" كيفية "صلاة المسافر" من حيث السفر
وهي القصر ويتبعه الكلام في قصر فوائت الحضر، والجمع ويتبعه الجمع بالمطر فاندفع اعتراضه بأن الترجمة ناقصة على أن المعيب النقص عما فيها لا الزيادة عليه، والأصل في القصر قبل الإجماع آية النساء ونصوص السنة المصرحة بجوازه عند الأمن أيضا.
"إنما تقصر" مكتوبة.لا نحو منذورة "رباعية" لا صبح ومغرب إجماعا نعم حكي عن بعض أصحابنا جواز قصر الصبح في الخوف إلى ركعة وفي خبر مسلم "إن الصلاة فرضت في الخوف ركعة" وحملوه على أنه يصليها فيه مع الإمام وينفرد بأخرى وعمم ابن عباس ومن تبعه القصر إلى ركعة في الخوف في الصبح وغيرها لعموم الحديث المذكور "مؤداة" وفائتة السفر الآتية ملحقة بها فلا ينافي الحصر أو أنه إضافي "في السفر الطويل" اتفاقا في الأمن وعلى الأظهر في الخوف "المباح" أي الجائز في ظنه كمن أرسل بكتاب لم يعلم فيه معصية كما هو ظاهر سواء الواجب، والمندوب، والمباح والمكروه ومنه أن يسافر وحده لا سيما في الليل لخبر أحمد وغيره "كره صلى الله عليه وسلم الوحدة في السفر ولعن راكب الفلاة وحده" أي إن ظن ضررا يلحقه وقال:
"الراكب شيطان، والراكبان شيطانان والثلاثة ركب" فيكره أيضا اثنان فقط لكن الكراهة هنا أخف وصح خبر "لو يعلم الناس ما أعلم في الوحدة ما سار راكب بليل وحده" والأوجه أن من أنس بالله بحيث صار يأنس بالوحدة كأنس غيره بالرفقة عدم الكراهة كما لو دعت للانفراد حاجة والبعد عن الرفقة حيث لا يلحقه غوثهم كالوحدة كما هو ظاهر "لا فائتة الحضر" ولو احتمالا ومثله في جميع ما يأتي سفر لا يجوز فيه القصر فلا يقصرها، وإن قضاها في السفر إجماعا إلا من شذ ولأنها ثبتت في ذمته تامة.ولو سافر وقد بقي من الوقت ما لا يسعها، فإن قلنا: إنها قضاء لم تقصر وإلا قصر، "ولو قضى فائتة السفر" المبيح للقصر "فالأظهر قصره في السفر" الذي فاتته فيه أو سفر آخر يبيح القصر، وإن تخللت بينهما إقامة طويلة لوجود سبب القصر في قضائها كأدائها وبه فارق عدم قضاء الجمعة جمعة وما ذكر في السفر الآخر لا يرد

 

ج /1 ص -317-      عليه، وإن قلنا بالمشهور أن المعرفة إذا أعيدت تكون عين الأولى؛ لأن قوله دون الحضر يبين أنه لا فرق ومحل تلك القاعدة على نزاع فيها حيث لا قرينة تصرف الثانية لغير الأولى أو ما هو أعم منها "دون الحضر" ونحوه لفقد سبب القصر حال فعلها ودعوى أنه لا يلزمه في القضاء إلا ما كان يلزمه في الأداء ممنوعة. "ومن سافر من بلدة فأول سفره مجاوزة سورها" المختص بها، وإن تعدد إن كان لها سور كذلك ولو في جهة مقصده فقط لكن إن بقيت تسميته سورا.لأن ما في داخله ولو خرابا ومزارع محسوب من موضع الإقامة، والخندق كالسور وبعضه كبعضه، وإن لم يكن فيه ماء على الأوجه ويظهر أنه لا عبرة به مع وجود السور وألحق الأذرعي به قرية أنشئت بجانب جبل يشترط فيمن سافر في صوبه قطع ارتفاعه إن اعتدل وإلا فما نسب إليها منه عرفا ويلحق بالسور أيضا تحويط أهل القرى عليها بالتراب أو نحوه "فإن كان وراءه عمارة اشترط مجاوزتها في الأصح"؛ لأنها تابعة لداخله فيثبت لها حكمه وأطال الأذرعي في الانتصار له "قلت الأصح" الذي عليه الجمهور أنها "لا تشترط والله أعلم"؛ لأنها لا تعد من البلد ودعوى التبعية لا تفيد هنا؛ لأن المدار فيه على محل الإقامة ذاتا لا تبعا على أن التبعية هنا ممنوعة ألا ترى إلى قول الشيخ أبي حامد لا يجوز لمن في البلد أن يدفع زكاته لمن هو خارج السور لأنه نقل للزكاة ولا ينافيه ما يأتي أنه لو اتصل بناء قرية بأخرى اشترطت مجاوزتهما لأنهم جعلوا السور فاصلا بينهما ومنه يؤخذ أن من بالعمران الذي وراء السور لو أراد أن يسافر من جهة السور لم تشترط مجاوزة السور؛ لأنه مع خارجه كبلدة منفصلة عن أخرى ولا إطلاق المصنف فيمن سافر قبل فجر رمضان اعتبار العمران؛ لأنه محمول على ما هنا من التفصيل بين وجود سور وعدمه، والفرق بأنه ثم لم يأت ببدل بخلافه هنا يرد بأنه ثم يأتي بالقضاء وكفى به بدلا، فإن أريد في الوقت فالركعتان هنا لم يأت لهما ببدل فيه أيضا فاستويا "فإن لم يكن" لها "سور" مطلقا أو صوب سفره أو كان لها سور غير مختص بها كقرى متفاصلة جمعها سور "فأوله مجاوزة العمران"، وإن تخلله خراب ليس به أصول أبنية أو نهر، وإن كبر أو ميدان؛ لأنه محل الإقامة ومنه المقابر المتصلة به ومطرح الرماد وملعب الصبيان ونحو ذلك على ما بحثه الأذرعي وبينت ما فيه في شرح العباب، وإن كلام صاحب المعتمد والسبكي مصرح بخلافه، والفرق بينها هنا وفي الحلة الآتية واضح "لا الخراب" الذي بعده إن اتخذوه مزارع أو هجروه بالتحويط على العامر أو ذهبت أصول أبنيته وإلا اشترطت مجاوزته "و" لا "البساتين"، والمزارع كما فهمت بالأولى، وإن حوطت واتصلت بالبلد لأنها لم تتخذ للسكنى نعم إن كان فيها أبنية تسكن في بعض أيام السنة اشترطت مجاوزتها على ما جزما به لكنه استظهر في المجموع عدم الاشتراط واعتمده الإسنوي وغيره "والقرية كبلدة" في جميع ما ذكر والقريتان إن اتصلتا عرفا كقرية، وإن اختلفتا اسما وإلا كفى مجاوزة قرية المسافر وقول الماوردي أن الانفصال بذراع كاف في إطلاقه نظر والوجه ما ذكرته من اعتبار العرف ثم رأيت الأذرعي وغيره اعتمدوه "وأول سفر ساكن الخيام مجاوزة الحلة".فقط وهي بكسر الحاء بيوت مجتمعة أو متفرقة بحيث يجتمع أهلها للسمر

 

ج /1 ص -318-      في ناد واحد ويستعير بعضهم من بعض ويشترط مجاوزة مرافقها كمطرح رماد وملعب صبيان وناد ومعاطن إبل وكذا ماء وحطب اختصا بها وقد يشمل اسم الحلة جميع هذه فلا ترد عليه وذلك أن هذه كلها، وإن اتسعت معدودة من مواضع إقامتهم هذا إن كانت بمستو، فإن كانت بواد وسافر في عرضه وهي بجميع العرض أو بربوة أو وهدة اشترطت مجاوزة العرض ومحل الهبوط ومحل الصعود إن اعتدلت هذه الثلاثة، فإن أفرطت سعتها أو كانت.ببعض العرض اكتفي بمجاوزة الحلة ومرافقها أي التي تنسب إليه عرفا كما هو ظاهر ويفرق بينها وبين الحلة في المستوى بأنه لا مميز ثم بخلافه هنا والنازل وحده بمحل من البادية بفراقه وما ينسب إليه عرفا فيما يظهر وهذا محمل ما بحث فيه أن رحله كالحلة فيما تقرر ولو اتصل البلد أي الذي لا سور له من جهة البحر كما هو ظاهر لوضوح الفرق بين العمران، والسور بساحل البحر اشترط جري السفينة أو زورقها، وإن كان في هواء العمران كما اقتضاه إطلاقهم..وينتهي السفر ببلوغ ما شرط مجاوزته ابتداء مما مر سواء أكان ذلك أول دخول إليه أم لا بأن رجع من سفره إليه كما قال، "وإذا رجع" المسافر المستقل من مسافة قصر إلى وطنه مطلقا أو إلى غيره بنية الإقامة "انتهى سفره ببلوغه ما شرط مجاوزته ابتداء" من سور أو غيره، وإن لم يدخله؛ لأن السفر على خلاف الأصل بخلاف الإقامة فاشترط في قطعها الخروج لا بمجرد رجوعه وخرج برجع نية الرجوع وسيأتي الكلام فيها وبمن مسافة قصر ما لو رجع من دونها لحاجة وهي وطنه فيصير مقيما بابتداء رجوعه خلافا لمن نازعوا فيه أو غير وطنه فيترخص، وإن دخلها ولو كان قد أقام بها أو للإقامة فينقطع بمجرد رجوعه مطلقا. "ولو نوى" المسافر وهو مستقل "إقامة" مدة مطلقة أو "أربعة أيام" بلياليها "بموضع" عينه قبل وصوله "انقطع سفره بوصوله"، وإن لم يصلح للإقامة أو نواها عند وصوله أو بعده وهو ماكث انقطع سفره بالنية أو ما دون الأربعة لم يؤثر أو أقامها بلا نية انقطع سفره بتمامها أو نوى إقامة وهو سائر لم يؤثر وأصل ذلك أنه تعالى أباح القصر بشرط الضرب في الأرض أي السفر وبينت السنة أن إقامة ما دون الأربعة لا يؤثر، فأنه صلى الله عليه وسلم أباح للمهاجر إقامة ثلاثة أيام بمكة مع حرمة المقام بها عليه وألحق بإقامتها نية إقامتها" وشمل بوصوله ما لو خرج ناويا مرحلتين ثم عن له أن يقيم ببلد قريب منه فله القصر ما لم يصله لانعقاد سبب الرخصة في حقه فلم ينقطع.إلا بعد وصول ما غير إليه.
تنبيه: يقع لكثير من الحجاج أنهم يدخلون مكة قبل الوقوف بنحو يوم ناوين الإقامة بمكة بعد رجوعهم من منى أربعة أيام فأكثر فهل ينقطع سفرهم بمجرد وصولهم لمكة نظرا لنية الإقامة بها ولو في الأثناء أو يستمر سفرهم إلى عودهم إليها من منى لأنه من جملة مقصدهم فلم تؤثر نيتهم الإقامة القصيرة قبله ولا الطويلة إلا عند الشروع فيها وهي إنما تكون بعد رجوعهم من منى ووصولهم مكة للنظر فيه مجال وكلامهم محتمل، والثاني أقرب.
"ولا يحسب منها يوما" أو ليلتا "دخوله وخروجه على الصحيح"؛ لأن فيهما الحط

 

ج /1 ص -319-      والترحال وهما من أشغال السفر المقتضي للترخص وبه فارق حسبأنهما في مدة مسح الخف، وقول الداركي لو دخل ليلا لم يحسب اليوم الذي يليها ضعيف أما غير المستقل كزوجة وقن فلا أثر لنيته المخالفة لنية متبوعه، "ولو أقام ببلد" مثلا "بنية أن يرحل إذا حصلت حاجة يتوقعها كل وقت" يعني قبل مضي أربعة أيام صحاح بدليل قوله بعد ولو علم بقاءها إلى آخره ومن ذلك انتظار الريح لمسافري البحر وخروج الرفقة لمن يرد السفر معهم إن خرجوا وإلا فوحده "قصر" يعني ترخص إذ المنقول المعتمد أن له سائر رخص السفر ولا يستثنى سقوط الفرض بالتيمم؛ لأن مداره على غلبة الماء وفقده ولا صلاة النافلة لغير القبلة؛ لأنه منوط بالسير وهو مفقود هنا "ثمانية عشر يوما".كاملة غير يومي الدخول، والخروج لأنه صلى الله عليه وسلم أقامها بعد فتح مكة لحرب هوازن يقصر الصلاة حسنه الترمذي ولم ينظر لابن جدعان أحد رواته، وإن ضعفه الجمهور لأن له شواهد تجبره وصحت رواية عشرين وتسعة عشر وسبعة عشر ويجمع بحمل عشرين على عد يومي الدخول، والخروج وتسعة عشر على عد أحدهما وسبعة عشر أو خمسة عشر بتقدير صحتها على أنه بحسب علم الراوي وغيره زاد عليه فقدم "وقيل أربعة" لا أزيد عليها أي ولا مساويها بل لا بد من نقص عنها لأن نية إقامتها تمنع الترخص فإقامتها أولى "وفي قول أبدا" وحكي الإجماع عليه؛ لأن الظاهر أنه لو دامت الحاجة لدام القصر "وقيل الخلاف" فيما فوق الأربعة "في خائف القتال لا التاجر ونحوه" فلا يقصر أن فيما فوقها إذ الوارد إنما كان في القتال والمقاتل أحوج للترخص وأجيب بأن المرخص إنما هو وصف السفر، والمقاتل وغيره فيه سواء "ولو علم بقاءها" أي حاجته أو أكره وعلم بقاء إكراهه كما هو ظاهر ومن بحث جواز الترخص له مطلقا فقد أبعد أو سها "مدة طويلة" بأن زادت على أربعة أيام صحاح "فلا قصر" أي لا ترخص له بقصر ولا غيره "على المذهب" لبعده عن هيئة المسافرين وإجراء الخلاف في غير المحارب الذي اقتضاه المتن غلطا كما في الروضة فتعين رجوع ضمير علم لخائف القتال.

فصل في شروط القصر وتوابعها
وهي ثمانية أحدها: سفر طويل و "طويل السفر ثمانية وأربعون ميلا" ذهابا فقط تحديدا ولو ظنا لقولهم لو شك في المسافة اجتهد وفارقت المسافة بين الإمام والمأموم بأن القصر على خلاف الأصل فاحتيط له، والقلتين بأنه لم يرد بيان للمنصوص عليه فيهما من الصحابة بخلاف ما هنا "هاشمية" نسبة للعباسيين لا لهاشم جدهم كما وقع للرافعي وأربعون ميلا أموية إذ كل خمسة من هذه ستة من تلك وذلك لما صح أن ابني عمر وعباس رضي الله عنهم كانا يقصران ويفطران في أربعة برد ولا يعرف لهما مخالف ومثله لا يكون إلا عن توقيف بل جاء ذلك في حديث مرفوع صححه ابن خزيمة، والبريد أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل أربعة آلاف خطوة والخطوة ثلاثة أقدام فهو ستة آلاف ذراع كذا قالوه هنا.واعترض بأن الذي صححه ابن عبد البر وهو ثلاثة آلاف ذراع

 

ج /1 ص -320-      وخمسمائة هو الموافق لما ذكروه في تحديد ما بين مكة ومنى وهي ومزدلفة وهي وعرفة ومكة والتنعيم، والمدينة وقباء وأحد بالأميال. ا هـ. ويرد بأن الظاهر أنهم في تلك المسافات قلدوا المحددين لها من غير اختبارها لبعدها عن ديارهم على أن بعض المحددين اختلفوا في ذلك وغيره اختلافا كثيرا كما بينته في حاشية إيضاح المصنف وحينئذ فلا يعارض ذلك ما حددوه هنا واختبروه لا سيما وقول مثل ابن عباس وابن عمر وغيرهما أن كلا من جدة والطائف وعسفان على مرحلتين من مكة صريح فيما ذكروه هنا نعم قد يعارض ذكر الطائف قولهم في قرن أنه على مرحلتين أيضا مع كونه أقرب إلى مكة بنحو ثلاثة أميال أو أربعة وقد يجاب بأن المراد بالطائف هو ما قرب إليه فشمل قرن "قلت وهو مرحلتان بسير الأثقال" ودبيب الأقدام على العادة وهما يومان أو ليلتان أو يوم وليلة معتدلان أو يوم بليلته أو عكسه، وإن لم يعتدلا كما أفهمه كلام الإسنوي ومن تبعه وبه يعلم أن المراد بالمعتدلين أن يكونا بقدر زمن اليوم بليلته وهو ثلثمائة وستون درجة مع النزول المعتاد لنحو الاستراحة والأكل، والصلاة فيعتبر زمن ذلك، وإن لم يوجد كما هو ظاهر "والبحر كالبر" في اشتراط المسافة المذكورة "فلو قطع الأميال فيه في ساعة" لشدة الهواء "قصر والله أعلم" كما لو قطعها في البر في بعض يوم على مركوب جواد وكان وجه هذا التفريع بيان أن اعتبار قطع هذه المسافة في زمن قليل في البحر لا يؤثر في لحوقه بالبر في اعتبارها مطلقا فاندفع ما قد يقال ليست العبرة بقطع المسافة حتى يحتاج لذكر ذلك بل بقصد موضع عليها لقصره بمجرد ذلك قبل قطع شيء منها.
"و" ثانيها: علم مقصده فحينئذ "يشترط قصد موضع".معلوم ولو غير "معين" وقد يراد بالمعين المعلوم فلا اعتراض "أو لا" ليعلم أنه طويل فيقصر فيه نعم لو سافر متبوع بتابعه كأسير وقن وزوجة وجيش ولا يعرف مقصده قصر بعد المرحلتين لتحقق طول سفره وقد يدخل في عبارته ما لو قصد كافر مرحلتين ثم أسلم أثناءهما، فإنه يقصر فيما بقي لقصده أولا ما يجوز له القصر فيه لو تأهل للصلاة وبه يفرق بين هذا وعاص تاب في الأثناء؛ لأنه لم يتأهل للترخص مع تأهله للصلاة فلم يحسب له ما قطعه قبل التوبة "فلا قصر للهائم" وهو من لا يدري أين يتوجه سلك طريقا أم لا وهذا يسمى راكب التعاسيف أي الطرق المائلة التي يضل سالكها من تعسف مال أو عسفه تعسيفا أتعبه "وإن طال تردده" وبلغ مسافة القصر؛ لأنه عابث فلا يليق به الترخص وسيعلم مما يأتي أن بعض أفراده حرام فلذا ذكره بعضهم هنا وبعضهم ثم فما أوهمه كلام بعضهم أنه عاص بسفره مطلقا ممنوع.ومما يرده قولهم الآتي لو قصد مرحلتين قصر فيهما "ولا طالب غريم و" ولا طالب "آبق" عقد سفره بنية أنه "يرجع متى وجده" أي مطلوبه منهما "ولا يعلم موضعه"، وإن طال سفره؛ لأنه لم يعزم على سفر طويل ومن ثم لو علم أنه لا يلقاه إلا بعد مرحلتين قصر فيهما. قال الزركشي لا فيما زاد عليهما إذ ليس له مقصد معلوم حينئذ. ا هـ. وظاهر أنهما مثال فلو علم أنه لا يجده قبل عشر مراحل قصر في العشر فقط وقول أصله ويشترط أن يكون قاصدا لقطعه أي الطويل في الابتداء يشمل هذا، والهائم إذا قصد سفر مرحلتين أو أكثر فيقصر

 

ج /1 ص -321-      فيما قصده لا فيما زاد عليه أما إذا طرأ له ذلك العزم بعد قصد محل معين أو لا ومجاوزة العمران فلا يؤثر كما مر في شرح قوله بوصوله فيترخص إلى أن يجده "ولو كان لمقصده" بكسر الصاد كما بخطه "طريقان" طريق "طويل" أي مرحلتان "و" طريق "قصير" أي دونهما "فسلك الطويل لغرض.كسهولة أو أمن" أو زيادة، وإن قصد مع ذلك استباحة القصر وكذا لمجرد تنزه على الأوجه؛ لأنه غرض مقصود إذ هو إزالة الكدورة النفسية برؤية مستحسن يشغلها به عنها ومن ثم لو سافر لأجله قصر أيضا بخلاف مجرد رؤية البلاد ابتداء أو عند العدول لأنه غرض فاسد، ولزوم التنزه لا نظر إليه على أنه غير مطرد "قصر" لوجود الشرط "وإلا" يكن له غرض صحيح وكذا إن كان غرضه القصر فقط كما بأصله وكلامه قد يشمله "فلا" يقصر "في الأظهر" لأنه طوله على نفسه من غير غرض فأشبه من سلك قصيرا وطوله على نفسه بالتردد فيه حتى بلغ قدر مرحلتين ومنه يؤخذ أن الكلام في متعمد ذلك بخلاف نحو الغالط، والجاهل بالأقرب، فإن الأوجه قصرهما، وإن لم يكن لهما غرض في سلوكه أما لو كانا طويلين، فإنه يقصر مطلقا قطعا ونظر فيما إذا سلك الأطول لغرض القصر فقط بأن إتعاب النفس بلا غرض حرام ويجاب بأن الحرمة هنا بتسليمها لأمر خارج فلم تؤثر في القصر لبقاء أصل السفر على إباحته.
تنبيه: ما تقرر من أن ما له طريقان طويل وقصير تعتبر الطريق المسلوكة قد ينافيه قولهم في نحو قرن الميقات أنها على مرحلتين من مكة مع أن لها طريقين طويلا وقصيرا وقد يجاب بأن الكلام ثم في بقعة معينة هل يعد ساكنها من حاضري الحرم أو مكة وحيث كان بينهما مرحلتان ولو من إحدى الطرق لا يعد من حاضري ذلك وهنا على مشقة سير مرحلتين ولا يعرف ذلك إلا بالطريق المسلوكة وأيضا فالقصيرة ثم وعرة جدا فعدم اعتبارهم لها ثم لعله لذلك ومن ذلك يؤخذ أنه لو كان لمحل طريقان إلى بلد القاضي أحدهما مسافة العدوي، والآخر دونها اعتبر الأبعد إلا أن يفرق بأن الأصل منع الحكم على الغائب حتى يتحقق بعد محله من كل وجه.
"ولو تبع العبد أو الزوجة أو الجندي" أو الأسير "مالك أمره".وهو السيد، والزوج، والأمير والآسر "في السفر ولا يعرف" كل منهم "مقصده فلا قصر" قبل مرحلتين لفقد الشرط بل بعدهما كما مر وكذا قبلهما إن علموا أن سفره يبلغهما لوجود الشرط نعم من نوى منهم الهرب إن وجد فرصة أو الرجوع إن زال مانعه لم يترخص إلا بعدهما على الأوجه؛ لأنه حينئذ وجد سبب ترخصه يقينا فلم يؤثر فيه قصده قطعه قبل وجوده بخلافه قبلهما لم يوجد ذلك ولا تحقق نية متبوعه فأثرت نيته للقاطع لضعف السبب حينئذ وبهذا اتضح الفرق بين ما هنا وما مر قبيل ولو أقام ببلد؛ لأن هناك نيتين متعارضتين فتعين تقديم مقتضى نية المتبوع؛ لأنها أقوى وهنا نية التابع وفعل المتبوع فلا تعارض وعند عدمه ينظر لقوة السبب وضعفه كما تقرر والأوجه أيضا أن رؤية قصر المتبوع العالم بشروط القصر بمجرد مفارقته لمحله كعلم مقصده بخلاف إعداده عدة كثيرة لا تكون إلا لسفر طويل عادة فيما يظهر خلافا للأذرعي؛ لأن هذا لا يوجب تيقن سفر طويل لاحتماله مع ذلك لنية

 

ج /1 ص -322-      الإقامة بمفازة قريبة زمنا طويلا أما إذا عرف مقصد متبوعه وأنه على مرحلتين فيقصر وإن امتنع على متبوعه القصر فيما يظهر من كلامهم "فلو نووا مسافة القصر" وحدهم دون متبوعهم.أو جهلوا. "قصر الجندي دونهما"؛ لأنه ليس تحت يد الأمير وقهره بخلافهما كالأسير وبه يعلم أن الكلام هنا في جندي متطوع بالسفر مع أمير الجيش فهو مالك أمره باعتبار تطوعه بالسفر معه مفوضا أمره إليه وليس تحت قهره باعتبار أن له مفارقته وليس للأمير إجباره على السفر معه فلا تنافي بين قولهم أولا مالك أمره والتعليل بأنه ليس تحت قهره فاندفع ما لشارح هنا أما جندي مثبت في الديوان فلا أثر لنيته وكذا جميع الجيش لأنهم تحت يد الأمير وقهره إذ له إجبارهم لأنهم كالأجراء تحت يد المستأجر وبه يعلم أن أجير العين تابع لمستأجره.كالزوجة لزوجها، "ولو قصد سفرا طويلا فسار ثم نوى" المستقل "رجوعا" أو تردد فيه إلى وطنه مطلقا أو إلى غيره لغير حاجة "انقطع" سفره بمجرد نيته إن كان نازلا لا سائرا لجهة مقصده لما مر أن نية الإقامة مع السير لا تؤثر فنية الرجوع معه كذلك ويدل لهذا القيد قوله "فإن سار" لمقصده الأول أو لغيره ولو لما خرج منه "فسفر جديد" فلا يترخص إلا إن قصد مرحلتين وفارق محله نظير ما مر أما إذا نواه إلى غير وطنه لحاجة فلا ينتهي سفره بذلك.
"و" ثالثها: جواز سفره بالنسبة للقصر وسائر الرخص إلا التيمم، فإنه يلزمه لكن مع إعادة ما صلاه به كما مر فحينئذ "لا يترخص العاصي بسفره كآبق وناشزة".ومسافر بلا إذن أصل يجب استئذانه ومسافر عليه دين حال قادر عليه من غير إذن دائنه لأن الرخص لا تناط بالمعاصي أما العاصي في سفره وهو من يقصد سفرا مباحا فيعرض له فيه معصية فيرتكبها فيترخص؛ لأن سبب ترخصه مباح قبلها وبعدها ومن سفر المعصية أن يتعب نفسه ودابته بالركض من غير غرض أو يسافر لمجرد رؤية البلاد، والنظر إليها كما نقلاه وأقراه، وإن قال مجلي في الأول ظاهر كلام الأصحاب الحل وفي الثاني المذهب أنه مباح "فلو أنشأ" سفرا "مباحا ثم جعله معصية فلا ترخص" له من حين الجعل "في الأصح" كما لو أنشأ السفر بقصد المعصية، فإن تاب قصر جزما كما في قوله "ولو أنشأه عاصيا" به "ثم تاب" توبة صحيحة "فمنشأ السفر من حين التوبة"، فإن كان بين محلها ومقصده مرحلتان قصر وإلا فلا وما لا يشترط للترخص طوله كأكل الميتة يستبيحه من حين التوبة مطلقا وخرج بصحيحة ما لو عصى بسفره يوم الجمعة ثم تاب، فإنه لا يترخص من حين توبته بل حتى تفوت الجمعة.
"و" رابعها: عدم اقتدائه بمتم و "لو" احتمالا فمتى "اقتدى بمتم" ولو مسافرا "لحظة" ولو دون تكبيرة الإحرام كما مر قبيل الأذان مع الفرق كأن أدركه في آخر صلاته ولو من صبح أو جمعة أو مغرب أو نحو عيد أو راتبة وزعم أن هذه الصلوات لا تسمى تامة وأنها ترد على المتن غير صحيح "لزمه الإتمام"؛ لأن ذلك سنة أبي القاسم محمد صلى الله عليه وسلم كما صح عن ابن عباس قيل تأخير لحظة عن متم يوهم أنه لو لزم الإمام الإتمام بعد فراق المأموم له لزمه الإتمام وليس كذلك ا هـ، والإيهام لا يختص بذلك بل يأتي، وإن قدمه على أنه بعيد،

 

ج /1 ص -323-      إذ متم اسم فاعل وهو حقيقة في حال التلبس فيفيد أن الإتمام حالة الاقتداء فلا يرد ذلك رأسا، "ولو رعف" بتثليث عينه وأفصحها الفتح وهو مثال إذ المدار على بطلان الصلاة "الإمام المسافر" القاصر "واستخلف" لبطلان صلاته برعافه لكثرته كما علم مما قدمته في شروط الصلاة "متما" ولو غير مقتد به "أتم المقتدون" المسافرون، وإن لم ينووا الاقتداء به؛ لأنهم بمجرد الاستخلاف صاروا مقتدين به حكما ومن ثم لحقهم سهوه وتحمل سهوهم نعم إن نووا فراقه حين أحسوا بأول رعافه أو حدثه قبل تمام استخلافه قصروا كما لو لم يستخلفه هو ولا المأمومون أو استخلف قاصرا "وكذا لو عاد الإمام واقتدى به" يلزمه الإتمام لاقتدائه بمتم في جزء من صلاته "ولو لزم الإتمام مقتديا ففسدت" بعد ذلك "صلاته أو صلاة إمامه أو بان إمامه محدثا" ومنه الجنب أو ذا نجاسة خفية كما هو ظاهر لما مر أن الصلاة خلف كل صحيحة وجماعة "أتم"؛ لأنها صلاة لزمه إتمامها فلم يجز له قصرها كفائتة الحضر وخرج بفسدت إلخ ما لو بان عدم انعقادها.لغير الحدث، والخبث الخفي فله قصرها، "ولو اقتدى بمن ظنه مسافرا" فنوى القصر الظاهر من حال المسافر أنه ينويه "فبان مقيما" يعني متما ولو مسافرا "أو بمن جهل سفره" بأن شك فيه أو لم يعلم من حاله شيئا فنوى القصر أيضا "أتم"، وإن بان مسافرا قاصرا لتقصيره بشروعه مترددا فيما يسهل كشفه لظهور شعار المسافر غالبا وخرج بمقيما ما لو بان مقيما محدثا، فإن بانت الإقامة أولا وجب الإتمام كما لو اقتدى بمن علمه مقيما فبان حدثه أو الحدث أولا أو بانا معا فلا إذ لا قدوة باطنا لحدثه وفي الظاهر ظنه مسافرا وبه فارق ما مر في قوله أو بان إمامه محدثا ومن ثم لو اقتدى بمن ظن سفره ثم أحدث الإمام وظن مع عروض حدثه أنه نوى القصر ثم بان مقيما قصر أي؛ لأن ظنه نية القصر عند عروض حدثه منع النظر إلى كون الصلاة خلف المحدث جماعة أما لو صحت القدوة بأن اقتدى بمن ظنه مسافرا ثم أحدث ولم يظن ذلك ثم بان مقيما، فإنه يتم، وإن علم حدثه أو لا وإنما صحت الجمعة مع تبين حدث إمامها الزائد على الأربعين اكتفاء فيها بصورة الجماعة بل حقيقتها لقولهم إن الصلاة خلفه جماعة كاملة كما مر ولم يكتف بذلك في إدراك المسبوق الركعة خلف المحدث؛ لأن تحمله عنه رخصة والمحدث لا يصلح له فاندفع ما للإسنوي هنا.
تنبيه: كلامهم المذكور في اقتدائه بمن علمه مقيما فبان حدثه مصرح بأنه نوى القصر وإلا لم يحتاجوا لقولهم لزمه الإتمام وحينئذ فيشكل انعقاد صلاته بهذه النية لأنها تلاعب لكنهم أشاروا للجواب بأن المسافر من أهل القصر بخلاف مقيم نواه وإيضاحه أنه، وإن علم إتمام الإمام يتصور مع ذلك قصره بأن يتبين عدم انعقاد صلاته بغير نحو الحدث فيقصر حينئذ فإفادته نية القصر ولا كذلك المقيم.
"ولو علمه" أو ظنه بل كثيرا ما يريدون بالعلم ما يشمل الظن "مسافرا وشك" أي تردد "في نيته" القصر لكونه لا يوجبه فجزم هو بنية القصر "قصر" إذا بان قاصرا؛ لأنه الظاهر من حاله ولا تقصير "ولو شك فيها" أي نية إمامه "فقال" معلقا عليها في نيته "إن قصر قصرت وإلا" يقصر "أتممت قصر في الأصح" إن قصر؛ لأنه صرح بما في نفس الأمر من

 

ج /1 ص -324-      تعلق الحكم بصلاة إمامه، وإن جزم فلم يضره ذلك ولو فسدت صلاة الإمام وجب الأخذ بقوله في نيته ولو فاسقا أخذا من قولهم يقبل إخباره عن فعل نفسه، فإن جهل. وجب الإتمام احتياطا.
"و" خامسها: نية القصر أو ما في معناه كصلاة السفر أو الظهر مثلا ركعتين، وإن لم ينو ترخصا، وإنما اتفقوا على أنه "يشترط للقصر نية"؛ لأنه خلاف الأصل فاحتاج لصارف عنه بخلاف الإتمام ويشترط وجود نيته "في الإحرام" كسائر النيات بخلاف نية الاقتداء؛ لأنه لا بدع في طرو الجماعة على الانفراد كعكسه إذ لا أصل هنا يرجع إليه بخلاف القصر لا يمكن طروه على الإتمام؛ لأنه الأصل كما تقرر.
"و" سادسها: "التحرز عن منافيها" أي نية القصر "دواما" أي في دوام الصلاة بأن لا يتردد في الإتمام فضلا عن.الجزم به كما قال "ولو" عبارة أصله فلو قيل وهي أحسن؛ لأن هذا بيان للتحرز ورد بأنه لما ضم للمحترز ما ليس منه وهو قوله أو قام إيثارا للاختصار لم يحسن التفريع "أحرم قاصرا ثم تردد في أنه يقصر أم يتم أو" أحرم ثم شك "في أنه نوى القصر" أو لا قيل هذا تركيب غير مستقيم لأنه قسيم لمن أحرم قاصرا لا قسم منه ا هـ ويرد بأن كونه قاصرا في أحد الاحتمالين المشكوك فيهما سوغ جعله قسما "أو قام" عطف على أحرم "إمامه لثالثة فشك" أي تردد "هل هو متم أم" يأتي في الوصية ما في العطف بأم في حيز هو مبسوطا "ساه أتم" وإن بان أنه ساه للتردد في الأولى المفهوم منها الجزم به الذي بأصله بالأولى ولأن الأصل في الثانية عدم النية، وتذكرها عن قرب لا يفيد هنا لمضي جزء من صلاته على الإتمام؛ لأن صلاته منعقدة وبه فارق نظيره في الشك في أصل النية؛ لأن زمنه غير محسوب، وإنما عفي عنه لكثرة وقوعه مع زواله عن قرب غالبا وللزوم الإتمام على أحد احتمالين في الثالثة كالثانية وفارق ما مر في الشك في نية الإمام المسافر ابتداء بأن ثم قرينة على القصر وهنا القرينة ظاهرة في الإتمام وهو قيامه للثالثة ومن ثم لو أوجب إمامه القصر كحنفي بعد ثلاث مراحل لم يلزمه إتمام حملا لقيامه على السهو "ولو قام القاصر لثالثة عمدا بلا موجب للإتمام بطلت صلاته" كما لو قام المتم لخامسة "وإن كان" قيامه لها "سهوا" فتذكر أو جهلا فعلم "عاد" وجوبا "وسجد له" أي لهذا السهو؛ لأن عمده مبطل وكذا لو صار للقيام أقرب لما مر في سجود السهو بل، وإن لم يصر إليه أقرب لما مر ثم عن المجموع أن تعمد الخروج عن حد الجلوس مبطل "وسلم، فإن أراد" حين تذكره "أن يتم عاد" وجوبا للجلوس "ثم نهض متما" أي ناويا الإتمام لأن نهوضه ألغى لسهوه فوجبت إعادته.
وسابعها: دوام السفر في جميع صلاته كما قال "ويشترط" للقصر أيضا "كونه" أي الناوي له "مسافرا.في جميع صلاته فلو نوى الإقامة" المنافية للترخص "فيها" أو شك في نيتها "أو بلغت سفينته" فيها "دار إقامته" أو شك هل بلغتها "أتم" لزوال تحقق سبب الرخصة. وثامنها: كونه عالما بجواز القصر، فإن قصر جاهلا به لم تصح صلاته لتلاعبه "والقصر أفضل من الإتمام على المشهور إذا بلغ" السفر المبيح للقصر "ثلاث مراحل" وإلا فالإتمام أفضل خروجا من إيجاب أبي حنيفة القصر في الأول، والإتمام في الثاني نعم الأفضل لمن

 

ج /1 ص -325-      وجد في نفسه كراهة القصر أو شك فيه أو كان ممن يقتدى به بحضرة الناس القصر مطلقا بل يكره له الإتمام وكذا لدائم حدث لو قصر خلا زمن صلاته عن جريانه كما بحثه الأذرعي أما لو كان لو قصر خلا زمن وضوئه وصلاته عنه فيجب القصر كما هو ظاهر ولملاح معه أهله الإتمام مطلقا لأنه وطنه وخروجا من منع أحمد القصر له وكذا من لا وطن له وأدام السفر برا وقدم على خلاف أبي حنيفة لاعتضاده بالأصل ومثل ذلك كل قصر اختلف في جوازه كالواقع في الثمانية عشر يوما فالأفضل الإتمام لذلك وقد يجب القصر كأن أخر الظهر ليجمع تأخيرا إلى أن لم يبق من وقت القصر إلا ما يسع أربع ركعات فيلزمه قصر الظهر ليدرك العصر ثم قصر العصر لتقع كلها في الوقت كذا بحثه الإسنوي وغيره أخذا من قول ابن الرفعة لو ضاق الوقت وأرهقه الحدث بحيث لو قصر مع مدافعته أدركها في الوقت من غير ضرر ولو أحدث وتوضأ لم يدركها فيه لزمه القصر وبه يعلم أنه متى ضاق الوقت عن الإتمام وجب القصر وأنه لو ضاق وقت الأولى عن الطهارة، والقصر لزمه نية تأخيرها.إلى الثانية لقدرته على إيقاعها به أداء "والصوم" في رمضان ويلحق به كما هو ظاهر كل صوم واجب بنحو نذر أو قضاء أو كفارة ثم رأيت الزركشي نقل عنهم أن هذا التفصيل يجري في الواجب وغيره لمسافر سفر قصر "أفضل من الفطر إن لم يتضرر به" تعجيلا لبراءة ذمته ولأنه الأكثر من أحواله صلى الله عليه وسلم، فإن تضرر به لنحو ألم يشق احتماله عادة فالفطر أفضل لخبر الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا صائما في السفر قد ظلل عليه فقال: "ليس من البر أن تصوموا في السفر" أما إذا خشي منه نحو تلف منفعة عضو فيجب الفطر فمن صام عصى وأجزأه ولو خشي ضعفا مآلا لا حالا فالأفضل الفطر في سفر حج أو غزو وهو أفضل مطلقا لمن شك فيه أو وجد في نفسه كراهة الترخص أو كان ممن يقتدى به بحضرة الناس وكذا سائر الرخص.

فصل في الجمع بين الصلاتين
"يجوز الجمع بين الظهر والعصر تقديما" في وقت الأولى لغير المتحيرة لأن شرطه ظن صحة الأولى كما يأتي وهو منتف فيها وألحق بها كل من تلزمه الإعادة وفيه نظر ظاهر؛ لأن الأولى مع ذلك صحيحة فلا مانع.وكالظهر الجمعة في هذا، خلافا لمن نازع فيه "وتأخيرا" في وقت الثانية "و" بين "المغرب والعشاء كذلك" أي تقديما وتأخيرا "في السفر الطويل" المجوز للقصر للاتباع الثابت في الصحيحين وغيرهما في جمعي التأخير والتقديم، فيمتنع جمع العصر مع المغرب والعشاء مع الصبح وهي مع الظهر اقتصارا على الوارد "وكذا القصير في قول" اختير كالتنفل على الراحلة وأشار بيجوز إلى أن الأفضل ترك الجمع خروجا من خلاف من منعه وقد يشكل بقولهم الخلاف إذا خالف سنة صحيحة لا يراعى إلا أن يقال إن تأويلهم لها له نوع تماسك في جمع التأخير وطعنهم في صحتها في جمع التقديم محتمل مع اعتضادهم بالأصل فروعي، نعم الجمع بعرفة ومزدلفة مجمع عليه فيسن، ولو للسفر لا للنسك وكذا بغيرهما لمن شك فيه أو وجد في نفسه كراهته أو كان ممن

 

ج /1 ص -326-      يقتدى به ولمن لو جمع اقترنت صلاته بكمال، كخلو عن جريان حدث سلس وعري وانفراد وكإدراك عرفة أو أسير بل قد تجب في هذين "فإن كان سائرا وقت الأولى" وأراد الجمع وعدم مراعاة خلاف أبي حنيفة "فتأخيرها أفضل وإلا فعكسه" للاتباع ولأنه الأرفق، وإن كان سائرا أو نازلا وقتهما فالتقديم أولى فيما يظهر، ثم رأيت شيخنا أشار إليه وقد يشمله قول المتن وإلا إن أراد بسائرا وقت الأولى دون الثانية أي والأيسر وقتهما أو سار وقتهما أو وقت الثانية دون الأولى لأن فيه المسارعة لبراءة الذمة وبقولي وأراد الجمع إلخ.اندفع ما يقال، مر أن ترك الجمع أفضل أي فهو مباح فكيف يكون أفضل فيما ذكر ومر أن اقتران الجمع بكمال يرجحه فكذا هنا إذا اقترن أحد الجمعين به بأن غلب ذلك على ظنه كما هو ظاهر يرجح على الآخر سواء أكان سائرا أم نازلا.
"وشروط" جمع "التقديم ثلاثة" بل أربعة أحدها "البداءة بالأولى" لأن الوقت لها والثانية تبع لها والتابع لا يتقدم على متبوعه "فلو صلاهما" مبتدئا بالثانية فهي باطلة وله الجمع أو بالأولى "فبان فسادها فسدت الثانية" أي لم تقع عن فرضه لفوات الشرط أما وقوعها له نفلا مطلقا فلا ريب فيه لعذره كما لو أحرم بالظهر قبل الوقت جاهلا بالوقت "و" ثانيها "نية الجمع" لتتميز عن تقديمها سهوا أو عبثا "ومحلها" الأصلي ومن ثم كان هو الأفضل "أول الأولى" كسائر المنويات فلا يكفي تقديمها عليه اتفاقا "ويجوز في أثنائها".ومع تحللها، ولو بعد نية فعله، ثم تركه لبقاء وقتها أو بعد سير،، ولو بغير اختياره على الأوجه، وإن انعقدت الصلاة في الحضر، ويفرق بين هذا وما يأتي في المطر بأن الجمع بالسفر أقوى منه بالمطر "في الأظهر" لأنه ضم الثانية للأولى فما لم تفرغ الأولى فوقت ذلك الضم باق وإنما امتنع ذلك في القصر لمضي جزء على التمام وبعده يستحيل القصر كما مر، ولو نوى تركه بعد التحلل، ولو في أثناء الثانية، ثم أراده، ولو فورا لم يجز كما بينته في شرح العباب.ومنه أن وقت النية انقضى فلم يفد العود إليها شيئا وإلا لزم إجزاؤها بعد تحلل الأولى وبه يفرق بين هذا والردة إذ القطع فيها ضمني وهنا صريح ويغتفر في الضمني ما لا يغتفر في الصريح "و" ثالثها "الموالاة بأن لا يطول بينهما فصل" لأنه المأثور ولهذا تركت الرواتب بينهما وكيفية صلاتها أن يصلي سنة الظهر القبلية، ثم الفرضين، ثم سنة الظهر البعدية، ثم سنة العصر وكذا في جمع العشاءين وخلاف ذلك جائز. نعم لا يجوز تقديم راتبة الثانية قبلهما في جمع التقديم ولا تقديم بعدية الأولى قبلها مطلقا كما علم مما مر "فإن طال" الفصل بينهما "ولو بعذر" كجنون "وجب تأخير الثانية إلى وقتها" لزوال رابطة الجمع "ولا يضر فصل يسير"، ولو بنحو جنون وكذا ردة أو تردد في أنه نوى الجمع في الأولى إذا تذكرها على قرب على الأوجه فيهما لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بالإقامة بينهما، وإنما أثرت الردة في نية الصوم قبل الفجر على الراجح؛ لأنها لعدم اتصالها بالمنوي ضعيفة فأثرت فيها الردة بخلافها هنا ولا تجب هنا إعادة النية بعدها لما مر ويفرق بينها هنا وأثناء الوضوء بأن وقت النية ثم باق كما يشهد له جواز تفريق النية على الأعضاء بخلافه هنا وأيضا فما بعدها، ثم تتوقف عليه صحة ما قبلها فاحتاج ما بعدها لنية جديدة وهنا الأولى لا تتوقف على فعل

 

ج /1 ص -327-      الثانية فلم يحتج لنية أخرى "ويعرف طوله" وقصره "بالعرف"؛ لأنه لم يرد له ضابط ومن الطويل قدر صلاة ركعتين، ولو بأخف ممكن كما اقتضاه إطلاقهم "وللمتيمم" بين الصلاتين "الجمع.على الصحيح ولا يضر تخلل طلب خفيف" بأن كان دون قدر ركعتين كما علم كالإقامة بل أولى لأنه شرط دونها "ولو جمع" تقديما "ثم علم" بعد فراغهما أو في أثناء الثانية وقد طال الفصل بين سلام الأولى والتذكر "ترك ركن من الأولى بطلتا" الأولى لترك الركن وتعذر التدارك بطول الفصل والثانية بالمعنى السابق لبطلان شرطها من صحة الأولى وذكر هذه أولا لبيان الترتيب، ثم هنا لبيان الموالاة وتوطئة لقوله "ويعيدهما جامعا" إن شاء تقديما عند سعة الوقت أو تأخيرا لأنه لم يصل، أما إذا لم يطل فيلغو ما أتى به من الثانية ويبني على الأولى وخرج بالعلم الشك في غير النية والتحرم فلا يؤثر بعد فراغ الأولى كما علم مما مر في سجود السهو "أو" علمه "من الثانية" بعد فراغها "فإن لم يطل" فصل عرفا بين سلامها وتذكرها "تداركه" وصحتا "وإلا" بأن طال "فباطلة" لتعذر التدارك "ولا جمع" لطوله فيعيدها لوقتها "ولو جهل" فلم يدر من أيهما هو "أعادهما لوقتيهما" رعاية للأسوأ في إعادتهما وهو تركه من الأولى وفي منع الجمع وهو تركه من الثانية فيطول الفصل بها وبالأولى المعادة بعدها. نعم له جمع التأخير إذ لا مانع له على كل تقدير ورابعها دوام سفره إلى عقد الثانية كما سيذكره بقوله، ولو جمع تقديما فصار إلخ "وإذا أخر الأولى" إلى وقت الثانية."لم يجب الترتيب و" لا "الموالاة" بينهما "و" لا "نية الجمع" في الأولى "على الصحيح"؛ لأن الوقت هنا للثانية والأولى هي التابعة فلم يحتج لشيء من تلك الثلاثة؛ لأنها إنما اعتبرت، ثم لتتحقق التبعية لعدم صلاحية الوقت للثانية نعم تسن هذه الثلاثة هنا "و" الذي "يجب" هنا شيئان أحدهما دوام سفره إلى تمامها وسيذكره وثانيهما "كون التأخير بنية الجمع" في وقت الأولى لا قبله خلافا فالاحتمال فيه لوالد الروياني ونية الصوم خارجة عن القياس فلا يقاس عليها وذلك لتتميز عن التأخير المحرم ويؤخذ من قوله الجمع أنه لا بد من نية إيقاعها في وقت الثانية فلو نوى التأخير لا غير عصى وصارت الأولى قضاء "وإلا" ينو أصلا أو نوى وقد بقي من وقت الأولى.ما لا يسعها "فيعصي"؛ لأن التأخير إنما جاز عن أول الوقت بشرط العزم على الفعل فكان انتفاء العزم كانتفاء الفعل ووجوده كوجوده "و" فيما إذا ترك النية من أصلها أو نوى وقد بقي من الوقت ما لا يسع ركعة "تكون قضاء" لما تقرر أن العزم كالفعل وبعدم ركعة في الوقت تكون قضاء فكذا بعدم العزم قبل ما يسع ركعة تكون قضاء وما ذكرته من أن شرط عدم العصيان وجود النية وقد بقي ما يسع الصلاة وشرط الأداء وجودها وقد بقي ما يسع ركعة هو المعتمد وبه يجمع بين ما وقع للمصنف من التناقض في ذلك.
"ولو جمع" أي أراد الجمع "تقديما" بأن صلى الأولى بنيته "فصار بين الصلاتين" أو قبل فراغ الأولى كما بأصله وعدل عنه لإيهامه وفهمه مما ذكر "مقيما" بنحو نية إقامة أو شك فيها "بطل الجمع" لزوال سببه فيؤخر الثانية لوقتها والأولى صحيحة "و" إذا صار مقيما "في الثانية و" مثلها إذا صار مقيما "بعدها لا يبطل" الجمع "في الأصح" اكتفاء باقتران

 

ج /1 ص -328-      العذر بأول الثانية صيانة لها عن البطلان بعد الانعقاد، وإنما منعت الإقامة أثناءها القصر؛ لأنها تنافيه بخلاف جنس الجمع لجوازه بالمطر وإذا تقرر هذا في أثنائها فبعد فراغها أولى، ومن ثم كان الخلاف فيه أضعف "أو" جمع "تأخيرا فأقام بعد فراغهما لم يؤثر" اتفاقا كجمع التقديم وأولى "و" إقامته "قبله" أي فراغهما، ولو في أثناء الثانية خلافا لما في المجموع "يجعل الأولى قضاء"؛ لأن الأولى تبع للثانية فاعتبر وجود سبب الجمع في جميع المتبوعة وقضيته أنه لو قدم المتبوعة وأقام أثناء التابعة أنها تكون أداء لوجود العذر في جميع المتبوعة وهو قياس ما مر في جمع التقديم ذكره السبكي واعتمده جمع وخالفه آخرون وفرقوا بين الجمعين بما بينته في شرح الإرشاد "ويجوز".ولو للمقيم "الجمع" بين ما مر ومنه الجمعة بدل الظهر "بالمطر"، وإن ضعف بشرط أن يبل الثوب ومنه شفان وهو ريح باردة فيها مطر خفيف "تقديما" بشروطه السابقة لخبر الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة سبعا جميعا وثمانيا جميعا، زاد مسلم من غير خوف ولا سفر قال الشافعي كمالك رضي الله عنهما أرى ذلك لعذر المطر واعترض بروايته أيضا من غير خوف ولا مطر وأجيب بأنها شاذة أو ولا مطر كثير فاندفع أخذ أئمة بظاهرها "والجديد منعه تأخيرا"؛ لأن المطر قد ينقطع فيؤدي إلى إخراج الأولى عن وقتها بغير عذر وفارق السفر بأنه إليه فاشترط العزم عليه عند نية التأخير، كذا عبر به بعضهم وفيه نظر وصوابه فاشترط عدم عزمه على ضده عند نية التأخير "وشرط التقديم وجوده" أي المطر "أولهما" أي الصلاتين ليتحقق الجمع مع العذر "والأصح اشتراطه عند سلام الأولى" ليتحقق اتصال آخر الأولى بأول الثانية في حالة العذر وقضيته اشتراط امتداده بينهما و هو كذلك وتيقنه له وأنه لا يكفي الاستصحاب وبه صرح القاضي فقال: لو قال لآخر بعد سلامه انظر هل انقطع المطر أو لا بطل جمعه للشك في سببه. ونقله بعضهم عن غير القاضي وعن القاضي خلافه ولعله سهو إن لم يكن القاضي تناقض فيه على أن الإسنوي مال إلى أنه يكفي الاستصحاب وهو القياس.إلا أن يقال: إنه رخصة فلا بد من تحقق سببها ويؤيده ما مر فيما لو شك في انتهاء سفره "والثلج والبرد كمطر إن ذابا" وبلا الثوب لوجود ضابطه فيهما حينئذ بخلاف ما إذا لم يذوبا كذلك ومشقتهما نوع آخر لم يرد. نعم إن كان أحدهما قطعا كبارا يخشى منه جاز الجمع على ما صرح به جمع "والأظهر تخصيص الرخصة بالمصلي جماعة بمسجد" أو بغيره "بعيد" عن محله بحيث "يتأذى" تأذيا لا يحتمل عادة "بالمطر في طريقه"؛ لأن المشقة إنما توجد حينئذ بخلاف ما إذا انتفى شرط من ذلك كأن كان يصلي ببيته منفردا أو جماعة أو يمشي إلى المصلى في كن أو قرب منه أو يصلي منفردا بالمصلى لانتفاء التأذي فيما عدا الأخيرة والجماعة فيها ولا ينافيه جمعه صلى الله عليه وسلم مع أن بيوت أزواجه بجنب المسجد لأنها كلها لم تكن كذلك بل أكثرها كان بعيدا عنه. فلعله كان فيه حين جمع على أن للإمام أن يجمع بهم، وإن كان مقيما بالمسجد ولمن اتفق وجود المطر وهو بالمسجد أن يجمع وإلا احتاج إلى صلاة العصر أو العشاء في جماعة وفيه مشقة عليه سواء أقام أم رجع، ثم أعاد ولا يجوز الجمع بنحو وحل ومرض وقال كثيرون يجوز واختير جوازه

 

ج /1 ص -329-      بالمرض تقديما وتأخيرا ويراعى الأرفق به، فإن كان يزداد مرضه كأن كان يحم مثلا وقت الثانية قدمها بشروط جمع التقديم أو وقت الأولى أخرها بنية الجمع وبما أفهمه ما قررته أن المرض موجود وإنما التفصيل بين زيادته وعدمها عادة يندفع ما قيل في كلامهم هذا جواز تعاطي الرخصة قبل وجود سببها اكتفاء بالعادة وقضيته حل الفطر قبل مجيء الحمى بناء على العادة وعلله الحنفية بأنه لو صير لمجيئها لم يستمرئ بالطعام لاشتغال البدن ونظيره ندب الفطر قبل لقاء العدو إذا أضعفه الصوم عن القتال ا هـ وضبط جمع متأخرون المرض هنا بأنه ما يشق معه فعل كل فرض في وقته كمشقة المشي في المطر بحيث تبتل ثيابه، وقال آخرون لا بد من مشقة ظاهرة زيادة على ذلك بحيث تبيح الجلوس في الفرض وهو الأوجه على أنهما متقاربان كما يعلم مما قدمته في ضابط الثانية.

باب صلاة الجمعة
من حيث ما تميزت به من اشتراط أمور لصحتها وأخرى للزومها وكيفية لأدائها وتوابع لذلك ومعلوم أنها ركعتان وكان حكمة تخفيف عددها ما يسبقها من مشقة الاجتماع المشترط لصحتها وتحتم الحضور وسماع الخطبتين على أنه قيل: إنهما نابتا مناب الركعتين الأخيرتين وهي بإسكان الميم وتثليثها والضم أفصح سميت بذلك لاجتماع الناس لها أو لأن خلق آدم صلى الله عليه وسلم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام جمع فيها أو لأنه اجتمع فيها مع حواء في الأرض وهي فرض عين وقيل فرض كفاية وهو شاذ وفي خبر رواه كثيرون منهم أحمد "أن يومها سيد الأيام وأعظمها وأعظم عند الله من يوم الفطر ويوم الأضحى وفيه أن فيه خلق آدم وإهباطه إلى الأرض وموته وساعة الإجابة وقيام الساعة" وفي خبر الطبراني "وفيه دخل الجنة وفيه خرج"، وصحح ابن حبان خبر "لا تطلع الشمس ولا تغرب على يوم أفضل من يوم الجمعة" وفي خبر مسلم "فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها وفيه تقوم الساعة وأنه خير يوم طلعت عليه الشمس" وصح خبر "وفيه تيب عليه وفيه مات" وأخذ أحمد من خبري مسلم وابن حبان أنه أفضل حتى من يوم عرفة وفضل كثير من الحنابلة ليلته على ليلة القدر ويردهما أن لذينك دلائل خاصة فقدمت وفرضت بمكة ولم تقم بها لفقد العدد أو لأن شعارها الإظهار وكان صلى الله عليه وسلم بها مستخفيا وأول من أقامها بالمدينة قبل الهجرة أسعد بن زرارة.بقرية على ميل من المدينة وصلاتها أفضل الصلوات.
"إنما تتعين" أي تجب عينا "على كل" مسلم كما علم من كلامه أول كتاب الصلاة "مكلف" أي بالغ عاقل ومثله كما علم من كلامه، ثم متعد بمزيل عقله فتلزمه كغيرها فيقضيها ظهرا و إن كان غير مكلف وذكرا وإن لم يختصا بها توطئة لقوله "حر ذكر مقيم" بمحلها أو بما يسمع منه النداء "بلا مرض ونحوه"، وإن كان أجير عين ما لم يخش فساد العمل بغيبته كما هو ظاهر وذلك للخبر الصحيح
"الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة عبد مملوك.أو امرأة أو صبي أو مريض" فلا جمعة على غير مكلف ومن

 

ج /1 ص -330-      ألحق به ولا على من فيه رق، وإن قل كما يأتي وامرأة وخنثى ومسافر ومريض للخبر ولكن يجب أمر الصبي بها كبقية الصلوات كما مر ويسن لسيد قن أن يأذن له في حضورها ولعجوز في بذلتها حيث لا فتنة أن تحضرها كما علم مما مر أول صلاة الجماعة وكذا مريض أطاقه وضابطه أن يلحقه بالحضور مشقة كمشقة المشي في المطر أو الوحل وإن نازع فيه الأذرعي ونازع أيضا في قوله ونحوه، وقال: لم أفهم لها فائدة وأجاب غيره بأن المراد به الأعذار المرخصة في ترك الجماعة ورد بأنه ذكرها عقبها ويرد بأن هذا تصريح ببعض ما خرج بالضابط كقوله ومكاتب إلى آخره وحاصله أنه ذكر الضابط مستوفى ذاكرا فيه المرض؛ لأنه منصوص عليه في الخبر وما قيس به من بقية الأعذار مشيرا إلى القياس بقوله ونحوه، ثم بين بعض ما خرج به لأهميته ومنه ما خرج بذلك النحو المبهم.بما شمل المقيس كالمقيس عليه وهو قوله: "ولا جمعة على معذور بمرخص في ترك الجماعة" مما يمكن مجيئه هنا لا كالريح بالليل واستشكله جمع بأن من ذلك الجوع ويبعد ترك الجمعة به وبأنه كيف يلحق فرض العين بما هو سنة أو فرض كفاية قال السبكي لكن مستندهم قول ابن عباس رضي الله عنهما الجمعة كالجماعة ويجاب بما أشرت إليه آنفا وهو منع قياس الجمعة على الجماعة بل صح بالنص أن من أعذارها المرض فألحقوا به ما هو في معناه مما مشقته كمشقته أو أشد وهو سائر أعذار الجماعة فاتضح ما قالوه وبان أن كلام ابن عباس مقو لما سلكوه لا أنه الدليل لما ذكروه ومن العذر هنا.ما لو تعين الماء لطهر محل النجو ولم يجد ماء إلا بحضرة من يحرم نظره لعورته ولا يغض بصره عنها؛ لأن في تكليف الكشف حينئذ من المشقة ما يزيد على مشقة كثير من الأعذار وهل من العذر هنا خلف غيره عليه أن لا يصليها لخشيته عليه محذورا لو خرج إليها لكن المحلوف عليه لم يخشه وذلك؛ لأن في تحنيثه حينئذ مشقة عليه بإلحاقه الضرر لمن لم يتعد بحلفه فإبراره كتأنيس مريض بل أولى وأيضا فالضابط السابق يشمل هذا إذ مشقة تحنيثه أشد من مشقة نحو المشي في الوحل كما هو ظاهر أو ليس ذلك عذرا؛ لأن مبادرته بالحلف في هذا قد ينسب فيها إلى تهور فلا يراعى كل محتمل ولعل الأول أقرب إن عذر في ظنه الباعث له على الحلف لشهادة قرينة به "و" لا على "مكاتب"؛ لأنه عبد ما بقي عليه درهم وقيل: تجب عليه "وكذا من بعضه رقيق" لا جمعة عليه، ولو في نوبته "على الصحيح" لعدم استقلاله وعطفهما مع عدم وجوب الجماعة عليهما أيضا ليشير للخلاف في المبعض وكذا المكاتب كما مر، وإن كان المتن مصرحا بأنه لا خلاف فيه "ومن صحت ظهره" ممن لا جمعة عليه "صحت جمعته" إجماعا قيل تعبيرا أصله بأجزأته أصوب لإشعاره بسقوط القضاء بخلاف الصحة. ا هـ. وهو ممنوع.بل هما سواء كما هو مقرر في الأصول "وله" أي من لا تلزمه "أن ينصرف" قيل تعبيره به لا يستلزم الترك. ا هـ. وليس في محله لأن الكلام في المعذور الذي لا تلزمه وهو صريح في أن له الترك من أصله فتخيل عدم ذلك الاستلزام عجيب وحاصل كلامه أن جواز الترك من أصله للمعذور لا تفصيل فيه وإنما التفصيل في الانصراف بعد الحضور "من الجامع" يعني من محل إقامتها وآثر الجامع؛ لأن

 

ج /1 ص -331-      الأغلب إقامتها فيه قبل الإحرام بها لا بعده؛ لأن نقصه المانع لا يرتفع بحضوره "إلا المريض ونحوه" ممن عذر بمرخص في ترك الجماعة، ولو أكل كريه كما شمله ذلك وتضرر الحاضرين به يحتمل أو يسهل زواله بتوقي ريحه "فيحرم انصرافه إن دخل الوقت" لزوال المشقة بحضوره "إلا أن يزيد ضرره بانتظاره" لفعلها فيجوز انصرافه ما لم تقم.إلا إذا تفاحش ضرره بأن زاد على مشقة المشي في الوحل زيادة لا تحتمل عادة فيما يظهر فله الانصراف، وإن أحرم بها أما قبل الوقت فله الانصراف مطلقا، ولو أعمى لا يجد قائدا كما شمله إطلاقهم، وإن حرم انصرافه بعد دخول الوقت اتفاقا واستشكل ذلك السبكي وتبعه الإسنوي والأذرعي بأنه ينبغي إذا لم يشق على المعذور الصبر أن يحرم انصرافه كما يجب السعي قبله على بعيد الدار ويجاب بأن بعيد الدار لم يقم به عذر مانع وهذا قام به عذر مانع فلا جامع، ثم رأيت شيخنا أجاب بما يئول لذلك، فإن قلت فلم فرق فيه بين دخول الوقت وعدمه مع زوال المشقة في كل قلت: لأنه عهد أنه يحتاط للخطاب بعده لكونه إلزاميا ما لا يحتاط له قبله لكونه إعلاميا وأما بعيد الدار فهو إلزامي فيهما فاستويا في حقه وتردد الأذرعي في قن أحرم بها بغير إذن سيده وتضرر بغيبته ضررا لا يحتمل والذي يتجه أنه إن ترتب على عدم قطعه فوت نحو مال للسيد قطع، كما يجوز القطع لإنقاذ المال أو نحو أنس فلا.
تنبيه: ظاهر كلامهم أنه لو كان أربعون من نحو المرضى بمحل لم تلزمهم إقامة الجمعة فيه، وإن جوزنا تعددها لقيام العذر بهم.وليس كما لو حضر المريض مع غيره لأن المانع مشقة الحضور وقد زالت بحضوره مع كونه تابعا لهم ومتحملا مشقة الحضور وأما مسألتنا فليس فيها ذلك؛ لأن الفرض أنهم بمحل واحد كما تقرر ويؤخذ من ذلك ترجيح ما قاله السبكي أنه لو اجتمع في الحبس أربعون لم تلزمهم بل لم تجز لهم إقامة الجمعة فيه لقيام العذر بهم وأيده بأنه لم يعهد في زمن إقامتها في حبس مع أن حبس الحجاج كان يجتمع فيه العدد الكثير من العلماء وغيرهم فقول الإسنوي القياس أنها تلزمهم لجواز التعدد عند عسر الاجتماع فعند تعذره أولى فيه نظر؛ لأن الحبس عذر مسقط وبه يندفع قوله: أيضا فيلزم الإمام أن ينصب من يقيم لهم الجمعة ا هـ ولو قيل: لو لم يكن بالبلد غيرهم وأمكنهم إقامتها بمحلهم لزمتهم لم يبعد؛ لأنه لا تعدد هنا والحبس إنما يمنع وجوب حضور محلها وقول السبكي المقصود من الجمعة إقامة الشعار لا ينافي ذلك؛ لأن إقامته موجودة هنا ألا ترى أن الأربعين لو أقاموها في صفة بيت وأغلقوا عليهم بابه صحت، وإن فوتوها على غيرهم كما يعلم مما يأتي.
"وتلزم الشيخ الهرم والزمن" يعني من لا يستطيع المشي، وإن لم توجد حقيقة الهرم وهو أقصى الكبر والزمانة وهي الابتلاء والعاهة "إن وجدا مركبا"، ولو آدميا لم يزر به ركوبه كما هو ظاهر بإعارة أي لا منة فيها بأن تفهت المنفعة جدا فيما يظهر ويحتمل أنه في الآدمي لا فرق أخذا مما يأتي في بذل الطاعة للمعضوب في الحج وعللوه باعتياد المسامحة بالارتفاق في بدن الغير ما لم يعتد به في ماله وقد يفرق بأن الحج يحتاط له أكثر؛ لأنه

 

ج /1 ص -332-      لا يجب في العمر إلا مرة ولا مجزئ عنه أو إجارة بأجرة مثل وجدها فاضلة عما يعتبر في الفطرة كما هو.ظاهر "ولم يشق الركوب" عليهما كمشقة المشي في الوحل إذ لا ضرر "والأعمى يجد قائدا"، ولو بأجرة مثل كذلك فإن فقده أو وجده بأكثر من أجرة المثل أو بها وفقدها أو لم تفضل عما مر لم يلزمه، وإن اعتاد المشي بالعصا كما قاله جمع منهم المصنف في تعليقه على التنبيه خلافا لآخرين، وإن قرب الجامع منه خلافا للأذرعي لأنه قد تحدث حفرة أو تصدمه دابة فيتضرر بذلك، "وأهل القرية" مثلا "إن كان فيهم جمع تصح" أي تنعقد "به الجمعة" لجمعهم شرائط الوجوب والانعقاد الآتية بأن يكونوا أربعين كاملين مستوطنين لزمتهم الجمعة خلافا لأبي حنيفة لإطلاق الأدلة بل يحرم عليهم تعطيل محلهم من إقامتها والذهاب إليها في بلد أخرى، وإن سمعوا النداء خلافا لجمع رأوا أنهم إذا سمعوه يتخيرون بين أي البلدين شاءوا "أو" ليس فيهم جمع كذلك، ولو بأن امتنع بعض من تنعقد به منها كما هو ظاهر لكن "بلغهم" يعني معتدل السمع منهم إذا أصغى إليه ويعتبر كونه في محل مستو، ولو تقديرا أي من آخر طرف.مما يلي بلد الجمعة كما هو ظاهر "صوت عال" عرفا من مؤذن بلد الجمعة إذا كان يؤذن كعادته في علو الصوت في بقية الأيام، وإن لم يكن على عال سواء في ذلك البلدة الكثيرة النخل والشجر كطبرستان وغيرها؛ لأنا نقدر البلوغ بتقدير زوال المانع كما صرح به قولهم "في هدو" للأصوات والرياح "من طرف يليهم" لبلد الجمعة "لزمتهم" لخبر "الجمعة على من سمع النداء" وهو ضعيف لكن له شاهد قوي كما بينه البيهقي "وإلا" يكن فيهم أربعون ولا بلغهم صوت وجدت فيه هذه الشروط "فلا" تلزمهم لعذرهم وأفهم قولنا، ولو تقديرا أنه لو علت قرية بقلة جبل وسمعوا، ولو استوت لم يسمعوا أو انخفضت فلم يسمعوا، ولو استوت لسمعوا وجبت في الثانية دون الأولى نظرا لتقدير الاستواء بأن يقدر نزول العالي وطلوع المنخفض.مسامتا لبلد النداء ولمن حضر والعيد الذي وافق يومه يوم جمعة الانصراف بعده قبل دخول وقتها وعدم العود لها، وإن سمعوا تخفيفا عليهم ومن ثم لو لم يحضروا لزمهم الحضور للجمعة على الأوجه ولا تسقط بالسفر من محلها لمحل يسمع أهله النداء مطلقا عندهما؛ لأنه معها كمحلة منها، "ويحرم على من لزمته" الجمعة، وإن لم تنعقد به كمقيم لا يجوز له القصر "السفر بعد الزوال" لدخول وقتها "إلا أن تمكنه الجمعة" أي يتمكن منها بأن يغلب على ظنه ذلك وهو مراد المجموع بقوله يشترط علمه إدراكها إذ كثيرا ما يطلقون العلم ويريدون الظن كقولهم يجوز الأكل من مال الغير مع علم رضاه ويجوز القضاء بالعلم "في طريقه" أو مقصده كما بأصله.وحذفه لفهمه مما قبله وذلك لحصول المقصود وقيده صاحب التعجيز بحثا بما إذا لم تبطل بسفره جمعة بلده بأن كان تمام الأربعين وكأنه أخذه مما مر آنفا من حرمة تعطيل بلدهم عنها لكن الفرق واضح فإن هؤلاء معطلون بغير حاجة بخلاف المسافر، فإن فرض أن سفره لغير حاجة اتجه ما قاله، وإن تمكن منها في طريقه أما إذا لم يغلب على ظنه ذلك بأن ظن عدمه أو شك فيه فلا يجوز سفره "أو يتضرر بتخلفه عن الرفقة" لها فلا يحرم إن كان غير سفر معصية دفعا لضرره وقضيته أن مجرد الوحشة غير عذر وهو

 

ج /1 ص -333-      متجه، وإن صوب الإسنوي بحث ابن الرفعة اعتباره وأيده بأنه لا يجب السفر للماء حينئذ لوضوح الفرق فإن هناك بدلا لا هنا وليست الظهر بدلا عن الجمعة بل كل أصل في نفسه ومعناه أنه لا يخاطب بالظهر ما دام مخاطبا بالجمعة بل عند تعذرها لا بد عنها لأن القضاء إذا لم يجب إلا بخطاب جديد فأولى أداء آخر غايته أن الشارع جعله حينئذ فرض الوقت لتعذر فرضه الأول وبهذا يعلم أن قولهم الآتي بل تقضى ظهرا فيه تجوز وأن الرفع في قوله جمعة صحيح لما علم مما تقرر أن الظهر ليست قضاء عنها "وقبل الزول كبعده" في التفصيل المذكور "في الجديد إن كان سفرا مباحا"؛ لأن الجمعة مضافة إلى اليوم ولهذا يجب السعي على بعيد الدار من حين الفجر كذا قالوه.وظاهره أنه لا يلزمه قبله، وإن لم يدرك الجمعة إلا به "وإن كان طاعة" مندوبا أو واجبا "جاز" قطعا لخبر فيه لكنه ضعيف "قلت الأصح أن الطاعة كالمباح والله أعلم" فيحرم نعم إن احتاج السفر لإدراك نحو وقوف عرفة أو لإنقاذ نحو مال أو أسير جاز، ولو بعد الزوال بل يجب لإنقاذ الأسير أو نحوه كقطع الفرض لذلك ويكره السفر ليلة الجمعة لما روي بسند ضعيف جدا "من سافر ليلتها دعا عليه ملكاه" أما المسافر لمعصية فلا تسقط عنه الجمعة مطلقا؛ لأنه في حكم المقيم كما علم من الباب قبل هذا وحيث حرم عليه السفر هنا لم يترخص ما لم تفت الجمعة فيحسب ابتداء سفره من الآن كما مر ثم. "ومن لا جمعة عليهم" وهم بالبلد "تسن الجماعة في ظهرهم في الأصح" لعموم الأدلة الطالبة للجماعة أما من هم خارجها فتسن لهم إجماعا "ويخفونها" كأذانها ندبا "إن خفي عذرهم" لئلا يتهموا بالرغبة عن صلاة الإمام ومن ثم كره إظهارها عند جمع بخلاف ما إذا كان ظاهرا إذ لا تهمة، "ويندب لمن أمكن زوال عذره" كقن يرجو العتق ومريض يتوقع الشفاء، وإن لم يظن ذلك "تأخير ظهره إلى اليأس من" إدراك "الجمعة" بأن يرفع الإمام رأسه من ركوع الثانية أو يكون بمحل لا يصل منه لمحل الجمعة إلا وقد رفع رأسه منه على الأوجه رجاء لتحصيل فرض أهل الكمال نعم لو أخروها حتى بقي من الوقت قدر أربع ركعات لم يسن تأخير الظهر قطعا كما قاله المصنف ولا يشكل ما هنا بقولهم لو أحرم بالظهر قبل السلام، ولو احتمالا لم يصح؛ لأن الجمعة ثم لازمة له فلا ترتفع إلا بيقين بخلافها هنا ومن ثم قالوا: لو لم يعلم سلام الإمام احتاط حتى يعلمه.
تنبيه: أربعون كاملون ببلد علم من عادتهم أنهم لا يقيمون الجمعة فهل لمن تلزمه إذا علم ذلك أن يصلي الظهر، وإن لم ييأس من الجمعة قال بعضهم نعم إذ لا أثر للمتوقع وفيه نظر بل الذي يتجه لا؛ لأنها الواجب أصالة المخاطب بها يقينا فلا يخرج عنه إلا باليأس يقينا وليس من تلك القاعدة؛ لأنها في متوقع لم يعارض متيقنا وهنا عارضه يقين الوجوب فلم يخرج عنه إلا بيقين اليأس منها، ثم رأيتهم صرحوا بذلك حيث قالوا لو تركها أهل بلد لم يصح ظهرهم حتى يضيق الوقت عن واجب الخطبتين والصلاة، ولو صلى الظهر، ثم زال عذره وأمكنته الجمعة لم تلزمه بل تسن له إلا إن كان خنثى واتضح بالذكورة فتلزمه.
"و" يندب "لغيره" وهو من لا يمكن زوال عذره "كالمرأة والزمن" العاجز عن الركوب.وقد عزم على عدم فعل الجمعة، وإن تمكن "تعجيلها" أي الظهر محافظة على فضيلة أول

 

ج /1 ص -334-      الوقت أما لو عزم على أنه إن تمكن أو نشط فعلها فيسن له تأخير الظهر لليأس منها، ولو فاتت غير المعذور وأيس منها لزمه فعل الظهر فورا؛ لأن العصيان بالتأخير هنا يشبهه بخروج الوقت وإذا فعلها فيه كانت أداء خلافا لكثيرين؛ لأن الوقت الآن صار لها، "ولصحتها مع شرط" أي شروط "غيرها" من الخمس "شروط" خمسة:
"أحدها: وقت الظهر" بأن يبقى منه ما يسعها مع الخطبتين للاتباع رواه البخاري وعليه جرى الخلفاء الراشدون فمن بعدهم، ولو أمر الإمام بالمبادرة.بها أو عدمها فالقياس وجوب امتثاله "فلا" يجوز الشروع فيها مع الشك في سعة الوقت اتفاقا ولا "تقضى" إذا فاتت "جمعة" بالنصب لفساد الرفع على ما قيل ومر آنفا ما فيه بل ظهرا والفاء هي ما في أكثر النسخ وفي بعضها بالواو ورجح بل أفسد الأول بأن عدم القضاء لا يؤخذ من اشتراط وقت الظهر لأن بينهما واسطة وهي القضاء في وقت الظهر من يوم آخر ولك رده بأن هذا إنما يتأتى على أن المراد بالظهر الأعم من ظهر يومها وغيره وليس كذلك بل المراد ظهر يومها كما أفاده السياق وحينئذ فالتفريع صحيح كما هو واضح "فلو ضاق" الوقت "عنها" أي عن أقل مجزئ من خطبتيها وركعتيها، ولو احتمالا."صلوا ظهرا" كما لو فات شرط القصر يلزمه الإتمام، ولو شك فنواها إن بقي الوقت وإلا فالظهر صحت نيته ولم يضر هذا التعليق لاستناده إلى أصل بقاء الوقت فهو كنية ليلة ثلاثي رمضان صوم غد إن كان من رمضان كذا جزم به بعضهم وفيه نظر بل لا يصح لأنه إن أراد أن هذا التعليق لا ينافي صحة نية الظهر سواء أبانت سعة الوقت أم لا أبطله وجود التعليق المانع للجزم من غير ضرورة؛ لأن الشك في سعته مانع لصحة الجمعة ومعين للإحرام بالظهر وحينئذ فليس التشبيه بمسألة الصوم صحيحا أو صحة نية الجمعة إن بانت سعة الوقت كان مخالفا لكلامهم، فإن قلت: لم منع الشك هنا نية الجمعة ولم يعمل بالاستصحاب وعمل به في رمضان قلت: لأن ربط الجمعة بالوقت أقوى من ربط رمضان بوقته؛ لأنه يقضى بخلافها وأيضا فالشك هنا في بقاء وقت الفعل فأثر وثم قبل دخول وقته فلم يؤثر، "ولو خرج" الوقت.يقينا أو ظنا "وهم فيها"، ولو قبيل السلام، وإن كان ذلك بإخبار عدل على الأوجه "وجب الظهر" وفاتت الجمعة لامتناع الابتداء بها بعد خروج وقتها ففاتت بفواته كالحج ولم يؤثر هنا الشك بخلافه فيما مر؛ لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء، ولو مد فيها حتى علم أن ما بقي منها لا يسعه ما بقي من الوقت انقلبت ظهرا من الآن وليس نظيره ما لو أحرم بصلاة وكانت مدة الخف تنقضي فيها أو حلف ليأكلن ذا الرغيف غدا فأكله اليوم لا يحنث حالا على ما يأتي؛ لأن الأولى فيها فساد لا انقلاب فاحتيط لها وكذا الثانية لأن فيها إلزام الذمة بالكفارة، فإن قلت لم كان ضيق الوقت هنا مانعا من الانعقاد بخلاف ضيق مدة الخف قلت يفرق بأن المبطل ثم الانقضاء وهو يوجد في أدنى لحظة فلم يعتبر ما قبله وهنا الضيق وهو يستدعي النظر لما قبل الانقضاء فإذا تحقق أبطل وحيث انقلبت ظهرا وجب الاستمرار فيها "بناء" على ما مضى لأنهما صلاتا وقت واحد، وإن كانت كل مستقلة إذ الأصح أنها صلاة على حيالها كما مر فتعين بناء أطولهما على أقصرهما تنزيلا

 

ج /1 ص -335-      لهما منزلة الصلاة الواحدة كصلاة الحضر مع السفر "وفي قول" لا يجب الاستمرار فيها بل يجوز قطعها وفعل الظهر "استئنافا" لاختلالها بخروج وقتها ويرد بأن مثل هذا الاختلال لا يجوز القطع المؤدي إلى صيرورتها كلها قضاء. وبهذا فارق ما يأتي من جواز قطع المسبوقة وقيل يجب ويبطل ما مضى "والمسبوق" المدرك ركعة "كغيره" أي الموافق في أنه إذا خرج الوقت قبل الميم من سلامه لزمه إتمامها ظهرا سواء أكان معذورا في السبق أم لا كما اقتضاه إطلاقهم ولا نظر لكون جمعته تابعة لجمعة صحيحة؛ لأن الوقت أهم شروطها فلم يكتف بهذه التبعية الضعيفة ومن ثم لو سلم الإمام وحده أو بعض العدد المعتبر في الوقت والبقية خارجة بطلت صلاة المسلمين في الوقت؛ لأنه بان بخروجه قبل سلام الأربعين فيه أن لا جمعة سواء أقصر المسلمون فيه بالتأخير أم لا كما اقتضاه إطلاقهم لأن الملحظ فوات شرط وقوعها من العدد المعتبر فيه وهذا موجود مع التقصير وعدمه ويؤيده أنه لو بطلت صلاة واحد من العدد بعد سلام البقية بطلت صلاتهم لفوات العدد قبل سلام الجميع وفارق ذلك ما لو بان حدث غير الإمام فإنها تقع له جمعة على المعتمد بأن الجمعة تصح مع الحدث في الجملة كصلاة فاقد الطهورين ولا كذلك خارج الوقت فكان ارتباطها به أتم منه بالطهارة وبحث الإسنوي أنه يلزمه مفارقة الإمام في التشهد ويقتصر على الواجب إذا لم تمكنه الجمعة إلا بذلك ويؤخذ منه أن إمام الموافقين الزائد على الأربعين لو طول التشهد وخشوا خروج الوقت لزمهم مفارقته والسلام تحصيلا للجمعة نعم ما بحثه إنما يأتي على ما اعتمده أنه لا يشترط في إدراك الجمعة بركوع الثانية بقاؤه معه إلى أن يسلم والمعتمد خلافه كما يأتي "وقيل يتمها جمعة"؛ لأنه تابع لجمعة صحيحة.
"الثاني: أن تقام في خطة أبنية" التعبير بالبناء وبالجمع للغالب إذ نحو الغيران والسراديب في نحو الجبل كذلك والبناء الواحد كاف كما هو ظاهر "أوطان المجمعين".المجتمعة بحيث تسمى بلدة أو قرية واحدة للاتباع والمراد بالخطة كما هو ظاهر من كلامهم وصرح به جمع متقدمون محل معدود من البلد أو القرية بأن لم يجز لمريد السفر منها القصر فيه نعم أفتى جمال الإسلام ابن البزري بكسر الباء نسبة لبزر الكتان في مسجد خرب ما حواليه بجواز إقامتها فيه، وإن بعد البناء عنه فراسخ وفيه نظر والوجه ما ذكرناه من الضابط لتصريح نص الأم وكلامهما به فإنهما قالا: الموضع الخارج الذي إذا انتهى إليه منشئ السفر منه كان له القصر لا تجوز إقامة الجمعة فيه لكن انتصر للأول جمع بأن بقاء المسجد عامرا يصير ما بينه وبين العامر من الخراب كخراب تخلل العمران وهو معدود من البلد اتفاقا فهو لم يخرج عن ذلك الضابط ويرد بمنع أن ذلك الخراب كهذا؛ لأن العمران لا يخلو عن تخلل خراب فاقتضت الضرورة عده منه بخلاف ذاك فإن بعده لا سيما الفاحش جعله أجنبيا عن البلد فلا ضرورة بل ولا حاجة إلى عده منها وأبنية نحو السعف كالحجر وقد تلزمهم إقامتها بغير أبنية بأن خربت فأقاموا لعمارتها بخلاف المقيمين لإنشائها عملا بالأصل فيهما قال ابن عجيل: ولو تعددت مواضع متقاربة وتميز كل باسم فلكل حكمه. ا هـ. وإنما يتجه أن عد كل مع ذلك قرية مستقلة عرفا وقضية قوله هنا في خطة

 

ج /1 ص -336-      وفيما يأتي بأربعين أن شرط الصحة كون الأربعين في الخطة وأنه لا يضر خروج من عداهم عنها فيصح ربط صلاتهم الجمعة بصلاة إمامها بشرطه وهو متجه وكلامهم في شروط القدوة المكانية يقتضيه أيضا.فعليه لو اقتدى أهل بلد سمعوا وهم ببلدهم بإمام الجمعة في بلده وتوفرت شروط الاقتداء جاز، ثم رأيت الأذرعي والزركشي أطلقا أنه لا يضر خروج الصفوف المتصلة بمن في الأبنية إلى محل القصر وأني قلت في شرح العباب عقبه وهو مقيس لكن الأوجه حمله على ما هنا والتبعية إنما ينظر إليها غالبا في الزائد على الأربعين وانعقاد جمعة من دونهم إذا بان حدث الباقين تبعا للإمام خارج عن القياس على أن صورة الجماعة المراعاة، ثم لم يوجد في الخارج ما ينافيها بخلافه هنا فإن وجود بعض الأربعين خارج الأبنية ينافيها "ولو لازم أهل الخيام الصحراء" أي محلا منها كما بأصله "أبدا فلا جمعة" عليهم "في الأظهر"؛ لأن قبائل العرب كانوا حول المدينة ولم يأمرهم صلى الله عليه وسلم بحضورها ولا تصح منهم بمحلهم، ولو سمعوا النداء من محلها بشروطه السابقة لزمتهم فيه تبعا لأهله، أما لو كانوا ينتقلون في نحو الشتاء فلا جمعة عليهم جزما وخرج بالصحراء ما لو كانت خيامهم في خلال الأبنية وهم مستوطنون فتلزمهم الجمعة وتنعقد بهم لأنهم في خلال الأبنية فلا يشترط كونهم في أبنية.
"الثالث: أن لا يسبقها ولا يقارنها جمعة في بلدتها" مثلا، وإن عظمت لها لم تفعل في زمنه صلى الله عليه وسلم ولا في زمن الخلفاء الراشدين إلا في موضع واحد وحكمته ظهور الاجتماع المقصود فيها "إلا إذا كبرت" ذكره إيضاحا على أن المدار إنما هو على قوله "وعسر اجتماعهم" يقينا وسياقه يحتمل أن ضمير اجتماعهم لأهل البلد الشامل لمن تلزمه ومن لا، وأنه لمن تنعقد به وكلاهما بعيد والذي يتجه.اعتبار من يغلب فعلهم لها عادة وأن ضابط العسر أن يكون فيه مشقة لا تحتمل عادة "في مكان" واحد منها، ولو غير مسجد فتجوز الزيادة بحسب الحاجة لا غير قال في الأنوار أو بعدت أطراف البلد أو كان بينهم قتال والأول محتمل إن كان البعيد بمحل لا يسمع منه نداؤها بشروطه السابقة وظاهر إن كان بمحل لو خرج منه عقب الفجر لم يدركها؛ لأنه لا يلزمه السعي إليها إلا بعد الفجر كما مر وحينئذ، فإن اجتمع من أهل المحل البعيد كذلك أربعون صلوا الجمعة وإلا فالظهر والثاني ظاهر أيضا فكل فئة بلغت أربعين تلزمها إقامة الجمعة "وقيل لا تستثنى هذه الصورة" وتتحمل المشقة لما تقرر أنها لم تتعدد في الزمن الأول ومن ثم أطال السبكي في الانتصار له نقلا ودليلا،، وقال: إنه قول أكثر العلماء ولا يحفظ عن صحابي ولا تابعي تجويز تعددها ولم تزل الناس على ذلك إلى أن أحدث المهدي ببغداد جامعا آخر "وقيل إن حال نهر عظيم" يحوج إلى سياحة "بين شقيها كانا كبلدين" فلا يقام في كل شق أكثر من جمعة واعترضه الشيخ أبو حامد بأنه يلزمه جواز قصر من دخل من أحدهما إلى الآخر بقصد السفر والتزامه قائله "وقيل: إن كانت قرى" متفاصلة "فاتصلت" عمارتها "تعددت الجمعة بعددها" أي تلك القرى استصحابا لحكمها الأول "ولو سبقها جمعة" بمحلها حيث لا يجوز فيه التعدد "فالصحيحة السابقة" لجمعها الشرائط.ولو أخبرت طائفة بأنهم

 

ج /1 ص -337-      مسبوقون بأخرى أتموها ظهرا والاستئناف أفضل ومحله كما هو ظاهر إن لم يمكنهم إدراك جمعة السابقين وإلا لزمهم القطع لإدراكها ويعرف السبق بخبر عدل رواية أو معذور كما هو ظاهر كما يقبل إخباره بنجاسة على المصلي وإنما لم يقبل في عدد الركعات خبر الغير؛ لأنه لا مدخل له فيه لإناطته بما في قلب المصلي "وفي قول إن كان السلطان مع الثانية" إماما كان أو مأموما "فهي الصحيحة" وإلا لأدى إلى تفويت جمعة أهل البلد بمبادرة شرذمة ونائب السلطان حتى الإمام الذي ولاه مثله في ذلك وكذا الذي أذن فيها أما ما يجوز فيه التعدد فتعددت بزيادة على الحاجة فتصح السابقات إلى أن تنتهي الحاجة ثم تبطل الزائدات ومن شك في أنه من الأولين أو الآخرين أو في أن التعدد لحاجة أو لا لزمته الإعادة فيما يظهر كما يعلم مما يأتي، فإن قلت فكيف مع هذا الشك يحرم أو لا وهو متردد في البطلان قلت: لا نظر لهذا التردد لاحتمال أن يظهر من السابقات المحتاج إليهن فصحت لذلك؛ لأن الأصل عدم مقارنة المبطل، ثم إن لم يظهر شيء تلزم الإعادة."والمعتبر سبق التحرم" براء أكبر من الإمام، وإن لم يلحقه الأربعون إلا بعد إحرام أربعي المتأخر؛ لأن بالراء يتبين الانعقاد والعدد تابع فلم يعتبر وقيل: هو المعتبر ويدل له أن الإمام لو سلم في الوقت والقوم خارجه فلا جمعة للجميع ويجاب بأنه يغتفر للتمييز في السبق لكون الكل في الوقت ما لم يغتفر، ثم لأن الوقت هو الأصل كما مر "وقيل" سبق الهمزة وقيل سبق "التحلل" وهو السلام أي ميم المتأخر منه من عليكم أو السلام كما هو ظاهر وذلك للأمن بعده من عروض مفسد للصلاة بخلاف التحرم "وقيل" المعتبر السبق "بأول الخطبة" بناء على أن الخطبتين بدل عن الركعتين "فلو وقعتا" بمحل يمتنع تعددها فيه "معا أو شك" أوقعتا معا أو مرتبا "استؤنفت الجمعة" إن اتسع الوقت لتدافعهما في المعية واحتمالها عند الشك مع أن الأصل عدم وقوع جمعة مجزئة في حق كل طائفة ولا أثر للتردد مع إخبار العدل؛ لأن الشارع أقام إخباره في نحو ذلك مقام اليقين.
تنبيه: من الواضح أنه لا يجوز الاستئناف مع التعدد إلا إن علم أنه بقدر الحاجة فقط وإلا فلا فائدة له وأنه ما دام الوقت متسعا لا تصح الظهر إلا إن وقع اليأس من الجمعة أخذا مما مر آنفا وأن هذه الظهر هي الواجبة ظاهرا فتقع الجماعة فيها فرض كفاية لا سنة ويسن الأذان لها إن لم يكن أذان قبل والإقامة لها، ولا ينافيه قوله: السابق تسن الجماعة في ظهرهم؛ لأن الغرض ثم هو الجمعة وقد وقعت صحيحة مجزئة وأن المراد بالشك في المعية وقوعهما على حالة تمكن فيها المعية وكذا الباقي فلا يقال لو شك بعض الأربعين دون بعض ما حكمه نعم يظهر أنه لو "أخبر" بعض الأربعين عدل بسبق جمعتهم لم يلزمهم استئناف لأنهم غير شاكين بخلاف الباقين يلزمه إن أمكنهم بشروطه ولا لاحتمال تقدم إحداهما في مسألة الشك فلا تصح الأخرى؛ لأن المدار على ظن المكلف دون نفس الأمر لكن يسن مراعاته بأن يصلوا بعدها الظهر.
"وإن سبقت إحداهما ولم تتعين" كأن سمع مسافر مثلا تكبيرتين متلاحقتين وجهل المتقدمة منهما "أو تعينت ونسيت.صلوا ظهرا" لتيقن وقوع جمعة صحيحة في نفس الأمر

 

ج /1 ص -338-      لكنها غير معلومة لمعينة منهما والأصل بقاء الفرض في حق كل فلزمتهما الظهر عملا بالأسوأ فيها وفيه "وفي قول جمعة"؛ لأن المفعولتين غير مجزئتين.
"الرابع: الجماعة" بإجماع من يعتد به لكن في الركعة الأولى بخلاف العدد لا بد من بقائه إلى سلام الكل حتى لو أحدث واحد من الأربعين قبل سلامه، ولو بعد سلام من عداه منهم بطلت جمعة الكل وقد يشكل عليه ما يأتي أنه لو بان الأربعون أو بعضهم محدثين صحت للإمام لاستقلاله وللمتطهر منهم تبعا له وقد يجاب بأن الذي دل عليه صنيعهم حيث عبروا هنا بأحدث وثم ببيان أن الفرض هنا أنه ظهر بطلان صلاته قبل سلامه وحينئذ فيفرق بأن العدد ثم وجدت صورته إلى السلام فلم يؤثر تبين الحدث الرافع له لما يأتي أن جماعة المحدثين صحيحة حسبانا وثوابا بخلاف ما هنا فإن خروج أحد الأربعين قبل سلام الكل أبطل وجود صورة العدد قبل السلام فاستحال القول بالصحة هنا وعليه فلو لم يبن حدث الواحد هنا إلا بعد سلامه وسلامهم لم يؤثر؛ لأنه من جزئيات تلك حينئذ واختلفوا في اشتراط تقدم إحرام من تنعقد بهم على غيرهم والمنقول الذي عليه جمع محققون كابن الرفعة والإسنوي وغيرهما أنه لا بد منه وجريت عليه في شرح العباب ورددت ما أطال به المنتصرون لا سيما الزركشي.لعدم الاشتراط لكن مما يؤيدهم ما مر آنفا أن إحرام الإمام هو الأصل وأنه لا عبرة بإحرام العدد وما يأتي أنه لو بان حدث المأمومين انعقدت للإمام فعلم أن من لم تنعقد بهم وغيرهم كلهم تبع للإمام وأنها حيث انعقدت له لم ينظر للمأمومين قيل وعلى الأول لا بد من تأخر أفعالهم عن أفعال من تنعقد به كالإحرام انتهى وهو بعيد جدا لوضوح الفرق بين الإحرام وغيره كما مر في الرابطة في الموقف بل الصواب هنا عدم اشتراط ذلك، وإن قلنا باشتراطه ثم لوضوح الفرق بين البابين "وشرطها" أي الجماعة فيها "كغيرها" من الجماعات كالقرب ونية الاقتداء وعدم المخالفة الفاحشة والعلم بأفعال الإمام وغير ذلك مما مر إلا نية الاقتداء والإمامة فإنهما شرطان هنا للانعقاد كما مر إذ لا يمكن انعقاد الجمعة مع الانفراد "و" اختصت باشتراط أمور أخرى منها "أن تقام بأربعين".وإن كان بعضهم صلاها في قرية أخرى على ما بحثه جمع وقياسه أن المريض لو صلى الظهر، ثم حضر حسب أيضا أو من الجن كما قاله القمولي إن علم بعد العلم بوجودهم وجود الشرط فيهم وقول الشافعي يعزر مدعي رؤيتهم محمول على مدعيها في صورهم الأصلية التي خلقوا عليها؛ لأنه حينئذ مخالف للقرآن وذلك لما صح أن أول جمعة صليت بالمدينة كانت بأربعين والغالب على أحوال الجمعة التعبد.وقد أجمعوا على اشتراط العدد والأربعون أقل ما ورد وخبر الانقضاض محتمل "مكلفا حرا ذكرا" مميزا ليخرج السكران بناء على أنه مكلف.; لأنها لا تلزم أضداد هؤلاء لنقصهم كما قدمه فلا تنعقد بهم كما ذكره هنا فلا تكرار بخلاف المريض، ولو كمل العدد بخنثى وجبت الإعادة، وإن بان رجلا، ولو أحرم بأربعين فيهم خنثى فانفض واحد وبقي الخنثى لم تبطل كما قاله جمع تبعا للسبكي؛ لأنا تيقنا انعقادها، ثم شككنا في وجود مبطل وهو أنوثة الخنثى فلا يضر؛ لأن الأصل بقاء الانعقاد كما أن الأصل بقاء الوقت وعدم المفسد فيما لو شكوا فيها في خروجه

 

ج /1 ص -339-      أو فيها أو قبلها في مسح الرأس في الوضوء فقول بعضهم تبطل في مسألة الخنثى إذ الأصل هنا يرده ما قررته من أن الأصل دوام صحتها "مستوطنا" بمحل إقامتها فلا تنعقد بمن يلزمه حضورها من غير المستوطنين لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقم الجمعة بعرفة في حجة الوداع مع عزمه على الإقامة أياما وفيه نظر فإنه كان مسافرا إذ لم يقم بمحل أربعة أيام صحاح وعرفة لا أبنية بها فليست دار إقامة إلا أن يجاب بأنه لا مانع أن يكون عدم فعله الجمعة لأسباب منها عدم أبنية ومستوطن ثم ومر أول باب صلاة المسافر.أن من توطن خارج السور لا تنعقد به الجمعة داخله وعكسه؛ لأنه أعنى السور يجعلهما كبلدتين منفصلتين وأفتى شارح فيمن لزمته ففاتته وأمكنه إدراكها في بلده لجواز تعددها فيه أو في بلد أخرى بأنها تلزمه ولم تجزئه الظهر ما دام قادرا عليها، ثم انتهى وما قاله في بلده واضح وفي غيرها إنما يتجه إن سمع النداء منها؛ لأن غايته أنه بعد يأسه من الجمعة ببلده كمن لا جمعة ببلده وهو إنما يلزمه بغيرها إن سمع نداءها بشروطه والمستوطن هنا هو من "لا يظعن" أي يسافر عن محل إقامته "شتاء ولا صيفا إلا لحاجة" فلا تنعقد بمسافر ومقيم على عزم عوده لوطنه، ولو بعد مدة طويلة ومن له مسكنان يأتي فيه التفصيل الآتي في حاضري الحرم نعم لا يأتي هنا اعتبارهم، ثم ما نوى الرجوع إليه للإقامة فيه، ثم ما خرج منه، ثم موضع إحرامه لعدم تصور ذلك هنا وإنما المتصور اعتبار ما إقامته به أكثر، فإن استوت بهما فما فيه أهله ومحاجير ولده، فإن كان له بكل أهل أو مال اعتبر ما به أحدهما دائما أو أكثر أو بواحد أهل وبآخر مال اعتبر ما فيه الأهل، فإن استويا في كل ذلك.انعقدت به في كل منهما فيما يظهر ولا تأتي نظيرة هذه، ثم لتعذره، ثم ما ذكر لا ينافيه ما في الأنوار أنهم لو كانوا بمحل شتاء وبآخر صيفا لم يكونوا مستوطنين بواحد منهما؛ لأن محل هذا فيمن لم يتوطنوا محلين معينين ينتقلون من أحدهما إلى الآخر ولا يتجاوزونهما إلى غيرهما بخلاف من توطنوا محلين كذلك لكن اختلف حالهم في إقامتهم فيها فإن التوطن بهما أو بأحدهما يناط بما نيط به التوطن في حاضري الحرم وأفتى الجلال البلقيني في أهل بلد يفارقونها في الصيف إلى مصايفهم بأنهم إن سافروا عنها، ولو سفرا قصيرا لم تنعقد بهم، فإن خرجوا عن المساكن فقط وتركوا بها أموالهم لم يكن هذا ظعنا لأنه السفر فتلزمهم، ولو فيما خرجوا إليه إن عد من الخطة وإلا لزمتهم فيها وما قاله في خروجهم عن المساكن ظاهر إلا قوله: وتركوا أموالهم فليس بقيد وفي سفرهم إن أراد به أنها لا تنعقد بهم في مصايفهم فواضح نعم تلزمهم إن أقيمت فيها جمعة معتبرة أو في بلدهم لو عادوا إليها فليس بصحيح؛ لأن خروجهم عنها لحاجة لا يمنع استيطانهم بها إذا عادوا إليها كما يصرح به المتن وإنما تسقط عنهم الجمعة نعم إن سمعوا النداء ولم يخشوا على أموالهم لو ذهبوا للجمعة لزمتهم مطلقا وانعقدت بهم في بلدهم، ولو أكره الإمام أهل بلد على سكنى غيرها فامتثلوا لكنهم عازمون على الرجوع لبلدهم متى زال الإكراه لم تنعقد بهم في الثانية بل في الأولى لو عادوا إليها كما هو ظاهر ولو خرج بعد الفجر أهل البلد كلهم لحاجة كالصيف وأمكنهم إقامة الجمعة بوطنهم فهل يلزمهم السعي إليها من حين الفجر لأنهم يحرم عليهم

 

ج /1 ص -340-      أن يعطلوها كما مر أو ينظر في محلهم، فإن كان يسمع أهله النداء من بلدهم لزمتهم لما مر أنه في حكم بعض أجزائه وإلا فلا محل نظر والأول أحوط.قال الإسنوي ومن تبعه وهذا الشرط لا يغني عنه قوله: أوطان المجمعين فإن ذاك شرط في المكان وهذا في الأشخاص حتى لو أقامها في محل الاستيطان أربعون غير مستوطنين لم تنعقد بهم، وإن لزمتهم ا هـ ورد بأن هذه الصورة خارجة بقوله المجمعين؛ لأنه في هذه الصورة لغير المجمعين ويجاب بأنها، وإن خرجت به إلا أن ذاك خفي إذ يحتمل أن المراد بالمجمعين مقيمو الجمعة، وإن لم يكونوا من أهلها فاحتاج لبيانه هنا مع ذكر قيود لا يستغنى عنها منها اشتراط التكليف والحرية وعلم مما مر في التيمم أنه لا بد من إغناء صلاتهم عن القضاء وهو ظاهر، وإن لم أر من صرح به في غير فاقد الطهورين.وسيعلم مما يأتي أن شرطهم أيضا أن يسمعوا أركان الخطبتين وأن يكونوا قراء أو أميين متحدين، فيهم من يحسن الخطبة فلو كانوا قراء إلا واحد منهم فإنه أمي لم تنعقد بهم الجمعة كما أفتى به البغوي؛ لأن الجماعة المشروطة هنا للصحة صيرت بينهما ارتباطا كالارتباط بين صلاة الإمام والمأموم فصار كاقتداء قارئ بأمي وبه يعلم أنه لا فرق هنا بين أن يقصر الأمي في التعلم وأن لا، وأن الفرق بينهما غير قوي لما تقرر من الارتباط المذكور على أن المقصر لا يحسب من العدد؛ لأنه إن أمكنه التعلم قبل خروج الوقت فصلاته باطلة وإلا فالإعادة لازمة له ومن لزمته لا يحسب من العدد كما مر آنفا فلا تصح إرادته هنا وفي انعقاد جمعة أربعين أخرس وجهان ومعلوم من اشتراط الخطبة بشروطها الآتية عدم صحة جمعتهم، ولو كان في الأربعين من لا يعتقد وجوب بعض الأركان.كحنفي صح حسبأنه من الأربعين، وإن شك في إتيانه بجميع الواجب عندنا كما تصح إمامته بنا مع ذلك لأن الظاهر توقيه للخلاف بخلاف ما إذا علم منه مفسد عندنا فلا يحسب كما هو ظاهر مما مر لبطلان صلاته عندنا، ثم رأيت في الخادم عن مقتضى كلام الشيخين أن العبرة بعقيدة الشافعي إماما كان أو مأموما وهو صريح فيما تقرر، "والصحيح انعقادها بالمرضى"، وإن صلوا الظهر على ما مر لكمالهم وإنما سقطت عنهم رفقا بهم "و" الصحيح "أن الإمام لا يشترط كونه فوق أربعين" لخبر أول جمعة السابق "ولو انفض الأربعون" يعني العدد المعتبر، ولو تسعة وثلاثين إذا كان الإمام كاملا والانفضاض مثال والضابط النقص "أو بعضهم في الخطبة لم يحسب المفعول" من أركانها "في غيبتهم" لاشتراط سماعهم لجميع أركانها "ويجوز البناء على ما مضى إن عادوا قبل طول الفصل" عرفا، وإن انفضوا لغير عذر؛ لأن اليسير لا يقطع الموالاة نظير ما مر في الجمع وغيره "وكذا" يجوز "بناء الصلاة على الخطبة إن انفضوا بينهما" وعادوا قبل طول الفصل عرفا لذلك "فإن عادوا" في الصورتين "بعد طوله" عرفا وضبط جمع له بما يزيد على ما بين الإيجاب والقبول في البيع بعيد جدا والأوجه ما قلناه من الضبط بالعرف الأوسع من ذلك وهو ما أبطل الموالاة في جمع التقديم، ثم رأيت الرافعي صرح به وسبقه إليه القاضي أبو الطيب.وابن الصباغ أطلق اعتبار العرف ويتعين ضبطه بما قررته "وجب الاستئناف في الأظهر"، وإن انفضوا بعذر؛ لأن ذلك لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم إلا متواليا وكذا الأئمة بعده "وإن

 

ج /1 ص -341-      انفضوا" أي الأربعون أو بعضهم بمفارقة أو بطلان صلاة بالنسبة للأولى وببطلان بالنسبة للثانية لما مر أن بقاء العدد شرط إلى السلام بخلاف الجماعة فإنها شرط في الأولى فقط "في الصلاة" ولم يحرم عقب انفضاضهم في الركعة الأولى أربعون سمعوا الخطبة "بطلت" الجمعة فيتمونها ظهرا لأن العدد شرط ابتداء فكذا دواما كالوقت فعليه لو تباطئوا حتى ركع فلا جمعة وإن أدركوه قبل الركوع اشترط أن يتمكنوا من الفاتحة قبل ركوعه والمراد كما هو ظاهر أن يدركوا الفاتحة والركوع قبل قيام الإمام عن أقل الركوع؛ لأنهم حينئذ أدركوا الفاتحة والركعة فلا معنى لاشتراط إدراك جميع الفاتحة قبل أخذ الإمام في الركوع.الذي أوهمته العبارة أما إذا لم يسمعوا فلا بد من إحرامهم قبل انفضاض السامعين؛ لأنهم لا يصيرون مثلهم إلا حينئذ وفي هذه الحالة لا يشترط تمكنهم من الفاتحة؛ لأنهم تابعون لمن أدركها وبه يعلم أنهم لو لم يدركوها قبل انفضاضهم اشتراط إدراك هؤلاء لها وهو ظاهر بخلاف الخطبة إذا انفض أربعون سمعوا بعضها وحضر أربعون قبل انفضاضهم لا يكفي سماعهم لباقيها ويفرق بأن الارتباط فيها غير تام بخلاف الصلاة "وفي قول لا" يضر "إن بقي اثنان" مع الإمام لوجود مسمى الجماعة إذ يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء وبحث بعضهم أن محل إتمامها ظهرا أي والاكتفاء به إذا لم تتوفر شروط الجمعة وإلا كأن عادوا لزمهم إعادتها جمعة.واعتمد غيره فقال ولمن انفضوا أو قدموا أو بلغوا بعد فعلها إقامتها ثانيا بخطبة المصلين بل يلزم المقصرين كالمنفضين ذلك. ا هـ. وما قاله فيمن قدموا أو بلغوا غلط لقولهم المذكور أما إذا لم يسمعوها إلخ وفي المقصرين يرده كالأول إطلاق الأصحاب أنهم يتمونها ظهرا ويلزم من صحة الظهر سقوط الجمعة ومما يؤيد عدم فعل الجمعة قولهم لو بادر أربعون بها بمحل لا تعدد فيه فاتت على جميع أهل البلد فيصلونها ظهرا لامتناع الجمعة عليهم فإذا امتنعت الجمعة هنا مع تقصير المبادرين بها ومن ثم قيل: إنهم يؤدبون فأولى في مسألتنا وبحث بعضهم أيضا أنه لو غاب بعض الأربعين فصلوا الظهر، ثم قدم الغائب في الوقت لم تلزمهم إعادتها جمعة كما لو بلغ الصبي بعد فعلها أو صلى مسافرا الظهر في السفر، ثم قدم وطنه قبل إقامتها ويحتمل أن قدومه بعد إحرامهم بالظهر كذلك.
تنبيه: ما مر من اشتراط إدراك الأربعين قدر الفاتحة في الأولى هو ما قاله الإمام وصححه الغزالي وجرى عليه شراح الحاوي وغيرهم وظاهر الشرح الصغير بل صريحه الاكتفاء بإدراك ركوع الإمام فقط وسبقه إليه القفال مرة، وقال البغوي إنه المذهب وعلله غير واحد بأن ما قبل الركوع.إذا لم يمنع السبق به الركوع فكذا الجمعة وشرط الجويني قرب تحرمهم من تحرم الإمام أي عرفا، ثم هذا الخلاف هل هو خاص بالجائين بعد الانفضاض أو يجري حتى في أربعين حضروا معه أولا وتباطئوا عنه والوجه جريانه في الصورتين، ثم رأيت ابن أبي الدم صرح بذلك، ثم قال فالتفريع كالتفريع وكذا الرافعي كما قاله جمع فإنه جعل هذا الخلاف مبنيا على القول بأن صلاة الجماعة تبطل بانفضاض القوم وقال ابن الرفعة: بل إنما فرعه على أن الانفضاض عنه في الأثناء يوجب الظهر لا الإبطال

 

ج /1 ص -342-      لكنه نظر فيه ويرد، وإن اقتضى كلام الزركشي تقريره بأن انفراد الإمام أولا حتى لحقوه كانفراده في الأثناء، فإن قلنا إنه مبطل، ثم أبطل هنا وإلا فلا ووجه البناء انفراد الإمام ببعض الصلاة في الصورتين قبل بل البطلان في غير مسألة الانفضاض أولى؛ لأن انفراد الإمام وجد فيها ابتداء وفي تلك دواما والشروط يغتفر فيها في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء كالرابطة السابقة في الموقف وكرفع الجنازة قبل إتمام المسبوق صلاته ولابن المقري هنا كلام بين فيه أن الكل شرطوا حيث لا انفضاض إدراك الركعة الأولى وإنما الخلاف في إدراك الفاتحة، ثم استنتج من ذلك ما هو مردود عليه كما بينت ذلك مستوفى في شرح العباب وقلت في آخره فتأمل هذا المحل فإنه التبس على كثيرين.
"وتصح" الجمعة "خلف" المتنفل وكل من "العبد والصبي والمسافر في الأظهر إن تم العدد بغيره" أي كل منهم لصحتها من هؤلاء والعدد قد وجد بصفة الكمال، فإن لم يتم العدد إلا به.لم تصح جزما "ولو بان الإمام جنبا أو محدثا صحت جمعتهم في الأظهر إن تم العدد بغيره" كما في سائر الصلوات بناء على الأصح أن الجماعة وفضلها يحصلان خلف المحدث ومثل ذلك عكسه وهو ما لو بان المأمومون أو بعضهم محدثين فتحصل الجمعة للإمام والمتطهر منهم تبعا له أي واغتفر في حقه فوات العدد هنا دون ما في المتن؛ لأنه متبوع مستقل كما اغتفر في حقه انعقاد صلاته جمعة قبل أن يحرموا خلفه، وإن كان هذا ضروريا "وإلا" يتم العدد بغيره "فلا" تصح جمعتهم لما مر "ومن لحق الإمام المحدث راكعا لم تحسب ركعته على الصحيح" في الجمعة وغيرها كما مر قبيل صلاة المسافر بدليله ولا ينافي هذا ما قبله لأن الحكم بإدراك الركوع إنما هو لتحمل الإمام عنه القراءة والمحدث ليس من أهل التحمل، وإن كانت الصلاة خلفه جماعة.
"الخامس: خطبتان" لما في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل الجمعة إلا بخطبتين "قبل الصلاة" إجماعا إلا من شذ وفارقت العيد فإن خطبتيه مؤخرتان عنه للاتباع أيضا ولأن هذه شرط والشرط مقدم بخلاف تلك فإنها تكملة فكانت الصلاة أهم منها بالتقديم ويفرق بين كونها شرطا هنا لا ثم بأن المقصود منها هنا التذكير بمهمات المصالح الشرعية حتى لا تنسى فوجب ذلك في كل جمعة؛ لأن ما هو مكرر كذلك لا ينسى غالبا وجعل شرطا تتوقف عليه الصحة مبالغة في حفظه والاستمرار عليه وثم صرف النفوس عما يقتضيه العيد من فخرها ومرحها وذلك من مهمات المندوبات دون الواجبات، فإن قلت يوم الجمعة يوم عيد أيضا قلت العيد مختلف؛ لأن ذاك من عود السرور الحسي وهذا من عود السرور الشرعي لكثرة ما فيه من الوظائف الدينية ومن ساعة الإجابة وغيرها كما بينته في كتابي اللمعة في خصائص الجمعة ويؤيد.ذلك إطلاق العيد، ثم دائما وإضافته للمؤمنين هنا غالبا "وأركانهما خمسة" من حيث المجموع كما سيعلم من كلامه وقياس ما مر أن الشك بعد الصلاة أو الوضوء في ترك فرض لا يؤثر عدم تأثير الشك في ترك فرض من الخطبة بعد فراغها وبه يندفع قول الروياني بتأثيره هنا ولا نظر لكونه شاكا في انعقاد الجمعة؛ لأن ذلك يأتي في الشك في ترك ركن من الوضوء مثلا وهو لا يؤثر "حمد الله تعالى" للاتباع رواه

 

ج /1 ص -343-      مسلم "والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم" لأنها عبادة افتقرت إلى ذكر الله تعالى فافتقرت إلى ذكر رسوله صلى الله عليه وسلم كالآذان والصلاة وروى البيهقي خبر "قال الله تعالى وجعلت أمتك لا تجوز عليهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي" قيل هذا مما تفرد به الشافعي رضي الله عنه ورد بأنه تفرد صحيح، ولا يقال: إن خطبته صلى الله عليه وسلم ليس فيها صلاة؛ لأن اتفاق السلف والخلف على التصلية في خطبهم دليل لوجوبها إذ يبعد الاتفاق على سنة دائما "ولفظهما" أي حمد الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم "متعين"؛ لأنه الذي مضى عليه الناس في عصره صلى الله عليه وسلم إلى الآن فلا يكفي ثناء وشكر ولا الحمد للرحمن أو الرحيم مثلا ولا رحم الله رسول الله أو بارك الله عليه ولا صلى الله على جبريل ولا الضمير كصلى الله عليه، وإن تقدم له ذكر كما صرح به في الأنوار وجعله أصلا مقيسا عليه واعتمده البرماوي وغيره خلافا لمن وهم فيه. نعم ظاهر المتن تعين لفظ رسول وليس مرادا بل يكفي لفظ محمد وأحمد والنبي والحاشر والماحي والعاقب ونحوها مما ورد وصفه به وفارق الصلاة بأن ما هنا أوسع ويفرق بينها وبين الأذان فإنه لا يجوز إبدال محمد فيه بغيره مطلقا كما هو ظاهر من كلامهم وهو قياس التشهد بجامع اتفاق الروايات في كليهما عليه بأن السامعين ثم غير حاضرين فإبداله موهم بخلاف الخطبة وأيضا فالخطبة لم يتعبد بجميع ألفاظ أركانها فخفف أمرها وأيضا فالأذان قصد به الإشارة لكليات الشريعة التي أتى بها نبيها وأشهر أسمائه محمد فوجب الإتيان بأشهر أسمائه وهو محمد ليكون ذلك أشهر لتلك الكليات ومن ثم تعين لفظ محمد في التشهد أيضا؛ لأنه أشبه بالأذان وظاهر كلام الشيخين كالأصحاب تعين لفظ الحمد معرفا لكن صرح الجيلي بما اقتضاه المتن من إجزاء أنا حامد لله وحمدت الله وتوقف فيه الأذرعي لكن جزم به غيره ويكفي أيضا لله الحمد كعليكم السلام قاله ابن الأستاذ وأحمد الله وحمدا لله وصلى وأصلي ونصلي خلافا لما يوهمه المتن من تعين لفظ الصلاة معرفا ولا يشترط قصد الدعاء بالصلاة خلافا للمحب الطبري.; لأنها موضوعة لذلك شرعا "والوصية بالتقوى"؛ لأنها المقصود من الخطبة فلا يكفي مجرد التحذير من الدنيا فإنه مما تواصى به منكرو الشرائع بل لا بد من الحث على الطاعة والزجر عن المعصية ويكفي أحدهما للزوم الآخر له "ولا يتعين لفظها" أي الوصية بالتقوى "على الصحيح" لأن الغرض الوعظ كما تقرر فيكفي أطيعوا الله "وهذه الثلاثة أركان في" كل واحدة من "الخطبتين"؛ لأن كل خطبة مستقلة ومنفصلة عن الأخرى "والرابع قراءة آية" مفهمة لا كثم نظر وإن تعلقت بحكم منسوخ أو قصة لا بعض آية، وإن طال لخبر مسلم كان صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة ق في كل جمعة على المنبر وفي رواية له كان له صلى الله عليه وسلم خطبتان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكر الناس وإنما اكتفى في بدل الفاتحة بغير المفهمة؛ لأن القصد، ثم إنابة لفظ مناب آخر وهنا المعنى غالبا "وفي إحداهما" لثبوت أصل القراءة من غير تعيين محلها فدل على الاكتفاء بها في إحداهما ويسن كونها في الأولى بل يسن بعد فراغها سورة "ق" دائما للاتباع ويكفي في أصل السنة قراءة بعضها "وقيل في الأولى" لتكون في مقابلة الدعاء في الثانية "وقيل فيهما" كالثلاثة الأول "وقيل لا تجب" لأن المقصود الوعظ ولا تجزئ آية

 

ج /1 ص -344-      وعظ أو حمد عنه مع القراءة إذ الشيء الواحد لا يؤدى به فرضان مقصودان بل عنه وحده إن قصده وحده.وإلا بأن قصدهما أو القراءة أو أطلق فعنها فقط فيما يظهر في الأخيرة، ولو أتى بآيات تشتمل على الأركان كلها ما عدا الصلاة لعدم آية تشتمل عليها لم تجزئ؛ لأنها لا تسمى خطبة "والخامس ما يقع عليه اسم دعاء" أخروي "للمؤمنين"، وإن لم يتعرض للمؤمنات لأن المراد الجنس الشامل لهن لنقل الخلف له عن السلف."في الثانية"؛ لأن الأواخر به أليق ويكفي تخصيصه بالسامعين كرحمكم الله وظاهر أنه لا يكفي تخصيصه بالغائبين "وقيل: لا يجب" وانتصر له الأذرعي وغيره ولا بأس بالدعاء لسلطان بعينه حيث لا مجازفة في وصفه قال ابن عبد السلام ولا يجوز وصفه بصفة كاذبة إلا لضرورة ويسن الدعاء لولاة المسلمين وجيوشهم بالصلاح والنصر والقيام بالعدل ونحو ذلك ووقع لابن عبد السلام أنه أفتى بأن ذكر الصحابة والخلفاء والسلاطين بدعة غير محبوبة ورد بأن الأول فيه الدعاء لأكابر الأمة وولاتها وهو مطلوب وقد تكون البدعة واجبة أو مندوبة قيل بل يتعين الدعاء للصحابة بمحل به مبتدعة إن أمنت الفتنة وثبت أن أبا موسى وهو أمير الكوفة كان يدعو لعمر قبل الصديق رضي الله عنهما فأنكر عليه تقديم عمر فشكا إليه فاستحضر المنكر فقال: إنما أنكرت تقديمك على أبي بكر فبكى واستغفر والصحابة حينئذ متوفرون، وهم لا يسكتون على بدعة إلا إذا شهدت لها قواعد الشرع وقد سكتوا هنا إذ لم ينكر أحد الدعاء بل التقديم فقط وكان ابن عباس يقول على منبر البصرة اللهم أصلح عبدك وخليفتك عليا أهل الحق أمير المؤمنين قال بعض المتأخرين، ولو قيل إن الدعاء للسلطان واجب لما في تركه من الفتنة غالبا لم يبعد كما قيل به في قيام الناس بعضهم لبعض وولاة الصحابة يندب الدعاء لهم قطعا وكذا بقية ولاة العدل وفيه احتمال.والولاة المخلطون بما فيهم من الخير مكروه إلا لخشية فتنة وبما ليس فيهم لا توقف في حرمته إلا لفتنة فيستعمل التورية ما أمكنه، وذكر المناقب لا يقطع الولاء ما لم يعد به معرضا عن الخطبة وصرح القاضي في الدعاء لولاة الأمر بأن محله ما لم يقطع نظم الخطبة عرفا وفي التوسط يشترط أن لا يطيله إطالة تقطع الموالاة كما يفعله كثير من الخطباء الجهال. وبحث بعضهم أنه لا يشترط في خوف الفتنة غلبة الظن رادا بذلك اشتراط المصنف له في ترك لبس السواد "ويشترط كونها" أي الأركان دون ما عداها "عربية" للاتباع نعم إن لم يكن فيهم من يحسنها ولم يمكن تعلمها قبل ضيق الوقت خطب منهم واحد بلسانهم، وإن أمكن تعلمها وجب على كل منهم، فإن مضت مدة إمكان تعلم واحد منهم ولم يتعلم عصوا كلهم ولا جمعة لهم بل يصلون الظهر وتغليظ الإسنوي.لقول الروضة كل هو الغلط فإن التعلم فرض كفاية يخاطب به الكل على الأصح ويسقط بفعل البعض وفائدتها بالعربية مع عدم معرفتهم لها العلم بالوعظ في الجملة قاله القاضي ونظر فيه شارح بما لا يصح. وأما إيجابه أعني القاضي فهم الخطيب لأركانها فمردود بأنه يجوز أن يؤم، وإن لم يعرف معنى القراءة وسواء في ذلك من هو من الأربعين والزائد عليهم ويشترط على خلاف المعتمد الآتي قريبا كونها "مرتبة الأركان الثلاثة الأول" فيبدأ بالحمد فالصلاة فالوصية؛ لأنه الذي

 

ج /1 ص -345-      جرى عليه الناس ولا ترتيب بين الأخيرين ولا بينهما وبين الثلاثة "و" على المعتمد كونها "بعد الزوال" للاتباع "و" يشترط "القيام فيهما إن قدر" بالمعنى السابق في قيام فرض الصلاة، فإن عجز بالمعنى السابق، ثم جلس والأولى أن يستخلف، فإن عجز فكما مر، ثم "والجلوس" مع الطمأنينة فيه "بينهما" للاتباع الثابت في مسلم وغيره.ويجب على نحو الجالس الفصل بسكتة ولا يجزئ عنها الاضطجاع ولا تجب نية الخطبة بل عدم الصارف فيما يظهر وفي الجواهر لو لم يجلس حسبتا واحدة فيجلس ويأتي بثالثة أي باعتبار الصورة وإلا فهي الثانية؛ لأن التي كانت ثانية صارت بعضا من الأولى فلا نظر في كلامها خلافا لمن زعمه نعم إن كان النظر فيه من حيث إطلاقه الثانية الشاملة لنحو الدعاء للسلطان فله اتجاه من حيث بعد إلحاقه بالأولى مع الإجماع الفعلي على أنها غير محله، وقد يجاب بأنه وقع تابعا فاغتفر "وإسماع أربعين" أي تسعة وثلاثين وهو لا يشترط إسماعه ولا سماعه لأنه وإن كان أصم يفهم ما يقول "كاملين" ممن تنعقد بهم الأركان لا جميع الخطبة ويعتبر على الأصح عند الشيخين.وغيرهما سماعهم لها بالفعل لا بالقوة فلا تجب الجمعة على أربعين بعضهم صم ولا تصح مع وجود لغط يمنع سماع ركن على المعتمد فيهما، وإن خالف فيه كثيرون أو الأكثرون فلم يشترطوا إلا الحضور فقط وعليه يدل كلام الشيخين في بعض المواضع ولا يشترط طهرهم ولا كونهم بمحل الصلاة ولا فهمهم لما يسمعونه كما تكفي قراءة الفاتحة في الصلاة ممن لا يفهمها. "والجديد أنه لا يحرم عليهم" يعني الحاضرين سمعوا أو لا ويصح رجوع الضمير للأربعين الكاملين ويستفاد عدم الحرمة على مثلهم وغيره بالمساواة أو الأولى ولا يرد عليه تفصيل القديم فيهم؛ لأنه مفهوم "الكلام" خلافا للأئمة الثلاثة بل يكره لما في الخبر الصحيح أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة وهو يخطب ولم ينكر عليه وبه يعلم أن الأمر للندب في {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف:204] بناء على أنه الخطبة وبه قال أكثر المفسرين وأن المراد باللغو في خبر أبي هريرة المشهور مخالفة السنة واعترض الاستدلال بذلك باحتمال أن المتكلم تكلم قبل أن يستقر في موضع ولا حرمة حينئذ قطعا أو قبل الخطبة.أو أنه معذور بجهله ويجاب بأن هذه واقعة قولية والاحتمال يعمها وإنما الذي يسقط بالاحتمال الواقعة الفعلية كما هو مقرر في محله، فإن قلت هذه فعلية لأنه إنما أقره بعدم إنكاره عليه قلت ممنوع بل جوابه له قول متضمن لجواز سؤاله على أي حالة كان فكانت قولية بهذا الاعتبار ولا يحرم قطعا الكلام على خطيب ولا على من لم يستقر في موضع كما تقرر ولا حال الدعاء للملوك على ما في المرشد ولا على سامع خشي وقوع محذور بغافل بل يجب عليه عينا إن انحصر الأمر فيه وظن وقوعه به لولا تنبيهه أن ينبهه عليه أو علم غيره خيرا ناجزا أو نهاه عن منكر بل قد يجب في هذين أيضا إن كان التعليم لواجب مضيق والنهي عن محرم ويسن له أن يقتصر على إشارة كفت، وظاهر كلامهم أن الخير والنهي الغير الواجبين لا يسنان، ولو قيل بسنيتهما إن حصلا بكلام يسير لم يبعد

 

ج /1 ص -346-      كتشميت العاطس بل أولى. "ويسن الإنصات" أي السكوت مع الإصغاء لما لا يجب سماعه بخلاف ما لو كان من الحاضرين أربعون تلزمهم فقط فيحرم على بعضهم كلام فوته سماع ركن كما علم من وجوب الاستماع لتسببه إلى إبطال الجمعة ويسن ذلك، وإن لم يسمع الخطبة خروجا من الخلاف. نعم الأولى لغير السامع أن يشتغل بالتلاوة والذكر سرا لئلا يشوش على غيره ولا يكره الكلام لمن أبيح له قطعا ممن ذكر وغيره ككونه قبل الخطبة أو بعدها أو بينهما، ولو لغير حاجة على الأوجه وتقييده بالحاجة فيه نظر؛ لأنه عندها لا كراهة، وإن لم يبح له قطعا كما هو ظاهر ويكره للداخل أن يسلم أي، وإن لم يأخذ لنفسه مكانا لاشتغال المسلم عليهم فإن سلم لزمهم الرد؛ لأن الكراهة لأمر خارج ويسن تشميت العاطس والرد عليه؛ لأن سببه قهري ورفع الصوت من غير مبالغة بالصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم عند ذكر الخطيب له.وصلاة ركعتين بنية التحية وهو الأولى أو راتبة الجمعة القبلية إن لم يكن صلاها وحينئذ الأولى نية التحية معها، فإن أراد الاقتصار فالأولى فيما يظهر نية التحية لأنها تفوت بفواتها بالكلية إذا لم تنو بخلاف الراتبة القبلية للداخل، فإن نوى أكثر منهما أو صلاة أخرى بقدرهما لم تنعقد، فإن قلت يلزم على ما تقرر أن نية ركعتين فقط جائزة بخلاف نية ركعتين سنة الصبح مثلا مع استوائهما في حصول التحية بهما بالمعنى السابق في بابها قلت يفرق بأن نية ركعتين فقط ليس فيه صرف عن التحية بالنية بخلاف نية سبب آخر فأبيح الأول دون الثاني.ويلزمه أن يقتصر فيهما على أقل مجزئ على الأوجه وأن يخفف صلاة طرأ جلوس الإمام على المنبر قبل الخطبة في أثنائها بأن يقتصر على ذلك بناء على ما قبله ويؤخذ من عدم اغتفارهم في الدوام هنا ما اغتفر في الابتداء أنه لو طولها هنا أو في التي قبلها زيادة على أقل المجزئ بطلت وهو محتمل؛ لأن الحرمة هنا عند القائلين بها ذاتية ويحرم إجماعا على ما حكاه الماوردي على جالس أي من لم تسن له التحية كما هو ظاهر، وإن لم يسمع، ولو لم تلزمه الجمعة، وإن كان بغير محلها، وقد نواها معهم بمحله، وإن حال مانع الاقتداء الآن فيما يظهر في الكل بعد جلوس الإمام على المنبر صلاة فرض، ولو فائتة تذكرها الآن، وإن لزمته فورا أو نفل.ولو في حال الدعاء للسلطان ولا تنعقد لا طواف وسجدة تلاوة أو شكر فيما يظهر فيهما أخذا من تعليلهم حرمة الصلاة بأن فيها إعراضا عن الخطيب بالكلية.
فرع: كتابة الحفائظ آخر جمعة من رمضان بدعة منكرة كما قاله القمولي لما فيها من تفويت سماع الخطبة والوقت الشريف فيما لم يحفظ عمن يقتدى به ومن اللفظ المجهول وهو كعسلهون أي وقد جزم أئمتنا وغيره بحرمة كتابة وقراءة الكلمات الأعجمية التي لا يعرف معناها وقول بعضهم أنها حية محيطة بالعرش رأسها على ذنبها لا يعول عليه؛ لأن مثل ذلك لا مدخل للرأي فيه فلا يقبل منه إلا ما ثبت عن معصوم على أنها بهذا المعنى لا تلائم ما قبلها في الحفيظة وهو لا آلاء إلا آلاؤك يا الله كعسلهون بل هذا اللفظ في غاية الإيهام ومن ثم قيل: إنها اسم صنم أدخلها ملحد على جهلة العوام وكان بعضهم أراد دفع ذلك الإيهام فزاد بعد الجلالة محيط به علمك كعسهلون أي كإحاطة تلك الحية

 

ج /1 ص -347-      بالعرش و هو غفلة عما تقرر أن هذا لا يقبل فيه إلا ما صح عن معصوم وأقبح من ذلك ما اعتيد في بعض البلاد من صلاة الخمس في هذه الجمعة عقب صلاتها زاعمين أنها تكفر صلوات العام أو العمر المتروكة وذلك حرام أو كفر لوجوه لا تخفى "قلت الأصح أن ترتيب الأركان ليس بشرط والله أعلم" لأن تركه لا يخل بالمقصود الذي هو الوعظ لكنه يندب خروجا من الخلاف "والأظهر اشتراط الموالاة" بين أركانهما وبينهما وبين الصلاة بأن لا يفصل طويلا عرفا بما لا تعلق له بما هو فيه فيما يظهر من نظائره، ثم رأيت بعضهم فصل فيما إذا أطال القراءة بين أن يكون فيها وعظ فلا يقطع وأن لا فيقطع وبعضهم أطلق القطع وهو غفلة عن كونه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ ق في خطبته، ومر اختلال الموالاة بين المجموعتين بفعل ركعتين بأقل مجزئ فلا يبعد الضبط بهذا هنا ويكون بيانا للعرف، ثم رأيتهم عبروا بأن الخطبة والصلاة مشبهتان بصلاتي الجمع وهو صريح فيما ذكرته ومر في مسائل الانفضاض ما يؤيد ذلك.لعموم هذا لما قررته لم يكتف عنه بما مر في مسألة الانفضاض فاندفع قول جمع هذا مكرر.
"وطهارة الحدث" الأكبر والأصغر، فإن سبقه تطهر واستأنفوا إن قرب الفصل؛ لأن الخطبة تشبه الصلاة أو نائبة عنها ويفرق بين عدم البناء هنا وجوازه فيما لو استخلف من سمع ما مضى بأن في بناء الخطيب.تكميلا على ما فسد بحدثه وهو ممتنع ولا كذلك في بناء غيره لأن سماعه لما مضى من الخطبة قائم مقامه ولم يعرض له ما يبطله فجاز البناء عليه له فاندفع ما يقال كيف يبني غيره على فعله وهو نفسه لا يبني عليه "والخبث" الذي لا يعفى عنه في الثوب والبدن والمكان وما يتصل بها بتفصيله السابق في المصلي. "والستر" للعورة، وإن قلنا بالأصح: إنها ليست بدلا عن ركعتين؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي عقب الخطبة فالظاهر أنه كان يخطب وهو متطهر مستور.
"وتسن" الخطبة "على منبر" ولو في مكة خلافا لمن قال يخطب على باب الكعبة وذلك للاتباع وخطبته صلى الله عليه وسلم على بابها بعد الفتح إنما هو لتعذر منبر ثم حينئذ، ولهذا لما أحدثه معاوية ثم أجمعوا عليه كما أجمعوا على أذان الجمعة الأول لما أحدثه هو أو عثمان رضي الله عنهما، ويسن وضعه على يمين المحراب أي المصلى فيه إذ القاعدة أن كل ما قابلته يسارك يمينه وعكسه ومن ثم عبر جمع بيسار المحراب وكان الصواب أن الطائف بالكعبة مبتدئ من يمينها لا يسارها، ومنبره صلى الله عليه وسلم كان ثلاث درج غير المسماة بالمستراح ويسن الوقوف على التي تليها للاتباع نعم إن طال وقف على السابعة وبحث أن ما اعتيد الآن من النزول في الخطبة الثانية إلى درجة سفلى، ثم العود بدعة قبيحة شنيعة."أو" محل "مرتفع" إن فقد المنبر؛ لأنه أبلغ في الإعلام فإن فقد استند لنحو خشبة "ويسلم" ندبا إذا دخل من باب المسجد لإقباله عليهم، ثم "على من عند المنبر" إذا انتهى إليه للاتباع ولأنه يريد مفارقتهم وظاهر كلامهم أنه لو تعددت الصفوف بين الباب والمنبر لا يسلم إلا على الصف الذي عند الباب والصف الذي عند المنبر والذي يتجه وهو القياس أنه يسن له السلام على كل صف أقبل عليهم ولعل اقتصارهم على ذينك لأنهما آكد، ثم رأيت الأذرعي صرح بنحو ذلك ومر أنه لا يسن له تحية المسجد للاتباع، وإن قال كثيرون بندبها

 

ج /1 ص -348-      له فإذا صعد سلم ثالثا؛ لأنه استدبرهم في صعوده فكأنه فارقهم "وأن يقبل عليهم" بوجهه كهم؛ لأنه اللائق بأدب الخطاب ولما فيه من توجههم للقبلة ولأنه أبلغ لقبول الوعظ وتأثيره ومن ثم كره خلافه نعم يظهر في المسجد الحرام أنه لا كراهة في استقبالهم لنحو ظهره أخذا من العلة الثانية ولأنهم محتاجون لذلك فيه غالبا على أنه من ضروريات الاستدارة المندوبة لهم في الصلاة إذ أمر الكل بالجلوس تلقاء وجهه، ثم بالاستدارة بعد فراغه في غاية العسر والمشقة "إذا صعد" الدرجة التي تلي مجلسه وتسمى المستراح "ويسلم عليهم" كما مر للاتباع وفي المرات المذكورة يلزمهم على الكفاية الرد "ويجلس، ثم" هي بمعنى الفاء التي أفادتها عبارة أصله "يؤذن بين يديه" والأولى اتحاد المؤذن للاتباع إلا لعذر وبفراغ الأذان أي وما يسن بعده من الذكر يشرع في الخطبة وأما الأذان الذي قبله على المنارة فأحدثه عثمان رضي الله عنه وقيل معاوية رضي الله عنه لما كثر الناس ومن ثم كان الاقتصار على الاتباع أفضل أي إلا لحاجة كأن توقف حضورهم على.ما بالمناثر.
تنبيه: كلامهم هذا وغيره صريح في أن اتخاذ مرق للخطيب يقرأ الآية والخبر المشهورين بدعة وهو كذلك؛ لأنه حدث بعد الصدر الأول قيل لكنها حسنة لحث الآية على ما يندب لكل أحد من إكثار الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم لا سيما في هذا اليوم ولحث الخبر على تأكد الإنصات المفوت تركه لفضل الجمعة بل موقع في الإثم عند كثيرين من العلماء. ا هـ. وأقول يستدل لذلك أيضا بأنه صلى الله عليه وسلم أمر من يستنصت له الناس عند إرادته خطبة منى في حجة الوداع فقياسه أنه يندب للخطيب أمر غيره بأن يستنصت له الناس وهذا هو شأن المرقي فلم يدخل ذكره للخبر في حيز البدعة أصلا فإن قلت لم أمر بذلك في منى دون المدينة قلت لاجتماع أخلاط الناس وجفاتهم، ثم فاحتاجوا لمنبه بخلاف أهل المدينة على أنه صلى الله عليه وسلم كان ينبههم بقراءته ذلك الخبر على المنبر في خطبته.
"وأن تكون" الخطبة "بليغة" أي في غاية من الفصاحة ورصانة السبك وجزالة اللفظ لأنها حينئذ تكون أوقع في القلب بخلاف المبتذلة الركيكة كالمشتملة على الألفاظ المألوفة أي في كلام العوام ونحوهم ويؤخذ من ندب البلاغة فيها حسن ما يفعله بعض الخطباء من تضمينها آيات وأحاديث مناسبة لما هو فيه إذ الحق أن تضمين ذلك والاقتباس منه ولو في شعر جائز، وإن غير نظمه ومن ثم اقتضى كلام صاحب البيان وغيره أنه لا محظور في أن يراد بالقرآن غيره "ك ادخلوها بسلام" لمستأذن نعم إن كان ذلك في نحو مجون حرم بل ربما أفضى إلى الكفر ومن ذكر ما يناسب الزمن والأحوال العارضة فيه في خطبهم للاتباع ولأن من لازم رعاية البلاغة رعاية مقتضى ظاهر الحال في سوق ما يطابقه "مفهومة" أي قريبة الفهم لأكثر الحاضرين لأن الغريب الوحشي لا ينتفع به قال المتولي وتكره الكلمات المشتركة أي بين معان على السواء والبعيدة عن الأفهام وما تنكره عقول بعض الحاضرين. ا هـ. وقد يحرم الأخير إن أوقع في محظور "قصيرة" يعني متوسطة فلا ينافي ندب قراءة ق في أولهما في كل جمعة وذلك؛ لأن الطويلة تمل وتضجر وللأمر في خبر مسلم بقصرها وتطويل الصلاة، وقال إن ذلك من فقه الرجل فهي قصيرة بالنسبة للصلاة، وإن كانت

 

ج /1 ص -349-      متوسطة في نفسها فلا اعتراض على المتن خلافا لمن زعمه."ولا يلتفت يمينا و" لا "شمالا" ولا خلفا "في شيء منها"؛ لأن ذلك بدعة ويكره دق الدرج في صعوده وإفتاء الغزالي بندبه تنبيها للناس ضعيف، ومع ذلك ففيه تأييد لما مر من ندب المرقى والدعاء قبل الجلوس وساعة الإجابة إنما هي من جلوسه إلى فراغ الصلاة على الأصح من نحو خمسين قولا فيها وذكر شعر فيها واعترض بأن عمر كان كثيرا ما يقول فيها:

خفض عليك فإن الأمو                            ر بكف الإله مقاديرها

فليس بآتيك منهيـها                              ولا قاصر عنك مأمورها

ويجاب بأن هذا بتسليم صحته عنه رأي له رضي الله عنه وسكوتهم عليه حينئذ لا حجة فيه لعدم الكراهة؛ لأنهم قد يتسامحون في ذلك "وأن يعتمد" في حال خطبته "على سيف أو عصا" ونحوه كالقوس للاتباع وإشارة إلى أن الدين قام بالسلاح ويقبض ذلك بيده اليسرى لأنه العادة في مريد الضرب والرمي ويشغل يمينه بحرف المنبر الذي ليس عليه ذرق طير ولأنه نحو عاج وإلا بطلت خطبته بتفصيله السابق في شروط الصلاة وحاصله أنه إن مست يده ذلك أبطل مطلقا وإلا، فإن قبضه بها وانجر بجره أبطل وإلا فلا.فإن لم يشغلها به وضع اليمنى على اليسرى أو أرسلهما إن أمن العبث نظير ما مر في الصلاة "و" أن "يكون جلوسه بينهما" أي الخطبتين "نحو سورة الإخلاص" تقريبا خروجا من خلاف من أوجبه ويشتغل فيه بالقراءة للخبر الصحيح بذلك والأفضل سورة الإخلاص، ولو طول هذا الجلوس بحيث انقطعت به الموالاة بطلت خطبته لما مر أن الموالاة بينهما شرط بخلاف ما لو طول بعض الأركان بمناسب له "وإذا فرغ منها شرع المؤذن في الإقامة وبادر الإمام" ندبا "ليبلغ المحراب مع فراغه" تحقيقا للموالاة" "ويقرأ في" الركعة "الأولى الجمعة" أو سبح "وفي الثانية المنافقين" أو هل أتاك للاتباع فيهما رواه مسلم لكن الأوليان أفضل، ولو لغير محصورين لما مر أن ما ورد بخصوصه لا تفصيل فيه، ولو ترك ما في الأولى قرأه مع ما في الثانية، وإن أدى لتطويلها على الأولى لتأكد أمر هاتين السورتين، ولو قرأ ما في الثانية في الأولى عكس في الثانية لئلا تخلو صلاته عنهما، ولو اقتدى في الثانية فسمع قراءة الإمام للمنافقين فيها فظاهر أنه يقرأ المنافقين في الثانية أيضا، وإن كان ما يدركه أول صلاته؛ لأن السنة له حينئذ الاستماع فليس كتارك الجمعة في الأولى وقارئ المنافقين فيها حتى تسن له الجمعة في الثانية. فإن لم يسمع وسنت له السورة فقرأ المنافقين فيها احتمل أن يقال يقرأ الجمعة في الثانية كما شمله كلامهم وأن يقال يقرأ المنافقين لأن السورة ليست متأصلة في حقه "جهرا" إجماعا ويسن أيضا لمسبوق قام ليأتي بثانيته.
"فائدة" ورد أن من قرأ عقب سلامه من الجمعة قبل أن يثني رجله الفاتحة والإخلاص والمعوذتين سبعا سبعا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأعطي من الأجر بعدد من آمن بالله ورسوله وفي رواية لابن السني أن ذلك بإسقاط الفاتحة يعيذ من السوء إلى الجمعة الأخرى وفي رواية بزيادة وقبل أن يتكلم حفظ له دينه ودنياه وأهله وولده ا هـ.

 

ج /1 ص -350-      فصل في آدابها والأغسال المسنونة
"يسن الغسل.لحاضرها" أي مريد حضورها، وإن لم تلزمه للأخبار الصحيحة فيه وصرفها عن الوجوب الخبر الصحيح "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل" أي فبالسنة أي بما جوزته من الاقتصار على الوضوء أخذ ونعمت الخصلة هي ولكن الغسل معها أفضل وينبغي لصائم خشي منه مفطر، أولو على قول تركه وكذا سائر الأغسال "وقيل" يسن الغسل "لكل أحد"، وإن لم يرد الحضور كالعيد وفرق الأول بأن الزينة ثم مطلوبة لكل أحد وهو من جملتها بخلافه هنا فإن سبب مشروعيته دفع لريح الكريه عن الحاضرين "ووقته من الفجر" الصادق؛ لأن الأخبار علقته باليوم وفارق غسل العيد بأن صلاته تفعل أول النهار غالبا فوسع فيه بخلاف هذا "وتقريبه من ذهابه" إليها "أفضل"؛ لأنه أبلغ في دفع الريح الكريه، ولو تعارض مع التبكير قدمه حيث أمن الفوات على الأوجه للخلاف في وجوبه ومن ثم كره تركه وهذا أولى من بحث الأذرعي أنه إن قل تغير بدنه بكر وإلا اغتسل ولا يبطله طرو حدث، ولو أكبر "فإن عجز" عن الماء للغسل بطريقه السابق في التيمم "تيمم".بنيته بدلا عن الغسل أو بنية طهر الجمعة وقول الشارح تبعا للإسنوي بنية الغسل مراده نية تحصل ثوابه وهي ما ذكرته "في الأصح" كسائر الأغسال المسنونة ولأن القصد النظافة والعبادة فإذا فاتت تلك بقيت هذه وهل يكره ترك التيمم إعطاء له حكم مبدله كما هو الأصل أو لا لفوات الغرض الأصلي فيه من النظافة كل محتمل، ولو وجد ماء يكفي بعض بدنه فظاهر أنه يأتي هنا ما يجيء في غسل الإحرام، ولو فقد الماء بالكلية سن له بعد أن يتيمم عن حدثه تيمم عن الغسل، فإن اقتصر على تيمم بنيتهما فقياس ما مر آخر الغسل حصولهما ويحتمل خلافه لضعف التيمم "ومن المسنون غسل العيد" لما مر "والكسوف" الشامل للخسوف "والاستسقاء" لاجتماع الناس لهما ويدخل وقته بأول الكسوف وإرادة الاجتماع لصلاة الاستسقاء "و" الغسل "لغاسل الميت" المسلم.وغيره للخبر الصحيح "من غسل ميتا فليغتسل" وصرفه عن الوجوب الخبر الصحيح "ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه" وقيس بميتنا ميت غيرنا. "و" غسل "المجنون والمغمى عليه إذا أفاقا"؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يغمى عليه في مرض موته، ثم يغتسل وقيس به المجنون بل أولى لأنه مظنة لإنزال المني ولم يلحق بالنوم في كونه مظنة للحدث؛ لأنه لا أمارة عليه وهنا خروج المني يشاهد فإذا لم ير لم يوجد مظنة وينوي هنا رفع الجنابة؛ لأن غسله لاحتمالها كما تقرر ويجزئه بفرض وجودها إذا لم يبن الحال أخذا مما مر في وضوء الاحتياط."و" غسل "الكافر إذ ا أسلم" أي بعد إسلامه للأمر به صححه ابن حبان وغيره ولم يجب لأن كثيرين أسلموا ولم يؤمروا به وينوي هنا سببه كسائر الأغسال إلا غسل ذينك كما مر ما لم يحتمل وقوع جنابة منه قبل فيضم ندبا إليها نية رفع الجنابة كما هو ظاهر، أما إذا تحقق وقوعها منه قبل فيلزمه الغسل، وإن اغتسل في كفره لبطلان نيته "وأغسال الحج" الشامل للعمرة الآتية وغسل اعتكاف وأذان ودخول مسجد

 

ج /1 ص -351-      وحرم المدينة ومكة لحلال ولكل ليلة من رمضان، قال الأذرعي إن حضر الجماعة وفيه نظر؛ لأنه لحضور الجماعة لا يختص برمضان فنصهم عليه دليل على ندبه، وإن لم يحضرها لشرف رمضان ولحلق عانة أو نتف إبط كما صح عن ابني عمر وعباس رضي الله عنهم ولبلوغ بالسن ولحجامة أو نحو فصد ولخروج من حمام ولتغير الجسد.وكذا عند كل حال يقتضي تغيره وعند كل مجمع من مجامع الخير وعند سيلان الودي "وآكدها غسل غاسل الميت" للخلاف في وجوبه ويؤخذ منه كراهة تركه أيضا "ثم" غسل "الجمعة وعكسه القديم" فقال: إن غسل الجمعة أفضل منه للأخبار الكثيرة فيه مع الخلاف في وجوبه أيضا، واستشكل بأن القديم يرى وجوب غسل غاسل الميت وسنية غسل الجمعة فكيف تفضل سنة على واجب ورد بأن له قولا فيه بوجوب غسل الجمعة أيضا "قلت القديم هنا أظهر ورجحه الأكثرون وأحاديثه صحيحة كثيرة وليس للجديد" في أفضلية غسل الميت على غسل الجمعة "حديث صحيح والله أعلم" أي متفق على صحته فلا يرد خبر "من غسل ميتا"، وإن صحح له بعض الحفاظ مائة وعشرين طريقا على أن البخاري رجح وقفه على أبي هريرة وصحح جمع أنه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من أربعة من الجنابة ويوم الجمعة ومن الحجامة.وغسل الميت" ولا دليل فيه للقديم ولا للجديد ومن فوائد الخلاف لو أوصى بماء للأولى به.
"ويسن" لغير معذور "التبكير إليها" من طلوع الفجر لغير الخطيب لما في الخبر الصحيح
"أن للجائي بعد اغتساله غسل الجنابة" أي كغسلها وقيل حقيقة بأن يكون جامع لأنه يسن ليلة الجمعة أو يومها "في الساعة الأولى بدنة والثانية بقرة والثالثة كبشا أقرن والرابعة دجاجة والخامسة عصفورا والسادسة بيضة"، والمراد أن ما بين الفجر وخروج الخطيب ينقسم ستة أجزاء متساوية سواء أطال اليوم أم قصر ويؤيده الخبر الصحيح يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة.ومن جاء أول ساعة أو وسطها أو آخرها يشتركون في أصل البدنة مثلا لكنهم يتفاوتون في كمالها وإنما عبر في الخبر بالرواح الذي هو حقيقة في الخروج بعد الزوال ومن ثم أخذ منه غيرنا أن الساعات من الزوال؛ لأنه خروج لما يؤتى به بعده على أن الأزهري قال: إنه يستعمل حقيقة أيضا في مطلق السير، ولو ليلا وبتسليم أن هذا مجاز تتعين إرادته لخبر يوم الجمعة المذكور أما الإمام فيسن له التأخير إلى وقت الخطبة للاتباع، وقد يجب التبكير كما مر في بعيد الدار ويسن لمطيق المشي أن يأتي إليها ككل عبادة "ماشيا" إلا لعذر للخبر الصحيح "من غسل" أي بالتخفيف على الأرجح يوم الجمعة أي رأسه أو زوجته لما مر من ندب الجماع ليلتها أو يومها كذا قالوه وظاهره استواؤهما لكن ظاهر الحديث أنه يومها أفضل ويوجه بأن القصد منه أصالة كف بصره عما لعله يراه فيشتغل قلبه وكلما قرب من خروجه يكون أبلغ في ذلك "واغتسل وبكر" أي بالتشديد على الأشهر أتى بالصلاة أول وقتها وبالتخفيف خرج من بيته باكرا "وابتكر" أي أدرك أول الخطبة أو تأكيد ومشى ولم يركب أي في جميع الطريق "ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة" أي من محل خروجه إلى مصلاه فلا ينقطع الثواب كما قاله

 

ج /1 ص -352-      بعضهم بوصوله للمسجد بل يستمر فيه أيضا إلى مصلاه، وكذا في المشي لكل صلاة عمل سنة أجر صيامها وقيامها قيل ليس في السنة في خبر صحيح أكثر من هذا الثواب فليتنبه له ومحله في غير نحو الصلاة بمسجد مكة لما يأتي في الاعتكاف من مضاعفة الصلاة الواحدة فيه إلى ما يفوق هذا بمراتب لا سيما إن انضم إليها نحو جماعة وسواك وغيرهما من مكملاتها وأن يكون طريق ذهابه أطول؛ لأنه أفضل ويتخير في عوده بين الركوب والمشي كما يأتي في العيد وأن يكون مشبه "بسكينة".للأمر به مع النهي عن السعي أي العدو رواه الشيخان ومن ثم كره وكذا في كل عبادة. والمراد بقوله تعالى {فاسعوا} امضوا أو احضروا كما قرئ به شاذا نعم إن لم يدركها إلا بالسعي، وقد أطاقه وجب أي، وإن لم يلق به ويحتمل خلافه أخذا من أن فقد بعض اللباس اللائق به عذر فيها إلا أن يفرق "وأن يشتغل في طريقه وحضوره" محل الصلاة "بقراءة أو ذكر" وأفضله الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الخطبة وكذا إن لم يسمعها كما مر للأخبار المرغبة في ذلك وإنما تكره القراءة في الطريق إن التهى عنها "ولا يتخطى".رقاب الناس للنهي الصحيح عنه فيكره له ذلك كراهة شديدة بل اختار في الروضة حرمته وعليها كثيرون نعم للإمام التخطي للمنبر أو المحراب إذا لم يجد طريقا سواه وكذا لغيره إذا أذنوا له فيه لا حياء على الأوجه نعم إن كان فيه إيثار بقربة كره لهم أو كانوا نحو عبيده أو أولاده أو كان الجالس.في الطريق أو كان ممن لا تنعقد به الجمعة والجائي ممن تنعقد به فيتخطى ليسمع أو وجد فرجة بين يديه لتقصيرهم لكن يكره أن يزيد على صفين أو اثنين إلا إذا لم يجد غيرها أو لم يرج أنهم يسدونها عند القيام قال جمع ولا يكره لمعظم ألف موضعا وقيده الأذرعي بمن ظهر صلاحه وولايته لتبرك الناس به وقضيتها أن محله في تخطي من يعرفونه وأنه لا فرق حينئذ بين أن يتخطى لموضع ألفه وغيره
"وأن يتزين بأحسن ثيابه" للحث على ذلك في الخبر الصحيح.وأفضلها الأبيض في كل زمن حيث لا عذر على الأوجه للخبر الصحيح
"البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم" ويلي الأبيض ما صبغ قبل نسجه ويكره ما صبغ بعده؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يلبسه كذا ذكره جمع متقدمون واعتمده المتأخرون وفيه نظر فإن إطلاق الصحابة للبسه صلى الله عليه وسلم المصبوغ على اختلاف ألوانه يدل على أنه لا فرق وفي حديث اختلف في ضعفه أنه صلى الله عليه وسلم أتي له بعد غسله بملحفة مصبوغة بالورس فالتحف بها قال راويه قيس بن سعد رضي الله عنهما وكأني أنظر أثر الورس على عكنه وهذا ظاهر في أنها مصبوغة بعد النسج بل يأتي قبيل العيد أنه صلى الله عليه وسلم كان يصبغ ثيابه بالورس حتى عمامته" وهذا صريح فيما ذكرته "وطيب" لغير صائم على الأوجه لما في الخبر الصحيح أن الجمع بين الغسل ولبس الأحسن والطيب والإنصات وترك التخطي يكفر ما بين الجمعتين ويسن للخطيب أن يبالغ في حسن الهيئة وفي موضع من الإحياء يكره له لبس السواد أي هو خلاف الأولى وتبعه ابن عبد السلام فقال إدامة لبسه بدعة لكن قضية تعبيره بالإدامة أنه لا بدعة في غيرها ويؤيده ما يأتي وقول الماوردي ينبغي لبسه يحمل على زمنه من منع العباسيين الخطباء إلا به مستندين فيه لما رواه

 

ج /1 ص -353-      ابن عدي وأبو نعيم والبيهقي عن جدهم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم وإذا معه جبريل وأنا أظنه دحية الكلبي فقال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم إنه أوضح الثياب وإن ولده يلبسون السواد، فإن قلت صح أنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعليه عمامة سوداء وأنه خطب الناس وعليه عمامة سوداء وفي رواية دخل مكة يوم الفتح وعليه شقة سوداء وفي أخرى عند ابن عدي كان له عمامة سوداء يلبسها في العيدين ويرخيها خلفه وفي أخرى للطبراني "أنه عمم عليا بعمامة سوداء وأرسله إلى خيبر ونقل لبس السواد عن كثير من الصحابة والتابعين قلت هذه كلها وقائع فعلية محتملة فقدم القول وهو الأمر بلبس البياض عليها على أنه ليس فيها لبسه يوم الجمعة بل في نحو الحرب؛ لأنه أرهب وفيه يوم الفتح الإشارة إلى أن ملته لا تتغير إذ كل لون غيره يقبل التغير وفي العيد لأن الأرفع فيه أفضل من البياض كما يأتي "وإزالة الظفر" من يديه ورجليه لا أحدهما.فيكره كلبس نحو نعل أو خف واحدة لغير عذر وشعر نحو إبطه وعانته لغير مريد التضحية في عشر الحجة وذلك للاتباع رواه البزار وقص شاربه حتى تبدو حمرة الشفة وهو المراد بالإحفاء المأمور به في خبر الصحيحين ويكره استئصاله وحلقه ونوزع في الحلق بصحة وروده ولذا ذهب إليه الأئمة الثلاثة على ما قيل، والذي في مغني الحنابلة أنه مخير بينه وبين القص ونقل الطحاوي عن مذهب أبي حنيفة وصاحبيه وزفر أن إحفاءه أفضل من قصه، فإن قلت ما جوابنا عن صحة خبر الحلق قلت هي واقعة فعلية محتملة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقص ما يمكن قصه ويحلق ما لا يتيسر قصه من معاطفه التي يعسر قصها فإن قلت فهل نقول بذلك قلت قد أشار إليه بعض المتأخرين وله وجه ظاهر إذ به يجتمع الحديثان على قواعدنا فليتعين؛ لأن الجمع بينهما ما أمكن واجب وحلق الرأس مباح إلا إن تأذى ببقاء شعره أو شق عليه تعهده فيندب وخبر من حلق رأسه أربعين مرة في أربعين أربعاء صار فقيها لا أصل له، والمعتمد في كيفية تقليم اليدين أن يبدأ بمسبحة يمينه إلى خنصرها، ثم إبهامها، ثم خنصر يسارها إلى إبهامها على التوالي والرجلين أن يبدأ بخنصر اليمنى إلى خنصر اليسرى على التوالي وخبر من قص أظفاره مخالفا لم ير في عينيه رمدا قال الحافظ السخاوي هو في كلام غير واحد ولم أجده وأثره الحافظ الدمياطي عن بعض مشايخه ونص أحمد على استحبابه ا هـ وكذا مما لم يثبت خبر فرقوها فرق الله همومكم وعلى ألسنة الناس في ذلك وأيامه أشعار منسوبة لبعض الأئمة وكلها زور وكذب وينبغي البدار بغسل محل القلم لأن الحك به قبله يخشى منه البرص ويسن فعل ذلك يوم الخميس أو بكرة يوم الجمعة لورود كل وكره المحب الطبري نتف الأنف قال بل يقصه لحديث فيه قيل بل في حديث أن في بقائه أمانا من الجذام "والريح" الكريه ونحوه كالوسخ لئلا يؤذى.وهذه كلها لا تختص بالجمعة بل تسن لكل من أراد الحضور عند الناس لكنها فيها آكد "قلت وأن يقرأ الكهف" فيه رد على من شذ فكره ذكر ذلك من غير سورة "يومها وليلتها" والأفضل أولهما مبادرة للخير وحذرا من الإهمال وأن يكثر منها فيهما للخبر الصحيح "أن الأول يضيء له من النور ما بين الجمعتين" ولخبر الدارمي "أن الثاني

 

ج /1 ص -354-      يضيء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق" وحكمة ذلك أن فيها ذكر القيامة وأهوالها ومقدماتها وهي تقوم يوم الجمعة كما في مسلم ولشبهه بها في اجتماع الخلق فيها "ويكثر الدعاء" في يومها رجاء أن يصادف ساعة الإجابة وهي لحظة لطيفة وأرجاها.من حين يجلس الخطيب على المنبر إلى فراغ الصلاة كما مر وفي أخبار أنها في غير ذلك ويجمع بينها بنظير المختار في ليلة القدر أنها تنتقل وفي ليلتها لما جاء عن الشافعي رضي الله عنه أنه بلغه أن الدعاء يستجاب فيها وأنه استحبه فيها "والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم" في يومها وليلتها للأخبار الصحيحة الآمرة بذلك والناصة على ما فيه من عظيم الفضل والثواب كما بينتها في كتابي الدر المنضود في الصلاة والسلام على صاحب المقام المحمود.ويؤخذ منها أن الإكثار منها أفضل منه بذكر أو قرآن لم يرد بخصوصه "ويحرم على ذي الجمعة" أي من لزمته، فإن قلت: كيف أضاف "ذي" بمعنى صاحب إلى معرفة؟ قلت: أل هنا يصح أن تكون للجنس أو العهد الذهني، وكل منهما في معنى النكرة كما هو مقرر في محله؛ فصحت الإضافة لذلك وإضافتها للعلم في أنا الله ذو بكة بتقدير تنكيره أيضا نظير ما قاله الرضي في فرعون موسى وموسى بني إسرائيل بالإضافة. "التشاغل" عن السعي إليها "بالبيع".أو الشراء لغير ما يضطر إليه "وغيره" من كل العقود والصنائع وغيرهما من كل ما فيه شغل عن السعي إليها، وإن كان عبادة "بعد الشروع في الأذان بين يدي الخطيب" لقوله تعالى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:9] أي اتركوه والأمر للوجوب فيحرم الفعل وقيس به كل شاغل ويحرم أيضا على من لم تلزمه مبايعة من تلزمه لإعانته له على المعصية، وإن قيل إن الأكثرين على الكراهة وخرج بالتشاغل فعل ذلك في الطريق إليها وهو ماش أو المسجد، وإن كره فيه ويلحق به كما هو ظاهر كل محل يعلم وهو فيه وقت الشروع فيها ويتيسر له لحوقها وبالأذان المذكور الأذان الأول؛ لأنه حادث كما مر فلا يشمله النص نعم من يلزمه السعي قبل الوقت يحرم عليه التشاغل من حينئذ وبذي الجمعة من لا تلزمه مع مثله فلا حرمة بل ولا كراهة مطلقا "فإن باع" مثلا "صح" لأن النهي لمعنى خارج عن العقد "ويكره" التشاغل بالبيع وغيره لمن لزمته ومن يعقد معه "قبل الأذان" المذكور "بعد الزوال والله أعلم" لدخول الوقت فربما فوت نعم إن فحش التأخير عنه كما في مكة لم يكره ما بحثه الإسنوي للضرورة.

فصل فيما تدرك به الجمعة وما يجوز الاستخلاف فيه وما يجوز للمزحوم وما يمتنع من ذلك
"من أدرك ركوع" الركعة "الثانية" مع الإمام المتطهر المحسوب له إلا فيما يأتي واستمر معه إلى أن يسلم كما أفاده قوله: فيصلي بعد سلام الإمام وبهذا يندفع الاعتراض عليه بأن قول أصله أدرك مع الإمام ركعة أحسن.على أن هذا فيه إيهام سلم منه المتن إذ قضيته الاكتفاء بإدراك الركوع والسجدتين فقط والمعتمد كما أفاده كلام الشيخين واعتمده الأذرعي وغيره، وإن خالف فيه كثيرون وحملوا كلامهما على التمثيل دون التقييد واستدلوا

 

ج /1 ص -355-      بنص الأم وغيره أنه لا بد من استمراره معه إلى السلام وإلا كأن فارق أو بطلت صلاة الإمام لم يدرك الجمعة وأيده الغزي بما يأتي في الخليفة أنه لو أدرك ركوع الثانية وسجدتيها لا يدرك الجمعة وهو استدلال محتمل، وإن أمكن الفرق وكون الركعة تنتهي بالفراغ من السجدة الثانية إذ ما بعدها ليس منها كما هو واضح من كلامهم لا ينافي ذلك؛ لأن الاحتياط للجمعة يقتضي اعتبار تابع الثانية منها فيها لامتيازها بخصوصيات عن غيرها كما علم مما مر ويأتي "أدرك الجمعة" حكما لا ثوابا كاملا "فيصلي بعد سلام الإمام ركعة" جهرا للخبر الصحيح "من أدرك ركعة من الجمعة فليصل" أي بضم ففتح فتشديد إليها أخرى وفي رواية صحيحة "من أدرك من صلاة الجمعة ركعة فقد أدرك الصلاة" وتحصل الجمعة أيضا بإدراك ركعة أولى معه، وإن فارقه بعدها لما مر أن الجماعة لا تجب إلا في الركعة الأولى وبإدراك ركعة معه، وإن لم تكن أولى الإمام ولا ثانيته بأن قام لزائدة، ولو عامدا كما بينته في شرح الإرشاد في مبحث القدوة فقول أصل الروضة سهوا تصوير بدليل أنه قاسه على المحدث وهو تصح الصلاة خلفه، وإن علم حدث نفسه فجاء جاهل بحاله واقتدى به وأدرك الفاتحة، ثم استمر معه إلى أن يسلم؛ لأنه أدرك مع الإمام ركعة قبل سلام الإمام فهو كمصل أدرك صلاة أصلية جمعة أو غيرها خلف محدث ويؤخذ منه أنه لا بد هنا من زيادة الإمام على الأربعين وفي هذه الأحوال كلها لو أراد آخر أن يقتدي به في ركعته الثانية ليدرك الجمعة جاز كما في البيان عن أبي حامد وجرى عليه الريمي وابن كبن وغيرهما.قال بعضهم وعليه لو أحرم خلف الثاني عند قيامه لثانيته آخر وخلف الثالث آخر وهكذا حصلت الجمعة للكل ونازع بعضهم أولئك بأن الذي اقتضاه كلام الشيخين وصرح به غيرهما أنه لا يجوز الاقتداء بالمسبوق المذكور. ا هـ. وفيه نظر وليس هنا فوات العدد في الثانية وإلا لم تصح للمسبوق نفسه بل العدد موجود حكما؛ لأن صلاته كمن اقتدى به وهكذا تابعة للأولى "وإن أدركه بعده" أي الركوع "فاتته" الجمعة لمفهوم هذا الخبر "فيتم" صلاته عالما كان أو جاهلا "بعد سلامه" أي الإمام "ظهرا أربعا" من غير نية لفوات الجمعة وأكد بأربعا؛ لأن الجمعة قد تسمى ظهرا مقصورة "والأصح أنه" أي المدرك بعد الركوع."ينوي" وجوبا على المعتمد "في اقتدائه الجمعة" موافقة للإمام ولأن اليأس لا يحصل إلا بالسلام إذ قد يتذكر الإمام ترك ركن فيأتي بركعة ويعلم المأموم ذلك فيدرك معه الجمعة وإنما قلنا ويعلم إلى آخره لقولهم لا تجوز متابعة الإمام في فعل السهو ولا في القيام لخامسة، ولو بالنسبة للمسبوق حملا على أنه سها بركن ومر الفرق بين اليأس هنا وفي المعذور.
"وإذا خرج الإمام من الجمعة أو غيرها" بأن أخرج نفسه عن الإمامة بنحو تأخره.أو خرج عن الصلاة "بحدث أو غيره" كرعاف كثير أو بلا سبب أصلا "جاز الاستخلاف" للإمام ولهم وهو أولى ولبعضهم "في الأظهر" لأن الصلاة بإمامين على التعاقب جائزة كما صح من فعل أبي بكر، ثم النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه قالوا وإذا جاز هذا فيمن لم تبطل صلاته ففي من بطلت بالأولى لضرورته إلى الخروج منها واحتياجهم إلى إمام ومن

 

ج /1 ص -356-      فعل عمر لما طعن، ثم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما ويجوز أن يتقدم واحد بنفسه، وإن فوت على نفسه الجمعة؛ لأن التقدم مطلوب في الجملة فعذر به كذا قيل والأوجه كما بينته في شرح العباب أنه لا يجوز له ذلك بل، وإن قدمه الإمام؛ لأن الظاهر أن محل الخلاف في وجوب امتثاله إذا لم يترتب عليه فوات الجمعة، ولو تركه الإمام ولم يتقدم أحد في الجمعة لزمهم في أولاها فقط لما مر من اشتراط الجماعة فيها دون الثانية فلو أتم الرجال حينئذ منفردين وقدم النسوة امرأة منهن جاز كما يفهمه تعبير الروضة بصلاحية المقدم لإمامة القوم أي الذين يقتدون به، وإن لم يصلح لإمامة الجمعة إذ لو ائتممن فرادى جاز فالجماعة أولى، ولو قدم الإمام أو المأمومون قبل فراغ الأولى واحدا لم يلزمه التقدم على ما بحثه ابن الأستاذ وله احتمال باللزوم لئلا يؤدي إلى التواكل وهو متجه ولا عبرة بتقديمه لمن لا تصح إمامته لهم كامرأة فلا تبطل صلاتهم إلا إن اقتدوا بها وإنما يجوز الاستخلاف أو التقدم.قبل أن ينفردوا بركن، ولو قوليا على ما اقتضاه إطلاقهم وإلا امتنع في الجمعة مطلقا وفي غيرها بغير تجديد نية اقتداء به، ولو فعله بعضهم ففي غيرها يحتاج من فعله لنية دون من لم يفعله وفيها إن كان غير الفاعلين أربعين بقيت وإلا بطلت كما هو ظاهر وأفهم ترتيبه الاستخلاف على خروجه أنه لا يجوز له الاستخلاف قبل الخروج وبه صرح الشيخان في باب صلاة المسافر نقلا عن المحاملي وغيره والمراد كما هو ظاهر أنه ما دام إماما لا يجوز ولا يصح استخلافه لغيره بخلاف ما إذا أخرج نفسه من الإمامة فإنه يجوز استخلافه، وإن لم يكن له عذر لقولهم السابق آنفا وإذا جاز هذا إلى آخره وقول أبي محمد متى حضر إمام أكمل جاز استخلافه مراده إن أخرج نفسه عن الإمامة وحينئذ لا يتقيد بالأكمل "ولا يستخلف" هو أو هم "للجمعة إلا مقتديا به قبل حدثه" ولا يتقدم فيها أحد بنفسه إلا إن كان كذلك؛ لأن فيه إنشاء جمعة بعد أخرى أو فعل الظهر قبل فوات الجمعة وكل منهما ممتنع وإنما اغتفروا ذلك في المسبوق؛ لأنه تابع لا منشئ أما غيرها فلا يشترط فيه ذلك بل الشرط في غير المقتدى به قبل نحو حدثه أن لا يخالف إمامه في ترتيب صلاته كالأولى مطلقا أو ثالثة الرباعية بخلاف ثانيتها أو رابعتها أو ثالثة المغرب حيث لم يجددوا نية الاقتداء به؛ لأنه حينئذ يحتاج للقيام وهم للقعود أما مقتد به قبل ذلك فيجوز استخلافه.مطلقا؛ لأنه يلزمه مراعاة نظم صلاة الإمام فيقنت ويتشهد في محل قنوت الإمام وتشهده "ولا يشترط كونه" أي الخليفة أو المتقدم "حضر الخطبة ولا" أن يكون أدرك "الركعة الأولى في الأصح فيهما"؛ لأنه بالاقتداء به قبل خروجه صار في حكم من حضر الخطبة فضلا عن كونه أدرك الركعة الأولى ألا ترى أنه لو انفض السامعون بعد إحرام غيرهم قاموا مقامهم كما مر ولا يشترط سماعه للخطبة جزما، ولو استخلفه قبل الصلاة اشترط سماعه لها، وإن زاد على الأربعين كما اقتضاه إطلاقهم لأن من لم يسمع لا يندرج في ضمن غيره إلا بعد الاقتداء ولهذا لو بادر أربعون سمعوا فعقدوا الجمعة انعقدت لهم بخلاف غير السامعين. فإن قلت: ظاهر كلامهم صحة استخلاف من سمع، ولو نحو محدث وصبي زاد فما الفرق؟ قلت: يفرق بأنه بالسماع اندرج في ضمن غيره فصار

 

ج /1 ص -357-      من أهلها تبعا ظاهرا فلهذا كفى استخلافه ولبطلان صلاته أو نقصها اشترطت زيادته، وأما من لم يسمع فلم يصر من أهلها ولا في الظاهر فلم يكف استخلافه.مطلقا، ويجوز الاستخلاف في الخطبة لمن سمع ما مضى من أركانها دون غيره على ما حررته في شرح الإرشاد. "ثم" إذا استخلف واحدا وتقدم بنفسه في الجمعة "إن كان أدرك" الإمام في قيام أو ركوع الركعة "الأولى"، وإن بطلت فيما إذا أدركه في القيام صلاة الإمام قبل ركوعها "تمت جمعتهم" أي الخليفة والمأمومين لأنه صار قائما مقامه "وإلا" يدرك ذلك، وإن استخلف فيها "فتتم" الجمعة "لهم دونه في الأصح" لإدراكهم ركعة كاملة مع الإمام بخلافه فيتمها ظهرا، وإن أدرك معه ركوع الثانية وسجودها كما أفهمه كلام الشيخين وغيرهما، وإن قال البغوي يتمها جمعة؛ لأنه صلى مع الإمام ركعة فقد مر أن المعتمد أنه لا بد من بقائه معه إلى أن يسلم وفارق هذا الخليفة مسبوقا اقتدى به بأنه تابع والخليفة إمام لا يمكن جعله تابعا لهم وبحث بعضهم أنه متى أدرك ركعة لم تلزمه نية الإمامة وإلا لزمته وفيه نظر لأنه ليس إماما من كل وجه فالأوجه أنه لا تلزمه نية الإمامة مطلقا لبقاء كونه مأموما حكما إذ يلزمه الجري على نظم الإمام الأول.
تنبيه: يؤخذ من تعليلهم هنا في بعض المسائل ومما مر أنها لا تصح خلف من لا تلزمه إلا إن زاد على الأربعين وأن العدد بقاؤه شرط إلى السلام إن فرض ما هنا إذا كان الإمام زائدا على الأربعين؛ لأنه إذا كان منهم بطلت بخروجه لنقص العدد وأنه حيث لزم الخليفة الظهر اشترط أن يكون زائدا على الأربعين وإلا لم يصح اقتداؤهم به.ولا ينافي هذا ما قالوه في صلاة الجمعة في الخوف الجائز في الأمن أيضا كما بينته في شرح الإرشاد؛ لأن الإمام ثم واحد والكل تبع له وهذا ليس موجودا هنا وأفتى بعضهم فيمن أحرم بتسعة وثلاثين فاقتدى به آخر في الثانية فأحدث واستخلفه أتموا الجمعة لقيام المأموم مقام الإمام؛ لأنه باقتدائه به قبل الحدث انسحب عليه حكم الجماعة في بقاء العدد دون إدراك الجمعة لاختلاف الملحظين وما اقتضاه كلامه من جواز اقتدائهم به مع كونه ليس زائدا على الأربعين فيه نظر وأما حسبأنه من العدد حتى لا تبطل جمعتهم لو أتموا فرادى فمتجه
"ويراعي" وجوبا الخليفة "المسبوق نظم المستخلف" يعني الأول، وإن لم يستخلف؛ لأنه التزم ذلك بالاقتداء به "فإذا صلى" بهم "ركعة تشهد" أي جلس للتشهد وجوبا أي بقدر ما يسع أقل التشهد والصلاة كما هو ظاهر وقرأه ندبا."وأشار" الخليفة ندبا، فإن ترك لم يبعد ندب ذلك لغيره مصل أو غيره نظير ما مر أن من أحرم على يسار الإمام سن له ولغيره من مصل أو غيره تحويله إلى اليمين وظاهر المتن وغيره ندب إشارته، وإن علم أن من وراءه لا يخفى ذلك عليهم بوجه وعليه فيوجه بأنهم قد ينسون أو يظنون سهوه "إليهم ليفارقوه" وتجب إن خشوا خروج الوقت وإلا لم يكره "أو ينتظروا" سلامه ليسلموا معه وهو الأفضل، ثم يقوم إلى ما بقي عليه من ركعة إن أدرك الجمعة بناء على ما مر عن البغوي أو ثلاث إن لم يدركها وقوله: ليفارقوه أو ينتظروا يحتمل أن يكون من جملة ما يشير إليه

 

ج /1 ص -358-      وعليه ففهم التخيير من الإشارة ممكن كما لا يخفى ويحتمل أن يكون بيانا للحكم المترتب عليها فلا اعتراض عليه خلافا لجمع. وقضية المتن عدم صحة استخلاف مسبوق جاهل بنظم صلاة الإمام وصححه في الروضة لكن رجح في التحقيق الصحة واعتمده الإسنوي وغيره وعليه فيراقب من خلفه، فإن هموا بالقيام قام وإلا قعدوا في الرباعية إذا هموا بالقعود قعد وتشهد معهم، ثم يقوم، فإن قاموا معه علم أنها ثانيتهم وإلا علم أنها آخرتهم ولا ينافي هذا ما مر في سجود السهو أنه لا يرجع لقول الغير ولا لفعله، وإن كثر لأن هذا مستثنى لضرورة توقف العلم بالنظم عليهم أي أصالة فلا ينافي أن له اعتماد خبر ثقة غيرهم وإشارته كما في المجموع عن البغوي وأقره قال عنه كما لو أخبره الإمام أي الذي بطلت صلاته أن الباقي من صلاته كذا فله اعتماد خبره اتفاقا "ولا يلزمهم استئناف نية القدوة" بالمتقدم بغيره أو بنفسه في الجمعة وغيرها كما اقتضاه كلام الحاوي وغيره لكن الذي بحثه الأذرعي واقتضاه كلام الشيخين وغيرهما أنه متى لم يقدمه الإمام لزمهم استئنافها والذي يتجه الأول لأن إلزامهم له الجري على نظم الإمام مطلقا صريح في أنه تابع له ومنزل منزلته وإذا كان كذلك لم يحتج الاقتداء به إلى نية كما هو واضح ولا فرق في غيرها بين من اقتدى به قبل خروجه ومن لم يقتد به.إلا عند تخالف النظم أو فعل ركن كما علم مما مر "في الأصح" لتنزيلهما منزلة الأول في رعاية نظمه وغيره نعم ينبغي ندبها خروجا من الخلاف
"ومن زحم عن السجود" في الجمعة أو غيرها لكن لغلبتها فيها ذكر وهاهنا "فأمكنه" بأن وجدت هيئة الساجدين فيه، ولو "على" عضو "إنسان" لم يخش منه فتنة أخذا مما مر في الجر من الصف، ولو قنا ويفرق بينه وبين ما مر، ثم إن جره فيه استيلاء عليه مضمن بخلاف مجرد السجود عليه، ولو غير مكلف بناء على أنه لا يشترط الرضا بذلك وهو ما قاله ابن الرفعة، وإن لم يخل عن وقفة إلا أن يحمل على ما لا تأذي به أو به تأذ يظن الرضا به "فعله" وجوبا لما صح عن عمر رضي الله عنه ولا يعرف له مخالف وعبر بإنسان؛ لأنه الوارد عن عمر وإلا فالتعبير بشيء الشامل للبهيمة ومتاع وغيرهما أعم "وإلا" يمكنه على شيء أو أمكنه لا مع التنكيس "فالصحيح أنه ينتظر" زوال الزحمة في الاعتدال ولا يضره تطويله لعذره وقضيته أنه لو أمكنه الانتظار جالسا بعد الاعتدال لم يجز له وعليه يفرق بينهما بأن الاعتدال محسوب له فلزمه البقاء فيه بخلاف ذلك الجلوس فكان كالأجنبي عما هو فيه نعم إن لم تكن طرأت له الزحمة إلا بعد أن جلس فينبغي انتظاره حينئذ فيه لأنه أقل حركة من عوده للاعتدال. "ولا يومئ به" لندرة هذا العذر وعدم دوامه ويسن للإمام أن يطول القراءة ليلحقه فيها، ثم إن زحم في الثانية وكان أدرك الأولى تخير بين المفارقة والانتظار وإلا لم تجز المفارقة لقدرته على إدراك الجمعة فلم يجز له مع ذلك تفويتها وفيما إذا زحم في الثانية لا يدرك الجمعة إلا إن سجد السجدتين قبل سلام الإمام كما يأتي "ثم إن" كانت الزحمة في الأولى و "تمكن" من السجود "قبل ركوع إمامه" في الثانية أي قبل شروعه فيه "سجد" وجوبا؛ لأنه لم يسبق بأكثر من ثلاثة أركان طويلة "فإن رفع" منه

 

ج /1 ص -359-      "والإمام قائم قرأ" الفاتحة لإدراكه محلها، فإن ركع الإمام قبل فراغها ركع معه وتحمل عنه بقيتها كالمسبوق بشرطه "أو" فرغ منه والإمام "راكع فالأصح" أنه "يركع" معه "وهو كمسبوق" فيتحمل عنه الفاتحة؛ لأنه لم يدرك محلها. "فإن كان إمامه" حين فراغه من سجوده "فرغ من الركوع" أو بقي منه جزء لكنه لم يدرك فيه فاتته الركعة مطلقا "و" حينئذ فمتى "لم يسلم وافقه فيما هو فيه"؛ لأنه لا فائدة لجريه على نظم نفسه حينئذ "ثم يصلي الركعة بعده" لما تقرر من فوات ركعته الثانية بفوات ركوعها مع الإمام "وإن كان" الإمام "سلم" قبل فراغه من السجود "فاتت الجمعة"؛ لأنه لم يدرك معه ركعة. وقضيته أنه لو قارن رفع رأسه الميم من عليكم أنها تفوته وهو محتمل وقضية قول شارح صرحوا هنا بأنه لو سلم الإمام كما رفع هو من السجود أنه يتم الجمعة خلافه "وإن لم يمكنه السجود حتى ركع الإمام" في الثانية أي شرع في ركوعها "ففي قول يراعي نظم" صلاة "نفسه" فيسجد الآن لئلا يوالي بين ركوعين في ركعة واحدة "والأظهر أنه يركع معه" لأنه سبقه بأكثر من ثلاثة طويلة "ويحسب ركوعه الأول في الأصح" لأنه أتى به في وقته والثاني إنما أتى به لمحض المتابعة وإذا حسب له الأول "فركعته ملفقة من ركوع الأولى وسجود الثانية" الذي أتى به "ويدرك بها الجمعة في الأصح"؛ لأنه أدرك ركعة منها قبل سلام الإمام والتلفيق غير مؤثر في ذلك "فلو سجد على ترتيب نفسه" عامدا "عالما بأن واجبه المتابعة" في الركوع كما هو الأظهر المذكور "بطلت صلاته" لتلاعبه حيث سجد في موضع الركوع ويلزمه التحرم بالجمعة إن أمكنه إدراك الإمام في الركوع على ما في الروضة كأصلها واعترضوه.بأن الموافق لما قدمه أن اليأس لا يحصل إلا بالسلام أنه يلزمه الإحرام بها هنا ما لم يسلم ولا يصح تحرمه بالظهر لأنه لم ييأس. "وإن نسي" ما علمه "أو جهل" حكم ذلك، ولو عاميا مخالطا للعلماء كما هو ظاهر؛ لأن هذا مما يخفى على العوام "لم يحسب سجوده الأول" لأنه أتى به في غير محله وإنما لم تبطل صلاته لعذره "فإذا سجد ثانيا" بأن استمر على ترتيب نفسه سهوا أو جهلا ففرغ من السجدتين، ثم قام وقرأ وركع واعتدل وسجد أو لم يستمر بأن تذكر أو علم والإمام في التشهد حال قيامه من سجوده فسجد سجدتين قبل سلام الإمام "حسب" له ما أتى به وتمت به ركعته الأولى لدخول وقته وألغي ما قبله "والأصح" بناء على الحسبان الذي هو المنقول كما في المحرر وانتصر له السبكي والإسنوي وغيرهما دون ما في العزيز من عدم الحسبان، وإن تبعه عليه في الروضة والمجموع "إدراك الجمعة بهذه الركعة.إذا كملت السجدتان قبل سلام الإمام"، وإن كان فيها نقص التلفيق ونقص عدم متابعة الإمام "و" التخلف بالنسيان أو نحو مرض أو بطء حركة كهو بالزحمة في جميع ما مر فحينئذ "لو تخلف بالسجود" في الأولى "ناسيا حتى ركع الإمام للثانية" فذكره "ركع معه" وجوبا "على المذهب" لأنه سبق بأكثر من ثلاثة أركان فلم يجز له الجري على نظم نفسه.

 

ج /1 ص -360-      باب كيفية "صلاة الخوف
من حيث إنه يحتمل في الفرض فيه ما لا يحتمل في غيره كما يأتي وتعبيرهم بالفرض هنا؛ لأنه الأصل وإلا فلو صلوا فيه عيدا مثلا جاز فيه الكيفيات الآتية لما صرحوا به في الرابعة من جواز نحو عيد وكسوف لا استسقاء؛ لأنه لا يفوت وحينئذ فيحتمل استثناؤه أيضا من بقية الأنواع.ويحتمل العموم؛ لأن الرابعة يحتاط لها لما فيها من كثرة المبطلات ما ليس في غيرها وأصلها قوله تعالى:
{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} [النساء:102] الآية مع ما يأت.ي
"هي أنواع" تبلغ ستة عشر نوعا بعضها في الأحاديث وبعضها في القرآن واختار الشافعي رضي الله عنه منها الثلاثة الآتية؛ لأنها أقرب إلى بقية الصلوات وأقل تغييرا وذكر الرابع الآتي لمجيء القرآن به.
تنبيه: هذا الاختيار مشكل؛ لأن أحاديث ما عدا تلك الثلاثة لا عذر في مخالفتها مع صحتها وإن كثر تغييرها وكيف تكون هذه الكثرة التي صح فعلها عنه صلى الله عليه وسلم من غير ناسخ لها مقتضية للإبطال ولو جعلت مقتضية للمفضولية لاتجه، وقد صح عنه ما تشيد به فخره من قوله إذا صح الحديث فهو مذهبي واضربوا بقولي الحائط وهو وإن أراد من غير معارض لكن، ما ذكر لا يصلح معارضا كما يعرف من قواعده في الأصول فتأمله.
"الأول" صلاة عسفان وحذف هذا مع أنه النوع حقيقة لفهمه مما ذكره وكذا في الباقي "يكون".أي كون على حد تسمع بالمعيدي خير من أن تراه فاندفع ما هنا للشارح "العدو في" جهة "القبلة" ولا حائل بيننا وبينه وفينا كثرة بحيث تقاوم كل فرقة منا العدو كذا قالوه مصرحين بأنه شرط لجواز هذه الكيفية وهو مشكل مع ما يعلم من كلامهم الآتي أنه يكفي جعلهم صفا واحدا وحراسة واحد منهم وقد يجاب بأنه صلى الله عليه وسلم لم يفعلها إلا مع الكثرة؛ لأنه كان في ألف وأربعمائة وخالد بن الوليد رضي الله عنه في مائتين من المشركين في صحراء واسعة والغالب على هذه الأنواع الاتباع والتعبد فاختص الجواز بما في معنى الوارد من غير نظر إلى أن حراسة واحد يدفع كيدهم لاحتمال أن يسهو فيفجأ العدو المصلين فينال منهم لو قلوا، وأيضا فقلتهم ربما كانت حاملة العدو على الهجوم وهم في سجودهم بخلاف كثرتهم فجازت هذه الكيفية مع الكثرة وأدنى مراتبها أن يكون مجموعنا مثلهم بأن نكون مائة وهم مائة مثلا فصدق حينئذ أنا إذا فرقنا فرقتين كافأت كل منهما العدو سواء أجعلنا فرقة أم فرقا، فقولهم بحيث إلى آخره المراد منه كمن عبر بأن يكافئ بعض منا العدو ما ذكر كما هو ظاهر لا مع القلة "فيرتب الإمام القوم صفين" أو أكثر "ويصلي بهم" بأن يحرم بالجميع إلى أن يعتدل بهم "فإذا سجد سجد معه صف سجدتين.وحرس صف فإذا قاموا سجد من حرس ولحقوه" في القيام ليقرأ بالكل فإن لم يلحقوه فيه بأن سبقهم بأكثر من ثلاثة طويلة السجدتين والقيام بأن لم يفرغوا من سجدتيهم إلا وهو راكع وافقوه في الركوع وأدركوه بشرطه فإن لم يوافقوه فيه وجروا على ترتيب أنفسهم بطلت

 

ج /1 ص -361-      صلاتهم بشرطه كما علم ذلك كله مما مر في المزحوم وغيره نعم يتردد النظر هنا فيما ذكرته في حسبان السجدتين عليهم مع كونهم مأمورين بالتخلف بهما مع إمكان فعلهم لهما مع الإمام لمصلحة الغير بخلاف تلك النظائر "وسجد معه في الثانية من حرس أولا وحرس الآخرون فإذا جلس سجد من حرس وتشهد بالصفين وسلم وهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان" بضم العين سمي بذلك لعسف السيول فيه رواها مسلم لكن فيه أن الصف الأول سجد معه في الركعة الأولى والثاني في الثانية مع تقدم الثاني وتأخر الأول وحملوه على الأفضل الصادق.به المتن كعكسه وذلك بشرط أن لا تكثر أفعالهم في التقدم والتأخر المطلوب في العكس أيضا قياسا على الوارد؛ لأن الأول أفضل فخص بالسجود أولا مع الإمام الأفضل أيضا واغتفر هنا للحارس هذا التخلف لعذره ولا حراسة في غير السجدتين لعدم الحاجة إليها "ولو حرس فيهما" أي الركعتين "فرقتا صف" على المناوبة فرقة في الأولى وفرقة في الثانية "جاز" قطعا لحصول المقصود وهو الحراسة "وكذا" يجوز أن تحرس فيهما "فرقة" واحدة ولو واحدا "في الأصح" إذ لا محذور فيه وفرضهم الركعتين باعتبار أنه الوارد وإلا فللزائد عليهما حكمهما.
"الثاني: يكون" العدو "في غيرها" أي القبلة أو فيها وثم ساتر وليس هذا شرطا لجواز هذه الكيفية بل لندبها كما في المجموع عن الأصحاب "فيصلي" الإمام بعد جعله القوم فرقتين واحدة بوجه العدو حين صلاته بالأولى ثم تذهب هذه لوجهه وتأتي الأخرى إليه "مرتين كل مرة بفرقة وهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ببطن نخل" موضع من نجد رواها الشيخان.وشرط ندب هذه كما قالاه لا جوازها خلافا لما زعمه الإسنوي نظرا إلى أنها مع فقد بعض الشروط فيها تغرير بالمسلمين؛ لأن هذا ملحظ آخر لا تعلق له بالصلاة على أنه لا تغرير فيه إلا إن أكرههم على الاقتداء به مع علمه بأن فيه ضررا عليهم، كثرتنا بحيث تقاوم كل فرقة منا العدو أي بالاعتبار السابق كما هو ظاهر وخوف هجومهم في الصلاة لو لم يفعلوها وعبر بعضهم بأمن مكرهم ولا تخالف؛ لأن المراد أمنه لو فعلوا والإمام ينتظرهم، نعم إن أمكن أن يؤم الثانية واحد منها كان أفضل ليسلموا من اقتدائهم بالمتنفل المختلف في صحته في الجملة وصلاته صلى الله عليه وسلم بالفرقتين؛ لأنهم لا يسمحون بالصلاة خلف غيره مع وجوده "أو" يكون العدو في غيرها أو فيها وثم ساتر وهذا هو النوع الثالث كما أفاده قوله الآتي الرابع "تقف فرقة في وجهه" أي العدو تحرس "ويصلي بفرقة ركعة.فإذا قام للثانية فارقته" بالنية وإلا بطلت صلاتها وعلم منه أنه لا تسن لهم نية المفارقة إلا بعد تمام الانتصاب؛ لأنه قائم أيضا فيكون انتصابهم في حال القدوة "وأتمت وذهبت إلى وجهه وجاء الواقفون" في وجه العدو والإمام ينتظرهم "فاقتدوا به وصلى بهم" الركعة "الثانية فإذا جلس للتشهد قاموا" ندبا فورا من غير نية؛ لأنهم مقتدون به حكما كما يأتي "فأتموا ثانيتهم ولحقوه وسلم بهم وهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع" موضع من نجد رواها الشيخان أيضا وسميت بذلك لتقطع جلود أقدامهم فيها فكانوا يلفون عليها الخرق وقيل غير ذلك، ويجوز فيها غير تلك الكيفية ولو مع الأفعال الكثيرة.لصحة الخبر به كما بينته في

 

ج /1 ص -362-      شرح العباب "والأصح أنها" أي هذه الكيفية "أفضل من بطن نخل" وعسفان؛ لأنها أخف وأعدل بين الطائفتين ولصحتها بالإجماع في الجملة وفارقت صلاة عسفان بجوازها في الأمن لغير الفرقة الثانية ولها إن نوت المفارقة بخلاف التخلف الفاحش الذي في عسفان فإنه لا يجوز في الأمن كذا قيل، وفيه نظر فإن التخلف الذي في عسفان يجوز في الأمن للعذر كالزحمة وعند نية المفارقة فكانت أولى بالجواز من ذات الرقاع بالنسبة للفرقة الثانية؛ لأن انفرادها لا يجوز في الأمن بحال، ثم رأيت ذلك منقولا عن الرافعي ورأيت له توجيها يوضحه بعض الإيضاح وهو أن ذات الرقاع أشبه بالقرآن لما فيها من الحزم وأمن غدر العدو إذ وقوف الطائفة الحارسة قبالته من غير صلاة أقوى في مصابرة العدو ودفع كيده "ويقرأ الإمام" ندبا "في انتظاره" الفرقة "الثانية" في القيام الفاتحة وسورة طويلة إلى أن يجيئوا إليه ثم يزيد من تلك السورة قدر الفاتحة وسورة قصيرة إن بقي منها قدرهما وإلا فمن سورة أخرى لتحصل لهم قراءة الفاتحة.وشيء من زمن السورة "ويتشهد" ندبا في انتظارها في الجلوس ويدعو إلى أن يجلسوا معه ويفرغوا من تشهدهم بكماله؛ لأن الصلاة ليس فيها سكوت والقيام ليس محل ذكر "وفي قول" يشتغل بالذكر و "يؤخر" قراءة الفاتحة والتشهد ندبا "لتلحقه" وتعادل الفرقة الأولى فإنه قرأها معهم ويسن له تخفيف الأولى ولهم تخفيف ما ينفردون به "فإن صلى مغربا" بهذه الكيفية "ف" يصلي "بفرقة ركعتين وبالثانية ركعة وهو أفضل من عكسه" الجائز أيضا بل هو مكروه "في الأظهر"؛ لأن التفضيل لا بد منه فالسابق أولى به، ولسلامته من التطويل في عكسه بزيادة تشهد في أولى الثانية "وينتظر" الثانية إذا صلى بالأولى ركعتين "في" جلوس "تشهده" الأول "أو قيام الثالثة وهو" أي انتظارها في القيام "أفضل" منه في التشهد "في الأصح" لبنائه على التطويل بخلاف التشهد الأول ويقرأ في انتظاره في القيام ويتشهد في انتظاره في القيام ويتشهد في انتظاره إن فارقته الأولى قبله، والأولى أن لا يفارقوه إلا بعده؛ لأنه محل تشهدهم "أو" صلى بهم "رباعية" فيصلي "بكل" من الفرقتين "ركعتين" تسوية بينهما والأفضل انتظاره الثانية في قيام الثالثة هنا أيضا، "ولو" فرقهم أربع فرق في الرباعية وثلاثا في الثلاثية و "صلى بكل فرقة ركعة" وفارقته كل من الثلاث الأول وصلت لنفسها ما بقي عليها وهو منتظر فراغها ثم تجيء الرابعة فيصلي بها ركعة وتأتي بالباقي وهو منتظر لها في التشهد ثم يسلم بها "صحت صلاة الجميع في الأظهر" إذ لا محذور فيه لجوازه في الأمن ولو لغير حاجة وإنما اقتصر صلى الله عليه وسلم على الانتظارين؛ لأنه الأفضل "وسهو كل فرقة".إذا فرقهم فرقتين كما دل عليه كلامه وصرح به أصله "محمول في أولاهم" لاقتدائهم فيها حسا وحكما "وكذا ثانية الثانية في الأصح" لاقتدائهم فيها حكما وإلا لاحتاجوا لنية القدوة إذا جلسوا للتشهد معه "لا ثانية الأولى" لانفرادهم فيها حسا وحكما "وسهوه" أي الإمام "في الأولى يلحق الجميع" أما الأولى فظاهر فتسجد عند تمام صلاتها، وأما الثانية فلأنهم ربطوا صلاتهم بصلاة ناقصة لما مر أن من اقتدى بمن سها قبل اقتدائه به يلحقه سهوه فيسجدون معه فإن لم يسجد سجدوا بعد سلامه "و" سهوه "في الثانية لا يلحق الأولين"؛ لأنهم فارقوه قبل السهو بل يلحق الآخرين وإن كان في حال انتظاره لهم في

 

ج /1 ص -363-      التشهد الأخير وهذا كله وإن علم مما مر في سجود السهو لكنهم ذكروه هنا؛ لأنه مما يخفى ولو كان الخوف في بلد وحضرت صلاة الجمعة صلوها على هيئة عسفان وهو واضح وعلى هيئة ذات الرقاع لكن بشروط حررتها في شرح الإرشاد وحاصلها أن يكون في كل ركعة أربعون سمعوا الخطبة لكن لا يضر النقص في الركعة الثانية. "ويسن" للمصلي صلاة الخوف "حمل السلاح" الذي لا يمنع صحة الصلاة لا نحو نجس وبيضة تمنع السجود فلا يجوز حمله.لغير عذر وكحمله في سائر أحكامه وضعه بين يديه إن سهل أخذه كسهولته وهو محموله وهو هنا ما يقتل نحو سيف ورمح وسكين وقوس ونشاب لا ما يدفع كترس ودرع فيكره حمله كترك حمل الأول حيث لا عذر "في هذه الأنواع" الثلاثة "وفي قول يجب" لظاهر قوله تعالى "وليأخذوا أسلحتهم" وحمله الأول على الندب وإلا لبطلت الصلاة بتركه ولا قائل به، وفيه ما فيه، ولو خاف ضررا يبيح التيمم بترك حمله وجب في الأنواع الثلاثة على الأوجه ولو نجسا ومانعا للسجود، والذي يتجه أنه يأتي في القضاء هنا ما يأتي في حمل السلاح والنجس في حال القتال وإن فرض أن هذا أندر، ولو انتفى خوف الضرر وتأذى غيره بحمله كره أي إن خف الضرر بأن احتمل عادة وإلا حرم وبه يجمع بين إطلاق كراهته وإطلاق حرمته.
"الرابع" من الأنواع: بمحله كذا قاله الشارح منبها به على أن قوله: الرابع واقع في محله وإن لم يذكر الثالث؛ لأنه ذكره ضمنا كما مر "أن يلتحم القتال" بأن يختلط بعضهم ببعض ولم يتمكنوا من تركه تشبيها باختلاط لحمة الثوب بسداه "أو يشتد الخوف" بلا التحام بأن لم يأمنوا هجوم العدو لو ولوا أو انقسموا "فيصلي" كل منهم "كيف أمكن راكبا وماشيا" ولا يجوز تأخير الصلاة عن الوقت وظاهر كلامهم أن لهم فعلها كذلك أول الوقت.وهو نظير ما مر في صلاة فاقد الطهورين ونحوه، لكن صرح ابن الرفعة باشتراط ضيقه ونقله الأذرعي عن بعض شراح المختصر واعتمده هو وغيره وزاد أعني الأذرعي أن ذلك مرادهم وفيه ما فيه للتوسعة لهم في أمور كثيرة مع غلبة كون التأخير هنا سببا لإضاعة الصلاة بإخراجها عن وقتها لكثرة اشتغالهم بما هم فيه مع عسر معرفتهم بآخر الوقت حتى يؤخروا إليه فالوجه ما أطلقوه، "ويعذر في ترك القبلة" لحاجة القتال لقوله تعالى:
{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} البقرة:239] قال ابن عمر: مستقبلي القبلة وغير مستقبليها قال الشافعي: رواه ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ويجوز اقتداء بعضهم ببعض وإن اختلفت جهتهم كالمأمومين حول الكعبة، نعم يجوز التقدم هنا على الإمام للضرورة، بل الجماعة لهم حيث لم يكن الانفراد هو الحزم أفضل، أما لو انحرف عنها لا لحاجة القتال بل لنحو جماح دابته وطال الفصل فتبطل صلاته، "وكذا الأعمال الكثيرة" كضربات متوالية وركض كثير وركوب احتاجه أثناء الصلاة وحصل منه فعل كثير يعذر فيها "لحاجة" إليها "في الأصح" كالمشي المذكور في الآية أما حيث لا حاجة فتبطل قطعا "لا صياح" أو نطق بدونه فلا يعذر فيه لعدم الحاجة إليه بل الساكت أهيب، وفرض الاحتياج إليه لنحو تنبيه من خشي وقوع نحو مهلك به أو لزجر الخيل أو ليعرف أنه فلان

 

ج /1 ص -364-      المشهور بالشجاعة نادر "ويلقي السلاح إذا دمي" أو تنجس بما لا يعفى عنه ولم يحتجه فورا وجوبا حذرا من بطلان صلاته بإمساكه وله جعله بقرابه تحت ركابه إن قل زمن هذا الجعل بأن كان قريبا من زمن الإلقاء ويغتفر له هذه اللحظة اليسيرة لما في إلقائه من التعريض لإضاعة المال مع أنه يغتفر هنا ما لا يغتفر في غيره ومن ثم لم تكن الأنواع الثلاثة كما هنا "فإن عجز" عن إلقائه كأن احتاج لإمساكه وإن لم يضطر إليه كما أفهمه كلام الروضة وأصلها "أمسكه" للحاجة "ولا قضاء في الأظهر"؛ لأنه عذر يعم في حق المقاتل فأشبه الاستحاضة والمعتمد في الشرحين والروضة والمجموع عن الأصحاب وجوبه واعتمده الإسنوي وغيره ومنعوا التعليل المذكور وقالوا بل ذلك نادر "فإن عجز عن ركوع وسجود أومأ" بهما وجوبا للعذر "والسجود أخفض" خبر بمعنى الأمر أي ليجعل سجوده أخفض، وقيل منصوبان بتقدير جعل، المذكور بأصله "وله" سفرا وحضرا "ذا النوع" أي صلاة شدة الخوف قال الأذرعي نقلا عن غيره وكذا الأنواع الثلاثة بالأولى "في كل قتال وهزيمة مباحين" كقتال ذي مال وغيره لقاصد أخذه ظلما ولا يبعد إلحاق الاختصاص به في ذلك، وفئة عادلة لباغية بخلاف عكسه.إن حكمنا بإثمهم في الحالة الآتية في بابهم، وقولهم ليس البغي اسم ذم أي وليس مفسقا، وكهرب مسلم في قتال كفار من ثلاثة لا اثنين "وهرب من حريق وسيل وسبع" وحية ونحوها إذا لم يمكنه المنع ولا التحصن بشيء "و" هرب "غريم" من دائنه "عند الإعسار وخوف حبسه" إن لحقه لعجزه عن بينة الإعسار مع عدم تصديقه فيه أو لكون حاكم ذلك المحل لا يقبل بينة الإعسار إلا بعد حبسه مدة فيما يظهر ثم رأيت غير واحد بحث ذلك ولا إعادة هنا. "والأصح منعه لمحرم" قصد عرفة في وقت العشاء و "خاف" إن صلاها كالعادة "فوت الحج" بأن لم يدرك عرفة قبل الفجر فلا تجوز له صلاة شدة الخوف؛ لأنه محصل لا خائف وبه يعلم أنه لا يصلي.كذلك طالب عدو إلا إن خشي كرهم عليه أو كمينا أو انقطاعا عن رفقته أي وخشي بذلك ضررا كما هو ظاهر وأن من أخذ له مال وهو في الصلاة لا يجوز له إذا تبعه أن يبقى فيها ويصليها كذلك على الأوجه خلافا لجمع بل يقطعها ويتبعه إن شاء، وإذا امتنع على المحرم ذلك لزمه كما قاله ابن الرفعة إخراج العشاء عن وقتها وتحصيل الوقوف؛ لأن قضاء الحج صعب بخلاف قضاء الصلاة ولأنه عهد جواز تأخيرها عن وقتها لنحو عذر السفر وتجهيز ميت خيف تغيره فهذا أولى ولو كان يدرك منها ركعة بعد تحصيل الوقوف وجب تأخيرها جزما.قيل العمرة المنذورة في وقت معين كالحج في هذا ا هـ وليس في محله؛ لأن الحج يفوت بفوات عرفة والعمرة لا تفوت بفوات ذلك الوقت. وفي الجيلي لو ضاق الوقت وهو بأرض مغصوبة أحرم ماشيا كهارب من حريق ورجحه الغزي بأن المنع الشرعي كالحسي وأيده بتصريح القاضي به في ستر العورة وفيه نظر والذي يتجه أنه لا تجوز له صلاتها صلاة شدة الخوف لما تقرر في مسألة الحج، وأنه يلزمه الترك حتى يخرج منها كما له تركها لتخليص ماله لو أخذ منه بل أولى ومن ثم صرح بعضهم بأن من رأى حيوانا محترما يقصده ظالم أي ولا يخشى منه قتالا أو نحوه أو يغرق لزمه تخليصه وتأخيرها أو إبطالها

 

ج /1 ص -365-      إن كان فيها، أو مالا.جاز ذلك وكره له تركه "ولو صلوا" صلاة شدة الخوف كما في أصله والروضة بدار الإسلام أو الحرب "لسواد ظنوه" ولو بإخبار عدل "عدوا فبان" أن لا عدو أو أن بينهم وبينه ما يمنع وصوله إليهم كخندق أو أن يقربهم أي عرفا حصنا يمكنهم التحصن به منه أي من غير أن يحاصروهم فيه كما هو ظاهر أو أنه عدو يجب قتاله لكونه ضعفهم أو شكوا في شيء من ذلك "قضوا في الأظهر" لعدم الخوف في نفس الأمر أو الشك فيه. أما لو صلوا صلاة الخوف، فإن كانت كبطن نخل أو ذات الرقاع بالكيفية السابقة في المتن فلا قضاء؛ لأنهم لم يسقطوا فرضا ولا غيروا ركنا، أو صلاة عسفان أو ذات الرقاع على رواية ابن عمر قضوا، وفي المجموع وغيره لو بان عدوا لكن نيته الصلح أو التجارة فلا قضاء؛ لأنه هنا لا تقصير منه في تأمله إذ لا اطلاع له على نيته.

فصل في اللباس
وذكره هنا الأكثرون اقتداء بالشافعي رضي الله عنه وكان وجه مناسبته أن المقاتلين كثيرا ما يحتاجون للبس الحرير والنجس للبرد والقتال وذكره جمع في العيد وهو مناسب أيضا.
"يحرم على الرجل" والخنثى "استعمال الحرير" ولو قزا أو غير منسوج أخذا مما يأتي من استثنائهم خيط السبحة وليقة الدواة "بفرش" لنحو جلوسه أو قيامه لا مشيه عليه فيما يظهر.; لأنه لمفارقته له حالا لا يعد مستعملا له عرفا "وغيره" من سائر وجوه الاستعمال إلا ما استثني مما يأتي بعضه إجماعا في اللبس وكأنهم لم يعتدوا بمن جوزه إغاظة للكفار لشذوذه كالوجه القائل بحل القز وهو ما يخرج منه الدود حيا فيكمد لونه ولا يقصد للزينة وللخبر الصحيح أنه حرام على ذكور أمته صلى الله عليه وسلم وللنهي عن لبسه والجلوس عليه رواه البخاري ولأن فيه خنوثة لا تليق بشهامة الرجال ويحل الجلوس على حرير فرش عليه ثوب أو غيره ولو رقيقا أو مهلهلا ما لم يمس الحرير من خلاله سواء اتخذه لذلك أم لا.، ومحل حرمة اتخاذ الحرير بلا استعمال الذي أفتى به ابن عبد السلام ما إذا كان على صورة محرمة، وقضية قول الأذرعي إنما لم يكف المهلهل المفروش على نجس؛ لأنه أغلظ لوجوب اجتناب قليله أيضا بخلاف الحرير ا هـ إن مس الحرير من خلاله لا يؤثر ويتعين حمله على مماسة قدر لا يعد عرفا مستعملا له لمزيد قلته., والتدثر بحرير استتر بثوب إن خيط عليه فيما يظهر، وظاهر كلامهم أنه لا فرق في حرمة التدثر بغير المستتر بين ما قرب منه وما بعد كأن كان معلقا بسقف وهو جالس تحته كالبشخانة وهو قريب إن صدق عليه عرفا أنه جالس تحت حرير ويفرق بينه وبين حل الجلوس تحت سقف ذهب بما يتحصل منه بأن العرف يعده هنا مستعملا للحرير؛ لأنه يقصد لوقاية الجالس تحته من نحو غبار السقف فألحق بالمستعمل له في بدنه ولا كذلك ثم.
"ويحل للمرأة لبسه" إجماعا "والأصح تحريم افتراشها" إياه للسرف بخلاف اللبس فإنه يزينها وعليه يحرم تدثرها به بل أولى؛ لأنه يجوز للرجل افتراشه على وجه دون التدثر به ويحرم على الكل ستر سقف أو باب أو جدار غير الكعبة.قيل ويلحق بها قبره صلى الله عليه وسلم به أي

 

ج /1 ص -366-      لغير حاجة فيما يظهر أخذا من تعبيرهم بالتزيين وقد يشكل بما يأتي في كيس الدراهم ونحوه إلا أن يفرق بأن الخيلاء هنا أعظم منها. ثم "و" الأصح "أن للولي" الأب وغيره "إلباسه" كحلي الذهب وغيره "الصبي" ما لم يبلغ والمجنون إذ لا شهامة لهما تنافي تلك الخنوثة نعم لا خلاف في جواز ذلك يوم العيد؛ لأنه يوم زينة "قلت الأصح حل افتراشها" إياه "وبه قطع العراقيون وغيرهم والله أعلم" لعموم الخبر الصحيح أنه حل لإناث أمته وأطلق بعضهم أن للرجل أن يعلو لابسته؛ لأنه لا يعد استعمالا له وظاهره أنه لا فرق بين طول بقائه على ما علا عليه منها وعدمه ولو لغير حاجة وفيه ما فيه.
"ويحل للرجل لبسه" فضلا عن غيره من بقية أنواع الاستعمال "للضرورة كحر وبرد مهلكين" أو خشي منهما ضررا يبيح التيمم وألحق به جميع الألم الشديد؛ لأنه أولى من نحو الجرب الآتي "أو فجأة" بضم ففتح والمد، وبفتح فسكون وهي البغتة "حرب" جائز "ولم يجد غيره" ولا أمكنه طلب غيره يقوم مقامه للضرورة وصحح في الكفاية قول جمع يجوز القباء وغيره مما يصلح للقتال وإن وجد غيره إرهابا لهم كتحلية السيف وهذا غير الشاذ الذي مر أنه مخالف للإجماع؛ لأن الظاهر أن ذلك يكتفي بمجرد الإغاظة وإن لم يكن إرهاب ولا صلاحية للقتال "وللحاجة" كستر العورة ولو في الخلوة و "كجرب وحكة" وقد آذاه لبس غيره أي تأذيا لا يحتمل عادة فيما يظهر، ولم يحتج هنا لمبيح التيمم؛ لأنه رخصة فسومح فيه أكثر، وكذا إن لم يؤذه غيره.لكنه يزيلها كما هو ظاهر كالتداوي بالنجاسة، بل لو قيل إن تخفيفه لألمها كإزالتها لم يبعد وكون الحكة غير الجرب الذي أفاده العطف صحيح وقوله في مجموعه وغيره كالصحاح أنها هو يحمل على اتحاد أصل المادة دون صورتها وكيفيتها، "ودفع قمل" لا يحتمل أذاه عادة وإن لم يكثر حتى يصير كالداء المتوقف على الدواء خلافا لبعضهم ولو في الحضر في الكل، خلافا لما أطال به الأذرعي وذلك لخبر الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم أرخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير في لبس الحرير لحكة كانت بهما وفي غزاة بسبب القمل، ورواية مسلم أن الأول كان في السفر لا يخصص، ويؤخذ من قوله للحاجة أنه متى وجد مغنيا عنه من دواء أو لباس لم يجز له لبسه كالتداوي بالنجاسة واعتمده جمع ونازع فيه شارح بأن جنس الحرير مما أبيح لغير ذلك فكان أخف ويرد بأن الضرورة المبيحة للحرير لا يتأتى مثلها في النجاسة حتى يباح لأجلها فعدم إباحتها لغير التداوي إنما هو لعدم تأتيه فيها لا لكونها أغلظ على أن لبس نجس العين يجوز لما جاز له الحرير فهما مستويان فيها "وللقتال كديباج لا يقوم غيره مقامه" في دفع السلاح كحاجة دفع القمل بل أولى قيل هذه مفهومة من قوله أو فجأة حرب بالأولى أو داخلة فيها ا هـ وليس كذلك فإن تلك في خصوص الفجأة وعموم الحرير وهذه في خصوص نوع منه وعموم القتال فلم يغن أحدهما عن الآخر، "ويحرم المركب من إبريسم" أي حرير بأي أنواعه كان وأصله ما حل عن الدود بعد موته داخله "وغيره إن زاد وزن الإبريسم ويحل عكسه" تغليبا لحكم الأكثر ولو ظنا كما في الأنوار وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما إنما
"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت" أي الخالص من الحرير، وأما العلم أي

 

ج /1 ص -367-      بفتح العين واللام وهو الطراز وسدى الثوب فلا بأس "وكذا إن استويا" وزنا ولو ظنا "في الأصح" إذ لا يسمى ثوب حرير ولا عبرة بالظهور مطلقا خلافا لجمع متقدمين، ولو شك في الاستواء فالأصل الحل على الأوجه خلافا لبعض نسخ الأنوار وصريح كلام الإمام ويفرق بين النظر للظن في الأولين على ما فيه وعدم النظر إليه في معاملة من أكثر ماله حرام بأن هناك قرينة شرعية دالة على الملك وهي اليد فلم يؤثر الظن معها بل ولا اليقين إذا لم تعرف عين الحرام بخلاف ما هنا ويظهر منع اجتهاده مع تيسر سؤال خبيرين ولو عدلي رواية عن الأكثر وقضية المتن أن صورة العكس لا خلاف فيها أي يعتد به فلا يكره لبسه وإن قال الجويني المذهب تحريمه لمخالفته للحديث الصحيح بخلاف المستوي الأولى اجتنابه لقوة الخلاف فيه "ويحل ما طرز" أو رقع بحرير خالص وهو أعني الطراز.ما يركب على الكمين مثلا للخبر المذكور لكن المعتمد كما في الروضة والمجموع وغيرهما أنه يشترط أن يكون قدر أربع أصابع مضمومة أي معتدلة لخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع قال الحليمي والجويني ويشترط أن لا يزيد مجموع الطرازين على أربع أصابع وخالفهما صاحب الكافي فقال لو كان في طرفي العمامة علم كل واحد أربع أصابع احتمل وجهين والأصح الجواز لانفصالهما وحكم الكمين حكم طرفي العمامة ا هـ. وعبارة الروضة والمجموع كالخبر محتملة لكل من المقالتين لكنها إلى الثاني أقرب فالشرط أن لا يزيد المجموع على ثمانية أصابع وإن زاد على طرازين وما اقتضاه قول الكافي لانفصالهما أن علمي العمامة طرازان منفصلان عنها يجعلان عليها وأنهما حلالان كطرازي الكمين غير بعيد، وأما اغتفار التعدد في التطريز والترقيع مطلقا بشرط أن لا يزيد كل على أربع ولا المجموع على وزن الثوب. فبعيد مخالف لكل من كلام هؤلاء والروضة والمجموع، وكذا قول الجيلي وغيره يجوز كل منهما وإن تعددا ما لم يزد وزن الحرير على غيره، وأفتى ابن عبد السلام بأنه لا بأس باستعمال عمامة في طرفيها حرير قدر شبر إلا أن بين كل قدر أربع أصابع منها فرق قلم من كتان أو قطن. قال الغزي وهذا بناء منه على اعتبار العادة فيه ا هـ فالمراد أن ذلك في حكم التطريف وإنما تقيد بالأربع على الوجه المذكور؛ لأن العادة كانت كذلك فإذا تغيرت اتبعت لما يأتي، وصورة المسألة كما هو ظاهر أن السدى حرير وأنه أقل وزنا من اللحمة وأنه لحمها بحرير في طرفيها ولم يزد به وزن السدى، فإذا كان الملحوم بحرير أشبه التطريف أما التطريز بالإبرة فكالنسج فيعتبر الأكثر وزنا منه ومما طرز فيه كما بحثه السبكي والإسنوي قال نعم قد يحرم في بعض النواحي لكونه من لباس النساء عند من قال بتحريم التشبه أي تشبه النساء بالرجال وعكسه وهو الأصح وما أفاده من أن العبرة في لباس وزي كل من النوعين حتى يحرم التشبه به فيه بعرف كل ناحية حسن وقول الأذرعي الظاهر أن التطريز بالإبرة كالطراز بعيد وإن تبعه غيره "أو طرف" أي سجف ظاهره أو باطنه "بحرير قدر العادة".الغالبة لأمثاله في كل ناحية للخبر الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كانت له جبة مكفوفة الفرجين والكمين بالديباج وفارق ما مر في الطراز بأنه محل حاجة وقد يحتاج لأكثر من أربع أصابع بخلاف التطريز فإنه مجرد زينة

 

ج /1 ص -368-      فتقيد بالوارد، ويجوز لبس الثوب المصبوغ بأي لون كان إلا المزعفر فحكمه وإن لم يبق للونه ريح؛ لأن الحرمة للونه لا لريحه؛ لأنه لا حرمة فيه أصلا إذ لا يتصور فيه تشبه؛ لأن النساء لم يتميزن بنوع منه بخلاف اللون - حكم الحرير فيما مر حتى لو صبغ به أكثر الثوب حرم، وكذا المعصفر على ما صحت به الأحاديث واختاره البيهقي وغيره ولم يبالوا بنص الشافعي على حله تقديما للعمل بوصيته ولا بكون جمهور العلماء سلفا وخلفا على حله لأحاديث تقتضيه بل تصرح به كخبر "كان يصبغ ثيابه بالزعفران قميصه ورداءه وعمامته" قال الزركشي عن البيهقي وللشافعي نص بحرمته فيحمل على ما بعد النسج، والأول على ما قبله وبه تجتمع الأحاديث الدالة على حله والدالة على حرمته، ويرد بمخالفته لإطلاقهم الصريح في الحرمة مطلقا وله وجه وجيه وهو أن المصبوغ بالعصفر من لباس النساء المخصوص بهن فحرم للتشبه بهن كما أن المزعفر كذلك، وإنما جرى الخلاف في المعصفر دون المزعفر؛ لأن الخيلاء والتشبه فيه أكثر منهما في المعصفر ويؤيده أن الزركشي لم يفرق فيه بين ما قبل النسج وبعده كما فرق في المعصفر، واختلف في الورس فألحقه جمع متقدمون بالزعفران واعترض بأن قضية كلام الأكثرين حله.
قوله: "والتأنيث باعتبار" كذا بأصل الشيخ رحمه الله ولا تأنيث إذا جعل تقيد ماضيا، ومع ذلك سقط بعد باعتبار شيء ولعل الساقط الصنعة وقلمه سبق من المضارع إلى الماضي في قوله بصيغة الماضي والله أعلم ا هـ من هامش. وفي شرح مسلم عن عياض والمازري صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يصبغ ثيابه بالورس حتى عمامته واعتمده جمع متأخرون وقضية قول الشافعي ينهى الرجل حلالا أن يتزعفر، فإن فعل أمرناه بغسله: حرمة استعمال الزعفران في البدن وبه صرح جمع متأخرون للحديث الصحيح "نهى أن يتزعفر الرجل" وسبقهم لذلك البيهقي حيث قال ورد عن ابن عمر أنه صفر لحيته بالزعفران، فإن صح احتمل أن يكون مستثنى، غير أن حديث نهي الرجل عن الزعفران مطلقا أصح ا هـ فهو مصرح حتى بحرمة استعماله في اللحية لكن حمله جمع على الكراهة لحديث أبي داود وغيره أنه صلى الله عليه وسلم كان يصبغ لحيته بالزعفران والورس وحمل بعض العلماء الحل على نحو اللحية والنهي على ما عداها من البدن، وبعضهم النهي على المحرم والحل على غيره، ويؤيد الحل جزم التحقيق بكراهة التطلي بالخلوق وهو طيب من زعفران وغيره، فلو حرم الزعفران لحرم هذا أو فصل بين كونه غالبا أو مغلوبا على أن المقصود من الخلوق هو الزعفران فتجويزه تجويز للزعفران إذ الفرض بقاء لونه المقصود منه، ويؤخذ من قول البيهقي غير إلى آخره أنه لا يرد على حرمة المزعفر الأحاديث المصرحة بحل لبسه؛ لأن الأحاديث الدالة على حرمته أصح، ويحل أيضا زر الجيب وما جاء عن ابن عمر وغيره مما يصرح بحرمته لعله رأي لهما، وكيس نحو الدراهم، وإن حمله وغطاء العمامة وليقة الدواة على الأوجه في الكل خلافا لمن نازع في الثانية، والثالثة فقد مر حل رأس الكوز من فضة لانفصاله فلا يعد مستعملا له فكذا هاتان أيضا بالأولى ومن هنا أخذ الإسنوي أن ضابط الاستعمال المحرم هنا وفي إناء النقد أن يكون في بدنه وصرح في المجموع بحل خيط

 

ج /1 ص -369-      السبحة، قال جمع نعم لا تحل الشرابة التي برأسها لما فيها من.الخيلاء وألحق بها آخرون البند الذي فيه وكان المراد به العقدة الكبيرة التي فوقها الشرابة وخالف بعضهم فقال بحل ذلك ا هـ. ولك أن تقول إن كانت العلة في خيط السبحة عدم الخيلاء كما في كلام المجموع حرما لما فيهما من الخيلاء أو عدم مباشرته بالاستعمال كالصور التي قبله جاز أو هو الأوجه وأي فرق بينهما وبين كيس الدراهم، وإن كان يحمل في العمامة ويباشر في أخذها منه؛ لأن ذلك لا يسمى استعمالا له في البدن، والمحرم هو الاستعمال فيه لا غير، ويحرم خلافا لكثيرين كتابة الرجل لا المرأة قطعا خلافا لمن وهم فيه الصداق فيه ولو لامرأة؛ لأن المستعمل حال الكتابة هو الكاتب كذا أفتى به المصنف ونقله عن جماعة من أصحابنا ونوزع فيه بما لا يجدي، وإن خالف فيه آخرون ويفرق بين هذا وخياطة ونقش ثوب حرير لامرأة بأن الخياطة لا استعمال فيها بوجه، وكذا النقش بخلاف الكتابة، فإنها تعد استعمالا للمكتوب فيه عرفا؛ لأن القصد حفظه لما كتب فيه فهو كالظرف له بخلاف النقش،.نعم يشكل على هذا ما مر أن شرط الاستعمال المحرم أن يكون في البدن، والكاتب غير مستعمل له في بدنه، اللهم إلا أن يدعى أن العرف يعده مستعملا للمكتوب بيده وفيه ما فيه، وقول الماوردي بحل لبس خلع الملوك يحمل على من يخشى الفتنة ولا يدل له إلباس عمر حذيفة أو سراقة رضي الله عنهم سواري كسرى وتاجه؛ لأنه لبيان المعجزة فهو ضرورة أي ضرورة فأخذ بعضهم منه ككلام الماوردي حل لبس الحرير إذا قل الزمن جدا بحيث انتفى الخيلاء ليس في محله، ويكره ولو لامرأة تزيين غير الكعبة كمشهد صالح بغير حرير ويحرم به.
"و" يحل للآدمي "لبس الثوب النجس" أي المتنجس لما يأتي في حل جلد الميتة "في غير الصلاة ونحوها" كالطواف وخطبة الجمعة وسجدة التلاوة والشكر إن كان جافا وبدنه كذلك؛ لأن المنع من ذلك يشق.أما في نحو الصلاة فيحرم إن كانت فرضا، وكذا إن كانت نفلا واستمر فيه لكن لا لحرمة إبطاله، فإنه جائز بل لتلبسه بعبادة فاسدة، وأما مع رطوبة فلا؛ لأن المذهب تحريم تنجيس البدن من غير ضرورة، ومع حل لبسه يحرم المكث به في المسجد من غير حاجة إليه كما بحثه الأذرعي؛ لأنه يجب تنزيه المسجد عن النجس "لا جلد كلب وخنزير" وفرع أحدهما فلا يحل لبسه لغلظ نجاسته "إلا لضرورة كفجأة قتال" أو خوف نحو برد ولم يجد غيره نظير ما مر في الحرير وخرج بلبسه استعماله في غيره كافتراشه فيحل قطعا كما في الأنوار، وإن قال الزركشي المذهب المنصوص أنه لا ينتفع بشيء منهما "وكذا جلد الميتة" غيرهما فيحرم لبسه.في حال الاختيار "في الأصح" لنجاسة عينه مع ما عليه من التعبد باجتناب النجس لإقامة العبادة ويؤخذ منه أنه يحل إلباس جلدها لصبي غير مميز ومجنون ويجوز استعماله في غير اللبس نظير الذي قبله بل أولى وإلباسه جلد كل منهما للآخر على المعتمد لاستوائهما تغليظا وجلد الميتة لدابته ويحرم اقتناء الخنزير لوجوب قتله فورا إلا لضرورة كأن اضطر لحمل متاع عليه والكلب إلا لنحو صيد أو حفظ حالا لا مترقبا "ويحل" مع الكراهة "الاستصباح بالدهن النجس" بعارض أو أصالة

 

ج /1 ص -370-      كودك الميتة أي غير المغلظة "على المشهور" للخبر الصحيح في الفأرة تموت في السمن الذائب "استصبحوا به" أو قال "فانتفعوا به" ودخان النجس يعفى عن قليله نعم يحرم ذلك في المسجد مطلقا لحرمة إدخال النجاسة فيه لغير حاجة ومن قيد بأن لوث يحمل مفهومه على ما إذا احتيج للإسراج به فيه., وكذا الدار المستأجرة أو المعارة إن أدى إلى تنجيس شيء منها بما لا يعفى عنه أو بما ينقص قيمتها أو أجرتها فيما يظهر بخلاف قليل دخانها الذي لا يؤثر نقصا ألبتة ويجوز اتخاذه صابونا وسقيه للدواب.
فائدة مهمة: لأن أكثرها ليس في كتب الفقه، وإنما هي ملتقطة من كتب الأحاديث ولذا كنت أطلت الكلام فيها ثم رأيت أنها أخرجت الشرح عن موضوعه فأفردتها بتأليف حافل ثم لخصت منه هنا ما لا بد منه بأخصر إشارة اتكالا على ما بسط ثم، اعلم أنه لم يتحرر كما قاله الحفاظ في طول عمامته صلى الله عليه وسلم وعرضها شيء وما وقع للطبري في طولها أنه نحو سبعة أذرع ولغيره أنه نقل عن عائشة أنها سبعة في عرض ذراع، وأنها كانت في السفر بيضاء وفي الحضر سوداء من صوف وأن عذبتها كانت في السفر من غيرها وفي الحضر منها فهو شيء.استروحا إليه ولا أصل له، نعم وقع خلاف في الرداء فقيل ستة أذرع في عرض ثلاثة أذرع وقيل أربعة أذرع ونصف أو شبران في عرض ذراعين وشبر وقيل أربعة أذرع في عرض ذراعين ونصف، وليس في الإزار إلا القول الثاني، ويسن لكل أحد بل يتأكد على من يقتدى به تحسين الهيئة والمبالغة في التجمل والنظافة والملبوس بسائر أنواعه لكن المتوسط نوعا من ذلك بقصد التواضع لله أفضل من الأرفع، فإن قصد به إظهار النعمة والشكر عليها احتمل تساويهما للتعارض وأفضلية الأول؛ لأنه لا حظ للنفس فيه بوجه وأفضلية الثاني للخبر الحسن
"إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده"، وينبغي عدم التوسع في المأكل والمشرب إلا لغرض شرعي كإكرام ضيف والتوسع على العيال وإيثار شهوتهم على شهوته من غير تكلف كقرض لحرمته على فقير جهل المقرض. إلا إن كان له جهة ظاهرة يتيسر الوفاء منها إذا طولب وورد "امشوا حفاة" وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم مشى حافيا وقد يؤخذ منه ندب الحفاء في بعض الأحوال بقصد التواضع حيث أمن مؤذيا وتنجسا ولو احتمالا، ويؤيده ندبه لنحو دخول مكة بهذه الشروط، ويحل كما في المجموع بلا كراهة لبس نحو قميص وقباء ونحو جبة أي غير خارمة لمروءته لما يأتي في الطيلسان ولو غير مزرورة إن لم تبد عورته للإتباع ا هـ، ومر ما يعلم منه أنه متى قصد بلباس أو نحوه نحو تكبر كان فاسقا أو تشبها..بنساء أو عكسه في لباس اختص به المشبه به حرم بل فسق للعنة في الحديث ويحرم على غني لبس خشن ليعطى لما يأتي أن كل من أعطي شيئا لصفة ظنت فيه وخلا عنها باطنا حرم عليه قبوله ولم يملكه، ويحرم نحو جلوس على جلد سبع كنمر وفهد به شعر، وإن جعل إلى الأرض على الأوجه؛ لأنه من شأن المتكبرين. وحرم جمع لبس فروة السنجاب والصواب حلها كجوخ وجبن اشتهر عملهما بشحم خنزير بل لا يفيد علم ذلك إلا في فرو معين دون مطلق الجنس، وفرو الوشق شعره نجس، وإن دبغ؛ لأنه غير مأكول. ويسن نفض فرش احتمل حدوث مؤذ عليه للأمر به وكان صلى الله عليه وسلم يلبس

 

ج /1 ص -371-      الحبرة وهي ثوب مخطط بل صح أنها أحب الثياب إليه وقال في ثوب خيطه أحمر خلعه وأعطاه لغيره "خشيت أن أنظر إليها فتفتنني عن صلاتي" وبينهما تعارض مع كون المقرر عندنا كراهة الصلاة في المخطط أو إليه أو عليه.
وقد يجاب بأنها أحبية خاصة بغير الصلاة جمعا بين الحديثين، والأفضل في القميص كونه من قطن وينبغي أن يلحق به سائر أنواع اللباس كالعمامة والطيلسان والرداء والإزار وغيرها، ويليه الصوف لحديث في الأول وحديثين في الثاني، لكن ذاك أقوى من هذين، وكونه قصيرا بأن لا يتجاوز الكعب، وكونه إلى نصف الساق أفضل، وتقصير الكمين بأن يكون إلى الرسغ للاتباع، فإن زاد على ذلك ككل ما زاد على ما قدروه في غير ذلك بقصد الخيلاء حرم بل فسق، وإلا كره إلا لعذر كأن تميز العلماء بشعار يخالف ذلك فلبسه ليعرف فيسأل أو ليمتثل كلامه، بل لو توقفت إزالة محرم أو فعل واجب على ذلك وجب، وأطلقوا أن توسعة الأكمام بدعة ومحله في الفاحشة. ويجوز بلا كراهة لبس ضيق الكمين حضرا وسفرا للاتباع وزعم أن هذا خاص بالغزو ممنوع، نعم إن أريد أنه فيه سنة كما صرح.به ابن عبد البر لم يبعد، وتسن العمامة للصلاة ولقصد التجمل للأحاديث الكثيرة فيها واشتداد ضعف كثير منها يجبره كثرة طرقها وزعم وضع كثير منها تساهل كما هو عادة ابن الجوزي هنا والحاكم في التصحيح ألا ترى إلى حديث
"اعتموا تزدادوا حلما" حيث حكم ابن الجوزي بوضعه والحاكم بصحته استرواحا منهما على عادتهما، وتحصل السنة بكونها على الرأس أو نحو قلنسوة تحتها، وفي حديث ما يدل على أفضلية كبرها لكنه شديد الضعف وهو وحده لا يحتج به ولا في فضائل الأعمال وينبغي ضبط طولها وعرضها بما يليق بلابسها عادة في زمانه ومكانه، فإن زاد فيها على ذلك كره وعليه يحمل إطلاقهم كراهة كبرها وتتقيد كيفيتها بعادته أيضا ومن ثم انخرمت مروءة فقيه يلبس عمامة سوقى لا تليق به وعكسه، وسيأتي أن خرمها مكروه بل حرام على من تحمل شهادة؛ لأن فيه حينئذ إبطالا لحق الغير، ولو اطردت عادة محل بإزرائها من أصلها لم تنخرم بها المروءة خلافا لبعضهم ويأتي في الطيلسان خلاف ذلك ويفرق بأن ندبها عام في أصل وضعها فلم ينظر لعرف يخالفه، فإن أصل وضعه للرؤساء كما صرح به بعض العلماء المتقدمين، وفي حديثين ما يقتضي عدم ندبها من أصلها لكن قال بعض الحفاظ لا أصل لهما، والأفضل في لونها البياض وصحة لبسه صلى الله عليه وسلم لعمامة سوداء ونزول أكثر الملائكة يوم بدر بعمائم صفر وقائع محتملة فلا تنافي عموم الخبر الصحيح الآمر بلبس البياض وأنه خير الألوان في الحياة والموت ولا بأس بلبس القلنسوة اللاطئة بالرأس والمرتفعة المضربة وغيرها تحت العمامة وبلا عمامة؛ لأن كل ذلك جاء عنه صلى الله عليه وسلم، وبقول الراوي وبلا عمامة قد يتأيد بعض ما اعتاده بعض أهل النواحي من ترك العمامة من أصلها وتميز علمائهم بطيلسان على قلنسوة بيضاء لاصقة بالرأس، لكن بتسليم ذلك الأفضل ما عليه ما عدا هؤلاء من الناس من لبس العمامة بعذبتها ورعاية قدرها وكيفيتها السابقين، ولا يسن تحنيك العمامة عندنا واختار بعض حفاظ هنا ما عليه كثيرون من العلماء أنه يسن وهو تحزيق الرقبة وما تحت الحنك

 

ج /1 ص -372-      واللحية ببعض العمامة وقد أجبت في الأصل عما استدل به أولئك وأطالوا فيه وجاء في العذبة أحاديث كثيرة منها صحيح ومنها حسن ناصة على فعله صلى الله عليه وسلم لها لنفسه ولجماعة من أصحابه وعلى أمره بها ولأجل هذا تعين تأويل قول الشيخين وغيرهما ومن تعمم فله فعل العذبة وتركها ولا كراهة في واحد منهما، زاد المصنف؛ لأنه لم يصح في النهي عن ترك العذبة شيء انتهى، بأن المراد بله فعل العذبة، الجواز الشامل للندب، وتركه صلى الله عليه وسلم لها في بعض الأحيان إنما يدل على عدم وجوبها أو عدم تأكد ندبها،.وقد استدلوا بكونه صلى الله عليه وسلم أرسلها بين الكتفين تارة وإلى الجانب الأيمن أخرى على أن كلا منهما سنة وهذا تصريح منهم بأن أصلها سنة؛ لأن السنية في إرسالها إذا أخذت من فعله صلى الله عليه وسلم له فأولى أن تؤخذ سنية أصلها من فعله لها وأمره بها متكررا، ثم إرسالها بين الكتفين أفضل منه على الأيمن؛ لأن حديث الأول أصح، وأما إرسال الصوفية لها على الجانب الأيسر لكونه جانب القلب فتذكر تفريغه مما سوى ربه فهو شيء استحسنوه والظن بهم أنهم لم يبلغهم في ذلك سنة فكانوا معذورين، وأما بعد أن بلغتهم السنة فلا عذر لهم في مخالفتها وكان حكمة ندبها ما فيها من الجمال وتحسين الهيئة، وأبدى بعض مجسمي الحنابلة لجعلها بين الكتفين حكمة تليق بمعتقده الباطل فاحذره، ووقع لصاحب القاموس هنا ما ردوه عليه كقوله لم يفارقها صلى الله عليه وسلم قط والصواب أنه كان يتركها أحيانا، وكقوله طويلة، فإن أراد أن فيها طولا نسبيا حتى أرسلت بين الكتفين فواضح أو أزيد من ذلك فلا، وقد قال بعض الحفاظ أقل ما ورد في طولها أربع أصابع وأكثر ما ورد ذراع وبينهما شبر انتهى، ومر ما يعلم منه حرمة إفحاش طولها بقصد الخيلاء، فإن لم يقصد كره وذكرهم الإفحاش بل والطول بل هي من أصلها تمثيل لما هو معلوم أن سبب الإثم إنما هو قصد نحو الخيلاء، فإذا وجد التصميم على فعلها لهذا الغرض أثم، وإن لم يفعلها على الأصح كما هو الأصح في كل معصية صمم على فعلها وفي حديث حسن "من لبس ثوبا ذا شهرة أعرض الله عنه، وإن كان وليا" أي من لبسه بقصد الشهرة المستلزمة لقصد نحو الخيلاء لخبر "من لبس ثوبا يباهي به الناس لم ينظر الله إليه حتى يرفعه" ولو خشي من إرسالها نحو خيلاء لم يؤمر بتركها خلافا لمن زعمه بل يفعلها وبمجاهدة نفسه في إزالة نحو الخيلاء منها، فإن عجز لم يضر حينئذ خطور نحو رياء؛ لأنه قهري عليه فلا يكلف به كسائر الوساوس القهرية، غاية ما يكلف به أنه لا يسترسل مع نفسه فيها بل يشتغل بغيرها ثم لا يضره ما طرأ قهرا عليه بعد ذلك، وخشية إيهامه الناس صلاحا أو علما خلا عنه بإرسالها لا يوجب تركها أيضا بل يفعلها ويؤمر بمعالجة نفسه كما ذكر، وبحث الزركشي أنه يحرم على غير الصالح التزيي بزيه إن غربه غيره حتى يظن صلاحه فيعطيه وهو ظاهر إن قصد هذا التغرير، وأما حرمة القبول فهو من القاعدة السابقة أن كل من أعطي شيئا لصفة ظنت به لم يجز له قبوله ولا يملكه إلا إن كان باطنا كذلك، وعليه يحمل قول ابن عبد السلام لغير الصالح التزيي بزيه ما لم يخف فتنة أي على نفسه أو غيره بأن تخيل لها أو له صلاحها وليست كذلك واعلم أنه كثر كلام العلماء قديما وحديثا من الشافعية وغيرهم في الطيلسان وقد لخصت المهم منه في المؤلف السابق ذكره

 

ج /1 ص -373-      وأردت هنا أن ألخص المهم من هذا الملخص بأوجز عبارة، فقلت هو قسمان محنك وهو ثوب طويل عريض قريب من طول وعرض الرداء على ما مر مربع يجعل على الرأس فوق نحو عمامة ويغطى به أكثر الوجه كما قاله جمع محققون وظاهر أنه لبيان الأكمل فيه ويحذر من تغطيته الفم في الصلاة، فإنه مكروه ثم يدار طرفه والأولى اليمين كما هو المعهود فيه من تحت الحنك إلى أن يحيط بالرقبة جميعها ثم يلقى طرفاه على الكتفين وهذا أحسن ما يقال في تعريفه لا ما قيل فيه مما بعضه غير جامع وبعضه غير مانع، وبينت في الأصل كيفيتين أخريين يقاربان هذه وقد يلحقان بها في تحصيل أصل السنة ويطلق مجازا على الرداء الذي هو حقيقة مختص بما يجعل على الكتفين، ومنه قول كثيرين من السلف للمحرم لبس طيلسان لم يزره عليه ومقور والمراد به ما عدا الأول فيشمل المدور والمثلث الآتيين في الاستسقاء والمربع والمسدول وهو ما يرخى طرفاه من غير أن يضمهما أو أحدهما ولو بيده ومنه الطرحة التي كانت معتادة لقاضي.القضاة الشافعي والمختصة به وفعلها أجلاء من منذ مئات من السنين وهو عجيب جدا؛ لأنها بدعة منكرة مكروهة لكونها من شعار اليهود ولأن فيها السدل المكروه بكيفيتيها المذكورتين في الأصل مع بيان كيفية المقورة ووجه تسميته بذلك وبيان ما ألحق به وأنه لا وجود له الآن، نعم يقرب من شكله خرقة المتصوفة التي يجعلونها تحت عمائمهم وأحد قسمي الطرحة، والحاصل أن كل ما كان مشتملا على هيئة السدل بأن يلقي طرفي نحو ردائه من الجانبين ولا يردهما على الكتفين ولا يضمهما بيده أو غيرها مكروه. وأما ما نقل عن أولئك فلعلهم كانوا مكرهين عليها كلبس الخلع الحرير الصرف، لكن ينافيه ما يزداد التعجب منه قول السبكي لولا أخشى على شعار القضاة لأبطلتها وأعجب من هذا عد ولده لهذه السقطة في ترجمته ثم حكم القسم الأول الندب باتفاق العلماء كما قاله غير واحد من أئمة الشافعية والحنابلة وغيرهما بل تأكده للصلاة وحضور الجمعة والمسجد ومجامع الناس، قالوا وكل من صرح أو أوهم كلامه كراهة الطيلسان، فإنما أراد قسمه الثاني بأنواعه المتفق على كراهة جميعها وأنها من شعار اليهود أو النصارى ولأجل ذلك كان الأصح أن إنكار أنس على قوم حضروا الجمعة متطيلسين إنما هو لكون طيالستهم مقورة كطيالسة اليهود وكذا طيالسة اليهود السبعين ألفا الذين مع الدجال فهي مقورة أيضا كما يصرح به حديث رواه أحمد، وجاء في المحنك الذي هو الأول المندوب أحاديث صحاح وغيرها وآثار عن الصحابة والسلف الصالح ومن بعدهم بفعله وطلبه والحث عليه والإشارة إلى بعض فوائده وغير ذلك مما يعلم به الرد الشنيع على من أوهم كلامه عدم ندب الطيلسان إن أراد المحنك المذكور، ولذا أجبت عنه بأنه أراد ما عدا الأول، نعم وقع في أكثر ذلك التعبير عن التطليس بالتقنع وعن الطيلسان بالقناع ومن ثم قال في فتح الباري في مجيئه صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر متقنعا قوله متقنعا أي متطيلسا رأسه وهو أصل في لبس الطيلسان وفيه أيضا التقنع تغطية الرأس وأكثر الوجه برداء أو غيره أي مع التحنيك وقد صرحوا بأن القناع الذي يحصل به التقنع الحقيقي هو الرداء وهو يسمى طيلسانا كما أن الطيلسان قد يسمى رداء كما مر، ومن ثم قال ابن الأثير الرداء يسمى الآن الطيلسان فما على الرأس من التحنيك الطيلسان الحقيقي ويسمى رداء مجازا وما على الأكتاف هو الرداء الحقيقي ويسمى

 

ج /1 ص -374-      طيلسانا مجازا والأكمل جمعهما في الصلاة وصح عن ابن مسعود وله حكم المرفوع التقنع من أخلاق الأنبياء وفي حديث إطلاق "أن التقنع بالليل ريبة" ويتعين حمله على حال يتأتى فيه ذلك لما صرح به كلام أئمتنا وغيرهم أنه سنة لنحو الصلاة ولو ليلا حيث لا ريبة، وجاء أن عثمان رضي الله عنه خرج ليلا متقنعا وفي آخر ما يقتضي أن التطيلس لا يسن للمعتكف في المسجد وليس مرادا بل هو للمعتكف آكد؛ لأن المقصود من الاعتكاف الخلوة عن الناس، وسيأتي أن الطيلسان الخلوة الصغرى ويأتي في الشهادات ما يعلم منه أن محل سنية التطيلس إذا لم تنخرم به مروءته وإلا كلبس سوقي طيلسان فقيه كره له واختلت مروءته به،.ولا ينافيه تعميمهم ندبه لنحو الصلاة؛ لأنا لا نطلق منعه، وإنما الذي نمنع منه كونه بكيفية لا تليق به كما أشاروا إليه بقولهم طيلسان فقيه، فإذا أراد السنة لبسه بكيفية تليق به وهذا واضح، وإن لم يصرحوا به بل ربما يفهم من إطلاقهم أنه لا يندب له مطلقا، وقد تختل المروءة بترك التطيلس فيكره تركه بل يحرم إن كان متحملا لشهادة؛ لأنها حق للغير فيحرم التسبب إلى ما يبطله، وتوقف الإمام في كون تركه يخرمها بالغوا في رده، وفي حديث "لا يتقنع إلا من استكمل الحكمة في قوله وفعله"، وأخذ العلماء مما ذكر أنه ينبغي أن يكون للعلماء شعار مختص بهم ليعرفوا فيسألوا وليتمثل ما أمروا به أو نهوا عنه، كما وقع لابن عبد السلام أنهم لم يمتثلوا قوله حتى تحلل ولبس شعار العلماء، فلبسه - وإن خالف الوارد السابق فيه - لهذا القصد سنة أي سنة بل واجب إن توقف عليه إزالة منكر، وللطيلسان فوائد كثيرة جليلة، فيها صلاح الباطن والظاهر كالاستحياء من الله والخوف منه إذ تغطية الرأس شأن الخائف الآبق الذي لا ناصر له ولا معيذ، وكجمعه للفكر لكونه يغطي كثيرا من الوجه أو أكثره فيندفع عن صاحبه مفاسد كثيرة كنظر معصية وما يلجئ إلى نحو غيبة، ويجتمع همه فيحضر قلبه مع ربه ويمتلئ بشهوده وذكره وتصان جوارحه عن المخالفات ونفسه عن الشهوات وهذا كله مما يثابر عليه العلماء والصوفية معا، ولقد كان من مشايخنا الصوفية من يلازمه لذلك فيظهر عليه من أنواع الجلالة وأنوار المهابة والاستغراق والشهود ما يبهر ويقهر وبهذا يتضح قول الصوفية الطيلسان الخلوة الصغرى.

باب صلاة العيدين وما يتعلق بها
من العود وهو التكرر لتكررهما كل عام أو لعود السرور بعودهم أو لكثرة عوائد الله أي أفضاله على عباده فيهما وكان القياس في جمعه أعوادا؛ لأنه واوي كما علم لكنهم فرقوا بذلك بينه وبين عود الخشب.
"هي سنة" مؤكدة ومن ثم عبر الشافعي رضي الله عنه بوجوبها في موضع على حد خبر "غسل الجمعة واجب على كل محتلم" أي متأكد الندب لقول أكثر المفسرين في
{فصل لربك وانحر} أن المراد صلاة العيد ونحر الأضحية ولمواظبته صلى الله عليه وسلم عليها، وأول عيد صلاه صلى الله عليه وسلم عيد الفطر في ثانية الهجرة ووجوب رمضان كان في شعبأنها، ولم تجب لخبر "هل علي غيرها أي الخمس قال "لا إلا إن تطوع" "وقيل فرض كفاية"؛ لأنها من

 

ج /1 ص -375-      شعائر الإسلام فعليه، يقاتل أهل بلد تركوها قيل ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم لم يتركها، ويرد بأن هذا محله في الفطر، وأما النحر فصح أنه تركها بمنى وخبر فعله لها بها غريب ضعيف "وتشرع" أي تسن "جماعة" وهو أفضل إلا للحاج بمنى، فإن الأفضل له صلاة عيد النحر فرادى لكثرة ما عليه من الأشغال في ذلك اليوم، قال في الأنوار ويكره تعدد جماعتها بلا حاجة وللإمام المنع منه. "و" تسن "للمنفرد" ولا خطبة له "والعبد والمرأة" ويأتي في خروج الحرة والأمة لها جميع ما مر أوائل الجماعة في خروجهما لها "والمسافر" كسائر النوافل ويسن لإمام المسافرين أن يخطبهم، والخنثى كالأنثى وما اقتضاه ظواهر الأخبار الصحيحة من خروج المرأة مطلقا مخصوص خلافا لكثيرين أخذوا بإطلاقه بذلك الزمن الصالح كما أشارت لذلك عائشة رضي الله عنها بقولها لو علم النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء بعده لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل. "ووقتها بين" ابتداء وقيل تمام "طلوع الشمس" من اليوم الذي يعيد فيه الناس، وإن كان ثاني شوال كما يأتي آخر الباب "وزوالها" ولا نظر لوقت الكراهة؛ لأن هذه صلاة لها سبب أي وقت محدود الطرفين فهي صاحبة الوقت وما هي كذلك لا تحتاج لسبب آخر كصلاة العصر وقت الغروب وسنتها إذا أخرت عنها، فاندفع قول ابن الرفعة لا يتم القول بدخول وقتها بالطلوع إلا إذا قلنا: إن الصلاة وقت النهي لا تحرم وتصح وإلا استحال أن نقول بدخول وقتها وعدم صحتها "ويسن تأخيرها لترتفع" الشمس "كرمح" معتدل وهو سبعة أذرع في رأي العين خروجا من خلاف من قال لا يدخل وقتها إلا بذلك واختير.ومن ثم كره فعلها قبل الارتفاع المذكور ويؤيده كراهة ترك غسل الجمعة مع أنه لم يرد فيه نهي رعاية لخلاف موجبه. "وهي ركعتان" كغيرها أركانا وشروطا وسننا إجماعا "ويحرم بها" بنية صلاة عيد الفطر أو النحر مطلقا كما مر أول صفة الصلاة "ثم يأتي بدعاء الافتتاح" كغيرها "ثم سبع تكبيرات" غير تكبيرة الإحرام قبل القراءة للخبر الصحيح فيه "يقف بين كل ثنتين" من التكبيرات "كآية معتدلة" لا قصيرة ولا طويلة وضبطها أبو علي بسورة الإخلاص "يهلل ويكبر ويمجد" أي يعظم الله بالتسبيح والتحميد رواه البيهقي بسند جيد عن ابن مسعود قولا وفعلا "ويحسن" في ذلك أن يقول "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر"؛ لأنه لائق بالحال وهي الباقيات الصالحات في قول ابن عباس وجماعة ويسن الجهر بالتكبير والإسرار بالذكر "ثم يتعوذ و" بعد التعوذ "يقرأ" الفاتحة "ويكبر في الثانية" بعد تكبيرة القيام "خمسا" بالصيغة السابقة "قبل" التعوذ السابق على "القراءة" للخبر الصحيح، فيه أيضا نعم إن كبر إمامه ستا أو ثلاثا مثلا تابعه ندبا، وإن لم يعتقده الإمام، ويفرق بينه وبين ما يأتي فيما لو كبر إمام الجنازة خمسا بأن التكبيرات ثم أركان ومن ثم جرى في زيادتها خلاف في الإبطال بخلافه هنا، هذا والذي يتجه أنه لا يتابعه إلا إن أتى بما يعتقده أحدهما وإلا فلا وجه لمتابعته حينئذ "ويرفع يديه في الجميع" أي في كل تكبيرة.مما ذكر ويسن أن يضع يمناه على يسراه بين كل تكبيرتين، وفي الكفاية عن العجلي لا يكبر في المقضية؛ لأنه حق للوقت. وإطلاقهم يخالفه بل صريح قولهم أن القضاء يحكي الأداء يرده، لكنهم في الجهر

 

ج /1 ص -376-      اعتبروا وقت القضاء ويفرق بأنه صفة فأثر فيها اختلاف الوقت بخلاف التكبير، فإن قلت يؤيده ما يأتي أنه لا يكبر لمقضية أيام التشريق إذا قضاها خارجها قلت يفرق بأن التكبير هنا لذات الصلاة لا الوقت بخلافه ثم، ألا ترى أنه لو فعل مقضية في أيام التشريق كبر عقبها وهنا لو فعل مقضية وقت أداء العيد لا يكبر فيها فعلمنا أن التكبير ثم شعار الوقت وهنا شعار صلاة العيد دون غيرها فاندفع قوله: أنه حق للوقت ولو اقتدى بحنفي والى التكبيرات والرفع لزمه مفارقته كما هو ظاهر؛ لأن العبرة باعتقاد المأموم وليس كما مر في سجدة الشكر؛ لأن المأموم يرى مطلق السجود في الصلاة ولا يرى التوالي المبطل فيها اختيارا أصلا، نعم لا بد من تحققه للموالاة لانضباطها بالعرف وهو مضطرب في مثل ذلك ويظهر ضبطه بأن لا يستقر العضو بحيث ينفصل رفعه عن هويه حتى لا يسميان حركة واحدة، "ولسن" أي هذه السبع والخمس "فرضا" فلا تبطل الصلاة بتركها "ولا بعضا" فلا يسجد لتركها بل هي كبقية هيئات الصلاة ويكره تركها، والزيادة عليها كما في الأم وترك الرفع فيها والذكر بينها ولو ترك غير المأموم تكبير الأولى أتى به في الثانية مع تكبيرها على.ما ذكره غير واحد، وكأنهم أخذوه من نظيره السابق في الجمعة والمنافقين غفلة عما في الأم واعتمده ابن الرفعة ومن بعده، أنه يكره ذلك بل يقتصر على تكبير الثانية. ويؤيده ما يصرح به كلامهم أن الشروع في قراءة الفاتحة بعدها فوت مشروعيتها وما فاتت مشروعيته لا يطلب فعله في محله ولا غيره وقولهم الآتي فلا يتداركها صريح فيه، وبه يفرق بين هذا ونظيره المذكور؛ لأن قراءة الجمعة ثم لم تفت مشروعيتها كما يصرح به قولهم المقصود أن لا تخلو صلاته عنهما، ولو اقتدى به فيها وكبر معه خمسا أتى في ثانيته بالخمس لئلا يغير سنتها بإتيانه بالسبع كذا قالوه، وهو مشكل بما مر أنه لو تعمد قراءة المنافقين في أولى الجمعة سن له قراءة الجمعة في ثانيتها فلم ينظروا لتغيير سنة الثانية هنا، وقد يفرق بأن ما يدركه المأموم أول صلاته، وإنما اقتصر على الخمس فيها رعاية للإمام فلم يأت في الأولى بما يسن في الثانية فليس نظير تلك.، لكن قضيته أن المنفرد لو كبر في الأولى خمسا كبرها في الثانية أيضا ولا يشكل بتلك إذ ليس نظيرها؛ لأنه هنا إنما أتى بالبعض وترك البعض وثم لم يأت في الأولى بشيء من سورتها أصلا وقضيته أنه لو قرأ بعض الجمعة في الأولى لم يأت بباقيها مع المنافقين في الثانية وهو محتمل ويحتمل خلافه، وعليه يفرق بتمايز البعض عما في الثانية ثم فجمع معه بخلافه هنا، ثم رأيته في المجموع أشار لاستشكال ما هنا بما مر في الجمعة والمنافقين ولم يجب عنه "ولو نسيها" أو تعمد تركها كما علم بأولى "وشرع" في التعوذ لم تفت أو "في القراءة" ولو لبعض البسملة أو شرع إمامه ولم يتمها هو "فاتت" لفوات محلها فلا يتداركها.ويفرق بين ما هنا وعدم فوات نحو الافتتاح بشروع الإمام في الفاتحة بأنه شعار خفي لا يظهر به مخالفة بخلافها، فإنه شعار ظاهر لندب الجهر بها والرفع فيها كما مر ففي الإتيان بها أو ببعضها بعد شروع الإمام في الفاتحة مخالفة له، ويؤيده أنه لو اقتدى بمخالف فتركها تبعه أو دعاء الافتتاح لم يتبعه ولو أتى به بعد الفاتحة سن إعادتها، وكأنهم إنما لم يراعوا القول بالبطلان

 

ج /1 ص -377-      بتكريرها إما؛ لأن محله فيما ليس بعذر وإما لضعفه جدا، والأول أقرب "وفي القديم يكبر ما لم يركع" لبقاء محله وهو القيام "ويقرأ بعد الفاتحة في الأولى ق وفي الثانية اقتربت" ولم يقل سورة لشذوذ من كره تركها "بكمالهما"، وإن لم يرض المأمومون بذلك للاتباع رواه مسلم وفيه أيضا "أنه قرأ بسبح والغاشية" فكل سنة لكن الأوليان أفضل "جهرا" إجماعا. "ويسن بعدها" إجماعا فلا يعتد بهما قبلها، وفعل بعض أمراء بني أمية له؛ لأن الناس كانوا ينفرون عقب الصلاة عن سماع خطبته لكراهتهم له، بالغ السلف الصالح في رده عليه "خطبتان" قياسا على تكرارها في الجمعة ومر أن الخطبة لا تسن لمنفرد "أركانهما" وسننهما "كهي في الجمعة" فتجب الثلاثة الأول في كل منهما وقراءة آية في إحداهما والدعاء للمؤمنين في الثانية وخرج بأركانهما شروطهما فلا يجب هنا نحو قيام وجلوس بينهما وطهر وستر بل يسن، نعم لو كان في حال قراءة الآية جنبا بطلت خطبته.لعدم الاعتداد بها منه ما لم يتطهر ويعيدها، ولا بد في أداء سنتها من كونها عربية لكن المتجه أن هذا شرط لكمالها لا لأصلها بالنسبة لمن يفهمها كالطهارة بل أولى؛ لأن اعتناء الشارع بنحو الطهارة أعظم ألا ترى أن العاجز عن العربية يخطب بلسانه لمثله كما مر وعن الطهورين لا يخطب أصلا، فإذا لم يشترط في صحتها الطهر فأولى كونها عربية، ولا بد في ذلك أيضا من سماع الحاضرين لها بالفعل لكن يظهر الاكتفاء بسماع واحد؛ لأن الخطبة تسن للاثنين، ثم هي وإن كانت كخطبة الجمعة في سننها إلا أنها تزيد بسنن أخرى تعلم من قوله "ويعلمهم" ندبا "في الفطر الفطرة" أي زكاتها "و" في "الأضحى الأضحية" أي أحكامها التي تعم الحاجة إليها للاتباع في بعض ذلك رواه الشيخان ولما فيه من عظم نفعهم "يفتتح الأولى بتسع تكبيرات والثانية بسبع ولاء" إفرادا في الكل وهي مقدمة لها لا منها ولا ينافيه التعبير بالافتتاح؛ لأن الشيء قد يفتتح ببعض مقدماته، "ويندب الغسل" كما قدمه أيضا في الجمعة ومر ما فيه ثم، وذكره هنا توطئة لقوله "ويدخل وقته بنصف الليل"؛ لأن أهل السواد يقصدونها من حينئذ فوسع لهم وكما يدخل أذان الصبح بذلك "وفي قول بالفجر" كالجمعة ومر الفرق ثم "والتطيب والتزين" والمشي وغيرها سنة هنا "كالجمعة" بل أولى؛ لأنه يوم زينة فيأتي هنا، جميع ما مر ثم إلا في غير أبيض أرفع منه قيمة، فإنه الأفضل هنا وإلا في التزين بنحو الطيب وإزالة نحو شعر وظفر مما مر ثم، فإنه يسن هنا لكل أحد، وإن لم يحضر كالغسل، بخلافه هناك نعم لا يسن إزالة ذلك في الأضحى لمريد التضحية كما يأتي.
"وفعلها بالمسجد أفضل" لشرفه "وقيل" فعلها "بالصحراء" أفضل للاتباع، ورد بأنه صلى الله عليه وسلم إنما خرج إليها لصغر مسجده.ومحله في غير المسجد الحرام أما هو فهي فيه أفضل قطعا لفضله ومشاهدة الكعبة وألحق كثيرون به بيت المقدس واعترضه المصنف بأن ظاهر إطلاقهم أنه كغيره ونازعه الأذرعي، وألحق به ابن الأستاذ مسجد المدينة؛ لأنه اتسع "إلا لعذر" راجع للوجهين فعلى الأول إن ضاق المسجد كرهت فيه وعلى الثاني إن كان نحو مطر كرهت في الصحراء ولو ضاق المسجد وحصل نحو مطر صلى الإمام فيه واستخلف من يصلي بالبقية في محل آخر "ويستخلف" ندبا إذا ذهب إلى الصحراء "من يصلي" في

 

ج /1 ص -378-      المسجد "بالضعفة" ومن لم يخرج، ولا يخطب الخليفة إلا بإذنه ويأتي في، ثم يخطب في الكسوف ما يمكن مجيئه هنا. "ويذهب في طريق ويرجع في أخرى" ندبا للاتباع رواه البخاري. وحكمته أنه صلى الله عليه وسلم كان يذهب في الأطول لأن أجر الذهاب أعظم ويرجع في الأقصر وهذا سنة في كل عبادة، أو ليتبرك به أهلهما أو ليستفتى فيهما أو ليتصدق على فقرائهما أو ليزور أقاربه أو قبورهم فيهما أو ليغيظ منافقيهما أو ليحذر منهم وللتفاؤل بتغير الحال إلى المغفرة أو لتشهد له البقاع أو خشية العين أو الزحمة، وعلى كل من هذه المعاني يسن ذلك ولو لمن لم توجد فيه كالرمل والاضطباع "ويبكر الناس" من الفجر ندبا ليحصلوا فضيلة القرب وانتظار الصلاة هذا إن خرجوا للصحراء والأسن المكث عقب الفجر كما بحث، ومحله إن لم يحتج لزيادة تزين ونحوه وإلا ذهب وأتى فورا. "ويحضر الإمام وقت صلاته" ندبا للاتباع رواه الشيخان "ويعجل" ندبا الخروج "في الأضحى".ويؤخر في الفطر لخبر مرسل فيه الأمر بهما وهو حجة في مثل ذلك وحكمته اتساع وقت الأضحية ووقت إخراج الفطرة، فإن هذا أفضل أوقات خروجها، وحد الماوردي ذلك في الأضحى بمضي سدس النهار وفي الفطر بمضي ربعه وهو بعيد، وإنما الوجه أنه في الأضحى يخرج عقب الارتفاع كرمح وفي الفطر يؤخر عن ذلك قليلا "قلت ويأكل" أو يشرب "في عيد الفطر قبل الصلاة" ولو في الطريق كما صرح به بعضهم ومثلها المسجد بل أولى وعليه فلا تنخرم به المروءة لعذره، ويسن التمر وكونه وترا، وألحق به الزبيب "ويمسك في الأضحى" للاتباع صححه ابن حبان وغيره وليمتاز يوم العيد عما قبله بالمبادرة بالأكل أو تأخيره أي من حيث الأصل فلا نظر لصائم الدهر ولا لمفطر رمضان كما هو ظاهر، ولندب الفطر يوم النحر على شيء من أضحيته ويكره ترك ذلك كما في المجموع عن الإمام "ويذهب ماشيا" إلا لعذر "بسكينة" كالجمعة وفي العود يتخير بين المشي والركوب، وذكر ابن الأستاذ أن الأولى لأهل ثغر بقرب عدوهم ركوبهم ذهابا وإيابا وإظهار السلاح "ولا يكره" في غير وقت الكراهة "ولا النفل قبلها لغير الإمام والله أعلم" إذ لا محذور فيه أما الإمام فيكره له التنفل قبلها وبعدها، ومن جاء والإمام يخطب في الصحراء سمع إن اتسع الوقت إذ لا تحية، أو في المسجد.صلى العيد لحصول التحية في ضمنه كما مر ويكره له تنفل زائد على ذلك إن سمع وإلا فلا.

فصل في توابع لما سبق
"يندب التكبير بغروب الشمس ليلتي العيد" الشامل لعيد الفطر وعيد النحر "في المنازل والطرق والمساجد والأسواق برفع الصوت" لغير امرأة وخنثى بحضرة غير نحو محرم لقوله تعالى:
{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} أي عدة الصوم {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ} أي عند إكمالها {عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة:185] أي لأجل هدايته إياكم وقيس به الأضحى ويسمى هذا التكبير المرسل والمطلق لأنه لا يتقيد بصلاة ولا بغيرها ويسن تأخيره عن أذكارها بخلاف المقيد الآتي "والأظهر إدامته حتى يحرم الإمام بصلاة العيد" إذ التكبير لكونه شعار الوقت أولى ما يشتغل به أما من صلى منفردا فالعبرة بإحرام نفسه.

 

ج /1 ص -379-      "فائدة" ورد في حديث في سنده متروكان أنه صلى الله عليه وسلم كان يكبر في عيد الفطر من حين يخرج من بيته حتى يأتي المصلى"
"ولا يكبر الحاج ليلة الأضحى" خلافا للقفال "بل يلبي" أي لأن التلبية هي شعاره الأليق به والمعتمر يلبي إلى أن يشرع في الطواف "ولا يسن ليلة الفطر عقب الصلوات في الأصح" إذ لم ينقل وقيل يستحب وصححه في الأذكار وأطال غيره في الانتصار له وأنه المنقول المنصوص "ويكبر الحاج" الذي بمنى وغيرها كما يأتي "من ظهر النحر"؛ لأنها أول صلاة تلقاه بعد تحلله باعتبار وقته الأفضل وهو الضحى، وقضيته أنه لو قدمه على الصبح أو أخره عن الظهر لم يعتبر ذلك، وهو متجه خلافا لمن أناطه بوجود التحلل ولو قبل الفجر إذ يلزمه تأخره بتأخر التحلل عن الظهر، وإن مضت أيام التشريق وهو بعيد من كلامهم وأنه لو صلى قبل الظهر نفلا أو فرضا.كبر إلا أن يقال غيرها تابع لها في ذلك فلم يتقدم عليها "ويختم بصبح آخر" أيام "التشريق"، وإن نفر قبل أو لم يكن بها أصلا كما اقتضاه إطلاقهم ولا ينافيه قولهم؛ لأنها آخر صلاة يصلونها بمنى؛ لأنه باعتبار الأفضل لهم من البقاء بها إلى النفر الثاني وتأخير الظهر إلى المحصب "وغيره" أي الحاج "كهو" فيما ذكر من التكبير من ظهر النحر إلى صبح آخر أيام التشريق "في الأظهر" تبعا له "وفي قول" يكبر غير الحاج "من مغرب ليلة النحر" كعيد الفطر "وفي قول" يكبر "من" حين فعل "صبح" يوم "عرفة ويختم" على القولين "بعصر" أي بالتكبير عقب فعل عصر آخر أيام "التشريق والعمل على هذا" في الأعصار والأمصار للخبر الصحيح فيه على ما قاله الحاكم وتبعه تلميذه الإمام البيهقي في خلافياته لكنه ضعفه في غيرها وبتسليمه هو حجة في ذلك ومن ثم اختاره المصنف في المجموع وغيره وفي الأذكار أنه الأصح وفي الروضة أنه الأظهر عند المحققين ثم رأيت الذهبي في تلخيص المستدرك أشار إلى أنه شديد الضعف وعبارته خبر واه كأنه موضوع ثم بين ذلك ومر أن ما هو كذلك ليس بحجة ولا في الفضائل "والأظهر أنه يكبر في هذه الأيام للفائتة" المفروضة أو النافلة فيها أو في غيرها والمنذورة "والراتبة والنافلة" تعميم بعد تخصيص سواء ذات السبب ككسوف واستسقاء وغيرها كالضحى والعيد ونحوهما، والنافلة المطلقة وقيده شارح بالمطلقة ثم أورد عليه نحو ذات السبب والضحى وليس بحسن وكذا صلاة الجنازة؛ لأنه شعار الوقت.ومن ثم لم يكبر اتفاقا لفائتها إذا قضاه خارجها كما أفهمه قوله في هذه الأيام ولم يفت بطول الزمن وبه فارق فوت الإجابة بطوله؛ لأنها للأذان وبالطول انقطعت نسبتها عنه وهذا للزمن فيسن بعد الصلاة، وإن طال قال في البيان ما دامت أيام التشريق باقية لا سجدة تلاوة أو شكر على الأوجه وفاقا للمحاملي وآخرين؛ لأنهما ليستا بصلاة أصلا بخلاف ما على الجنازة، فإنه يسمى صلاة لكن مقيدة. والخلاف في تكبير يرفع به صوته ويجعله شعار الوقت أما لو استغرق عمره بالتكبير فلا منع. "وصيغته المحبوبة" أي الفاضلة لاشتمالها على نحو ما صح في مسلم على الصفا وزيادتها بأشياء أخذوا بعضها من فعل بعض الصحابة تارة كتتابع التكبير ثلاثا أولها ومن فعل بقية السلف أخرى "الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد

 

ج /1 ص -380-      ويستحب" كما في الأم "أن يزيد" بعد التكبيرة الثالثة أي وما بعدها مما ذكر إن أتى به الله أكبر "كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا" أي أول النهار وآخره، والمراد جميع الأزمنة لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله والله أكبر؛ لأنه مناسب ولأنه صلى الله عليه وسلم قال نحو ذلك على الصفا. "ولو شهدوا يوم الثلاثين" وقبلوا "قبل الزوال" وقد بقي ما يسع جمع الناس وصلاة العيد أو ركعة منها "برؤية الهلال الليلة الماضية أفطرنا وصلينا العيد" أداء لبقاء وقتها أما لو شهدوا وقبلوا وقد بقي من الوقت ما لا يسع ذلك فكما لو شهدوا بعد الزوال ويسن فعلها للمنفرد ومن تيسر حضوره معه حيث بقي من الوقت ما يسع ركعة ثم مع الناس "وإن شهدوا بعد الغروب لم تقبل الشهادة" بالنسبة لصلاة العيد إذ لا فائدة لها فيها إلا منع أدائها من الغد ولما في الخبر الصحيح "الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس وعرفة يوم يعرف الناس" فيصلي من الغد أداء بل بالنسبة لغيرها كأجل وطلاق وعتق علقت بشوال أو الفطر أو النحر ونازع في ذلك ابن الرفعة بما ردوه عليه."أو" شهدوا وقبلوا "بين الزوال والغروب أفطرنا" وجوبا "وفاتت الصلاة" أي أداؤها لخروج وقتها بالزوال وبما قررت به كلامه علم أن العبرة بوقت التعديل لا بوقت الشهادة "ويشرع قضاؤها متى شاء" مريده "في الأظهر" كسائر الرواتب وهو في باقي اليوم أولى ما لم يعسر جمع الناس فتأخيره للغد أولى هذا بالنسبة لصلاة الإمام بالناس أما كل على حدته فالأفضل له تعجيل القضاء مطلقا وهذا، وإن علم من قوله في صلاة النفل ولو فات النفل المؤقت ندب قضاؤه في الأظهر لكن ذكره هنا إيضاحا وتفريعا على الفوات الذي حكى مقابله بقوله "وقيل في قول" لا تفوت بل "تصلى من الغد أداء" لكثرة الغلط في الأهلة فلا يفوت به هذا الشعار العظيم.

باب صلاة الكسوفين
كسوف الشمس وكسوف القمر ويقال خسوفان وللأول كسوف وللثاني خسوف وهو الأشهر الأفصح وقيل عكسه ويوجه شهرة ذلك وكونه أفصح بأن معنى كسف تغير وخسف ذهب وقد بين علماء الهيئة أن كسوف الشمس لا حقيقة له بخلاف خسوف القمر؛ لأن نوره مستمد من نورها.فإذا حيل بينهما صار لا نور له وهي مضيئة في نفسها، وإنما يحول بيننا وبينها حائل فيمنع وصول ضوئها إلينا وكان هذا هو سبب إيثاره في الترجمة وأيضا فأحاديث كسوف الشمس أكثر وأصح وأشهر ونازعهم الآمدي في ذلك بما رددته عليه في شرح العباب.
"هي سنة" مؤكدة لكل من مر في العيد للأمر بها فيهما رواه الشيخان ويكره تركها وهو مراد الشافعي في موضع بلا يجوز؛ لأن المكروه قد يوصف بعدم الجواز إذ المتبادر منه استواء الطرفين، وإنما لم تجب لخبر هل علي غيرها "فيحرم بنية صلاة الكسوف" مع تعيين أنه صلاة كسوف شمس أو قمر نظير ما مر في أنه لا بد من نية صلاة عيد الفطر أو

 

ج /1 ص -381-      النحر وهذا، وإن أغنى عنه ما قدمه أول صفة الصلاة أن ذات السبب لا بد من تعيينها ولذا اغتنى عن نظيره في العيد، والاستسقاء لفهمه من ذلك لكن صرح به هنا؛ لأنه خفي لندرة هذه الصلاة ويجوز لمريد هذه الصلاة ثلاث كيفيات إحداها وهي أقلها ومحلها إن نواها كالعادة أو أطلق أن يصليها ركعتين كسنة الصبح وثبت فيها حديثان صحيحان ومحل ما يأتي أنه لا يجوز النقص، والرجوع بها إلى الصلاة المعتادة عند الانجلاء إذا نواها بالصفة الآتية خلافا لما زعمه الإسنوي ثانيتها وهي أكمل من الأولى ومحلها كالتي بعدها إن نواها بصفة الكمال أن يزيد ركوعين من غير قراءة ما يأتي فحينئذ "يقرأ الفاتحة".أو وسورة قصيرة "ويركع ثم يرفع ثم يقرأ الفاتحة" أو وسورة قصيرة "ثم يركع ثم يعتدل ثم يسجد" سجدتين كغيرها "فهذه ركعة ثم يصلي ثانية كذلك" وهذه في الصحيحين لكن من غير تصريح بقراءة الفاتحة في كل ركعة، "ولا تجوز" إعادتها إلا فيما يأتي ولا "زيادة ركوع ثالث" فأكثر "لتمادي الكسوف ولا نقصه" أي أحد الركوعين اللذين نواهما "للانجلاء في الأصح"؛ لأنها ليست نفلا مطلقا وغيره لا تجوز الزيادة فيه ولا النقص عنه وخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين في كل ركعة ثلاث ركوعات" وفيه أيضا أربعة وصح خمسة وصح أيضا إعادتها أجابوا عنها بأن أحاديث الركوعين أصح وأشهر واعترضه جمع بأنه إنما يصح إذا اتحدت الواقعة أما إذا تعددت لكسوف الشمس، والقمر فلا تعارض وفيه نظر؛ لأن سبر كلامهم قاض بأنه لم ينقل تعددها بعدد تلك الروايات المتخالفة التي تزيد على سبعة وحينئذ فالتعارض محقق وعند تحققه يتعين الأخذ بالأصح، والأشهر وهو ما تقرر فتأمله. وصورة الزيادة والنقص على المقابل أن يكون من أهل الحساب ويقتضي حسابه ذلك وعلى هذا يحمل قول من قال محل الكيفية الآتية أن لا يضيق الوقت ويمكن حمله على ما يأتي في الخسوف قبل طلوع الشمس فوقتها حينئذ ضيق فلا تكون هذه الكيفية فاضلة في حقه حينئذ ولو صلاها منفردا أو جماعة ثم رأى جماعة يصلونها سن له إعادتها معهم كما مر وواضح.أن محله بل ومن أراد صلاتها معهم ولم يكن صلاها قبل ما إذا لم يقع الانجلاء قبل تحرمه وإلا امتنع؛ لأنه أنشأ صلاة مع زوال سببها ثالثتها "و" هي "الأكمل" على الإطلاق، وإن لم يرض بها المأمومون إلا لعذر كما إذا بدأ بالكسوف قبل الفرض كما يأتي "أن يقرأ في القيام الأول بعد الفاتحة" وسوابقها من افتتاح وتعوذ "البقرة" أو قدرها وهي أفضل لمن أحسنها "وفي" القيام "الثاني" بعد التعوذ، والفاتحة "كمائتي آية" معتدلة "منها وفي" القيام "الثالث" بعد ذلك "مائة وخمسين" منها "وفي" القيام "الرابع" بعد ذلك "مائة" منها "تقريبا" كذا نص عليه في أكثر كتبه وله نص آخر أنه يقرأ في الثاني آل عمران أو قدرها وفي الثالث النساء أو قدرها، والرابع المائدة أو قدرها وليس باختلاف عند المحققين بل هو للتقريب وهما متقاربان كذا قالاه ويشكل عليه أنه في الأول طول الثاني على الثالث، وفي الثاني عكس وهذا هو الأنسب، فإن الثاني تابع للأول، والرابع للثالث فكان الأول أطول من الثاني، والثالث أطول منه ومن الرابع ويمكن توجيه الأول بأن الثاني لما تبع الأول طال على الثالث وهو على الرابع ويؤيده ما يأتي في الركوع فيمكن حمل التقريب على التخيير

 

ج /1 ص -382-      بينهما لتعادل علتيهما كما علمت "ويسبح في الركوع الأول قدر مائة من" الآيات المعتدلة من "البقرة وفي الثاني" قدر "ثمانين و" في "الثالث" قدر "سبعين" بالسين أوله "و" في "الرابع" قدر "خمسين تقريبا" كذا نص عليه في أكثر كتبه أيضا وله نص آخر أنه يسبح في كل ركعة بقدر قراءته ويقول في كل رفع سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد إلى آخر ذكر الاعتدال "ولا يطول السجدات في الأصح" كما لا يزيد في التشهد، والجلوس بين السجدتين، والاعتدال الثاني "قلت: الصحيح تطويلها" وهو الأفضل؛ لأنه "ثبت في الصحيحين ونص.في البويطي" على "أنه يطولها نحو الركوع الذي قبلها والله أعلم" فيكون السجود الأول نحو الركوع الأول، والثاني نحو الثاني.
"وتسن جماعة" وبالمسجد إلا لعذر وذلك للاتباع رواه الشيخان، وإنما لم يسن هنا الخروج للصحراء؛ لأنه يعرضها للفوات قيل جماعة بالرفع أي فيها ولا يصح نصبه حالا لاقتضائه تقييد الندب بحالة الجماعة وليس كذلك ا هـ وفيه نظر بل النصب هو الظاهر وليس بحال بل تمييز محول عن نائب الفاعل ويصح جعله حالا وذلك الإيهام منتف بقوله أولا هي سنة الظاهر في سنها للمنفرد أيضا "ويجهر بقراءة كسوف القمر" إجماعا؛ لأنها ليلية أو ملحقة بها "لا الشمس" بل يسر للاتباع صححه الترمذي وغيره "ثم يخطب" من غير تكبير كما بحثه ابن الأستاذ "الإمام" للاتباع في كسوف الشمس متفق عليه وقيس به خسوف القمر وتكره الخطبة في مسجد بغير إذن الإمام خشية الفتنة ويؤخذ منه أن محله ما إذا اعتيد استئذانه أو كان لا يراها ويخطب إمام نحو المسافرين لا إمامة النساء نعم إن قامت واحدة فوعظتهن فلا بأس وكذا في العيد كما هو ظاهر "خطبتين بأركانهما" وسننهما السابقة "في الجمعة" قياسا عليها أما شروطهما فسنة هنا.كالعيد نعم تحصل السنة هنا بخطبة واحدة على ما في الكفاية عن النص وتبعه جمع لكن رده آخرون وهو المعتمد "ويحث" الخطيب ندبا الناس "على التوبة، والخير" عام بعد خاص وحكمة إفراده مزيد الاهتمام بشأنه ويحرضهم على العتق، والصدقة للاتباع بسند صحيح في كسوف الشمس وقيس بهما الباقي ويذكر ما يناسب الحال من حث وزجر ويكثر الدعاء، والاستغفار.
"ومن أدرك الإمام في ركوع أول" من الركعة الأولى أو الثانية "أدرك الركعة" كغيرها بشرطه السابق "أو" أدركه "في" ركوع "ثان أو في قيام ثان" من الأولى أو الثانية "فلا" يدركها "في الأظهر"؛ لأن ما بعد الركوع الأول في حكم الاعتدال، وإنما وجبت الفاتحة وسنت السورة فيه للاتباع محاكاة للأول لتتميز هذه الصلاة عن غيرها وفي مقابل الأظهر هنا تفصيل لسنا بصدده ويسن هنا الغسل لا التزين السابق في الجمعة كما بحثه بعضهم لخوف فواتها، "وتفوت صلاة" كسوف "الشمس" إذا لم يشرع فيها "بالانجلاء" لجميعها يقينا لا لبعضها ولا إذا شككنا فيه لحيلولة سحاب؛ لأن الأصل بقاؤه.ولا نظر في هذا الباب لقول المنجمين مطلقا، وإن كثروا؛ لأنه تخمين، وإن اطرد ويفرق بين هذا وجواز عمل المنجم في الوقت، والصوم بعلمه بأن هذه الصلاة خارجة عن القياس فاحتيط لها و بأنه يلزمه القضاء في الصوم، وإن صادف كما يأتي فله جابر وهذه لا قضاء فيها كما مر فلا جابر لها وبأن دلالة

 

ج /1 ص -383-      علمه على ذينك أقوى منها هنا وذلك لفوات سببها أما إذا زال أثناءها، فإنه يتمها قيل ولا توصف بأداء ولا قضاء ا هـ، والوجه صحة وصفها بالأداء، وإن تعذر القضاء كرمي بالجمار ولو بان وجود الانجلاء قبل الشروع فيها فالأوجه أنها إن كانت كسنة الصبح وقعت نفلا مطلقا كما لو أحرم بفرض أو نفل قبل وقته جاهلا به أو كالهيئة الكاملة بان بطلأنها إذ لا نفل على هيئتها يمكن انصرافها إليه "وبغروبها كاسفة" لزوال سلطانها، والانتفاع بها "و" تفوت صلاة خسوف "القمر" قبل الشروع فيها "بالانجلاء" لجميعه كما مر في الشمس "وطلوع الشمس" لزوال سلطانه "لا" بطلوع "الفجر" وهو خاسف فلا تفوت "في الجديد" لبقاء ظلمة الليل، والانتفاع بضوئه وله الشروع فيها إذا خسف بعد الفجر.وإن علم طلوع الشمس فيها؛ لأنه لا يؤثر "ولا تفوت بغروبه خاسفا" ولو بعد الفجر كما لو غاب تحت السحاب خاسفا مع بقاء محل سلطانه والانتفاع به. قال ابن الأستاذ هذا مشكل، وإن اتفقوا عليه؛ لأنه قد تم سلطانه في هذه الليلة ا هـ ويجاب بأنهم نظروا لما من شأنه لا بالنظر لليلة مخصوصة، وإناطة الأشياء بما من شأنها كثير في كلامهم ولا يفوت ابتداء الخطبة بالانجلاء؛ لأن خطبته صلى الله عليه وسلم إنما كانت بعده "ولو اجتمع كسوف وجمعة أو فرض آخر قدم" وجوبا "الفرض" الجمعة أو غيرها "إن خيف فوته"؛ لأن فعله حتم فكان أهم ففي الجمعة يخطب لها ثم يصليها ثم الكسوف ثم يخطب له "وإلا" يخف فوته "فالأظهر تقديم الكسوف" لخوف فوته بالانجلاء فيقرأ بعد الفاتحة بنحو سورة الإخلاص "ثم" بعد صلاة الكسوف "يخطب للجمعة" في صورتها "متعرضا للكسوف" ليستغني بذكره ما يتعلق بالخسوف عن خطبتين أخريين بعد الجمعة ويجب أن ينوي خطبة الجمعة فقط، فإن نواهما بطلت؛ لأنه شرك بين فرض ونفل مقصود؛ لأن خطبة الجمعة لا تتضمن خطبة الكسوف فليس كنية الفرض، والتحية وكذا إن نوى الكسوف وحده وهو ظاهر فيستأنف خطبة للجمعة، أو أطلق؛ لأن القرينة تصرفها للخسوف وقول الأذرعي لا تنصرف الخطبة إليه إلا بقصده؛ لأن خطبته سقطت مبني على أنه لا يحتاج لخطبة وإن لم يتعرض في خطبة الجمعة له والذي صرح به غيره أنه متى لم يتعرض فيها له سن له خطبة أخرى "ثم يصلي الجمعة"، والعيد مع الكسوف كالفرض معه فيما ذكر؛ لأن العيد أفضل منه نعم يجوز هنا قصدهما بالخطبتين واستشكله في المجموع بأنهما سنتان مقصودتان فلا يضر التشريك بينهما كركعتين نوى بهما سنة الضحى وسنة الصبح المقضية.ويجاب بأنهما لما كانتا تابعتين للصلاة أشبهتا غسل الجمعة والعيد وليستا كالصلاتين؛ لأنه يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها ثم رأيت السبكي أشار لذلك. "ولو اجتمع" خسوف ووتر قدم الخسوف، وإن خيف فوت الوتر؛ لأنه أفضل ويمكن تداركه بالقضاء أو "عيد" وجنازة "أو كسوف وجنازة قدمت الجنازة" خوفا من تغير الميت ثم يفرد طائفة لتشييعها ويشتغل ببقية الصلوات ولو اجتمع معها فرض اتسع وقته ولو جمعة قدمت إن حضر وليها وحضرت وإلا أفرد لها جماعة ينتظرونها واشتغل مع الباقين بغيرها. قال السبكي تعليلهم يقتضي وجوب تقديمها على الجمعة أول الوقت خلاف ما اعتيد من تأخيرها عنها فينبغي التحذير منه ولما ولي ابن عبد السلام خطابة

 

ج /1 ص -384-      جامع عمرو رضي الله عنه بمصر كان يصلي عليها أولا ويفتي الحمالين وأهل الميت أي الذين يلزمهم تجهيزه فيما يظهر بسقوط الجمعة عنهم ليذهبوا بها ا هـ، وإنما يتجه إن خشي تغيرها أو كان التأخير لا لكثرة المصلين وإلا فالتأخير يسير وفيه مصلحة للميت فلا ينبغي منعه ولذا أطبقوا على تأخيرها إلى ما بعد صلاة نحو العصر لكثرة المصلين حينئذ قيل اجتماع العيد مع كسوف الشمس محال عادة؛ لأنها لا تكسف إلا في الثامن أو التاسع والعشرين ورد بأنه لا استحالة في ذلك عند غير المنجمين كيف وقد صح أنها كسفت يوم موت إبراهيم ولد النبي صلى الله عليه وسلم وروى.الزبير بن بكار، والبيهقي عن الواقدي أنه مات يوم عاشر شهر ربيع الأول وكسفت أيضا يوم قتل الحسين رضي الله عنه وقد اشتهر أنه كان يوم عاشوراء على أنه قد يتصور موافقة العيد للثامن والعشرين بأن يشهد اثنان بنقص رجب وتالييه وهي في الحقيقة كوامل.
"فرع" لا يصلي لغير الكسوفين من نحو زلزال وصواعق جماعة بل فرادى ركعتين لا كصلاة الكسوف على الأوجه مع التضرع، والدعاء

باب صلاة الاستسقاء
هو لغة طلب السقيا وشرعا طلب السقيا من الله تعالى عند الحاجة إليها وسقاه وأسقاه بمعنى، والأصل فيها فعله صلى الله عليه وسلم لها وكذا الخلفاء بعده.
"هي سنة" مؤكدة لكل أحد كالعيد بأنواعها الثلاثة أدناها مجرد الدعاء وأوسطها الدعاء خلف الصلوات ولو نفلا.وفي نحو خطبة الجمعة قال في الأنوار: ويتحول فيها للقبلة عند الدعاء ويحول رداءه واعترض بأنه من تفرده مع أنه صلى الله عليه وسلم استسقى فيها ولم يفعله وأيضا استقبال القبلة فيها مكروه بل مبطل على وجه ثم رأيت بعضهم نقل عنه أنه عبر بيجوز وهو الذي رأيته في نسخة ثم قال بل الذي يتجه ندبه وحينئذ فالاعتراض إنما يتجه على الثاني وأكملها الاستسقاء بخطبتين وركعتين على الكيفية الآتية لثبوتها في الصحيحين وغيرهما وليس في القرآن ما ينفيها إذ ترتيب نزول المطر على الاستغفار المأمور به فيه على لسان نوح وهود صلى الله على نبينا وعليهما وسلم المراد به الإيمان وحقيقته لا ينفي ندب الاستسقاء لانقطاعه الثابت في الأحاديث التي كادت أن تتواتر على أن الأصح في الأصول أن شرع من قبلنا ليس بشرع لنا وبتسليمه فمحله ما لم يرد في شرعنا ما يخالفه "عند الحاجة" للماء لفقده أو ملوحته أو قلته بحيث لا يكفي أو لزيادته التي بها نفع، وإن كان المحتاج لذلك طائفة مسلمين قليلة فيسن لغيرهم الاستسقاء لهم ولو بالصلاة. نعم إن كانوا فسقة أو مبتدعة لم يفعل لهم على ما بحث.لئلا تظن العامة حسن طريقتهم وجعل شارح من ذلك الحاجة إلى طلوع الشمس ويوجه بأن حبسها يمنع فائدة السقيا لمنعه نمو النبت، والثمر فكان طلوعها من تتمة الاستسقاء ويمكن أن يقال: إنه من نحو الزلزال الذي مر فيه أنه يصلى له فرادى وهذا هو الأوجه ثم رأيت في كلامهم ما يرد الأول "وتعاد" بأنواعها "ثانيا وثالثا" وهكذا "إن لم يسقوا" حتى يسقيهم الله تعالى من فضله لخبر
"إن الله

 

ج /1 ص -385-      يحب الملحين في الدعاء" وإن ضعف ثم إذا أرادوا إعادتها بالصلاة، والخطبة إن لم يشق عليهم الخروج من غد كل خرجة خرج بهم صياما، وإن شق ورأى التأخير أياما صام بهم ثلاثا وخرج بهم في الرابع صياما وهكذا، "فإن تأهبوا للصلاة" ولو للزيادة المحتاج إليها "فسقوا قبلها اجتمعوا للشكر" على تعجيل مطلوبهم قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}[إبراهيم:7] "والدعاء" بطلب الزيادة إن احتاجوها "ويصلون" الصلاة الآتية ويخطبون أيضا للوعظ ويؤخذ منه أنهم ينوون صلاة الاستسقاء ولا ينافيه قولهم الآتي شكرا "على الصحيح" شكرا أيضا.
وبه يفرق بين هذا وما لو وقع الانجلاء بعد اجتماعهم، ووجهه أن القصد بالصلاة ثم رفع التخويف المقصود بالكسوف كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة وقد زال وهنا تجديد الشكر على هذه النعمة الظاهرة ولم يفت ذلك.أو بعدها لم يخرجوا لشكر ولا لدعاء "ويأمرهم" أي الناس ندبا "الإمام" أو نائبه ويظهر أن منه القاضي العام الولاية لا نحو والي الشوكة وأن البلاد التي لا إمام بها يعتبر ذو الشوكة المطاع فيها ثم رأيت الأنوار صرح به فقال ويأمرهم الإمام أو المطاع "بصيام ثلاثة أيام" متتابعة "أولا" أي قبل يوم الخروج وبصوم الرابع الآتي ويصوم معهم؛ لأن الصوم يعين على رياضة النفس وخشوع القلب وبأمره بالثلاثة أو الأربعة يلزمهم الصوم.ظاهرا وباطنا بدليل وجوب تبييت نيته عليهم على المعتمد كما شمله قولهم يجب التبييت في الصوم الواجب ويظهر أنه لا يجب قضاؤها لفوات المعنى الذي طلب له الأداء وأنه لو نوى به نحو قضاء أثم؛ لأنه لم يصم امتثالا للأمر الواجب عليه امتثاله باطنا كما تقرر..ومن ثم لو نوى هنا الأمرين اتجه أن لا إثم لوجود الامتثال، ووقوع غيره معه لا يمنعه وأن الولي لا يلزمه أمر موليه الصغير به، وإن أطاقه وأن من له فطر رمضان لسفر أو مرض لا يلزمه الصوم، وإن أمر به ثم رأيت من بحث أن المسافر لا يلزمه إن تضرر به؛ لأن الأمر حينئذ غير مطلوب لكون الفطر أفضل منه وفيه نظر لا سيما تعليله إذ ظاهر كلامهم وجوب مأموره، وإن كان مفضولا بل ولو مباحا على ما يأتي، وإنما لم يلزم نحو المسافر؛ لأن مأموره غايته أن يكون كرمضان، فإذا جاز الخروج منه لعذر فأولى مأموره. وبحث الإسنوي أن كل ما أمرهم به من نحو صدقة وعتق.يجب كالصوم ويظهر أن الوجوب إن سلم في الأموال وإلا فالفرق بينها وبين نحو الصوم واضح لمشقتها غالبا على النفوس ومن ثم خالفه الأذرعي وغيره إنما يخاطب به الموسرون بما يوجب العتق في الكفارة وبما يفضل عن يوم وليلة في الصدقة نعم يؤيد ما بحثه قولهم تجب طاعة الإمام في أمره ونهيه ما لم يخالف الشرع أي بأن لم يأمر بمحرم وهو هنا لم يخالفه؛ لأنه إنما أمر بما ندب إليه الشرع وقولهم يجب امتثال أمره في التسعير إن جوزناه أي كما هو رأي ضعيف نعم الذي يظهر أن ما أمر به مما ليس فيه مصلحة عامة لا يجب امتثاله إلا ظاهرا فقط بخلاف ما فيه ذلك يجب باطنا أيضا، والفرق ظاهر وأن الوجوب في ذلك على كل صالح له عينا لا كفاية إلا إن خصص أمره بطائفة فيختص بهم فعلم أن قولهم إن جوزناه قيد لوجوب امتثاله ظاهرا وإلا فلا إلا إن خاف فتنة كما هو ظاهر

 

ج /1 ص -386-      فيجب ظاهرا فقط وكذا يقال في كل أمر محرم عليه بأن كان بمباح فيه ضرر على المأمور به، وإنما لم ينظر الإسنوي للضرر فيما مر عنه؛ لأنه مندوب وهو لا ضرر فيه يوجب تحريم أمر الإمام به للمصلحة العامة بخلاف المباح.وبهذا يعلم أن الكلام فيما مر في المسافر وفي مخالفة الأذرعي وغيره للإسنوي إنما هو من حيث الوجوب باطنا أما ظاهرا فلا شك فيه بل هو أولى مما هنا فتأمله ثم هل العبرة في المباح والمندوب المأمور به باعتقاد الآمر، فإذا أمر بمباح عنده سنة عند المأمور يجب امتثاله ظاهرا فقط أو المأمور فيجب باطنا أيضا أو بالعكس فينعكس ذلك كل محتمل وظاهر إطلاقهم هنا الثاني؛ لأنهم لم يفصلوا بين كون نحو الصوم المأمور به هنا مندوبا عند الآمر أو لا ويؤيده ما مر أن العبرة باعتقاد المأموم لا الإمام ولو عين على كل غني قدرا فالذي يظهر أن هذا من قسم المباح؛ لأن التعيين ليس بسنة وقد تقرر في الأمر بالمباح أنه إنما يجب امتثاله ظاهرا فقط "والتوبة" لوجوبها فورا إجماعا، وإن لم يأمر بها "والتقرب إلى الله تعالى بوجوه البر، والخروج من المظالم" التي لله أو للعباد دما أو عرضا أو مالا وذكرها؛ لأنها أخص أركان التوبة؛ لأن ذلك أرجى للإجابة وقد يكون منع الغيث عقوبة لذلك لخبر الحاكم، والبيهقي "ولا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم المطر" وفي خبر ضعيف تفسير اللاعنين في الآية بدواب الأرض تقول نمنع القطر بخطاياهم. "ويخرجون" حيث لا عذر "إلى الصحراء" للاتباع.إلا في مكة وبيت المقدس على ما قاله الخفاف واعتمده جمع منهم الأذرعي اقتداء بالخلف، والسلف لشرف المحل وسعته المفرطة ولا ينافيه إحضار نحو الصبيان، والبهائم؛ لأنها توقف بأبواب المسجد وإلا إن قل المستسقون فالمسجد مطلقا لهم أفضل كما صرح به الدارمي "في الرابع" من صيامهم "صياما" للخبر الصحيح "ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، والمظلوم" وفارق ندب الفطر بعرفة ولو لأهل عرفة كما شمله كلامهم؛ لأنه آخر النهار فيشق معه الصوم وهنا بعكسه. وقضيته أنه لو وقع هنا آخر النهار ألحق بعرفة وهو محتمل ويحتمل الفرق بأن الحاج لاحتياجه بعد الفطر إلى ما عليه في ليلة النحر ويومها من المتاعب أحوج إلى الفطر من المستسقى فلا يقاس به "في ثياب بذلة" بكسر فسكون للمعجمة أي عمل غير جديدة "و" في "تخشع" أي تذلل وخضوع واستكانة إلى الله تعالى في كلامهم ومشيهم وجلوسهم مع حضور القلب وامتلائه بالهيبة، والخوف من الله تعالى واحتمال عطف تخشع على بذلة مدفوع بأنه ليس لنا ثياب تخشع مخصوصة كذا قيل وفيه نظر بل ثياب التخشع غير ثياب الكبر والفخر والخيلاء لنحو طول أكمامها وأذيالها، وإن كانت ثياب عمل فصح عطفه على بذلة أيضا خلافا لمن نازع فيه وحينئذ إذا أمروا بإظهار التخشع في ملبوسهم.ففي ذاتهم من باب أولى وذلك للخبر الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى الاستسقاء متبذلا متواضعا حتى أتى المصلى فرقى المنبر فلم يزل في الدعاء، والتضرع، والتكبير ثم صلى ركعتين كما يصلي العيد" وقول المتولي لا بأس بخروجهم حفاة مكشوفة رؤسهم استبعده الشاشي قال الأذرعي وهو كما قال ولا يسن لهم تطيب بل تنظف بسواك وغسل وقطع ريح كريه ويخرجون من طريق ويرجعون في آخر. "ويخرجون"

 

ج /1 ص -387-      ندبا "الصبيان" والذي يتجه أن مؤنة حملهم في مال الولي كمؤن حجهم بل أولى.
تنبيه: شمل الصبيان غير المميزين وعليه تخرج المجانين الذين أمنت قطعا ضراوتهم ويحتمل التقييد بالمميزين ويؤيد الأول إخراج أولاد البهائم إشعارا بأن الكل مسترزقون.
"والشيوخ" والعجائز؛ لأن دعاءهم أقرب للإجابة وفي خبر البخاري
"وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم" وفي خبر ضعيف "لولا شباب خشع وبهائم رتع وشيوخ ركع" أي لكبر سنهم أو كثرة عبادتهم "وأطفال رضع لصب عليكم العذاب صبا" "وكذا البهائم في الأصح" لأن الجدب قد أصابها أيضا وفي الخبر الصحيح "أن نبيا من الأنبياء" قال جمع هو سليمان صلى الله على نبينا وعليه وسلم "خرج يستسقي، فإذا هو بنملة رافعة بعض قوائمها إلى السماء فقال ارجعوا فقد استجيب لكم من أجل شأن النملة" وتعزل عنا.ويفرق بين الأمهات، والأولاد حتى يكثر الضجيج والرقة فيكون أقرب إلى الإجابة ونازع فيه جمع بما لا يجدي. "ولا يمنع أهل الذمة" أو العهد "الحضور" أي لا ينبغي ذلك ويظهر أن محله ما لم ير الإمام المصلحة في ذلك على أنه يسن للإمام المنع من المكروه كما صرحوا به وسيأتي أنه يكره لهم الحضور إلا أن يجاب بأن المقام مقام ذلة واستكانة فلا يكسر خاطرهم حيث لا مصلحة تقتضي ذلك؛ لأنهم مسترزقون وفضل الله واسع وقد تعجل لهم الإجابة استدراجا وبه يرد قول البحر يحرم التأمين على دعاء الكافر؛ لأنه غير مقبول ا هـ على أنه قد يختم له بالحسنى فلا علم بعدم قبوله إلا بعد تحقق موته على كفره ثم رأيت الأذرعي قال إطلاقه بعيد، والوجه جواز التأمين بل ندبه إذا دعا لنفسه بالهداية ولنا بالنصر مثلا ومنعه إذا جهل ما يدعو به؛ لأنه قد يدعو بإثم أي بل هو الظاهر من حاله ويكره لهم الحضور ولنا إحضارهم "ولا يختلطون بنا".أي يكره لنا فيما يظهر تمكينهم من ذلك من حين الخروج إلى العود كما هو ظاهر وقول شيخنا في مصلانا الظاهر أنه تصوير فقط ثم رأيت الإسنوي صرح بكراهة الاختلاط؛ لأنه قد يصيبهم عذاب قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25] ونص على أن خروجهم يكون غير يوم خروجنا واستشكل بأنهم قد يسقون فيفتن بعض العامة ورد بأن في خروجهم معنا مفسدة محققة وهي مضاهاتهم لنا فقدمت على تلك المتوهمة ولقول المالكية بالمصالح المرسلة منعوهم من الانفراد وقد يجاب بأن مفسدة الفتنة أشد من مفسدة المضاهاة وادعاء تحققها ممنوع كيف ونحن نمنعهم من الاختلاط بنا ونصيرهم منفردين عنا كالبهائم فأي مضاهاة في ذلك فالأولى عدم إفرادهم بيوم بل المضاهاة فيه أشد.
"وهي ركعتان كالعيد" للخبر المار فتكون في وقتها إن أريد الأفضل ويكبر في الأولى سبعا، والثانية خمسا ويقرأ في الأولى ق أو سبح وفي الثانية اقتربت أو الغاشية بكمالهما جهرا "لكن" تجوز زيادتها على ركعتين بخلاف العيد وأيضا "قيل يقرأ في الثانية
{إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً} لأنها لائقة بالحال إذ فيها {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} [نوح:10] الآية "ولا

 

ج /1 ص -388-      تختص" صلاة الاستسقاء "بوقت العيد في الأصح" ولا بغيره بل تجوز ولو وقت الكراهة؛ لأنها ذات سبب متقدم فدارت مع سببها.واقتضاء الخبر أنه صلى الله عليه وسلم صلاها في وقت العيد" محمول على أنه للأكمل كما مر "ويخطب ك" خطبة "العيد" في الأركان والسنن دون الشروط، فإنها سنة كما مر في الكسوف، والعيد "لكن" يجوز الاقتصار هنا على خطبة واحدة بناء على ما مر في الكسوف و "يستغفر الله تعالى بدل التكبير" أولهما فيقول أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه تسعا في الأولى وسبعا في الثانية؛ لأنه الأليق لوعد الله تعالى بإرسال المطر بعده في آية {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} [نوح:10] ومن ثم سن إكثار قراءتها إلى قوله "أنهارا" وإكثار الاستغفار وختم كلامه به وقيل يكبر كالعيد وانتصر له بأنه قضية الخبر وكلام الأكثرين "ويدعو في الخطبة الأولى" جهرا بأدعيته صلى الله عليه وسلم الواردة عنه وهي كثيرة ومنها "اللهم اسقنا غيثا" أي مطرا "مغيثا" بضم أوله أي منقذا من الشدة "هنيئا" بالمد، والهمز أي لا ينغصه شيء أو ينمي الحيوان من غير ضرر "مريئا" بفتح أوله وبالمد، والهمز أي محمود العاقبة فالهنيء النافع ظاهرا والمريء النافع باطنا "مريعا" بضم أوله وبالتحتية أي آتيا بالريع وهو الزيادة من المراعة وهي الخصب بكسر أوله ويجوز هنا فتح الميم أي ذا ريع أي نماء أو الموحدة من أربع البعير أكل الربيع أو الفوقية من رتعت الماشية أكلت ما شاءت، والمقصود واحد "غدقا" أي كثير الماء، والخير أو قطره كبار "مجللا" بكسر اللام أي ساترا للأفق لعمومه أو للأرض بالنبات كجل الفرس "سحا" بفتح فشدة للمهملتين أي شديدا الوقع بالأرض من ساح جرى "طبقا" بفتح أوليه أي يطبق الأرض حتى يعمها "دائما" إلى انتهاء الحاجة إليه "اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين" أي الآيسين من رحمتك "اللهم إن بالعباد، والبلاد والخلق من اللأواء".أي بالمد، والهمز شدة المجاعة، والجهد أي بفتح أوله وقيل ضمه قلة الخير، "والضنك" أي الضيق "ما لا نشكو" أي بالنون "إلا إليك اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء" أي المطر "وأنبت لنا من بركات الأرض" أي المرعى "اللهم ارفع عنا الجهد، والجوع، والعري واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك" "اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا" أي لم تزل تغفر ما يقع من هفوات عبادك "فأرسل السماء" أي السحاب أو المطر "علينا مدرارا" أي كثيرا "ويستقبل القبلة بعد صدر الخطبة الثانية" أي نحو ثلثها إلى فراغ الدعاء ثم يستقبل الناس ويكمل الخطبة بالحث على الطاعة وبالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وبالدعاء للمؤمنين، والمؤمنات ويقرأ آية أو آيتين ثم يقول أستغفر الله لي ولكم "ويبالغ في الدعاء" حينئذ "سرا" ويسرون حينئذ "وجهرا" ويؤمنون حينئذ قال تعالى:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} [الأعراف:55] ويجعلون ظهور أكفهم إلى السماء كما ثبت في مسلم وكذا يسن ذلك لكل من دعا لرفع بلاء ولو في المستقبل ليناسب المقصود وهو الرفع بخلاف قاصد تحصيل شيء، فإنه يجعل بطن كفه إلى السماء.; لأنه المناسب لحال الأخذ وينبغي أن يكون من دعائهم حينئذ كما في أصله اللهم أنت أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك وقد دعوناك كما أمرتنا فأجبنا كما وعدتنا اللهم فامنن علينا بمغفرة ما قارفناه وإجابتك في سقيانا وسعة في رزقنا

 

ج /1 ص -389-      "ويحول رداءه عند استقباله" القبلة "فيجعل يمينه يساره وعكسه" للاتباع وحكمته التفاؤل بتغير الحال إلى الرخاء كما ورد ويكره تركه "وينكسه" إن كان غير مدور ومثلث وطويل "على الجديد فيجعل أعلاه أسفله وعكسه" لما صح أنه صلى الله عليه وسلم هم بذلك فمنعه ثقل خميصته ويحصل التحويل والتنكيس معا بأن يجعل الطرف الأسفل الذي على شقه الأيمن على عاتقه الأيسر، والطرف الأسفل الذي على شقه الأيسر على عاتقه الأيمن أما المدور والمثلث فليس فيه إلا التحويل وكذا الطويل أي البالغ في الطول لتعسر التنكيس فيه وفي كتابي در الغمامة تفصيل في تحويل الطيلسان فراجعه "ويحول" مع التنكيس كما أفاده قوله مثله فساوى قول أصله ويجعل خلافا لمن اعترضه على أنه في بعض النسخ عبر بعبارة أصله "الناس" أي الذكور وهم جلوس "مثله" للاتباع أيضا "قلت ويترك" الرداء "محولا" منكسا "حتى ينزع الثياب" بنحو البيت؛ لأنه لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم غير رداءه قبل ذلك ويترك وينزع مبنيان للمفعول ليعم ذلك الإمام وغيره. "ولو ترك الإمام الاستسقاء.فعله الناس" حتى الخروج للصحراء، والخطبة كسائر السنن لا سيما مع شدة احتياجهم نعم إن خشوا من ذلك فتنة تركوه كما هو ظاهر وبه يجمع بين ما وقع للمصنف في ذلك مما ظاهره التنافي "ولو خطب قبل الصلاة جاز" كما صح به الخبر لكنه خلاف الأفضل الذي هو أكثر أحواله صلى الله عليه وسلم من تأخير الخطبة عن الصلاة.
"ويسن أن يبرز" أي يظهر "لأول مطر السنة" وغيره لكن الأول آكد وكان المراد بأوله أول واقع منه بعد طول العهد بعدمه؛ لأنه المتبادر من التعليل في الخبر بأنه حديث عهد بربه وبه يتجه أن البروز لكل مطر.سنة كما تقرر وأنه لأول كل مطر أولى منه لآخره "ويكشف غير عورته ليصيبه" لخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم حسر ثوبه حتى أصابه المطر وقال:
"إنه حديث عهد بربه" أي بتكوينه وتنزيله وصح كان إذا مطرت السماء حسر الحديث "وأن يغتسل أو يتوضأ"، والأفضل أن يجمع ثم الغسل ثم الوضوء "في السيل" لخبر منقطع أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سال الوادي قال: "اخرجوا بنا إلى هذا الذي جعله الله طهورا فنتطهر به ونحمد الله عليه" قال الإسنوي ولا تشرع له نية إذا لم يصادف وقت وضوء ولا غسل ا هـ ولو قيل ينوي سنة الغسل في السيل لم يبعد، وأما الوضوء فهو كالوضوء المجدد أو المسنون لنحو قراءة فلا بد فيه من نية معتبرة مما مر في بابه ولا يكفي نية سنة الوضوء كما لا يكفي في كل وضوء مسنون ولا ترد نية الجنب إذا تجردت جنابته الوضوء المسنون ونية الغاسل بوضوء الميت ذلك؛ لأن هذين غير مقصودين بل تابعان على أنه لو قيل هنا بذلك لم يبعد "و" أن "يسبح عند الرعد" لما صح أن ابن الزبير رضي الله عنهما كان إذا سمعه ترك الحديث وقال سبحان من يسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته "و" عند "البرق" لما يأتي عن الماوردي ولأن الذكر عند الأمور المخوفة يؤمن غائلتها، والرعد ملك، والبرق أجنحته يسوق بها السحاب نقله الشافعي عن مجاهد.وقال ما أشبهه بظاهر القرآن قال الإسنوي فالمسموع هو صوته أو صوت سوقه على اختلاف فيه وأطلق الرعد عليه مجازا "ولا يتبع بصره البرق" أو المطر أو الرعد قال الماوردي؛ لأن السلف الصالح كانوا يكرهون

 

ج /1 ص -390-      الإشارة إلى الرعد والبرق ويقولون عند ذلك لا إله إلا الله وحده لا شريك له سبوح قدوس فيختار الاقتداء بهم في ذلك "ويقول" ندبا "عند المطر اللهم صيبا" بتشديد الياء أي مطرا وقيل مطرا كثيرا "نافعا" للاتباع رواه البخاري وفي رواية "صيبا هنيئا" وفي أخرى "سيبا" أي بفتح فسكون "عطاء نافعا مرتين أو ثلاثا" فيندب الجمع بين ذلك "ويدعو بما شاء" لخبر البيهقي "أن الدعاء يستجاب في أربعة مواطن عند التقاء الصفوف ونزول الغيث وإقامة الصلاة ورؤية الكعبة"، "و" يقول "بعده" أي إثر نزوله. "مطرنا بفضل الله ورحمته ويكره" تنزيها أن يقول "مطرنا بنوء" أي وقت "كذا" أي الثريا مثلا؛ لأنه، وإن انصرف إلى أن النوء وقت يوقع الله فيه المطر من غير تأثير له ألبتة لكنه يوهم أن يراد به ما في خبر الصحيحين "ومن قال مطرنا بنوء كذا فذاك كافر بي مؤمن بالكواكب" أي بأن اعتقد أن للكواكب تأثيرا في الإيجاد استقلالا أو شركة فهذا كافر إجماعا نعم كان أبو هريرة رضي الله عنه يقول مطرنا بنوء الفتح ثم يقرأ {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا} [فاطر:2] قيل فيستثنى هذا من المتن ا هـ وفيه نظر؛ لأن هذا لا إيهام فيه ألبتة فلا استثناء. "و" يكره "سب الريح" للخبر الصحيح "الريح من روح الله تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها فلا تسبوها واسألوا الله خيرها واستعيذوا بالله من شرها".
"ولو تضرروا بكثرة المطر" بتثليث الكاف بأن خشي منه على نحو البيوت."فالسنة أن يسألوا الله" في نحو خطبة الجمعة، والقنوت؛ لأنه نازلة كما مر وأعقاب الصلوات ومن زعم ندب قول هذا في خطبة الاستسقاء فقد أبعد؛ لأن السنة لم ترد به ولا دخل حينئذ وقت الاحتياج إليه وعبارة الأم صريحة فيما قلناه وفي أنه لا يسن هنا خروج ولا صلاة ولا تحويل رداء "رفعه" فيقولوا ندبا ما رواه الشيخان "اللهم حوالينا" بفتح اللام "ولا علينا" أي اجعله في الأودية والمراعي التي لا يضرها لا الأبنية والطرق فالثاني بيان للمراد بالأول لشموله للطرق التي حواليهم اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر، والآكام بالمد جمع أكم بضمتين جمع أكام ككتاب جمع أكم بفتحتين جمع أكمة وهي دون الجبل وفوق الرابية، والظراب بالظاء المشالة ووهم من قال بالضاد الساقط جمع ظرب بفتح فكسر الجبل الصغير وأفادت الواو أن طلب المطر حوالينا القصد منه بالذات وقاية أذاه ففيها معنى التعليل أي اجعله حوالينا لئلا يكون علينا وفيه تعليمنا لأدب هذا الدعاء حيث لم يدع برفعه مطلقا؛ لأنه قد يحتاج لاستمراره بالنسبة لبعض الأودية والمزارع فطلب منع ضرره وبقاء نفعه وإعلامنا بأنه ينبغي لمن وصلت إليه نعمة من ربه أن لا يتسخط بعارض قارنها بل يسأل الله رفعه وإبقاءها وبأن الدعاء برفع المضر لا ينافي التوكل والتفويض "ولا يصلي لذلك والله أعلم" إذ لم يؤثر غير الدعاء وقياس ما مر قبيل الباب الصلاة لذلك فرادى.

باب في حكم تارك الصلاة
"إن ترك" مكلف عالم أو جاهل لم يعذر بجهله لكونه بين أظهرنا ولا يخرجه الجحد الذي هو إنكار ما سبق علمه؛ لأن كونه بين أظهرنا بحيث لا يخفى عليه صيره في حكم

 

ج /1 ص -391-      العالم "الصلاة" المكتوبة التي هي إحدى الخمس كما يصرح به قوله الآتي عن وقت الضرورة؛ لأنه إنما يكون لهذه لا غير.أو فعلها وآثر الترك لأجل التقسيم "جاحدا وجوبها" أو وجوب ركن مجمع عليه منها أو فيه خلاف واه أخذا مما يأتي "كفر" إجماعا ككل مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة؛ لأن ذلك تكذيب للنص. "أو" تركها "كسلا" مع اعتقاده وجوبها "قتل" لآية {فَإِنْ تَابُوا} [التوبة:5،11] وخبر "أمرت أن أقاتل الناس"، فإنهما شرطا في الكف عن القتل والمقاتلة الإسلام وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة لكن الزكاة يمكن للإمام أخذها ولو بالمقاتلة ممن امتنعوا منها وقاتلونا فكانت فيها على حقيقتها بخلافها في الصلاة، فإنها لا يمكن فعلها بالمقاتلة فكانت فيها بمعنى القتل فعلم وضوح الفرق بين الصلاة، والزكاة وكذا الصوم، فإنه إذا علم أنه يحبس طول النهار نواه فأجدى الحبس فيه ولا كذلك الصلاة فتعين القتل في حدها ونخسه بالحديدة الآتي ليس من إحسان القتلة في شيء فلم نقل به لا يقال لا قتل بالحاضرة؛ لأنه لم يخرجها عن وقتها ولا بالخارجة عنه؛ لأنه لا قتل بالقضاء، وإن وجب فورا؛ لأنا نقول بل يقتل بالحاضرة إذا أمر بها أي من جهة الإمام أو نائبه دون غيرهما.فيما يظهر في الوقت عند ضيقه وتوعد على إخراجها عنه فامتنع حتى خرج وقتها؛ لأنه حينئذ معاند للشرع عنادا يقتضي مثله القتل فهو ليس لحاضرة فقط ولا لفائتة فقط بل لمجموع الأمرين الأمر والإخراج مع التصميم وخرج بكسلا ما لو تركها لعذر ولو فاسدا كما يأتي وذلك كفاقد الطهورين؛ لأنه مختلف في وجوبها عليه ويلحق به كل تارك لصلاة يلزمه قضاؤها، وإن لزمته اتفاقا؛ لأن إيجاب قضائها شبهة في تركها، وإن ضعفت بخلاف ما لو قال من تلزمه الجمعة إجماعا لا أصليها إلا ظهرا، فإن الأصح قتله، والقول بأنها فرض كفاية شاذ لا يعول عليه ويقتل أيضا بكل ركن أو شرط لها أجمع على ركنيته أو شرطيته كالوضوء أو كان الخلاف فيه واهيا جدا دون إزالة النجاسة قال شارح وكذا ما اعتقد التارك شرطيته؛ لأن تركه ترك لها ولك رده بأنه ترك لها عندنا لا إجماعا ألا ترى إلى ما مر في فاقد الطهورين أنه لا يقتل بتركها، وإن اعتقد وجوبها رعاية لمن لم يوجبها فكذا هنا فالوجه خلاف ما قال وبحث بعضهم قتله بترك تعلمها بأركانها وظاهره أنه ترك تعلم كيفيتها من أصلها وهو ظاهر؛ لأنه ترك لها لاستحالة وجودها من جاهل بذلك بخلاف من علم كيفيتها ولم يميز الفرض من غيره؛ لأنه يسامح في عدم هذا التمييز، وإنما يقتل بذلك حدا لا كفرا لما في الخبر الصحيح "أن تاركها تحت المشيئة إن شاء تعالى عذبه، وإن شاء أدخله الجنة، والكافر ليس كذلك" فخبر مسلم "بين العبد، والكفر ترك الصلاة" محمول على المستحل والصحيح قتله بصلاة فقط" لعموم الخبر السابق "بشرط إخراجها عن وقت الضرورة" أي الجمع.فلا يقتل بالظهر حتى تغرب الشمس ولا بالمغرب حتى يطلع الفجر ويقتل بالصبح بطلوع الشمس؛ لأن الوقتين قد يتحدان فكان شبهة دارئة للقتل ومن ثم لو ذكر عذرا للتأخير لم يقتل، وإن كان فاسدا كما لو قال صليت، وإن ظن كذبه. وظاهر أن المراد بوقت الضرورة في الجمعة ضيق وقتها عن أقل ممكن من الخطبة، والصلاة؛ لأن وقت العصر ليس وقتا لها في حالة بخلاف الظهر، فإن قلت: ينبغي قتله عقب سلام الإمام

 

ج /1 ص -392-      منها قلت شبهة احتمال تبين فسادها وإعادتها فيدركها أوجبت التأخير لليأس منها بكل تقدير وهو ما مر "ويستتاب" فورا ندبا كما صححه في التحقيق وفارق الوجوب في المرتد ومنه الجاحد السابق بأن ترك استتابته يوجب تخليده في النار إجماعا بخلاف هذا
"ثم" إذا لم يتب "يضرب عنقه" بالسيف ولا يجوز قتله بغير ذلك للأمر بإحسان القتلة، وإنما نفعت التوبة هنا بخلاف سائر الحدود؛ لأن القتل ليس على الإخراج عن الوقت فقط بل مع الامتناع من القضاء وبصلاته يزول ذلك "وقيل" لا يقتل لعدم الدليل الواضح على قتله بل "ينخس بحديدة حتى يصلي أو يموت" ومر رده "ويغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين"؛ لأنه مسلم "ولا يطمس قبره" بل يترك كبقية قبور أصحاب الكبائر وعلى ندب الاستتابة لا يضمنه من قتله قبل التوبة مطلقا لكنه يأثم من جهة الافتيات على الإمام