تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج /1 ص -393-      كتاب الجنائز
بفتح الجيم جمع جنازة به وبالكسر اسم للميت في النعش وقيل بالفتح لذلك وبالكسر للنعش وهو فيه وقيل عكسه من جنز ستر قيل كان حق هذا أن يذكر بين الفرائض والوصايا لكن لما كان أهم ما يفعل بالميت الصلاة ذكر أثرها.
"ليكثر" كل مكلف ندبا مؤكدا وإلا فأصل ذكره سنة أيضا ولا يفهمه المتن لأنه لا يلزم من ندب الأكثر ندب الأقل الخالي عن الكثرة وإن لزم من الإتيان بالأكثر الإتيان بالأقل وكونه سنة من حيث اندراجه فيه. وعلى هذا يحمل قول شيخنا في شرح الروض يستحب الإكثار من ذكر الموت المستلزم ذلك لاستحباب ذكره المصرح به في الأصل أيضا ا هـ "ذكر الموت"..لأنه أدعى إلى امتثال الأوامر واجتناب المناهي للخبر الصحيح
"أكثروا من ذكر هاذم اللذات" أي بالمهملة مزيلها من أصلها وبالمعجمة قاطعها لكن قال السهيلي الرواية بالمعجمة "فإنه ما ذكر في كثير" أي من الأمل "إلا قلله ولا قليل" أي من العمل "إلا كثره"، "ويستعد" وجوبا إن علم أن عليه حقا وإلا فندبا كما هو ظاهره وعلى هذا يحمل قول شارح "ندبا" وقول آخرين "وجوبا "، "بالتوبة" بأن يبادر إليها "ورد المظالم" إلى أهلها يعني الخروج منها ليتناول رد الأعيان ونحو قضاء الصلاة - وقد صرح السبكي بأن تاركها ظالم لجميع المسلمين.وقضاء دين لم يبرأ منه والتمكين من استيفاء حد أو تعزير لا يقبل العفو أو يقبله ولم يعف عنه وذلك لأنه قد يأتيه الموت بغتة وعطفها اعتناء بشأنها لأنها أهم شروط التوبة. "والمريض آكد" بذلك أي أشد مطالبة به من غيره لنزول مقدمات الموت به. "ويضجع" ندبا "المحتضر". وهو من حضره الموت "لجنبه الأيمن" فالأيسر "إلى القبلة على الصحيح" كما في اللحد ولأن القبلة أشرف الجهات. قال في المجموع: والعمل على المقابل أي الموافق للمذكور في قوله "فإن تعذر" أي تعسر ذلك "لضيق مكان ونحوه" كعلة بجنبيه "ألقي على قفاه ووجهه وأخمصاه" بفتح الميم أشهر من ضمها وكسرها وهما المنخفض من الرجلين والمراد جميع أسفلهما "للقبلة" لأنه الممكن ويرفع رأسه ليتوجه وجهه للقبلة. "ويلقن" ندبا المحتضر ولو مميزا على الأوجه ليحصل له الثواب الآتي وبه فارق عدم تلقينه في القبر لا منه من السؤال "الشهادة" أي لا إله إلا الله فقط لخبر مسلم "لقنوا موتاكم" أي من حضره الموت "لا إله إلا الله" مع الخبر الصحيح "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" أي مع الفائزين وإلا فكل مسلم ولو فاسقا يدخلها ولو بعد عذاب وإن طال خلافا لكثير من فرق الضلال كالمعتزلة والخوارج..وقول جمع: يلقن "محمد رسول الله" أيضا لأن القصد موته على الإسلام ولا يسمى مسلما إلا بهما مردود بأنه مسلم وإنما القصد ختم كلامه بلا إله إلا الله ليحصل له ذلك الثواب وبحث تلقينه الرفيق الأعلى لأنه آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم مردود بأن ذلك لسبب لم يوجد في غيره وهو

 

ج /1 ص -394-      أن الله خيره فاختاره أما الكافر فيلقنهما قطعا مع لفظ "أشهد" لوجوبه أيضا على ما سيأتي فيه إذ لا يصير مسلما إلا بهما وينبغي كما قال الماوردي وغيره تقديم التلقين على الاضطجاع السابق إن لم يمكن فعلهما معا لأن النقل فيه أثبت ولعظيم فائدته ولئلا يحصل الزهوق إن اشتغل بالاضطجاع ويسن أن يكون مرة فقط و "بلا إلحاح" عليه لئلا يضجر فيتكلم بما لا ينبغي لشدة ما يقاسي حينئذ وأن لا يقال له: قل بل يذكر الكلمة عنده ليتذكر فيذكر فإن ذكرها وإلا سكت يسيرا ثم يعيدها فيما يظهر وأن يعيده إذا تكلم ولو بذكر ليكون آخر كلامه الشهادة وليكن غير متهم لنحو عداوة أو إرث إن كان ثم غيره فإن حضر عدو ووارث فالوارث لأنه أشفق لقولهم لو حضر ورثة قدم أشفقهم "ويقرأ" ندبا "عنده يس" للخبر الصحيح "اقرءوا على موتاكم يس" أي من حضره الموت لأن الميت لا يقرأ عليه. وأخذ ابن الرفعة بقضيته وهو أوجه في المعنى إذ لا صارف عن ظاهره وكون الميت لا يقرأ عليه ممنوع لبقاء إدراك روحه فهو بالنسبة لسماع القرآن وحصول بركته له كالحي وإذا صح السلام عليه فالقراءة عليه أولى. وقد صرحوا بأنه يندب للزائر والمشيع قراءة شيء من القرآن نعم يؤيد الأول ما في خبر غريب "ما من مريض يقرأ عنده يس إلا مات ريانا وأدخل قبره ريانا" والحكمة في يس اشتمالها على أحوال القيامة وأهوالها وتغير الدنيا وزوالها ونعيم الجنة وعذاب جهنم فيتذكر بقراءتها تلك الأحوال الموجبة للثبات قيل: والرعد لأنها تسهل طلوع الروح ويجرع الماء ندبا بل وجوبا فيما يظهر إن ظهرت أمارة تدل على احتياجه له كأن يهش إذا فعل به ذلك لأن العطش يغلب حينئذ لشدة النزع ولذلك يأتي الشيطان - كما ورد - بماء زلال ويقول: قل لا إله غيري حتى أسقيك قيل: ويحرم حضور الحائض عنده ويأتي في المسائل المنثورة ما يرده "وليحسن" ندبا المحتضر وكذا المريض وإن لم يصل إلى حالة الاحتضار كما في المجموع "ظنه بربه سبحانه وتعالى" أي يظن أنه يغفر له ويرحمه للخبر الصحيح "أنا عند ظن عبدي بي فلا يظن بي إلا خيرا" وصح قوله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاث "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله" ويسن له عنده تحسين ظنه وتطميعه في رحمة ربه.وبحث الأذرعي وجوبه إذا رأوا منه أمارة اليأس والقنوط لئلا يموت على ذلك فيهلك فهو من النصيحة الواجبة وإنما يأتي على وجوب استتابة تارك الصلاة فعلى ندبها السابق يندب هذا إلا أن يفرق بأن تقصير ذاك أشد وبأن ما هنا يؤدي إلى الكفر بخلاف ذاك. "فإذا مات غمض" ندبا لخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم فعله بأبي سلمة لما شق بصره" بفتح الشين وضم الراء - أي شخج /1 ص - بفتح أوليه - ثم قال "إن الروح إذا قبض تبعه البصر" ولئلا يقبح منظره فيساء به الظن ويسن حينئذ بسم الله وعلى ملة رسول الله. صلى الله عليه وسلم.
تنبيه: يحتمل أن المراد من قوله تبعه البصر أن القوة الباصرة تذهب عقب خروج الروح فحينئذ تجمد العين ويقبح منظرها ويحتمل أنه يبقى فيه عقب خروجها شيء من حارها الغريزي فيشخص به ناظرا أين يذهب بها ولا بعد في هذا لأن حركته حينئذ قريبة من حركة المذبوح وسيأتي أنه يحكم عليه مع وجودها بسائر أحكام الموتى بقيده.

 

ج /1 ص -395-      "وشد لحياه بعصابة" عريضة تعمهما ويربطها فوق رأسه لئلا يدخل فاه الهوام "ولينت" أصابعه و "مفاصله" عقب زهوق روحه بأن يرد ساعده لعضده وساقه لفخذه وهو لبطنه ثم يردها.ليسهل غسله لبقاء الحرارة حينئذ "وستر" بعد نزع ثيابه الآتي "جميع بدنه بثوب" طرفاه في غير المحرم تحت رأسه ورجليه للاتباع واحتراما له "خفيف" لئلا يتسارع إليه الفساد "ووضع على بطنه" تحت الثوب أو فوقه لكنه فوقه أولى كما بحثه غير واحد وزعم أخذه من المتن غير صحيح لأن فيه كالروضة عطفه على وضع الثوب بالواو "شيء ثقيل" من حديد كسيف أو مرآة. قال الأذرعي والظاهر أن نحو السيف يوضع بطول الميت فإن فقد فطين رطب فما تيسر لئلا ينتفخ وأقله نحو عشرين درهما والظاهر أن هذا الترتيب لكمال السنة لا لأصلها نظير ما مر في ندب المسك فالطيب إلى آخره عقب الغسل من نحو الحيض وأن تقديم الحديد لكونه أبلغ في دفع النفخ لسر فيه ويكره وضع المصحف قال الأذرعي والتحريم محتمل ا هـ ويتعين الجزم به إن مس بل أو قرب مما فيه قذر ولو طاهرا أو جعل على كيفية تنافي تعظيمه وألحق به الإسنوي كتب الحديث والعلم المحترم فإن قلت هذا الوضع إنما يتأتى عند الاستلقاء لا عند كونه على جنبه مع أن كلامهم صريح في وضعه هنا على جنبه كالمحتضر قلت يحتمل أنه تعارض هنا مندوبان الوضع على الجنب ووضع الثقيل على البطن فيقدم هذا لأن مصلحة الميت به أكثر ويحتمل أنه لا تعارض لإمكان وضع الثقيل على بطنه وهو على جنبه لشده عليه بنحو عصابة وهذا هو الأقرب لكلامهم وإن مال الأذرعي إلى الأول حيث قال الظاهر هنا إلقاؤه على قفاه كما مر لقولهم يوضع على بطنه ثقيل.
"ووضع" ندبا "على سرير ونحوه" لئلا تصيبه نداوة الأرض من غير فراش ومن ثم لو كانت صلبة لا نداوة عليها لم يكن وضعه عليها خلاف الأولى "ونزعت" ندبا عنه "ثيابه" التي مات فيها لئلا يحمى الجسد فيتغير. نعم بحث الأذرعي بقاء قميصه الذي يغسل فيه إذا كان طاهرا إذ لا معنى لنزعه ثم إعادته لكن يشمر لحقوه لئلا يتنجس ويؤيده تقييد الوسيط الثياب بالمدفئة وسيأتي أن الشهيد يدفن بثيابه فلا تنزع عنه. "ووجهه للقبلة كمحتضر" فيكون على جنبه الأيمن إلى آخره "ويتولى ذلك" أي جميع ما مر ندبا بأسهل ممكن "أرفق محارمه" به مع اتحاد الذكورة والأنوثة ومثله أحد الزوجين بالأولى لوفور شفقته.
"ويبادر" بفتح الدال "بغسله إذا تيقن موته" ندبا إن لم يخش من التأخير وإلا فوجوبا كما هو ظاهر وذلك لأمره صلى الله عليه وسلم بالتعجيل بالميت وعلله بأنه "لا ينبغي لجيفة مؤمن أن تحبس بين ظهراني أهله" رواه أبو داود ومتى شك في موته.وجب تأخيره إلى اليقين بتغير ريح أو نحوه فذكرهم العلامات الكثيرة له إنما تفيد حيث لم يكن هناك شك خلافا لما يوهمه كلام شارح وقد قال الأطباء: إن كثيرين ممن يموتون بالسكتة ظاهرا يدفنون أحياء لأنه يعز إدراك الموت الحقيقي بها إلا على أفاضل الأطباء وحينئذ فيتعين فيها التأخير إلى اليقين بظهور نحو التغير."وغسله" أي المسلم غير الشهيد "وتكفينه والصلاة عليه" وحمله وكان سبب عدم ذكره له - وإن ذكره غيره - أنه قد لا يجب بأن يحفر له عند محله ثم يحرك لينزل فيه "ودفنه" وما ألحق به كإلقائه في البحر

 

ج /1 ص -396-      وبناء دكة عليه على وجه الأرض بشرطهما الآتي "فروض كفاية" إجماعا على كل من علم بموته أو قصر لكونه بقربه وينسب في عدم البحث عنه إلى تقصير ويأتي الكافر وكذا الشهيد فهو كغيره إلا في الغسل والصلاة عليه. "وأقل الغسل" ولو لنحو جنب "تعميم بدنه" بالماء لأنه الفرض في الحي فالميت أولى وبه يعلم وجوب غسل ما يظهر من فرج الثيب عند جلوسها على قدميها نظير ما مر في الحي فقول بعضهم إنهم أغفلوا ذلك ليس في محله "بعد إزالة النجس" عنه إن كان ندبا إذ يكفي لهما غسله واحدة إن زالت عينه بها بلا تغير كالحي والفرق بأن هذا خاتمة أمره فليحتط له أكثر يرده تصريحهم الآتي بأنه لو خرج بعد الغسل نجس من الفرج أو أولج فيه لم يجب غسل ولا وضوء بخلاف الحي فاغتفروا فيه ما لم يغتفروه في الحي ولم يحتج للاستدراك هنا للعلم به.مما قدمه في الطهارة أنه يكفي لهما غسلة واحدة خلافا للرافعي فإن قلت يؤيد كون الاحتياط له أكثر أنه لو اجتمع مع حي وكل ببدنه نجس والماء لا يكفي إلا أحدهما قدم الميت قطعا وما يأتي أنه يكفن في الأثواب الثلاثة وإن لم يرض الورثة قلت ممنوع أما الأول فلأن الحي يمكنه إزالة خبثه بعد بخلاف الميت فقدم لذلك وأما الثاني فلأن الثلاثة حقه فلم يملك الورثة إسقاطها.
"ولا تجب" لصحة الغسل "نية الغاسل في الأصح فيكفي غرقه أو غسل كافر" له لحصول المقصود من غسله وهو النظافة وإن لم ينو وينبغي ندب نية الغسل خروجا من الخلاف وكيفيتها أن ينوي نحو أداء الغسل عنه أو استباحة الصلاة عليه "قلت الأصح المنصوص وجوب غسل الغريق والله أعلم" لأنا مأمورون بغسله فلا يسقط عنا إلا بفعلنا والكافر من جملة المكلفين ومن ثم لو شوهدت الملائكة تغسله لم يكف لأنهم ليسوا من جملة المكلفين أي بالفروع فلا ينافي قول جمع أنهم مكلفون بالإيمان به صلى الله عليه وسلم بناء على أنه مرسل إليهم على المختار وإنما كفى ذلك في الدفن لحصول المقصود منه وهو الستر أي مع كونه ليس صورة عبادة بخلاف الغسل فلا يقال المقصود منه النظافة أيضا بدليل عدم وجوب نيته ويتردد النظر في الجن لأنهم من المكلفين بشرعنا في الجملة إجماعا ضروريا ثم رأيت ما سأذكره أول محرمات النكاح أنه لا يسقط بفعلهم ويكفي غسل المميز لأنه من جملتنا كالفاسق كما يأتي "والأكمل وضعه بموضع خال".عن غير الغاسل ومعينه "مستور" بأن يكون مسقفا نص عليه في الأم وإن خالف فيه جمع، ليس فيه نحو كوة يطلع عليه منه لأن الحي يحرص على ذلك ولأنه قد يكون ببدنه ما يكره الاطلاع عليه، نعم لوليه الدخول عليه وإن لم يكن غاسلا ولا معينا لحرصه على مصلحته كما فعل العباس فإن ابنه الفضل وابن أخيه عليا كانا يغسل أنه صلى الله عليه وسلم وأسامة يناول الماء والعباس يدخل عليهم ويخرج. ويؤخذ منه أن الولي أقرب الورثة لكن بشرط أن توجد فيه الشروط الآتية في الغاسل فيما يظهر وأن يكون "على" نحو "لوح" مرتفع لئلا يصيبه رشاش ورأسه أعلى لينحدر الماء عنه "و" الأكمل أنه "يغسل في قميص" بال وسخيف لما صح أنهم لما أخذوا في غسله صلى الله عليه وسلم ناداهم مناد من داخل البيت لا تنزعوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه، وادعاء الخصوصية يحتاج لدليل لأنه خلاف الأصل ولأنه أستر ثم إن اتسع كمه وإلا فتق

 

ج /1 ص -397-      دخاريصه. فإن فقد وجب ستر عورته وأن يكون "بماء" مالح و "بارد" لأنه يشد البدن، والسخن يرخيه نعم إن احتيج له لنحو شدة برد أو وسخ فلا بأس وينبغي إبعاد إناء الماء عن رشاشه كما بأصله وأن يجتنب ماء زمزم للخلاف في نجاسة الميت ولم يراع نظيره في إدخاله المسجد لأن مانعه مخالف للسنة الصحيحة كما يعلم مما يأتي "ويجلسه" الغاسل برفق "على المغتسل" المرتفع "مائلا إلى ورائه" إجلاسا رقيقا لأن اعتداله قد يحبس ما يخرج منه "ويضع يمينه على كتفه وإبهامه في نقرة قفاه" وهو مؤخر عنقه لئلا يتمايل رأسه "ويسند ظهره إلى ركبته اليمنى" لئلا يسقط "ويمر يساره على بطنه إمرارا بليغا" أي مكررا المرة بعد المرة مع نوع تحامل لا مع شدته لأن احترام الميت واجب قاله الماوردي "ليخرج ما فيه" من الفضلات خشية من خروجه بعد الغسل ولتكن المجمرة فائحة الطيب من أول وضعه بل من حين موته إلى انتهائه وليعتن المعين بكثرة صب الماء إذهابا لعين الخارج وريحه ما أمكن "ثم يضجعه لقفاه ويغسل بيساره وعليها خرقة سوأتيه" قبله ودبره وما حوله كما يستنجي الحي والأولى خرقة لكل سوأة على ما قاله الإمام والغزالي ورد بأن المباعدة عن هذا المحل أولى ولف الخرقة واجب لحرمة مس شيء من عورته بلا حائل حتى بالنسبة لأحد الزوجين.بخلاف نظر أحدهما وسيد بلا شهوة ولو للعورة لأنه أخف "ثم" يلقي تلك ويغسل ما أصاب يده بماء ونحو أشنان و "يلف" خرقة "أخرى" بيساره أيضا ويغسل ما بقي على بدنه من قذر ظاهر أو نجس ويجب لفها في العورة كما عرف فعلم أنه يسن كما في المجموع عن الشافعي والأصحاب أنه يعد خرقتين نظيفتين واحدة للسوأتين وأخرى لبقية البدن ثم يلف خرقة نظيفة على أصبعه "ويدخل أصبعه" تلك والأولى أن تكون اليسرى خلافا للقمولي كبعض نسخ المحرر "فمه ويمرها على أسنانه" بشيء من الماء كسواك الحي ولا يفتح أسنانه لئلا يدخل الماء جوفه فيفسده قيل يؤخذ من هذا أن الحي يستاك باليسرى ا هـ. وليس كذلك لوضوح الفرق فإن الأصبع هنا مباشرة للأذى من وراء الخرقة ولا كذلك ثم نعم قياسه أنا لو قلنا بحصول السواك بالأصبع أو أراد لف خرقة على أصبع للاستياك بها والأذى ينفذ منها لها سن كونه باليسرى "ويزيل" بأصبعه اليسرى أيضا وعليها الخرقة والأولى الخنصر "ما في منخريه" بفتح أوله وثالثه وكسرهما وضمهما وبفتح ثم كسر وهي أشهر "من الأذى" مع شيء من الماء ويتعهد كل ما ببدنه من أذى "و" بعد ذلك كله."يوضئه" وضوءا كاملا بمضمضة واستنشاق وغيرهما ويميل فيهما رأسه لئلا يدخل الماء جوفه ومن ثم لم يندب فيهما مبالغة "كالحي ثم يغسل رأسه ثم لحيته بسدر ونحوه" كالخطمي والسدر أولى "ويسرحهما" أي شعورهما إن تلبدت كما اقتضاه كلام المجموع لإزالة ما في أصولهما كما في الحي وإذا أراد التسريح فالأولى أن يقدم الرأس كما بحث وأن يكون "بمشط" بضم أو كسر فسكون وبضمهما "واسع الأسنان برفق" ليقل الانتتاف أو ينعدم "ويرد" ندبا "المنتتف" أي الساقط منهما وكذا من شعر غيرهما "إليه" في كفنه ليدفن معه إكراما له ولا ينافي هذا ما يأتي أن نحو الشعر يصلى عليه ويغسل ويستر ويدفن وجوبا في الكل لأن ما هنا من حيث كونه معه وذاك من حيث ذاته "ويغسل" بعد

 

ج /1 ص -398-      ذلك كله "شقه الأيمن ثم الأيسر" المقبلين من عنقه لقدمه."ثم يحرفه" بالتشديد "إلى شقه الأيسر فيغسل شقه الأيمن مما يلي القفا والظهر إلى القدم ثم يحرفه إلى شقه الأيمن فيغسل الأيسر كذلك" لأمره صلى الله عليه وسلم بالبداءة بالميامن وقدم الشقان اللذان يليان الوجه لشرفهما ولو غسل شقه الأيمن من مقدمه ثم من ظهره ثم الأيسر من مقدمه ثم من ظهره حصل أصل السنة ويحرم كبه على وجهه "فهذه" الأفعال كلها - بلا نظر لنحو السدر إذ لا دخل له في الغسل كما هو واضح فلا يرد عليه - "غسلة وتستحب" غسلة "ثانية و" غسلة "ثالثة" كذلك "و" يستحب في كل من هذه الثلاث ثلاث غسلات وذلك أنه يستحب "أن يستعان في" الغسلة "الأولى" من كل من الثلاث "بسدر أو خطمي" بكسر الخاء في الأفصح لإزالة الوسخ ثم يزيل ذلك بغسلة ثانية "ثم" بعد هاتين الغسلتين في كل غسلة من الثلاث "يصب ماء قراح" بفتح القاف أي خالص "من فرقه" بفاء ثم قاف كما في نسخ وبقاف ثم نون كما في أخرى وعبر في الروضة بالثاني وهو جانب الرأس وفسر الفرق في القاموس بالطريق في شعر الرأس وظاهر أن المراد من العبارتين واحد وهو الصب من أول جانب الرأس المستلزم لدخول شيء من الفرق إذ المراد بتلك الطريق المحل الأبيض في وسط الرأس المنحدر عنه الشعر في كل من الجانبين "إلى قدمه بعد زوال السدر" فعلم أن مجموع ما يأتي به تسع غسلات لكنه مخير في القراح بين أن يفرقه بأن يجعله عقب ثنتي السدر في كل غسلة وأن يواليه بأن يغسل الست التي بالسدر ثم يوالي الثلاث القراح، المحصل أولاها للفرض وثانيها وثالثها لسنة التثليث وهل السنة في صب القراح أن يجلس ثم يصب عليه جميعه أو يفعل فيه ما مر في غسلة.السدر من التيامن والتياسر والتحريف السابق لم أر في ذلك تصريحا ولو قيل: تحصل السنة بكل والأخيرة أولى لاتجه فإن لم يحصل الإنقاء بالثلاثة المذكورة زاد ويسن وتران حصل بشفع وإن حصل بهن لم يزد عليهن كما اقتضاه كلامهما وقال الماوردي هي أدنى الكمال وأكمل منها خمس فسبع والزيادة إسراف ا هـ. ولا يسقط الفرض بغسلة تغير ماؤها بالسدر تغيرا كثيرا لأنه يسلبه الطهورية كما مر سواء المخالطة له وهي الأولى والمزيلة له وهي الثانية من كل من الثلاث وبما قررت به المتن يعلم أنه لا اعتراض عليه وقولي من كل من الثلاث هو ما اعتمده جمع وصرح به خبر أم عطية فاقتصار المتن والروضة كالأصحاب على الأولى إن لم يحمل.على ما ذكرته يحمل على أنه لبيان أقل الكمال واقتضاء المتن استواء السدر والخطمي ينازعه قول الماوردي السدر أولى للنص عليه ولأنه أمسك للبدن إلا أن يحمل على الاستواء في أصل الفضيلة قيل وإفهام الروضة الجمع بينهما غريب واستحب المزني إعادة الوضوء مع كل غسلة "وأن يجعل في كل غسلة" من الثلاث التي بالماء الصرف في غير المحرم "قليل كافور" مخالط بحيث لا يغيره تغيرا ضارا، أو كثيرا مجاورا لما مر أنه نوعان وذلك لأنه يقوي البدن وينفر الهوام والأخيرة آكد ويكره تركه ويلين مفاصله بعد الغسل كأثنائه ثم ينشفه تنشيفا بليغا لئلا يبتل كفنه فيسرع تغيره. ويأتي بعد وضوئه وغسله بذكر الوضوء بعده وكذا على الأعضاء على ما مر ويسن "اجعله من التوابين أو اجعلني وإياه" ،"ولو خرج بعده" أي الغسل أي وقبل

 

ج /1 ص -399-      الإدراج في الكفن "نجس" ولو من الفرج "وجب إزالته" تنظيفا له منه "فقط" لأن الفرض قد سقط بما وجد وعليه لا يجب بخروج منيه الطاهر شيء "وقيل" يجب ذلك "مع الغسل إن خرج من الفرج" القبل أو الدبر لأنه يتضمن الطهر وطهر الميت غسل كل بدنه "وقيل" يجب مع ذلك "الوضوء" كالحي أما ما خرج من غير الفرج أو بعد الإدراج في الكفن فلا يجب غير إزالته من بدنه وكفنه قطعا. "و" الأصل أنه "يغسل الرجل".بالنصب وخلافه ركيك لتفويته نكتة تقديم المفعول على خلاف الأصل وهي الإشعار بأهمية ما الكلام فيه وهو الميت ولو أمرد لما يأتي في الخنثى ولأنه من الجنس "الرجل، والمرأة" كذلك "المرأة" إلحاقا لكل بجنسه "ويغسل أمته" ولو نحو أم ولد ومكاتبة وذمية كالزوجة بل أولى ولارتفاع الكتابة بالموت لا مزوجة ومعتدة ومستبرأة ومشتركة ومبعضة.وكذا نحو وثنية على الأوجه لحرمة بضعهن عليه وإن جاز له نظر ما عدا ما بين سرة وركبة غير المبعضة كما يأتي في النكاح وليس لها ولو مكاتبة وأم ولد أن تغسل سيدها لانتقالها للورثة أو عتقها بخلاف الزوجة لبقاء آثار الزوجية بعد الموت "وزوجته" غير الرجعية والمعتدة عن شبهة وإن حل نظرها لتعلق الحق فيها بأجنبي ولو ذمية "وهي" أي غير من ذكرنا ولو ذمية تغسل "زوجها" إجماعا وإن اتصلت بزوج بأن وضعت عقب موته ويعلم مما يأتي أن الكافر لا يغسل مسلما أن الذمية إنما تغسل زوجها الذمي "ويلفان" أي السيد وأحد الزوجين "خرقة" ندبا "ولا مس" من أحدهما ينبغي أن يصدر لشيء من بدن الميت حفظا لطهارة الغاسل إذ الميت لا ينتقض طهره بذلك فإن خالف صح الغسل لا يقال هذا مكرر مع ما مر من لف الخرقة الشامل لأحد الزوجين لأن ذاك في لف واجب وهو شامل لهما كما مر وهذا في لف مندوب وهو خاص بهما فلا تكرار نعم الذي يتوهم.إنما هو تكرر هذا مع من عبر بأنه يسن لكل غاسل لف خرقة على يده في سائر غسله ومع ذلك لا تكرار أيضا لأن هذا بالنظر لكراهة اللمس وما هنا بالنظر لانتقاض الطهر به. "فإن لم يحضر إلا أجنبي" كبير واضح والميت امرأة "أو أجنبية" كذلك والميت رجل "يمم" الميت "في الأصح" لتعذر الغسل شرعا لتوقفه على النظر والمس المحرم ويؤخذ منه أنه لو كان في ثياب سابغة وبحضرة نهر مثلا وأمكن غمسه به ليصل الماء لكل بدنه من غير مس ولا نظر وجب وهو ظاهر على أن الأذرعي وغيره أطالوا في الانتصار للمقابل مذهبا ودليلا، وقضية المتن ككلامهم أنه ييمم وإن كان على بدنه خبث ويوجه بتعذر إزالته كما تقرر ومحل توقف صحة التيمم أي والصلاة الآتي في المسائل المنثورة على إزالة النجس إن أمكنت كما مر أما الصغير بأن لم يبلغ حدا يشتهى والخنثى ولو كبيرا لم يوجد له محرم فيغسله الفريقان أما الأول فواضح وأما الثاني.فللضرورة مع ضعف الشهوة بالموت ويغسل من فوق ثوب ويحتاط الغاسل ندبا في النظر والمس. "وأولى الرجال به" أي بالرجل في الغسل "أولاهم بالصلاة" عليه وسيأتي لكن غالبا فلا يرد أن الأفقه بباب الغسل أولى من الأقرب، والأسن والفقيه ولو أجنبيا أولى من غير فقيه ولو قريبا عكس الصلاة على ما يأتي فيها لأن القصد هنا إحسان الغسل والأفقه والفقيه أولى به وثم الدعاء ونحو الأسن والأقرب أرق فدعاؤه أقرب للإجابة

 

ج /1 ص -400-      والحاصل أنه يقدم رجال عصبة النسب فالولاء فالوالي فذو الأرحام ومن قدمهم على الوالي حمل على ما إذا لم ينتظم بيت المال فالرجال الأجانب.فالزوجة فالنساء المحارم "و" أولى النساء "بها" أي المرأة "قراباتها" المحارم كالبنت وغيرهن كبنت العم لأنهن أشفق قيل قال الجوهري القرابات من كلام العوام لأن المصدر لا يجمع إلا عند اختلاف النوع وهو مفقود هنا ا هـ ويجاب أخذا من علته بصحة هذا الجمع لأن القرابات أنواع محرم ذات رحم كالأم ومحرم ذات عصوبة كالأخت وغير محرم كبنت العم "ويقدمن على زوج في الأصح" لأن الإناث بمثلهن أليق "وأولاهن ذات محرمية" من جهة الرحم ولو حائضا وهي من لو فرضت رجلا حرم عليه نكاحها بالقرابة لأنهن أشفق فإن استوى ثنتان محرمية فالتي في محل العصوبة كالعمة مع الخالة أولى ثم ذات رحم غير محرم كبنت العم وتقدم القربى فالقربى فإن استوى ثنتان درجة قدم هنا بما يقدم به في الصلاة فإن استويا في ذلك أقرع ولا ترجيح بزيادة إحداهن بمحرمية رضاع إذ لا مدخل له هنا أصلا قاله الإسنوي لكن خالفه البلقيني فبحث الترجيح بذلك حتى في بنت عم بعيدة ذات رضاع على بنت عم قريبة ليست كذلك وبمحرمية المصاهرة ووافقه الأذرعي على الأولى "ثم" ذات الولاء ثم محرم الرضاع ثم المصاهرة بناء على ما مر عن البلقيني ثم "الأجنبية" لأنها أوسع نظرا ممن بعدها "ثم رجال القرابة كترتيب صلاتهم" لأنهم أشفق "قلت إلا ابن العم ونحوه" وهو كل قريب غير محرم "فكالأجنبي والله أعلم" أي لا حق له في الغسل إذ لا يحل له النظر ولا الخلوة "ويقدم عليهم" أي رجال القرابة "الزوج في الأصح" لأنه ينظر ما لا ينظرونه نعم تقدم الأجنبية عليه وشرط المقدم في الكل الحرية الكاملة والعقل.وأن لا يكون كافرا في مسلم ولا قاتلا ولا عدوا ولا فاسقا ولا صبيا وإن ميز على الأوجه.
تنبيه: قضية كلامهما بل صريحه وجوب الترتيب المذكور ومن ثم قال في الروضة ونقله الرافعي عن الجويني وغيره للأقرب إيثار الأبعد إن اتحد جنس الميت والمفوض إليه وإلا فلا لكن أطال جمع متأخرون في ندبه وأنه المذهب.
"ولا يقرب المحرم" إذا مات قبل فعل تحلل العمرة أو فعل التحلل الأول للحج ولو بعد دخول وقته كما أطلقوه خلافا لمن ألحق دخوله بفعله لأن العبرة بحاله في الحياة ودخول وقته لا يبيح شيئا من المحرمات "طيبا" ولا يخلط ماء غسله بكافور ونحوه "ولا يؤخذ شعره وظفره" أي لا يجوز ذلك وإن لم يبق عليه غيره كما اقتضاه إطلاقهم واعتمده الزركشي وغيره إذ مبنى النسك على أن الغير لا ينوب في بقيته وذلك إبقاء لأثر الإحرام وللخبر الصحيح في محرم مات
"لا تمسوه طيبا ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا" وصريحه حرمة إلباس ذكر محيطا وستر وجه امرأة وكفيها بقفاز نعم لو تعذر غسله إلا بحلقه لتلبيد رأسه وجب حلقه على الأوجه وكذا لو تعذر غسل ما تحت ظفره إلا بقلمه ولا بأس بالتبخير عند غسله كجلوس المحرم عند متبخر ولا فدية على حالقه ومطيبه خلافا للبلقيني. "وتطيب المعتدة" المحدة "في الأصح" لزوال المعنى المحرم للطيب عليها من التفجع وميلها للأزواج أو ميلهم إليها بالموت ومن ثم جاز تكفينها في ثياب الزينة،

 

 

ج /1 ص -401-      "والجديد أنه لا يكره في غير المحرم أخذ ظفره وشعر إبطه وعانته وشاربه" لأنه لم يرد فيه نهي بل يستحب لما فيه.من النظافة "قلت الأظهر كراهته والله أعلم" لأنه محدث وقد صح النهي عن محدثات الأمور التي لم يشهد الشرع باستحسانها وزعم أنه تنظيف يعارض احترام أجزاء الميت ومن ثم حرم ختنه وإن عصى بتأخيره أو تعذر غسل ما تحت قلفته كما اقتضاه إطلاقهم وعليه فييمم عما تحتها.

فصل في تكفين الميت وحمله وتوابعهما
"يكفن" الميت بعد غسله "بما له لبسه حيا" فيجوز حرير ومزعفر للمرأة والصبي والمجنون مع الكراهة لا لرجل وخنثى.وبحث الأذرعي حله إذا لم يجد غيره وظاهر أن مراده بالحل ما يشمل الوجوب إذ لا خفاء فيه حينئذ ولقتيل المعركة إذا لبسه بشرطه وكان عليه حالة الموت لكنه خالفه في مواضع أخر وبحث هو وغيره أنه يحرم التكفين في متنجس - بما لا يعفى عنه - وجد غيره وإن حل لبسه في الحياة ويقدم على نحو حرير لم يجد غيرهما ولينظر في هذا مع ما يأتي في المسائل المنثورة أن شرط صحة الصلاة عليه طهر كفنه ومع ما مر آنفا مما يعلم منه أن محله إن أمكن تطهيره وحينئذ فإن أمكن تطهير هذا تعين وإلا سومح به وتكفن محدة في ثوب زينة وإن حرم لبسها له في الحياة كما مر ويحرم في جلد وجد غيره لأنه مزر به وكذا الطين والحشيش فإن لم يوجد ثوب وجب جلد ثم حشيش ثم طين فيما يظهر.
فرع: أفتى ابن الصلاح بحرمة ستر الجنازة بحرير.وكل ما المقصود به الزينة ولو امرأة كما يحرم ستر بيتها بحرير وخالفه الجلال البلقيني فجوز الحرير فيها وفي الطفل واعتمده جمع مع أن القياس هو الأول.
"وأقله ثوب" يستر العورة المختلفة بالذكورة والأنوثة دون الرق والحرية بناء على الأصح الذي صرح به الرافعي أن الرق يزول بالموت وإن بقيت آثاره من تغسيله لأمته، وقول الزركشي لو زال ملكه لم يغسلها يرده أنه يغسل زوجته مع زوال عصمتها عنه، ثم الاكتفاء بساتر العورة هو ما صححه المصنف في جميع كتبه إلا الإيضاح ونقله عن الأكثرين كالحي ولأنه حق لله تعالى وقال آخرون: يجب ستر جميع البدن إلا رأس المحرم ووجه المحرمة لحق الله تعالى كما يأتي عن المجموع ويصرح به قول المهذب إن ساتر العورة فقط لا يسمى كفنا أي والواجب التكفين فوجب الكل للخروج عن هذا الواجب الذي هو لحق الله تعالى وأطال جمع متأخرون.في الانتصار له وعلى الأول يؤخذ من قول المجموع عن الماوردي وغيره لو قال الغرماء يكفن بساترها والورثة بسابغ كفن في السابغ اتفاقا أن الزائد على ساترها من السابغ حق مؤكد للميت لم يسقطه فقدم به على الغرماء كالورثة فيأثمون بمنعه وإن لم يكن واجبا في التكفين وهذا مستثنى لما تقرر من تأكد أمره لقوة الخلاف في وجوبه وإلا فقد جزم الماوردي بأن للغرماء منع ما يصرف في المستحب وعلى ما تقرر من تأكده وتقدمه به يحمل قول بعض من اعتمد الأول إنه واجب

 

ج /1 ص -402-      لحق الميت أي لا للخروج من عهدة التكفين الواجب على كل من علم به وإلا لم يبق خلاف في أن الواجب ساترها أو السابغ فعلم أنه بالساتر يسقط حرج التكفين الواجب عن الأمة ويبقى حرج منه حق الميت على الورثة أو الغرماء، ومن كونه حقه يحمل تصريح آخرين بأنه يسقط بإيصائه بإسقاطه كما يأتي وقول الشافعي رضي الله عنه إذا غطي من الميت عورته فقط سقط الفرض لكنه أخل بحقه صريح فيما قررته أنه واجب للميت كما أفاده قوله لكنه أخل بحقه لا للخروج من عهدة التكفين كما أفاده قوله سقط الفرض وفي المجموع عن المتولي القطع بالاكتفاء بستر العورة ثم القطع بأن الزائد لا يسقط بإسقاطه لأنه واجب لحق الله وفيه تناقض إلا أن يكون قوله لحق الله ليس من كلام المتولي فإنه لا تناقض فيه وبما تقرر علم أن قول شيخنا في شرح الروض لعل مراد القائلين بوجوب الزائد أنه لحق الميت بالنسبة للغرماء أخذا من الاتفاق المذكور لا لحق الله تعالى وإلا فهو تناقض يرد بأن الحق أنه تناقض وأن ذلك الحمل لا يصح لأن الخلاف.في وجوب ساترها أو الكل إنما هو بالنظر لحق الله كما تقرر في توجيههما. ويأتي عن المجموع التصريح به في أن الوصية بإسقاط الزائد لا تنفذ لأنه واجب لحق الله تعالى ولا ينافي ذلك الاتفاق المذكور لأن الوجوب فيه لحق الآدمي فهو مبني على أن الواجب ساترها لحق الله والزائد لحق الآدمي ويعلم منه بالأولى تقدمه بالزائد عليهم على وجوب الزائد لحق الله فصح الاتفاق ولا بد من ستر البشرة هنا كالصلاة "ولا تنفذ" بتشديد الفاء والبناء للمفعول ويجوز عكسه "وصيته بإسقاطه" أي ساتر العورة لما تقرر أنه حق لله تعالى بخلافها بما زاد عليه خلافا لما في المجموع عن جمع فإنه إنما يأتي على الضعيف أن الواجب ستر جميع البدن لحق الله تعالى فقوله لحق الله صريح في البناء على هذا الضعيف لما تقرر عنه في التفريع على الأول الذي صححه أن الزائد حقه يتقدم به على الورثة كما صرح به نقله الاتفاق السابق وما مر عن الشافعي فإن قلت ظاهر كلام بعضهم أن وصيته لا تنفذ بإسقاطه وإن قلنا: إنه حقه لأن إسقاطه له مكروه والوصية به لا تنفذ قلت كون وصيته بإسقاطه مكروهة ممنوع كيف وفيه من المسامحة بحقه للورثة أو الغرماء ما لا يخفى وبه يندفع ما يقال هو مزر به فكيف جاز له إسقاطه على أن فيه من التخلي عن الدنيا وزينتها ما هو لائق بالحال "والأفضل للرجل".أي الذكر "ثلاثة" يعم كل منها البدن غير رأس محرم ووجه محرمة اتباعا لما فعل به صلى الله عليه وسلم "ويجوز" بلا كراهة لكنه خلاف المستحب "رابع وخامس" برضا الورثة المطلقين التصرف وكذا أكثر لكن مع الكراهة كما أطلقوه قال في المجموع ولا يبعد تحريمه لأنه إضاعة مال إلا أنه لم يقل به أحد ا هـ وقال الأذرعي جزم ابن يونس بالتحريم وهو قضية أو صريح كلام كثيرين فهو الأصح "و" الأفضل "لها" أي المرأة ومثلها الخنثى "خمسة" لطلب زيادة الستر فيها وتكره الزيادة عليها هذا كله حيث لا دين، وكفن من ماله وإلا وجب الاقتصار على ثوب ساتر لكل البدن إن طلبه غريم مستغرق أو كفن ممن تلزمه نفقته ولم يتبرع بالزائد أو من بيت المال أو وقف الأكفان.أو من مال الموسرين لفقد ما ذكر ولو اختلف الورثة في الثلاثة ودونها أو أكثر أو اتفقوا على ثوب واحد أو كان فيهم

 

ج /1 ص -403-      محجور عليه فالثلاثة ولهم الزيادة عليها إلا إن كان فيهم محجور عليه أو الورثة والغرماء المستغرقون في ساتر العورة والبدن فساتر البدن لما مر أنه حقه يتقدم به عليهم لتأكد أمره بقوة الخلاف في وجوبه وإن أسقطه وبهذا فارق إجابتهم في منع سائر المستحبات وإذا قلنا بإجبار الغرماء والورثة على السابغ كما تقرر فليس مثله بقية الثلاثة بالنسبة للغرماء بل للورثة فإذا اتفقوا على ثوب أجبرهم الحاكم على الثلاثة لنظير ما تقرر وأنها حقه بالنسبة لهم فقدم عليهم ما لم يسقطها لا لكونها واجبة من حيث التكفين وفارق الغرماء الورثة هنا بأن حقه في الثلاث أضعف منه في السابغ فلم يمنع الغرماء تقديما لبراءة ذمته، ومنع الورثة لأنه لا معارض لحقه وقول المجموع: القول بوجوب الثلاث شاذ محمله القول بوجوبها من حيث واجب التكفين وليس كلامنا فيه وإنما هو في وجوبها من حيث إنها حقه ولم يسقطه ولا معارض له ومن ثم قال السبكي والأذرعي يجبرهم الحاكم على الثلاث وإن كان فيهم محجور. قال الأذرعي أو غائب وقول الأذرعي الإجبار إنما يتأتى على الوجه الشاذ أن الثلاث واجبة علم رده مما تقرر في تقرير ذلك الوجه ومن ثم لما استشكل ذلك على السبكي أجابه بما ذكرته أنها واجبة لحق الميت لأنها لجماله كما يترك للمفلس دست ثوب.يليق به قال فالشاذ إنما هو إيجابها لحق الله تعالى فلا تسقط وإن أوصى بإسقاطها ا هـ.
فرع: قال وارث: أكفنه من مالي وقال آخر من التركة، أجيب؛ دفعا لمنة الأول عنه وبحث الأذرعي أن الحاكم يعتبر الأصلح فيجيب المتبرع لاستغراق دين أو خبث التركة أو قلتها مع كثرة أطفاله وهو وجيه مدركا لا نقلا. أو قال وارث: أكفنه من المسبلة، وآخر: من مالي أجيب الأول على ما بحثه الزركشي والوجه ما نقله الأذرعي عن السرخسي أنه يجاب الثاني دفعا للعار عنه ومثله قول واحد: من مالي، وآخر: من بيت المال أو قال وارث: أدفنه في ملكه، وآخر: في مسبلة أجيب الثاني لأنه لا عار هنا بوجه.
"ومن كفن منهما" أي الذكر وغيره "بثلاثة فهي لفائف" متساوية في عمومها لجميع البدن ثم في عرضها وطولها أي الأفضل فيها ذلك فلا ينافي ما يأتي أن الأولى أوسع لأن المراد إن اتفق فيها ذلك كما يأتي ليس فيها قميص ولا عمامة للرجل ولا إزار وخمار للمرأة اتباعا لما فعل به صلى الله عليه وسلم "وإن كفن في خمسة زيد قميص وعمامة" لغير محرم "تحتهن" أي اللفائف كما فعله ابن عمر رضي الله عنهما بولد له."وإن كفنت في خمسة فإزار" على ما بين سرتها وركبتها أولا "وخمار" على رأسها ثالثا "وقميص" على بدنها ثانيا "ولفافتان" متساويتان اتباعا "لفعله صلى الله عليه وسلم ببنته أم كلثوم" "وفي قول ثلاث لفائف" الثالثة عوض عن القميص إذ لم يكن في كفنه صلى الله عليه وسلم "وإزار وخمار ويسن" القطن لأنه صلى الله عليه وسلم كفن فيه و "الأبيض" لذلك وللخبر الصحيح
"البسوا من ثيابكم البياض وكفنوا فيها موتاكم". "ومحله" الأصلي الذي يجب منه كسائر مؤن التجهيز "أصل التركة" التي لم يتعلق بعينها حق كما يأتي أول الفرائض لا ثلثها فقط ولا أصلها في مزوجة بموسر لما سيذكره ويقدم من طلب التجهيز منها على من طلبه من ماله كما مر ويراعى فيها حاله سعة وضيقا وإن كان مقترا على نفسه في حياته ولو كان عليه دين على ما شمله إطلاقهم ويفرق بينه وبين نظيره في المفلس بأن ذاك

 

ج /1 ص -404-      يناسبه إلحاق العار به الذي رضيه لنفسه لعله ينزجر عن مثل فعله بخلاف الميت. وتجهيز المبعض في ملكه وعلى سيده بنسبة الرق.والحرية إن لم يكن مهايأة وإلا فعلى ذي النوبة "فإن لم تكن" تركة ولا ما ألحق بها وهو الزوج كما أفاده سياقه أو كانت واستغرقها دين أو بقي ما لا يكفي "ف" مؤنة التجهيز كلها أو ما بقي منها "على من عليه نفقته من قريب وسيد" ولو لأم ولد ومكاتب كحال الحياة نعم يجب تجهيز ولد كبير فقير ولا يرد لأنه الآن عاجز والعاجز تجب مؤنته فإن لم يكن له منفق وجب في وقف الأكفان ثم في بيت المال فإن لم يكن أو ظلم متوليه بمنعه فعلى أغنياء المسلمين "وكذا الزوج" عطف على جملة "محله أصل التركة" أي هو كمحله فيلزمه مؤن تجهيز زوجته وخادمها غير المملوكة له وغير المكتراة على الأوجه.إذ ليس لها إلا الأجرة بخلاف من صحبتها بنفقتها وبائن حامل منه ورجعية مطلقا وإن أيسرت وكان لها تركة كما أفهمه عطفه المذكور، ودعوى عطفه على أصل وحده يلزمها ركة المعنى وإلغاء قوله كذا المخبر به عن الزوج إلا بتكليف كما لا يخفى أو أراد قائل ذلك العطف بالنسبة للمعنى المقصود لا الصناعة إذ أصل هو المخبر عنه في الحقيقة بأنه المحل فالزوج كذلك فإن قلت بل الصناعة صحيحة وكذا حال أي ومحله الزوج حال كونه كالأصل فيما تقرر أنه إذا فقد يكون على نحو القريب وهذا اعتبار صحيح حامل على العطف المذكور قلت يلزمه فساد إجراء الخلاف في كونه على من ذكر عند وجود الزوج.وليس كذلك وعلى كل اندفع رغم إيهام المتن اشتراط فقرها ثم رأيت ابن السبكي أجاب بذلك وغيره نازعه فيه بما لا يجدي، وبحث جمع أنه يكفي ملبوس فيه قوة وقال بعضهم: لا بد من الجديد كما في الحياة والذي يتجه إجزاء قوي يقارب الجديد بل إطلاقهم أولوية المغسول على الجديد يؤيد الأول وهل يجري ذلك في الكفن من حيث هو أو يفرق بأن ما للزوجة معاوضة فوجب أن يكون كما في الحياة وهي فيها إنما يجب لها الجديد بخلاف كسوة القريب لا يجب فيها جديد كما هو ظاهر للنظر في ذلك مجال والأوجه الأول كما يصرح به قولهم إن من لزمه تكفين غيره لا يلزمه إلا ثوب واحد وإنها إمتاع لا تمليك وإنها لا تصير دينا على العسر وإن العبرة بحال الزوج دونها بخلاف الحياة في الكل بل نقل عن أكثر الأصحاب وانتصر له جمع أن كفنها لا يلزم الزوج مطلقا وحينئذ فلا فرق بينها وبين غيرها فيما ذكر وخرج بالزوج ابنه فلا يلزمه تجهيز زوجة أبيه وإن لزمه نفقتها في الحياة "في الأصح" كالحياة ومن ثم لم يلزمه تجهيز نحو ناشزة.وصغيرة نعم إن أعسر جهزت من أصل تركتها لا من خصوص نصيبه منها كما اقتضاه كلامهم وقال بعضهم بل من نصيبه منها إن ورث لأنه صار موسرا به وإلا فمن أصل تركتها مقدما على الدين وهو متجه من حيث المعنى وإذا كفنت منها أو من غيرها لم يبق دينا عليه للسقوط عنه بإعساره مع أنه إمتاع وبه فارق الكفارة ويظهر ضبط المعسر بمن ليس عنده فاضل عما يترك للمفلس ويحتمل بمن لا يلزمه إلا نفقة المعسرين فإن لم يكن لها تركة وهو معسر أو لم تجب نفقتها عليه حية فعلى من عليه نفقتها فالوقف فبيت المال فالأغنياء ولو غاب أو امتنع وهو موسر وكفنت من مالها أو غيره فإن كان بإذن حاكم يراه

 

ج /1 ص -405-      رجع عليه وإلا فلا كما بحثه الأذرعي وعلى شقه الثاني يحمل قول الجلال البلقيني إنه لا يستقر في ذمته لأنه إمتاع إذ التمليك بعد الموت متعذر وتمليك الورثة لا يجب فتعين الإمتاع أي وما هو إمتاع لا يستقر في الذمة، وقياس نظائره أنه لو لم يوجد حاكم كفى المجهز الإشهاد على أنه جهز من مال نفسه ليرجع به ولو أوصت بأن تكفن من مالها وهو موسر.كانت وصية لوارث لأنها أسقطت الواجب عنه وإنما لم يكن إيصاؤه بقضاء دينه من الثلث كذلك لأنه لم يوفر على أحد منهم بخصوصه شيئا حتى يحتاج لإجازة الباقين.
"ويبسط" أولا ندبا هنا وفي كل ما بعده "أحسن اللفائف وأوسعها" إن تفاوتت حسنا وسعة ويظهر فيما إذا تعارض الحسن والسعة تقديم السعة فإن اتفقت سعة وتفاوتت حسنا قدم أحسنها "والثانية" وهي التي تلي الأولى حسنا وسعة "فوقها وكذا الثالثة" فوق الثانية كما يجعل الحي أحسن ثيابه الأعلى وما يليه "ويذر" بالمعجمة "على كل واحدة" منهن بل وما زاد قبل وضع الأخرى فوقها "حنوط" بفتح أوله لأنه يدفع سرعة بلاهن ويستحب تبخيرهن أولا بالعود في غير محرم ثلاثا لما صح من الأمر بها وهو أولى من المسك وقال ابن الصلاح بل هو أولى لأنه أطيب الطيب وقد أوصى علي كرم الله وجهه كما جاء بسند حسن أن يحنط بمسك كان عنده من فضلة حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم "ويوضع الميت فوقها" برفق "مستلقيا" على ظهره "وعليه حنوط" وهو نوع من الطيب يختص بالميت يشتمل على نحو صندل وذريرة وكافور فعطفه عليه بقوله "وكافور" لإفادة ندب وضعه صرفا أيضا وللاهتمام بشأنه لئلا يغفل عنه مع أنه يقويه ويصلبه ويذهب عنه الهوام والريح الكريه ومن ثم ندب تعميم البدن به "وتشد ألياه بخرقة" كالحفاظ بعد دس قطن بينهما عليه حنوط حتى يتصل.بالحلقة، ويبالغ في شده حتى يمنع الخارج، ويكره دسه إلى داخل الحلقة بل قال الأذرعي ظاهر كلام غير الدارمي تحريمه لما فيه من انتهاك حرمته ا هـ ويجاب بأنه لعذر فلا انتهاك "ويجعل على كل" منفذ من "منافذ بدنه" الأصلية كعين وأذن وفم ومنخر والطارئة بنحو جرح وعلى كل مسجد من مساجده السبعة السابقة والأنف "قطن" حليج عليه حنوط دفعا للهوام وإكراما للمساجد "وتلف عليه اللفائف" بأن يثنى كل منها من طرف شقه الأيسر على الأيمن ثم من طرف شقه الأيمن على الأيسر كما يفعل الحي بالقباء ويجعل الفاضل عند رأسه أكثر "ويشد" في غير المحرم بشداد ويعرض بعرض ثديي المرأة وصدرها لئلا ينتشر عند الحركة والحمل "فإذا وضع في قبره نزع الشداد" لزوال مقتضيه ولكراهة بقاء شيء معقود معه فيه "ولا يلبس المحرم" قبل التحلل الأول "الذكر محيطا" قال الجرجاني: ولا تشد عليه أكفانه ولا يستر رأسه "ولا وجه المحرمة" ولا كفاها بقفازين لما مر مع امتناع أن يقرب طيبا وأن يؤخذ شيء من نحو شعره قبيل الفصل، والخنثى يكشف وجهه أو رأسه لما يأتي في إحرامه.
فرع: ينبغي أن لا يعد لنفسه كفنا.إلا إن سلم عن الشبهة أو هي فيه أخف ومع هذا لا يحتاج أن يقال أو كان من أثر من يتبرك به لأنه لا يكتفى بكونه من آثاره إلا إن خفت شبهته فيدخل في الأول ثم إذا عينه تعين كما لو قال: اقض ديني من هذه العين وترجيح

 

ج /1 ص -406-      الزركشي جواز إبداله كثياب الشهيد فيه نظر والفرق ظاهر ولو سرق كفنه ولو بعد دفنه ويظهر أن بلاه مع بقاء الميت كسرقته فيما يأتي وظاهر أخذا مما يأتي من عدم النبش للكفن لحصول المقصود منه يستره في التراب فلا تنتهك حرمته، إن الصورة هنا أن السارق أخذ الكفن ولم يطم التراب عليه أو طمه فنبش لغرض آخر فرئي بلا كفن فإن لم تقسم التركة جدد وجوبا وكذا إن قسمت عند المتولي وقال الماوردي ندبا.والمتجه الأول وكذا لو كان المكفن المنفق أو بيت المال ولو أكل الميت سبع مثلا فهو للورثة إلا إن كان من أجنبي لم ينو به رفقهم بأداء الواجب عنهم لأنه حينئذ عارية لازمة.
"وحمل الجنازة بين العمودين أفضل من التربيع في الأصح" لفعل الصحابة رضي الله عنهم له وورد عنه صلى الله عليه وسلم هذا إن أراد الاقتصار على كيفية وإلا فالأفضل الجمع بينهما بأن يحمل تارة كذا وتارة كذا "وهو" أي الحمل بينهما "أن يضع الخشبتين المقدمتين" وهما العمودان "على عاتقيه ورأسه بينهما ويحمل المؤخرتين رجلان" أحدهما من الجانب الأيمن والآخر من الجانب الأيسر لا واحد لأنه لو توسطهما لم ينظر الطريق وإن حمل على رأسه خرج عن الحمل بين العمودين وأدى.إلى تنكيس رأس الميت "والتربيع أن يتقدم رجلان ويتأخر آخران" ولا دناءة في حملها بل هو مكرمة وبر ومن ثم فعله صلى الله عليه وسلم ثم الصحابة فمن بعدهم ذكره الشافعي رضي الله عنه وتشييع الجنازة سنة مؤكدة ويكره للنساء ما لم يخش منه فتنة وإلا حرم كما هو قياس نظائره وضابطه أن لا يبعد عنها بعدا يقطع عرفا نسبته إليها "والمشي" أفضل من الركوب للاتباع بل يكره بغير عذر كضعف وهل مجرد المنصب هنا عذر قياسا على ما يأتي في رد المبيع وغيره أو يفرق؟ كل محتمل والفرق أوجه فإن قلت يعكر عليه ما مر أن فقد بعض لباسه اللائق عذر في الجمعة قلت: يفرق بأن أهل العرف العام يعدون المشي هنا حتى من ذوي المناصب تواضعا وامتثالا للسنة فلا تنخرم به مروءتهم بل تزيد ولا كذلك في حضورهم عند الناس بغير لباسهم اللائق بهم، وكون المشيع "أمامها" أفضل للاتباع ولأنهم شفعاء سواء الراكب والماشي، ونقل الاتفاق على أن الراكب يكون خلفها مردود بل قال الإسنوي: غلط لكن انتصر له الأذرعي بصحة الخبر به وبأن في تقدمه إيذاء للمشاة وكونه "بقربها أفضل" للاتباع وسند الثلاثة صحيح وضابطه أن يكون بحيث لو التفت رآها أي رؤية كاملة "ويسرع بها" ندبا لصحة الأمر به بأن يكون فوق المشي المعتاد ودون الخبب "إن لم يخف تغيره" بالإسراع وإلا تأنى به ولو خاف التغير إن لم يخبب خب.

فصل في الصلاة عليه
قيل هي من خصائص هذه الأمة وفيه ما بينته في شرح العباب ومن جملته الحديث الذي رواه جماعة من طرق تفيد حسنه وصححه الحاكم أنه صلى الله عليه وسلم قال
"كان آدم رجلا أشعر طوالا كأنه نخلة سحوق فلما حضره الموت نزلت الملائكة بحنوطه وكفنه من الجنة فلما مات عليه السلام غسلوه بالماء والسدر ثلاثا وجعلوا في الثالثة كافورا وكفنوه في وتر من

 

ج /1 ص -407-      الثياب وحفروا له لحدا وصلوا عليه وقالوا لولده هذه سنة ولد آدم من بعده" وفي رواية أنهم قالوا "يا بني آدم هذه سنتكم من بعده فكذاكم فافعلوا" وبهذا يتبين أن الغسل والتكفين والصلاة والدفن والسدر والحنوط والكافور والوتر واللحد من الشرائع القديمة وأنه لا خصوصية لشرعنا بشيء من ذلك فإن صح ما يدل على الخصوصية تعين حمله على أنه بالنسبة لنحو التكبير والكيفية وقتل أحد ابني آدم أخاه، وإرسال الغراب له ليريه كيفية الدفن كان في حياة آدم قيل: لما غاب للحج وزعم أنهما من بني إسرائيل شاذ لا يعول عليه.
تنبيه: هل شرعت صلاة الجنازة بمكة أو لم تشرع إلا بالمدينة لم أر في ذلك تصريحا، وظاهر حديث أنه صلى الله عليه وسلم صلى على قبر البراء بن معرور لما قدم المدينة - وكان مات قبل قدومه لها بشهر" كما قاله ابن إسحاق وغيره -، وما في الإصابة عن الواقدي وأقره أن الصلاة على الجنازة لم تكن شرعت يوم موت خديجة - وموتها بعد النبوة بعشر سنين على الأصح - أنها لم تشرع بمكة بل بالمدينة.
"لصلاته" أي الميت المحكوم بإسلامه غير الشهيد "أركان أحدها النية" لحديثها السابق "ووقتها" هنا. "ك" وقت نية "غيرها" فيجب مقارنتها لتكبيرة التحرم كما مر أول صفة الصلاة."و" تجب نية الفرض لا بقيد كونه كفاية فحينئذ "تكفي نية الفرض" وإن لم يتعرض لفرض الكفاية كما لا يشترط في الخمس التعرض لفرض العين "وقيل تشترط نية فرض كفاية" ليتميز عن فرض العين ويرد بأنه يكفي مميزا بينهما اختلاف معنى الفرضية فيها وتسن الإضافة إلى الله تعالى وقياسه ندب كونه مستقبلا.ولا يتصور هاهنا نية أداء وضده ولا نية عدد كذا قيل وقد يقال: ما المانع من ندب نية عدد التكبيرات لما يأتي أنها بمثابة الركعات
"ولا يجب تعيين الميت" ولا معرفته بل يكفي أدنى مميز كعلى هذا أو من صلى عليه الإمام واستثناء جمع الغائب فلا بد من تعيينه بالقلب أي باسمه ونسبه وإلا كان استثناؤهم فاسدا يرده تصريح البغوي الذي جزم به الأنوار وغيره بأنه يكفي فيه أن يقول على من صلى عليه الإمام وإن لم يعرفه ويؤيده بل يصرح به قول جمع واعتمده في المجموع وتبعه أكثر المتأخرين بأنه لو صلى على من مات اليوم في أقطار الأرض ممن تصح الصلاة عليه جاز بل ندب قال في المجموع لأن معرفة أعيان الموتى وعددهم ليست شرطا ومن ثم عبر الزركشي بقوله وإن لم يعرف عددهم ولا أشخاصهم ولا أسماءهم فالوجه أنه لا فرق بينه وبين الحاضر وأفاد قولنا مميز أنه يكفي في الجمع قصدهم - وإن لم يعرف عددهم كما يأتي - لا بعضهم وإن صلى ثانيا على البعض الباقي لوجود الإبهام المطلق في كل من البعضين "فإن عين" الميت "وأخطأ" كما إذا نوى الصلاة على زيد فبان عمرا "بطلت" صلاته أي لم تنعقد كما بأصله ما لم يشر إليه نظير ما مر في الإمام "وإن حضر موتى نواهم" أي الصلاة عليهم إجمالا ولا يجب ذكر عددهم وإن عرفه وحكم نية القدر هنا كما مر ولو صلى على عشرة فبانوا أحد عشر لم تصح أو عكسه صح أو على حي وميت صحت إن جهل وإلا فلا لتلاعبه ويؤخذ من قوله نواهم أنه لو حضرت جنازة أثناء الصلاة لم تكف نيتها حينئذ.فبعد سلامه تجب عليها صلاة أخرى.

 

ج /1 ص -408-      "الثاني: أربع تكبيرات" بتكبيرة الإحرام إجماعا "فإن خمس" أو سدس مثلا عمدا ولم يعتقد البطلان "لم تبطل" صلاته "في الأصح" وإن نوى بتكبيره الركنية خلافا لجمع متأخرين وذلك لثبوته في صحيح مسلم ولأنه ذكر وزيادته ولو ركنا لا تضر كتكرير الفاتحة بقصد الركنية إما سهوا فلا يضر جزما ومر أنه لا مدخل لسجود السهو فيها "ولو خمس إمامه" عمدا "لم يتابعه" ندبا "في الأصح" لأن ما فعله غير مشروع عند من يعتد به لما تقرر من الإجماع.وبه فارق ما مر في تكبير العيد "بل يسلم أو ينتظره ليسلم معه" وهو الأفضل لتأكد المتابعة.
"الثالث: السلام" حال كونه أو وهو "ك" سلام "غيرها" فيما مر فيه وجوبا وندبا إلا "وبركاته" فسنة هنا فقط على ما مر فيه.
"الرابع: قراءة الفاتحة" فبدلها فالوقوف بقدرها لما مر في مبحثها وروى البخاري أن ابن عباس قرأ بها هنا وقال: لتعلموا أنها سنة أي طريقة مألوفة ومحلها "بعد" التكبيرة "الأولى" وقبل الثانية لما صح أن أبا أمامة رضي الله عنه قال: السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن وعلى تعينها فيها لو نسيها وكبر لم يعتد له بشيء مما يأتي به كما أفهمه قولهم فما بعد المتروك لغو."قلت: تجزئ الفاتحة بعد غير الأولى" وقول الروضة وأصلها بعدها أو بعد الثانية خرج مخرج المثال فلا يخالف ما هنا خلافا لمن زعم تخالفهما "والله أعلم" أما غير الفاتحة من الصلاة في الثانية، والدعاء في الثالثة فمتعين لا يجوز خلو محله عنه ولما كان في الفرق عسر اختار كثيرون الأول وجزم به المصنف نفسه في تبيانه واقتصر له الأذرعي وغيره وقد يفرق بأن القصد بالصلاة الشفاعة والدعاء للميت والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسيلة لقبوله ومن ثم سن الحمد قبلها كما يأتي فتعين محلهما الواردان فيه عن السلف والخلف إشعارا بذلك بخلاف الفاتحة فلم يتعين لها محل بل يجوز خلو الأولى عنها وانضمامها إلى واحدة من الثلاثة إشعارا أيضا بأن القراءة دخيلة في هذه الصلاة ومن ثم لم تسن فيها السورة.
"الخامس: الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم" لأنه من السنة كما رواه الحاكم عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم وصححه "بعد الثانية" أي عقبها فلا تجزئ في غيرها لما تقرر من تعينها فيها بخلاف الفاتحة في الأولى فزعم بناء هذا على تعين الفاتحة في الأولى يرد بما قدمته آنفا "والصحيح أن الصلاة على الآل لا تجب" كغيرها بل أولى لبنائها على التخفيف نعم تسن وظاهر أن كيفية صلاة التشهد السابقة أفضل هنا أيضا وأنه يندب ضم السلام للصلاة كما أفهمه قولهم ثم إنما لم يحتج إليه لتقدمه في التشهد وهنا لم يتقدم فليسن خروجا من الكراهة.ويفارق السورة بأنه لا حد لكمالها فلو ندبت لأدت إلى ترك المبادرة المتأكدة بخلاف هذا ويندب الدعاء للمؤمنين والمؤمنات عقب الصلاة والحمد قبلها ولو عكس ترتيب هذه الثلاثة فإنه الأكمل.
"السادس: الدعاء للميت" بخصوصه بأقل ما ينطلق عليه الاسم لأنه المقصود من

 

ج /1 ص -409-      الصلاة وما قبله مقدمة له وصح خبرا "إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء" وظاهر تعين الدعاء له بأخروي لا بنحو اللهم احفظ تركته من الظلمة وأن الطفل في ذلك كغيره لأنه، وإن قطع له بالجنة تزيد مرتبته فيها بالدعاء له كالأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - ثم رأيت الأذرعي قال يستثنى غير المكلف فالأشبه عدم الدعاء له وهو عجيب منه ثم رأيت الغزي نقله عنه وتعقبه بأنه باطل وهو كما قال، وليس قوله اجعله فرطا إلى آخره مغنيا عن الدعاء له لأنه دعاء باللازم وهو لا يكفي لأنه إذا لم يكف الدعاء له بالعموم الذي مدلوله كلية محكوم بها على كل فرد فرد مطابقة فأولى هذا "بعد الثالثة" أي عقبها فلا يجزئ بعد غيرها جزما قال في المجموع وليس لتخصيصه بها دليل واضح ا هـ ومع ذلك تابع الأصحاب على تعينها دون الأولى للفاتحة قال غيره وكذا ليس لتعين الصلاة في الثانية ذلك.
"السابع: القيام على المذهب إن قدر" لأنها فرض كالخمس فيأتي هنا ما مر ثم في مبحث القيام. وإلحاقها بالنفل في التيمم لا يلزم منه ذلك هنا لأن.القيام هو المقوم لصورتها ففي عدمه محو لصورتها بالكلية.
"ويسن رفع يديه في" كل من "التكبيرات" الأربع حذو منكبيه ويضعهما تحت صدره ويأتي هنا في كيفية الرفع والوضع ما مر ويجهر ندبا بالتكبيرات والسلام - أي الإمام أو المبلغ لا غيرهما - نظير ما مر في الصلاة كما هو ظاهر. "وإسرار القراءة" ولو ليلا لما صح عن أبي أمامة أنه من السنة وعلم منه ندب إسرار التعوذ والدعاء "وقيل يجهر ليلا" بالفاتحة. "والأصح ندب التعوذ" لأنه سنة للقراءة كالتأمين "دون الافتتاح" والسورة إلا على غائب أو قبر على ما مر وذلك لطولهما في الجملة. "ويقول" ندبا حيث لم يخش تغير الميت والأوجب الاقتصار على الأركان "في الثالثة: اللهم هذا عبدك وابن عبديك إلى آخره" وهو كما بأصله خرج من روح الدنيا وسعتها - أي بفتح أولهما نسيم ريحها واتساعها ومحبوبه وأحباؤه فيها أي ما يحبه ومن يحبه وهو جملة حالية لبيان انقطاعه وذله ويجوز جره بل هو المشهور - إلى ظلمة القبر وما هو لاقيه - أي من جزاء عمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر - كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك وأنت أعلم به - احتاج إليه ليبرأ من عهدة الجزم قبله - اللهم إنه نزل بك وأنت خير منزول به - أي هو ضيفك وأنت الأكرم على الإطلاق وضيف الكرام لا يضام - وأصبح فقيرا إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فاغفر له وتجاوز عنه ولقه برحمتك رضاك، وقه فتنة القبر.وعذابه وأفسح له في قبره وجاف الأرض عن جنبيه ولقه برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثه إلى جنتك يا أرحم الراحمين. وهذا التقطه الشافعي من مجموع أحاديث وردت واستحسنه الأصحاب وفي الأنثى يبدل العبد بالأمة ويؤنث الضمائر ويجوز تذكيرها بإرادة الميت أو الشخص كعكسه بإرادة النسمة وليحذر من تأنيث "به" في منزول به فإنه كفر لمن عرف معناه وتعمده وفي الخنثى والمجهول يعبر بما يشمل الذكر والأنثى كمملوكك وفيما إذا اجتمع ذكور وإناث الأولى تغليب الذكور لأنهم أشرف وقوله وابن عبديك "وفي نص للشافعي

 

ج /1 ص -410-      وابن عبدك بالإفراد إنما يأتي في معروف الأب أما ولد الزنا فيقول "وابن أمتك" وفي مسلم دعاء طويل عنه صلى الله عليه وسلم.وظاهر أنه أولى وهو "اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه وعافه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وفتنته ومن عذاب النار". وظاهر أن المراد بالإبدال في الأهل والزوجة إبدال الأوصاف لا الذوات لقوله تعالى: {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور:21] ولخبر الطبراني وغيره "أن نساء الجنة من نساء الدنيا أفضل من الحور العين" ثم رأيت شيخنا قال وقوله "وزوجا خيرا من زوجه" لمن لا زوجة له يصدق بتقديرها له أن لو كانت له وكذا في المزوجة إذا قيل: إنها لزوجها في الدنيا يراد بإبدالها زوجا خيرا من زوجها ما يعم إبدال.الذوات وإبدال الصفات ا هـ وإرادة إبدال الذات مع فرض أنها لزوجها في الدنيا فيه نظر وكذا قوله إذا قيل كيف وقد صح الخبر به وهو "أن المرأة لآخر أزواجها روته أم الدرداء لمعاوية لما خطبها بعد موت أبي الدرداء". ويؤخذ منه أنه فيمن مات وهي في عصمته ولم تتزوج بعده فإن لم تكن في عصمة أحدهم عند موته احتمل القول بأنها تخير وأنها للثاني ولو مات أحدهم وهي في عصمته ثم تزوجت وطلقت ثم ماتت فهل هي للأول أو الثاني؟ ظاهر الحديث أنها للثاني وقضية المدرك أنها للأول وأن الحديث محمول على ما إذا مات الآخر وهي في عصمته وفي حديث رواه جمع لكنه ضعيف "المرأة منا ربما يكون لها زوجان في الدنيا فتموت ويموتان ويدخلان الجنة لأيهما هي قال لأحسنهما خلقا كان عندها في الدنيا. "ويقدم عليه" ندبا "اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده" لأن هذا اللفظ صح عنه صلى الله عليه وسلم "ويقول في الطفل" الذي له أبوان مسلمان "مع هذا الثاني" في الترتيب الذكري "اللهم اجعله فرطا لأبويه" أي سابقا مهيأ لمصالحهما في الآخرة ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم "أنا فرطكم على الحوض" وسواء أمات في حياتهما أم بعدهما أم بينهما خلافا لشارح والظاهر في ولد الزنا أن يقول "لأمه" وفي من أسلم تبعا لأحد.أصوله أن يقول "لأصله المسلم" ويحرم الدعاء بأخروي لكافر وكذا من شك في إسلامه ولو من والديه بخلاف من ظن إسلامه ولو بقرينة كالدار هذا هو الذي يتجه من اضطراب في ذلك "وسلفا وذخرا" بالمعجمة شبه تقدمه لهما بشيء نفيس يكون أمامهما مدخرا إلى وقت حاجتهما له بشفاعته لهما كما صح "وعظة" اسم المصدر الذي هو الوعظ أي واعظا وفي ذكره كاعتبار وقد ماتا أو أحدهما قبله نظر إذ الوعظ التذكير بالعواقب كالاعتبار وهذا قد انقطع بالموت فإن أريد بهما غايتهما من الظفر بالمطلوب اتجه ذلك "واعتبارا" يعتبران بموته وفقده حتى يحملهما ذلك على عمل صالح "وشفيعا وثقل به" أي بثواب الصبر على فقده أو الرضا به "موازينهما وأفرغ الصبر على قلوبهما" هذا لا يأتي إلا في حي زاد في الروضة وغيرها ولا تفتنهما بعده ولا تحرمهما أجره وإتيان هذا في الميتين صحيح إذ الفتنة يكنى بها عن

 

ج /1 ص -411-      العذاب وذلك لورود الأمر بالدعاء لأبويه بالعافية والرحمة ولا يضر ضعف سنده لأنه في الفضائل "و" يقول "في الرابعة" ندبا "اللهم لا تحرمنا" بضم أوله وفتحه "أجره ولا تفتنا بعده" أي بارتكاب المعاصي لأنه صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو به في الصلاة على الجنازة وفي رواية "ولا تضلنا بعده" زاد جمع "واغفر لنا وله" وصح أنه صلى الله عليه وسلم كان يطول الدعاء عقب الرابعة" فيسن ذلك قيل وضابط التطويل أن يلحقها بالثانية لأنها أخف الأركان ا هـ وهو تحكم غير مرض بل ظاهر كلامهم إلحاقها بالثالثة أو تطويلها عليها "ولو تخلف المقتدي بلا عذر فلم يكبر حتى.كبر إمامه أخرى" أي شرع فيها "بطلت صلاته" لأن المتابعة هنا لا تظهر إلا بالتكبيرات فكان التخلف بتكبيرة فاحشا كهو بركعة وخرج بحتى كبر ما لو تخلف بالرابعة حتى سلم لكن قال البارزي تبطل أيضا وأقره الإسنوي وغيره لتصريح التعليل المذكور بأن الرابعة كركعة ودعوى المهمات - أن عدم وجوب ذكر فيها ينفي كونها كركعة - ممنوعة كيف والأولى لا يجب فيها ذكر على ما مر وهي كركعة لإطلاقهم البطلان بالتخلف بها ولم يبنوه على الخلاف في ذكرها أما إذا تخلف بعذر كنسيان وبطء قراءة وعدم سماع تكبير وكذا جهل عذر به فيما يظهر فلا بطلان فيراعى نظم صلاة نفسه قال الغزي: لكن هل له ضابط كما في الصلاة لم أر فيه شيئا ا هـ ويظهر الجري على نظم نفسه مطلقا لما مر أن التكبيرة بمنزلة الركعة وقد قالوا بعد التكبيرة هنا إنه يجري على نظم نفسه وبعد الركعة في الصلاة لا يجري على نظم نفسه فافترقا وكان وجهه أنه لا مخالفة هنا فاحشة في جريه على نظم نفسه مطلقا بخلافه ثم ووقع لشارح أن الناسي يغتفر له التأخر بواحدة لا بثنتين وذكره شيخنا في شرح منهجه وغيره مع التبري منه فقال على ما اقتضاه كلامهم ا هـ والوجه عدم البطلان مطلقا لأنه لو نسي فتأخر عن إمامه بجميع الركعات لم تبطل صلاته فهنا أولى ولو تقدم عمدا بتكبيرة لم تبطل على ما قاله شارح وجرى عليه شيخنا أيضا.ويشكل عليه ما مر أن التقدم أفحش فإذا ضر التأخر بتكبيرة فالتقدم بها أولى ويمكن أن يجاب بأن التأخر هنا أفحش إذ غاية التقدم أنه كزيادة تكبيرة وقد مر أن الزيادة لا تضر هنا وإن نزلوا التكبيرات كالركعات بخلاف التأخر فإن فيه فحشا ظاهرا.
"ويكبر المسبوق ويقرأ الفاتحة وإن كان الإمام في" تكبيرة "غيرها" أي الأولى لأن ما أدركه أول صلاته فيراعي ترتيب نفسه. "ولو كبر الإمام أخرى قبل شروعه في الفاتحة كبر معه وسقطت القراءة" نظير ما مر في المسبوق في بقية الصلوات وهذا إنما يأتي على تعين الفاتحة عقب الأولى كذا قيل وقد يقال: بل يأتي على ما صححه المصنف أيضا لأنها وإن لم تتعين لها هي منصرفة إليها إلا أن يصرفها عنها بتأخرها إلى غيرها فجرى السقوط نظرا لذلك الأصل نعم قوله ويقرأ الفاتحة إن أراد به الوجوب لا يتأتى إلا على الضعيف فلعله ترك التنبيه عليه للعلم به مما مر "وإن كبرها وهو في الفاتحة تركها وتابعه في الأصح" إن لم يكن اشتغل بتعوذ وإلا قرأ بقدره نظير ما مر "وإذا سلم الإمام تدارك المسبوق باقي التكبيرات بأذكارها" وجوبا في الواجب وندبا في المندوب "وفي قول: لا تشترط الأذكار" فيأتي بها نسقا لأن الجنازة ترفع حينئذ وجوابه.أنه يسن إبقاؤها حتى يتم المقتدون وأنه لا يضر

 

ج /1 ص -412-      رفعها والمشي بها قبل إحرام المصلي وبعده وإن حولت عن القبلة ما لم يزد ما بينهما على ثلثمائة ذراع، أو يحل بينهما حائل مضر في غير المسجد، "وتشترط شروط الصلاة" والقدوة أي كل ما مر لهما مما يتأتى مجيئه هنا وظاهر أنه يكره ويسن كل ما مر لهما مما يتأتى مجيئه هنا أيضا نعم بحث بعضهم أنه يسن هنا النظر للجنازة، وبعضهم النظر لمحل السجود لو فرض أخذا من بحث البلقيني ذلك في الأعمى والمصلي في ظلمة وهذا هو الأوجه وذلك لأنها صلاة وتقدم طهر الميت كما يأتي، وقول ابن جرير كالشعبي تصح بلا طهارة رد بأنه خارق للإجماع وابن جرير وإن عد من الشافعية لا يعد تفرده وجها لهم كالمزني ووقع للإسنوي أنه فهم من كلام الرافعي وجوب استقباله القبلة تنزيلا له منزلة الإمام كما نزلوه منزلته في منع التقدم عليه ورد بأنه تخيل فاسد إذ الميت غير مصل فكيف يتوهم وجوب استقباله للقبلة، وكلام الرافعي لا يفهمه وإنما المراد منه أن كون الحاضر في غير جهة.أمام المصلي ابتداء مانع "لا الجماعة" بالرفع فلا تجب بل تسن لأنهم صلوا عليه صلى الله عليه وسلم فرادى وإن كان لعذر عدم الاتفاق على إمام خليفة بعد ولا ينافيه الجديد الآتي لأنه لو تقدم الولي لتوهم أنه الخليفة لاختصاص الإمامة به إذ ذاك "ويسقط فرضها بواحد" ولو صبيا مع وجود رجل لأنه لا يشترط فيها الجماعة فكذا العدد كغيرها، وكون صلاة الصبي نفلا لا يؤثر لأنه قد يجزئ عن الفرض كما لو بلغ بعدها في الوقت ولحصول المقصود بصلاته مع رجاء القبول فيها أكثر، ويجزئ الواحد أيضا وإن لم يحفظ الفاتحة وغيرها، ووقف بقدرها ولو مع وجود من يحفظها فيما يظهر لأن المقصود وجود صلاة صحيحة من جنس المخاطبين وقد وجدت ومر أواخر التيمم حكم صلاة فاقد الطهورين ومن لا يغنيه تيممه عن القضاء فراجعه "وقيل يجب اثنان وقيل ثلاثة" لأنه صلى الله عليه وسلم قال "صلوا على من قال: لا إله إلا الله".وأقل الجمع اثنان أو ثلاثة "وقيل أربعة" كما يجب أي على هذا القول أن يحملها أربعة لأن ما دونه إزراء بالميت ولا تجب الجماعة على كل وجه، "ولا تسقط بالنساء" ومثلهن الخناثى "وهناك" أي بمحل الصلاة وما ينسب إليه كخارج السور القريب منه أخذا مما يأتي عن الوافي "رجال" أو رجل ولا يخاطبن بها حينئذ بل أو صبي مميز على ما بحثه جمع قيل وعليه يلزمهن أمره بفعلها بل وضربه عليه ا هـ وهو بعيد بل لا وجه له وإنما الذي يتجه أن محل البحث إذا أراد الصلاة وإلا توجه الفرض عليهن "في الأصح" لأن فيه استهانة به ولأن الرجال أكمل فدعاؤهم أقرب للإجابة أما إذا لم يكن غيرهن فتلزمهن وتسقط بفعلهن وتسن لهن الجماعة كما بحثه المصنف لكن نوزع فيه بأن الجمهور على خلافه وإنما لزمتهن ولم تسقط بفعلهن مع وجود الصبي المريد لفعلها على ذلك البحث لأن دعاءه أقرب للإجابة منهن وقد يخاطب الإنسان بشيء وتتوقف صحته منه على شيء آخر ولك أن تقول أقربية دعائه تأتي في اجتماعه مع الرجال ولم ينظروا إليها حينئذ، وكونه من جنسهم لا جنسهن لا أثر له هنا على.أنها إنما تقتضي أنه يندب لهن الائتمام به لا منع صحة صلاتهن ودعوى أنه قد يخاطب الإنسان إلى آخره تحتاج لتأمل فإن إطلاقها لا يشهد لما نحن فيه وإنما الذي يشهد له أن يثبت أنهم في صورة ما

 

ج /1 ص -413-      أوجبوا على واحد أو جمع شيئا ومنعوا سقوطه عنه بفعله إذا أراد غير المخاطب به التبرع به فإن ثبت ذلك أيد ذلك البحث وإلا كان مع عدم اتضاح معناه خارجا عن القواعد على أنه مخالف لمفهوم قول المتن وغيره وهناك رجال فلا يقبل فتأمله وفي المجموع: والرجل الأجنبي وإن كان عبدا أولى من المرأة القريبة، والصبيان أولى من المرأة القريبة والصبيان أولى من النساء ا هـ قيل هذه العبارة مشكلة لاقتضائها سقوطها بها مع وجود البالغ ورد بأن الصورة أنهن أردن الجماعة ومعهن بالغ أو مميز فتقديم أحدهما أولى من تقديم إحداهن ا هـ وعجيب ذلك الاستشكال باقتضائها ما مر مع أنها صريحة في أن الكلام إنما هو في الأولوية بالإمامة لا غير وحينئذ فكان ينبغي للراد ذكر ذلك لا ما ذكره لأنه موهم ولو اجتمع خنثى وامرأة لم تسقط بها عنه لاحتمال ذكورته بخلاف عكسه، "ويصلى على الغائب عن البلد" بأن يكون بمحل بعيد عن البلد بحيث لا ينسب إليها عرفا أخذا من قول الزركشي عن صاحب الوافي وأقره أن خارج السور القريب منه كداخله ويؤخذ من كلام الإسنوي ضبط القرب هنا بما يجب الطلب منه في التيمم وهو متجه إن أريد به حد الغوث لا القرب ولا يشترط كونه في جهة القبلة وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم "أخبر بموت النجاشي يوم موته وصلى عليه هو وأصحابه" رواه الشيخان وكان ذلك سنة تسع وجاء أن سريره رفع له صلى الله عليه وسلم حتى شاهده وهذا بفرض صحته لا ينفي الاستدلال لأنها وإن كانت صلاة حاضر بالنسبة له صلى الله عليه وسلم هي صلاة غائب بالنسبة لأصحابه ولا بد من ظن.أن الميت غسل كما شمله إطلاقهم نعم الأوجه أن له أن يعلق النية به فينوي الصلاة عليه إن غسل، ولا تسقط هذه الفرض عن أهل محله كذا أطلقوه وظاهره أنه لا فرق بين أن يمضي زمن يقصرون فيه بترك الصلاة وأن لا ويمكن بناء ذلك على أن المخاطب بذلك أهله أو لا أو الكل ومر أن الأرجح الثاني وحينئذ عدم السقوط مع عدم تقصيرهم ومع استواء كل من علم بموته في الخطاب بتجهيزه فيه نظر ظاهر أما من بالبلد فلا يصلى عليه وإن كبرت وعذر بنحو مرض أو حبس كما شمله إطلاقهم وعند الحضور يشترط كما يأتي أن يجمعهما مكان وأن لا يتقدم عليه أو على قبره وأن لا يزيد ما بينهما على ثلثمائة ذراع نظير ما مر في المأموم مع إمامه، "ويجب تقديمها" أي الصلاة "على الدفن" لأنه المنقول فإن دفن قبلها أثم كل من علم به ولم يعذر وتسقط بالصلاة على القبر "وتصح" الصلاة "بعده" أي الدفن للاتباع قيل: يشترط بقاء شيء من الميت ا هـ وفيه نظر لأن عجب الذنب لا يفنى كما هو مقرر في محله."والأصح تخصيص الصحة بمن كان من أهل" أداء "فرضها وقت الموت" بأن يكون حينئذ مكلفا مسلما طاهرا لأنه يؤدي فرضا خوطب به بخلاف من طرأ تكليفه بعد الموت ولو قبيل الغسل كما اقتضاه كلامهما وإن نوزعا فيه ومن ثم جزم بعضهم بأن تكليفه عند الغسل بل قبل الدفن كهو عند الموت وذلك لأن غير المكلف متطوع وهذه الصلاة لا يتطوع بها وقد يرد عليه صلاة النساء مع وجود الرجال فإنها محض تطوع إلا أن يجاب بأنهن من أهل الفرض بتقدير انفرادهن وذاك لم يكن كذلك فكانت صلاته محض تطوع مبتدإ ولا ينافي.هذا لزومها لمن أسلم أو كلف قبل الدفن وليس ثم غيره لأن هذه الحالة ضرورة فلا يقاس بها غيرها. "ولا يصلى على

 

ج /1 ص -414-      قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم" وغيره من الأنبياء صلى الله عليهم وسلم "بحال" أي على كل قول للخبر الصحيح "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" أي بصلاتهم إليها كذا قالوه وحينئذ ففي المطابقة بين الدليل والمدعى نظر ظاهر إلا أن يقال إذا حرمت إليه فعليه كذلك وفيه ما فيه وظاهر أن الكلام في غير عيسى صلى الله عليه وسلم ففيه تجوز لمن كان من أهل فرض الصلاة عليه حين موته الصلاة على قبره كما يصرح به تعليلهم المنع أنه لم يكن من أهلها حين موته، وقول بعضهم في صحابي حضر بعد دفنه صلى الله عليه وسلم لا تجوز صلاته على قبره وإن كان من أهلها حين موته يرده علتهم المذكورة فلا نظر لتعليله بخشية الافتتان على أنه لا خشية فيه، واستدلاله بأحاديث فيها أنه صلى الله عليه وسلم لا يبقى في قبره ليس في محله لأن تلك الأحاديث كلها غير ثابتة بل الثابت في الأحاديث الكثيرة الصحيحة أن الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون وحياتهم لا تمنع ذلك قياسا على ما قبل الدفن لأنها وإن كانت حياة حقيقية بالنسبة للروح والبدن إلا أنها ليست حقيقية من كل وجه.
فرع: مر تعريفه "الجديد أن الولي" أي القريب.الذكر ولو غير وارث "أولى" يحتمل أنه هنا بمعنى أحق فيكون الترتيب واجبا وهو نظير ما مر في الغسل بما فيه ويحتمل أنه على ظاهره فيكون الترتيب للندب وهو نظير ما يأتي في الدفن وعليه يفرق بينهما وبين الغسل بأنه مظنة الاطلاع على ما لا يحبه الميت فكلما كان المطلع أقرب كان ذلك أحب للميت لأنه مظنة للستر أكثر فإن قلت الإمامة ولاية يتفاخر بها ولا كذلك الغسل قلت لكن لما قوي الخلاف وكثر القائلون بأنه لا حق له فيها ضعفت ولايته. ثم رأيته في الروضة عبر بأنه لا بأس بانتظار ولي غاب وظاهره أنه لا فرق بين كونه أذن لمن يؤم قبل غيبته وأن لا فيكون ظاهرا في الثاني "بإمامتها" أي الصلاة على الميت "من الوالي" حيث لا خشية فتنة لأنها من حقوق الميت فكان وليه أولى بها، والقديم - وبه قال الأئمة الثلاثة - الأولى الوالي فإمام المسجد فالولي كبقية الصلوات وقد علمت وضوح الفرق وأيضا فدعاء القريب أقرب للإجابة لحزنه وشفقته فكان لتقديمه هنا وجه مسوغ بخلافه ثم ويؤخذ منه بالأولى أن القريب الحر أولى من السيد وهو ظاهر أما الأنثى فيقدم الذكر عليها ولو أجنبيا فإن لم يوجد إلا النساء قدمت بفرض ذكورتها كما بحث وظاهر تقديم الخنثى عليها في إمامتهن ولو غاب الأقرب أي ولا نائب له على ما يأتي ولو غيبة قريبة قدم البعيد. ويفرق بينه وبين نظيره في النكاح.بأن القاضي فيه كولي آخر ولا كذلك البعيد وهنا لا حق للوالي مع وجود أحد من الأقارب فانتقلت للأبعد ويقدم من الأقارب الأقرب فالأقرب نظرا لمزيد الشفقة إذ من كان أشفق كان دعاؤه أقرب للإجابة "فيقدم الأب ثم الجد" للأب "وإن علا ثم الابن ثم ابنه" وإن سفل "ثم الأخ، والأظهر تقديم الأخ للأبوين على الأخ للأب" كالإرث، والأم وإن لم يكن لها دخل هنا صالحة للترجيح لأن المدار على الأقربية الموجبة لأقربية الدعاء لا يقال: هي حاصلة مع كون الأقرب مأموما لأن الإمام ربما يعجله عما يفرغ وسعه فيه من الدعاء لقريبه بمجامع الخير ومهماته. ومن تدبر ذلك وتأمله علم أن الأقربية يزداد بها انكسار القلب المقتضي لزيادة الخشوع المقتضية للكمال وهو في الإمام آكد منه في المأموم.

 

ج /1 ص -415-      ويجري ذلك في نحو ابني عم أحدهما أخ لأم "ثم" بعدهما "ابن الأخ لأبوين ثم لأب ثم العصبة" من النسب فالولاء فالسلطان إن انتظم بيت المال "على ترتيب الإرث" في غير ابني عم، أحدهما أخ لأم كما يأتي "ثم" بعد عصبة الولاء فالسلطان بقيده "ذوو الأرحام" الأقرب فالأقرب أيضا فيقدم أبو الأم فالخال فالعم للأم نعم الأخ للأم يقدم على الخال ويتأخر عن أبي الأم ويوجه بأنه وإن كان وارثا لكنه يدلي بالأم فقط فقدم عليه من هو أقوى في الإدلاء بها وهو أبو الأم. وقدم في الذخائر على الأخ للأم بني البنات وله وجه لأن الإدلاء بالبنوة أقوى منه بالأخوة ويتبع ذلك كله وإن أوصى بخلافه لأنها حق الولي كالإرث ولا ينافيه ما مر أنها من حقوق الميت لأن الولي يخلفه فيها قهرا عليه فلم يملك إسقاطها.وما ورد مما يخالفه محمول على أن الولي أجاز الوصية كما هو الأولى جبرا لخاطر الميت ولا مدخل للزوج هنا أي حيث وجد من مر كما بحث بخلاف نحو الغسل والدفن. "ولو اجتمعا" أي اثنان "في درجة" كابنين أو أخوين أو ابني عم وليس أحدهما أخا لأم، وكل أهل للإمامة "فالأسن" في الإسلام "العدل أولى" من الأفقه ونحوه "على النص" بخلاف ما مر في بقية الصلوات لأن الغرض هنا الدعاء ودعاء الأسن أقرب للإجابة أما إذا كان أحدهما أخا لأم فيقدم وإن كان الآخر أسن، ولا يرد على المتن لأنهما لم يستويا حينئذ لما مر أن قرابة الأم مرجحة فإن استويا سنا قدم الأحق بالإمامة بفقه وغيره مما مر فإن استويا في الكل أقرع ودخل في الأهل من لا يعرف غير مصحح الصلاة فيقدم إلا مع الاستواء في الدرجة فالأوجه تقديم الفقيه على نحو الأسن غير الفقيه وللأحق الإنابة وإن غاب بخلاف المستويين لا بد في الإنابة من رضا الآخر وخرج بقولنا وكل أهل للإمامة وغير الأهل نحو الفاسق والمبتدع والذي يتجه أنه لا يقدم نائبه.وإنما قدم في إمامة الصلاة في ملك نحو امرأة نائبها لأنه ليس لمعنى في ذاتها بل خارج عنها وهو الملكية وذلك غير موجود هنا. "ويقدم الحر" البالغ العدل "البعيد على العبد القريب" ولو أفقه وأسن أو فقيها كعم حر على أخ قن لأنه أكمل فهو بالإمامة أليق ودعاؤه أقرب للإجابة أما حر صبي فيقدم عليه قن بالغ لأنه أكمل وأما عبد قريب فيقدم على الحر الأجنبي وأفاد بهذا ما في أصله بالأولى أن الحر في المستويين درجة أولى "ويقف" ندبا المصلي ولو على قبر المستقل "عند رأس الرجل" للاتباع حسنه الترمذي "وعجزها" أي المرأة للاتباع رواه الشيخان ومثلها الخنثى ومحاولة لسترها أو إظهارا للاعتناء به ولو حضر رجل وأنثى في تابوت واحد.فهل يراعى في الموقف الرجل لأنه أشرف أو هي لأنها أحق بالستر أو الأفضل لقربه للرحمة لأنه الأشرف حقيقة؟ كل محتمل ولعل الثاني أقرب أما المأموم فيقف حيث تيسر والأفضل إفراد كل جنازة بصلاة إلا مع خشية نحو تغير بالتأخير.
"ويجوز على الجنائز صلاة" واحدة برضا أوليائهم اتحدوا أم اختلفوا كما صح عن جمع من الصحابة في أم كلثوم بنت علي وولدها وقد قدم عليها إلى جهة الإمام رضي الله عنهم أن هذا هو السنة وصلى ابن عمر على تسع جنائز رجال ونساء وقدم إليه الرجال ولأن الغرض منها الدعاء والجمع فيه ممكن وإذا جمعوا وحضروا معا ويظهر أن العبرة

 

ج /1 ص -416-      في المعية وضدها بمحل الصلاة لا غير، واتحد النوع والفضل أقرع بين الأولياء إن تنازعوا فيمن يقرب للإمام وإلا قدم من قدموه ولا نظر لما قيل: الحق للميت فكيف سقط برضا غيره لأن الفرض تساويهم في الحضور فليس لأحد منهم حق معين أسقطه الولي فإن اختلف النوع قدم إليه الرجل فالصبي فالخنثى فالمرأة أو الفضل قدم الأفضل بما يظن به قربه إلى الرحمة كالورع والصلاح لا بنحو حرية لانقطاع الرق بالموت نعم بحث الأذرعي ومن تبعه تقديم الأب على الابن كما في اللحد. أما إذا تعاقبوا فيقدم الأسبق مطلقا إن اتحد النوع وإلا نحيت امرأة للكل، وخنثى لرجل وصبي، لا صبي لبالغ ولو حضر خناثى معا أو مرتبين صفوا صفا واحدا عن يمينه رأس كل منهم عند رجل الآخر لئلا يتقدم أنثى على ذكر وعند اجتماع جنائز إن رضي الأولياء بواحد وعينوه تعين وإلا قدم ولي السابقة وإن كانت أنثى ثم يقرع فإن لم يرضوا بواحد صلى كل على ميته ولو صلي على كل وحده والإمام واحد قدم من يخاف فساده ثم الأفضل بما مر إن رضوا وإلا أقرع وفارق ما مر بأن ذاك أخف من هذا.
"وتحرم" الصلاة "على" من شك في إسلامه دون من يظن إسلامه ولو بقرينة كشهادة عدل به وإن لم يثبت ومحله إن لم يشهد عدل آخر بموته على الكفر وإلا تعارضا.وبقي أصل بقائه على كفره وبهذا يجمع بين من أطلق عند شهادة واحد بإسلامه الصلاة عليه ومن أطلق عدمها، ويتردد النظر في الأرقاء الصغار المعلوم سبيهم مع الشك في إسلام سابيهم ولا قرينة ومر عن الأذرعي أنه يسن أمرهم بنحو الصلاة فهل قياسه جواز الصلاة هنا عليهم أو يفرق بأن ذاك فيه مصلحة لهم بالفهم لها بعد البلوغ ولا كذلك هنا؟ كل محتمل والثاني أقرب وعلى "الكافر" بسائر أنواعه لحرمة الدعاء له بالمغفرة قال تعالى:
{وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً} [التوبة:84] الآية ومنهم أطفال الكفار فتحرم الصلاة عليهم وإن كانوا من أهل الجنة سواء أوصفوا الإسلام أم لا لأنهم مع ذلك يعاملون في أحكام الدنيا من الإرث وغيره معاملة الكفار والصلاة من أحكام الدنيا خلافا لمن وهم فيه ويظهر حل الدعاء لهم بالمغفرة لأنه من أحكام الآخرة بخلاف صورة الصلاة.
"ولا يجب" علينا "غسله" لأنه للكرامة وليس هو من أهلها نعم يجوز لخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم أمر عليا بغسل والده وتكفينه" لكنه ضعيف.
"والأصح وجوب تكفين الذمي" وألحق به المعاهد والمستأمن "ودفنه" من ماله ثم منفقه ثم من بيت المال ثم من مياسير المسلمين وفاء بذمته كما يجب إطعامه وكسوته إذا عجز وقيد في المجموع الوجهين بما إذا لم يكن له مال وخصهما بنا فقال في وجوبهما على المسلمين إذا لم يكن له مال وجهان ثم صحح الوجوب وعلله بما ذكر الدال على أنه لا يجب على الذميين من الحيثية التي لأجلها لزمنا ذلك وهي الوفاء بذمته فلا ينافي كما هو واضح وجوبهما عليهم من حيث إنهم مكلفون بالفروع وفيما إذا كان له مال أو منفق المخاطب به الورثة أو المنفق ثم من علم بموته نظير ما مر في المسلم ولا ينافي ما صححه من الوجوب قوله في موضع آخر قد ذكرنا أن للمسلم غسله ودفنه لأن مراده مطلق الجواز الصادق بالوجوب بالنسبة للدفن لأنه الذي قدمه فيه ولا

 

ج /1 ص -417-      قوله في موضع آخر ويجوز غسله وتكفينه ودفنه لأنه مسوق فيما أجمعوا عليه بدليل تعقيبه لذلك بقوله وأما وجوب التكفين ففيه خلاف وتفصيل سبق واضحا في باب.غسل الميت وأشار بذلك لما ذكرته عنه أولا فتأمل ذلك ولا تغتر بخلافه أما الحربي فيجوز إغراء الكلاب على جيفته وكذا المرتد والزنديق. "ولو وجد عضو مسلم" أو نحوه كشعره أو ظفره ووهم من نقل عن المجموع خلافه وقضية كلامهما التوقف فيما في العدة أنه لا يصلى على الشعرة الواحدة وأخذ به غيرهما فرجح أنه لا فرق ويؤيده ما يأتي أن الصلاة في الحقيقة إنما هي على الكل وإن كان تابعا لما وجد "علم موته" وأن هذا الموجود منه انفصل منه بعد الموت أو وحركته حركة مذبوح ولم يعلم أنه غسل قبل الصلاة على الجملة ويظهر أن المراد بعلم حقيقة العلم فلا يكفي الظن ويفرق بينه وبين الإسلام بأن الأصل الحياة فلا تنتقل أحكامها عنه إلا بيقين وأيضا فالموت هو الموجب لجميع ما بعده فوجب الاحتياط له بخلاف نحو الإسلام فإنه من جملة التوابع لأحكام الموت وأيضا فالإسلام يكتفى فيه بالتعليق عليه في أصل النية بخلاف الموت "صلي عليه" وجوبا كما فعله الصحابة رضي الله عنهم لما ألقى عليهم بمكة طائر نسر يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد أيام وقعة الجمل وعرفوها بخاتمه.
"قوله مع معاوية إلخ" لعل الصواب مع عائشة فإن وقعة الجمل لم تكن مع معاوية بل كانت مع عائشة وطلحة والزبير رضي الله عنهم ا هـ مصحح.والظاهر أنهم كانوا عرفوا موته بنحو استفاضة ويجب غسل ذلك قبل الصلاة عليه وستره بخرقة ومواراته وإن كان من غير العورة لما مر أن ما زاد عليها يجب ستره لحق الميت بخلاف ما لا يصلى عليه كيد من جهل موته فإنه يسن ذلك فيها وتسن مواراة كل ما انفصل من حي ولو ما يقطع للختان وكالمسلم في ذلك مجهول الحال بدارنا لأن الغالب فيها الإسلام فإن كان بدارهم فكاللقيط فيما يأتي فيه، وتجب نية الصلاة على الجملة فلو ظفر بصاحب الجزء لم تجب إعادتها عليه إن علم أنه غسل قبل الصلاة.وبحث الزركشي تقييد نية الجملة بما إذا علم أنها قد غسلت وإلا نوى العضو وحده وفيه نظر بل الذي يتجه أنه ينوي الجملة وإن لم يعلم ذلك معلقا نيته بكونه قد غسل نظير ما مر في الغائب وفي الكافي لو نقل الرأس عن بلد الجثة صلي على كل ولا تكفي الصلاة على أحدهما ويظهر بناؤه على الضعيف أنه تجب نية الجزء فقط.
"والسقط" بتثليث أوله من السقوط "إن" علمت حياته كأن "استهل" من أهل: رفع صوته "أو بكى" بعد انفصاله كذا قيد به بعضهم وليس في محله لأن هذا مستثنى من أنه إذا انفصل بعضه لا يعطى حكم المنفصل كله وكذا حز رقبته حينئذ فيقتل حازه وفي الروضة وغيرها أخرج رأسه وصاح فحزه آخر قتل لأنا تيقنا بالصياح حياته وما عدا هذين فحكمه فيه حكم المتصل "ككبير" للخبر الصحيح على كلام فيه "إذا استهل الصبي ورث وصلي عليه" "وإلا" تعلم حياته "فإن ظهرت أمارة الحياة كاختلاج" اختياري "صلي عليه" وجوبا "في الأظهر" لاحتمال الحياة بظهور هذه القرينة عليها ويغسل ويكفن ويدفن قطعا. "وإن لم

 

ج /1 ص -418-      تظهر" أمارة الحياة "ولم يبلغ أربعة أشهر" حد نفخ الروح فيه "لم يصل عليه" أي لم تجز الصلاة عليه لأنه جماد ومن ثم لم يغسل "وكذا إن بلغها" وأكثر منها كما صرحوا به في قولهم فإن بلغ أربعة أشهر.فصاعدا، ولم تظهر أمارة الحياة فيه حرمت الصلاة عليه "في الأظهر" لمفهوم الخبر وبلوغ أوان النفخ لا يستلزم وجوده بل وجوده لا يستلزم الحياة أي الكاملة وكذا النمو لا يستلزمها بدليل ما قبل الأربعة ومن ثم قال بعضهم قد يحصل النمو للتسعة مع تخلف نفخ الروح فيه لأمر أراده الله تعالى ا هـ. ولك أن تقول سلمنا النفخ فيه هو لا يكتفى بوجوده قبل خروجه، وإذا قال جمع بأن استهلاله الصريح في نفخ الروح فيه قبل تمام انفصاله لا يعتد به فكيف به وهو كله في الجوف ومن ثم تعين أن الخلاف في وجودها قبل تمام انفصاله لا يأتي في وجودها في الجوف لو فرض العلم بها عنه فإفتاء بعضهم في مولود لتسعة لم يظهر فيه شيء من أمارات الحياة بأنه يصلى عليه إنما يأتي على الضعيف المقابل، وزعم أن النازل بعد تمام أشهره لا يسمى سقطا لا يجدي لأنه بتسليمه يتعين حمله على أنه لا يسماه لغة إذ كلامهم هنا مصرح كما علمت بأنه لا فرق في التفصيل الذي قالوه بين ذي التسعة وغيره ثم رأيت عبارة أئمة اللغة وهي السقط الذي يسقط من بطن أمه قبل تمامه وهي محتملة لأن يريدوا قبل تمام خلقه بأن يكون قبل التصوير أو قبل نفخ الروح فيه أو قبل تمام مدته. وحينئذ يحتمل أن المراد بمدته أقل مدة الحمل أو غالبها أو أكثرها وحينئذ فلا دلالة في عبارتهم هذه بوجه ثم رأيت شيخنا أفتى بما ذكرته ويغسل ويكفن ويدفن قطعا إن ظهرت خلقة آدمي والأسن ستره بخرقة ودفنه وفارقت الصلاة غيرها بأنها أضيق منه لما مر أن الذمي يغسل ويكفن ويدفن ولا يصلى عليه وأفهمت تسوية المتن بين الأربعة وما دونها أنه لا عبرة بها بل بما تقرر من ظهور خلق الآدمي وغيره ولم يبين ما به الاعتبار نظرا للغالب من ظهور الخلق عندها وعدمه قبلها.
"ولا يغسل الشهيد" فعيل بمعنى مفعول لأنه مشهود له بالجنة أو يبعث وله شاهد بقتله وهو دمه أو فاعل لأن روحه تشهد الجنة قبل غيره. "ولا يصلى عليه" أي يحرم ذلك وإن لم يؤد الغسل لإزالة دمه لأنه حي بنص القرآن وإبقاء لأثر شهادتهم وتعظيما لهم باستغنائهم عن دعاء الغير وتطهيره لتوهم النقص فيهم وبه فارقوا غسله صلى الله عليه وسلم والصلاة عليه لأن كل أحد يقطع بأنه غير محتاج لذلك وأن القصد به التشريع وزيادة الزلفى فقط فلم يحتج لإظهار استغناء ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يغسل قتلى أحد ولم يصل عليهم كما شهدت به الأحاديث التي كادت أن تتواتر وخبر أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليهم عشرة عشرة ضعيف جدا نعم صح أنه خرج بعد ثمان سنين فصلى عليهم صلاته على الميت ولا دليل فيه لأن المخالف لا يرى الصلاة على القبر بعد ثلاثة أيام فتعين أن المراد أنه دعا لهم كما يدعى للميت. "وهو من" أي مسلم ولو قنا، أنثى، غير مكلف "مات في قتال الكفار" أو كافر واحد "بسببه" أي القتال كأن أصابه سلاح مسلم قتله خطأ أو عاد عليه سهمه أو تردى بوهدة أو رفسته فرسه أو قتله مسلم استعانوا به أو انكشف عنه الحرب وشك أمات بسببها أو غيره لأن الظاهر موته بسببها وخرج بقوله "قتال" قتلهم لأسير صبرا فليس بشهيد على الأصح بخلاف

 

ج /1 ص -419-      ما لو انكسروا وأتبعناهم لاستئصالهم فعاد واحد منهم وقتل واحدا منا فإنه شهيد على الأوجه، "فإن مات بعد انقضائه" أي القتال وقد بقي فيه حياة مستقرة وإن قطع بموته من جرح به "أو" مات أحد من أهل العدل "في قتال البغاة" من مسلم "فغير شهيد في الأظهر" فيغسل ويصلى عليه أما الأول فلأنه كمقتول بسبب آخر وأما الثاني فلأنه قتيل مسلم ومن ثم لو قتله كافر استعانوا به كان شهيدا أما من حركته حركة مذبوح عند انقضاء قتال الكفار فشهيد جزما ومن هو متوقع الحياة حينئذ فغير شهيد جزما "وكذا" لا يكون شهيدا إذا مات "في القتال" مع الكفار "لا بسببه على المذهب" بأن مات فجأة أو بمرض أو قتله مسلم عمدا "ولو استشهد جنب فالأصح أنه لا يغسل" عن الجنابة فيحرم غسله لأن الشهادة تسقط غسل الموت فكذا غسل الحدث ولأن الملائكة غسلت حنظلة رضي الله عنه لاستشهاده يوم أحد جنبا لخروجه عقب سماعه الدعوة - وهو مع أهله - إليها كما صح ولو وجب غسله لم يسقط بفعل الملائكة كما مر. "و" الأصح أنه "تزال" وجوبا "نجاسة غير الدم" الذي هو من أثر الشهادة وإن أدت إزالتها لإزالته كما أفاده أصله لأنه لا فائدة لإبقائها إذ ليست أثر عبادة.
تنبيه: هل للنجاسة الحاصلة من أثر الشهادة حكم دمه أو يفرق بأن المشهود له بالفضل الدم فقط ولأن نجاسته أخف في كلامهم؟ شبه تناف في ذلك لكنه إلى الثاني أميل.
"ويكفن" ندبا "في ثيابه" التي مات فيها "الملطخة بالدم" وغيرها لكن الملطخة أولى فالتقييد لذلك وذلك للاتباع والأوجه أنه لا يجاب أحد الورثة لنزعها إن لاقت به رعاية لمصلحته نظير ما مر في الثلاث وينزع ندبا.نحو درع وفرو وثوب جلد وخف ويظهر أن محله حيث كان ملكه ورضي به وارثه الرشيد وإلا وجب نزعه "فإن لم يكن ثوبه سابغا تمم" الواجب وجوبا وغيره ندبا هذا حكم شهيد الدنيا فقط وهو من قاتل لنحو حمية أو والآخرة وهو من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا أما شهيد الآخرة فقط كغريق ومبطون وحريق وألحق به من مات بصاعقة وميت زمن طاعون وقد يؤخذ منه أن حرمة الفرار من بلد الطاعون والدخول إليه محله إن لم يعم ذلك الإقليم لكن الأوجه ما أطلقوه كما يشهد له تعليل الأول بعدم القيام بالباقين وتجهيزهم، والثاني بأنه ربما أصابه فيسنده لدخوله فإن قلت غايته أنه نوع من العدوى وهي إنما تقتضي الكراهة فقط قلت ممنوع بل هذا يصدق عليه عرفا أنه من الإلقاء باليد إلى التهلكة ومقتول ظلما وميت عشقا لمن يحل نكاحها بشرط العفة والكتم كما في الخبر ولا يبعد في عاشق غيرها اضطرارا أنه شهيد أيضا بل واختيارا أيضا إذا عف وكتم كمن ركب بحر المعصية لأن الجهة منفكة.وميتة طلقا فهو كغيره غسلا وصلاة وغيرهما.

فصل في الدفن وما يتبعه
"أقل القبر" المحصل للواجب "حفرة تمنع" بعد طمها "الرائحة" أن تظهر فتؤذي "والسبع" أن ينبشه ويأكله لأن حكمة وجوب الدفن من عدم انتهاك حرمته بانتشار ريحه

 

ج /1 ص -420-      واستقذار جيفته وأكل السبع له لا تحصل إلا بذلك وخرج بحفرة وضعه بوجه الأرض وستره بكثير نحو تراب أو حجارة فإنه لا يجزئ عند إمكان الحفر وإن منع الريح والسبع لأنه ليس بدفن وبتمنع ذينك ما يمنع أحدهما كأن اعتادت سباع ذلك المحل الحفر عن موتاه فيجب بناء القبر بحيث تمنع وصولها إليه كما هو ظاهر فإن لم يمنعها البناء كبعض النواحي وجب صندوق كما يعلم مما يأتي وكالفساقي فإنها بيوت تحت الأرض وقد قطع ابن الصلاح والسبكي وغيرهما بحرمة الدفن فيها مع ما فيها من اختلاط الرجال بالنساء وإدخال ميت على ميت قبل بلاء الأول، ومنعها للسبع واضح وعدمه للرائحة مشاهد فقول الرافعي الغرض من ذكرهما إن كانا متلازمين بيان فائدة الدفن وإلا فبيان وجوب رعايتهما فلا يكفي أحدهما يتعين حمله على أن التلازم بينهما باعتبار الغالب فبالنظر إليه الجواب ما ذكره أولا وبالنظر لعدمه الجواب ما ذكره ثانيا فجزم شارح الأول فيه تساهل "ويندب أن يوسع" بأن يزاد في طوله وعرضه "ويعمق" بالمهملة وقيل المعجمة للخبر الصحيح في قتلى أحد "احفروا وأوسعوا وأعمقوا" أن يكون التعميق "قامة" لرجل معتدل "وبسطة" بأن يقوم فيه ويبسط يده مرتفعة وصحح الرافعي أن ذلك ثلاثة أذرع ونصف والمصنف أنه أربعة ونصف ولا تعارض إذ الأول في ذراع العمل السابق بيانه أول الطهارة والثاني في ذراع اليد "واللحد" بفتح أوله وضمه وهو أن يحفر في أسفل جانب القبر والأولى كونه القبلي قدر ما يسع الميت "أفضل من الشق" بفتح أوله "إن صلبت الأرض" لخبر مسلم أن سعد بن أبي وقاص أمر أن يجعل له لحد وأن ينصب عليه اللبن كما فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم وفي خبر ضعيف "اللحد لنا والشق لغيرنا" أما في رخوة فالشق أفضل خشية الأنهيار وهو حفرة كالنهر يبنى جانباها ويوضع بينهما الميت ثم تسقف والحجر أولى ويرفع قليلا بحيث لا يمسه ويسن أن يوسع كل منهما ويتأكد ذلك عند رأسه ورجليه للخبر الصحيح به "ويوضع" ندبا "رأسه" أي الميت في النعش "عند رجل القبر" أي مؤخره الذي سيكون عند سفله رجل الميت "ويسل من قبل رأسه.برفق" لما صح عن صحابي أنه من السنة وهو في حكم المرفوع "ويدخله" ولو أنثى ندبا "القبر الرجال" لأنه صلى الله عليه وسلم "أمر أبا طلحة أن ينزل في قبر بنته أم كلثوم لا رقية" وإن وقع في المجموع وغيره لأنه صلى الله عليه وسلم عند موتها كان ببدر ولأنهم أقوى نعم يتولين حملها من المغتسل إلى النعش وتسليمها لمن بالقبر وحل شدادها فيه "وأولاهم" بالدفن "الأحق بالصلاة" عليه وقد مر لكن من حيث الدرجة والقرب دون الصفات إذ الأفقه هنا مقدم على الأسن الأقرب عكس الصلاة كما مر في الغسل ولا خلاف أن الوالي لا حق له هنا قاله ابن الرفعة ونازعه الأذرعي بأن القياس أنه أحق فله التقديم أو التقدم "قلت إلا أن تكون امرأة مزوجة فأولاهم الزوج" وإن لم يكن له حق في الصلاة "والله أعلم" لأنه ينظر ما لا ينظرون وقد يشكل عليه تقديمه صلى الله عليه وسلم أبا طلحة وهو أجنبي مفضول على عثمان مع أنه الزوج الأفضل والعذر الذي أشير إليه في الخبر على رأي وهو أنه كان وطئ سرية له تلك الليلة دون أبي طلحة ظاهر كلام أئمتنا أنهم لا يعتبرونه لكن يسهل ذلك أنها واقعة حال ويحتمل أن عثمان لفرط الحزن والأسف لم

 

ج /1 ص -421-      يثق من نفسه.بإحكام الدفن فأذن أو أنه صلى الله عليه وسلم رأى عليه آثار العجز عن ذلك فقدم أبا طلحة من غير إذنه وخصه لكونه لم يقارف تلك الليلة نعم يؤخذ من الخبر أن الأجانب المستوين في الصفات يقدم منهم من بعد عهده بالجماع لأنه أبعد عن مذكر يحصل له لو ماس المرأة وبعده المحارم الأقرب فالأقرب كالصلاة وظاهر كلامه تقديم الزوج على المحرم الأفقه بل الفقيه وهو محتمل لكن محله في الثانية إن عرف ما قدم به فقنها فمسموح فمجبوب فخصي أجنبي لضعف شهوتهم ولتفاوتهم فيها رتبوا كذلك فعصبة غير محرم كابن عم ومعتق وعصبة بترتيبهم في الصلاة فذو رحم كذلك فصالح أجنبي فإن استوى اثنان قربا وفضيلة أقرع وفارق ما ذكر في قنها ما مر أن الأمة لا تغسل سيدها لانقطاع الملك بأن الملحظ مختلف إذ الرجال ثم يتأخرون عن النساء وهنا يتقدمون ولو أجانب عليهن وقنها أولى من الأجانب كابن العم لأن لنا خلافا أنه يغسلها ونحو ابن العم لا يغسلها قطعا وهذا الترتيب مستحب كما مر مع الفرق بينه وبين الغسل "ويكونون" أي الدافنون "وترا ندبا واحد فثلاثة وهكذا".بحسب الحاجة لما صح "أن دافنيه صلى الله عليه وسلم علي والعباس والفضل رضي الله عنهم" ورواية أنهم كانوا خمسة بزيادة شقران مولاه صلى الله عليه وسلم وقثم بن العباس رضي الله عنهم يحتمل أنه عد فيها من ساعدهم في نقل أو مناولة شيء احتاجوا إليه على أن بعض الحفاظ صححها واقتضى كلامه أنها الأفضل "ويوضع في اللحد" أو الشق "على يمينه" ندبا كالاضطجاع عند النوم ويكره على يساره "للقبلة" وجوبا لنقل الخلف له عن السلف ومر في المصلي المضطجع أنه يستقبل وجوبا بمقدم بدنه ووجهه فليأت ذلك هنا إذ لا فارق بينهما فإن دفن مستدبرا أو مستلقيا وإن كانت رجلاه إليها على الأوجه حرم ونبش ما لم يتغير كما يأتي "ويسند" ندبا في هذا والأفعال المعطوفة عليه "وجهه" ورجلاه "إلى جداره" أي القبر ويتجافى بباقيه حتى يكون قريبا من هيئة الراكع لئلا ينكب "و" يسند "ظهره بلبنة" طاهرة "ونحوها" لتمنعه من الاستلقاء على قفاه ويجعل تحت رأسه نحو لبنة ويفضي بخده الأيمن بعد تنحية الكفن عنه إليه أو إلى التراب ليكون بهيئة من هو في غاية الذل والافتقار وصح أنه صلى الله عليه وسلم كان عند النوم يضع خده الأيمن على يده اليمنى" فيحتمل دخولها في نحو اللبنة ويحتمل عدمه لأن الذل فيما هو من جنس اللبنة أظهر ولو مات صغير أسلم دفن بمقابر الكفار لإجراء أحكامهم الدنيوية عليه ومن ثم لم يصل عليه كما مر أو كافرة ببطنها جنين نفخت فيه الروح ميت مسلم دفنت بين مقابرنا ومقابرهم وجعل ظهرها للقبلة ليتوجه لأن وجهه إلى ظهرها "ويسد فتح" بفتح فسكون "اللحد بلبن" بأن يبنى به ثم يسد ما بينه من الفرج بنحو كسر لبن اتباعا لما فعل به صلى الله عليه وسلم ولأنه أبلغ في صيانة الميت عن النبش ومنع التراب والهوام وكاللبن في ذلك غيره وآثره.لأنه المأثور كما تقرر وظاهر صنيع المتن أن أصل سد اللحد مندوب كسابقه ولاحقه فتجوز إهالة التراب عليه من غير سد وبه صرح غير واحد لكن بحث غير واحد وجوب السد كما عليه الإجماع الفعلي من زمنه صلى الله عليه وسلم إلى الآن فتحرم تلك الإهالة لما فيها من الإزراء وهتك الحرمة وإذا حرموا ما دون ذلك ككبه على وجهه وحمله على هيئة مزرية فهذا أولى ا هـ ويجري ما ذكر

 

ج /1 ص -422-      في تسقيف الشق وفي الجواهر لو انهدم القبر تخير الولي بين تركه وإصلاحه ونقله منه إلى غيره ا هـ ووجهه أنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في غيره وألحق بأنهدامه انهيار ترابه عقب دفنه وواضح أن الكلام حيث لم يخش عليه سبع أو يظهر منه ريح وإلا وجب إصلاحه قطعا "ويحثو من دنا" إلى القبر بأن كان على شفيره كما نص عليه ووقع في الكفاية أنه يسن لكل من حضر وقد يجمع بحمل الأول على التأكد "ثلاث حثيات تراب" بيديه جميعا من قبل رأس الميت للاتباع وسنده جيد ويقول في الأولى {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} وفي الثانية {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} وفي الثالثة {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:55].
تنبيه: بين بالجمع بين يحثو وحثيات المناسب ليحثي لا ليحثو أنه سمع حثا يحثو حثوا وحثوات وحثى يحثي حثيا وحثيات والثاني أفصح.
"ثم" بعد حثي الحاضرين كذلك ويظهر ندب الفورية كما يفهمه التعليل الآتي خلاف ما تقتضيه ثم "يهال" أي يردم والأولى كونه "بالمساحي" مثلا لأنه أسرع لتكميل الدفن إذ هي جمع مسحاة بالكسر ولا تكون إلا من جديد بخلاف المجرفة ولا يزاد على ترابه أي إن كفاه لئلا يعظم شخصه "ويرفع" القبر إن لم يخش نبشه من نحو كافر أو مبتدع أو سارق "شبرا فقط" تقريبا ليعرف فيزار ويحترم وصح "أن قبره صلى الله عليه وسلم رفع نحو شبر" فإن احتيج في رفعه شبرا لتراب آخر زيد عليه كما بحث "والصحيح أن تسطيحه أولى من تسنيمه" لما صح "عن القاسم بن محمد أن عمته عائشة رضي الله عنهم كشفت له عن قبره صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه فإذا هي مسطحة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء" ورواية البخاري أنه مسنم حملها البيهقي على أن تسنيمه حادث لما سقط جداره وأصلح زمن الوليد وقيل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وكون التسطيح صار شعار الروافض لا يؤثر لأن السنة لا تترك لفعل أهل البدعة لها "ولا يدفن اثنان في قبر" أي لحد أو شق واحد من غير حاجز بناء بينهما أي يندب أن لا يجمع بينهما فيه فيكره إن اتحدا نوعا أو اختلفا ولو احتمالا كخنثيين إذا كان بينهما محرمية أو زوجية أو سيدية وإلا حرم فالنفي في كلامه للكراهة تارة والحرمة أخرى وما في المجموع من حرمته بين الأم وولدها ضعيف ويحرم أيضا إدخال ميت على آخر وإن اتحدا قبل بلى جميعه أي إلا عجب الذنب فإنه لا يبلى كما مر على أنه لا يحس فلذا لم يستثنوه ويرجع فيه لأهل الخبرة بالأرض ولو وجد عظمة قبل كمال الحفر طمه وجوبا ما لم يحتج إليه أو بعده نحاه ودفن الآخر فإن ضاق بأن لم يمكن دفنه إلا عليه فظاهر قولهم نحاه حرمة الدفن هنا حيث لا حاجة.وليس ببعيد لأن الإيذاء هنا أشد "إلا لضرورة" بأن كثر الموتى وعسر إفراد كل ميت بقبر أو لم يوجد إلا كفن واحد فلا كراهة ولا حرمة حينئذ في دفن اثنين فأكثر مطلقا في قبر واحد لأنه صلى الله عليه وسلم "كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب" ويقدم أقرؤهما للقبلة ويجعل بينهما حاجز تراب وهذا الحجز مندوب وإن اختلف الجنس على الأوجه كتقديم الأفضل المذكور في قوله "فيقدم" في دفنهما إلى القبلة "أفضلهما" بما يقدم به في الإمامة عند اتحاد النوع وإلا فيقدم رجل ولو مفضولا فصبي فخنثى فامرأة نعم يقدم أصل على فرعه من جنسه ولو أفضل لحرمة الأبوة أو

 

ج /1 ص -423-      الأمومة بخلافه من غير جنسه فيقدم ابن على أمه لفضيلة الذكورة وعلم مما مر أنه لو استوى اثنان أقرع وأنهم لو ترتبوا لم ينح الأسبق المفضول إلا ما استثني "ولا يجلس على القبر" الذي لمسلم ولو مهدرا فيما يظهر ولا يستند إليه ولا يتكأ عليه وظاهر أن المراد به محاذي الميت لا ما اعتيد التحويط عليه فإنه قد يكون غير محاذ له لا سيما في اللحد ويحتمل إلحاق ما قرب منه جدا به لأنه يطلق عليه عرفا أنه محاذ له "ولا يوطأ" احتراما له إلا الضرورة كأن لم يصل لقبر ميته وكذا ما يريد زيارته ولو غير قريب فيما يظهر أو لا يتمكن من الحفر إلا به والنهي في هذه كلها للكراهة وقال كثيرون للحرمة واختير لخبر مسلم المصرح بالوعيد عليه لكن أولوه بأن المراد القعود عليه لقضاء الحاجة "ويقرب" ندبا "زائره" من قبره "كقربه منه" إذا زاره "حيا" احتراما له والتزام القبر أو ما عليه من نحو تابوت ولو قبره صلى الله عليه وسلم بنحو يده وتقبيله بدعة مكروهة قبيحة "والتعزية" بالميت وألحق به.مصيبة نحو المال لشمول الخبر الآتي لها أيضا "سنة" لكل من يأسف عليه كقريب وزوج وصهر وصديق وسيد ومولى ولو صغيرا. نعم الشابة لا يعزيها إلا نحو محرم أي يكره ذلك كابتدائها بالسلام ويحتمل الحرمة وكلامهم إليها أقرب لأن في التعزية من الوصلة وخشية الفتنة ما ليس في مجرد السلام أما تعزيتها له فلا شك في حرمتها عليها كسلامها عليه وذلك لخبر ضعيف "من عزى مصابا فله مثل أجره" وفي خبر لابن ماجه "أنه يكسى حلل الكرامة يوم القيامة" وبحث بعضهم أنه لا يسن لأهل الميت تعزية بعضهم لبعض وفيه نظر ظاهر لمخالفته للمعنى وظاهر كلامهم والأفضل كونها "قبل دفنه" إن رأى منهم شدة جزع ليصبرهم وإلا فبعده لاشتغالهم بتجهيزه "و" تمتد "بعده ثلاثة أيام" تقريبا لسكون الحزن بعدها غالبا ومن ثم كرهت حينئذ لأنها تجدده وابتداؤها من الدفن كما في المجموع واعترضه جمع بأن المنقول له من الموت هذا إن حضر المعزي والمعزى وعلم وإلا فمن القدوم أو بلوغ الخبر وكغائب نحو مريض أو محبوس ويكره الجلوس لها وهي الأمر بالصبر والحمل عليه بوعد الأجر والتحذير من الوزر بالجزع والدعاء للميت المسلم بالمغفرة وللمصاب بجبر المصيبة "و" حينئذ "يعزى المسلم بالمسلم" أي يقال في تعزيته "أعظم الله أجرك" أي جعله عظيما بزيادة الثواب والدرجات فاندفع ما جاء عن جمع من كراهته لأنه دعاء بتكثير المصائب ووجه اندفاعه أن إعظام الأجر غير منحصر في تكثير المصائب كما تقرر قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً} [الطلاق:5] على أن هذا هنا رواه الطبراني عنه صلى الله عليه وسلم لما عزى معاذا بابن له.
تنبيه: وقع للعز بن عبد السلام أن المصائب نفسها لا ثواب فيها لأنها ليست من الكسب بل في الصبر عليها فإن لم يصبر كفرت الذنب إذ لا يشترط في المكفر أن يكون كسبا بل قد يكون غير كسب كالبلاء فالجزع لا يمنع التكفير بل هو معصية أخرى ورد بنقل الإسنوي كالروياني عن الأم في باب طلاق السكران ما يصرح بأن نفس المصيبة يثاب عليها لتصريحه بأن كلا من المجنون والمريض المغلوب على عقله مأجور مثاب مكفر عنه بالمرض فحكم بالأجر مع انتفاء العقل المستلزم لانتفاء الصبر ويؤيده خلافا لمن زعم أن

 

ج /1 ص -424-      ظاهر النصوص مع ابن عبد السلام خبر الصحيحين "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه" مع الحديث الصحيح "إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمله صحيحا مقيما" ففيه أنه يحصل له ثواب مماثل لفعله الذي صدر منه قبل بسبب المرض فضلا من الله تعالى. وحينئذ أفاد مجموع الحديثين أن في المصيبة المرض وغيره جزاءين أي أحدهما لنفسها والآخر للصبر عليها وحينئذ اندفع ما مر أنه لا ثواب إلا مع الكسب وحمل النص على مريض صبر عند ابتداء مرضه ثم استمر صبره إلى زوال عقله يرده أنه سوى بين المريض والمجنون في الثواب ومثل ذلك لا يتصور في المجنون فالحمل المذكور غلط منشؤه الغفلة عما ذكره في المجنون ثم رأيت بعضهم قال عقب هذا الحمل وفيه نظر وكأنه لمح ما ذكرته والحاصل أن من أصيب وصبر حصل له ثوابان غير التكفير لنفس المصيبة وللصبر عليها ومنه كتابة مثل ما كان يعمله من الخير وغير ذلك مما ورد في السنة وبينته في كتابي في العيادة وأن من انتفى صبره فإن كان لعذر كجنون فهو كذلك.أو لنحو جزع لم يحصل له من ذينك الثوابين شيء فإن قلت المقرر في المذهب وإن اختير خلافه أن من تخلف عن الجماعة لعذر كمرض لا يحصل له ثوابها قلت يتعين حمله على أنه لا يحصل له ثواب الفعل بكماله ضرورة التفاوت بين الفاعل حقيقة وغيره فهو على حد قراءة الإخلاص تعدل ثلث القرآن وما في معناه ولا شاهد لابن عبد السلام في {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39] لأنه عام مخصوص بالإجماع على أن الميت يصل إليه دعاء الغير وصدقته فيثاب عليهما وبغيره كالحديث المذكور.
"وأحسن عزاءك" بالمد أي جعل سلوك وصبرك حسنا "وغفر لميتك" وقدم المعزى لأنه المخاطب وقيل يقدم الميت لأنه أحوج "و" يعزى المسلم "بالكافر" أي يقال له "أعظم الله أجرك" ويضم إليه إما "وصبرك" وأما وجبر مصيبتك أو نحوه وأما وأخلف عليك فيمن يخلف أو وخلف عليك في نحو أب أي كان خليفة عليك ولا يدعو للميت بنحو مغفرة لحرمته "و" يعزى "الكافر" إن احترم لا كحربي فتحرم تعزيته على ما قاله الإسنوي والذي يتجه الكراهة نعم إن كان فيها توقيره حرمت حتى لذمي وقد تسن تعزيته إن رجي إسلامه "بالمسلم غفر الله لميتك وأحسن عزاءك" وتباح تعزية كافر محترم لمثله بل قال الإسنوي يتجه ندبها لمن تسن عيادته فيقال له أخلف أو خلف الله عليك ولا نقص عددك أي لتكثر الجزية بهم للمسلمين في الدنيا والفداء لهم بهم في الآخرة فليس فيه دعاء بدوام كفر بل قال شارح لا يحتاج لهذا التأويل أصلا أي لأنه لا يلزم من كثرة العدد كونه بوصف الكفر.وظاهر أنه لا تسن تعزية مسلم بمرتد أو حربي بخلاف نحو محارب وزان محصن وتارك صلاة وإن قتل حدا "ويجوز البكاء" هو بالقصر الدمع وبالمد رفع الصوت "عليه" أي الميت "قبل الموت" إجماعا "وبعده" لما صح أنه صلى الله عليه وسلم دمعت عيناه وهو جالس على قبر بنته وزار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله" نعم هو اختيار لخلاف الأولى بل مكروه كما في الأذكار عن الشافعي والأصحاب للخبر الصحيح
"فإذا وجبت فلا تبكين باكية" قالوا وما

 

ج /1 ص -425-      الوجوب يا رسول الله قال: "الموت" وحكمته أنه أسف على ما فات وقضية كلام الروضة وندبه قبل الموت وبه صرح القاضي قال إظهارا لكراهة فراقه وعدم الرغبة في ماله وقضيته اختصاصه بالوارث قال شارح والأولى أن لا يكون بحضرة المحتضر "ويحرم الندب بتعديد" الباء زائدة إذ حقيقة الندب تعداد "شمائله" نحو واكهفاه واجبلاه لما في الخبر الحسن أن من يقال فيه ذلك يوكل به ملكان يلهزانه ويقولان له أهكذا كنت واللهز الدفع في الصدر باليد مقبوضة واشترط في المجموع للتحريم اقتران التعداد بالبكاء وغيره اقترانه بنحو واكذا وإلا دخل المادح والمؤرخ ومع ذلك المحرم الندب لا البكاء لأن اقتران المحرم بجائز لا يصيره حراما خلافا لجمع ومن ثم رد أبو زرعة قول من قال يحرم البكاء عند ندب أو نياحة أو شق جيب أو نشر شعر أو ضرب خد بأن البكاء جائز مطلقا.وهذه الأمور محرمة مطلقا وسيأتي في الشهادات في اجتماع آلة محرمة وآلة مباحة ما يؤيد ذلك "و" يحرم "النوح" ولو من غير بكاء وهو رفع الصوت بالندب لما صح في النائحة من التغليظات الشديدة ومن ثم كان كبيرة كالذي بعده "و" يحرم "الجزع بضرب صدره ونحوه" كشق ثوب ونشر أو قطع شعر وتغيير لباس أو زي أو ترك لبس معتاد كما قاله ابن دقيق العيد وغيره ولا تغتر بجهلة المتفقهة الذين يفعلونه قال الإمام ويحرم الإفراط في رفع الصوت بالبكاء ونقله في الأذكار عن الأصحاب.
فرع: لا يعذب ميت بشيء من ذلك وما ورد من تعذيبه به محمول عند الجمهور على من أوصى به وقيل يعذب ما لم ينه عنه لأن سكوته يشعر برضاه فيتأكد نهي الأهل عن ذلك خروجا من هذا الخلاف فإن في أحاديث صحيحة ما يشهد له بل للإطلاق.
"قلت هذه مسائل منثورة" أي مبددة بعضها من الفصل الأول وبعضها من الفصل الثاني وهكذا "يبادر" بفتح الدال ندبا "بقضاء دين الميت" عقب موته إن أمكن مسارعة لفك نفسه عن حبسها بدينها عن مقامها الكريم كما صح عنه صلى الله عليه وسلم وإن قال جمع محله.فيمن لم يخلف وفاء أو فيمن عصى بالاستدانة فإن لم يكن بالتركة جنس الدين أي أو كان ولم يسهل القضاء منه فورا فيما يظهر سأل ندبا الولي غرماءه أن يحتالوا به عليه وحينئذ فتبرأ ذمته بمجرد رضاهم بمصيره في ذمة الولي وإن لم يحللوه كما يصرح به كلام الشافعي والأصحاب بل صرح به كثير منهم وذلك للحاجة والمصلحة وإن كان ذلك ليس على قاعدة الحوالة ولا الضمان قاله في المجموع قال الزركشي وغيره أخذا من الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم امتنع من الصلاة على مدين حتى قال أبو قتادة علي دينه وفي رواية صحيحة "أنه لما ضمن الدينارين اللذين عليه جعل صلى الله عليه وسلم يقول:
"هما عليك والميت منهما بريء" قال نعم فصلى عليه أن الأجنبي كالولي في ذلك وأنه لا فرق في ذلك بين أن يخلف الميت تركة وأن لا وينبغي لمن فعل ذلك أن يسأل الدائن تحليل الميت تحليلا صحيحا ليبرأ بيقين وليخرج من خلاف من زعم أن المشهور أن ذلك التحمل والضمان لا يصح قال جمع وصورة ما قاله الشافعي والأصحاب من الحوالة أن يقول للدائن أسقط حقك عنه أو أبرئه وعلي عوضه فإذا فعل ذلك برئ الميت ولزم الملتزم ما التزمه

 

ج /1 ص -426-      لأنه استدعاء مال لغرض صحيح ا هـ وقولهم أن يقول إلى آخره مجرد تصوير لما مر عن المجموع أن مجرد تراضيهما بمصير الدين في ذمة الولي يبرئ الميت فيلزمه وفاؤه من ماله وإن تلفت التركة وبحث بعضهم أن تعلقه بها لا ينقطع بمجرد ذلك بل يدوم رهنها بالدين إلى الوفاء لأن في ذلك مصلحة للميت أيضا ونوزع فيه ويجاب بأن احتمال أن لا يؤدي الولي يساعده ولا ينافيه ما مر من البراءة بمجرد التحمل لأن ذلك قطعيا بل ظنيا فاقتضت مصلحة الميت والاحتياط له بقاء الحجر في التركة حتى يؤدي ذلك الدين "و" تنفيذ "وصيته" استجلابا للبر والدعاء له وبحث الأذرعي وجوب المبادرة عند التمكن وطلب المستحق ونحو ذلك وكذا في وصية نحو الفقراء أو إذا أوصى بتعجيلها "ويكره تمني الموت لضر نزل به" أي ببدنه. أو ماله للنهي الصحيح عنه "لا لفتنة دين" أي خوفها فلا يكره بل يسن كما أفتى به المصنف اتباعا لكثير وبحث الأذرعي ندب تمنيه بالشهادة في سبيل الله كما صح عن عمر وغيره وفي المجموع يسن تمنيه ببلد شريف أي مكة أو المدينة أو بيت المقدس وينبغي أن يلحق بها محال الصالحين وبحث أن الدفن بالمدينة أفضل منه بمكة لعظم ما جاء فيه بها وكلام الأئمة يرده.
تنبيه: تنافى مفهوما كلامه في مجرد تمنيه والذي يتجه أنه لا كراهة لأن علتها أنه مع الضر يشعر بالتبرم بالقضاء بخلافه مع عدمه بل هو حينئذ دليل على الرضا لأن من شأن النفوس النفرة عن الموت فتمنيه لا لضر دليل على محبة الآخرة بل حديث
"من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه" يدل على ندب تمنيه محبة للقاء الله كهو ببلد شريف بل أولى.
"ويسن التداوي" للخبر الصحيح
"تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء غير الهرم" وفي رواية صحيحة "ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء" فإن تركه توكلا فهو فضيلة قاله المصنف واستحسن الأذرعي تفضيل غيره بين أن يقوي توكله فتركه أولى وإن لا ففعله أولى ثم اعترضه بأنه صلى الله عليه وسلم سيد المتوكلين وقد فعله ويجاب بأنه تشريع منه صلى الله عليه وسلم ثم رأيت بعضهم أجاب به ونقل عياض الإجماع على عدم وجوبه واعترض بأن لنا وجها بوجوبه إذا كان به جرح يخاف منه التلف.وفارق وجوب نحو إساغة ما غص به بخمر وربط محل الفصد لتيقن نفعه "ويكره إكراهه" أي المريض "عليه" أي التداوي وتناول الدواء لأنه يشوش عليه قال شارح وكذا على تناول طعام للنهي الصحيح "لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب فإن الله يطعمهم ويسقيهم" واعتمد في ذلك على تحسين الترمذي له وليس كما قال فقد ضعفه البيهقي وغيره كما في المجموع "ويجوز لأهل الميت ونحوهم" كأصدقائه "تقبيل وجهه" لما صح أنه صلى الله عليه وسلم قبل وجه عثمان بن مظعون رضي الله عنه بعد موته" ومن ثم قال في البحر إنه سنة وقيده السبكي بنحو أهله والأوجه حمله على صالح فيسن لكل أحد تقبيله تبركا به وعلى ما في المتن فالتقبيل لغير من ذكر خلاف الأولى حملا للجواز فيه على مستوى الطرفين كما هو ظاهر "ولا بأس بالإعلام بموته" بل يندب كما في المجموع بالنداء ونحوه "للصلاة" عليه "وغيرها" كالدعاء والترحم لأنه صلى الله عليه وسلم "نعى النجاشي يوم موته" "بخلاف نعي الجاهلية" وهو النداء بذكر مفاخره فيكره للنهي الصحيح عنه ويكره

 

ج /1 ص -427-      ترثيته بذكر محاسنه في نظم أو نثر للنهي عنها ومحلها حيث لم يوجد معها الندب السابق وإلا حرمت وحيث حملت على تجديد حزن أو أشعرت بتبرم أو فعلت في مجامع قصدت لها وإلا بأن كانت بحق في نحو عالم وخلت عن ذلك كله فهي بالطاعات أشبه "ولا ينظر الغاسل" ولا يمس من غير خرقة شيئا "من بدنه" فيكره ذلك كما في الروضة وغيرها لأنه قد يكون به ما يكره اطلاع أحد عليه وربما رأى ما يسيء ظنه به وصحح في المجموع أنه خلاف الأولى ويؤيد الأول الخلاف في حرمته "إلا بقدر الحاجة" كمعرفة المغسول من غيره فلا كراهة ولا خلاف الأولى لعذره.ومحل جواز ذلك إن مس أو نظر "من غير العورة" وإلا حرم اتفاقا إلا نظر أحد الزوجين أو السيد بلا شهوة وإلا الصغير لما يأتي في النكاح ونظر المعين لغيرها مكروه إلا لضرورة ويسن تغطية وجهه من أول غسله إلى آخره ويحرم كبه عليه كما مر
"ومن تعذر غسله" لفقد ماء أو لنحو حرق أو لدغ ولو غسل تهرى أو خيف على الغاسل ولم يمكنه التحفظ "يمم" وجوبا كالحي وليحافظ على جثته لتدفن بحالها وليس من ذلك خشية تسار الفساد إليه لقروح فيه لأنه صائر للبلى ومر حكم ما لو وجد الماء بعد تيممه.
"ويغسل الجنب والحائض" ومثلهما النفساء "الميت بلا كراهة" لأنهما طاهران وفيه تضعيف لما قاله المحاملي من حرمة حضورهما عند المحتضر ووجه بمنعهما لملائكة الرحمة لما في الخبر الصحيح
"أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه جنب" إذ لو نظر لذلك لحرم تغسيلهما له أيضا ولا قائل به وتوهم فرق بين المحتضر والميت لا يجدي لاحتياج كل إلى حضور ملائكة الرحمة "وإذا ماتا غسلا غسلا فقط" للموت لانقطاع ما عليهما به "وليكن الغاسل أمينا" وكذا معينه ندبا فيهما لأن غيره لا يوثق به في الإتيان بما طلب منه نعم يجزئ غسل فاسق كالكافر وأولى ومع ذلك يحرم على الإمام تفويض غسل موتى المسلمين إليه نظير ما مر في أذانه وكذا لمن لم يعلم ما لا بد منه فيه ويعلم مما مر في الاجتهاد أنه يكفي قول الفاسق والكافر غسلته لا غسل "فإن رأى" الغاسل أو معينه "خيرا" كطيب ريح واستنارة وجه "ذكره" ندبا لأنه أدعى لكثرة المصلين عليه والداعين له "أو" رأى "غيره" كسواد وجه "حرم ذكره" لأنه غيبة وقد صح الأمر بالكف عن ذكر مساوئ الموتى "إلا لمصلحة" فيهما فيسر الخير.في نحو متجاهر بفسق أو بدعة لئلا يغتر به ويظهر الشر فيه لينزجر عن طريقته غيره بل بحث وجوب الكتم في الأول وهو متجه إن ترتب عليه ضرر "ولو تنازع أخوان" أو غيرهما من كل اثنين استويا قربا أو نحوه ولا مرجح "أو زوجتان" ولا مرجح أيضا "أقرع" بينهما في الغسل والصلاة والدفن قطعا للنزاع وقضيته وجوب الإقراع على نحو قاض رفع إليه ذلك وهو متجه "والكافر أحق بقريبه الكافر" في تجهيزه لأنه وليه "ويكره" على المذهب نقلا لا وصية كما مر آخر اللباس "الكفن المعصفر" للرجل وغيره ويكره المزعفر للمرأة ويحرم المزعفر كله وكذا أكثره لمن يحرم عليه الحرير قياسا عليه واعتمد ابن الرفعة وغيره قول القاضي أبي الطيب لا تكره الحبرة وهي بكسر ففتح نوع مخطط من ثياب القطن ومحله إن لم يكن يقصد للزينة أخذا من قول

 

ج /1 ص -428-      شرح مسلم واعتمده الأذرعي يكره المصبوغ ونحوه من ثياب الزينة ا هـ وظاهره أو صريحه أنه لا فرق بين المصبوغ قبل النسج وبعده وهو ظاهر وقول القاضي يحرم الثاني ضعيف وإن صوبه الزركشي وقد قال القاضي وغيره يحرم على الحي لبس الثاني إن صبغ للزينة وهو ضعيف أيضا كما بينته بما فيه في شرح العباب "و" يكره حيث لا دين عليه مستغرق ولا في ورثته غائب أو محجور وإلا حرمت "المغالاة فيه" بارتفاع ثمنه عما يليق به للنهي الصحيح عنه رواه أبو داود أما تحسينه ببياضه ونظافته وسبوغه وكثافته فسنة لخبر مسلم "إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه" وروى ابن عدي خبر "حسنوا أكفان موتاكم فإنهم يتزاورون في قبورهم" وقيل المراد بتحسينها كونها من حل "والمغسول" اللبيس "أولى من الجديد" لأنه للصديد والحي أحق بالجديد كما قاله الصديق كرم الله وجهه واعترض بأن المذهب نقلا ودليلا أولوية الجديد ومن ثم كفن فيه صلى الله عليه وسلم. والظاهر أنه باتفاقهم وظاهر كلامهم إجزاء اللبيس وإن لم تبق فيه قوة أصلا ومر ما فيه "والصبي كبالغ في تكفينه بأثواب" والصبية كبالغة في ذلك أيضا وقد مرا وأشار بأثواب إلى أنه مثله عددا لا صفة لحل الحرير للصبي دون البالغ "والحنوط" أي ذره السابق "مستحب" فلا يتقيد بقدر ولا يفعل إلا برضا الغرماء لكن في المجموع عن الأم أنه من رأس التركة ثم مال من عليه مؤنته وأنه ليس لغريم ولا وارث منعه وجزم به في الأنوار وظاهر ذلك أنه مفرع حتى على الندب ويوجه بتقدير تسليمه بأنه يتسامح به غالبا مع مزيد المصلحة فيه للميت ولا ينافيه قول الأم بعد ذلك بسطرين ولو لم يكن حنوط ولا كافور في شيء من ذلك رجوت أن يجزئ لأن هذا في الإجزاء المنافي للوجوب والأول في أنه مع ندبه لا يفتقر لرضا وارث ولا غريم ولا يجزئ خلاف الحنوط في الكافور عند جمع ولا في العنبر والمسك عند الكل وأفتى ابن الصلاح بأن ناظر بيت المال ووقف الأكفان لا يعطى قطنا ولا حنوطا أي إلا إن اطرد ذلك في زمن الواقف وعلم به لأنه حينئذ كشرطه كما يأتي "وقيل واجب" فيكون من رأس المال ثم على من عليه مؤنته ويتقيد بما يليق به عرفا للإجماع الفعلي عليه ويرد بأن هذا لا يستلزم الوجوب ولا يلزم من وجوب الكسوة وجوب الطيب كما في المفلس.
"ولا يحمل الجنازة إلا الرجال وإن كانت" خنثى أو "أنثى" لضعف النساء عنه فيكره لهن كالخناثى ويحمل على سرير أو لوح أو محمل وأي شيء حمل عليه أجزأ قاله في المجموع "ويحرم حملها على هيئة مزرية" كحملها في نحو قفة أو غرارة وكحمل كبير على نحو يد أو كتف "وهيئة يخاف منها سقوطها" لأنه تعريض لإهانته ما لم يخش تغيره قبل تهيئة ذلك فلا بأس بحمله على الأيدي والرقاب كذا قالوه ويتجه أن محله ما لم يغلب على الظن تغيره قبل ذلك وإلا وجب حمله كذلك ولا بأس في الطفل بحمله على الأيدي مطلقا "ويندب للمرأة ما يسترها كتابوت" يعني قبة مغطاة لإيصاء أم المؤمنين زينب رضي الله عنها به وكانت قد رأته بالحبشة لما هاجرت قال في المجموع قيل هي أول من حملت كذلك وروى البيهقي أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصت أن يتخذ لها ذلك ففعلوه فإن

 

ج /1 ص -429-      صح هذا فهو قبل زينب بسنين كثيرة وزعم أن ذلك أول ما اتخذ في جنازة زينب بنته صلى الله عليه وسلم بأمره باطل ا هـ ملخصا وبفرض صحة ذلك قد يقال هو لا ينافي ما قيل إن أول من فعل به ذلك زينب لأن المراد أول من فعل به ذلك الذي رأته بالحبشة وفاطمة الظاهر أنها إنما علمت ذلك من زينب فاستحسنته وأمرت به "ولا يكره الركوب في الرجوع منها" أي الجنازة "لفعله صلى الله عليه وسلم له" رواه مسلم بخلافه في الذهاب لغير عذر كما مر "ولا بأس باتباع" بالتشديد "المسلم جنازة قريبه الكافر" فلا كراهة فيه خلافا للروياني لخبر أبي داود وغيره بسند حسن ووقع في المجموع بإسناد ضعيف أنه صلى الله عليه وسلم أمر عليا كرم الله وجهه أن يواري أبا طالب قال الإسنوي ولا دليل فيه لأنه كان يلزمه تجهيزه كمؤنته في حياته ويرد بأنه كان له أولاد غيره وبفرضه فلا يلزمه تولي ذلك بنفسه فكان الدليل في توليه له بنفسه ويجوز له زيارة قبره أيضا وكالقريب زوج ومالك قال شارح وجار واعترض بأن الأوجه تقييده برجاء إسلام أي لنحو قريبه أو خشية فتنة وأفهم المتن حرمة اتباع المسلم جنازة كافر غير نحو قريب وبه صرح الشاشي.
"ويكره اللغط" وهو رفع الصوت ولو بالذكر والقراءة "في" المشي مع "الجنازة" لأن الصحابة رضي الله عنهم كرهوه حينئذ رواه البيهقي وكره الحسن وغيره استغفروا لأخيكم ومن ثم قال ابن عمر لقائله لا غفر الله لك بل يسكت متفكرا في الموت وما يتعلق به وفناء الدنيا ذاكرا بلسانه سرا.لا جهرا لأنه بدعة قبيحة "وإتباعها" بإسكان التاء "بنار" بمجمرة أو غيرها إجماعا لأنه تفاؤل قبيح ومن ثم قيل بحرمته وكذا عند القبر نعم الوقود عندها المحتاج إليه لا بأس به كما هو ظاهر ويؤيده ما مر من التجمير عند الغسل
"ولو اختلط" من يصلى عليه بمن لا يصلى عليه كأن اشتبه "مسلمون" أو مسلم "بكفار" أو شهيد أو سقط لم تظهر فيه أمارة حياة بغيره وتعذر تمييز بعضهم من بعض "وجب غسل الجميع" وتكفينهم ودفنهم من بيت المال فالأغنياء حيث لا تركة وإلا أخرج من تركة كل تجهيز واحد بالقرعة فيما يظهر ويغتفر كما أشار إليه بعضهم تفاوت مؤن تجهيزهم للضرورة "والصلاة" عليهم إذ لا يتحقق الإتيان بالواجب إلا بذلك وقول الإسنوي هذا تردد بين واجب وحرام فليقدم الحرام على القاعدة يرد بأنه لا يكون حراما إلا مع العلم بعينه وأما مع الجهل فلا على أن ذلك لا يرد في الصلاة أصلا لأنه يخصها بالمسلم وغير نحو الشهيد في نيته ولا في غسل الكافر لإباحته ثم رأيت شيخنا أشار لذلك "فإن شاء صلى على الجميع" صلاة واحدة "بقصد المسلم" وغير نحو الشهيد "وهو الأفضل والمنصوص" وليس هنا صلاة على كافر حقيقة والنية جازمة.ويقول هنا في الأولى اغفر للمسلم منهم "أو على واحد فواحد ناويا الصلاة عليه إن كان مسلما" أو غير نحو شهيد ويعذر في تردد النية للضرورة واعترض بأنه لا ضرورة لإمكان الكيفية الأولى ويجاب بأنها قد تشق بتأخيره من غسل إلى فراغ غسل الباقين بل قد يتعين إن أدى التأخير إلى تغير وكذا تتعين الأولى لو تم غسل الجميع وكان الإفراد يؤدي إلى تغير المتأخر "ويقول" في الكيفية الأولى اللهم اغفر للمسلمين منهم كما مر وفي الثانية "اللهم اغفر له إن كان مسلما" ولا يقول في اختلاط نحو الشهيد بغيره

 

ج /1 ص -430-      اللهم اغفر له إن كان غير شهيد بل يطلق ويدفنون في الأولى بين مقابرنا ومقابر الكفار "ويشترط" اتفاقا "لصحة الصلاة تقدم غسله" أو تيممه بشرطه لأنه المنقول وتنزيلا للصلاة عليه منزلة صلاته ومن ثم اشترط طهارة كفنه أيضا إلى فراغ الصلاة عليه "وتكره قبل تكفينه" واستشكل الفرق مع أن كلا من المعنيين موجود فيه وقد يجاب بأنه أخف بدليل النبش للغسل دونه وأن من صلى بلا طهر يعيد وعاريا لا يعيد ثم رأيت شيخنا أجاب بذلك "فلو مات بهدم ونحوه" كوقوعه في عميق أو بحر "و" قد "تعذر إخراجه" منه "وغسله وتيممه لم يصل عليه" لفوات الشرط واعترضه الأذرعي وغيره وأطالوا بما منه بل أمتنه أن الشرط إنما يعتبر عند القدرة لصحة صلاة فاقد الطهورين بل وجوبها ويرد بأن ذلك إنما هو لحرمة الوقت الذي حد الشارع طرفيه ولا كذلك هنا "ويشترط" لصحة الصلاة "أن لا يتقدم على الجنازة الحاضرة.ولا" على "القبر على المذهب فيهما" اتباعا للأولين وكالإمام أما الغائبة فلا يؤثر فيها كونها وراء المصلي كما مر "وتجوز الصلاة عليه" بل تسن "في المسجد" لخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم صلى على ابني بيضاء أي هو لقب أمهما ومعناه كفلان أبيض نقاء العرض من الدنس والعيب سهيل وأخيه في المسجد وزعم أنهما كانا خارجه لا يلتفت إليه لأنه خلاف الظاهر المتبادر ولما تقرر في الأصول أن الظرف بعد فاعله ومفعوله في الفعل الحسي كالصلاة هنا يكون لهما بخلافه بعد غير الحسي يكون للفاعل فقط. ومن ثم قال أصحابنا في إن قتلت زيدا في المسجد فأنت طالق لا بد من وجودهما فيه بخلافه في إن قذفته فيه يشترط وجود القاذف فقط فيه هذا حاصل ما ذكره الزركشي في بحره وقال إنه نفيس بعد قوله مفهوم ظرف المكان حجة عند الشافعي وقوله مقتضى كلام النحاة أنه لا يشترط وجود الفاعل والمفعول في الظرف ا هـ ولك أن تقول ما قاله في القاعدة له وجه وجيه لأن الظرف المكاني من الحسيات فإذا جعل ظرفا لفعل حسي متعد لزم كون الفاعل والمفعول فيه لأن الفعل المذكور لا يتحقق إلا بوجودهما بخلاف الفعل المعنوي فإنه أجنبي عن الظرف الحسي فاكتفى بما هو لازم له بكل تقدير وهو الفاعل فقط. وأما ما قاله عن الأصحاب فهو لا يتمشى على مرجح الشيخين وغيرهما أنه في القتل يشترط وجود المقتول فيه لا القاتل وفي القذف بعكسه ووجهوه بأن ذكر المسجد قرينة على أن القصد به الزجر عن انتهاك حرمته وانتهاكها يحصل بوجود المقتول فيه لاستلزام وقوع معصية القتل فيه وبوجود القاذف لأن القذف يحصل مع غيبة المقذوف فإن قلت هل لما ذكره وجه قلت يمكن أن يوجه بأن القتل لما استلزم غالبا وجود أثر حسي حال صدوره من الفاعل وحال وصوله للمفعول نزل منزلة الحسي في أنه لا بد من وجودهما فيه بخلاف القذف فإنه لا يستلزم ذلك لما تقرر من صدقه مع غيبة المقذوف فاشترط كون الفاعل فيه فقط وخرج بما تقرر أن ذكر المسجد قرينة إلى آخره ما لو أبدله بالدار كأن قتلته أو قذفته في الدار ولا نية له ومقتضى القاعدة بناء على أن القتل منزل منزلة الحسي أنه يشترط فيه وجودهما فيهما وفي القذف وجود القاذف فقط لكن المبحوث في هذه أنه لا بد من وجودهما فيها في الصورتين ويوجه بأن هذه القاعدة لما لم

 

ج /1 ص -431-      تطرد وجب تخريجه على القاعدة المطردة وهي أن القيد المتأخر يرجع لجميع ما قبله فتأمل ذلك كله فإنه مهم وخبر "من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له" ضعيف والرواية المشهورة "فلا شيء عليه" وقد صلى عمر والصحابة على أبي بكر رضي الله عنهم فيه وأوصى عمر بالصلاة عليه فيه فنفذها الصحابة وكل من هذين في معنى الإجماع نعم إن خيف تلويث المسجد منه حرم.
"ويسن" حيث كانوا ستة فأكثر "جعل صفوفهم ثلاثة فأكثر" للخبر الصحيح "
من صلى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب" أي غفر له" كما في رواية والمقصود منع النقص عن الثلاثة لا الزيادة عليها ومن ثم قال "فأكثر" وفي مسلم "ما من مسلم يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه" وفيه أيضا مثل ذلك في الأربعين وبحث الزركشي وفاقا لبعضهم أن الصفوف الثلاثة في مرتبة واحدة في الفضيلة وهو ظاهر إلا في حق من جاء وقد اصطف الثلاثة فالأفضل له كما هو ظاهر أن يتحرى الأول لأنا إنما سوينا بين الثلاثة لئلا يتركوها بتقديم كلهم للأول وهذا منتف هنا ولو لم يحضر إلا ستة بالإمام وقف واحد معه واثنان صفا واثنان صفا "وإذا صلى عليه فحضر من لم يصل صلى" ندبا لأنه صلى الله عليه وسلم صلى على قبور جماعة ومعلوم أنهم إنما دفنوا بعد الصلاة عليهم ومن هذا أخذ جمع أنه يسن تأخيرها عليه إلى بعد الدفن وتقع فرضا فينويه ويثاب ثوابه وإن سقط الحرج بالأولين لبقاء الخطاب به ندبا وقد يكون ابتداء الشيء سنة وإذا وقع وقع واجبا كحج فرقة تأخروا عمن وقع بإحرامهم الإحياء الآتي "ومن صلى" ندب له أنه "لا يعيد على الصحيح" وإن صلى منفردا لأن صلاة الجنازة.لا ينتفل بها ومر في التيمم حكم ما إذا وجد الماء بعدها مع حكم صلاة نحو فاقد الطهورين وإذا أعاد وقعت له نفلا فيجوز له الخروج منها "ولا تؤخر" أي لا يندب التأخير "لزيادة مصلين" أي كثرتهم وإن نازع فيه السبكي واختاره وتبعه الأذرعي والزركشي وغيرهما أنه إذا لم يخش تغيره ينبغي انتظار مائة أو أربعين رجي حضورهم قريبا للحديث أو لجماعة آخرين لم يلحقوا وذلك للأمر السابق بالإسراع بها نعم تؤخر لحضور الولي إن لم يخش تغير وعبر في الروضة بلا بأس بذلك وقضيته أن التأخير له ليس بواجب وينبغي بناؤه على ما مر أول فرع الجديد.
"وقاتل نفسه كغيره في الغسل والصلاة" وغيرهما لخبر
"الصلاة واجبة على كل مسلم ومسلمة برا كان أو فاجرا وإن عمل الكبائر" وهو مرسل اعتضد بقول أكثر أهل العلم وخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل على الذي قتل نفسه" أجاب عنه ابن حبان بأنه منسوخ والجمهور بأنه للزجر عن مثل فعله
"ولو نوى الإمام صلاة غائب والمأموم صلاة حاضر أو عكس جاز" كما لو صلى الظهر خلف من يصلي العصر وبه.علم بالأولى جواز اختلافهما في حاضرين أو غائبين.
"والدفن بالمقبرة أفضل" لكثرة الدعاء له بتكرير الزائرين والمارين ودفنه صلى الله عليه وسلم بحجرة عائشة لأن من خواص الأنبياء أنهم يدفنون حيث يموتون وإفتاء القفال بكراهة الدفن

 

ج /1 ص -432-      بالبيت ضعيف وبحث الأذرعي ندب غير المقبرة لنحو شبهة بأرضها أو ملوحة أو نداوة أو لنحو مبتدعة أو فسقة فسقا ظاهرا بها وندب دفن الشهيد بمحله أي ولو بقرب مكة ونحوها مما يأتي لأن قتلى أحد نقلوا للمدينة فأمر صلى الله عليه وسلم بردهم لمضاجعهم فردوا إليها صححه الترمذي ويحرم نقله للمقبرة إن أدى لانفجاره بل يظهر أنه لو خشي انفجاره من حمله عن محل موته وجب دفنه به إن أمكن ولو ملكه "ويكره المبيت بها" لغير عذر كما هو ظاهر لما فيه من الوحشة نعم لو قيل بندبه حيث تيقن انتفاء الوحشة وحمله ذلك على دوام تذكر الموت والبلى المستلزم للإعراض عما سوى الله تعالى لم يبعد أخذا من الخبر الآتي أنها تذكر الآخرة "ويندب ستر القبر بثوب" مثلا عند إدخال الميت فيه "وإن كان" الميت "رجلا" لئلا ينكشف ومن ثم كان لخنثى وامرأة آكد احتياطا "وأن يقول" الذي يدخله."بسم الله" أي أدخلك "وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي أدفنك للاتباع بسند صحيح وفي رواية "سنة" بدل ملة وفي أخرى زيادة بالله "ولا يفرش تحته شيء ولا" يوضع تحت رأسه "مخدة" بكسر الميم أي يكره ذلك لما فيه من إضاعة المال أي لكنه لنوع غرض قد يقصد فلا تنافي بين العلة والمعلل لأن محل حرمة إضاعة المال حيث لا غرض أصلا قيل تعبيره فيه ركة لأن المخدة غير مفروشة فإن أخرجت من الفرش لم يبق لها عامل يرفعها ا هـ وهو عجيب وكأن قائله غفل عن قول الشاعر:

وزججن الحواجب والعيونا


عطف العيون لفظا على ما قبله المتعذر إضمارا لعامله المناسب وهو كحلن فكذا هنا كما قدرته.
"ويكره دفنه في تابوت" إجماعا لأنه بدعة "إلا" لعذر ككون الدفن "في أرض ندية" بتخفيف التحتية "أو رخوة" بكسر أوله وفتحه أو بها سباع تحفر أرضها وإن أحكمت أو تهرى بحيث لا يضبطه إلا التابوت أو كان امرأة لا محرم لها فلا يكره للمصلحة بل لا يبعد وجوبه في مسألة السباع إن غلب وجودها ومسألة التهري، وتنفذ وصيته من الثلث بما ندب فإن لم يوص فمن رأس المال إن رضوا ولا تنفذ بما كره
"ويجوز الدفن ليلا" بلا كراهة خلافا للحسن وحده مع أنه استدل بخبر في مسلم لا يدل له وذلك لما صح أنه صلى الله عليه وسلم فعله وكذا الخلفاء الراشدون."ووقت كراهة الصلاة" إجماعا وكالصلاة ذات السبب الآتي "إذا لم يتحره" لأن سببه وهو الموت متقدم أو مقارن أما إذا تحراه في الوقت المكروه من حيث الزمن فلا يجوز كما يأتي لخبر مسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيهن وأن نقبر فيهن موتانا وذكر وقت الاستواء والطلوع والغروب قال في المجموع عقبه عن جمع أنهم أجابوا عنه بأن الإجماع دل على ترك العمل بظاهره في الدفن وعن آخرين أنهم أجابوا بأن النهي إنما هو عن تحري هذه الأوقات للدفن فهذا هو المكروه وهو مراد الحديث قال وهذا أحسن من الأول بخلافه من حيث الفعل وهو ما بعد صلاة الصبح إلى الطلوع والعصر إلى الغروب فلا يحرم فيه وإن تحرى

 

ج /1 ص -433-      كما قاله الإسنوي وغيره واستدلوا له بالخبر وكلام الأصحاب لكن نوزع فيه بأن المعتمد أنه لا فرق وعليه فليس من التحري التأخير بقصد زيادة المصلين كما هو ظاهر خلافا لما يقتضيه كلام بعضهم لتعليلهم البطلان في التحري بأن فيه مراغمة الشرع وهذا لا مراغمة فيه بوجه وإن لم يندب كما مر.
تنبيه: ظاهر كلامهم بل صريحه أنه لا فرق فيما ذكروه هنا بين حرم مكة وغيره ويشكل عليه ما مر من الفرق بينهما في الصلاة ومما يؤيد اتحاد المحلين المعتمد المذكور أنه لا فرق بين الأوقات الزمانية والفعلية كهو ثم وإن الأصحاب هنا أطلقوا الكراهة عند التحري واختلفوا ثم هل تكره أو تحرم والمعتمد الحرمة قال جمع فقياسه الحرمة هنا فهذا القياس صريح في استثناء حرم مكة هنا وإن تحرى كهو ثم وافتراقهما ما مر عن الإسنوي وغيره من قصر التحريم عند التحري على الأوقات الزمانية بخلافه ثم وما قالوه هنا أنه عند عدم التحري لا كراهة بخلافه ثم ولك أن تقول ما هنا من حيز ذي السبب المتقدم أو المقارن كما تقرر وما هو كذلك لا حرمة أو كراهة فيه ثم إلا عند التحري فكذا هنا فمن ثم انتفى النهي عند عدم التحري نظرا للسبب بقسميه هنا وثم وبهذا يتجه ترجيح المعتمد المذكور أنه لا فرق بين الوقت الفعلي والزماني لأن المدار على التحري وهو عام في الوقتين ثم فكذا هنا ويفرق بين اتحادهما في ذلك كله واختلافهما في حرم مكة بأن الصلاة لما تميزت فيه عليها في غيره بالمضاعفة.الآتية التي لا توجد أصلا في غيره ناسب أن يوسع فيه لمريدها وإن تحراها فيه ولم يؤمر بتأخيرها إلى خارجه حيازة لتلك المضاعفة التي لا توجد في غيرها وأيضا فالتحري المنتج لمراغمة الشرع لا يتصور في الصلاة فيه مع قول الشارع صلى الله عليه وسلم
"لا تمنعوا أحدا طاف وصلى أية ساعة شاء" ولا كذلك الدفن في الأمرين فإنه ليس من شأن الميت أن يخرج به من الحرم فلا يخشى فوات شيء وأيضا فتحري الدفن في هذا الوقت مع حصول المقصود منه بتأخيره إلى خروج الوقت المكروه فيه مراغمة ظاهرة فتأمل ذلك فإنه مهم والحاصل أن من شأن المصلي كونه تارة في الحرم وتارة خارجه فوسع له اغتنام الحرم ولم يتصور منه مراغمة والدفن ليس من شأنه ذلك فتصورت المراغمة فيه "وغيرهما" أي الليل ووقت الكراهة وهو ما بقي من النهار "أفضل" للدفن منهما أي فاضل عليهما لأنه مندوب بخلافهما نعم إن خشي من التأخير إلى الوقت المندوب تغير حرم أو زيادة على الإسراع المطلوب ندب تركه فيما يظهر "ويكره تجصيص القبر" أي تبييضه بالجص وهو الجبس وقيل الجير والمراد هنا هما أو أحدهما لا تطيينه "والبناء" عليه في حريمه وخارجه نعم إن خشي نبش أو حفر سبع أو هدم سيل لم يكره البناء والتجصيص بل قد يجبان نظير ما مر وسيعلم من هدم ما بالمسبلة حرمة البناء فيها إذ الأصل أنه لا يهدم إلا ما حرم وضعه فلا اعتراض عليه خلافا لمن وهم فيه "والكتابة عليه" للنهي الصحيح.عن الثلاثة سواء كتابة اسمه وغيره في لوح عند رأسه أو في غيره نعم بحث الأذرعي حرمة كتابة القرآن لتعريضه للامتهان بالدوس والتنجيس بصديد الموتى عند تكرار الدفن ووقوع المطر وندب كتابة اسمه لمجرد التعريف به على طول السنين لا سيما

 

ج /1 ص -434-      لقبور الأنبياء والصالحين لأنه طريق للإعلام المستحب ولما روى الحاكم النهي قال ليس العمل عليه فإن أئمة المسلمين من المشرق إلى المغرب مكتوب على قبورهم فهو عمل أخذ به الخلف عن السلف ويرد بمنع هذه الكلية وبفرضها فالبناء على قبورهم أكثر من الكتابة عليها في المقابر المسبلة كما هو مشاهد لا سيما بالحرمين ومصر ونحوها وقد علموا بالنهي عنه فكذا هي فإن قلت هذا إجماع فعلي وهو حجة كما صرحوا به قلت ممنوع بل هو أكثري فقط إذ لم يحفظ ذلك حتى عن العلماء الذين يرون منعه وبفرض كونه إجماعا فعليا فمحل حجيته كما هو ظاهر إنما هو عند صلاح الأزمنة بحيث ينفذ فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد تعطل ذلك من منذ أزمنة.
فرع: يسن وضع جريدة خضراء على القبر للاتباع وسنده صحيح ولأنه يخفف عنه ببركة تسبيحها إذ هو أكمل من تسبيح اليابسة لما في تلك من نوع حياة وقيس بها ما اعتيد من طرح الريحان ونحوه ويحرم أخذ ذلك كما بحث لما فيه من تفويت حق الميت وظاهره أنه لا حرمة في أخذ يابس أعرض عنه لفوات حق الميت بيبسه ولذا قيد وأندب الوضع بالخضرة وأعرضوا عن اليابس بالكلية نظرا لتقييده صلى الله عليه وسلم التخفيف بالأخضر بما لم ييبس.
"ولو بنى" نفس القبر لغير حاجة مما مر كما هو ظاهر أو نحو تحويط أو قبة عليه خلافا لمن زعم أن المراد الثاني وهل من البناء ما اعتيد من جعل أربعة أحجار مربعة محيطة بالقبر مع لصق رأس كل منها برأس الآخر بجص محكم أو لا لأنه لا يسمى بناء عرفا والذي يتجه الأول لأن العلة السابقة من التأبيد موجودة هنا "في مقبرة مسبلة" وهي ما اعتاد أهل البلد الدفن فيها عرف أصلها ومسبلها أم لا ومثلها بالأولى موقوفة بل هذه أولى لحرمة البناء فيها قطعا قال الإسنوي واعترض بأن الموقوفة هي المسبلة وعكسه ويرد بأن تعريفها يدخل مواتا اعتادوا الدفن فيه فهذا يسمى مسبلا لا موقوفا فصح ما ذكره "هدم" وجوبا لحرمته كما في المجموع لما فيه من التضييق مع أن البناء يتأبد بعد انمحاق الميت فيحرم الناس تلك البقعة وقد أفتى جمع بهدم كل ما بقرافة مصر من الأبنية حتى قبة إمامنا الشافعي رضي الله عنه التي بناها بغض الملوك وينبغي أن لكل أحد هدم ذلك ما لم يخش منه مفسدة فيتعين الرفع للإمام أخذا من كلام ابن الرفعة في الصلح ولا يجوز زرع شيء من المسبلة وإن تيقن بلى من بها لأنه لا يجوز الانتفاع بها بغير الدفن فيقلع وقول المتولي يجوز بعد البلى محمول على المملوكة "ويندب أن يرش القبر بماء" ما لم ينزل مطر يكفي للاتباع.وللأمر به وحفظا للتراب وتفاؤلا بتبريد المضجع ومن ثم ندب كون الماء طهورا وباردا ويكره بالنجس أو يحرم قاله الأذرعي ويكره طليه بخلوق ورشه بماء ورد قال الإسنوي ولو قيل بالتحريم لم يبعد ويرد بأن فيه غرض طيبه وحسن ريحه ومن ثم اختار السبكي أنه إذا قصد بيسيره حضور الملائكة لكونها تحب الريح الطيب لم يكره "و" أن "يوضع عليه حصى" صغار "و" أن "يوضع عند رأسه" ولو أنثى "حجر أو خشبة" للاتباع رواه في الأول الشافعي في قبر إبراهيم والثاني أبو داود بسند جيد في قبر عثمان بن مظعون وفيه التعبير بصخرة وقضيته ندب عظم الحجر ومثله نحوه ووجهه ظاهر فإن القصد بذلك

 

ج /1 ص -435-      معرفة قبر الميت على الدوام ولا يثبت كذلك إلا العظيم قيل وتوضع أخرى عند رجله وفيه نظر لأنه خلاف الاتباع "و" يندب "جمع الأقارب" ونحوهم كالزوجة والمماليك والعتقاء بل والأصدقاء فيما يظهر في موضع للاتباع ولأنه أسهل على الزائر وأروح لأرواحهم ويرتبون كترتيبهم السابق في القبر فيما يظهر
"و" تندب "زيارة القبور" التي للمسلمين "للرجال" إجماعا وكانت محظورة لقرب عهدهم بجاهلية فربما حملتهم على ما لا ينبغي ثم لما استقرت الأمور نسخت وأمروا بها بقوله صلى الله عليه وسلم
"كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها فإنها تذكر الآخرة" ثم من كان تسن له زيارته حيا لنحو صداقة واضح وغيره يقصد بزيارته تذكر الموت والترحم عليه وقول بعضهم تكرير الذهاب بعد الدفن للقراءة على القبر ليس بسنة ممنوع إذ يسن كما نص عليه قراءة ما تيسر على القبر والدعاء له فالبدعة إنما هي في تلك الاجتماعات الحادثة دون نفس القراءة والدعاء على أن من تلك الاجتماعات ما هو من البدع الحسنة كما لا يخفى ويسن الوضوء لها أما قبور الكفار فلا تسن زيارتها بل قيل تحرم ويتعين ترجيحه في غير نحو قريب قياسا على ما مر في اتباع جنازته "وتكره" للخناثى و "للنساء" مطلقا خشية الفتنة ورفع أصواتهن بالبكاء نعم تسن لهن زيارته صلى الله عليه وسلم.قال بعضهم وكذا سائر الأنبياء والعلماء والأولياء. قال الأذرعي إن صح فأقاربها أولى بالصلة من الصالحين ا هـ وظاهره أنه لا يرتضيه لكن ارتضاه غير واحد بل جزموا به والحق في ذلك أن يفصل بين أن تذهب لمشهد كذهابها للمسجد فيشترط هنا ما مر ثم من كونها عجوزا ليست متزينة بطيب ولا حلي ولا ثوب زينة كما في الجماعة بل أولى وأن تذهب في نحو هودج مما يستر شخصها عن الأجانب فيسن لها ولو شابة إذ لا خشية فتنة هنا ويفرق بين نحو العلماء والأقارب بأن القصد إظهار تعظيم نحو العلماء بإحياء مشاهدهم وأيضا فزوارهم يعود عليهم منهم مدد أخروي لا ينكره إلا المحرومون بخلاف الأقارب فاندفع قول الأذرعي إن صح إلى آخره "وقيل تحرم" للخبر الصحيح "لعن الله زوارات القبور" ومحل ضعفه حيث لم يترتب على خروجهن فتنة وإلا فلا شك في التحريم ويحمل عليه الحديث "وقيل تباح" إذا لم تخش محذورا لأنه صلى الله عليه وسلم رأى امرأة بمقبرة ولم ينكر عليها "ويسلم الزائر".ندبا على أهل المقبرة عموما ثم خصوصا لخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون" وفي رواية ضعيفة "اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم" والاستثناء للتبرك أو للدفن بتلك البقعة أو للموت على الإسلام وقيل يقول عليكم السلام لخبر أنه تحية الموتى قاله لمن سلم عليه به ويرده هذا الخبر ومعنى ذلك أنه تحية موتى القلوب لكراهته أو أن العرب كانوا يعتادونه في السلام على الموتى "ويقرأ" ما تيسر "ويدعو" له عقب القراءة بعد توجهه للقبلة لأنه عقبها أرجى للإجابة ويكون الميت كحاضر ترجى له الرحمة والبركة بل تصل له القراءة هنا وفيما إذا دعا له عقبها ولو بعيدا كما يأتي في الوصية.
"ويحرم نقل الميت" قبل الدفن ويأتي حكم ما بعده "إلى بلد آخر" وإن أوصى به لأن فيه هتكا لحرمته وصح "أمره صلى الله عليه وسلم لهم بدفن قتلى أحد في مضاجعهم" لما أرادوا نقلهم ولا

 

ج /1 ص -436-      ينافيه ما مر لاحتمال أنهم نقلوهم بعد فأمرهم بردهم إليها وقضية قوله بلد آخر أنه لا يحرم نقله لتربة ونحوها والظاهر أنه غير مراد وأن كل ما لا ينسب لبلد الموت يحرم النقل إليه ثم رأيت غير واحد جزموا بحرمة نقله إلى محل أبعد من مقبرة محل موته "وقيل يكره" إذ لم يرد دليل لتحريمه."إلا أن يكون بقرب مكة" أي حرمها وكذا البقية "أو المدينة أو بيت المقدس نص عليه" الشافعي رضي الله عنه وإن نوزع في ثبوته عنه أو قرية بها صلحاء على ما بحثه المحب الطبري قال جمع وعليه فيكون أولى من دفنه مع أقاربه في بلده أي لأن انتفاعه بالصالحين أقوى منه بأقاربه فلا يحرم ولا يكره بل يندب لفضلها ومحله حيث لم يخش تغيره وبعد غسله وتكفينه والصلاة عليه وإلا حرم لأن الفرض تعلق بأهل محل موته فلا يسقطه حل النقل وينقل أيضا لضرورة كأن تعذر إخفاء قبره ببلاد كفر أو بدعة وخشي منهم نبشه وإيذاؤه وقضية ذلك أنه لو كان نحو السيل يعم مقبرة البلد ويفسدها جاز لهم النقل إلى ما ليس كذلك وبحث بعضهم جوازه لأحد الثلاثة بعد دفنه إذا أوصى به ووافقه غيره فقال بل هو قبل التغير واجب وفيهما نظر وعلى كل فلا حجة فيما رواه ابن حبان "أن يوسف صلى الله على نبينا وعليه وسلم نقل بعد سنين كثيرة من مصر إلى جوار جده الخليل صلى الله عليهما وسلم" وإن صح ما جاء أن الناقل له موسى صلى الله على نبينا وعليه وسلم لأنه ليس من شرعنا ومجرد حكايته صلى الله عليه وسلم له لا تجعله من شرعه "ونبشه بعد دفنه" وقبل بلى جميع أجزاء الميت الظاهرة عند أهل الخبرة بتلك الأرض "للنقل" ولو لنحو مكة "وغيره" كتكفين وصلاة عليه "حرام" لأن فيه هتكا لحرمته "إلا لضرورة" فيجب "بأن" أي كان "دفن بلا غسل" أو تيمم بشرطه ولم يتغير بنتن أو تقطع.على الأوجه لأنه واجب لم يخلفه شيء فاستدرك "أو في أرض أو ثوب مغصوبين" وإن تغير وإن غرم الورثة مثله أو قيمته ما لم يسامح المالك نعم إن لم يكن ثم غير ذلك الثوب أو الأرض فلا لأنه يؤخذ من مالكه قهرا وليس الحرير كالمغصوب لبناء حق الله تعالى على المسامحة ودفنه في مسجد كهو في المغصوب فينبش ويخرج مطلقا على الأوجه. "أو وقع فيه" أي القبر "مال" ولو من التركة وإن قل وتغير الميت ما لم يسامح مالكه أيضا وتقييد المهذب بطلبه رده في شرحه بأنهم لم يوافقوه عليه وفارق تقييدهم نبشه وشق جوفه لإخراج ما ابتلعه لغيره بالطلب فحينئذ يجب وإن غرم الورثة مثله أو قيمته من التركة أو من مالهم على المعتمد بأن الهتك والإيذاء والعار في هذا أشد وأفحش وأيضا فكثير من ذوي المروآت يستبشعه فيسامح به أكثر من غيره أما إذا ابتلع مال نفسه فلا ينبش قبره لإخراجه أي إلا بعد بلائه كما هو ظاهر "أو دفن لغير القبلة" وإن كان رجلاه إليها على الأوجه خلافا للمتولي كما مر فيجب ليوجه إليها ما لم يتغير استدراكا للواجب."لا للتكفين في الأصح" لأن غرضه الستر وقد حصل بالتراب أو دفنت وببطنها جنين ترجى حياته ويجب شق جوفها لإخراجه قبل دفنها وبعده فإن لم ترج حياته أخر دفنها حتى يموت وما قيل أنه يوضع على بطنها شيء ليموت غلط فاحش فليحذر أو علق الطلاق أو النذر أو العتق بصفة فيه فينبش للعلم بها أو بعدمه أو

 

ج /1 ص -437-      ليشهد على صورته من لم يعرف اسمه ونسبه إذا عظمت الواقعة أو ليلحقه القائف بأحد متنازعين فيه أو ليعرف ذكورته أو أنوثته عند تنازع الورثة فيه أو نحو شلل عضو عند تنازعهم مع جان فيه..أو يلحقه سيل أو نداوة فينبش جوازا لينقل ويظهر في الكل التقييد بما لم يتغير تغيرا يمنع الغرض الحامل على نبشه وأنه يكتفى في التغير بالظن نظرا للعادة المطردة بمحله أو لما كان فيه من نحو قروح تسرع إلى التغير ولو انمحق الميت وصار ترابا جاز نبشه ولدفن فيه بل تحرم عمارته وتسوية ترابه في مسبلة لتحجيره على الناس قال بعضهم إلا في صحابي ومشهور الولاية فلا يجوز وإن انمحق ويؤيده تصريحهما بجواز الوصية بعمارة قبور الصلحاء أي في غير المسبلة على ما يأتي في الوصية لما فيه من إحياء الزيارة والتبرك وأخذ من تحريمهم النبش إلا لما ذكر أنه لو نبش قبر ميت بمسبلة ودفن عليه آخر قبل بلائه ثم طمه لم يجز النبش لإخراج الثاني لأن فيه حينئذ هتكا لحرمة الميتين معا "ويسن أن يقف ساعة جماعة بعد دفنه عند قبره يسألون له التثبت" ويستغفرون له للأثر الصحيح بذلك وأمر به عمرو بن العاص.قدر ما تنحر جزور ويفرق لحمها وقال حتى أستأنس بكم وأعلم ماذا أراجع به رسل ربي ويستحب تلقين بالغ عاقل أو مجنون سبق له تكليف ولو شهيدا كما اقتضاه إطلاقهم بعد تمام الدفن لخبر فيه وضعفه اعتضد بشواهد على أنه من الفضائل فاندفع قول ابن عبد السلام إنه بدعة وترجيح ابن الصلاح أنه قبل إهالة التراب مردود بما في خبر الصحيحين "فإذا انصرفوا أتاه ملكان" فتأخيره بعد تمامه أقرب إلى سؤالهما "و" يسن "لجيران أهله" ولو كانوا بغير بلده إذ العبرة ببلدهم ولأقاربه الأباعد ولو ببلد آخر "تهيئة طعام يشبعهم يومهم وليلتهم" للخبر الصحيح "اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد جاءهم ما يشغلهم" "ويلح عليهم في الأكل" ندبا لأنهم قد يتركونه حياء أو لفرط جزع ولا بأس بالقسم إن علم أنهم يبرونه "ويحرم تهيئته للنائحات" أو لنائحة واحدة وأريد بها هنا ما يشمل النادبة ونحوها "والله أعلم" لأنه إعانة على معصية وما اعتيد من جعل أهل الميت طعاما ليدعوا الناس عليه بدعة مكروهة كإجابتهم لذلك لما صح عن جرير كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام بعد دفنه من النياحة ووجه عده من النياحة ما فيه من شدة الاهتمام بأمر الحزن ومن ثم كره لاجتماع أهل الميت ليقصدوا بالعزاء قال الأئمة بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم فمن صادفهم عزاهم وأخذ جمع من هذا ومن بطلان الوصية بالمكروه وبطلأنها بإطعام المعزين لكراهته لأنه متضمن للجلوس للتعزية وزيادة وبه صرح في الأنوار نعم إن فعل لأهل الميت مع العلم بأنهم يطعمون من حضرهم لم يكره.وفيه نظر ودعوى ذلك التضمن ممنوعة ومن ثم خالف ذلك بعضهم فأفتى بصحة الوصية بإطعام المعزين وأنه ينفذ من الثلث وبالغ فنقله عن الأئمة وعليه فالتقييد باليوم والليلة في كلامهم لعله للأفضل فيسن فعله لهم أطعموا من حضرهم من المعزين أم لا أمر ما داموا مجتمعين ومشغولين لا لشدة الاهتمام بأمر الحزن ثم محل الخلاف كما هو واضح في غير ما اعتيد الآن أن أهل الميت يعمل لهم مثل ما عملوه لغيرهم فإن هذا حينئذ يجري فيه الخلاف الآتي في النقوط فمن عليه شيء لهم يفعله

 

ج /1 ص -438-      وجوبا أو ندبا وحينئذ لا تتأتى هنا كراهته ولا يحل فعل ما للنائحات أو المعزين على الأول من التركة إلا إذا لم يكن عليه دين وليس في الورثة محجور ولا غائب وإلا أثموا وضمنوا والذبح على القبر قال بعضهم من صنيع الجاهلية ا هـ والظاهر كراهته لأنه بدعة فلا تصح الوصية به أيضا.
"فائدة" ورد أن من مات يوم الجمعة أو ليلتها أمن من عذاب القبر وفتنته وأخذ منه أنه لا يسأل وإنما يتجه ذلك إن صح عنه صلى الله عليه وسلم أو عن صحابي إذ مثله لا يقال من قبل الرأي ومن ثم قال شيخنا يسأل من مات برمضان أو ليلة الجمعة لعموم الأدلة الصحيحة.