تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج /1 ص -439-      كتاب الزكاة
هي لغة: التطهير والإصلاح والنماء والمدح، وشرعا: اسم لما يخرج عن مال أو بدن على الوجه الآتي سمي بذلك لوجود تلك المعاني كلها فيه، والأصل في وجوبها الكتاب نحو {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43]، والأظهر أنها مجملة لا عامة، ولا مطلقة ويشكل عليها آية البيع فإن الأظهر فيها من أقوال أربعة أنها عامة مخصوصة مع استواء كل من الآيتين لفظا؛ إذ كل مفرد مشتق.واقترنا بأل فترجيح عموم تلك وإجمال هذه دقيق، وقد يفرق بأن حل البيع الذي هو منطوق الآية موافق لأصل الحل مطلقا أو بشرط أن فيه منفعة متمحضة فما حرمه الشرع خارج عن الأصل، وما لم يحرمه موافق له فعلمنا به ومع هذين يتعذر القول بالإجمال؛ لأنه الذي لم تتضح دلالته على شيء معين والحل قد علمت دلالته من غير إبهام فيها فوجب كونه من باب العام المعمول به قبل ورود المخصص لاتضاح دلالته على معناه، وأما إيجاب الزكاة الذي هو منطوق اللفظ فهو خارج عن الأصل لتضمنه أخذ مال الغير قهرا عليه، وهذا لا يمكن العمل به قبل ورود بيانه مع إجماله فصدق عليه حد المجمل، ويدل لذلك فيهما أحاديث البابين؛ لأنه صلى الله عليه وسلم اعتنى بأحاديث البيوعات الفاسدة الربا وغيره فأكثر منها؛ لأنه يحتاج لبيانها لكونها على خلاف الأصل لا ببيان البيوعات الصحيحة اكتفاء بالعمل فيها بالأصل، وفي الزكاة عكس ذلك فاعتنى ببيان ما تجب فيه؛ لأنه خارج عن الأصل فيحتاج إلى بيانه لا ببيان ما لا تجب فيه اكتفاء بأصل عدم الوجوب، ومن ثم طولب من ادعى الزكاة في نحو خيل ورقيق بالدليل والسنة والإجماع بل هو معلوم من الدين بالضرورة فمن أنكر أصلها كفر، وكذا بعض جزئياتها الضرورية وفرضت زكاة المال في السنة الثانية من الهجرة بعد صدقة الفطر ووجبت في ثمانية أصناف من المال النقدين والأنعام والقوت والتمر والعنب لثمانية أصناف من الناس يأتي بيانهم في قسم الصدقات.

باب زكاة الحيوان
أي بعضه وبدأ به وبالإبل منه اقتداء بكتاب الصديق رضي الله عنه ولأنه أكثر أموال العرب.
تنبيه: أبدل شيخنا الحيوان بالماشية ثم ذكر ما يصرح بأنها أعم من النعم وليس بصحيح حكما وإبدالا فالذي في القاموس.أنها الإبل والغنم، وفي النهاية أنها الإبل والبقر والغنم فهي أخص من النعم أو مساوية له، ومنه قول المتن الآتي إن اتحد نوع الماشية وقوله: ولوجوب زكاة الماشية شرطان إلى آخره.
"إنما تجب" منه "في النعم" وجمعه أنعام وجمعه أناعم يذكر ويؤنث سميت بذلك لكثرة إنعام الله فيها "وهي الإبل والبقر" الأهلية "والغنم" وتقييدها بالأهلية أيضا غير محتاج

 

ج /1 ص -440-      إليه؛ لأن الظباء إنما تسمى شياه البر لا غنمه كما اقتضاه كلامهم في الوصية وبفرض أنها تسماه فهو لم يشتهر أصلا فلا يحتاج للاحتراز عنه "لا الخيل والرقيق" وغيرهما لغير تجارة لخبر الشيخين "ليس على المسلم في عبده، ولا فرسه صدقة" "والمتولد من" ما تجب فيه، وما لا تجب فيه كالمتولد بين بقر أهلي وبقر وحشي وبين "غنم وظباء" بالمد جمع ظبي ويأتي بيانه آخر الحج؛ لأنه لا يسمى بقرا، ولا غنما وإنما لزم المحرم جزاؤه تغليظا عليه أما متولد مما تجب فيهما كإبل وبقر أهلي فتجب فيه الزكاة وتعتبر بأخفهما على الأوجه؛ لأنه المتيقن لكن بالنسبة للعدد لا للسن كأربعين متولدة بين ضأن ومعز فتعتبر بالأكثر كما بينته في شرح الإرشاد "ولا شيء في الإبل حتى تبلغ خمسا" لخبرهما "ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة" "ففيها شاة، وفي عشر شاتان و" في "خمس عشرة ثلاث" من الشياه "و" في "عشرين أربع" من الشياه "و" في "خمس وعشرين بنت مخاض" وسيأتي أن في الذكور ذكرا، وفي الصغار صغيرة فلا يرد عليه، وكذا الباقي "و" في "ست وثلاثين بنت لبون و" في "ست وأربعين حقة" ويجزئ عنها بنتا لبون "و" في "إحدى وستين جذعة" ويجزئ عنها حقتان أو بنتا لبون لإجزائهما عما زاد "و" في "ست وسبعين بنتا لبون وإحدى وتسعين حقتان و" في "مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون" فإن نقصت الواحدة أو بعضها لم يجب سوى الحقتين."ثم" إن زادت على ذلك تغير الواجب بزيادة تسع ثم بزيادة عشر عشر فحينئذ "في كل أربعين بنت لبون و" في "كل خمسين حقة" لخبر البخاري عن كتاب أبي بكر لأنس رضي الله عنهما لما وجهه إلى البحرين على الزكاة بذلك لكن فيه ما يشكل على قواعدنا، وقد ذكرت الجواب عنه في شرح المشكاة وعلم مما تقرر أن في مائة وثلاثين بنتي لبون وحقة، وفي مائة وأربعين حقتين وبنت لبون، وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق وللواحدة الزائدة على العشرين قسط من الواجب فلو تلفت واحدة بعد الحول وقبل التمكن سقط جزء من مائة وأحد وعشرين جزءا من ثلاث بنات لبون، وما بين النصب مما ذكر عفو لا يتعلق به الواجب ولا ينقص بنقصه فلو كان معه تسع إبل فالشاة في خمس منها فقط فلو تلفت أربع لم يسقط منها شيء.
فرع: ملك ست إبل ثلاثة أحوال، ولم يزكها لزمه ثلاث شياه؛ لأنه إذا أخرج في كل سنة شاة كان الباقي نصابا قاله الشيخ أبو حامد قال العمراني: وإنما يصح إن كانت قيمة كل من الست تساوي قيمة شاة في الحول الثاني وقيمة شاتين في الحول الثالث.واعترض بأن الصواب إسقاط كل، والتعبير بشاة في الثالث أيضا، وكله مبني على ضعيف أن الوقص تتعلق به الزكاة خلافا لمن غلط فيه كما بينته في شرح العباب قبيل قسم الصدقات بما يعلم منه أن الواجب شاة في الحول الأول فقط فانظره فإنه مهم.
"وبنت المخاض لها سنة" كاملة؛ لأن أمها آن لها أن تحمل ثانيا فتصير ماخضا أي حاملا."واللبون سنتان" كاملتان؛ لأن أمها آن لها أن تلد ثانيا ويصير لها لبن "والحقة ثلاث" كاملة؛ لأنها استحقت أن تركب ويحمل عليها ويطرقها الفحل، ويقال للذكر حق؛ لأنه استحق أن يطرق "والجذعة أربع" كاملة؛ لأنها تجذع مقدم أسنانها أي تسقطها، وظاهر كلامهم أنه

 

ج /1 ص -441-      لا عبرة هنا بالإجذاع قبل تمام الأربع وحينئذ يشكل بما يأتي في جذعة الضأن، وقد يفرق بأن القصد ثم بلوغها، وهو يحصل بأحد أمرين الإجذاع وبلوغ السنة، وهنا غاية كمالها، وهو لا يتم إلا بتمام الأربع كما هو الغالب، وهذا آخر أسنان الزكاة، وهو نهاية الحسن درا ونسلا وقوة واعتبر في الجميع الأنوثة لما فيها من رفق الدر والنسل "والشاة" الواجبة فيما دون خمس وعشرين من الإبل "جذعة ضأن لها سنة" كاملة، وإن لم تجذع أو أجذعت، وإن لم تبلغ سنة "وقيل ستة أشهر أو ثنية معز لها سنتان" كاملتان "وقيل سنة" وقيدت الشاة هنا بالجذعة أو الثنية حملا للمطلق على المقيد كما في الأضحية "والأصح أنه مخير بينهما" أي الجذعة والثنية "ولا يتعين غالب غنم البلد" أي بلد المال بل يجزئ أي غنم فيه لصدق الاسم، ولا يجوز العدول عنه هنا، وفيما يأتي في زكاة الغنم إلا لمثله أو خير منه قيمة وحينئذ قد يمتنع التخيير المذكور، ويتعين الضأن فيما لو كانت غنم البلد كلها ضائنة، وهي أعلى قيمة من المعز ويشترط - كما صححه في المجموع خلافا لما قد يقتضي تصحيحه كلام الروضة وأصلها - صحة الشاة وكمالها، وإن كانت الإبل مريضة أو معيبة؛ لأن الواجب هنا في الذمة فلم يعتبر فيه صفة المخرج عنه بخلافه فيما يأتي بعد الفصل.فإن لم يجد صحيحة فرق قيمتها دراهم كمن فقد بنت المخاض مثلا فلم يجدها، ولا ابن لبون، ولا بالثمن فيفرق قيمتها للضرورة "و" الأصح "أنه يجزئ الذكر"، ولو عن إناث، وهو جذع ضأن أو ثني معز كالأضحية لصدق اسم الشاة عليه؛ إذ تاؤها للوحدة كما يأتي في الوصية ولأنها من غير الجنس، وبه فارق منع إخراج الذكر عن الإناث في الغنم،، والفرق بأنه هنا بدل، وثم أصل لا يتأتى على الأصح أنه أصل أيضا إلا أن يراد البدلية من حيث القياس؛ إذ هي لا تنافي الأصالة من حيث الإجزاء من غير نظر لقيمة الإبل "وكذا بعير الزكاة" أي ما يجب فيها وهو بنت مخاض فما فوقها ثم بدلها كابن لبون عند فقدها.الأصح أنه يجزئ "عن دون خمس وعشرين"، وإن نقص عن قيمة الشاة بناء على الأصح أنه الأصل أي القياس، وإن كانت الشاة هي الأصل أي المنصوص عليه فالواجب أحدهما لا بعينه وبهذا يجمع بين الخلاف في ذلك ولإجزائه عنها فعما دونها أولى فلو أخرجه عن خمس مثلا وقع كله فرضا لتعذر تجزيه بخلاف نحو مسح كل الرأس في الوضوء، فإن قلت: بل يمكن تجزيه بنسبة قيمة الشاة إلى قيمته بدليل ما رجحه الزركشي في إخراج بنت اللبون عن بنت المخاض أنه لا يقع فرضا إلا ما يقابل خمسة وعشرين جزءا من ستة وثلاثين بدليل أخذ الجبران في مقابلة الباقي، قلت: ممنوع؛ لأن الواجب ثم الشاة أصالة، وهي من غير الجنس فتعذر تجزيه؛ لأن القيمة تخمين، وهنا من الجنس ففيه زيادة محسوسة معروفة بالإجزاء من غير نظر لقيمة فأمكن فيه التجزيء، وخرج ببعير الزكاة ابن المخاض، وما دون بنت المخاض.
"فإن عدم" من عنده خمس وعشرون "بنت المخاض" بأن تعذر إخراجها وقت إرادة الإخراج ولو لنحو رهن بمؤجل مطلقا أو بحال لا يقدر عليه أو غصب عجز عن تخليصه أي بأن كان فيه كلفة لها وقع عرفا فيما يظهر، "فابن لبون" أو خنثى ولد لبون يخرجه عنها، وإن كان أقل قيمة منها، ولا يكلف شراءها، وإن قدر عليها بخلاف الكفارة لبناء الزكاة على

 

ج /1 ص -442-      التخفيف ولا يجزئ الخنثى من أولاد المخاض قطعا لعدم تحقق الأنوثة كذا قيل، وفيه نظر لجريان خلاف قوي بإجزاء ابن المخاض فلا قطع، وله إخراج بنت اللبون مع وجود ابن اللبون لكن إن لم يطلب جبرانا، ولو فقد الكل فإن شاء اشترى بنت مخاض أو ابن لبون أما إذا لم يعدم بنت المخاض بأن وجدها، ولو قبيل الإخراج فيتعين إخراجها، ولو معلوفة بخلاف ما لو وجدها وارثه بين تمام الحول والأداء فلا يتعين على المعتمد، والفرق ظاهر وبحث الإسنوي أنها لو تلفت بعد التمكن من إخراجها امتنع ابن اللبون لتقصيره فإن قلت ينافيه ما بحثه أيضا أن العبرة في التعذر بوقت الأداء المعبر عنه فيما تقرر بإرادة الإخراج قلت: يتعين أن مراده بوقت التمكن هنا وقت إرادته الإخراج مع التمكن ثم مع ذلك أخر حتى تلفت، فإن قلت: يلزم عليه أنه يلزمه البقاء على تلك الإرادة بأن لا يعدل لما يتأخر إخراجه عنها قلت: ليس ذلك ببعيد؛ لأن هذا التعين حينئذ فيه احتياط تام للمستحقين فعدوله عنه بقيده المذكور تقصير أي تقصير ومر أنه إذا لم يجدها، ولا ابن لبون فرق قيمتها، ومحله إن لم يكن بماله سن مجزئ وأمكن الصعود إليه مع الجبران، وإلا وجب على ما بحثه شارح وأيده غيره بأن ابن اللبون بدل، وقد ألزموه تحصيله فكذا هنا ا هـ وفي كل من البحث والتأييد نظر ظاهر أما البحث فلأنه مخالف للمنقول في الكفاية وجرى عليه الإسنوي والزركشي وغيرهما أنه مخير بين إخراج القيمة والصعود بشرطه كما حررته في شرح العباب ويجري ذلك في سائر أسنان الزكاة فإذا فقد الواجب خير الدافع بين إخراج قيمته والصعود أو النزول بشرطه وأما التأييد فلوضوح الفرق بين البدل والأصل فكيف يقاس أحدهما بالآخر حتى يقال إذا ألزم بتحصيل البدل فكذا بتحصيل أصل آخر."والمعيبة كمعدومة" فيخرج ابن اللبون مع وجودها
"ولا يكلف" بنت مخاض "كريمة" أي دفعها وإبله مهازيل بخلاف ما إذا كن كلهن كرائم كما يأتي للخبر الصحيح
"إياك وكرائم أموالهم" "لكن تمنع" الكريمة إذا كانت عنده "ابن لبون" وحق "في الأصح" لوجود بنت مخاض مجزئة بماله فلزمه شراء بنت مخاض أو دفع الكريمة "ويؤخذ الحق عن بنت مخاض" عند فقدها؛ لأنه أولى من ابن لبون "لا" عن بنت "لبون" عند عدمها فلا يؤخذ "في الأصح" وفارق إجزاء ابن اللبون عن بنت المخاض بأن فيه مع ورود النص زيادة سن عليها توجب تميزه بفضل قوة ورود الماء والشجر والامتناع من صغار السباع، والتفاوت بين الحق وبنت اللبون لا يوجب هذا الاختصاص "ولو اتفق فرضان" في إبله "كمائتي بعير" فرضها خمس بنات لبون أو أربع حقاق؛ لأنها خمس أربعينات وأربع خمسينات "فالمذهب" أنه "لا يتعين أربع حقاق بل" الواجب "هن أو خمس بنات لبون" حيث لا أغبط لما يأتي؛ لأن كلا يصدق عليه أنه واجب، ولا يجوز إخراج حقتين وبنتي لبون ونصف، وإن كان أغبط للتشقيص، وقضيته إجزاء ثلاث مع حقتين وأربع مع حقة مثلا إذا كان مع وجود الفرضين عنده هو الأغبط، وهو كذلك لكن يشكل عليه أن من خير بين شيئين لا يجوز له تبعيضهما كما في كفارة اليمين، وقد يفرق بأن التخيير ثم بالنص مع أن كل خصلة مقصودة لذاتها، ولا كذلك هنا، ويؤيده تعين الأغبط هنا لا ثم "فإن وجد بماله أحدهما" كاملا "أخذ" إن لم يحصل الآخر الأغبط،

 

ج /1 ص -443-      ولا يلزمه تحصيله، وإن سهل على المعتمد.ولا يجوز هنا نزول، ولا صعود لعدم الضرورة إليه "وإلا" يوجد بماله أحدهما كاملا بأن فقد كل منهما أو بعض كل أو بعض أحدهما أو وجدا أو أحدهما لا بصفة الإجزاء أو بصفة الكرم "فله تحصيل ما شاء" منهما أي كله أو تمامه بشراء أو غيره، وإن لم يكن أغبط لمشقة تحصيل الأغبط، ويعلم مما يأتي أن له أن يصعد أو ينزل مع الجبران فله في تلك الأحوال الخمسة أن يجعل الحقاق أصلا ويصعد لأربع جذاع فيخرجها ويأخذ أربع جبرانات، وأن يجعل بنات اللبون أصلا وينزل لخمس بنات مخاض فيخرجها مع خمس جبرانات فعلم أن له فيما إذا وجد بعض كل منهما كثلاث حقاق وأربع بنات لبون أن يجعل الحقاق أصلا فيدفعها أو بعضها والباقي من بنات اللبون مع الجبران لكل وبنات اللبون أصلا فيدفعها أو بعضها والباقي من الحقاق ويأخذ الجبران لكل، وفيما إذا وجد بعض أحدهما كحقة أن يجعلها أصلا فيدفعها مع ثلاث جذاع ويأخذ ثلاث جبرانات أو بنات اللبون أصلا فيدفع خمس بنات مخاض مع خمس جبرانات.
تنبيه: قضية كلامهم أنه فيما إذا فقدهما يجوز له جعل الحقاق أصلا، ويدفع أربع بنات لبون مع أربع جبرانات لا جعل بنات اللبون أصلا ويدفع خمس حقاق، ويأخذ خمس جبرانات؛ لأنه وجد عين الواجب هنا فامتنع أخذ الجبران كذا قيل، وهو متجه في الثانية، وأما الأولى ففيها نظر، ولا نسلم أن كلامهم يقتضي ما ذكر فيها؛ لأن أحد الواجبين المخير فيهما لا يصلح للبدلية عن الآخر بل إذا وجد هو أو بعضه فإنما يقع عن نفسه ثم يكمل من غيره "وفيما إذا كان له أربعمائة" له إخراج أربع حقاق وخمس بنات لبون.إذ لا تشقيص؛ لأن كل مائتين أصل برأسها، ولا يشكل عليه ما يأتي من تعين الأغبط لحمل هذا على ما إذا استويا في الأغبطية أو كان في اجتماع الحقاق وبنات اللبون أغبطية، ويأتي أنها لا تنحصر في زيادة القيمة.
"وقيل: يجب الأغبط للفقراء" أي الأصناف وغلب الفقراء منهم لكثرتهم وشهرتهم؛ لأن استواءهما في القدرة عليهما كهو في وجودهما الآتي ويرد بوضوح الفرق، وليس له فيما ذكر أن يصعد أو ينزل لدرجتين كأن يجعل بنات اللبون أصلا ويصعد لخمس جذاع ويأخذ عشر جبرانات أو الحقاق أصلا وينزل لأربع بنات مخاض ويدفع ثماني جبرانات لكثرة الجبران مع إمكان تقليله، ومن ثم لو رضي في الأول بخمس جبرانات جاز "وإن وجدهما" بماله بغير صفة الإجزاء فكالعدم كما مر أو بصفته حال الإخراج، ولا نظر لحال الوجوب كما علم مما مر فيما إذا وجد بنت المخاض قبل الإخراج نعم لا يبعد أن يأتي هنا نظير بحث الإسنوي السابق من أنه لو قصر حتى تلف الأغبط لم يجزئه غيره. "فالصحيح تعين الأغبط" أي الأنفع منهما إن كان من غير الكرام؛ إذ هي كالمعدومة كما بحثه السبكي وكلام المجموع ظاهر فيه بأن كان أصلح لهم لزيادة قيمة أو احتياجهم لنحو در أو حرث أو حمل؛ إذ لا مشقة في تحصيله، وإنما يخير فيما يأتي في الجبران، وفي الصعود والنزول، والأغبط أولى إن تصرف لنفسه؛ لأن الجبران ثم في الذمة فتخير دافعه كالكفارة، وأحد الفرضين هنا متعلق بالعين فروعيت مصلحة مستحقه ولإمكان تحصيل الفرض هنا بعينه

 

ج /1 ص -444-      والاستغناء عن النزول والصعود بخلافه ثم "ولا يجزئ غيره" أي الأغبط "إن دلس" المالك بأن أخفى الأغبط "أو قصر الساعي"، ولو في الاجتهاد في أيهما أغبط فترد عينه إن وجد، وإلا فقيمته "وإلا" يدلس ذاك، ولا قصر هذا "فيجزئ" عن الزكاة؛ لأن رده مشق "والأصح" بناء على الإجزاء ما لم يعتقد الساعي حل أخذ غير الأغبط ويفوض الإمام له ذلك لإجزاء غير الأغبط حينئذ "وجود قدر التفاوت" بينه وبين الأغبط.إذا كانت الأغبطية بزيادة القيمة؛ لأنه لم يدفع الفرض بكماله، فإذا كانت قيمة أحد الفرضين أربعمائة والآخر أربعمائة وخمسين وأخرج الأول رجع عليه بخمسين "ويجوز إخراجه" دنانير أو "دراهم" من نقد البلد، وإن أمكنه شراء كامل؛ لأن القصد الجبر لا غير، وهو حاصل بها، وهذا أظهر من وجوه أخرى علل بها؛ لأنها كلها مدخولة كما يظهر بتأملها، ويجوز أن يخرج بقدره جزءا من الأغبط لا من المأخوذ فلو كانت قيمة الحقاق أربعمائة وبنات اللبون أربعمائة وخمسين، وأخذ الحقاق فالجبر بخمسة أتساع بنت لبون لا بنصف حقة؛ لأن التفاوت خمسون، وقيمة كل بنت لبون تسعون "وقيل: يتعين تحصيل شقص به" من الأغبط "ومن لزمه بنت مخاض فعدمها" وابن لبون في ماله وأمكنه تحصيلهما "وعنده بنت لبون دفعها" إن شاء "وأخذ شاتين" بصفة الإجزاء إلا إن رضي، ولو بذكر واحد؛ لأن الحق له "أو عشرين درهما" إسلامية نقرة أي فضة خالصة، وهي المراد بالدرهم حيث أطلق نعم لو لم يجدها وغلبت المغشوشة جاز بناء على الأصح من جواز التعامل بها إخراج ما يكون فيه من النقرة قدر الواجب أما إذا وجد ابن لبون فلا يجوز بنت لبون إلا إذا لم يطلب جبرانا كما مر "أو" لزمه "بنت لبون فعدمها دفع بنت مخاض مع شاتين" بصفة الشاة التي في الإبل في جميع ما مر فيها "أو عشرين درهما أو" دفع "حقة وأخذ شاتين أو عشرين درهما" كما رواه البخاري عن كتاب أبي بكر رضي الله عنه، وكذا كل من لزمه سن فقده.وما نزل منزلته له الصعود لأعلى منه، ولو غير سن زكاة وأخذ الجبران، والنزول لأسفل منه إن كان سن زكاة ودفع الجبران، وخرج بعدمها ما إذا وجدها فيمتنع النزول. وكذا الصعود إن طلب جبرانا، ونحو المعيب، والكريم هنا كمعدوم نظير ما مر وإنما منعت بنت المخاض الكريمة ابن لبون كما مر؛ لأن الذكر لا مدخل له في فرائض الإبل فكان الانتقال إليه أغلظ من الصعود والنزول "والخيار في الشاتين والدراهم" وأحدهما هو مسمى الجبران الواحد "لدافعها" مالكا كان أو ساعيا لكن يلزمه رعاية مصلحة الفقراء أخذا ودفعا كما يلزم وكيلا ووليا رعاية مصلحة المالك "و" الخيار "في الصعود والنزول للمالك في الأصح"؛ لأنهما شرعا تخفيفا عليه حتى لا يكلف الشراء فناسب تخييره، ولو مع الجمع بينهما كما إذا لزمه بنتا لبون فنزل عن إحداهما لبنت المخاض مع إعطاء جبران وصعد عن الأخرى لحقة مع أخذه لكن إن وافقه الساعي، وإلا أجيب هذا ما بحثه الزركشي والذي يتجه المنع مطلقا؛ لأن الواجب واحد فإما أن يصعد، وإما أن ينزل وأما الجمع فخارج عن القياس من غير حاجة إليه، ومحل الخلاف إن دفع غير الأغبط وإلا لزم الساعي قبول الأغبط جزما "إلا أن تكون إبله معيبة" بمرض أو غيره فلا يجوز له الصعود لمعيب مع طلب الجبران إلا إن رآه الساعي مصلحة؛ لأن الجبران للتفاوت بين

 

ج /1 ص -445-      السليمين، وهو فوق التفاوت بين المعيبين فقد تزيد قيمة الجبران المأخوذ على المعيب المدفوع، ومن ثم لو عدل لسليم مع طلب الجبران جاز، وله النزول لمعيب مع دفع جبران لتبرعه بزيادة "وله صعود درجتين وأخذ جبرانين ونزول درجتين مع" دفع "جبرانين" كما إذا أعطى بدل الحقة بنت مخاض "بشرط تعذر درجة" قربى في جهة المخرجة "في الأصح" فلا يصعد عن بنت المخاض للحقة، ولا ينزل عن الحقة إليها إلا عند تعذر بنت اللبون لإمكان الاستغناء عن الجبران للزائد نعم لو صعد درجتين ورضي بجبران واحد جاز قطعا مطلقا وصعود ونزول زائد على درجتين كإعطاء بنت مخاض عن جذعة وعكسه كما ذكر، وخرج بقولنا في جهة المخرجة ما لو لزمه بنت لبون.فقدها والحقة فله الصعود للجذعة وأخذ جبرانين، وإن كان عنده بنت مخاض؛ لأنها، وإن كانت أقرب لبنت اللبون ليست في جهة الجذعة "ولا يجوز أخذ جبران مع ثنية"، وهي ما لها خمس سنين كاملة "بدل جذعة" فقدها "على أحسن الوجهين"؛ لأنها ليست من أسنان الزكاة "قلت الأصح عند الجمهور الجواز، والله أعلم"؛ لأنها أسن منها بسنة فكانت كجذعة بدل حقة، ولا يلزم من انتفاء أسنان الزكاة عنها أصالة انتفاء نيابتها ولا تعدد الجبران بإخراج ما فوقها؛ لأن الشارع اعتبر الثنية في الجملة كما في الأضحية أما إذا لم يطلب جبرانا فيجوز جزما "ولا تجزئ شاة وعشرة دراهم" عن جبران واحد؛ لأن الحديث اقتضى التخيير بين الشاتين والعشرين فلم تجزئ خصلة ثالثة كما لا يجوز في كفارة مخيرة إطعام خمسة وكسوة خمسة نعم إن كان الآخذ المالك ورضي بالتفريق جاز؛ لأن الحق له "وتجزئ شاتان وعشرون لجبرانين"؛ لأن كلا مستقل فأجبر الآخر على القبول "ولا" شيء في "البقر حتى تبلغ ثلاثين ففيها تبيع"، وهو "ابن سنة" كاملة؛ لأنه يتبع أمه في المسرح وتجزئ تبيعة بالأولى "ثم في كل ثلاثين تبيع و" في "كل أربعين مسنة" واستغني بهذا عما يوجد في بعض النسخ، وفي أربعين مسنة، وهي ما "لها سنتان" كاملتان لتكامل أسنانها ويجزئ تبيعان بالأولى وبحث أن في كل أربعين تبيعا تبيعا الظاهر أنه وهم؛ لأن المخرج عنه حيث كان في سن تجب فيه الزكاة لا تعتبر موافقة سنه للمخرج وسيأتي في رد استشكال إخراج الصغير ما يصرح بذلك وذلك للخبر الصحيح بذلك وعلم من المتن أن الفرض بعد الأربعين لا يتغير إلا بزيادة عشرين ثم يتغير بزيادة كل عشرة ففي مائة وعشرين ثلاث مسنات أو أربعة أتبعة ويأتي فيها تفصيل ما مر في المائتين إلا أنه لا جبران هنا كالغنم لعدم وروده
"ولا" شيء في "الغنم حتى تبلغ أربعين فشاة جذعة ضأن أو ثنية معز، وفي مائة وإحدى وعشرين شاتان و" في "مائتين.وواحدة ثلاث" من الشياه "وفي أربعمائة أربع ثم في كل مائة شاة" كما في كتاب الصديق رضي الله عنه رواه البخاري.
تنبيه: أكثر ما يتصور من الوقص في الإبل تسعة وعشرون ما بين إحدى وتسعين ومائة وإحدى وعشرين، وفي البقر تسع عشرة ما بين أربعين وستين، وفي الغنم مائة وثمانية وتسعون ما بين مائتين وواحدة وأربعمائة.

 

ج /1 ص -446-      فصل في بيان كيفية الإخراج لما مر وبعض شروط الزكاة
"إن اتحد نوع الماشية" كأن كانت إبله كلها أرحبية أو مهرية أو بقره كلها جواميس أو عرابا أو غنمه كلها ضأنا أو معزا "أخذ الفرض منه"، وهذا هو الأصل نعم إن اختلفت الصفة مع اتحاد النوع ولا نقص وجب أغبطها كالحقاق وبنات اللبون فيما مر، ولا نظر لإمكان الفرق بأن الواجب ثم أصلان لا هنا؛ لأن ملحظ القياس أنه لا حيف على المالك في المسألتين فلا ينافي هذا الفرق الآتي في خمس وعشرين معيبة، وفارق اختلاف الصفة هنا اختلاف النوع بأنه أشد، فإن قلت: ينافي الأغبط هنا ما يأتي أنه لا يؤخذ الخيار قلت: يجمع بحمل هذا على ما إذا كانت كلها خيارا لكن تعدد وجه الخيرية فيها أو كلها غير خيار بأن لم يوجد فيها وصف الخيار الآتي، وقد مر أن الأغبطية لا تنحصر في زيادة القيمة وذاك على ما إذا انفرد بعضها بوصف الخيار دون باقيها فهو الذي لا يؤخذ "فلو أخذ" الساعي أو أخرج هو بنفسه "عن ضأن معزا أو عكسه" أو عن جواميس عرابا أو عكسه."جاز في الأصح" لاتحاد الجنس؛ ولهذا يكمل نصاب أحدهما بالآخر "بشرط رعاية القيمة" بأن تساوي قيمة المخرج من غير النوع تعدد أو اتحد قيمة الواجب من النوع الذي هو الأصل كأن تستوي قيمة ثنية المعز وجذعة الضأن وتبيع العراب وتبيع الجواميس ودعوى أن الجواميس دائما تنقص عن قيمة العراب ممنوعة، ولو تساوت قيمتا الأرحبية والمهرية أجزأت إحداهما عن الأخرى قطعا على ما قيل، وكان الفرق أن التمايز بين الضأن والمعز والعراب والجواميس أظهر فجرى فيهما الخلاف تنزيلا لهذا التمايز منزلة اختلاف الجنس بخلاف الأرحبية والمهرية، فإن قلت: ما وجه تفريعه فلو على ما قبله المقتضي عدم الإجزاء مطلقا، قلت: وجهه النظر إلى أن قوله منه إنما ذكر لكونه الأصل كما تقرر لا لانحصار الإجزاء فيه "وإن اختلف" النوع "كضأن ومعز" وكأرحبية ومهرية وجواميس وعراب "ففي قول يؤخذ من الأكثر" وإن كان الأحظ خلافه تغليبا للغالب "فإن استويا فالأغبط" هو الذي يؤخذ أي لأنه لا مرجح غيره وقيل يتخير المالك "والأظهر أنه" أي المالك "يخرج ما شاء" من النوعين "مقسطا عليهما بالقيمة" رعاية للجانبين "فإذا كان" أي وجد "ثلاثون عنزا"، وهي أنثى المعز "وعشر نعجات" ضأنا "أخذ عنزا أو نعجة بقيمة ثلاثة أرباع عنز" مجزئة "وربع نعجة" مجزئة، وفي عكسه ثلاثة أرباع نعجة وربع عنز، والخيرة للمالك كما أفاده المتن لا للساعي فمعنى قوله أخذ أي أخذ ما اختاره المالك، وكذا يقال في الإبل والبقر فلو كانت قيمة عنز مجزئة دينارا ونعجة مجزئة دينارين لزمه في المثال الأول عنز أو نعجة قيمتها دينار وربع وقس على ذلك نعم لو وجد اختلاف الصفة في كل نوع أخرج من أي نوع شاء لكن من أجوده أي مع اعتبار القيمة هنا كما هو ظاهر "ولا تؤخذ مريضة، ولا معيبة" بما يرد به المبيع عطف عام على خاص للنهي عن ذلك رواه البخاري "إلا من مثلها" أي المراض أو المعيبات؛ لأن المستحقين شركاؤه، ولو كان البعض أردأ من بعض أخرج الوسط في العيب، ولا يلزمه الخيار جمعا بين الحقين، فلو ملك خمسا وعشرين بعيرا معيبة فيها بنت مخاض

 

ج /1 ص -447-      من الأجود وأخرى دونها تعينت هذه؛ لأنها الوسط.وإنما لم تجب الأولى كالأغبط في الحقاق وبنات اللبون؛ لأن كلا ثم أصل منصوص عليه، ولا حيف بخلافه هنا، ويؤخذ ابن لبون خنثى عن ابن لبون ذكر مع أن الخنوثة عيب في المبيع، ولو انقسمت ماشيته لسليمة ومعيبة أخذت سليمة بالقسط ففي أربعين شاة نصفها سليم ونصفها معيب وقيمة كل سليمة ديناران، وكل معيبة دينار تؤخذ سليمة بقيمة نصف سليمة ونصف معيبة مما ذكر وذلك دينار ونصف، ولو كانت المنقسمة لسليمة ومعيبة ستا وسبعين مثلا فيها بنت لبون صحيحة أخذ صحيحة بالقسط مع مريضة كذا عبروا به، وظاهره أن المريضة لا يعتبر فيها قسط وعليه فوجهه أن القيمة تنضبط مع اختلاف مراتب الصحة لا مع اختلاف مراتب العيب أو صحيحتان أخذتا مع رعاية القيمة بأن تكون نسبة قيمتهما إلى قيمة الجميع كنسبتهما إلى الجميع "ولا ذكر".; لأن النص ورد بالإناث "إلا إذا وجب" كابن لبون أو حق في خمس وعشرين إبلا عند فقد بنت المخاض وكجذع أو ثني فيما دونها وكتبيع في ثلاثين بقرة "وكذا" يؤخذ الذكر فيما "لو تمحضت" ماشيته غير الغنم "ذكورا" وواجبها في الأصل أنثى "في الأصح" كما تؤخذ معيبة من مثلها نعم يجب في ابن لبون أخذ في ست وثلاثين أن يكون أكثر قيمة منه في خمس وعشرين لئلا يسوي بين النصب، ويعرف ذلك بالتقويم والنسبة فلو كانت قيمة المأخوذ في خمس وعشرين خمسين كانت قيمة المأخوذ في ست وثلاثين اثنين وسبعين بنسبة زيادة الجملة الثانية على الجملة الأولى، وهي خمسان وخمس خمس أما الغنم فكذلك على وجه، والأصح إجزاء الذكر عنها قطعا، وخرج بتمحضت ما لو انقسمت إلى ذكور وإناث فلا يؤخذ عنها إلا الإناث كالمتمحضة إناثا لكن الأنثى المأخوذة في المختلطة تكون دون المأخوذة في المتمحضة لوجوب رعاية نظير التقسيط السابق فيها فإن تعدد واجبها وليس عنده إلا أنثى واحدة جاز إخراج ذكر معها، وإيراد هذه على المتن نظرا إلى أنها لم تتمحض وأجزأه إخراج ذكر غير صحيح.; لأن هذه حالة ضرورة نظير ما مر في السليم والمعيب "وفي الصغار" إذا ماتت الأمهات عنها وبني حولها على حولها كما يأتي أو ملك أربعين من صغار المعز ومضى عليها حول فاندفع استشكال ذلك بأن شرط الزكاة الحول وبعده تبلغ حد الإجزاء "صغيرة في الجديد" لقول الصديق رضي الله عنه والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها والعناق صغيرة المعز ما لم تجذع ويجتهد الساعي في غير الغنم وليحترز عن التسوية بين ما قل وكثر فيؤخذ في ست وثلاثين فصيلا فصيل فوق المأخوذ في خمس وعشرين، وفي ست وأربعين فصيلا فصيل فوق المأخوذ في ست وثلاثين وهكذا، والكلام فيما إذا اتحد الجنس ففي خمسة أبعرة صغار تجب جذعة أو ثنية؛ لأنها لما كانت من غير الجنس لم تختلف باختلافه، ولو انقسمت ماشيته لصغار وكبار وجبت كبيرة بالقسط فإن لم توجد به فالقيمة كما مر، وكذا يقال فيما سبق.
"ولا" تؤخذ "ربى" أي حديثة عهد بنتاج ناقة كانت أو بقرة أو شاة، وإن اختلف أهل اللغة في إطلاقها على الثلاثة سميت بذلك؛ لأنها تربي ولدها ويستمر لها هذا الاسم إلى

 

ج /1 ص -448-      خمسة عشر يوما من ولادتها أو إلى شهرين قولان لأهل اللغة، والذي يظهر أن العبرة بكونها تسمى حديثة عرفا؛ لأنه المناسب لنظر الفقهاء "وأكولة" بفتح فضم أي مسمنة للأكل "وحامل" وألحق بها في الكفاية عن الأصحاب التي طرقها الفحل لغلبة حمل البهائم من مرة واحدة بخلاف الآدميات وإنما لم تجزئ في الأضحية؛ لأن مقصودها اللحم ولحمها رديء، وهنا مطلق الانتفاع، وهو بالحامل أكثر لزيادة ثمنها غالبا، والحمل إنما يكون عيبا في الآدميات "وخيار" عام بعد خاص كذا قيل، وهو غير متجه بل هو مغاير والمراد وخيار بوصف آخر.غير ما ذكر، وحينئذ فيظهر ضبطه بأن يزيد قيمة بعضها بوصف آخر غير ما ذكر على قيمة كل من الباقيات وأنه لا عبرة هنا بزيادة لأجل نحو نطاح وأنه إذا وجد وصف من أوصاف الخيار التي ذكروها لا يعتبر معه زيادة، ولا عدمها اعتبارا بالمظنة وذلك لخبر "إياك وكرائم أموالهم" نعم إن كانت ماشيته كلها خيارا أخذ الواجب منها كما مر إلا الحوامل؛ لأن الحامل حيوانان "إلا برضا المالك" في الجميع؛ لأنه محسن بالزيادة.
"ولو اشترك أهل الزكاة" أي اثنان من أهلها كما يفيده قوله: زكيا، وإطلاق أهل على الاثنين صحيح؛ لأنه اسم جنس وهما مثال "في" جنس واحد، وإن اختلف النوع من "ماشية" نصاب أو أقل ولأحدهما نصاب بنحو إرث أو شراء "زكيا كرجل" كخلطة الجوار الآتية بل أولى، وقد يفهم من قوله: زكيا أنه ليس لأحدهما الانفراد بالإخراج بلا إذن الآخر، وليس مرادا بل له ذلك، والانفراد بالنية عنه على المنقول المعتمد فيرجع ببدل ما أخرجه عنه لإذن الشارع في ذلك ولأن الخلطة تجعل المالين مالا واحدا فسلطته على الدفع المبرئ الموجب للرجوع وبهذا فارقت نظائرها، ونقل الزركشي أن محل الرجوع حيث لم يأذن الآخر إن أدى من المشترك، وفيه نظر بل ظاهر كلامهم والخبر أنه لا فرق ثم رأيت ابن الأستاذ رجح ذلك ثم قد يفيدهما الاشتراك تخفيفا كثمانين بينهما سواء وتثقيلا كأربعين كذلك وتثقيلا على أحدهما وتخفيفا على الآخر كستين لأحدهما ثلثاها وكأن اشتركا في عشرين مناصفة ولأحدهما ثلاثون انفرد بها فيلزمه أربعة أخماس شاة، والآخر خمس شاة، وقد لا تفيد شيئا كمائتين سواء.ويأتي ذلك في خلطة الجوار أما إذا لم يكن لأحدهما نصاب فلا زكاة، وإن بلغه مجموع المالين كأن انفرد كل منهما بتسعة عشر واشتركا في ثنتين أو خلطا ثمانية وثلاثين وميزا شاتين دائما "وكذا لو خلطا" أي أهل الزكاة "مجاورة" بأن كان مال كل معينا في نفسه فيزكيان كرجل إجماعا ولخبر البخاري عن كتاب الصديق رضي الله عنه
"لا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة"، وخرج بأهل الزكاة ما لو كان أحد المالين موقوفا أو لذمي أو مكاتب أو لبيت المال فيعتبر الآخر إن بلغ نصابا زكاه، وإلا فلا "بشرط" دوام الخلطة سنة في الحولين فلو ملك كل أربعين شاة أول المحرم وخلطاها أول صفر لم تثبت في الحول الأول فإذا جاء المحرم أخرج كل شاة وثبتت في الحول الثاني وما بعده، وبقائها في غير الحولي وقت الوجوب كبدو صلاح الثمر واشتداد الحب ونصوا عليه مع اشتراطها قبله وبعده أيضا بدليل اتحاد نحو الملقح والجرين؛ لأنه الأصل ولأنهما غير مطردين؛ إذ لو ورث جمع نخلا مثمرا فاقتسموا بعد الزهو لزمهم زكاة

 

ج /1 ص -449-      الخلطة لاشتراكهم حالة الوجوب. والحاصل أن ما لا يعتبر له حول تعتبر الخلطة فيه عند الوجوب كالزهو في الثمر كذا في الحاوي وفروعه ومرادهم خلطة الشيوع أما خلطة المجاورة فلا بد منها من أول الزرع إلى وقت الإخراج بدليل اشتراطهم الاتحاد في نحو الماء والجرين و "أن لا تتميز" ماشية أحدهما عن ماشية الآخر "في المشرب" أي محل الشرب، ولا في الدلو والآنية التي تشرب فيها، ولا فيما تجتمع فيه قبل السقي وما تنحى إليه ليشرب غيرها بأن لا تنفرد إحداهما بمحل لا ترد فيه الأخرى لا بأن يتحدا في محل واحد مما ذكر دائما، وكذا في جميع ما يأتي فعلم أن ما يعتبر الاتحاد فيه لا يشترط اتحاده بالذات بل أن لا يختص أحد المالين به، وإن تعدد إلا الفحل عند اختلاف النوع كما يأتي "والمسرح" الشامل للمرعى وطريقه أي فيما تجتمع فيه لتساق للمرعى، وفيما ترعى فيه، والطريق إليه؛ لأنها مسرحة في الكل "والمراح" بضم الميم أي مأواها ليلا "وموضع الحلب" بفتح اللام مصدر وحكي سكونها وقد يطلق على اللبن، وهو - أعني محل الحلب -: المحلب بفتح الميم أما بكسرها فهو الإناء الذي يحلب فيه ولا يشترط اتحاده كالحالب "وكذا الراعي والفحل" لكن إن اتحد النوع، وإلا لم يضر اختلافه للضرورة حينئذ "في الأصح"، وإن استعير أو ملكه أحدهما "لا نية الخلطة في الأصح"؛ لأن المقتضي لتأثير الخلطة هو خفة المؤنة باتحاد ما ذكر، وهو موجود، وإن لم تنو ويشكل عليه السوم فإن هذا التعليل موجود فيه، وإن لم ينو، ومع ذلك قالوا: لا بد من قصده إلا أن يفرق بأن الخلطة ليست موجبة بإطلاقها بخلاف السوم فإنه موجب على خلاف الأصل فوجب قصده، ومن ثم لم يشترط قصد الاعتلاف؛ لأنه لما لم يوجب كان موافقا للأصل ويضر الافتراق في واحد مما ذكر أو يأتي زمنا طويلا كثلاثة أيام مطلقا أو يسيرا بتعمد أحدهما له أو بتقريره للتفرق.ويجزئ أيضا أخذ الساعي الواجب من مال أحدهما فيرجع على شريكه بحصته من القيمة؛ لأن الخلطة صيرت المالين كالمال الواحد، ومن ثم أجزأت نية أحدهما عن الآخر ويصدق فيها؛ لأنه غارم. "والأظهر تأثير خلطة الثمر والزرع والنقد وعرض التجارة" باشتراك أو مجاورة لعموم خبر "، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة" ولوجود خفة المؤنة بالخلطة هنا أيضا "بشرط أن لا يتميز" في خلطة الجوار "الناطور" هو بالمهملة حافظ النخل والشجر وحكي إعجامها، وقيل: الأول حافظ الكرم والثاني الحافظ مطلقا "والجرين والدكان والحارس" ذكره بعد الناطور من ذكر الأعم بعد الأخص على غير الأخير "ومكان الحفظ ونحوها" كماء تشرب به وحراث ومتعهد وجداد نخل وميزان ومكيال ووزان وكيال وحمال قاله في المجموع ولقاط وملقح ونقاد ومناد ومطالب بالأثمان؛ لأن المالين إنما يصيران كالمال الواحد بذلك واستشكل البلقيني الجرين، وهو بجيم مفتوحة موضع تجفيف الثمار وتخليص الحب وقيل محل تجفيف الزبيب.ومثله البيدر للحنطة، والمربد للثمر بأن الخلطة إنما تكون قبل الوجوب، والجرين بعده فلا معنى لاعتبار الاشتراك فيه. ويجاب بأن الإخراج لما توقف على التجفيف كان العرف بعد توقف الارتفاق بالخلطة عليه فاتضح وجه عدهم له على أن قوله إنما إلى آخره غير صحيح كما علم مما مر آنفا وصورة خلطة المجاورة في ذلك أن

 

ج /1 ص -450-      يكون لكل صف نخيل أو زرع في حائط واحد، وكيس دراهم في صندوق واحد أو أمتعة تجارة في دكان واحد ومر ما يعلم منه أنه ليس المراد بما يجب اتحاده كونه واحدا بالذات بل أن لا يظهر تميز أحد المالين به، وإن تعدد.
"ولوجوب زكاة الماشية" التي هي النعم كما عرف مما قدمه ومر على ما فيه أنه الوضع اللغوي أيضا فلا اعتراض عليه، والإضافة هنا بمعنى في نحو بل مكر الليل أي الزكاة فيها كما بأصله، ويصح كونها بمعنى اللام "شرطان" غير ما مر ويأتي من النصاب وكمال الملك وإسلام المالك وحريته أحدهما "مضي الحول" كله، وهي "في ملكه" لخبر
"لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول"، وهو ضعيف بل صحيح عند أبي داود على أنه اعتضد بآثار صحيحة عن كثيرين من الصحابة بل أجمع التابعون والفقهاء عليه، وإن خالف فيه بعض الصحابة رضي الله عنهم سمي حولا؛ لأنه حال أي ذهب وأتى غيره. "لكن ما نتج" بالبناء للمفعول لا غير "من نصاب" قبل تمام حوله، ولو بلحظة "يزكى بحوله" أي النصاب لما مر عن أبي بكر ووافقه عمر وعلي رضي الله عنهم، ولم يعرف لهم مخالف ولأن المعنى في اشتراط الحول حصول النماء، والنتاج نماء عظيم فتبع الأصل في حوله وإن مات، فإذا كان عنده مائة فولدت إحدى وعشرين قبل الحول وجب شاتان أو عشرين لم يفد كما في الروضة والمجموع.; لأنها لم تبلغ بالنتاج ما يجب فيه شيء زائد على ما قبله واعترض بأنه قد يفيد فيما إذا ملك أربعين فولدت عشرين ثم مات من الأمهات عشرون. ويرد بأن كلامهما في خصوص ذلك المثال فلا يرد عليهما هذا قيل: يرد الأول على المتن؛ لأن العشرين يصدق عليها أنها نتجت من نصاب ومع ذلك لا تزكى بحوله، ويرد بأنه علم من كلامه أن الأمهات لو لم تبلغ النصاب الثاني لا يجب فيها شيء زائد على الأربعين فالنتاج أولى فإيراد مثل ذلك عليه تساهل، أو أربعون شاة فولدت أربعين وماتت قبل الحول فتجب شاة واستشكل الإسنوي هذا بأنه يقتضي أن السوم لا يجب في جميع النصاب وأجيب بفرض ذلك فيما إذا كان النتاج قبل آخر الحول بنحو يومين مما لا يؤثر العلف فيها، وفيه نظر لمنافاته لكلامهم وبأن السخلة المغذاة باللبن لا تعد معلوفة عرفا، ولا شرعا أي لأن اللبن كالكلأ؛ لأنه ناشئ عنه، وبأن اللبن الذي تشربه السخلة لا يعد مؤنة عرفا؛ لأنه يستخلف إذا حلب كالماء وأجيب بغير ذلك أيضا مما فيه نظر، وأحسن من ذلك كله أن يحاب بأن النتاج لما أعطي حكم أمهاته في الحول فأولى في السوم فمحل اشتراطهما في غير هذا التابع الذي لا تتصور إسامته ثم رأيت شيخنا أشار لذلك، ويأتي عن المتولي ما يخالف ذلك مع رده، وخرج بنتج ما ملك بنحو شراء كما يأتي وبقوله: من نصاب ما نتج من دونه كعشرين نتجت عشرين فحولها من حين تمام النصاب وبقوله بحوله ما حدث بعد الحول أو مع آخره فلا يضم للحول الأول بل للثاني، ويشترط اتحاد سبب ملك الأمهات والنتاج فلو أوصى به لشخص لم يضم لحول الوارث، وكذا لو أوصى الموصى له بالحمل به قبل انفصاله لمالك الأمهات ثم مات ثم نتجت لم يزك بحول الأصل وانفصال كل النتاج قبل تمام الحول، وإلا فلا زكاة، واتحاد الجنس فلو حملت بإبل إن تصور فلا ضم.

 

ج /1 ص -451-      "ولا يضم المملوك بشراء أو غيره في الحول" لأنه لم يتم له حول والنتاج إنما خرج عنه للنص عليه، وخرج بفي الحول النصاب فيضم فيه لبلوغه به احتمال المواساة فإذا اشترى غرة المحرم ثلاثين بقرة وعشرة أخرى أول رجب فعليه في الثلاثين تبيع عن محرم وللعشرة ربع مسنة عند رجب ثم عليه بعد ذلك في باقي الأحوال ثلاثة أرباع مسنة عند محرم، وربعها عند رجب وهكذا، ومن ثم لو طرأت الخلطة على الانفراد لزم للسنة الأولى زكاة الانفراد، ولما بعدها زكاة الخلطة "فلو ادعى" المالك "النتاج بعد الحول" أو نحو البيع أثناءه أو غير ذلك من مسقطات الزكاة وخالفه الساعي واحتمل قول كل "صدق" المالك؛ لأن الأصل عدم الوجوب مع أن الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن "فإن اتهم" من الساعي مثلا "حلف" ندبا فإن أبى ترك، ولا يحلف ساع، ولا مستحق "ولو مات" المالك في الحول انقطع فيستأنفه الوارث من وقت الموت نعم السائمة لا يستأنف حولها منه بل من وقت قصده هو لإسامتها بعد علمه بالموت ومثل ذلك ما لو كان مال مورثه عرض تجارة فلا ينعقد حوله حتى يتصرف فيه بنية التجارة، وأما إفتاء البلقيني بالاكتفاء هنا وفي السائمة بقصد المورث فهو مخالف لكلام الأصحاب فاحذره، وإن وافقه الأذرعي في بعضه "أو زال ملكه في الحول فعاد أو بادل بمثله" مبادلة صحيحة.في غير نحو قرض النقد "استأنف"؛ لأنه ملك جديد فاحتاج لحول ثان وأتى بالفاء، ومثل ليفهم الاستئناف عند طول الزمن واختلاف النوع بالأولى ويكره له ذلك إن قصد به الفرار من الزكاة وفي الوجيز يحرم زاد في الإحياء: ولا تبرأ به الذمة باطنا وأن هذا من الفقه الضار وقال ابن الصلاح يأثم بقصده لا بفعله، وشمل المتن بيع بعض النقد الذي للتجارة ببعض كما يفعله الصيارفة، وهو كذلك، وكذا لو كان عنده نصاب سائمة للتجارة فبادلها بمثلها فينقطع الحول أيضا، ولو أقرض نصاب نقد في الحول لم ينقطع عنه؛ لأن الملك لم يزل بالكلية لثبوت بدله في ذمة المقترض والدين فيه الزكاة كما يأتي "و" الشرط الثاني "كونها سائمة" بفعل المالك أو وكيله أو وليه أو الحاكم لغيبته مثلا لما يأتي أنه لا زكاة في سائمة بنفسها.والسائمة الراعية في كلإ مباح وذلك للتقييد بالسوم في الأحاديث في الإبل والغنم وألحق بهما البقر فافهم أنه لا زكاة في معلوفة؛ لأن مؤنتها لما لم تتوفر لم تحتمل المواساة أما المملوك فإن قلت: قيمته بحيث لم يعد مثله كلفة في مقابلة نمائها فهي سائمة، وإلا فهي معلوفة على ما رجحه السبكي واعتمد الجلال البلقيني أنه يؤثر مطلقا والإسنوي وغيره إفتاء القفال بأنها لو رعت ما اشتراه في محله فسائمة، وإلا فمعلوفة قال القفال: ولو رعاها ورقا تناثر فسائمة، وإن قدمه لها فمعلوفة أي ما لم يكن من حشيش الحرم فلا ينقطع به السوم؛ لأنه لا يملك وإنما يثبت لآخذه نوع اختصاص فإذا علفها به فقد علفها بغير مملوك فلم ينقطع السوم قاله ابن العماد، وفيه ما فيه؛ لأن المدار على الكلفة وعدمها لا على ملك المعلوف.والحاصل أن الذي يتجه من ذلك أن ملك العلف أو مؤنة تقديم المباح لها إن عده أهل العرف تافها في مقابلة بقائها أو نمائها فهي باقية على سومها، وإلا فلا فإن قلت: يشكل على هذا ما يأتي في العلف من النظر إلى الضرر البين، وفي الشرب بالماء المشترى من منعه وجوب كمال العشر مطلقا؟

 

ج /1 ص -452-      قلت: يفرق بأن ما هنا فيه النظر للمعلوف وذاك فيه النظر لزمنه فنيط كل بما يناسبه على أن المدرك فيهما واحد في الحقيقة كما يعلم مما يأتي فإن شراء الماء لا يسقط الوجوب من أصله فلم ينظر فيه لتافه وغيره بخلاف العلف هنا ويظهر إتيان ذلك أيضا فيما لو استأجر من يرعاها بأجرة فيفرق بين كثرة الأجرة وقلتها، ولا أثر لشرب النتاج لبن أمه؛ لأنه ناشئ عن الكلأ المباح مع كونه تابعا ولذا لم يفرد بحول، وقول الإسنوي عن المتولي: لا يضم لأمه حتى يسام بقية حولها اعترض بأنه يلزم منه أنه لا يزكى ما دام صغيرا؛ لأنه لا يجتزى بالسوم عن لبن أمه، وهو باطل، وخرج بإسامة من ذكر سائمة ورثها وتم حولها، ولم يعلم فلا زكاة فيها خلافا لما بحثه الأذرعي، وما لو أسامها غاصب أو مشتر شراء فاسدا "فإن علفت معظم الحول" ليلا أو نهارا "فلا زكاة" فيها لكثرة مؤنتها حينئذ "وإلا" تعلف معظمه كأن كانت تسام نهارا وتعلف ليلا "فالأصح" أنها "إن علفت قدرا تعيش بدونه بلا ضرر بين" إما لقلة الزمن كيوم أو يومين فقد قالوا: إنها تصبر عن العلف اليومين لا الثلاثة، وإما لاستغنائها بالرعي فلا يتغير حكمها بالعلف حينئذ كما جزم به الروياني "وجب" زكاتها لخفة مؤنتها "وإلا" تعش أصلا أو مع ضرر بين بدونه "فلا" زكاة لظهور المؤنة سواء أكان ذلك القدر الذي علفت به متواليا أم غير متوال كما اقتضاه إطلاقهم، وهو ظاهر لما تقرر أن المدار على قلة المؤنة وكثرتها، ومحل ما ذكر حيث لم يقصد بالعلف قطع السوم، وإلا انقطع به مطلقا "ولو سامت" الماشية "بنفسها" فلا زكاة بناء على الأصح أنه يشترط قصد السوم."أو اعتلفت السائمة" بنفسها القدر المؤثر فلا زكاة أيضا لحصول المؤنة، وقصد العلف غير شرط لرجوعه إلى الأصل، وهو عدم الوجوب "أو كانت عوامل" للمالك ولو في محرم أو بأجرة أو لغاصب "في حرث ونضح"، وهو محل الماء المعد للشرب "ونحوه" كحمل "فلا زكاة في الأصح"؛ لأنها معدة لاستعمال مباح فأشبهت ثياب البدن وصح "ليس في البقر العوامل شيء"، وفي رواية "ليس على العوامل شيء"، وزمن كونها عوامل يقاس بزمن علفها فيما مر ويفرق بين عدم وجوب الزكاة في المستعملة في محرم ووجوبها في حلي محرم بأنها متأصلة في النقد، ومن ثم لم يحتج لقصد، ولا فعل فلم يسقطها فيه إلا قوي، والمحرم لا قوة فيه بخلافها في الحيوان، ومن ثم احتاجت إلى إسامة وقصد فتأثرت بأدنى مؤثر، ومنه الاستعمال المحرم "وإذا وردت ماء أخذت زكاتها عنده" ندبا للأمر به رواه أحمد ولأنه أسهل ولا يكلفون حينئذ ردها للبلد، ولا الساعي أن يتبع المراعي "وإلا" ترد الماء لنحو استغنائها بالكلأ "فعند بيوت أهلها" وأفنيتهم فيكلفون الرد إليها؛ لأنه أضبط ويظهر فيما لا ترد ماء، ولا مستقر لأهلها لدوام انتجاعهم معها تكليف الساعي النجعة إليهم؛ لأن كلفته أهون من كلفة تكليفهم ردها إلى محل آخر ثم رأيت المتولي قال: اللازم للملاك التمكين من أخذ الزكاة دون حملها إلى الإمام ثم استشكله بأن "وآتوا الزكاة" يقتضي وجوب الحمل إليه حتى لو كان بعيرا جموحا لزمه العقال، وعليه حمل قول أبي بكر رضي الله عنه لو منعوني عقالا أعطوه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه ا هـ والقاضي قال: يلزمه التسليم بالعقال ثم يسترده واعتمده في الكفاية فقال: مؤنة إيصالها إلى الساعي أو المستحق على المؤدي

 

ج /1 ص -453-      فيلزمه العقال في الجموح وعليه حمل أصحابنا ما ذكر عن أبي بكر رضي الله عنه ا هـ ويوافقه قول المجموع عن صاحب البيان وأقره ومؤنة إحضار الماشية إلى الساعي على المالك؛ لأنها للتمكين من الاستيفاء ولك أن تقول إن قلنا بوجوب الدفع إلى الإمام أو نائبه وجبت المؤنة على المالك أو بعدمه فإن أرسل ساعيا وجب تمكينه من القبض ولو بنحو عقال الجموح ثم يؤخذ منه بعد القبض لا حملها إلى محله إن بعد؛ لأن في ذلك مشقة لا تطاق.وبهذا التفصيل يجمع بين كلام التتمة وغيره، وتعليل المجموع يشير لما ذكرته فتأمله، وفيه عن الأصحاب يلزمه بعث السعاة لأخذها أي ممن لا يعلم منهم أنهم يؤدونها بأنفسهم "ويصدق المالك" أو نحو وكيله "في عددها إن كان ثقة" وللساعي عدها "وإلا" يكن ثقة أو قال: لا أعرف عددها "فتعد" أي وجوبا كما هو ظاهر والأولى كون العد "عند مضيق" تمر به واحدة فواحدة وبيد كل واحد من الآخذ والمخرج قضيب يشير به إليها ويضعه على ظهرها؛ لأنه أسهل وأبعد عن الغلط فإن ادعى أحدهما الخطأ بما يختلف الواجب به أعيد العد ويسن لآخذ الزكاة الدعاء لمعطيها ترغيبا وتطييبا لقلبه وقيل: يجب ويكره لغير نبي أو ملك إفراد الصلاة على غير نبي أو ملك وقيل يحرم والسلام كالصلاة فيكره إفراد غائب به أي إلا في المكاتبات أخذا مما يأتي في السير؛ لأنها منزلة منزلة المخاطبة ثم رأيت المجموع صرح بذلك هنا فقال: وما يقع منه في غيبة في المراسلات منزل منزلة ما يقع منه خطايا ويسن لمعطي نحو صدقة أو كفارة أو نذر ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ويسن الترضي والترحم على كل خير ولو غير صحابي خلافا لمن خص الترضي بالصحابة.

باب زكاة النبات
أي النابت، وهو إما شجر، وهو على الأشهر ما له ساق وإما نجم، وهو ما لا ساق له كالزرع والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع.
"تختص بالقوت"، وهو ما يقوم به البدن غالبا؛ لأن الاقتيات ضروري للحياة فأوجب الشارع منه شيئا لأرباب الضرورات بخلاف ما يؤكل تنعما أو تأدما مثلا كما يأتي "وهو من الثمار الرطب والعنب" إجماعا "ومن الحب الحنطة والشعير والأرز" بفتح فضم فتشديد في أشهر اللغات "والعدس.وسائر المقتات اختيارا"، ولو نادرا كالحمص والبسلاء والباقلاء والذرة والدخن، وهو نوع منها واللوبيا، وهو الدجر والجلبان والماش، وهو نوع منه، وظاهر أن الدقسة قال في القاموس: وهي حب كالجاروش كذلك؛ لأنها بمكة ونواحيها مقتاتة اختيارا بل قد تؤثر كثيرا على بعض ما ذكر للخبر الصحيح "فيما سقت السماء والسيل والبعل العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر". وإنما يكون ذلك في الثمر والحنطة والحبوب فأما القثاء والبطيخ والرمان والقضب أي بالمعجمة، وهو الرطبة بفتح فسكون فعفو عفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيس بما فيه غيره بجامع الاقتيات وصلاحية الادخار فيما تجب فيه، وعدمهما فيما لا تجب فيه سواء أزرع ذلك قصدا أم نبت اتفاقا كما في المجموع حاكيا فيه الاتفاق وبه يعلم ضعف قول شيخنا في متن تحريره وشرحه تبعا لأصله: وأن يزرعه مالكه أو نائبه

 

ج /1 ص -454-      فلا زكاة فيما انزرع بنفسه أو زرعه غيره بغير إذنه كنظيره في سوم النعم ا هـ. وفي الروضة وأصلها ما حاصله أن ما تناثر من حب مملوك بنحو ريح أو طير زكي. وجرى عليه شراح التنبيه وغيرهم فقالوا ما نبت من زرع مملوك بنفسه زكي وعليه يفرق بين هذا والماشية بأن لها نوع اختيار فاحتيج لصارف عنه، وهو قصد إسامتها بخلافه هنا وأيضا فنبات القوت بنفسه نادر فألحق بالغالب ولا كذلك في سوم الماشية فاحتيج لقصد مخصص، ويظهر أن يلحق بالمملوك ما حمله سيل إلى أرضه مما يعرض عنه فنبت وقصد تملكه بعد النبت أو قبله، وكذا يقال فيما حمله سيل من دار الحرب. فنبت بدارنا وبه يخص إطلاقهم أنه لا زكاة فيه كنخل مباح وثمار موقوفة على غير معين كمسجد أو فقراء؛ إذ لا مالك لها معين بخلاف المعين كأولاد زيد مثلا ذكره في المجموع. وأفتى بعضهم في موقوف على إمام المسجد أو المدرس بأنه يلزمه زكاته كالمعين، وفيه نظر ظاهر بل الوجه خلافه؛ لأن المقصود بذلك الجهة دون شخص معين كما يدل عليه كلامهم في الوقف وبعضهم بأن الموقوف المصروف لأقرباء الواقف فيما يأتي كالوقف على معين، وفيه نظر بل الوجه خلافه أيضا؛ لأن الواقف لم يقصدهم وإنما الصرف إليهم حكم الشرع، ومن ثم لا زكاة فيما جعل نذرا أو أضحية أو صدقة قبل وجوبها ولو نذرا معلقا بصفة حصلت قبله كإن شفي مريضي فعلي أن أتصدق بتمر نخلي فشفي قبل بدو صلاحه فإن بدا قبل الشفاء فإن قلنا إن النذر المعلق يمنع التصرف قبل وجود المعلق عليه لم تجب، وإلا وجبت وسيأتي تحرير ذلك في النذر.
تنبيه: في المجموع أن غلة الأرض الموقوفة على معين تزكى قطعا وينبغي حمله على ما نبت فيها من بذر مباح يملكه الموقوف عليه بخلاف المملوك لغيره فإنه لمالكه فعليه زكاته سواء أنبت في أرض موقوفة أو مملوكة، وقد قالوا إن زرع نحو المغصوبة يزكيه مالك البذر وإن الثمر المباح، وما حمله السيل من دار الحرب لا يزكى؛ لأنه لا مالك له معين، وخرج بالمقتات غيره مما.يؤكل تداويا أو تأدما أو تنعما كالقرطم والترمس وحب الفجل والسمسم وباختيار ما يقتات اضطرارا كحب الحنظل والحلبة والغاسول، وهو الأشنان، وضبطه جمع بكل ما لا يستنبته الآدميون؛ لأن من لازم عدم استنباتهم له عدم اقتياتهم به اختيارا أي، ولا عكس؛ إذ الحلبة تستنبت اختيارا ولا تقتات كذلك، وعلى زارع أرض فيها خراج وأجرة الزكاة، ولا يسقطها وجوبهما لاختلاف الجهة، والخبر النافي لاجتماعهما ضعيف إجماعا بل باطل، ولا يؤديهما من حبها لا بعد إخراج زكاة الكل، وفي المجموع: لو آجر الخراجية فالخراج على المالك، ولا يحل لمؤجر أرض أخذ أجرتها من حبها قبل أداء زكاته فإن فعل لم يملك قدر الزكاة فيؤخذ منه عشر ما بيده أو نصفه كما لو اشترى زكويا لم تخرج زكاته ولو أخذ الإمام أو نائبه كالقاضي بشرطه الآتي آخر الباب الخراج على أنه بدل عن العشر فهو كأخذ القيمة بالاجتهاد أو التقليد والأصح إجزاؤه أو ظلما لم يجز عنها وإن نواها المالك وعلم الإمام بذلك وقول بعضهم يحتمل الإجزاء يرد بأن الفرض أنه قاصد الظلم، وهذا صارف عنها وقولهم يجوز دفعها لمن لم يعلم أنها زكاة؛ لأن العبرة بنية المالك محله عند عدم الصارف من الآخذ أما معه كأن قصد بالأخذ جهة أخرى فلا.

 

ج /1 ص -455-      ويؤيده قول بعضهم: يحمل الإجزاء على ما إذا رضي الآخذ عما طلبه من الظلم.بالزكاة وعدمه على قاصد الظلم الذي لم يعول على نية الدافع وبهذا يعلم أن المكس لا يجزئ عن الزكاة إلا إن أخذه الإمام أو نائبه على أنه بدل عنها باجتهاد أو تقليد صحيح لا مطلقا خلافا لمن وهم فيه كما بسطت الكلام عليه في كتاب الزواجر عن اقتراف الكبائر، وفي غيره وسيأتي لذلك مزيد.
تنبيه: أخذ الزركشي من كلامهم أن أرض مصر ليست خراجية ثم نقل عن بعض الحنابلة أنه أنكر إفتاء حنفي بعدم وجوب زكاتها لكونها خراجية بأن شرط الخراجية أن من عليه الخراج يملكها ملكا تاما، وهي ليست كذلك فتجب الزكاة أي حتى على قواعد الحنفية وأجيب بأنه بنى ذلك على ما أجمع عليه الحنفية أنها فتحت عنوة وأن عمر وضع على رءوس أهلها الجزية وأرضها الخراج، وقد أجمع المسلمون على أن الخراج بعد توظيفه أي على أرض بيت المال لا يسقط بالإسلام ويأتي قبيل الأمان ما يرد جزمهم بفتحها عنوة وصرح أئمتنا بأن النواحي التي يؤخذ الخراج من أراضيها، ولا يعلم أصله يحكم بجواز أخذه؛ لأن الظاهر أنه بحق، وبملك أهلها لها فلهم التصرف فيها بالبيع وغيره؛ لأن الظاهر في اليد الملك، وحينئذ فالوجه أن أرض مصر من ذلك؛ لأنه لما كثر الخلاف في فتحها أهو عنوة أو صلح في جميعها أو بعضها كما يأتي بسطه قبيل الأمان صارت مشكوكا في حل أخذه منها، وقد تقرر أن ما هي كذلك تحمل على الحل فاندفع الأخذ المذكور.
تنبيه آخر: قدم مخالف لشافعي أو باعه مثلا ما لا يعتقد تعلق الزكاة به على خلاف عقيدة الشافعي فهل له أخذه اعتبارا باعتقاد المخالف كما اعتبروه في الحكم باستعمال ماء وضوئه الخالي عن النية وفرقوا بينه وبين ما مر في اعتبار اعتقاد المقتدي بأن سبب هذا رابطة الاقتداء، ولا رابطة ثم حتى يعتبر لأجلها اعتقاد الشافعي، وهذا بعينه موجود هنا وأيضا مر أنه يحرم على شافعي لعب الشطرنج مع حنفي؛ لأن فيه إعانة على معصية بالنسبة لاعتقاد الحنفي؛ إذ لا يتم اللعب المحرم عنده إلا بمساعدة الشافعي له ويأتي أن الشافعي لا ينكر على مخالف فعل ما يحل عنده ويحرم عند الشافعي؛ لأنا نقر من اجتهد أو قلد من يصح تقليده على فعله اتفاقا، أو لا اعتبار بعقيدة نفسه ويجاب عن الأول بأن اعتبار الاستعمال المؤدي للترك احتياطا مع أنه لا مخالفة منا لإمامنا به بوجه لا يقاس به الفعل المؤدي للوقوع في ورطة تحريم إمامنا لنحو أكل ما تعلقت به الزكاة قبل إخراجها، وعن الثاني والثالث بأنا، وإن لزمنا تقرير المخالف لكن يلزمنا الإنكار عليه في فعله ما يرى هو تحريمه فحرمة إعانته له بالأولى.وهذا هو الذي يتجه ترجيحه خلافا لمن مال إلى الأول، وعبارة السبكي في فتاويه صريحة فيما ذكرته، وحاصلها أن من تصرف فاسدا اختلفت المذاهب فيه فأراد قضاء دين به لمن يفسده ففيه خلاف والأصح أن من يصححه إن كان قوله مما ينقض لم يحل له، وكذا إن لم ينقض وقلنا: المصيب واحد أي وهو الأصح ما لم يتصل به حكم؛ لأنه فيما باطن الأمر فيه كظاهره ينفذ ظاهرا وباطنا كما يأتي بسطه في القضاء ونظر فيه بما لا يلاقيه.

 

ج /1 ص -456-      "وفي القديم تجب في الزيتون والزعفران والورس" بفتح فسكون نبت أصفر باليمن يصبغ به، ولو دون نصاب لقلة حاصلهما غالبا "والقرطم" بكسر أوله وثالثه وضمهما حب العصفر "والعسل" من النحل كذا قيده شارح وأطلقه غيره ولعل الأول لكون القديم لا يوجبه في عسل غيره وذلك لآثار فيما عدا الزعفران عن الصحابة لكنها ضعيفة "ونصابه خمسة أوسق" من وسق جمع أو حمل لخبر الشيخين "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" "وهي ألف وستمائة رطل بغدادية"؛ لأن الوسق ستون صاعا إجماعا فجملة الأوسق ثلاثمائة صاع، والصاع أربعة أمداد، والمد رطل وثلث وقدرت بالبغدادي؛ لأنه الرطل الشرعي "وبالدمشقي ثلاثمائة وستة وأربعون رطلا وثلثان"؛ لأن رطل دمشق ستمائة درهم، ورطل بغداد عند الرافعي مائة وثلاثون درهما "قلت الأصح" أنها بالرطل الدمشقي "ثلاثمائة" رطل "واثنان وأربعون" رطلا "وستة أسباع" من رطل ؛ لأن الأصح أن رطل بغداد مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم وقيل بلا أسباع وقيل وثلاثون والله أعلم" وتقدير الأوسق بذلك تحديد على الأصح والاعتبار بالكيل.قال الروياني عن الأصحاب بمكيال أهل المدينة أي للخبر الآتي: "أول زكاة النقد" وإنما قدر بالوزن استظهارا، والمعتبر فيه من كل نوع الوسط، وهو بالإردب المصري ستة أرادب إلا سدس إردب كما حرره السبكي بناء على أن الصاع قدحان بالمصري إلا سبعي مد "ويعتبر" الرطب والعنب أي بلوغه خمسة أوسق حالة كونه "تمرا أو زبيبا إن تتمر أو تزبب" لخبر مسلم "ليس في حب، ولا تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق" "وإلا" يتتمر، ولا يتزبب "ف" يوسق "رطبا وعنبا".ويخرج منه؛ لأن هذا أكمل أحواله، ويضم غير المتجفف للمتجفف في إكمال النصب لاتحاد الجنس، وما يجف رديئا كما لا يجف، وكذا ما يطول زمن جفافه كسنة كما بحثه الرافعي وله قطع ما لا يجف أي وما ألحق به كما هو ظاهر، وإن لم يضر؛ لأنه لا نفع في بقائه، وكذا ما ضر أصله لنحو عطش قال بعضهم: أو خيف عليه قبل أوانه وتخرج منه، وإن كان رطبا للضرورة، ومن ثم لو قطعه من غير ضرورة لزمه تمر جاف أو القيمة على ما يأتي آخر الباب وعلى كل منهما له التصرف في المقطوع؛ لأن الزكاة لم تتعلق بعينه كذا قيل، وفيه نظر لما يعلم مما يأتي قبيل الصيام في شاة واجبة في خمسة أبعرة أن المستحقين شركاء بقدر قيمتها فيبطل البيع في الكل لعدم العلم بما عدا قدر الزكاة وللساعي قبضه على النخل ثم يقسمه بالخرص وبعد قطعه مشاعا ثم يقسمه بناء على الأصح أن قسمة المثليات إفراز، وله بعد قبضه بيعه لمصلحة المستحقين، ولو للمالك وتفرقة ثمنه.إن لم يمكن تجفيفه وتتمره بعد القطع، وإلا لزمه على الأوجه ليسلمه تمرا، وبحث بعضهم أن للمالك الاستقلال بالقسمة، ويؤيده إطلاق قول التتمة عن جمع: تجوز القسمة بين المالك والفقراء كيلا أو وزنا، ولا ربا؛ لأن للمالك أن يدفع لهم أكثر من نصيبهم فيستظهر بحيث يعلم أن معهم زيادة ويلزم على هذه الطريقة تجويز القسمة على النخل بأن يسلم إليهم نخيلا يعلم أن ثمرتها أكثر من العشر ا هـ ويجب على المعتمد استئذان العامل؛ لأنهم شركاؤه فاحتيج لإذن نائبهم فإن قطع بغير إذنه، وقد سهلت مراجعته عزر وسيأتي أن القاضي يستفيد بولاية القضاء ولاية الزكاة ما لم يول

 

ج /1 ص -457-      لها غيره فحينئذ هو قائم مقام العامل في جميع ما ذكر.
تنبيه: ما أفهمه ما ذكر من صحة قبض الساعي للرطب ليس إطلاقه مرادا بل ما يجف لا يصح قبضه له فيلزمه رده إن بقي وبدله إن تلف فإن أخره عنده حتى جف وساوى قدر الزكاة أجزأ فإن زاد رد الزائد أو نقص أخذ ما بقي هذا ما نقلاه عن العراقيين ثم ما لا إلى قول ابن كج لا يجزئ بحال لفساد القبض من أصله ا هـ وهذا هو القياس، وإن اختار في المجموع الأول، وقد يوجه بأن الزكاة لما خرجت عن قياس المعاملات سومح فيها بإجزاء ما وجد شرط إخراجه، ولو بعد قبض الساعي له فاسدا.
"و" يعتبر "الحب" أي بلوغه نصابا حال كونه "مصفى من" نحو "تبنه" وقشر لا يؤكل، ولا يدخر معه ويظهر اغتفار قليل فيه لا يؤثر في الكيل "وما" مبتدأ أو معطوف على فاعل يعتبر "ادخر في قشره" الذي لا يؤكل معه "كالأرز"، ولو في قشرته الحمراء."والعلس" بفتح أوليه، ولا يدخر في قشره غيرهما فكاف التشبيه حينئذ لإفادة عدم انحصار الأفراد الذهنية لا الخارجية فلا اعتراض عليه "ف" نصابه "عشرة أوسق" تحديدا اعتبارا لقشره الذي ادخاره فيه أصلح له وأبقى بالنصف؛ لأن خالصه يجيء منه خمسة أوسق غالبا، وقول أبي حامد قد يجيء من الأرز الثلث فيعتبر ضعفه في المجموع، وإن كان ظاهر كلام الرافعي اعتماده واعتمده أيضا ابن الرفعة وغيره، وكذا ضعف أيضا نقل الماوردي عن أكثر أصحابنا عدم تأثير قشرة الأرز الحمراء حتى إذا بلغ بها خمسة أوسق وجبت زكاته واعتمده الأذرعي، وخرج بلا يؤكل معه الذرة فيدخل قشره في الحساب؛ لأنه يؤكل معه وتنحيته عنه نادرة كتقشير الحنطة، ولا تدخل قشرة الباقلا السفلى في الحساب فنصابه عشرة على ما اعتمده لكن استغربه في المجموع ثم رجح الدخول واعتمده الأذرعي وغيره "ولا يكمل جنس بجنس" إجماعا في التمر والزبيب وقياسا.في نحو البر والشعير "ويضم النوع إلى النوع" كتمر معقلي وبرني وبر مصري وشامي لاتحاد الاسم ومر أن الدخن نوع من الذرة، وهو صريح في أنه يضم إليها لكنه مشكل لاختلافهما صورة ولونا وطبعا وطعما، ومع الاختلاف في هذه الأربعة تتعذر النوعية اتفاقا أخذا من الخلاف الآتي في السلت فليحمل كلامهم على نوع من الذرة يساوي الدخن في أكثر تلك الأوصاف، ومر أيضا أن الماش نوع من الجلبان فيضم إليه "ويخرج من كل بقسطه"؛ لأنه لا مشقة فيه بخلاف المواشي المتنوعة كما مر "فإن عسر" التقسيط لكثرة الأنواع "أخرج الوسط" لا أعلاها، ولا أدناها رعاية للجانبين فإن تكلف وأخرج من كل بقسطه فهو أفضل "ويضم العلس"، وهو قوت نحو أهل صنعاء في كل كمام حبتان وأكثر "إلى الحنطة؛ لأنه نوع منها" عبر بهذا هنا مع قوله قبله النوع إلى النوع ليبين أن مآل العبارتين والمقصود منهما واحد "والسلت" بضم فسكون "جنس مستقل" فلا يضم إلى غيره؛ لأنه اكتسب من تركب الشبهين الآتيين طبعا انفرد به فصار أصلا مستقلا برأسه "وقيل شعير" فيضم له؛ لأنه بارد مثله "وقيل حنطة"؛ لأنه مثلها لونا وملاسة.
تنبيه: يقع كثيرا أن البر يختلط بالشعير، والذي يظهر أن الشعير إن قل بحيث لو ميز لم

 

ج /1 ص -458-      يؤثر في النقص لم يعتبر فلا يجزئ إخراج شعير، ولا يدخل في الحساب، وإلا لم يكمل أحدهما بالآخر فما كمل نصابه أخرج عنه من غير المختلط.
"ولا يضم ثمر عام وزرعه إلى" ثمر وزرع عام "آخر" في تكميل النصاب ولو فرض اطلاع ثمر العام الثاني قبل جذاذ الأول إجماعا "ويضم ثمر العام بعضه إلى بعض"، وإن اختلف إدراكه لاختلاف نوعه أو محله لجريان العادة الإلهية أن إدراك الثمار، ولو في النخلة الواحدة لا يكون في زمن واحد إطالة لزمن التفكه فلو اعتبر التساوي في الإدراك تعذر وجوب الزكاة.فاعتبر وقوع القطع في العام الواحد إجماعا على ما حكي، وهو أربعة أشهر على ما في الكفاية عن الأصحاب لجريان العادة بأن ما بين اطلاع النخلة إلى بدو صلاحها، ومنتهى إدراكها ذلك لكن رد بأن المعتمد اثنا عشر شهرا نظير ما يأتي "وقيل إن اطلع الثاني بعد جداد الأول" بفتح الجيم وكسرها وإعجام الذال وإهمالها أي قطعه "لم يضم" لحدوثه بعد انصرام الأول فأشبه ثمر العام الثاني ولو اطلع الثاني قبل بدو صلاح الأول ضم إليه جزما، قيل قضية كلامه أنه لو تصور نخل أو كرم يحمل في العام مرتين ضم أحدهما إلى الآخر وليس كذلك بل الحملان كثمرة عامين إن كان كل بعد جداد الآخر أو وقت نهايته ويرد إيراده، وإن صح ما قاله من الحكم بأن كلامه جرى على الغالب المعتاد فلا ترد عليه هذه الصورة النادرة، وإن نقل ثقات كثرته في مشارق الحبشة وبهذا اعترض من عبر بالاستحالة، وقد يقال إن أريد أن العرجون بعد جداد ثمره يخلف ثمرا آخر فهو المحال عادة؛ لأنا لم نسمع بمثله أو أنه يخرج بجنب تلك العراجين عراجين أخرى قبل جداد تلك أو بعده فهو موجود مشاهد في بعض النواحي "وزرعا العام يضمان"، وإن استخلفا من أصل أو اختلفا زرعا وجدادا كالذرة تزرع ربيعا وصيفا وخريفا وفارق ما مر أن حملي العنب والنخل لا يضمان بأن هذين يرادان للدوام فكان كل حمل كثمرة عام بخلاف الزرع لا يراد للتأبيد فكان ذلك كزرع واحد تعجل إدراك بعضه ، والأظهر اعتبار وقوع حصاديهما في سنة" بأن يكون بين حصادي الأول والثاني دون اثني عشر شهرا عربية، ولا عبرة بابتداء الزرع؛ لأن الحصاد هو المقصود وعنده يستقر الوجوب.ونازع الإسنوي في ذلك وأطال بما لا يجدي، ويكفي عنه، وعن الجداد في الثمر زمان إمكانهما على الأوجه ويصدق المالك أنه زرع عامين ويحلف ندبا إن اتهم "وواجب ما شرب بالمطر" والماء المنصب إليه من نهر أو جبل أو عين أو الثلج أو البرد "أو" شرب "عروقه" به ويصح جره أي أو شرب بعروقه "لقربه من الماء" ويسمى البعل "من ثمر وزرع العشر و" واجب "ما سقي" من بئر أو نهر "بنضح" بنحو بعير أو بقرة يسمى الذكر ناضحا والأنثى ناضحة وكل منهما سانية "أو دولاب" بضم أوله، وقد يفتح، وهو ما يديره الحيوان أو ناعورة يديرها الماء بنفسه أو بدلو "أو بما اشتراه" شراء صحيحا أو فاسدا أو غصبه أو استأجره لوجوب ضمانه أو وهب له لعظم المنة من ماء أو ثلج أو برد فما في المتن موصولة "نصفه" أي العشر للأخبار الصحيحة الصريحة في ذلك، ومن ثم حكي فيه الإجماع والمعنى فيه كثرة المؤنة وخفتها كما في السائمة والمعلوفة بالنظر للوجوب وعدمه فإن قلت: لم لم تؤثر كثرة المؤنة إسقاط الوجوب من أصله هنا وأثرته

 

ج /1 ص -459-      ثم قلت؛ لأن القصد باقتناء الحيوان نماؤه.لا نفسه فنظر للواجب فيه بالحاصل منه كما مر قبيل الباب. ومن الحب والثمر عينه فنظر إليها مطلقا ثم أوجبوا التفاوت بحسب المؤنة وعدمها نظرا إلى أنه مواساة، وهي تكثر وتقل بحسب ذلك فتأمله وللبلقيني إفتاء طويل في المسقي بماء عيون أودية مكة حاصله أن المسقي منها بمشترى فاسدا للقرار أو مع الماء أو للماء وحده أو بمغصوب مثلا فيه نصف العشر مطلقا؛ لأنه مضمون عليه، وكذا إذا توجه البيع إلى الماء وحده في كل زرعة، وإن فرضت صحته بخلاف شرائه مطلقا أو مع القرار وفرضت صحته فإن ما سقي به أولا فيه النصف للمؤنة بخلاف المسقي به بعد فإن فيه العشر؛ لأن الثمن إنما يقابل الأول دون ما بعده فلا مؤنة في مقابلته ا هـ وما فصله في الصحيح فيه نظر ظاهر والذي يتجه وجوب النصف فيه مطلقا كما هو ظاهر كلامهم أنه حيث ملك بمؤنة لم يلزمه سوى النصف في سنة الشراء، وما بعدها، ولا نسلم أن الثمن مقابل لأول ماء فقط بل لكل ما حصل منه. قال: وإذا لم يملك محل النبع لم يملك الماء فيجب العشر مطلقا ا هـ وقضيته وجوب العشر في تلك العيون مطلقا؛ لأنها تخرج من جبال غير مملوكة، وأصل منبعها الذي يتفجر منه الماء غير مملوك بل، ولا معروف ولك أن تقول هذا، وإن كان هو القياس إلا أن قولهم لو وجدنا نهرا يسقي أرضين لجماعة، ولم نعرف أنه حفر أو انخرق بنفسه حكم لهم بملكه ظاهر في ملك ماء تلك العيون، ومن ثم أجمع أهل الحجاز قديما وحديثا على أن مياهها مملوكة لأهلها لكن قال الأذرعي كما يأتي: محل قولهم ما جهل أصله ملك لذوي اليد عليه إن كان منبعه من مملوك لهم بخلاف ما منبعه بموات أو يخرج من نهر عام كدجلة فإنه باق على إباحته ا هـ وعليه فيجب في أودية مكة العشر؛ لأن ماء عيونها مباح؛ لأن جميع منابعها في موات قطعا "والقنوات"، وكذا السواقي المحفورة.من النهر العظيم "كالمطر على الصحيح" ففي المسقي بها العشر؛ لأنه لا كلفة في مقابلة الماء نفسه بل في عمارة الأرض أو العين أو النهر وإحيائها أو تهيئتها لأن يجري الماء فيها بطبعه إلى الزرع بخلاف المسقي بنحو الناضح فإن الكلفة في مقابلة الماء نفسه. "و" في "ما سقي بهما" أي النوعين "سواء" أو جهل حاله كما يأتي "ثلاثة أرباعه" أي العشر رعاية للجانبين "فإن غلب أحدهما ففي قول يعتبر هو" ترجيحا للغلبة ، والأظهر" أنه "يقسط" كما هو القياس فإن كان ثلثاه بنحو مطر وثلثه بنحو نضح وجب خمسة أسداس العشر ثلثا العشر للثلثين وثلث نصف العشر للثلث وتعتبر الغلبة على الضعيف والتقسيط على الأظهر "باعتبار عيش الزرع" أو الثمر "ونمائه"؛ لأنه المقصود بالسقي فاعتبرت مدته من غير نظر إلى مجرد الأنفع فتعبيره بالنماء، المراد به مدته وجد أو لا "وقيل بعدد السقيات" النافعة بقول الخبراء فإذا كان من بذره إلى إدراكه ثمانية أشهر فاحتاج في ستة أشهر زمن الشتاء والربيع إلى سقيتين فسقي بنحو مطر، وفي شهرين زمن الصيف إلى ثلاث سقيات فسقيها بنحو نضح. فيجب على المعتمد ثلاثة أرباع العشر وربع نصف العشر فإن احتاج في أربعة أشهر لسقية بمطر وأربعة لسقيتين بنضح وجب ثلاثة أرباع العشر، وكذا لو جهل المقدار من نفع كل باعتبار المدة أخذا بالاستواء لئلا يلزم التحكم، ولو علم أن أحدهما أكثر وجهل عينه

 

ج /1 ص -460-      فالواجب ينقص عن العشر ويزيد على نصفه فيؤخذ اليقين إلى أن يعرف الحال، ولا فرق في كل ما ذكر بين أن يقصد السقي بماء فيعرض خلافه، وأن لا يضم المسقي بنحو مطر إلى المسقي بنحو نضح في إكمال النصاب، وإن اختلف الواجب وبهذا المستلزم لاختلاف الأرض غالبا يعلم أن من له أرض في محال متفرقة، ولم يتحصل النصاب إلا من مجموعها لزمه زكاته ويظهر أنه لو حصل له من زرع دون النصاب حل له التصرف فيه، وإن ظن حصوله مما زرعه أو سيزرعه ويتحد حصاده مع الأول فإذا تم النصاب.بان بطلان نحو البيع في قدر الزكاة، ويلزمه الإخراج عنه وإن تلف وتعذر رده؛ لأنه بان لزوم الزكاة فيه، ويصدق المالك في كونه مسقيا بماذا ويحلف ندبا إن اتهم "وتجب" الزكاة فيما مر "ببدو صلاح الثمر" ولو في البعض ويأتي ضابطه في البيع؛ لأنه حينئذ ثمرة كاملة وقبله بلح أو حصرم "واشتداد الحب"، ولو في البعض أيضا؛ لأنه حينئذ قوت وقبله بقل قال أصله فلو اشترى أو ورث نخيلا مثمرة وبدا الصلاح عنده فالزكاة عليه لا على من انتقل الملك عنه؛ لأن السبب إنما وجد في ملكه وحذفه للعلم به من حيث تعليقه الوجوب بما ذكره، ولا يشترط تمام الصلاح والاشتداد، ومؤنة نحو الجداد والتجفيف والحصاد والتصفية وسائر المؤن من خالص ماله، وكثير يخرجون ذلك من الثمر أو الحب ثم يزكون الباقي، وهو خطأ عظيم، ومع وجوبها بما ذكر لا يجب الإخراج إلا بعد التصفية والجفاف فيما يجف بل لا يجزئ قبلهما.نعم يأتي في المعدن تفصيل في شرح قوله فيهما يتعين مجيء كله هنا فتنبه له. فالمراد بالوجوب بذلك انعقاده سببا لوجوب الإخراج إذا صار تمرا أو زبيبا أو حبا مصفى فعلم أن ما اعتيد من إعطاء الملاك الذين تلزمهم الزكاة الفقراء سنابل أو رطبا عند الحصاد أو الجداد حرام، وإن نووا به الزكاة، ولا يجوز لهم حسابه منها إلا إن صفي أو جف وجددوا إقباضه كما هو ظاهر ثم رأيت مجليا صرح بذلك مع زيادة فقال: ما حاصله أن فرض أن الآخذ من أهل الزكاة فقد أخذ قبل محله، وهو تمام التصفية، وأخذه بعدها من غير إقباض المالك له أو من غير نيته لا يبيحه قال: وهذه أمور لا بد من رعاية جميعها، وقد تواطأ الناس على أخذ ذلك مع ما فيه من الفساد، وكثير من المتعبدين يرونه أحل ما وجد، وسببه نبذ العلم وراء الظهور ا هـ واعترض بما رواه البيهقي أن أبا الدرداء أمر أم الدرداء أنها إذا احتاجت تلتقط السنابل فدل على أن هذه عادة مستمرة من زمنه صلى الله عليه وسلم وأنه لا فرق فيه بين الزكوي وغيره توسعة في هذا الأمر وإذا جرى خلاف في مذهبنا أن المالك تترك له نخلات بلا خرص يأكلها فكيف يضايق بمثل هذا الذي اعتيد من غير نكير في الأعصار والأمصار ا هـ، وفيه ما فيه. فالصواب: ما قاله مجلي ويلزمهم إخراج زكاة ما أعطوه كما لو أتلفوه، ولا يخرج على ما مر عن العراقيين وغيرهم؛ لأنه يغتفر في الساعي ما لا يغتفر في غيره ونوزع فيما ذكر من الحرمة بإطلاقهم ندب إطعام الفقراء يوم الجداد والحصاد خروجا من خلاف من أوجبه لورود النهي عن الجداد ليلا، ومن ثم كره فأفهم هذا الإطلاق أنه لا فرق بين ما تعلقت به الزكاة وغيره ويجاب بأن الزركشي لما ذكر جواز التقاط السنابل بعد الحصاد قال ويحمل على ما لا زكاة فيه أو علم أنه زكي أو زادت أجرة جمعه على

 

ج /1 ص -461-      ما يحصل منه فكذا يقال هنا قول المحشي "قوله: فيلزمه بدله إلخ" ليس موجودا في نسخ الشرح التي بأيدينا.وأما قول شيخنا: الظاهر العموم وأن هذا القدر مغتفر فهو، وإن كان ظاهر المعنى، ومن ثم جزم به في موضع آخر لكن الأوفق بكلامهم ما قدمته أولا ومن لزوم إخراج زكاته بإطلاقهم المذكور في الحب مع أنه لا يزكى إلا مصفى، ولا خرص فيه. ويرد بتعين الحمل في مثل هذا على ما لا زكاة فيه، وقد صرحوا بأن من تصدق بالمال الزكوي بعد حوله تلزمه زكاته، ولم يفرقوا بين قليله وكثيره فتعين حمل الزركشي ليجتمع به أطراف كلامهم، ولا ينافي ذلك ما ذكروه في منع خرص نخل البصرة؛ لأنه ضعيف كما يأتي ويأتي رد قول الإمام والغزالي: المنع الكلي من التصرف خلاف الإجماع، وضعف ترك شيء من الرطب للمالك، وأحاديث الباكورة وأمر الشافعي بشراء الفول الرطب محمولان على ما لا زكاة فيه؛ إذ الوقائع الفعلية تسقط بالاحتمال وكما لم ينظر الشيخان وغيرهما في منع بيع هذا في قشره إلى الاعتراض عليه بأنه خلاف الإجماع الفعلي، وكلام الأكثرين وعليه الأئمة الثلاثة كذلك لا ينظر فيما نحن فيه إلى خلاف ما صرح به كلامهم. وإن اعترض بنحو ذلك؛ إذ المذهب نقل فإذا زادت المشقة في التزامه هنا فلا عتب على المتخلص بتقليد مذهب آخر كمذهب أحمد فإنه يجيز التصرف قبل الخرص والتضمين، وأن يأكل هو وعياله على العادة، ولا يحسب عليه، وكذا ما يهديه من هذا في أوانه "ويسن خرص الثمر" الذي تجب فيه الزكاة وإن كان من نخيل البصرة، وما أطال به الماوردي من استثنائه ونقل فيه الإجماع؛ لأنهم لا يمنعون منه مجتازا فيخرجون أكثر مما عليهم وألحق بهم من هو مثلهم في ذلك ردوه بأنه طريقة ضعيفة تفرد بها "إذا بدا صلاحه".أو صلاح بعضه "على مالكه" للأمر الصحيح بذلك، ومن ثم قيل بوجوبه وبحثه بعضهم على الأول إذا علم الإمام أو نائبه تصرف الملاك بالبيع وغيره قبل الجفاف، والخرص التخمين فهو هنا حزر ما يجيء من الرطب والعنب تمرا أو زبيبا بأن يرى ما على كل شجرة ثم إن شاء، وهو الأولى قدر عقب رؤية كل ما عليها رطبا ثم جافا، وإن شاء قدر الجميع رطبا ثم جافا بشرط اتحاد النوع، وخرج بالثمر المراد به الرطب والعنب الحب لتعذر الحزر فيه لكن بحث بعضهم أن للمالك إذا اشتدت الضرورة لشيء منه أخذه ويحسبه واستدل بما لا يتأتى على قواعدنا فهو ضعيف، وإن نقل عن الأئمة الثلاثة ما قيل إنه يوافقه وببعد بدو الصلاح قبله لتعذر خرصه ولعدم تعلق حق الفقراء به.
"والمشهور إدخال جميعه في الخرص" لعموم الأدلة الموجبة لعشر الكل أو نصفه من غير استثناء شيء لأكله وأكل عياله ونحوهم لكن يشهد للاستثناء خبر صحيح به وحملوه كالشافعي رضي الله عنه في أظهر قوليه على أنه يترك له من الزكاة شيء ليفرقه بنفسه في أقاربه وجيرانه، وفي تضعيف المتن مدرك هذا المقابل نظر مع شهادة الحديث وبعد تأويله، ومن ثم قال الأذرعي: ليس عنه جواب شاف، وهو مذهب الحنابلة واختاره بعضهم إذا دعت حاجة المالك إليه، ولم يجد خارصا يثق به ونوى أن يخرج بعد الجداد عما يأكله واستشهد له بتناوله صلى الله عليه وسلم الباكورة قبل بعث الخارص ومر الجواب عن هذا الاستشهاد "وأنه

 

ج /1 ص -462-      يكفي خارص" واحد؛ لأنه يجتهد ويعمل بقول نفسه فهو كالحاكم، ولو اختلف خارصان توقفنا حتى يعرف الأمر منهما أو من غيرهما، ولو فقد خارص من جهة الساعي.حكم المالك عدلين يخرصان عليه ويضمنانه كما يأتي، ولا يكفي واحد احتياطا لحق الفقراء ولأن التحكيم هنا على خلاف الأصل رفقا بالمالك، فبحث بعضهم إجزاء واحد يرد بذلك، وبتحكيمهما مع التضمين الآتي المفيد للتصرف رد ابنا الرفعة والأستاذ قول الغزالي كإمامه ينفذ التصرف في الرطب قبل الجفاف فيما عدا قدر الزكاة بالإجماع وإلا لمنع الناس من الرطب وحمل ما قالاه آخرون على ما بعد الخرص والتضمين "وشرطه" العلم بالخرص ويظهر الاكتفاء فيه حيث لا شاهدان به بالاستفاضة و "العدالة" وتأتي شروطها، وحيث أطلقت أريد بها عدالة الشهادة لكن لأجل حكاية الخلاف صرح ببعض ما خرج بها فقال "وكذا الحرية والذكورة في الأصح"؛ لأنه ولاية، وليس من لم تكمل فيه شروط عدالة الشهادة أهلا لها. "فإذا خرص" وضمن "فالأظهر أن حق الفقراء" أي المستحقين ومر حكمة تغليبهم "ينقطع من عين الثمر" بالمثلثة "ويصير في ذمة المالك التمر" بالمثناة "والزبيب" إن لم يتلفا بغير تقصير منه فإن تلفا بغير تقصير منه قبل التمكن من الأداء فلا ضمان عليه "ليخرجهما بعد جفافه" أي كل منهما؛ لأن الخرص مع التضمين يبيح له التصرف في الجميع وذلك يدل على انقطاع حقهم منه "ويشترط" في الانقطاع والصيرورة المذكورين "التصريح" من الساعي أو الخارص المحكم في الخرص "بتضمينه" أي حق الفقراء لنحو المالك كضمنتك إياه بكذا أو خذه بكذا "وقبول المالك" أو وليه أو وكيله للتضمين "على المذهب"؛ لأن الانتقال من العين إلى الذمة يستدعي رضاهما ويأتي قريبا ما يعلم منه جواز تضمين الساعي أحد شريكين قدر حقه بل الكل. كما يجوز له أن يضمن زكاة حصة المسلم شريكه اليهودي.كما يأتي وبحث أخذا من هذا، ومن أنه يجوز له إخراجها من غيره أنه لو ضمن حصته أو أخرجها ثم اقتسما حل له التصرف في ماله، وإن لم يخرج شريكه حصته بناء على أن القسمة إفراز قال غيره أو بيع، وقد اقتسما بعد الجفاف للضرورة؛ إذ لا يكلف بغيره مع صحة القسمة وتبعية الزكاة للمال ا هـ وفيه نظر؛ إذ كلامهم كالصريح في امتناع استقلال الملاك بالقسمة التي هي بيع بعد تعلق حق الزكاة فليحمل ذلك على ما إذا انقطع حقهم من عينه بتضمين صحيح، ثم رأيت بعضهم أطلق بطلان القسمة وأن إخراج أحدهما قبلها أو بعدها حصته يشيع في المال كله فتبطل في حصة الشريك لعدم إذنه، ولم يحسب للمخرج إلا الربع إن تناصفا وحينئذ لا يجوز له التصرف في شيء من المال لبقاء تعلق الزكاة بحصته ونظيره ما لو باع شريك عبدين بغير إذن شريكه يبطل في نصف كل لا في كل أحدهما ا هـ. وهذا كله مبني على ضعيف لما مر أن المنقول المعتمد أن الخلطة أي شيوعا أو جوارا في الحيوان والمعشر وغيرهما كما صرحوا به تجعل المالين كالمال الواحد فيجوز لأحد الشريكين الإخراج من ماله، ولو بغير إذن شريكه اكتفاء بإذن الشارع ويرجع على الشريك بحصته ما لم ينو التبرع وحينئذ فمتى أخرج أحد شريكين أو خليطين جاز له التصرف في قدر حقه كما لو ضمن قدر الزكاة تضمينا صحيحا، ولا يجاب ساع

 

ج /1 ص -463-      طلب قسمة ما يجف أو غيره قبل القطع بأن يفرد الزكاة بالخرص في نخلة أو أكثر إن قلنا: القسمة بيع، وإلا أجيب، وكذا بعد القطع وقبل الجفاف وعلى المنع يقبض الساعي الواجب من المقطوع مشاعا بقبض الكل. وبه يبرأ المالك ويملكه المستحقون بقبض نائبهم ثم يبيعه أو يبيعه هو والمالك ويقتسمان الثمن، ويلزمه فعل الأحظ، وليس له أخذ قيمة الواجب مع بقاء الثمرة أي إلا باجتهاد أو تقليد صحيح كما علم مما مر في الخلطة، فإن أتلفها المالك، أو تلفت عنده بعد قطعها لزمه قيمة الواجب رطبا وقت التلف ذكره في المجموع قال: وفارق هذا ما مر في مسألة العراقيين بأنه ثم يلزمه إبقاؤها إلى الجفاف حتى يدفع الجاف فإذا قطع قبله فقد تعدى فلزمه الجاف، وهنا لا إبقاء عليه؛ لأن الفرض أنه خاف العطش فلم يلزمه الثمر بل له القطع ودفع الرطب فلم يلزمه غيره، وفيه غموض فتأمله "وقيل ينقطع" حق الفقراء "بنفس الخرص"؛ لأن التضمين لم يرد، وليس هذا التضمين على حقيقة الضمان.لما يأتي أنه لا يضمن ما تلف بغير تقصير "وإذا ضمن" وقبل على الأول "جاز تصرفه في جميع المخروص بيعا وغيره"؛ لأنه ملكه بذلك، ولم يبق لأحد تعلق به، وهذا هو فائدة التضمين واستبعده الأذرعي في معسر يصرفه في دينه أو يأكله وبقاؤه في ذمته لا حظ لهم فيه وتبعه غيره فقال: إنما يضمنه حيث يرى المصلحة، ولا مصلحة هنا فإن ظنها فاختلف ظنه باع الإمام جزءا من الثمر أو الشجر أي حيث لم يكن مرهونا وبحث بعضهم أنه متى أمكن الاستيفاء من الشجر أو غيره خرص عليه وضمنه، وإلا فلا أما قبل الخرص والتضمين أو القبول فلا ينفذ تصرفه ببيع أو غيره إلا فيما عدا قدر الزكاة كما يأتي، ومع ذلك يحرم عليه التصرف في شيء منها لتعلق الحق بها مع كون الشركة غير حقيقية؛ لأن المغلب فيها جانب التوثق فحرم التصرف مطلقا.وبهذا يعلم ضعف إفتاء غير واحد بأن للمالك قبل التضمين الأكل إذا نوى أنه يخرج الجاف؛ لأن حق المستحقين شائع في كل ثمرة فكيف يجوز أكله بنية غرم بدله.
"ولو ادعى" المالك "هلاك المخروص" أو بعضه "بسبب خفي كسرقة" جعلها من الهلاك؛ لأن الغالب أن المسروق يخفى، ولا يظهر فلا اعتراض عليه خلافا لمن زعمه "أو ظاهر" كحريق "عرف" دون عمومه أو معه، ولكن اتهم في هلاك الثمر به "صدق بيمينه" في دعواه ما ذكر واليمين هنا، وفي سائر ما يأتي مستحبة "فإن لم يعرف الظاهر" بأن عرف عدمه أو لم يعرف شيء "طولب ببينة" بوقوعه "على الصحيح" لسهولة إقامتها "ثم يصدق بيمينه في الهلاك به" أي بذلك السبب لاحتمال سلامة ماله بخصوصه، ولو اقتصر على دعوى الهلاك من غير تعرض لسبب قبل قوله ويحلف ندبا إن اتهم "ولو ادعى حيف الخارص" عليه بإخباره بزيادة عمدا قليلة أو كثيرة لم تسمع دعواه إلا ببينة كدعوى الجور على الحاكم "أو غلطه بما يبعد" وقوعه عادة من عالم بالخرص كالربع "لم يقبل" للعلم ببطلان دعواه نعم يحط عنه القدر الممكن الذي لو اقتصر عليه قبل "أو بمحتمل" بفتح الميم وبين قدره كواحد في مائة وكسدس أو عشر على ما قاله البندنيجي واستبعد في السدس، وقد مثله الرافعي بنصف العشر "قبل" وحلف ندبا إن اتهم "في الأصح"؛ لأن صدقه ممكن، هذا كله إن تلف المخروص، وإلا أعيد كيله.

 

ج /1 ص -464-      فرع: علم مما مر أنه إذا أتلف الثمر الذي يجف بعد الخرص والتضمين والقبول لزمه زكاته جافا أو قبل ذلك لا لخوف ضرر أصله لزمه مثله؛ لأنه مثلي على تناقض فيه وترجيح الروضة هنا القيمة هو منصوص الشافعي والأكثرين ووجهه هنا، وإن كان خلاف القياس رعاية مصلحة المستحقين لخشية فساد الرطب قبل وصوله إليهم كما راعوا ضد ذلك حيث ألزموه فيما إذا أتلف نصاب الماشية عين الحيوان الواجب.وإن كان متقوما رعاية للجنس ما أمكن بخلاف ما لو أتلفه أجنبي لا تلزمه إلا القيمة ففرقوا بين المالك وغيره وأيد ذلك جمع بقولهم جوابا عن بحث الرافعي وجوب التمر الجاف؛ لأنه واجبه، وقد فوته لا نقول: واجبه الجاف إلا إذا جف أو ضمنه بالخرص وسلطناه عليه ولا فرق في لزوم القيمة بين ما يتتمر وغيره، ولو تلف كله بعد ذلك قبل إمكان الأداء بلا تقصير لم يلزمه شيء أو بعضه زكى الباقي قال الدارمي: ولو أتلف المال بعدهما أجنبي لزم المالك الزكاة إن ضمن الجاني، وإلا فلا أو قبل التضمين فلا شيء عليه ويطالب الغاصب ا هـ وعليه إن غرم القيمة وقلنا هي الواجب يدفعها المالك للمستحقين، ولا يلزمه شراء واجب الزكاة بها كما هو ظاهر كلام الروضة وأصلها وغيرهما وإذا لزمه التمر فقال له المالك: أدعني مما عليك لم يصح لما فيه من اتحاد القابض والمقبض إلا إذا قلنا فيمن قال لمدينه اشتر لي كذا بما عليك أنه يصح ويبرأ؛ لأن الاتحاد وقع ضمنا لا قصدا ويأتي رابع شروط البيع وآخر الوكالة ما في ذلك، وفي المجموع عن الإمام عن صاحب التقريب لأحد الشريكين في رطب خرصه على صاحبه، وإلزامه بحصته تمرا فيلزمه ويتصرف في الجميع واغتفر عدم رضا بقية الشركاء وهم المستحقون لما يأتي أن شركتهم غير حقيقية لبناء الزكاة على الرفق، ولا يأتي هنا خلاف القسمة؛ لأن مجرد تضمين ذلك لا يستلزمها ويؤيد ما قاله قولهم آخر المساقاة لو خاف المالك على الثمر العامل أو عكسه فله خرصه عليه وتضمينه إياه بتمر قال جمع متقدمون: وللساعي أن يضمن.يهوديا شريك مسلم زكاته؛ لأن ابن رواحة رضي الله عنه ضمن يهود خيبر زكاة الغانمين؛ لأنهم شركاؤهم في التمر وابن رواحة من الغانمين فتضمينه لهم ظاهر في أنهم ملكوا ذلك ببدله من التمر المستقر في ذمتهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ساقاهم بشطر ما يخرج، وهم لا تلزمهم زكاة قال السبكي وزعم أنه يغتفر في معاملة الكفار ما لا يغتفر في غيرها لا يرتضيه ذو لب.

باب زكاة النقد
أي الذهب والفضة وهو ضد العرض والدين فيشمل غير المضروب أيضا خلافا لمن زعم اختصاصه بالمضروب كذا قاله غير واحد والذي في القاموس النقد الوازن من الدراهم وهو صريح في أن وضعه اللغوي المضروب من الفضة لا غير وحينئذ فلا وجه للاختلاف المذكور؛ لأنه إن أريد النقد في هذا الباب شمل الكل اتفاقا أو الوضع اللغوي فهو ما ذكر والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع.
"نصاب الفضة مائتا درهم و" نصاب "الذهب عشرون مثقالا" إجماعا تحديدا فلو نقص

 

ج /1 ص -465-      في ميزان وتم في آخر.فلا زكاة للشك ولا بعد في ذلك مع التحديد لاختلاف خفة الموازين باختلاف حذق صانعيها "بوزن مكة" للخبر الصحيح "المكيال مكيال المدينة والوزن وزن مكة" والمثقال ولم يتغير جاهلية ولا إسلاما ثنتان وسبعون حبة شعير متوسطة لم تقشر وقطع من طرفيها ما دق وطال والدرهم اختلف وزنه جاهلية وإسلاما ثم استقر على أنه ستة دوانق والدانق ثمان حبات وخمسا حبة فالدرهم خمسون حبة وخمسا حبة والمثقال درهم وثلاثة أسباع درهم فعلم أنه متى زيد على الدرهم ثلاثة أسباعه كان مثقالا ومتى نقص من المثقال ثلاثة أعشاره كان درهما فكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل وكل عشرة مثاقيل أربعة عشر درهما وسبعان قال بعض المتأخرين ودرهم الإسلام المشهور اليوم ستة عشر قيراطا وأربعة أخماس قيراط بقراريط الوقت وقيل أربعة عشر قيراطا والمثقال أربعة وعشرون قيراطا على الأول وعشرون على الثاني قال شيخنا ونصاب الذهب بالأشرفي خمسة وعشرون وسبعان وتسع ا هـ.والظاهر أن مراده بالأشرفي القايتبابي أو البرسبابي وبه يعلم النصاب بدنانير المعاملة الحادثة الآن على أنه حدث أيضا تغيير في المثقال لا يوافق شيئا مما مر فليتنبه له وليجتهد الناظر فيما يوافق كلام الأئمة قبل التغيير. "وزكاتهما ربع عشر" لخبرين صحيحين بذلك ويجب فيما زاد بحسابه إذ لا وقص هنا وفارق الماشية بضرر سوء المشاركة لو وجب جزء وإنما تكرر الواجب هنا بتكرر السنين بخلافه في التمر والحب لا يجب فيه ثانيا حيث لم ينو به تجارة؛ لأن النقد تام في نفسه ومتهيئ للانتفاع والشراء به في أي وقت بخلاف ذينك "ولا شيء في المغشوش" أي المخلوط من ذهب بنحو فضة ومن فضة بنحو نحاس "حتى يبلغ خالصه نصابا" لخبر الشيخين "ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة" فإذا بلغ خالص المغشوش نصابا أو كان عنده خالص يكمله أخرج قدر الواجب خالصا أو من المغشوش ما يعلم أن فيه قدر الواجب ويصدق المالك في قدر الغش فلو كان لمحجور تعين الأول.إن نقصت مؤنة السبك المحتاج إليه عن قيمة الغش وينبغي فيما إذا زادت مؤنة السبك على قيمة الغش ولم يرض المستحقون بتحملها أنه لا يجزئ إخراج الثاني لإضرارهم حينئذ بخلاف ما إذا لم تزد أو رضوا وعلى هذا التفصيل يحمل قول جمع كالقمولي ومن تبعه لو أخرج خمسة عشر مغشوشة عن مائتين.خالصة فيظهر القطع بإجزاء ما فيها من الخالص عن قسطه ويخرج الباقي من الخالص وقول آخرين لا يجزئ لما فيه من تكليف المستحقين مؤنة إخلاصه بل سوى في المجموع في إخراجه عن الخالص بينه وبين الرديء وإن له الاسترداد؛ لأنه لم يجزئه عن الزكاة إلا إذا استهلك فيخرج التفاوت ثم قال ولو أخرج عن مائتين خالصتين خمسة عشر مغشوشة فقد سبق أنه لا يجزئه وإن له استردادها ا هـ ومحل الاسترداد إن بين عند الدفع أنه عن ذلك المال وعلى عدم الإجزاء لو خلص المغشوش في يد الساعي أو المستحق أجزأ كما في تراب المعدن بخلاف سخلة كبرت في يده؛ لأنها لم تكن بصفة الإجزاء يوم الأخذ والتراب والمغشوش هنا بصفته لكنه مختلط بغيره ويكره للإمام ضرب المغشوش.ولغيره ضرب الخالص إلا بإذنه وما لا يروج إلا

 

ج /1 ص -466-      بتلبيس كأكثر أنواع الكيمياء الموجودة الآن يدوم إثمه بدوامه كما في الإحياء وشدد فيه ولا يكره إمساك مغشوش موافق لنقد البلد ولا يكمل أحد النقدين بالآخر ويكمل كل نوع من جنس بآخر منه ثم يؤخذ من كل إن سهل وإلا فمن الوسط ويجزئ جيد وصحيح عن رديء ومكسور بل هو أفضل لا عكسهما فيستردهما إن بين "ولو اختلط إناء منهما" أي النقدين بأن أذيبا وصيغ منهما "وجهل أكثرهما" كأن كان وزنه ألفا وأحدهما ستمائة والآخر أربعمائة وجهل عينه "زكى الأكثر ذهبا وفضة" احتياطا إن كان لغير محجور وإلا تعين التمييز الآتي فيزكي ستمائة ذهبا وستمائة فضة وحينئذ يبرأ يقينا ولا يكفي تزكية كله ذهبا؛ لأنه لا يجزئ عن الفضة كعكسه "أو ميز" بينهما بالنار ويحصل عند تساوي أجزائه بسبك أدنى جزء أو بالماء بأن يضع فيه ألفا ذهبا ويعلم ارتفاعه ثم ألفا فضة ويعلمه وهو أزيد ارتفاعا من الأول ثم يضع المختلط فإلى أيهما كان ارتفاعه أقرب فهو الأكثر ويأتي هذا في مختلط جهل وزنه بالكلية؛ لأن علامته بين علامتي الخالص فإن استوت نسبته إليهما كأن يكون ارتفاع الفضة أصبعا والذهب ثلثي أصبع والمختلط خمسة أسداس أصبع فهو نصفان وإن زاد على علامة الذهب بشعيرتين ونقص عن علامة الفضة بشعيرة فثلثاه فضة وثلثه ذهب وبأن يضع فيه ستمائة فضة وأربعمائة ذهبا ويعلم ارتفاعهما.ثم يعكس ثم يضع المشتبه ويلحق بما وصل إليه وإنما لم يجعلوا الماء معيارا في الربا؛ لأنه أضيق ولذا جعلوه معيارا في السلم وليس له الاعتماد على غلبة ظنه من غير تمييز لتعلق حق الغير به فلم يقبل ظنه فيه ومؤنة السبك على المالك ولو فقد آلة السبك أو احتاج فيه لزمن طويل أجبر على تزكية الأكثر من كل منهما ولا يعذر في التأخير إلى التمكن؛ لأن الزكاة ` فورية كذا نقله الرافعي عن الإمام وتوقف فيه فقال ولا يبعد أن يجعل السبك أو ما في معناه من شروط الإمكان "ويزكى المحرم" من النقد "من حلي وغيره".بالجر إجماعا وكذا المكروه كضبة فضة كبيرة لحاجة وصغيرة لزينة "لا المباح في الأظهر"؛ لأنه معد لاستعمال مباح فأشبه أمتعة الدار والأحاديث المقتضية لوجوب الزكاة وحرمة الاستعمال حتى على النساء حملها البيهقي وغيره على أن الحلي كان محرما أول الإسلام على النساء على أنها في أفراد خاصة فيحتمل أن ذلك لإسراف فيها بل هو الظاهر من سياق بعض الأحاديث ولو مات مورثه عن حلي مباح فمضى عليه حول أو أكثر ولم يعلم به لزمه زكاته على ما في البحر؛ لأنه لم ينو إمساكه لاستعمال مباح ورد بأن الموافق لما يأتي في اتخاذ سوار بلا قصد عدم وجوبها ويجاب بما يأتي أن ثم صارفا قويا هو الصوغ المقتضي للاستعمال غالبا ولا صارف هنا أصلا ولا نظر لنية مورثه؛ لأنها انقطعت بالموت ولو حليت الكعبة. مثلا بنقد حرم كتعليق محلى فيها يتحصل منه شيء فإن وقف عليها فلا زكاة فيه قطعا لعدم المالك المعين مع حرمة استعماله ونازع الأذرعي في صحة وقفه مع حرمة استعماله ويجاب بأن القصد منه عينه لا وصفه فصح وقفه نظرا لذلك وبه يعلم أن المراد وقف عينه على نحو مسجد احتاج إليها لا للتزيين به أما وقفه على تحليته به فباطل؛ لأنه لا يتصور حله.
"ومن" النقد الذهب أو الفضة "المحرم الإناء" كميل ولو لامرأة إلا لجلاء عين توقف عليه وذكر هنا

 

ج /1 ص -467-      لضرورة التقسيم وبيان الزكاة فيه فلا تكرار "والسوار" بكسر السين أكثر من ضمها "والخلخال" بفتح الخاء وسائر حلي النساء "للبس الرجل" بأن قصد ذلك باتخاذهما فهما محرمان بالقصد فاللبس أولى وذلك؛ لأن فيه خنوثة لا تليق بشهامة الرجل بخلاف اتخاذهما للبس امرأة أو صبي والخنثى كرجل في حلي النساء وكامرأة في حلي الرجال أخذا بالأسوأ "فلو اتخذ" الرجل "سوارا بلا قصد" للبس أو غيره "أو قصد إجارته لمن له استعماله" بلا كراهة "فلا زكاة" فيه "في الأصح".; لأنه في الأولى بالصياغة بطل تهيؤه للإخراج الملحق له بالناميات إذ القصد بها الاستعمال غالبا مع إفضائها إليه غالبا فلا ترد السبائك وفي الثانية يشبه ما مر في المواشي العوامل وقضية كلامهم أنه لا فرق بين أن ينوي بذلك التجارة وأن لا وحينئذ فيشكل عليه ما يأتي فيمن استأجر أرضا ليؤجرها بقصد التجارة إلا أن يفرق بما يأتي أن التجارة في النقد ضعيفة نادرة فلم يؤثر قصدها مع وجود صورة الحلي الجائز المنافي لها وخرج بقوله بلا قصد ما إذا قصد اتخاذه كنزا فيزكى وإن لم يحرم الاتخاذ في غير الإناء ولو قصد مباحا ثم غيره لمحرم أو عكسه تغير الحكم ولو قصد إعارته لمن له استعماله لم يجب جزما "وكذا لو انكسر الحلي" المباح فعلمه "وقصد إصلاحه" فلا زكاة فيه في الأصح وإن دام أحوالا لدوام صورة الحلي مع قصد إصلاحه هذا إن توقف استعماله على الإصلاح بنحو لحام ولم يحتج لصوغ جديد فإن لم يتوقف عليه فلا أثر للكسر قطعا وإن احتاج لصوغ جديد ومضى حول بعد علمه بتكسره زكي قطعا وانعقد الحول من حين الكسر وخرج بقصد إصلاحه.ما إذا قصد كنزه أو جعله نحو تبر فيزكى قطعا وكذا إن لم يقصد شيئا كما في أصل الروضة والشرح الصغير؛ لأنه الآن غير معد للاستعمال وصحح في الكبير في موضع عدم وجوبها وصوبه الإسنوي ويعتبر فيما صنعته محرمة وزنه دون قيمته الزائدة بسبب الصنعة؛ لأنها مستحقة الإزالة فلا احترام لها وفيما صنعته مباحة كلاهما لتعلق الزكاة بعينه الغير المحترمة فوجب اعتبارها بهيئتها الموجودة حينئذ.
"ويحرم على الرجل" والخنثى "حلي الذهب" ولو في آلة الحرب للخبر الصحيح إلا إن صدئ بحيث لا يتبين كما نقله في المجموع عن جمع وأقرهم ويوجه بزوال الخيلاء عنه حينئذ نظير ما مر في إناء نقد صدئ أو غشي."لا الأنف" لمن زال أنفه وإن أمكن من فضة؛ لأنه لا يصدأ غالبا ولا يفسد المنبت ولما صح أنه صلى الله عليه وسلم أمر به من جعله فضة فأنتن عليه "والأنملة" بتثليث أوله وثالثه فهي تسع أفصحها وأشهرها فتح ثم ضم "والسن" وإن تعدد فأولى شدها به عند تحركها وذلك قياسا على الأنف وكل ما جاز له بالذهب فهو بالفضة أجوز "لا الأصبع" أو اليد بل وأكثر من أنملة من أصبع فلا يجوز من ذهب وكذا فضة؛ لأنها لا تعمل فتتمحض للزينة بخلاف الأنملة وأخذ منه الأذرعي أن ما تحتها لو كان أشل امتنعت ويؤخذ منه أن الزائدة إن عملت حلت وإلا فلا فإطلاق الزركشي المنع فيها ليس بصحيح وبحث الغزي إلحاق أنملة سفلى بالأصبع؛ لأنها لا تتحرك "ويحرم سن الخاتم" من ذهب وهو ما يستمسك به فصه "على الصحيح" لعموم أدلة التحريم وفارق ما مر في

 

ج /1 ص -468-      الضبة والتطريف بالحرير بأن الخاتم ألزم للشخص من الإناء واستعماله أدوم "ويحل له" أي الرجل "من الفضة الخاتم" إجماعا بل يسن ولو في اليسار لكنه في اليمين أفضل؛ لأنه الأكثر في الأحاديث وكونه صار شعارا للروافض لا أثر له ويجوز بفص منه أو من غيره ودونه وبه يعلم حل الحلقة إذ غايتها أنها خاتم بلا فص ويتردد النظر في قطعة فضة ينقش عليها ثم تتخذ ليختم بها هل تحل؛ لأنها لا تسمى إناء فلا يحرم اتخاذها أو تحرم؛ لأنها تسمى إناء لخبر الختم ومر آخر الأواني أن ما كان على هيئة الإناء حرم سواء أكان يستعمل في البدن أم لا وما لم يكن كذلك فإن كان لاستعمال يتعلق بالبدن حرم وإلا فلا وحينئذ فالأوجه الحل هنا ويسن جعل فصه مما يلي كفه للاتباع ولا يكره لبسه للمرأة وأل في الخاتم للجنس فيصدق بقوله في الروضة وأصلها لو اتخذ لرجل خواتيم كثيرة ليلبس الواحد منها بعد الواحد جاز وظاهره جواز الاتخاذ لا اللبس واعتمده المحب الطبري لكن صوب الإسنوي جواز اتخاذ خاتمين وأكثر ليلبسها كلها معا ونقله عن الدارمي وغيره ومنع الصيدلاني أن يتخذ في كل يد زوجا وقضيته حل زوج بيد وفرد بأخرى وبه صرح الخوارزمي والذي يتجه اعتماده كلام الروضة الظاهر في حرمة التعدد مطلقا؛ لأن الأصل في الفضة التحريم على الرجل إلا ما صح الإذن فيه ولم يصح في الأكثر من الواحد ثم رأيت المحب علل بذلك وهو ظاهر جلي على أن التعدد صار شعارا للحمقاء والنساء فليحرم من هذه الجهة حتى عند الدارمي وغيره وحكى وجهان في جوازه في غير الخنصر وقضية كلامهم الجواز ثم رأيت القمولي صرح بالكراهة وسبقه إليها في شرح مسلم والأذرعي صوب التحريم والأوجه الأول وزعم أنه من خصوصيات النساء ممنوع.والكلام في الرجال فقد صرح الرافعي في الوديعة بحل ذلك للمرأة وإذا جوزنا اثنين فأكثر دفعة وجبت فيها الزكاة لكراهتها كما قاله ابن العماد قال غيره ومحل جواز التعدد على القول به حيث لم يعد إسرافا وإلا حرم ما حصل به الإسراف وصوب الأذرعي ما اقتضاه كلام ابن الرفعة من وجوب نقصه عن مثال للنهي عن اتخاذه مثقالا وسنده حسن وإن ضعفه المصنف وغيره ولم يبالوا بتصحيح ابن حبان له وخالفه غيره فأناطوه بالعرف ونقله بعضهم عن الخوارزمي وغيره وعليه فالعبرة بعرف أمثال اللابس فيما يظهر "و" يحل من الفضة "حلية" أي تحلية "آلات الحرب" للمجاهد أو المرصد للجهاد كالمرتزق "كالسيف والرمح والمنطقة".بكسر الميم وهي ما يشد بها الوسط وأطراف السهام والدروع والخوذة والترس والخف وسكين الحرب دون سكين المهنة والمقلمة؛ لأن في ذلك إرهابا للكفار ولا تجوز بذهب لزيادة الإسراف والخيلاء وخبر أن سيفه صلى الله عليه وسلم يوم الفتح كان عليه ذهب وفضة يحتمل أنه تمويه يسير بغير فعله صلى الله عليه وسلم قبل ملكه له ووقائع الأحوال الفعلية تسقط بمثل هذا على أن تحسين الترمذي له معارض بتضعيف ابن القطان والتحلية فعل عين النقد في محال متفرقة مع الأحكام حتى تصير كالجزء منها ولإمكان فصلها مع عدم ذهاب شيء من عينها فارقت التمويه السابق أول الكتاب أنه حرام لكن قضية كلام بعضهم جواز التمويه هنا حصل منه شيء أو لا على خلاف ما مر في الآنية وقد يفرق بأن هنا

 

ج /1 ص -469-      حاجة للزينة باعتبار ما من شأنه بخلافه ثم "لا ما لا يلبسه كالسرج واللجام" وكل ما على الدابة كبزتها "في الأصح" كالآنية أما غير نحو مجاهد فلا يحل له تحلية ما ذكر كما ارتضاه جمع تبعا للروياني لكن قضية كلام الأكثرين أنه لا فرق ويوجه بأنها تسمى آلة حرب وإن كانت عند من لا يحارب ولأن إغاظة الكفار ولو من بدارنا حاصلة مطلقا وبه يفرق بين هذا وحرمة قنية كلب لصيد على من لم يصطد به
"وليس للمرأة" ولا للخنثى "حلية آلة الحرب" مطلقا؛ لأن فيه تشبها بالرجال وهو حرام كعكسه وجواز قتالها بسلاح الرجل لما فيه من المصلحة نعم إن كان محلى لم يجز لها استعماله إلا عند الضرورة بأن تعين القتال عليها ولم تجد غيره فعلم أنه لا يحل استعمال المحلى إلا لمن حلت له تحليته كذا قيل وقياس ما مر في الآنية المموهة أن ما لا يتحصل من تحليته شيء على النار يجوز استعماله مطلقا ويؤخذ من تعليل ما ذكر بالتشبه بالرجال أن الصبي أو المجنون يحل له تحلية آلة الحرب وإن ألحق بها في الحلي.ويوجه بأن فيه شبها من النوعين إذ لا شهامة له فأشبه النساء وهو من جنس الرجال. فكان القياس جواز حلي الفريقين له "ولها" وللصبي والمجنون "لبس أنواع حلي الذهب والفضة" كطوق وخاتم وسوار وخلخال ونعل ودراهم ودنانير معراة أي لها عرى تجعل في القلادة قطعا أو مثقوبة على الأصح في المجموع لدخولها في اسم الحلي وبه رد الإسنوي وغيره ما في الروضة وغيرها من التحريم بل زعم الإسنوي أنه غلط لكنه غلط فيه ومما يؤيد غلطه قوله تجب زكاتها لبقاء نقديتها؛ لأنها لم تخرج بالثقب عنها ا هـ والوجه أنه لا زكاة فيها لما تقرر أنها من جملة الحلي إلا إن قيل بكراهتها وهو القياس لقوة الخلاف في تحريمها لكن صرح الإسنوي نقلا عن الروياني وأقره بعدمها وحينئذ فهو قائل بوجوب زكاتها مع عدم حرمتها ولا كراهتها وهو كلام لا يعقل كما قاله الزركشي. وقول الأذرعي النعل أولى بالمنع من خلخال وزنه مائتا مثقال مردود ويوجه بأن الكلام في نعل لا يعد مثله سرفا في جنسه وبه فارق الخلخال وكتاج كما صرح به في المجموع وينبغي أن ما وقع في حله لها خلاف قوي يكره لبسه لها؛ لأنهم نزلوا الخلاف في الوجوب أو التحريم منزلة النهي كما في غسل الجمعة وما كره هنا تجب زكاته واعتياد عظماء الفرس لبسه لا يحرمه عليهن نعم لا يبعد في ناحية اعتاد الرجال فيها لبسه تحريمه عليهن إلا أن يقال إنه محرم على الرجال فلا نظر لاعتيادهم له ولا لعدمه كما هو شأن سائر المحرمات وهذا أقرب "وكذا" لها "لبس ما نسج بهما" أي الذهب والفضة "في الأصح".لعموم الأدلة "والأصح تحريم المبالغة في السرف" في كل ما أبيح مما مر "كخلخال وزنه" أي مجموع فردتيه لا إحداهما فقط خلافا لمن وهم فيه "مائتا دينار" أي مثقال ومن عبر بمائة أراد كل فردة منه على حيالها لكنه يوهم أن هذا شرط وليس كذلك بل المدار على المائتين وإن تفاوت وزن الفردتين ولا يكفي نقص نحو المثقالين عن المائتين كما يفهمه التعليل الآتي وحيث وجد السرف الآتي وجبت زكاة جميعه لا قدر السرف فقط ولم يرتض الأذرعي التقييد بالمائتين بل اعتبر العادة فقد تزيد وقد تنقص وبحث غيره أن السرف في خلخال الفضة أن يبلغ ألفي مثقال وهو بعيد بل

 

ج /1 ص -470-      ينبغي الاكتفاء فيه بمائتي مثقال كالذهب كما يصرح به التعليل الآتي المأخوذ منه أن المدار على الوزن دون النفاسة وذلك لانتفاء الزينة عنه المجوزة لهن التحلي بل ينفر الطبع منه كذا قالوه وبه يعلم ضابط السرف واعتبر في الروضة كالشرحين مطلقا السرف ولم يقيده بالمبالغة كالمتن ويجمع بأن المراد بالسرف ظهوره فيساوي قيد المبالغة فيه المذكورة في المتن ثم رأيته في المجموع صرح بما ذكرته من أن المراد السرف الظاهر لا مطلق.السرف ثم هذا كله إنما هو بالنسبة لحل لبسه وحرمته أما الزكاة فتجب بأدنى سرف؛ لأنه إن لم يحرم كره ومر وجوبها في المكروه "وكذا" يحرم "إسرافه" أي الرجل "في آلة الحرب" لما فيه من زيادة الخيلاء وبهذا يظهر وجه عدم تقييده بالمبالغة هنا إذ الأصل حل النقد وعدم الخيلاء فيه بالنسبة للمرأة دون الرجل فاغتفر لها قليل السرف بخلافه "وجواز تحلية المصحف" يعني ما فيه قرآن ولو للتبرك فيما يظهر وغلافه وإن انفصل عنه "بفضة" للرجال والنساء إكراما له "وكذا" يجوز تحلية ما ذكر "للمرأة بذهب" كتحليها به مع إكرامه أما بقية الكتب فلا يجوز تحليتها مطلقا قطعا.
تنبيه: يؤخذ من تعبيرهم بالتحلية المار الفرق بينها وبين التمويه حرمة التمويه هنا بذهب أو فضة مطلقا لما فيه من إضاعة المال فإن قلت العلة الإكرام وهو حاصل بكل قلت لكنه في التحلية لم يخلفه محظور بخلافه في التمويه لما فيه من إضاعة المال وإن حصل منه شيء فإن قلت يؤيد الإطلاق.قول الغزالي من كتب القرآن بالذهب فقد أحسن ولا زكاة عليه قلت يفرق بأنه يغتفر في إكرام حروف القرآن ما لا يغتفر في نحو ورقه وجلده على أنه لا يتأتى إكرامها إلا بذلك فكان مضطرا إليه فيه بخلافه في غيرها يمكن الإكرام فيه بالتحلية فلم يحتج للتمويه فيه رأسا.
"وشرط زكاة النقد الحول" كما في المواشي نعم لو ملك نقدا نصابا ستة أشهر ثم أقرضه لآخر لم ينقطع الحول كما مر فإذا كان موسرا أو عاد إليه زكاه عند تمام الستة الأشهر الثانية كما قاله الشيخ أبو حامد وجعله أصلا مقيسا عليه وذكره الرافعي أثناء تعليل واعتمده البلقيني وغيره ولو حلى حيوانا بنقد حرم ولزمته زكاته "ولا زكاة في سائر الجواهر كاللؤلؤ" واليواقيت لعدم ورودها في ذلك ولأنها معدة للاستعمال كالماشية العاملة.

باب زكاة المعدن
هو بفتح فسكون فكسر مكان الجواهر المخلوقة فيه ويطلق عليه نفسها كنقد وحديد ونحاس وهو المراد في الترجمة من عدن كضرب أقام ومنه جنات عدن "والركاز" هو ما دفن بالأرض من ركز غرز أو خفي ومنه
{أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً} [مريم:98] أي صوتا خفيا "والتجارة" وهي تقليب المال بالتصرف فيه لطلب النماء.
"من استخرج" وهو من أهل الزكاة "ذهبا أو فضة من معدن" من أرض مباحة أو مملوكة له كذا اقتصروا عليه وقضيته أنه لو كان من أرض موقوفة عليه أو على جهة عامة

 

ج /1 ص -471-      أو من أرض نحو مسجد ورباط لا تجب زكاته ولا يملكه الموقوف عليه ولا نحو المسجد والذي يظهر في ذلك أنه إن أمكن حدوثه في الأرض وقال أهل الخبرة إنه حدث بعد الوقفية أو المسجدية ملكه الموقوف عليه كربع الوقف ونحو المسجد ولزم مالكه المعين زكاته أو قبلها فلا زكاة فيه؛ لأنه من عين الوقف وإن ترددوا فكذلك. ويؤيد ما تقرر من أنه قد يحدث قولهم إنما لم يجب إخراج الزكاة للمدة.الماضية وإن وجده في ملكه؛ لأنه لم يتحقق كونه ملكه من حين ملك الأرض لاحتمال كون الموجود مما يخلق شيئا فشيئا والأصل عدم وجوب الزكاة وحديث "إن الذهب والفضة مخلوقان في الأرض يوم خلق الله السموات والأرض" ضعيف على أن المراد جنسهما لا بالنسبة لمحل بعينه "لزمه ربع عشره" للخبر الصحيح به وخرج بذهبا وفضة غيرهما فلا زكاة فيه "وفي قول الخمس" قياسا على الركاز الآتي بجامع الإخفاء في الأرض "وفي قول إن حصل بتعب" أي كطحن ومعالجة بنار "فربع العشر وإلا فخمسه" ويجاب بأن من شأن المعدن التعب والركاز عدمه فأنطنا كلا بمظنته "ويشترط النصاب" استخرجه واحد أو جمع لعموم الأدلة السابقة ولأن ما دونه لا يحتمل المواساة بخلافه "لا الحول"؛ لأنه إنما اعتبر لأجل تكامل النماء والمستخرج من المعدن نماء كله فأشبه الثمر والزرع "على المذهب وفيهما" وخبر الحول السابق مخصوص بغير المعدن؛ لأنه يستنبط من النص معنى يخصصه.ووقت وجوبه حصول النيل بيده ووقت الإخراج بعد التخليص والتنقية فلو تلف بعضه قبل التمكن من الإخراج سقط قسطه ووجب قسط ما بقي ومؤنة ذلك على المالك كما مر نظيره ثم فلا يجزئ إخراجه قبلها ويضمنه قابضه ويصدق في قدره وقيمته إن تلف؛ لأنه غارم ولو ميزه الآخذ فكان قدر الواجب أجزأه أي إن نوى به الزكاة حينئذ وكذا عند الإخراج فقط فيما يظهر لوجود قدر الزكاة فيه وإنما فسد القبض لاختلاطه بغيره وبه فارق ما لو قبض سخلة فكبرت في يده ويقوم تراب فضة بذهب وعكسه.
تنبيه: ظاهر إطلاقهم هنا ضمان قابضه أنه يرجع عليه به وإن لم يشرط الاسترداد وعليه يفرق بينه وبين ما يأتي في التعجيل بأن المخرج ثم مجزئ في ذاته وتبين عدم الإجزاء لسبب خارج عنها غير مانع لصحة قبضه فاشترط في الرجوع به شرطه.بخلافه هنا فإنه غير مجزئ في ذاته ففسد القبض من أصله فلم يحتج لشرط.
"ويضم بعضه إلى بعض إن" اتحد المعدن لا إن تعدد وإن تقارب وكذا الركاز و "تتابع العمل" كما يضم المتلاحق من الثمار ولا يشترط بقاء الأول بملكه وإن أتلف أولا فأولا "ولا يشترط" في الضم "اتصال النيل على الجديد"؛ لأنه لا يحصل غالبا إلا متفرقا "وإذا قطع العمل بعذر" كإصلاح آلة وهرب أجير ومرض وسفر أي لغير نحو نزهة فيما يظهر أخذا مما يأتي في الاعتكاف ثم عاد إليه "ضم" وإن طال الزمن عرفا؛ لأنه عاكف على العمل متى زال العذر "وإلا" يقطع بعذر "فلا" ضم وإن قصر الزمن عرفا؛ لأنه إعراض ومعنى عدم الضم.أنه لا "يضم الأول إلى الثاني" في إكمال

 

ج /1 ص -472-      النصاب بخلاف ما يملكه بغير ذلك فإنه يضم إليه نظير ما يأتي "ويضم الثاني إلى الأول كما يضمه إلى ما ملكه" من جنسه أو عرض تجارة تقوم بجنسه ولو "بغير المعدن" كإرث وإن غاب بشرط علمه ببقائه "في إكمال النصاب فإن كمل به النصاب" زكى الثاني فلو استخرج بالأول خمسين ثم استخرج تمام النصاب لم يضم الخمسين لما بعدها فلا زكاة فيها ويضم المائة والخمسين لما قبلها فيزكيها لعدم الحول ثم إذا أخرج حق المعدن من غيرهما ومضى حول من حين كمال المائتين لزمه زكاتهما ولو كان الأول نصابا ضم الثاني إليه قطعا "وفي الركاز" أي المركوز إذا استخرجه أهل الزكاة "الخمس" كما في الخبر المتفق عليه ولعدم المؤنة فيه وبه فارق ربع العشر في المعدن والتفاوت بكثرة المؤنة وقلتها معهود في المعشرات "يصرف" كالمعدن "مصرف الزكاة على المشهور"؛ لأنه حق واجب في المستفاد من الأرض كالحب والثمر وبه اندفع قياسه بالفيء "وشرطه النصاب والنقد" الذهب أو الفضة ولو غير مضروب "على المذهب" كالمعدن فيأتي هنا ما مر ثم في التكميل بما عنده "لا الحول" إجماعا وكان سبب عدم جريان خلاف المعدن هنا الحصول هنا دفعة فلم يناسبه الحول وذاك بالتدريج وهو قد يناسبه الحول. "وهو" أي الركاز "الموجود" يدفن لا على وجه الأرض أو على وجهها وعلم أن نحو سيل أظهره فإن شك أو كان ظاهرا فلقطة "الجاهلي" أي دفين الجاهلية وهم من قبل الإسلام أي بعثته صلى الله عليه وسلم وعبارة أصله على ضرب الجاهلية والروضة دفن الجاهلية رجحت بأن الحكم منوط بدفنهم إذ لا يلزم من كونه بضربهم كونه دفن في زمنهم لاحتمال أن مسلما وجده ثم دفنه كذا قالاه وأجيب بأن الأصل والظاهر عدم أخذه ثم دفنه ولو نظر لذلك لم يوجد ركاز أصلا قال السبكي والحق أنه لا يشترط العلم بكونه من دفنهم لتعذره بل يكتفى بعلامة تدل عليه من ضرب أو غيره ولو وجد دفين جاهلي بملك من عاصر الإسلام وعاند فهو فيء. "فإن وجد إسلامي" كأن يكون عليه قرآن أو اسم ملك إسلامي "علم مالكه" بعينه "فله" فيجب رده إليه "وإلا" يعلم مالكه.كذلك "فلقطة" فيعطى أحكامها من تعريف وغيره هذا إن وجد بنحو موات أما إذا وجد بمملوك بدارنا فهو لمالكه فيحفظ له حتى يؤيس منه فإن أيس منه فهو لبيت المال وإن كان عليه ضرب الإسلام؛ لأنه مال ضائع "وكذا" يكون لقطة بقيده "إن لم يعلم من أي الضربين هو" كتبر وحلي وما يضرب مثله جاهلية وإسلاما تغليبا لحكم الإسلام "وإنما يملكه" أي الجاهلي "الواجد" له وتلزمه الزكاة فيه "إذا وجده في موات" ولو بدارهم وإن ذبوا عنه ومثله خراب أو قلاع أو قبور جاهلية "أو ملك أحياه" أو في موقوف عليه واليد له نظير ما يأتي عن المجموع بما فيه فإن كان موقوفا على نحو مسجد أو جهة عامة صرف لجهة الوقف على الأوجه. ويوجه ذلك بأنه لتبعيته للأرض نزل منزلة زوائدها لعدم المعارض ليده عليه "فإن وجد في" أرض غنيمة فغنيمة أو فيء ففيء أو في "مسجد أو شارع" ولم يعلم مالكه "فلقطة على المذهب"؛ لأن يد المسلمين عليه وقد جهل مالكه وبحث الأذرعي أن من سبل ملكه طريقا يكون له وأن ما سبله الإمام طريقا من بيت المال يكون لبيت المال وأن المسجد لو علم أنه بنى في موات فهو ركاز ولا يغير المسجد حكمه قال وصورة المتن ما إذا جهل حاله وتعجب منه الغزي بأن المسجد والشارع صارا في يد المسلمين واختصوا بهما ويرد بأن اختصاصهم بهما أمر حكمي طارئ فلم يقتضي يدا لهم على الدفين فلزم بقاؤه بحاله،

 

ج /1 ص -473-      ولا يقال الواقف ملكه؛ لأنه يكتفى في مصيره مسجدا بنيته وما هو كذلك لا يحتاج لتقدير دخوله بملكه وبأنه يلزمه أن من وجده بملكه لا يكون له بل لمن انتقل منه إليه ولا قائل به. ويرد بأن هذه ليست نظيرة مسألتنا؛ لأن فيها تعاور أملاك ومسألتنا ليس فيها إلا طرو مسجدية أو شارعية وقد علمت أنها لا تقتضي ملكا ولا يدا حسية فلم يخرج ما قبلها عن حكمه وقوله لا قائل به يرده قول الأذرعي وتبعوه بل نقله شارح عن الأصحاب أن من ملك مكانا من غيره بنحو شراء يكون له بظاهر اليد ولا يحل له أخذه باطنا بل يلزمه عرضه على من ملكه منه ثم من قبله وهكذا إلى المحيي ويأتي هذا في واقف نحو مسجد ملك أرضه بنحو شراء فاليد له ثم لورثته ظاهرا كالمشتري "أو" وجده "في ملك شخص" أو وقف عليه.واليد له على ما في المجموع عن البغوي مشيرا إلى التبري منه بما أبديته في شرح العباب مع بيان أن غيري سبقني إليه وأنه محمول على الظاهر فقط أو والباطن إن كان وارث الواقف مستغرقا لتركته. "فله إن ادعاه" أو لم ينفه عنه على ما صوبه الإسنوي لكنه مردود بلا يمين كأمتعة الدار وقال الإسنوي لا بد منها إن ادعاه الواجد وهو ظاهر "وإلا" يدعه "ف" هو "لمن ملك منه" ثم لمن قبله "وهكذا" يجري كما تقرر "حتى ينتهي" الأمر "إلى المحيي" للأرض أو من أقطعه السلطان إياها بأن ملكه رقبتها وإن لم يعمرها والقول بتوقف ملكه على إحيائها غلط أو من أصابها من غنيمة عامرة أو عمرها فتكون له أو لوراثه وإن لم يدعه بل وإن نفاه كما يصرح به كلام الدارمي؛ لأنه ملكه بالإحياء أو نحوه تبعا للأرض ولم يزل ملكه عنه ببيعها؛ لأنه مدفون منقول فيخرج خمسه الذي لزمه يوم ملكه وزكاة باقيه للسنين الماضية كضال وجده فإن قال بعض الورثة ليس لمورثي سلك بنصيبه ما ذكر فإن أيس من مالكه تصدق به الإمام أو من هو في يده. ولا ينافي هذا ما مر في نظيره أنه لبيت المال؛ لأن ما لبيت المال للإمام ومن دخل تحت يده صرفه لمن له حق فيه كالفقراء "ولو تنازعه" أي الركاز الموجود بملك "بائع ومشتر أو مكر ومكتر ومعير" وفي نسخة أو فالواو بمعناها وكان سبب إيثارها الإشارة إلى مغايرة يد المستعير ليد المستأجر "ومستعير" بأن ادعى كل منهما أنه له وأنه الذي دفنه وقال البائع ملكته بالإحياء "صدق ذو اليد" وهو مشتر ومكتر ومستعير؛ لأن يده نسخت اليد السابقة "بيمينه" كبقية الأمتعة هذا إن احتمل صدقه ولو على بعد وإلا بأن لم يمكن دفنه في مدة يده لم يصدق وكان تنازعهما قبل عود العين وإلا فمكر أو فمعير إن سكت أو قال دفنته بعد العود إلى وأمكن لا إن قال دفنته قبل نحو الإعارة؛ لأنه سلم له حصول الدفين في يده فنسخت اليد السابقة ولو ادعاه اثنان وقد وجد بملك غيرهما فلمن صدقه المالك.
تنبيه: لا يمكن ذمي من أخذ معدن وركاز من دارنا؛ لأنه دخيل فيها نعم ما أخذه قبل الإزعاج يملكه كحطبها.

فصل في زكاة التجارة
قال ابن المنذر: وقد أجمع على وجوبها عامة أهل العلم أي أكثرهم وصح خبر:

 

ج /1 ص -474-      وفي "البز صدقته" وهو الثياب المعدة للبيع والسلاح وزكاة العين لا تجب في هذين فتعين حمله على زكاة التجارة وروى أبو داود مرفوعا "الأمر بإخراج الصدقة مما يعد للبيع" وبذلك يعلم أن نفي الوجوب في العبد والفرس في الخبر السابق محمول على ما لم يعد منهما للبيع.
"شرط زكاة التجارة الحول والنصاب" كغيرها نعم النصاب هنا إنما يكون "معتبرا بآخر الحول" أي فيه؛ لأنه حالة الوجوب دون ما قبله لكثرة اضطراب القيم "وفي قول بطرفيه" قياسا للأول بالآخر "وفي قول بجميعه" كالمواشي "فعلى" الأول "الأظهر" وكذا على الثاني بالأولى فحذفه لذلك أو؛ لأنه ليس من غرضه "لو رد" مال التجارة "إلى النقد" الذي يقوم به آخر الحول بأن بيع به مثلا "في خلال الحول وهو دون النصاب" أي ولم يكن بملكه.نقد من جنسه يكمله أخذا مما يأتي إلا أن يفرق "واشترى به سلعة فالأصح أنه ينقطع الحول ويبتدئ حولها من" وقت "شرائها" لتحقق نقص النصاب حسا بالتنضيض بخلافه قبله؛ لأنه مظنون أما لو لم يرد إلى النقد كأن بادل بعرضها عرضا آخر أو رد لنقد لا يقوم به كأن باعه بدراهم والحال يقضي التقويم بدنانير أو النقد يقوم به وهو دون نصاب ولم يشتر به شيئا أو وهو نصاب فلا ينقطع الحول بل هو باق على حكمه؛ لأن ذلك كله من جملة التجارة وفائدة عدم انقطاعه في الثالثة التي ذكرها شارح وفيها ما فيها لمن تأمل كلامهم الصريح في أن قول المتن واشترى به سلعة تمثيل لا تقييد أنه لو ملك قبيل آخر الحول نقدا آخر يكمله زكاه ثم رأيت أن المنقول المعتمد خلاف ما ذكره وهو أنه ينقطع الحول إذا لم يملك تمامه لتحقق النقص عن النصاب بالتنضيض "ولو تم الحول" الذي لمال التجارة "وقيمة العرض دون النصاب فالأصح أنه يبتدئ الحول.ويبطل الأول" فلا تجب زكاة حتى يتم حول ثان وهو نصاب ومحل الخلاف إذا لم يكن له من جنس ما يقوم به ما يكمل نصابا وإلا كأن ملك مائة درهم فاشترى بنصفها عرض تجارة وبقي نصفها عنده وبلغت قيمة العرض آخر الحول مائة وخمسين ضم لما عنده ولزمه زكاة الكل آخره قطعا بخلاف ما لو اشترى بالمائة وملك خمسين بعد فإن الخمسين إنما تضم في النصاب دون الحول فإذا تم حول الخمسين زكى المائتين.
تنبيه: لا زكاة على صيرفي بادل ولو للتجارة في أثناء الحول بما في يده من النقد غيره من جنسه أو غيره؛ لأن التجارة في النقدين ضعيفة نادرة بالنسبة لغيرهما والزكاة الواجبة زكاة عين فغلبت وأثر فيها انقطاع الحول بخلاف العروض وكذا لا زكاة على وارث مات مورثه عن عروض تجارة حتى يتصرف فيها بنيتها فحينئذ يستأنف حولها.
"ويصير عرض التجارة" كله أو بعضه إن عينه وإلا لم يؤثر على الأوجه."للقنية بنيتها" أي القنية فينقطع الحول بمجرد نيتها بخلاف عرض القنية لا يصير للتجارة بنية التجارة؛ لأن القنية الحبس للانتفاع والنية محصلة له والتجارة التقليب بقصد الإرباح والنية لا تحصله على أن الاقتناء هو الأصل فكفى أدنى صارف إليه كما أن المسافر يصير مقيما بالنية عند جمع والمقيم لا يصير مسافرا بها اتفاقا.

 

ج /1 ص -475-      تنبيه: لو نوى القنية لاستعمال المحرم كلبس الحرير فهل تؤثر هذه النية قال المتولي فيه وجهان أصلهما أن من عزم على معصية وأصر هل يأثم أو لا ا هـ والظاهر أن مراده بأصر صمم؛ لأن التصميم هو الذي اختلف في أنه هل يوجب الإثم أو لا والذي عليه المحققون أنه يوجبه ومع ذلك الذي يتجه ترجيحه له أنه لا أثر لنيته هنا وإن أثرت ثم ويفرق بأن سبب الزكاة وهو التجارة قد وقع فلا بد من رافع له والنية المحرمة لا تصلح لذلك وإنما أثم بها لمعنى آخر لا يوجد هنا وهو التغليظ والزجر عن الركون إلى المعصية على أن قضية التغليظ عليه بنية المحرم عدم الانقطاع هنا فاتحدا فتأمله.
"وإنما يصير العرض للتجارة إذا اقترنت نيتها بكسبه بمعاوضة" محضة وهي ما تفسد بفساد عوضه "كشراء" بعرض أو نقد أو دين حال أو مؤجل وكإجارة لنفسه أو ماله ومنه أن يستأجر المنافع ويؤجرها بقصد التجارة ففيما إذا استأجر أرضا ليؤجرها بقصد التجارة فمضى حول ولم يؤجرها تلزمه زكاة التجارة فيقومها بأجرة المثل حولا ويخرج زكاة تلك الأجرة وإن لم تحصل له؛ لأنه حال الحول على مال للتجارة عنده والمال ينقسم إلى عين ومنفعة وإن آجرها فإن كانت الأجرة نقدا عينا أو دينا حالا أو مؤجلا تأتى فيه ما مر ويأتي، أو عرضا فإن استهلكه أو نوى قنيته فلا زكاة فيه وإن نوى التجارة فيه استمرت زكاة التجارة وهكذا في كل عام وكاقتراض كما شمله كلامهم. لكن قال جمع متقدمون لا يصير للتجارة وإن اقترنت به النية؛ لأن مقصوده أي الأصلي الإرفاق لا التجارة وكشراء نحو دباغ أو صبغ ليعمل به للناس بالعوض وإن لم يمكث عنده حولا لا لأمتعة نفسه ولا نحو صابون وملح اشتراه ليغسل أو يعجن به للناس فلا يصير مال تجارة فلا زكاة فيه وإن بقي عنده حولا؛ لأنه يستهلك فلا يقع مسلما لهم أي من شأنه ذلك وبعد هذا الاقتران لا يحتاج لنيتها في بقية المعاملات ويظهر أن يعتبر في الاقتران هنا باللفظ أو الفعل المملك ما يأتي في كناية الطلاق "وكذا" المعاوضة غير المحضة وهي التي لا تفسد بفساد المقابل ومنها المال المصالح عليه عن دم و "المهر وعوض الخلع" كأن زوج أمته أو خالع زوجته بعرض نوى به التجارة لصدق المعاوضة بذلك كله "في الأصح" ولهذا تثبت الشفعة فيما ملك به "لا" فيما ملك "بالهبة" المحضة بأن لم يشرط فيها ثواب معلوم وإلا فهي بيع "والاحتطاب" والاصطياد والإرث وإن نوى الوارث أو غيره ممن ذكر حال ملكه التجارة بما ملكه؛ لأن التملك مجانا لا يعد تجارة. وإفتاء البلقيني بأنه يورث مال تجارة فلا يحتاج لنية الوارث اختيار له جار على اختياره الضعيف أيضا أن الوارث لا يشترط قصده للسوم اكتفاء بقصد مورثه "والاسترداد" أو الرد "بعيب" كما لو باع عرض قنية بما وجد به عيبا فرده واسترد عرضه.أو فرد عليه بعيب فقصد به التجارة أو اشترى بعرض قنية شيئا ولو عرض تجارة أو بعرض تجارة عرض قنية فرد عليه كذلك فلا يصير مال تجارة لانتفاء المعاوضة ومثله الرد بنحو إقالة أو تحالف "وإذا ملكه" أي مال التجارة "بنقد" أي بعين ذهب أو فضة ولو غير مضروب "نصاب" أو دونه وبملكه باقيه كأن اشتراه بعين عشرين دينارا أو مائتي درهم أو بعين عشرة وبملكه عشرة أخرى. "فحوله من حين ملك" ذلك "النقد" فيبني حول التجارة

 

ج /1 ص -476-      على حوله لاشتراكهما في قدر الواجب وجنسه كما يبني حول الدين على حول العين وبالعكس من النقد بخلاف ما لو اشتراه بنقد في الذمة ثم تقدما عنده فيه فإنه لا يبني عليه؛ لأن صرفه إلى هذه الجهة لم يتعين بخلافه فيما إذا اشترى بعينه فيتعين ابتداء حوله من الشراء كما في قوله "أو" ملكه بعين نقد "دونه" أي النصاب وليس في ملكه باقيه "أو بعرض قنية" أي كحلي مباح "ف" حوله "من الشراء"؛ لأن ما ملكه به لم يكن له حول حتى يبني عليه. "وقيل إن ملكه بنصاب سائمة بنى على حولها"؛ لأنها مال زكاة جار في الحول كالنقد والصحيح المنع لاختلاف الزكاتين قدرا ومتعلقا "ويضم الربح" الحاصل أثناء الحول أو مع آخره في نفس العرض كالسمن أو غيره كارتفاع السوق "إلى الأصل في الحول إن لم ينض" بكسر النون بما يقوم به.قياسا على النتاج مع الأمهات ولعسر المحافظة على حول كل زيادة مع اضطراب الأسواق في كل لحظة ارتفاعا وانخفاضا فلو اشترى في المحرم عرضا بمائتين فساوى قبيل آخر الحول ثلثمائة أو نض فيه بها وهي مما لا يقوم به زكى الجميع عند تمام الحول؛ لأن الربح كامن غير متميز. "لا إن نض" أي صار ناضا ذهبا أو فضة من جنس رأس المال النصاب وأمسكه إلى آخر الحول أو اشترى به عرضا قبل تمامه فلا يضم إلى الأصل بل يزكي الأصل بحوله ويفرد الربح بحول "في الأظهر" ومثله أصله بأن يشتري عرضا بمائتي درهم ويبيعه بعد ستة أشهر بثلثمائة ويمسكها إلى تمام الحول أو يشتري بها عرضا يساوي ثلثمائة آخر الحول فيخرج آخره زكاة مائتين فإذا مضت ستة أشهر أخرى أخرج عن المائة؛ لأن الربح متميز فاعتبر بنفسه ولكونه غير جزء من الأصل فارق النتاج مع الأمهات ولهذا رد الغاصب النتاج لا الربح فعلم أنه لو نض بغير جنس المال فكبيع عرض بعرض فيضم الربح للأصل وكذا لو كان رأس المال دون نصاب ثم نض بنصاب وأمسكه لتمام حول الشراء وأنه لو نض بما يقوم به بعد حول ظهور الربح أو معه زكى بحول أصله للحول الأول واستؤنف له حول من نضوده. "والأصح أن ولد العرض" من الحيوان غير السائمة كخيل وجوار ومعلوفة "وثمره" ومنه هنا صوف وغصن شجر وورقه ونحوها "مال تجارة"؛ لأنهما جزءان من الأم والشجر "وإن حوله حول الأصل" تبعا له كنتاج السائمة "وواجبها" أي التجارة أي مالها "ربع عشر القيمة" اتفاقا في ربع العشر كالنقد؛ لأن عروضها تقوم به وعلى الجديد في كونه من القيمة؛ لأنها متعلق هذه الزكاة.فلا يجوز إخراجه من عين العرض وعلم مما مر أنها إنما تعتبر بآخر الحول فإن أخر الإخراج بعد التمكن ونقصت القيمة ضمن ما نقص لتقصيره بخلافه قبله وإن زادت ولو قبل التمكن أو بعد الإتلاف فلا يعتبر ويظهر الاكتفاء بتقويم المالك الثقة العارف وللساعي تصديقه نظير ما مر في عد الماشية. "فإن ملك" العرض "بنقد" ولو غير نقد البلد وفي الذمة وإن كان غير مضروب أو مغشوشا "قوم به" أي بعين المضروب الخالص وإلا فبمضروب أو خالص من جنسه."إن ملكه بنصاب" وإن أبطله السلطان وحينئذ فإن بلغ به نصابا زكاه وإلا فلا وإن بلغه بنقد آخر؛ لأن الحول مبني على حوله فهو أقرب إليه من نقد البلد "وكذا" إذا ملكه بنقد

 

ج /1 ص -477-      "دونه" أي النصاب "في الأصح"؛ لأنه أصله ولو ملك من جنسه ما يكمله قوم بذلك الجنس ولا يجري فيه هذا الخلاف؛ لأنه اشترى ببعض ما انعقد عليه الحول إذ ابتداؤه من حين ملك النقد "أو" ملكه بنقد وجهل أو نسي أو "بعرض" لقنية أو بنحو نكاح أو خلع "ف" يقوم "بغالب نقد البلد" إذ هو الأصل في التقويم فإن بلغ به نصابا زكاه وإلا فلا وإن بلغه بغيره فإن لم يكن بها نقد لتعاملهم بالفلوس مثلا اعتبر نقد أقرب البلاد إليها. "فإن غلب" في البلد "نقدان" على التساوي أو كان الأقرب في صورته المذكورة بلدين اختلف نقدهما فيما يظهر "وبلغ" مال التجارة "بأحدهما" فقط "نصابا قوم" مال التجارة كله إذا ملك بغير نقد وما قابل غير النقد إذا ملك بنقد وعرض كما يأتي "به" لبلوغه نصابا بنقد غالب يقينا وبه فارق ما مر فيما لو تم النصاب بأحد ميزانين أو بنقد لا يقوم به على أن الميزان أضبط من التقويم فأثر التفاوت فيها لا فيه "فإن بلغ" هـ "بهما" أي بكل منهما "قوم بالأنفع للفقراء" يعني المستحقين نظير ما مر مع ذكر حكمه، إيثار الفقراء بالذكر كاجتماع الحقاق وبنات اللبون."وقيل يتخير المالك" فيقوم بأيهما شاء كمعطي الجبران وصححه في أصل الروضة واقتضاه كلام المجموع وغيره واعتمده الإسنوي وغيره ويؤيده ما يأتي في الفطرة في أقوات لا غالب فيها أنه يتخير ولا يتعين الأنفع وعليه ففارق اجتماع ما ذكر بأن تعلق الزكاة بالعين أشد من تعلقها بالقيمة فسومح هنا أكثر "وإن ملك بنقد وعرض" كمائتي درهم وعرض قنية "قوم ما قابل النقد به و" قوم "الباقي بالغالب" من نقد البلد وإن كان دون نصاب أو من أحد الغالبين إذا بلغه به فقط كما مر؛ لأن كلا منهما لو انفرد كان حكمه ذلك ويجري ذلك في اختلاف الصفة أيضا كأن اشترى بنصاب دنانير بعضها صحيح وبعضها مكسر وتفاوتا فيقوم ما يخص كلا به. لكن إن بلغ بمجموعهما نصابا زكى لاتحاد جنسهما ويفرق بين التقويم بالمكسر هنا دون غير المضروب فيما مر بأن كسره لا ينافي التقويم به بخلاف غيره "وتجب فطرة عبيد التجارة مع زكاتها" لاختلاف السبب وهو المال والبدن فلم يتداخلا كالقيمة والجزاء في الصيد "ولو كان العرض سائمة".أو تمرا أو حبا قال ابن النقيب أو اشترى دنانير للتجارة بحنطة مثلا "فإن كمل" بتثليث الميم "نصاب إحدى الزكاتين فقط" كتسع وثلاثين من الغنم قيمتها مائتان وكأربعين منها قيمتها دون المائتين "وجبت" زكاة ما كمل نصابه لوجود سببها من غير معارض "أو" كمل "نصابهما" واتفق وقت الوجوب أو اختلف "فزكاة العين" هي الواجبة "في الجديد" لقوتها للإجماع عليها بخلاف زكاة التجارة وإذا أخرج زكاة العين في الثمر والحب لم تسقط زكاة التجارة في قيمة عروضها من نحو الجذع والأرض وتبن الحب إن بلغت نصابا إذ لا تضم لقيمة الثمر والحب "فعلى هذا" وهو تقديم زكاة العين "لو سبق حول التجارة بأن" أي كأن "اشترى بمالها بعد ستة أشهر" من حولها "نصاب سائمة" ولم يقصد به القنية أو اشترى معلوفة للتجارة ثم أسامها بعد ستة أشهر ولا يتصور سبق حول العين في السائمة.; لأنه ينقطع بالمبادلة بل في الثمر والحب بأن يبدو الصلاح ويقع الاشتداد قبل تمام حول التجارة وحكم هذه كما علم مما مر أنه يخرج زكاة العين ثم زكاة التجارة آخر حولها "فالأصح وجوب زكاة التجارة لتمام حولها" لئلا يحبط

 

ج /1 ص -478-      بعض حولها ولأن الموجب قد وجد ولا معارض له "ثم" من انقضاء حولها "يفتتح حولا لزكاة العين أبدا" أي في سائر الأحوال وما مضى من السوم في بقية الحول الأول غير معتبر "وإذا قلنا عامل القراض لا يملك الربح بالظهور" بل بالقسمة وهو الأصح "فعلى المالك زكاة الجميع" ربحا ورأس مال؛ لأنه ملكه "فإن أخرجها" من عنده فواضح أو "من مال القراض حسبت من الربح في الأصح" كمؤن المال من نحو أجرة دلال وفطرة عبد تجارة وفداء جناية "وإن قلنا" بالضعيف أنه "يملك" الربح المشروط له "بالظهور لزم المالك زكاة رأس المال وحصته من الربح"؛ لأنه مالك لهما "والمذهب" على هذا الضعيف "أنه يلزم العامل زكاة حصته" من الربح لتمكنه من التوصل إليه متى شاء بالقسمة فهو كدين حال على مليء وعليه فابتداء حول حصته من الظهور.

باب زكاة الفطر
سميت به؛ لأن وجوبها بدخوله كذا قيل وإنما يتأتى على ضعيف.وإن الإضافة بيانية وهو خلاف الظاهر أنها بمعنى اللام فصواب العبارة أضيفت إليه؛ لأنه جزء من موجبها المركب الآتي ويقال زكاة الفطرة بكسر الفاء وقول ابن الرفعة بضمها غريب؛ لأنها تخرج عن الفطرة أي الخلقة إذ هي طهرة للبدن كما يأتي وتطلق على المخرج أيضا وهي مولدة لا عربية ولا معربة بل هي اصطلاح للفقهاء فتكون حقيقة شرعية كما في المجموع عن الحاوي وأما ما وقع في القاموس من أنها عربية فغير صحيح؛ لأن ذلك المخرج يوم العيد لم يعلم إلا من الشارع فأهل اللغة يجهلونه فكيف ينسب إليهم ونظير هذا أعني خلطة الحقائق الشرعية بالحقائق اللغوية ما وقع له في تفسيره التعزير بأنه ضرب دون الحد ويأتي في بابه التنبيه عليه مع بيان أنه وقع له من هذا الخلط شيء كثير وكله غلط يجب التنبيه له وفرضت كرمضان ثاني سني الهجرة ونقل ابن المنذر الإجماع على وجوبها ومخالفة ابن اللبان فيه غلط صريح كما في الروضة قال وكيع زكاة الفطر لشهر رمضان كسجدة السهو للصلاة تجبر نقص الصوم كما يجبر السجود نقص الصلاة ويؤيده الخبر الصحيح "أنها طهرة للصائم من اللغو والرفث" والخبر الحسن الغريب "شهر رمضان معلق بين السماء والأرض لا يرفع إلا بزكاة الفطر".
"تجب بأول ليلة العيد" أي بإدراك هذا الجزء مع إدراك آخر جزء من رمضان.كما يفيده قوله فتخرج إلى آخره وقوله فيما بعد له تعجيل الفطرة من أول رمضان "في الأظهر" لإضافتها في خبر الشيخين إلى الفطر من رمضان وهو
"فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين" وبأول الليل خرج وقت الصوم ودخل وقت الفطر، وعلى فيه على بابها خلافا لمن أولها بعن؛ لأن الأصح أن الوجوب يلاقي المؤدى عنه أولا حتى القن كما يأتي ولما تقرر أنها طهرة للصائم فكانت عند تمام صومه وأفهم المتن أنه لو أدى فطرة عبده قبل الغروب ثم مات المخرج.أو باعه قبله وجب الإخراج على الوارث أو المشتري،

 

ج /1 ص -479-      وإذا قلنا بالأظهرة "فتخرج عمن مات" أو طلق أو أعتق أو بيع "بعد الغروب" ولو قبل التمكن ممن يؤدى عنه وكانت حياته مستقرة عنده لوجود السبب في حياته واستغناء القريب كموته وإنما سقطت زكاة المال بتلفه قبل التمكن للتعلق بعينه وهنا الزكاة متعلقة بالذمة بشرط الغنى ومن ثم لو تلف ماله هنا قبل التمكن سقطت كما في تلك "دون من ولد".أي تم انفصاله وتجدد من زوجة وقن وإسلام وغنى بعد الغروب لعدم إدراكه الموجب ولو شك في الحدوث قبل الغروب أو بعده فلا وجوب كما هو ظاهر للشك "ويسن أن" تخرج يوم العيد لا قبله وأن يكون إخراجها قبل صلاته وهو قبل الخروج إليها من بيته أفضل للأمر الصحيح به وأن "لا تؤخر عن صلاته" بل يكره ذلك للخلاف القوي في الحرمة حينئذ. وقد صرحوا بأن الخلاف في الوجوب يقتضي كراهة الترك فهو في الحرمة يقتضي كراهة الفعل وبما قررته أن الكلام في مقامين ندب الإخراج قبل الصلاة وإلا فخلاف الأفضل وندب عدم التأخير عنها وإلا فمكروه وإن كلام المتن إنما هو في الثاني يندفع الاعتراض عليه بأنه يوهم ندب إخراجها مع الصلاة ووجه اندفاعه ما تقرر أن إخراجها معها من جملة المندوب وإن كان الأفضل إخراجها قبلها فما أوهمه صحيح من حيث مطلق الندبية من غير نظر إلى خصوص الأفضلية التي توهمها المعترض وإن تبعه شيخنا فجرى على أن إخراجها معها غير مندوب وألحق الخوارزمي كشيخه البغوي ليلة العيد بيومه ووجه بأن الفقراء يهيئونها لغدهم فلا يتأخر أكلهم عن غيرهم.قال الإسنوي وإناطة ذلك بالصلاة للغالب من فعلها أول النهار فلو أخرت عنه سن إخراجها أوله ليتسع الوقت للفقراء نعم يسن تأخيرها عنها لانتظار قريب أو جار ما لم يخرج الوقت ا هـ.
"ويحرم تأخيرها عن يومه" بلا عذر كغيبة مال أو مستحق لفوات المعنى المقصود وهو إغناؤهم عن الطلب في يوم السرور ويجب القضاء فورا لعصيانه بالتأخير ومنه يؤخذ أنه لو لم يعص به لنحو نسيان لا يلزمه الفور وهو ظاهر كنظائره.
تنبيه: ظاهر قولهم هنا كغيبة مال أن غيبته مطلقا لا تمنع وجوبها وفيه نظر كإفتاء بعضهم أنها تمنعه مطلقا أخذا مما في المجموع أن زكاة الفطر إذا عجز عنها وقت الوجوب لا تثبت في الذمة إذ ادعاء أن الغيبة من جملة العجز هو محل النزاع والذي يتجه في ذلك تفصيل يجتمع به أطراف كلامهم وهو أن الغيبة إن كانت لدون مرحلتين لزمته؛ لأنه حينئذ كالحاضر لكن لا يلزمه الاقتراض بل له التأخير إلى حضور المال وعلى هذا يحمل قولهم كغيبة مال أو لمرحلتين فإن قلنا بما رجحه جمع متأخرون أنه يمنع أخذ الزكاة؛ لأنه غني كان كالقسم الأول أو بما عليه الشيخان أنه كالمعدوم فيأخذها لم تلزمه الفطرة؛ لأنه وقت وجوبها فقير معدم ولا نظر لقدرته على الاقتراض لمشقته كما صرحوا به.
"ولا فطرة" ابتداء ولا تحملا "على كافر" أصلي إجماعا وللخبر ولأنها طهرة وليس من أهلها نعم يعاقب عليها في الآخرة كغيرها "إلا في عبده" أي قنه ومستولدته "وقريبه" وخادم زوجته "المسلم" كل ممن ذكر وزوجته المسلمة دونه وقت الغروب "في الأصح" فتلزمه

 

ج /1 ص -480-      كالنفقة ولأن الأصح أن الفطرة تجب ابتداء على المؤدى عنه ثم يتحملها المؤدي وعلى التحمل فهو كالحوالة ومن ثم لو أعسر زوج فالإخراج كما يأتي وإنما أجزأ إخراج المتحمل عنه بغير إذن المتحمل نظرا لكونها طهرة له فلا تأبيد في هذا للضمان خلافا لمن زعمه وأما الجواب بكونه نوى ففيه نظر ظاهر؛ لأن إجزاء نيته هو محل النزاع وجزم في البسيط بأنها تصح من الكافر بغير نية ونقلاه في الروضة وأصلها عن الإمام لعدم صحة نيته وعدم صائر إلى أن المتحمل عنه ينوي لكن في المجموع عنه يكفي إخراجه ونيته؛ لأنه المكلف بالإخراج ا هـ وظاهره وجوبها ويعلل بأنه غلب فيها المالية والمواساة فكانت كالكفارة أما المرتد وممونه فهي موقوفة إن عاد إلى الإسلام وجبت وإلا فلا.
"ولا" فطرة على "رقيق" لا عن نفسه ولا عن غيره؛ لأن غير المكاتب لا يملك وهو ملكه ضعيف لا يحتمل المواساة ولاستقلاله نزل مع السيد منزلة أجنبي فلم تلزمه فطرته."وفي المكاتب" كتابة صحيحة "وجه" أنها تلزمه في كسبه عن نفسه وممونه ووجه أنها تلزم سيده؛ لأن الكل ملكه أما المكاتب كتابة فاسدة فتلزم سيده جزما "ومن بعضه حر يلزمه" من الفطرة عن نفسه "قسطه" بقدر ما فيه من الحرية وباقيها عنه على مالك الباقي كالنفقة هذا إن لم تكن مهايأة وإلا لزمت من وقع زمن الوجوب في نوبته بناء على الأصح عند الشيخين وإن اعترضا أن المؤن النادرة تدخل في المهايأة وكذا شريكان في قن وولدان في أب تهايآ فيه وإلا فعلى كل قدر حصته والكلام في نفس المبعض كما تقرر أما مملوكه وقريبه فيلزمه كل زكاته مطلقا كما هو ظاهر.
"ولا" فطرة على "معسر".وقت الوجوب إجماعا وإن أيسر بعد وقول البغوي لو أعسر الأب وقت الوجوب ثم أيسر قبل إخراج الابن لزمت الأب مبني على ضعيف وهو هنا بخلاف سائر الأبواب "فمن لم يفضل عن قوته وقوت من في نفقته" من آدمي وحيوان واستعمال من فيمن لا يعقل تغليبا بل واستقلالا شائع بل حقيقة عند بعض المحققين فلا اعتراض عليه خلافا لمن زعمه "ليلة العيد ويومه شيء فمعسر" ومن فضل عنه شيء فموسر؛ لأن القوت لا بد منه ويسن لمن طرأ يساره أثناء ليلة العيد بل قبل غروب يومه فيما يظهر إخراجها وأفهم المتن أنه لا يجب الكسب لها أي إن لم تصر في ذمته لتعديه. وإنما أوجبوه لنفقة القريب؛ لأنه كالنفس."ويشترط" في الابتداء "كونه" أي الفاضل عما ذكر "فاضلا عن" دين ولو مؤجلا على تناقض فيه ويفارق ما يأتي في زكاة المال أن الدين لا يمنعها بتعلقها بعينه فلم يصلح الدين مانعا لها لقوتها بخلاف هذه إذ الفطرة طهرة للبدن والدين يقتضي حبسه بعد الموت ولا شك أن رعاية المخلص عن الحبس مقدمة على رعاية المطر وعن دست ثوب لائق به وبممونه وعن لائق به وبهم من نحو "مسكن" بفتح الكاف وكسرها "وخادم يحتاج إليه" أي كل منهما لسكنه أو لخدمته ولو لمنصبه أو ضخامته أو خدمة ممونه لا لعمله في أرضه وماشيته "في الأصح" كما في الكفارة بجامع أن كلا مطهر أما لو ثبتت الفطرة في ذمته فيباع فيها كل ما يباع في الدين من نحو مسكن وخادم لتعديه بتأخيرها غالبا وبه يفرق بين هذا وحالة الابتداء ويندفع استشكال الأذرعي لذلك وخرج بلائق

 

ج /1 ص -481-      غيره فإذا أمكنه إبداله بلائق وإخراج التفاوت لزمه وإن ألفه.
"ومن لزمه فطرته" أي كل مسلم لما مر في الكافر لزمه فطرة نفسه ليساره "لزمه فطرة من تلزمه نفقته" بقرابة أو ملك أو زوجية لم يقترن بها مسقط نفقة كنشوز إذا كانوا مسلمين ووجد ما يؤديه عنهم لخبر مسلم
"ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة إلا صدقة الفطر" "لكن لا يلزم المسلم فطرة العبد والقريب والزوجة الكفار" وإن لزمه نفقتهم لما مر ويظهر في قن سبي ولم يعلم إسلام سابيه أنه لا فطرة عنه في حال صغره وكذا بعد بلوغه إن لم يسلم عملا بالأصل خلاف من في دارنا وشككنا في إسلامه عملا بأن الغالب فيمن بدارنا الإسلام. "ولا العبد فطرة زوجته" ولو حرة وإن لزمه نفقتها في نحو كسبه؛ لأنه ليس أهلا لفطرة نفسه فغيره أولى ومر وجوبها على المبعض ووجه دخوله أعني العبد في القاعدة أن الأصح أن الوجوب يلاقيه ثم يتحمله السيد عنه فيصدق حينئذ أنه لزمه فطرة نفسه لا ممونه "ولا الابن فطرة زوجة أبيه" وسريته ولو مستولدة وإن لزمته نفقتهما؛ لأنها لازمة للأب مع الإعسار فتحملها عنه ولأن فقدها يسلطها على الفسخ فيحتاج لإعفافه ثانيا بخلاف الفطرة فيهما "وفي الابن وجه" أنها تلزمه كالنفقة وانتصر له الأذرعي. وممن تجب نفقته دون فطرته أيضا مطلقا عبد بيت المال والمسجد وموقوف على جهة أو معين ومن على مياسير المسلمين نفقته، وممن تجب هذه على واحد وتلك على آخر من شرط عمله مع عامل قراض أو مساقاة ومن آجر قنه وشرط نفقته على المستأجر ومن حج بالنفقة ففطرة الأول والثاني على السيد والثالث على نفسه كما هو ظاهر وهل الحرة الغنية الخادمة للزوجة بغير استئجار تلزمها.بناء على ما جزم به في المجموع وتبعه القمولي وغيره أنه لا تلزمه فطرتها خلافا للرافعي كالمتولي فطرة نفسها مع أن نفقتها على زوج مخدومتها اعتبارا بها أولا؛ لأنها تابعة للزوجة وهي لا تلزمها فطرة نفسها وإن كانت غنية والزوج معسر كل محتمل والثاني أقرب إلى كلامهم في النفقات أن لها حكمها إلا في مسائل استثنوها ليست هذه منها. أما المستأجرة فعليها فطرة نفسها كما هو ظاهر؛ لأن نفقتها عليها والواجب لها إنما هو الأجرة لا غير فهي كأجير لغير الزوجة وعكس ذلك مكاتب كتابة فاسدة ومسائل المساقاة والقراض والإجارة المذكورة تلزم السيد الفطرة لا النفقة وكذا زوجة حيل بينها وبين زوجها فتلزمه فطرتها لا نفقتها.
"ولو أعسر الزوج" وقت الوجوب "أو كان عبدا فالأظهر أنه يلزم زوجته الحرة فطرتها" إذا كانت موسرة بها "وكذا سيد الأمة" بناء على الأصح السابق أن الوجوب يلاقي المؤدى عنه ابتداء ثم يتحمله المؤدي فإذا لم يصلح للتحمل استمر الوجوب على المؤدى عنه واستقر وإن أيسر المؤدي بعد وإذا قلنا بالأصح فقيل هو كالضمان وانتصر له الإسنوي وأطال. والأصح في المجموع أنه كالحوالة ومن ثم لو أعسر زوج الحرة الموسرة لم يلزمها الإخراج كما سيصححه لتحول الحق إلى ذمة المتحمل فهو كإعسار المحال عليه ولو كان المؤدى عنه ببلد والمؤدي بالآخر وجب من قوت بلد المؤدى عنه ولمستحقيه؛ لأنه لا تصح الحوالة على غير الجنس وإن صح ضمانه ولا يلزم المؤدي نية الإخراج عن

 

ج /1 ص -482-      المؤدى عنه بناء على الحوالة بل نية إخراج ما لزمه منها في الجملة قال شارح ومن فوائد الخلاف جواز الإخراج بغير إذن على الضمان وبه على الحوالة ومراده إخراج المتحمل عنه؛ لأنه على الضمان مخاطب بالوجوب فلم يحتج لإذن بخلافه على الحوالة. لكن مر أنه لا يحتاج إليه ولو عليها "قلت الأصح المنصوص لا تلزم الحرة" الغير الناشزة ولو عتيقة لكن يسن لها خروجا من الخلاف "والله أعلم" وتلزم سيد الأمة والفرق أن الحرة مسلمة للزوج تسليما كاملا والأمة في تسليم السيد وقبضته ومن ثم حل له استخدامها والسفر بها.وإنما وجب مع ذلك فطرتها على الزوج الموسر إذا سلمت له ليلا ونهارا؛ لأن يساره لا يسقط تحمل السيد بل يقتضي تحمله عنه والمعسر ليس من أهل التحمل فافترقا وما ذكر في زوجة العبد الحرة هو ما في المجموع لكن الذي في موضع آخر منه كالروضة وأصلها أنها تلزمها؛ لأنه ليس أهلا للتحمل بوجه بخلاف الحر المعسر وفي المجموع ليس للمؤدى عنه مطالبة المؤدي بإخراجها. وقوى الإسنوي والأذرعي مطالبته ولو حسبة ولو غاب قال في البحر فللزوجة اقتراض نفقتها للضرورة لا فطرتها؛ لأنه المطالب بها وكذا بعضه المحتاج "ولو انقطع خبره" أي القن مع تواصل الرفاق "فالمذهب وجوب إخراج فطرته في الحال" ليلة العيد ويومه؛ لأن الأصل بقاء حياته "وقيل" لا يجب إلا "إذا عاد" كزكاة المال الغائب وفرق الأول بأن التأخير إنما جاز ثم للنماء وهو غير معتبر هنا "وفي قول لا شيء" يجب مدة غيابه؛ لأن الأصل براءة الذمة نعم يلزمه إذا عاد الإخراج لما مضى كذا قيل تفريعا على الثالث وفيه نظر؛ لأنه يلزم عليه اتحاده مع الثاني إلا أن يقال ظاهر كلامهم بل صريحه أنها على الثاني وجبت. وإنما جاز له التأخير إلى عوده رفقا به لاحتمال موته فعليه لو أخرجها عنه في غيبته أجزأه لو عاد وأما على الثالث فلا يخاطب بالوجوب أصلا ما دام غائبا فلا يجزئ الإخراج حينئذ فإن عاد خوطب بالوجوب الآن للحال ولما مضى وحينئذ فالفرق بين القولين ظاهر ومحل الخلاف إن لم تنته مدة غيبته إلى ما يحكم بعده بموت المفقود وإلا لم تجب اتفاقا وكان وجه عدم الاحتياج للحكم بموته هنا بخلافه في بقية الأحكام أنه محض حق الله تعالى فسومح فيه أكثر من غيره واستشكل وجوبها حالا بأنها تجب لفقراء بلد العبد وذلك متعذر وتردد.الإسنوي وغيره بين استثنائها وإخراجها في آخر عهد وصوله إليه؛ لأن الأصل بقاؤه فيها وإعطاؤها للقاضي؛ لأن له نقلها وتفرقتها أي ما لم يفوض قبضها لغيره. وعين الغزي الاستثناء وأبطل الأخير بأن شرطه أن يكون العبد في محل ولايته ولم يتحققه ويرد بتحقق كونه في ولايته والأصل عدم خروجه منها إذ الكلام في قاض كذلك وحينئذ فالذي يتجه في ذلك أنه يدفع البر للقاضي ليخرجه في أي محال ولايته شاء وتعين البر لإجزائه هنا على كل تقدير لما يأتي أنه يجزئ عن غيره وغيره لا يجزئ عنه فإن تحقق خروجه عن محل ولاية القاضي فالإمام فإن تحقق خروجه عن محل ولايته أيضا بأن تعدد المتغلبون ولم ينفذ في كل قطر الأمر المتغلب فيه فالذي يظهر أنه يتعين الاستثناء للضرورة حينئذ. أما إذا لم ينقطع خبره فيخرج عنه في بلده وبهذا مع ما قبله يظهر الفرق بين منقطع الخبر وغيره خلافا لمن زعم

 

ج /1 ص -483-      عدم الفرق "والأصح أن من أيسر ببعض صاع يلزمه" إخراجه عن واحد فقط؛ لأنه ميسور وفارق بعض الرقبة في الكفارة بأن لها بدلا أي في الجملة والتبعيض هنا معهود "و" الأصح "أنه لو وجد بعض" صاع أو "الصيعان قدم نفسه" لخبر الشيخين "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول" وخبر مسلم "ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك فإن فضل شيء فلذي قرابتك" وظاهر قوله قدم نفسه وجوب ذلك. وبه صرح الأصحاب وأخذ منه جمع متأخرون أنه لو وجد كل الصيعان لزمه تقديم نفسه أيضا؛ لأن في تأخيرها غررا باحتمال تلف ماله فبقي إخراجه عنها وخالف بعضهم فأفتى بأنه لا يجب وهو الأوجه مدركا ولا نظر لذلك الغرر؛ لأن الأصل بقاء ماله وعلى الأول فالذي يظهر الاعتداد بالمخرج وإن أثم ويفرق بينه وبين ما يأتي في الحج أنه إذا قدم المتأخر وقع عن المتقدم قهرا عليه بأنهم توسعوا في نية الحج بما لم يتوسعوا به في غيره لشدة تشبثه ولزومه ألا ترى أن من نواه في غير أشهره انعقد عمرة ومن نوى بعض حجة أو عمرة انعقد كاملا."ثم" إن فضل عنه شيء قدم "زوجته"؛ لأن نفقتها آكد؛ لأنها معاوضة لا تسقط بمضي الزمان "ثم ولده الصغير"؛ لأنه أعجز ونفقته منصوصة مجمع عليها "ثم الأب" وإن علا ولو من جهة أم لشرفه ثم الأم كذلك لولادتها وقدمت عليه في النفقة؛ لأنها لسد الخلة وهي أحوج والفطرة للتطهير والأب أحق به لشرفه بشرفه ونقضه الإسنوي بتقديم الولد الصغير عليهما وهما أشرف منه فدل على اعتبارهم الحاجة في البابين ويجاب بأن النظر للشرف إنما يظهر وجهه عند اتحاد الجنس كالأصالة وحينئذ فلا يرد ما ذكره فتأمله "ثم الكبير" العاجز عن الكسب ثم الأرقاء لشرف الحر وعلاقته لازمة والملك بصدد الزوال ولو استوى جمع في درجة تخير وإن تميز بعضهم بفضائل فيما يظهر؛ لأن الأصل فيها التطهير وهم مستوون فيه بل الناقص أحوج إليه "وهي" أي الفطرة عن كل رأس "صاع" وحكمته أن نحو الفقير لا يجد من يستعمله يوم العيد وثلاثة أيام بعده غالبا.وهو يحمل نحو ثلاثة أرطال ماء فيجيء منه نحو ثمانية أرطال كل يوم رطلان "وهو" أربعة أمداد والمد رطل وثلث وحملتها بناء على أن رطل بغداد مائة وثلاثون درهما "ستمائة درهم وثلاثة وتسعون درهما وثلث" من درهم "قلت الأصح" أنه "ستمائة وخمسة وثمانون درهما وخمسة أسباع درهم لما سبق في زكاة النبات" أن رطل بغداد مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم "والله أعلم" ومر أيضا أن الأصل الكيل وإنما قدر بالوزن استظهارا وإلا فالمدار على الكيل وهو بالكيل المصري قدحان إلا سبعي مد. وقال ابن عبد السلام يعتبر بالعدس فكل ما وسع منه خمسة أرطال وثلثا فهو صاع وخبر "المد رطلان" ضعيف على أنه وارد في صاع الماء فلا حجة فيه لو صح وقد قال مالك أخرج لنا نافع صاعا وقال "هذا صاع أعطانيه ابن عمر وقال هذا صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعبرته فإذا هو بالعراقي خمسة أرطال وثلث" ولما نازعه فيه أبو يوسف بين يدي الرشيد لما حج استدعى بصيعان أهل المدينة وكلهم قال إنه ورثه عن أبيه عن جده وإنه كان يخرج به زكاة الفطر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوزنت فكانت كذلك وقضية اعتبارهم له بالوزن مع الكيل أنه تحديد وهو المشهور وجرى عليه في رءوس المسائل،

 

ج /1 ص -484-      لكن استشكل في الروضة ضبطه بالأرطال بأنه يختلف قدره وزنا باختلاف الحبوب ثم صوب قول الدارمي الاعتماد على الكيل بالصاع النبوي دون الوزن قال فإن فقد أخرج قدرا يتيقن أنه لا ينقص عنه وعلى هذا فالتقدير بالوزن تقريب ا هـ "وجنسه" أي الصاع الواجب "القوت المعشر" أي الواجب فيه العشر أو نصفه ومر بيانه "وكذا الأقط" بفتح فكسر على الأشهر ويجوز سكون القاف مع تثليث الهمزة، وهو لبن يجفف "في الأظهر" لصحة الحديث فيه من غير معارض ومحله إن لم ينزع زبده ولم يفسد الملح جوهره ولا يضر ظهوره نعم لا يحسب فيخرج قدرا يكون محض الأقط منه صاعا ويعتبر بالكيل ويجزئ لبن به زبده والصاع منه يعتبر بما يجيء منه صاع أقط على ما قاله الخراسانيون؛ لأنه الوارد وجبن بشرطي الأقط ويعتبر بالوزن وفارق الأقط بأن من شأنه أن يكال ويعد الكيل فيه ضابطا بخلاف الجبن ولا فرق في هذه المذكورات بين أهل البادية والحاضرة إذا كانت لهم قوتا لا لحم ومصل ومخيض وسمن وإن كانت قوت البلد لانتفاء الاقتيات بها عادة. "ويجب من" غالب "قوت بلده" يعني محل المؤدى عنه في غالب السنة؛ لأن نفوس المستحقين إنما تتشوف لذلك وأو في خبر صاعا من طعام أي بر أو صاعا من أقط أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب لبيان بعض الأنواع التي يخرج منها ولا نظر لوقت الوجوب خلافا للغزالي ومن تبعه ويفرق بين هذا واعتبار آخر الحول في التجارة بأن القيم مضطربة غالبا أكثر من القوت فلم يكن ثم غالب يضبطها فاعتبرت وقت الوجوب لتعذر اعتبار ما قبله بخلافه هنا ووقت الشراء في بلد بها غالب بأن المدار ثم على ما يتبادر لفهم العاقدين لا غير وهو إنما يتبادر لذلك ومن لا قوت لهم مجزئ يخرجون من قوت أقرب محل إليهم. فإن استوى محلان واختلفا واجبا خير ولو كان الغالب مختلطا كبر بشعير اعتبر أكثرهما وإلا تخير.ولا يخرج من المختلط إلا إن كان فيه قدر الصاع من الواجب "وقيل" من غالب "قوته" كما يعتبر نوع ماله في زكاة المال ويرده ما مر في تعليل الأول الفارق بينهما "وقيل يتخير بين" جميع "الأقوات" وبه قال أبو حنيفة لظاهر الخبر "ويجزئ" على الأولين "الأعلى" الذي لا يلزمه "عن الأدنى" الذي هو غالب قوت محله وفارق عدم إجزاء الذهب عن الفضة بتعلق الزكاة ثم بالعين فتعينت المواساة منها والفطرة طهرة للبدن فنظر لما به غذاؤه وقوامه والأقوات متساوية في هذا الغرض وتعيين بعضها إنما هو رفق فإذا عدل إلى الأعلى كان أولى في غرض هذه الزكاة ويؤخذ منه أنه لو أراد إخراج الأعلى فأبى المستحق إلا قبول الواجب أجيب المالك وفيه نظر بل ينبغي إجابة المستحق حينئذ؛ لأن الأعلى إنما أجزأ رفقا به فإذا أبى إلا الواجب له فينبغي إجابته كما لو أبى الدائن غير جنس دينه ولو أعلى وإن أمكن الفرق. "ولا عكس" أي لا يجزئ الأدنى الذي ليس غالب قوت محله عن الأعلى الذي هو قوت محله "والاعتبار" في كون شيء منها أعلى أو أدنى "بزيادة القيمة في وجه"؛ لأن الأزيد قيمة أرفق بهم "وبزيادة الاقتيات في الأصح"؛ لأنه الأليق بالغرض من هذه الزكاة كما علم مما تقرر "فالبر خير من التمر والأرز" والشعير والزبيب وسائر ما يجزئ "والأصح أن الشعير خير من التمر" والزبيب

 

ج /1 ص -485-      لأنه أبلغ في الاقتيات "وأن التمر خير من الزبيب" لذلك والشعير والتمر والزبيب خير من الأرز كما بحث وفيه نظر ظاهر لكنه ظاهر كلامهم وكأنه لعدم كثرة إلف.الصدر الأول له فعلم أن الأعلى البر فالشعير فالتمر فالزبيب فالأرز ويتردد النظر في بقية الحبوب كالذرة والدخن والفول والحمص والعدس والماش ويظهر أن الذرة بقسميها في مرتبة الشعير وأن بقية الحبوب الحمص فالماش فالعدس فالفول فالبقية بعد الأرز وأن الأقط فاللبن فالجبن بعد الحبوب كلها وما نصوا على أنه خير لا يختلف باختلاف البلاد وقيل يختلف. وانتصر له بعضهم ولا يجزئ تمر منزوع النوى كما قاله جمع بخلاف الكبيس فيخرج منه ما يأتي صاعا قبل كبسه.
"وله أن يخرج عن نفسه من قوت" يلزمه الإخراج منه "وعن" ممونه نحو "قريبه أعلى منه" وعكسه؛ لأنه ليس فيه تبعيض الصاع.
"ولا يبعض الصاع" عن واحد من جنسين وإن كان أحدهما أعلى من الواجب وإن تعدد المؤدي كشريكين في قن؛ لأن العبرة ببلده لكن الوجوب يلاقيه ابتداء وذلك لظاهر الخبر وكما لا يجوز في الكفارة المخيرة أن يطعم خمسة ويكسو خمسة أما من نوعي جنس فيجوز وقول ابن أبي هريرة.لا يجوز زيفه ابن كج. وتوقف الأذرعي في نوعين متباعدين وأما عن غير واحد كأن ملك واحد نصفي قنين فأخرج نصف صاع يجب الإخراج منه عن نصف ونصف صاع أعلى من ذلك عن النصف الثاني وإن اختلف الجنس فيجوز لتعدد المخرج عنه فلا محذور حينئذ.
"ولو كان في بلد أقوات لا غالب فيها تخير" بينها فيخرج ما شاء منها "والأفضل أشرفها" أي أعلاها كالكفارة المخيرة "ولو كان عبده ببلد آخر فالأصح أن الاعتبار بقوت بلد العبد" للأصح السابق أنها تلزم المؤدى عنه ثم يتحملها المؤدي "قلت الواجب" الذي لا يجزئ غيره إذا وجد الحب "الحب السليم" أي من عيب ينافي صلاحية الادخار والاقتيات كما يعلم من قواعد الباب. وسيعلم مما يأتي أن العيب في كل باب معتبر بما ينافي مقصود ذلك الباب فلا تجزئ قيمة ومعيب ومنه مسوس ومبلول أي إلا إن جف وعاد لصلاحية ادخار والاقتيات كما علم مما ذكرته وقديم تغير طعمه أو لونه أو ريحه وإن كان هو قوت البلد لكن قال القاضي يجوز حينئذ وقيده ابن الرفعة بما إذا كان المخرج يأتي منه صاع وفيهما نظر؛ لأنه مع ذلك يسمى معيبا والذي يوافق كلامهم أنه يلزمه إخراج السليم من غالب قوت أقرب المحال إليهم وقد صرحوا.بأن ما لا يجزئ لا فرق بين أن يقتاتوه وأن لا ولا نظر إلى ما هو من جنس ما يقتات وغيره كالمخيض؛ لأن قيام مانع الإجزاء به صيره كأنه من غير الجنس ودقيق وسويق وإن اقتاته ولم يكن له سواه ورواية أو صاعا من دقيق لم تثبت.
"ولو أخرج" الأب أو الجد "من ماله فطرة" أو زكاة مال من هو تحت ولايته من "ولده الصغير" أو المجنون أو السفيه "الغني جاز" ورجع عليه إن نوى الرجوع "كأجنبي أذن" لآخر أن يخرجها عنه ففعل فإنها تجزئه إن نوى الآذن أو المخرج بعد تفويض النية إليه أخذا مما

 

ج /1 ص -486-      يأتي، أما الوصي أو القيم فلا يجوز له ذلك كأب لا ولاية له على الأوجه إلا إن استأذن الحاكم فإن فقد قال الأذرعي فلكل أي من الوصي والقيم إخراجها من عنده ويجزئ أداؤهما لدينه من غير إذن قاض ويفرق بأنه لا يتوقف على نية على ما يأتي قبيل الشركة بخلاف الزكاة تتوقف عليها فاشترط كون المخرج يستقل بتمليك المخرج عنه؛ لأنه إذا استقل بذلك فالنية أولى وفرق القاضي بغير ذلك مما لا مدخل له في الفرق كما يعلم بتأمله "بخلاف" الولد "الكبير" الرشيد فلا يجوز أن يخرج عنه بغير إذنه؛ لأن الأب لا يستقل بتمليكه بخلاف نحو الصغير فكأنه ملكه فطرته ثم أخرجها عنه "ولو اشترك موسر ومعسر في عبد" أو أمة نصفين مثلا "لزم الموسر نصف صاع" ولا يلزم المعسر شيء "ولو أيسرا" أي الشريكان "واختلف واجبهما" باختلاف موت محليهما بناء على الضعيف أن العبرة ببلديهما كما أفاده كلام المجموع وغيره ولعله أغفله هنا وفي الروضة للعلم به مما قدمه أن العبرة بقوت بلد العبد "أخرج كل واحد نصف صاع من واجبه في الأصح والله أعلم" ولا تبعيض للصاع حينئذ؛ لأن كلا أخرج جميع ما لزمه من جنس واحد. أما على الأصح أن العبرة ببلد المؤدى عنه فيخرج كل من قوت محل الرقيق وأول بعضهم المتن ليوافق المعتمد المذكور بأن الضمير في واجبه يعود للعبد وهو فاسد معنى ولفظا كما لا يخفى وأولى منه تأويل الإسنوي له بحمله على ما إذا كان وقت الوجوب بمحل لا قوت فيه واستوى محل سيديه الذي فيه قوت إليه لما مر أن العبرة في هذا بأقرب محل قوت إليه فهنا واجب كل منهما هو واجبه فيخرج كل حصته من واجب نفسه قال وحيث أمكن تنزيل كلام المصنفين على تصوير صحيح لا يعدل إلى تغليطهم وظاهره تعين إخراج كل من قوت بلده وليس كذلك بل كل مخير.بين الإخراج من أي البلدين شاء وأما الجواب بأن الغرض هنا فيما إذا كانا ببلدين وصورة ما قدمه أن العبرة بقوت بلد العبد إذا كان ببلد واحد ولا يلزم من اعتبار قوته في هذه اعتباره فيما قبلها والفرق تعلق الزكاة بمحلين هنا لا ثم وتعلقها بمحلين يقتضي جواز نقلها كما لو ملك عشرين شاة ببلد وعشرين ببلد يجوز إخراج الشاة بأحد البلدين فكذلك هنا يسقط تعلق فقراء أحد البلدين بذمة المالكين بخلاف ما إذا كانا ببلد واحد فهو بعيد جدا والفرق المذكور مجرد خيال لا يعول عليه ويفرق بين ما هنا ومسألة الشياه بأن الزكاة هنا متعلقة بالعين المنقسمة في البلد فلفقراء كل تعلق بها وشركة فيها لكن لما عسر التشقيص وساءت المشاركة جاز تخصيص الواجب بفقراء أحدهما وثم ليست متعلقة بالمالكين المنقسمين إلا على الضعيف أنهما المخاطبان بالفرض أو لا؟ فعلى هذا يتجه القياس على مسألة الشياه وأما على المعتمد أنها لزمت العبد أولا فهو بمحل واحد ولا تعدد فيه فلا جامع بينه وبين مسألة الشياه بوجه فالقياس عليها حينئذ اشتباه من تفريع الضعيف فهو فاسد كما لا يخفى على متأمل.

باب من تلزمه الزكاة
أي شروطه "وما تجب" الزكاة "فيه" أي أحواله التي يعلم بها أنه قد يتصف بما يؤثر

 

ج /1 ص -487-      في السقوط وبما لا يؤثر فيه كالغصب وحاصل الترجمة باب شروط الزكاة وموانعها وختمه بفصلين آخرين لمناسبتهما له.
"شرط" وجوب "زكاة المال" بأنواعه السابق تفصيلها "الإسلام" لقول الصديق رضي الله عنه في كتابه هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين رواه البخاري فلا تجب على كافر أصلي وجوب مطالبة في الدنيا بل وجوب عقاب عليها في الآخرة نظير ما مر في الصلاة ويسقط عنه بإسلامه ما مضى ترغيبا فيه وخرج بالمال زكاة الفطر لما مر أنها تلزم الكافر عن ممونه، وعلم مما تقرر أن هذا شرط لوجوب الإخراج لا لأصل الطلب ولا يؤثر فيه أن الشرط الآخر "و" هو "الحرية" الكاملة لأصل الخطاب؛ لأن مدار العطف على اشتراكهما في الشرطية لا غير وهما كذلك وإن اختلف المراد بها فلا اعتراض عليه فلا زكاة على من فيه رق وإن قل لعدم ملكه أو ضعفه كما مر.
"وتلزم" الزكاة "المرتد" قبل وجوبها "إن أبقينا ملكه" لا إن أزلناه وهما ضعيفان والأصح أنه موقوف فتوقف هي أيضا كفطرة نفسه وقنه وألحق بهما بعضه وزوجته فإن أسلم أخرج لما مضى من الأحوال في الردة لتبين بقاء ملكه ويجزئ إخراجها في ردته ويغتفر عدم النية على ما مر في الفطرة وإلا بان زواله من حين الردة فلم يتعلق به زكاة وحينئذ فلو كان أخرج في ردته فهل يرجع على آخذها ممن لا حق له في الفيء مطلقا؛ لأنه بان أن لا حق له فيما أخذه أو إن علم الحال نظير ما يأتي في التعجيل كل محتمل والأول أقرب ويفرق بأن المخرج ثم له ولاية الإخراج في الجملة فأثر ملك الآخذ المعذور بعدم العلم ولا كذلك هذا؛ لأنه بان أن لا ولاية له أصلا أما إذا وجبت ثم ارتد فتؤخذ من ماله مطلقا ويظهر أنه لو كان أخرج في ردته المتصلة بموته لم تجزئه؛ لأنه بان أنه حالة الإخراج غير مالك فلا ولاية له على التفرقة ويحتمل الإجزاء كما هو الظاهر فيما لو أخرج ديونه حينئذ إلا أن يفرق بأن أداء الدين أوسع؛ لأنه لا يستدعي ولاية لإجزائه من الأجنبي ولا كذلك الزكاة "دون المكاتب" لضعف ملكه عن احتمال المواساة ومن ثم لم تلزمه نفقة قريبه ولم يرث ولم يورث وصرح به؛ لأنه قد يتوهم من أن له ملكا وجوبها عليه والحرية قد يراد بها القرب منها فلا اعتراض عليه وسيعلم من كلامه أنه يشترط أيضا تمام الملك فلا زكاة على مكاتبه كما سيذكره وكونه لمعين حر إلخ فلا زكاة في مال مسجد نقد أو غيره ولا في موقوف مطلقا ولا في نتاجه وثمره إن كان على جهة أو نحو رباط أو قنطرة بخلافه على معين كما مر وتيقن وجوده فلا يزكى موقوف لجنين وإن بانت حياته.; لأنه في حال الوقف لم يكن موثوقا به ومن ثم بحث الإسنوي أنه لو انفصل ميتا لم تجب على بقية الورثة لضعف ملكهم.
"وتجب في مال الصبي والمجنون" والمحجور عليه بسفه والولي مخاطب بإخراجها منه وجوبا إن اعتقد الوجوب سواء العامي وغيره وزعم أن العامي لا مذهب له ممنوع بل يلزمه تقليد مذهب معتبر.وذاك إنما كان قبل تدوين المذاهب واستقرارها ولا عبرة باعتقاد المولى ولا باعتقاد أبيه غير الولي فيما يظهر وذلك لخبر
"ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها

 

ج /1 ص -488-      الصدقة" وفي رواية "الزكاة" وهو مرسل اعتضد بقول خمسة من الصحابة وبوروده متصلا من طرق ضعيفة والقياس على معشره وفطرة بدنه الموافق عليهما الخصم أوضح حجة عليه قال ابن عبد السلام ولا يعذر وصي أي يرى وجوبها وهو مثال نهاه الإمام عن إخراجها فإن خافه أخرجها سرا ا هـ وهو ظاهر في إمام أو نائبه يرى وجوبها أما إذا لم يره ونهاه فينبغي وجوب امتثاله حينئذ؛ لأنه لم يتعد به بالنسبة لاعتقاده إلا إذا قلنا ليس له حمل الناس على مذهبه لتعديه حينئذ وكان هذا هو ملحظ ابن عبد السلام ومع ذلك ينبغي تقييده بما إذا لم يغلب على ظنه أنه يغرمه ما أخرجه ولو سرا وأفتى القفال بأن الاحتياط للولي الحنفي أن يؤخرها لكماله فيخبره بها ولا يخرجها فيغرمه الحاكم ا هـ والاحتياط المذكور بمعنى الوجوب أو بالنسبة لضبطها وإخباره بها إذا كمل وينبغي للشافعي أن يحتاط باستحكام شافعي في إخراجها حتى لا يرفع لحنفي فيغرمه ويأتي قبيل الصلح ما له تعلق بذلك.ولو أخرها المعتقد للوجوب أثم ولزم المولى ولو حنفيا فيما يظهر إخراجها إذا كمل ويسامح بغشها إن ساوى أجرة الضرب أي المحتاج إليه والتخليص كما قاله السبكي ومر ما فيه "وكذا" تجب على "من ملك ببعضه الحر نصابا في الأصح" لتمام ملكه ومن ثم كفر كالموسر "و" تجب "في المغصوب" والمسروق "والضال" ومنه الواقع في بحر والمدفون المنسي محله "والمجحود" العين وسيأتي الدين "في الأظهر" لوجود النصاب في الحول "ولا يجب دفعها" أي الزكاة "حتى" يتمكن من المال بأن يكون له به بينة أو يعلمه القاضي.أو يقدر هو على خلاصه ولا حائل ومن عليه الدين موسرا به أو "يعود" إليه فحينئذ يزكي للأحوال الماضية إن كانت الماشية سائمة ولم ينقص النصاب بما يجب إخراجه فإذا كان نصابا فقط وليس عنده من جنسه ما يعوض قدر الواجب لم تجب زكاة ما زاد على الحول الأول "و" تجب على المشتري في "المشترى قبل قبضه" إذا مضى حول من حين دخوله في ملكه لتمكنه من قبضه بدفع الثمن ومن ثم لزمه الإخراج حالا حيث لا مانع من القبض "وقيل فيه القولان" في نحو المغصوب لعدم صحة التصرف فيه ويجاب بأن هذا ليس هو ملحظ الإيجاب بل كونه في ملكه ولزوم الإخراج شرطه القدرة عليه وهي موجودة ويشكل على ذلك قولهم للثمن المقبوض قبل قبض المشتري المبيع حكم الأجرة فلا يلزمه إخراج زكاته ما لم يستقر ملكه عليه.; لأن الثمن قبل قبض المبيع غير مستقر وإنما لزمه إخراج زكاة رأس مال السلم بعد تمام حوله وإن لم يقبض المسلم فيه لاستقرار ملكه عليه بقبضه بدليل أن تعذر المسلم فيه لا يوجب انفساخ العقد وقد يفرق بأن المشتري متمكن من الاستقرار كما تقرر؛ لأن له حيث وفى الثمن الاستقلال بأخذ المبيع بخلاف البائع ليس متمكنا من ذلك؛ لأن قبض المبيع ليس إليه لتعلقه بفعل المشتري فلم يكلف به فإن قلت يمكنه أن يضعه بين يديه قلت قد لا يجده وقد يخشى أخذ غاصب أو سارق له قبل تمكن المشتري من قبضه فنظرنا لما من شأنه وأيضا فالثمن غير مقصود العين كما يعلم مما يأتي في مبحث الاستبدال فاشترط فيه الاستقرار كالأجرة لتمام مشابهته لها بخلاف المبيع فإن عينه مقصودة فكفى التمكن من قبضها ويأتي في إصداق المعين ما يؤيد ذلك.

 

ج /1 ص -489-      "وتجب في" الغائب ولا يجب دفعها في "الحال عن الغائب" إلا "إن قدر عليه" بأن سهل الوصول إليه ومضى زمن يمكنه الوصول إليه فيه؛ لأنه كمال في صندوقه ويجب الإخراج عنه في بلده فإن كان سائرا لم يجب الإخراج عنه حتى يصل لمالكه أو وكيله كما اعتمداه هنا فقولهما في قسم الصدقات إن كان ببادية صرف إلى فقراء أقرب البلاد إليه محمول على ما إذا كان المالك أو وكيله مسافرا معه وقضية قوله في الحال وجوب إخراجها فورا وهو ظاهر إن كان المال بمحل لا مستحق به وبلد المالك أقرب البلاد إليه أو أذن له الإمام في النقل وأما في غير ذلك فيظهر أنه يلزمه التوكيل فورا لمن يخرجها ببلد المال ولا يتكل على أخذ القاضي أو الساعي لها من المال؛ لأنه يمتنع على القاضي إخراج زكاة الغائبين على ما يأتي وبه رد الغزي قول الأذرعي أنه يأخذها "وإلا" يقدر عليه لتعذر السفر إليه لنحو خوف أو انقطاع خبره أو للشك في سلامته."فكمغصوب" فإن عاد لزمه الإخراج لما مضى وإلا فلا والذي يظهر من كلامهم أن العبرة فيه وفي نحو الغائب بمستحقي محل الوجوب لا التمكن "والدين إن كان" معشرا أو "ماشية" لا لتجارة كأن أقرضه أربعين شاة أو أسلم إليه فيها ومضى عليه حول قبل قبضه "أو" كان "غير لازم كمال كتابة فلا زكاة" فيه؛ لأن علتها في المعشر الزهو في ملكه ولم يوجد وفي الماشية السوم ولا سوم فيما في الذمة بخلاف النقد فإن العلة فيه النقدية وهي حاصلة ولأن الجائز يقدر من هو عليه على إسقاطه متى شاء وقضية كلامهم في مواضع أن الآيل للزوم حكمه حكم اللازم وخرج بمال كتابة إحالة المكاتب سيده بالنجوم فيجب فيه؛ لأنه لازم "أو عرضا" للتجارة "أو نقدا فكذا في القديم" لا تجب فيه؛ لأنه غير ملكه "وفي الجديد إن كان حالا" ابتداء أو انتهاء "وتعذر أخذه لإعسار وغيره" كمطل أو غيبة أو جحود ولا بينة "فكمغصوب" فلا يجب الإخراج إلا إن قبضه أما تعلقها به وهو في الذمة فباق حتى يتعلق به حق المستحقين فلا يصح الإبراء من قدرها منه "وإن تيسر" بأن كان على مقر مليء باذل أو جاحد وبه بينة أو يعلمه القاضي "وجبت تزكيته في الحال" وإن لم يقبضه؛ لأنه قادر على قبضه فهو كما بيده وقضية كلام جمع أن من القدرة ما لو تيسر له الظفر بقدره من غير ضرر وهو متجه وإن قيل إن المتبادر من كلامهما خلافه "أو مؤجلا".ثابتا على مليء حاضر "فالمذهب أنه كمغصوب" فلا يجب الدفع إلا بعد قبضه "وقيل يجب دفعها قبل قبضه" كغائب يسهل إحضاره ويرد قياسه بقوله يسهل إحضاره فإنه الفارق بينه وبين المؤجل وقوله قبل قبضه هو ما ذكروه وزعم الإسنوي أن الصواب قبل حلوله وسيأتي تعلق الزكاة بعين المال فعليه يملك المستحقون من الدين ما وجب لهم ومع ذلك يدعي المالك بالكل ويحلف عليه؛ لأن له ولاية القبض ومن ثم لا يحلف أنه له مثلا بل إنه يستحق قبضه قاله السبكي وهو أوجه من قول الأذرعي تختص الشركة بالأعيان وبحث السبكي أيضا أنه ينبغي للحاكم إذا غلب على أن الدائن لا يؤدي الزكاة مما قبضه ولا أداها قبل أن ينزع قدرها ويفرقه على المستحقين ولا يجوز جعل دينه على معسر من زكاته إلا إن قبضه منه ثم نواها قبل أو مع الأداء إليه أو يعطيه من زكاته ثم يردها إليه عن دينه من غير شرط "ولا

 

ج /1 ص -490-      يمنع الدين" الذي في ذمة من بيده نصاب فأكثر مؤجلا أو حالا لله تعالى أو لآدمي "وجوبها" عليه "في أظهر الأقوال" لإطلاق النصوص الموجبة لها ولأنه مالك لنصاب نافذ التصرف فيه ولو زاد المال على الدين بنصاب وجبت زكاته قطعا كما لو كان له ما يوفيه غير ما بيده والثاني يمنع مطلقا "والثالث يمنع في المال الباطن وهو النقد" المضروب وغيره ومنه الركاز "والعرض" وزكاة الفطر وحذفها؛ لأن الكلام في زكاة المال لا البدن ولما تكلموا على ما يشملها ولو بطريق القياس وهو أن له أن يؤدي بنفسه زكاة المال الباطن ذكروها فلا اعتراض عليه خلافا لما وقع للإسنوي دون الظاهر وهو المواشي والزروع والثمار والمعادن ولا ترد هذه على قوله النقد؛ لأنها لا تسمى نقدا إلا بعد التخليص من التراب ونحوه؛ لأنه ينمو بنفسه بخلاف الباطن "فعلى الأول" الأظهر "لو حجر عليه لدين فحال الحول في الحجر فكمغصوب"؛ لأن الحجر لما منع من التصرف كان حائلا بينه وبين ماله فإن عاد له المال بإبراء أو نحوه أخرج لما مضى وإلا فلا هذا إن لم يعين القاضي لكل غريم عينا ويمكنه من أخذها على ما يقتضيه التقسيط فإن فعل ولم يتفق الأخذ حتى حال الحول فلا زكاة قطعا لضعف الملك حينئذ وقيده السبكي والإسنوي بما إذا كان ما عينه لكل من جنس دينه وإلا فكيف يمكنه من غير جنسه من غير بيع أو تعويض وهو متجه وإن اعترضه الأذرعي.
تنبيه: مقتضى ما ذكر أنه لا زكاة وإن لم يأخذوه وينافيه ما يأتي في الأجرة أنه يتبين.الاستقرار بتبين الوجوب وقد يفرق بأن المانع ثم عدم الاستقرار المقتضي للضعف وقد بان زواله والمانع هنا تعلق حقهم به المقتضي للضعف أيضا وبعدم أخذهم له بعد الحول لا يرتفع ذلك التعلق من أصله وإنما المرتفع استمراره فالضعف موجود إلى آخر الحول أخذوا أو تركوا فتأمله.
"ولو اجتمع زكاة" أو حج أو كفارة أو نذر "ودين آدمي في تركة" وضاقت عنهما "قدمت" الزكاة أو نحوها مما ذكر وإن سبق تعلق غيرها عليها للخبر الصحيح
"فدين الله أحق بالقضاء" ولأنها تصرف للآدمي ففيها حق آدمي مع حق الله تعالى نعم الجزية والدين يستويان؛ لأنها وإن كانت حقا لله تعالى فيها معنى الأجرة "وفي قول الدين"؛ لأن حق الآدمي مبني على المضايقة وكما يقدم القود على قتل نحو الردة ورد بأن حدود الله مبناها على الدرء ما أمكن والزكاة فيها حق آدمي أيضا كما تقرر "وفي قول يستويان" فيوزع المال عليهما؛ لأن حق الله تعالى يصرف للآدمي فهو المنتفع به ولو اجتمعت الزكاة ونحو كفارة قدمت الزكاة إن تعلقت بالعين بأن بقي النصاب وإلا بأن تلف بعد الوجوب والتمكن استوت مع غيرها.فيوزع عليهما وخرج بتركة اجتماع ذلك على حي ضاق ماله فإن لم يحجر عليه قدمت الزكاة جزما وإلا قدم حق الآدمي جزما ما لم تتعلق هي بالعين فتقدم مطلقا وبعد الحيازة وانقضاء الحرب "إن اختار الغانمون" المسلمون سواء أكانوا كل الجيش أو بعضه كان عزل الإمام لطائفة منهم طائفة من الغنيمة "تملكها ومضى بعده" أي اختيار التملك "حول والجميع صنف زكوي وبلغ نصيب كل شخص نصابا أو بلغه المجموع

 

ج /1 ص -491-      في موضع ثبوت الخلطة" بأن توجد شروطها السابقة ويكون بلوغ النصاب بدون الخمس "وجبت زكاتها" كسائر الأموال "وإلا" توجد هذه كلها بأن لم يختاروا تملكها أو لم يمض حول أو مضى وهي أصناف أو صنف غير زكوي أو زكوي ولم يبلغ نصابا أو بلغه بالخمس "فلا" زكاة فيها لعدم الملك أو ضعفه في الأولى بدليل أنه يسقط بالإعراض وعدم الحول في الثانية وعدم علم كل منهم بما يصيبه وكم يصيبه في الثالثة وظاهر كلامهم فيها أنه لا فرق بين أن يعلم كل زيادة نصيبه على نصاب وأن لا وليس ببعيد وإن استبعده الأذرعي؛ لأنه لا يعلم مقدار ما يستقر له وعدم المال الزكوي في الرابعة وعدم بلوغه نصابا في الخامسة وعدم ثبوت الخلطة في السادسة؛ لأنها لا تثبت مع أهل الخمس إذ لا زكاة فيه؛ لأنه لغير معين "ولو أصدقها نصاب سائمة معينا" أو بعضه ووجدت خلطة معتبرة "لزمها زكاته إذا" قصدت سومه و "تم حول من الإصداق" وإن لم يقع وطء ولا قبض؛ لأنها ملكته بالعقد ملكا تاما أما غير السائمة فلا فرق فيه بين المعين وغيره نعم المعشر كالسائمة كما علم من كلامه السابق فإذا أصدقها شجرا أو زرعا معينا فإن وقع الزهو في ملكها لزمتها زكاته.وأما السائمة التي في الذمة فلا زكاة فيها لانتفاء السوم كما مر فذكر السائمة إيضاح لبيان اشتراط تعيينها لا لنفي الوجوب عن غير السائمة وكالإصداق في ذلك الخلع والصلح عن دم قال ابن الرفعة بحثا وكذا مال الجعالة أي بعد فراغ العمل لما مر أنها لا تجب في دين جائز.
"ولو أكرى دارا" يملك منفعتها "أربع سنين بثمانين دينارا" معينة أو في الذمة "وقبضها" لم يستقر ملكه إلا على كل جزء مضى ما يقابله من الزمن وذكر القبض هنا لتصوير الاستقرار بعده بمضي ما يقابله لكن علم مما مر أن القدرة على أخذ الدين كقبضه فيجري ذلك هنا وحينئذ "فالأظهر أنه لا يلزمه أن يخرج إلا زكاة ما استقر" دون ما لم يستقر لضعف ملكه له لتعرضه للسقوط بأنهدام أو نحوه وفارقت الصداق بأنها إنما تجب في مقابلة المنافع وهو لا يتعين أن يكون في مقابلتها لاستقراره بالموت قبل الوطء. وتشطيره بنحو طلاق قبله إنما نشأ بتصرف الزوج المفيد لملك جديد وليس نقضا لملكها من الأصل كما يأتي فيه وإذا لم يلزمه أن يخرج إلا زكاة ما استقر وقد تساوت أجرة السنين وأراد الإخراج من غير المقبوض وبقيت بملكه إلى تمام المدة "فيخرج عند تمام السنة الأولى زكاة عشرين" وهي نصف دينار؛ لأنها التي استقر عليها ملكه الآن "ولتمام" السنة "الثانية زكاة عشرين" وهي التي زكاها "لسنة" وهي نصف دينار "وعشرين" وهي التي استقرت الآن "لسنتين" وهي دينار "ولتمام الثالثة زكاة أربعين" وهي التي زكاها "لسنة" وهي دينار "وعشرين لثلاث سنين" وهي التي استقر عليها ملكه الآن وهي دينار ونصف. "ولتمام الرابعة زكاة ستين" وهي التي زكاها "لسنة" وهي دينار ونصف "وعشرين" وهي التي استقرت الآن "لا ربع" وهي ديناران أما إذا تفاوتت فيزيد القدر المستقر في بعضها وينقص في بعضها وأما إذا أدى من عين المقبوض فلا تجب في كل عشرين.إلا السنة الأولى فقط ثم التفرقة بين الإخراج من العين والغير مشكلة بقول المجموع عن الشافعي والأصحاب في طرو خلطة الشيوع ردا على من

 

ج /1 ص -492-      زعم أنه بالإخراج من الغير يتبين عدم تعلق الزكاة بعين الإخراج من الغير لا يمنع تعلق الواجب بالعين بل الملك زال ثم رجع وكان هذا هو ملحظ كون القمولي لما نقل قول البغوي لو كانت أجرة الأربع سنين عشرين دينارا لزمه لكل حول نصف دينار إن أخرج من غيرها قال واعترض عليه بأنه ينبغي أن يكون مفرعا على الضعيف أنها متعلقة بالذمة فعلى تعلقها بالعين ينبغي أن لا تجب في السنة الثانية وإن أخرج من غيرها لاستحقاق المستحقين جزءا منها ا هـ. ويوافق قول البغوي قول ابن الرفعة وغيره محل قولهم لو لم يزك أربعين غنما أحوالا ولم تزد لزمه شاة للحول الأول فقط إن لم يخرج من غيرها وإلا وجبت في السنة الثانية بلا خلاف ا هـ ونظر بعض المتأخرين لما مر عن المجموع فقال هنا لا فرق بين إخراجه من العين والغير؛ لأن الإخراج من الغير لا يمنع تعلق الزكاة بالعين وإنما يتبين به أن الملك عاد بعد زواله ا هـ. والجواب الذي يجتمع به كلام البغوي وابن الرفعة وغيره ونفيهم الخلاف فيه وأخذ الشراح منه حمل المتن على ما تقرر أنه أخرج من غيرها وكلام المجموع المنقول عن الشافعي والأصحاب أنه يتعين حمل الأول وما وافقه على ما إذا أخرج من غيرها معجلا بشرطه أو من غيرها مما لزمته الزكاة فيه وكان من جنس الأجرة وذلك؛ لأن كلا من هذين يمنع تعلق الواجب بالعين أما الأول فظاهر لسبق ملكهم للمعجل على آخر الحول المقتضي للتعلق بالعين وأما الثاني فلأنه إذا كان في ملكه ما هو من جنس الأجرة فلا يتعلق بالأجرة وحدها بل بمجموع المال الزائد على نصاب فلا ينقص بالتعلق عن النصاب وإنما قلت بشرطه لقول الجواهر والخادم عن والد الروياني ولو عجل في الحول الأول زكاة فوق قسطه لم يجز؛ لأن الحول لم ينعقد في الزائد أو عجل زكاة دون قسط الأول كعشرين وقسطه خمسة.وعشرون فإن كان بعد مضي أربعة أخماس الحول جاز أو قبله لم يجز؛ لأن من لا يعلم أن ما ملكه نصاب لا يجزئه في غير زكاة التجارة التعجيل كمن أخرج خمسة دراهم عن دراهم عنده بجهل قدرها فبانت نصابا فإنها لا تجزئه لعدم جزمه بالنية ا هـ. وسيأتي قبيل الصوم فيما إذا كانت أجرة السنين الأربع مائة ما يتعين استحضاره هنا "و" القول "الثاني يخرج لتمام" السنة "الأولى زكاة الثمانين"؛ لأنه ملكها ملكا تاما ومن ثم جاز وطؤها لو كانت أمة ولا أثر لاحتمال سقوطها كالصداق ومر الفرق بينهما.

فصل في أداء الزكاة
واعترض بأنه غير داخل في الباب.ومر رده بأنه مناسب له فصح إدخاله فيه إذ الأداء مترتب على الوجوب وكذا يقال في الفصل بعده.
"تجب الزكاة" أي أداؤها "على الفور" بعد الحول لحاجة المستحقين إليها "إذا تمكن" وإلا كان التكليف بالمحال فإن أخر أثم وضمن إن تلف كما يأتي نعم إن أخر لانتظار قريب أو جار أو أحوج أو أصلح أو لطلب الأفضل من تفرقته بنفسه أو تفرقة الإمام أو للتروي عند الشك في استحقاق الحاضر ولم يشتد ضرر الحاضرين لم يأثم لكنه يضمنه إن تلف ومر أن الفطرة تجب بما مر وتتوسع إلى آخر يوم العيد "وذلك" أي التمكن "بحضور

 

ج /1 ص -493-      المال" مع نحو التصفية للمعشر والمعدن كما علم مما مر ولا نظر لقدرته على الإخراج من محل آخر؛ لأنه مشق ومع عدم الاشتغال بمهم ديني أو دنيوي كأكل وحمام أو بمضي مدة بعد الحول يتيسر فيها الوصول لغائب "والأصناف" أو نائبهم كالساعي أو بعضهم فهو متمكن بالنسبة لحصته حتى لو تلفت ضمنها "وله" أي للمالك الرشيد أو ولي غيره "أن يؤدي بنفسه زكاة المال الباطن" وليس للإمام أن يطلبها إجماعا على ما في المجموع نعم يلزمه إذا علم أو ظن أن المالك لا يزكي أن يقول له ما يأتي "وكذا الظاهر" ومر بيانهما آنفا "على الجديد" وانتصر للقديم الموجب لأدائها إليه فيه؛ لأنه لا يقصد إخفاؤه فإن فرق بنفسه مع وجوده لم يحسب بظاهر "خذ من أموالهم صدقة" ويجاب بأن الوجوب بتقدير الأخذ بظاهره لعارض هو عدم الفهم له ونفرتهم عنه لعدم استقرار الشريعة وقد زال ذلك كله هذا إن لم يطلب من الظاهر وإلا وجب الدفع له اتفاقا ولو جائرا وإن علم أنه يصرفها في غير مصارفها "وله" إذا جاز له التفرقة بنفسه "التوكيل" فيها لرشيد وكذا لنحو كافر ومميز وسفيه إن عين له المدفوع له.وأفهم قوله له إن صرفه بنفسه أفضل "و" له "الصرف إلى الإمام" أو الساعي؛ لأنه نائب المستحقين فيبرأ بالدفع له وإن قال أي الإمام آخذها منك وأنفقها في الفسق؛ لأنه لا ينعزل به قال القفال ويلزمه إذا ظن من إنسان عدم إخراجها أن يقول له أدها وإلا فادفعها لي لأفرقها؛ لأنه إزالة منكر قال الأذرعي كأنهم أرادوا أن يرهقه إلى هذا أو هذا فلا يكتفى منه بوعد التفرقة؛ لأنها فورية ومثلها في ذلك نذر فوري أو كفارة كذلك "والأظهر أن الصرف إلى الإمام أفضل"؛ لأنه أعرف بالمستحقين وأقدر على التفرقة والاستيعاب وقبضه مبرئ يقينا بخلاف من يفرق بنفسه؛ لأنه قد يعطي غير مستحق "إلا أن يكون جائرا" في الزكاة فالأفضل أن يفرق بنفسه مطلقا لكن في المجموع ندب دفع زكاة الظاهر إليه ولو جائرا، "وتجب النية" في الزكاة لخبر "إنما الأعمال بالنيات" "فينوي هذا فرض زكاة مالي أو فرض صدقة مالي ونحوهما" كهذا زكاة مالي المفروضة أو الصدقة المفروضة أو الواجبة ولعل هذا في الزكاة لبيان الأفضل إذ لو اقتصر على نية الزكاة كهذه زكاة كفى؛ لأنها لا تكون إلا فرضا كرمضان بخلاف الصدقة والظهر مثلا لما مر أن المعادة نفل "ولا يكفي" هذا "فرض مالي" لصدقه بالكفارة والنذر وغيرهما قيل هذا ظاهر إن كان عليه شيء من ذلك غير الزكاة ا هـ ويرد بأن القرائن الخارجية لا تخصص النية فلا عبرة بكون ذلك عليه أو لا نظرا لصدق منويه بالمراد وغيره "وكذا الصدقة" فلا يكفي هذا صدقة مالي "في الأصح" لصدقها بصدقة التطوع وبغير المال كالتحميد والتسبيح كما في الحديث "ولا يجب تعيين المال" المخرج عنه في النية فلو كان عنده خمس إبل وأربعون شاة فأخرج شاة ناويا الزكاة ولم يعين أجزأ وإن ردد فقال هذه أو تلك فلو تلف أحدهما أو بان تلفه جعلها عن الباقي "ولو عين لم يقع عن غيره" وإن بان المعين تالفا؛ لأنه لم ينو ذلك الغير ومن ثم لو نوى إن كان تالفا فعن غيره فبان تالفا وقع عن غيره ويأتي ذلك في مائتي درهم حاضرة ومائتين غائبة أي عن المجلس لا البلد إلا إن جوزنا النقل ولو أدى عن مال مورثه بفرض موته وإرثه له ووجوب الزكاة فيه فبان كذلك لم يجزئه للتردد في النية مع أن

 

ج /1 ص -494-      الأصل عدم الوجوب عند الإخراج وأخذ منه بعضهم أن من شك في زكاة في ذمته فأخرج عنها إن كانت وإلا فمعجل عن زكاة تجارته مثلا لم يجزئه عما في ذمته بان له الحال أو لا ولا عن تجارته لتردده في النية وله الاسترداد إن علم القابض الحال وإلا فلا كما يعلم مما يأتي وقضية ما مر في وضوء الاحتياط أن من شك أن في ذمته زكاة فأخرجها أجزأته إن لم يبن الحال عما في ذمته للضرورة وبه يرد قول ذلك البعض بان الحال أو لا ولو أخرج أكثر مما عليه بنية الفرض والنفل.من غير تعيين لم يجزئ أو الفرض فقط صح ووقع الزائد تطوعا. "ويلزم الولي النية إذا أخرج زكاة الصبي والمجنون" والسفيه؛ لأنه قائم مقامه وله تفويض النية للسفيه؛ لأنه من أهلها فإن دفع الولي بلا نية لم تقع الموقع وضمن ما دفعه قال الإسنوي والمغمى عليه قد يولي غيره عليه كما هو مذكور في باب الحجر وحينئذ ينوي عنه الولي أيضا
"وتكفي نية الموكل عند الصرف إلى الوكيل" عن نية الوكيل عند الصرف إلى المستحقين "في الأصح" لوجود النية من المخاطب بالزكاة مقارنة لفعله إذ المال له وبه فارق نية الحج من النائب؛ لأنه المباشر للعبادة ولذلك لو نوى الموكل عند تفرقة الوكيل جاز قطعا وتجوز نيته أيضا عند عزل قدر الزكاة وبعده إلى التفرقة منه أو من غيره ومن ثم لو قال لغيره تصدق بهذا ثم نوى الزكاة قبل تصدقه أجزأ عنها وأفتى بعضهم بأن التوكيل المطلق في إخراجها يستلزم التوكيل في نيتها وفيه نظر.بل الذي يتجه أنه لا بد من نية المالك أو تفويضها للوكيل وبعضهم بأن المستحق لو قال للمؤدي أعطه فلانا لي جاز وكان فلان وكيلا عنه وفيه كلام مبسوط يأتي في الوكالة. ويجوز تفويض النية للوكيل الأهل لا كافر وصبي غير مميز وقن ولو أفرز قدرها بنيتها لم يتعين لها إلا بقبض المستحق لها بإذن المالك سواء زكاة المال والبدن وإنما تعينت الشاة المعينة للتضحية؛ لأنه لا حق للفقراء ثم في غيرها وهنا حق المستحقين شائع في المال؛ لأنهم شركاء بقدرها فلم ينقطع حقهم إلا بقبض معتبر وبه يرد جزم بعضهم بأنه لو أفرز قدرها بنيتها كفى أخذ المستحق لها.من غير أن يدفعها إليه المالك. ومما يرده أيضا قولهم لو قال لآخر اقبض ديني من فلان وهو لك زكاة لم يكف حتى ينوي هو بعد قبضه ثم يأذن له في أخذها فقولهم ثم إلى آخره صريح في أنه لا يكفي استبداده بقبضها ويوجه بأن للمالك بعد النية والعزل أن يعطي من شاء ويحرم من شاء وتجويز استبداد المستحق يقطع هذه الولاية فامتنع ومن ثم لو انحصر المستحقون انحصارا يقتضي ملكهم لها قبل القبض كما يأتي في قسم الصدقات احتمل أن يقال إن ملكهم تعلق بهذا المعين لها وحينئذ ينقطع حق المالك منه ويجوز لهم الاستبداد بقبضه واحتمل أن يقال هم كغيرهم في أن حقهم إنما هو متعلق بعين المال مشاعا فيه على ما يأتي وذلك لا ينقطع إلا بقبض صحيح فإن قلت لم لم تنقطع ولاية المالك بملكهم قلت؛ لأن ملكهم إنما هو في عموم المال مشاعا كما تقرر لا في خصوص هذا المعين فجاز للمالك التصرف فيه والإخراج من غيره كما هو مقتضى القياس في أن أحد الشريكين لو عين لشريكه قدر حقه من المشترك أو غيره لم يتعين بمجرد الإفراز والتعيين فتأمله ويأتي أول الدعاوى أنه لا ظفر في الزكاة

 

ج /1 ص -495-      ولو وكل في إخراج فطرته أو التضحية عنه انعزل بخروج وقتهما على ما بحثه الأزرق وقال إنه مقتضى القواعد الأصولية "والأفضل أن ينوي الوكيل عند التفريق أيضا" خروجا من مقابل الأصح المذكور "ولو دفع إلى السلطان" أو نائبه كالساعي "كفت النية عنده" أي عند الدفع إليه وإن لم ينو السلطان عند الصرف؛ لأنه نائب المستحقين فالدفع إليه كالدفع إليهم ولهذا أجزأت وإن تلفت عنده بخلاف الوكيل والأفضل للإمام أن ينوي عند التفرقة أيضا "فإن لم ينو" المالك عند الدفع للسلطان أو نائبه "لم يجز على الصحيح وإن نوى السلطان".من غير إذن له في النية لما تقرر أنه نائبهم والمقابل قوي جدا فقد نص عليه في الأم وقطع به كثيرون لكن الحق أنه ضعيف من حيث المعنى فلا اعتراض عليه "والأصح أنه يلزم السلطان النية" عند الأخذ "إذا أخذ زكاة الممتنع" من أدائها نيابة عنه بناء على الاكتفاء بها منه المذكور في قوله "و" الأصح "أن نيته" أي السلطان "تكفي" عن نية الممتنع باطنا؛ لأنه لما قهر قام غيره مقامه في التفرقة فكذا في وجوب النية وفي الاكتفاء بها كولي المحجور نعم لو نوى عند الأخذ منه قهرا كفى وبرئ باطنا وظاهرا وتسميته ممتنعا باعتبار ما كان لزوال امتناعه بنيته إما ظاهرا بمعنى أنه لا يطالب بها ثانيا فيكفي جزما.
تنبيه: أفتى شارح الإرشاد الكمال الرد إذ فيمن يعطي الإمام أو نائبه المكس بنية الزكاة فقال لا يجزئ ذلك أبدا ولا يبرأ عن الزكاة بل هي واجبة بحالها؛ لأن الإمام إنما يأخذ ذلك منهم في مقابلة قيامه بسد الثغور وقمع القطاع والمتلصصين عنهم وعن أموالهم وقد أوقع جمع ممن ينسب إلى الفقهاء وهم باسم الجهل أحق أهل الزكاة ورخصوا لهم في ذلك فضلوا وأضلوا ا هـ ومر ذلك بزيادة وفصل غيره بعد ذكر مقدمة أشار إليها السبكي وهي أن قبض الإمام للزكاة هل هو بمحض الولاية إذ لا يتوقف على توكيل المستحقين له أو بحالة بين الولاية المحضة والوكالة فله نظر عليهم دون نظر ولي اليتيم وفوق نظر الوكيل أي والظاهر الثاني فقال إن لم يعلم الإمام بنية الزكاة فالمتجه عدم الإجزاء؛ لأنه غاصب أي في ظنه فهو صارف لفعله عن كونه قبضا لزكاة فاستحال وقوعه زكاة. وعدم اشتراط علم المدفوع إليه بجهة الزكاة.إنما هو إذا كان المستحق لبلوغ الحق محله وأما الإمام فلا بد في الإجزاء من علمه بجهة ما له عليه ولاية وإلا لكان المالك هو الجاني المقصر وإن أعلمه بها احتمل عدم الإجزاء أيضا واحتمل الإجزاء وهو الظاهر ا هـ ملخصا وإنما الذي يتجه ما استظهره إن أخذها الإمام باسم الزكاة لا بقصد نحو الغصب؛ لأنه بقصده هذا صارف لفعله عن أن يكون قبض زكاة وشرط وقوعها زكاة أن لا يصرف القابض فعله لغيرها؛ لأنه حينئذ يقبضها عن جهة أخرى فيستحيل وقوعها في هذه الحالة زكاة ووقع للإسنوي وغيره أن للقاضي أي إن لم تفوض هي لغيره وإلا لم يكن له نظر فيها إخراجها عن غائب ورد بأنها إنما تجب بالتمكن وتمكن الغائب مشكوك فيه ومن ثم جزم جمع بمنع إخراجه لها قيل والأول ظاهر ويكون تمكن القاضي كتمكن المالك ويمكن حمل الثاني على من علم عدم تمكنه ولم يمض زمن يتمكن فيه بعد ا هـ.ويرد بأن للقاضي نقلها فيحتمل أنه استأذن قاضيا آخر فيه كما يأتي وزعم أن تمكنه كتمكن المالك ليس في محله؛ لأن الوجوب إنما يتعلق

 

ج /1 ص -496-      بتمكن المالك لا غير ونيابته عنه إنما هي بعد الوجوب عليه وحينئذ فلا فائدة للحمل المذكور؛ لأن الملحظ الشك في الوجوب وما دام غائبا الشك موجود وبهذا يندفع اعتماد جمع الأول وتوجيه بعضهم له بأن الأصل عدم المانع ووجه اندفاعه أن هذا الأصل لا يكفي في ذلك؛ لأن النيابة عن المالك على خلاف الأصل فلا بد من تحقق سببها ولم يوجد مع احتمال أنه استأذن قاضيا آخر في نقلها أو إخراجها أو قلد من يراه.

فصل في التعجيل وتوابعه
"لا يصح تعجيل الزكاة" العينية "على ملك النصاب" كما إذا ملك مائة فأدى خمسة لتكون زكاة إذا تم مائتين وحال الحول لفقد سبب الوجوب فأشبه تقديم أداء كفارة يمين عليها أما غير العينية كأن اشترى للتجارة عرضا قيمته مائة فعجل عن مائتين أو أربعمائة مثلا وحال الحول وهو يساويهما فيجزئه لما مر أن النصاب في زكاة التجارة معتبر بآخر الحول وكأنهم اغتفروا له تردد النية إذ الأصل عدم الزيادة لضرورة التعجيل وإلا لم يجز تعجيل أصلا؛ لأنه لا يدري ما حاله عند آخر الحول وبهذا اندفع ما للسبكي هنا ولو ملك مائة وعشرين شاة فعجل عنها شاتين أي وقد ميز لما يأتي عن السبكي ثم أنتج بعضها سخلة قبل الحول لم.تجزئ المعجلة عن النصاب الذي كمل الآن كما في الروضة وغيرها عن الأكثرين وقيل تجزئ؛ لأن النتاج آخر الحول كالموجود أوله ولظهور وجهه وكونه قياس ما قبله جزم به الحاوي ومن تبعه لكن يوافق الأول قول الروضة والمجموع لو عجل شاة عن أربعين ثم هلكت الأمهات لم يجزئ المعجل عن السخال "ويجوز" التعجيل للمالك دون نحو الولي "قبل" تمام "الحول" وبعد انعقاده بأن يملك النصاب في غير التجارة وتوجد نيتها مقارنة لأول تصرف وذلك لما صح أنه صلى الله عليه وسلم رخص للعباس فيه قبل الحول" ولوجوبها بسببين الحول والنصاب فجاز تقديمها على أحدهما كتقديم كفارة اليمين على الحنث "ولا تعجل لعامين" فأكثر "في الأصح" وإن نازع فيه الإسنوي وأطال؛ لأن زكاة السنة الثانية لم ينعقد حولها فكان كالتعجيل قبل كمال النصاب ورواية أنه صلى الله عليه وسلم تسلف من العباس صدقة عامين" مرسلة أو منقطعة مع احتمالها أنه تسلف منه صدقة عامين مرتين أو صدقة مالين لكل واحد حول منفرد وإذا عجل لعامين أجزأه ما يقع عن الأول وقيده السبكي بما إذا ميز واجب كل سنة؛ لأن المجزئ شاة معينة لا مشاعة ولا مبهمة.
"وله تعجيل الفطرة من أول" شهر "رمضان" للاتفاق على جوازه بيومين فألحق بهما البقية إذ لا فارق ولوجوبها بسببين الصوم والفطر وقد وجد أحدهما فإن قلت ينافيه أن الموجب آخر جزء من الصوم كما مر لا أوله خلافا لما يوهمه ما ذكر قلت لا ينافيه؛ لأن آخر الجزء إنما أسند إليه الوجوب لتحقق وجود الكل به وهذا لا ينافي أن أوله أول ذلك السبب والحاصل أنهم نظروا.إلى الآخر بالنسبة لتحقق الوجوب به وإلى الأول بالنسبة لكونه أول السبب بالنسبة للتعجيل الذي لا يوجد حقيقة إلا بالتقديم على السبب كله.

 

ج /1 ص -497-      "والصحيح منعه قبله"؛ لأنه تقديم على السببين معا "و" الصحيح "أنه لا يجوز إخراج زكاة الثمر قبل بدو صلاحه ولا الحب قبل اشتداده"؛ لأن وجوبها بسبب واحد هو البدو والاشتداد فامتنع التقديم عليه وقبل الظهور يمتنع قطعا "ويجوز" التعجيل "بعدهما" ولو قبل الجفاف والتصفية لإمكان معرفة قدرها تخمينا ثم إن بان نقص كمله أو زيادة فهي تبرع "وشرط إجزاء المعجل" أي وقوعه زكاة "بقاء المالك أهلا للوجوب" عليه وبقاء المال "إلى آخر الحول" فلو مات أو تلف المال أو بيع وليس مال تجارة لم يقع المعجل زكاة ولا يضر تلف المعجل قيل لا يلزم من أهلية الوجوب الثابتة بالإسلام والحرية الوجوب المراد فالتعبير بالأهلية ليس بجيد ا هـ وليس في محله؛ لأن الفرض في تعجيل جائز.وهو يستلزم أن المراد بأهلية الوجوب هنا دوام شروطه ومنها عدم ردة متصلة بالموت إلى آخر الحول نعم يشترط مع بقاء ذلك أن لا يتغير الواجب وإلا كان عجل بنت مخاض عن خمس وعشرين فتوالدت وبلغت ستا وثلاثين قبل الحول لم تجزئ تلك وإن صارت بنت لبون بل يستردها ويعيدها أو يعطي غيرها. قيل ولا ترد هذه على المتن؛ لأنه لا يلزم من وجود الشرط وجود المشروط ا هـ وأحسن منه حمل المتن على ما إذا لم يتغير الواجب؛ لأنه الغالب وهذه تغير فيها فلم ترد لذلك "وكون القابض في آخر الحول" المراد به هنا وفيما مر وقت الوجوب.الشامل لنحو بدو الصلاح وأثره؛ لأن الحول أغلب من غيره "مستحقا" فلو زال استحقاقه كأن كان المال أو الآخذ آخر الحول بغير بلده أو مات أو ارتد حينئذ لم يجزئ المعجل لخروجه عن الأهلية عند الوجوب "وقيل إن خرج" القابض "عن الاستحقاق في أثناء الحول" بنحو ردة وعاد في آخره "لم يجزه" أي المعجل المالك كما لو لم يكن عند الأخذ مستحقا ثم استحق آخره. والأصح الإجزاء اكتفاء بالأهلية فيما ذكر وفارقت تلك بأنه لا تعدي هنا حال الأخذ بخلافه ثم وقضية المتن وغيره اشتراط تحقق أهليته عند الوجوب فلو شك في حياته أو احتياجه حينئذ لم يجزئ واعتمده جمع متأخرون وفرضه بعضهم فيما إذا علمت غيبته وقت الوجوب وشك في حياته ثم حكى فيه وجهين وأن الروياني رجح الإجزاء وبه أفتى الحناطي ثم فرع ذلك على الضعيف أنه يجوز النقل وفرضه المذكور غير صحيح؛ لأنه إذا بني على منع النقل لا يحتاج مع علم الغيبة حال الوجوب إلى الشك في حياته بل وإن علمت ولأن الذي صرح به غيره أن الماوردي والروياني إنما ذكرا الوجهين فيما إذا تحقق موت الآخذ وشك في تقدمه على الوجوب وبأن الحناطي إنما فرض إفتاءه في الشك المجرد وحينئذ يندفع بناء ترجيح الروياني على تجويز النقل وإذا لم يؤثر الشك في صورته ففي صورة الحناطي أولى وجمع بعضهم.بين هذا وقول بعض شراح الوسيط إذا لم يكن الآخذ ببلد المال عند الوجوب لم يجزئ لمنع النقل بحمل عدم الإجزاء على من علم عدم استحقاقه بغيبته عن بلد المال وقت الوجوب. وزعم أن حضوره ببلد المال وقت القبض منزل منزلة حضوره وقت الوجوب بعيد كما هو ظاهر وبحمل الإجزاء على غيبته عن محل الصرف وجهل حاله من الفقر والحضور وضدهما والحاصل أن المعتمد الموافق للمنقول أنه لا بد من تحقق قيام مانع به عند

 

ج /1 ص -498-      الوجوب وأنه لا أثر للشك؛ لأن الأصل عدم المانع وفيما إذا مات المدفوع له مثلا يلزم المالك الدفع ثانيا للمستحقين لخروج القابض عن الأهلية حالة الوجوب "ولا يضر غناه بالزكاة" المعجلة لنحو كثرة أو توالد ولو بها مع غيرها؛ لأن القصد بالدفع إليه إغناؤه أما غناه بغيرها وحده فيضر وقيده الأذرعي كالسبكي بما إذا بقيت أو تلفت ولم يؤد تغريمه إلى فقره وإلا لم يسترد منه لئلا يعود لحالة يستحقها ونظر فيه الغزي بأنه دين في ذمته وليس بزكاة فيؤخذ منه وإن أنفقه ولو استغنى بزكاة أخرى معجلة أو غير معجلة يضر كما اعتمده الأذرعي وصورتها أن تتلف المعجلة ثم تحصل له زكاة يسد منها بدل المعجلة ثم يبقى منها ما يغنيه أو تبقى ويكون حالة قبضهما محتاجا لهما ثم يتغير حاله عند الحول فصار يكفيه أحدهما وهما بيده ورجح السبكي فيما لو اتفق حول معجلتين أن الثانية أولى بالاسترجاع ولو كانت إحداهما واجبة فالمسترجع المعجلة؛ لأن الواجبة لا يضر عروض المانع بعد قبضها "وإذا لم يقع المعجل زكاة استرد إن كان شرط الاسترداد إن عرض مانع" كما إذا عجل أجرة دار ثم انهدمت في المدة أما قبل المانع فلا يسترد مطلقا كمتبرع بتعجيل دين مؤجل وأما لو شرطه من غير مانع فلا يسترد.بل نظر شارح في صحة القبض مع هذا الشرط "والأصح أنه لو قال هذه زكاتي المعجلة فقط" أي ولم يزد على ذلك "استرد"؛ لأنه عين الجهة فإذا بطلت رجع كالأجرة فيما ذكر وكون الغالب عدم الاسترداد لا يؤثر إلا لو لم يصرح بأنه زكاة معجلة أما معه فكأنه أناط هذا التبرع بالتعجيل بوصف كونه زكاة فإذا انتفى الوصف انتفى التبرع وبهذا فارق قوله هذه عن مالي الغائب فبان تالفا يقع صدقة؛ لأنه لم يذكر مشعرا باسترداد، وعلم القابض بالتعجيل كاف في الرجوع وإن لم يذكر كما أفاده قوله "و" الأصح "أنه إن لم يتعرض للتعجيل ولم يعلمه القابض لم يسترد" الدافع لتفريطه بعدم الإعلام عند الأخذ ولا فرق فيما ذكر بين الإمام والمالك ولا أثر للعلم بالتعجيل بعد القبض على أحد احتمالين الأوجه خلافه إن كان قبل تصرفه فيه.
تنبيه: هل يجري هذا التفصيل في غير الزكاة مما هو نظيرها بأن كان له سببان فعجل عن أحدهما كأن ذبح متمتع عقب فراغ عمرته ثم دفعه للمستحقين فبان أنه ممن لا يلزمه دم فيقال إن شرط أو قال دمي المعجل أو علم القابض بالتعجيل رجع وإلا فلا أو يختص هذا بالزكاة ويفرق بأنها في أصلها مواساة فرفق بمخرجها معجلا لها بتوسيع طرق الرجوع له بخلاف نحو الدم والكفارة فإنه في أصله بدل جناية فضيق عليه بعدم رجوعه في تعجيله مطلقا كل محتمل وفرضهم ذلك في الزكاة ولم يتعرضوا لغيرها يميل للثاني والمدرك يميل للأول فتأمله.
"و" الأصح "أنهما لو اختلفا في مثبت الاسترداد" وهو ذكر التعجيل أو علم القابض به على ما فيهما من خلاف أو شرط الاسترداد ولا خلاف فيه كما اقتضاه صنيع المتن وكأن الشارح أشار لذلك بقوله وشرط الاسترداد على مقابل الأصح أي فعلى الأصح من باب أولى "صدق القابض" ووارثه لا الدافع خلافا لما وقع في المجموع بل عد من سبق القلم "بيمينه"؛ لأن الأصل عدمه ولاتفاقهم على ملك القابض والأصل استمراره وفيما لو اختلفا

 

ج /1 ص -499-      في علم القابض يحلف على نفي علمه بالتعجيل. "ومتى ثبت" الاسترداد "والمعجل" باق تعين رده بعينه كما لو فسخ البيع والثمن باق بعينه ولا يجاب من هو بيده إلى إبداله ولو بأعلى منه أو "تالف وجب ضمانه" بالمثل في المثلي والقيمة في المتقوم؛ لأنه قبضه لغرض نفسه ولا يجب هنا المثلي الصوري مطلقا على الأصح وقولهم ملك المعجل ملك القرض معناه أنه مشابه له في كونه ملكه بلا بدل أو لا "والأصح" في المتقوم "اعتبار قيمته يوم القبض"؛ لأن ما زاد عليها يومئذ حصل في ملك القابض فلم يضمنه "و" الأصح "أنه" أي المالك "لو وجده" أي المسترد "ناقصا" نقص صفة كمرض وسقوط يد "فلا أرش" له؛ لأنه حدث في ملك القابض كأب رجع في هبته فرأى الموهوب ناقصا أما نقص جزء متميز كتلف أحد شاتين فيضمن بدله قطعا "و" الأصح "أنه لا يسترد زيادة منفصلة" كولد وكسب ولبن ولو بضرع.وصوف وإن لم يجز لحصولها في ملكه والرجوع إنما يرفع العقد من حينه ومن ثم لو بان غير مستحق كقن رجع عليه بها وبأرش النقص مطلقا لتبين عدم ملكه ولفساد قبضه وإن صار عند الحول مستحقا وكذا يضمنهما لو وجد سبب الرجوع قبلهما أو معهما أما المتصلة كالسمن فتتبع الأصل ثم ختم الباب بمسائل تتعلق به دون خصوص التعجيل غير مترجم لها بفصل وإن كان في أصله اختصارا أو اتكالا على وضوح المراد على أن الحق أن لها تعلقا واضحا بالتعجيل إذ التأخير ضده، وذكر الضدين في سياق واحد مع تقديم ما هو المقصود منهما غير معيب بل حسن لما فيه من رعاية التضاد الذي هو من أظهر أنواع البديع وأما مسائل التعلق فلها مناسبة بالتعجيل أيضا إشارة إلى أنهم وإن كانوا شركاء له قطع تعلقهم بالدفع لهم ولو قبل الوجوب ومن غير المال؛ لأنها غير شركة حقيقية فتأمله يظهر لك حسن صنيعه ويندفع ما اعترضه به الإسنوي وغيره.
"وتأخير" المالك إخراج "الزكاة بعد التمكن" بما مر."يوجب الضمان" أي إخراج قدر الزكاة لمستحقيه "وإن تلف المال" لتقصيره بحبس الحق عن مستحقيه واختلفوا هل التمكن شرط للوجوب كالصوم والصلاة والحج والأصح أنه شرط للضمان لا للوجوب إذ لو تأخر الإمكان مدة فابتداء الحول الثاني من تمام الأول لا من الإمكان أي بالنسبة لما لم يملكه المستحقون أخذا من قولهم في مسألة الدار السابقة إذا أوجرت أربع سنين بمائة وقد أدى من غيرها فأول الحول الثاني في ربع المائة بكماله من حين أداء الزكاة لا من أول السنة؛ لأنه باق على ملكهم إلى حين الأداء ثم رأيت الإسنوي قال هنا إذا قلنا الفقراء شركاء المالك فقياسه أن يكون أول الثاني من الدفع إذا كان نصابا فقط وهو صريح فيما ذكرته ولو حدث نتاج بعد الحول وقبل الإمكان ضم للأصل في الثاني دون الأول ويفرق بين ما هنا ونحو الصلاة بأن هنا حكمين متمايزين الضمان والوجوب وكل يترتب عليه أحكام تخصه وأما ثم فليس إلا الوجوب والقول به مع عدم التمكن متعذر.فتعين أنه شرط للوجوب قبل قوله وإن كان غير جيد لاقتضائه اشتراك ما قبلها وما بعدها في الحكم وأن ما قبلها أولى به وليس كذلك إذ التلف هو محل الضمان وأما قبله فالواجب الأداء ويدخل مع ذلك في ضمانه حتى يغرم لو تلف المال ا هـ ويرد بما قررته أن معناه وتأخير إخراجها

 

ج /1 ص -500-      بعد التمكن يوجب الإخراج وإن تلف المال وهذا صحيح لا غبار عليه؛ لأن ما قبل التلف وما بعده مشتركان في وجوب الإخراج وهو قبله أولى بالوجوب منه بعده؛ لأنه يتوهم أنه إذا تلف سقط فإذا لم يسقط مع التلف فأولى مع البقاء "ولو تلف" المال "قبل التمكن" بلا تفريط سواء أكان تلفه بعد الحول أم قبله ولهذا أطلق هنا وقيد في الإتلاف ببعد الحول "فلا" يلزمه الإخراج لعدم تقصيره مع أن التمكن شرط في الضمان "ولو تلف بعضه" أي النصاب بعد الحول وكأنه استغنى عن ذكره هنا بذكره فيما بعد وقبل التمكن بلا تفريط "فالأظهر أنه يغرم قسط ما بقي" فإذا تلف واحد من خمسة أبعرة وجب أربعة أخماس شاة أما لو تلف زائدا عليه كأربعة من تسعة ففيه خلاف والأصح أنه تجب شاة أيضا بناء على أنه شرط للضمان وأن الوقص عفو على أن المتن قد يصدق بهذه؛ لأن الشاة قسط الخمسة الباقية بمعنى أنها واجبها "وإن أتلفه" أي المالك ولو نحو صبي ومجنون كما هو ظاهر أو قصر في دفع متلف عنه كأن وضعه في غير حرزه "بعد الحول وقبل التمكن لم تسقط الزكاة" لتعديه ولو أتلفه أجنبي يضمن لزمه بدل قدر الزكاة من قيمة المتقوم ومثل المثلي للمستحقين بناء على الأصح أنهم شركاء في العين ويأتي ذلك في زكاة الفطر فتستقر في ذمته بإتلافه المال قبل التمكن وبعده وكذا بتلفه بعد التمكن لا قبله كما في المجموع "وهي تتعلق بالمال" الذي تجب في عينه "تعلق شركة" بقدرها؛ لأنها تجب بصفة المال جودة ورداءة وتؤخذ من عينه قهرا عند الامتناع كما يقسم المال المشترك قهرا عند الامتناع من القسمة وإنما جاز الإخراج من غيره على خلاف قاعدة المشتركات رفقا بالمالك وتوسعة عليه لكونها وجبت مواساة فعلى هذا إن كان الواجب من غير الجنس كشاة في خمس إبل ملك المستحقون منها بقدر قيمة الشاة وإن كان من الجنس كشاة من أربعين فهل الواجب شائع أي ربع عشر كل أم شاة منها مبهمة وجهان الأصح الأول وعلى الثاني تفريع وإشكال ليس هذا محل بسطه. وانتصار بعضهم له وأنه مقتضى كلامهما مردود وإن أطال وتبجح بأنه لم ير من جلا غبار المسألة وأنها انجلت باعتماده له كيف وهو أعني الثاني لا يتعقل إلا في شياه مثلا استوت قيمها كلها وهذا نادر جدا فليت شعري ما الذي يقوله معتمده في غير ذلك الذي هو الأعم الأغلب فإن قال بعينها مراعيا القيمة قلنا يلزم عدم انبهامها؛ لأن المساوية لذلك قد تكون واحدة منها فقط بل قد لا تؤخذ منها ثم رأيت جمعا قالوا يلزم قائله بطلان البيع في الكل لانبهام الباطل من كل وجه وستعلم تصريحهم بصحته فيما عدا قدرها وزعم أن البائع قادر على تمييزها فإنه مفوض إليه لا يمنع الجهل بالمبيع عند البيع الذي هو منشأ البطلان في الكل وأن ثبوت الشركة بمبهمة تتعين بتعيينه أو بالساعي أقرب إلى عدم الضرر بالشيوع وسوء المشاركة ممنوع لو لم يترتب عليه ذلك الفساد فكيف وقد علمت ترتبه عليه.نعم إن قلنا إن له تعيين واحدة قبل البيع لم يرد ذلك إلا أن هذا لا يأتي إلا عند تساوي الكل فيعود الفساد السابق. وعلى الأول للمالك تعيين واحدة مع نية إخراجها منها أو من غيرها قطعا رفقا به ولأن الشركة غير حقيقية لكنها مع ذلك المغلب فيها جانب التوثق قال الإسنوي وهما مخصوصان بالماشية أما نحو النقود والحبوب

 

 

ج /1 ص -501-      فواجبها شائع اتفاقا على ما صرح به جمع لكن ظاهر كلام المجموع ونقله ابن الرفعة عن الجمهور أنه لا فرق ومر أنها تتعلق بالدين تعلق شركة أيضا "وفي قول تعلق رهن" أي المغلب ذلك وهذا هو مرادهم على كل قول فلا يشكل تفريعهم على بعضها ما قد يخالف قضيته كقولهم على الأول يجوز ضمانها بالإذن مع اختصاص الضمان بالدين اللازم فلم يقطعوا النظر عن الذمة. وسيأتي في الحوالة جواز إحالة المالك للساعي بها وعكسه بما فيه وجوزوا الإخراج من أوسط أنواع الحب أو التمر كما مر للمشقة ولو كانت حقيقية لأوجبوها من كل نوع وللوارث الإخراج من غير التركة المتعلق بعينها زكاة وعلى الرهن فيكون الواجب في ذمة المالك والنصاب مرهون به؛ لأنه لو امتنع من الأداء ولم يوجد الواجب في ماله باع الإمام بعضه واشترى به واجبه كما يباع المرهون في الدين "وفي قول بالذمة" ولا تعلق لها بالعين كالفطرة وفي قول تتعلق بالعين تعلق الأرش برقبة الجاني؛ لأنها تسقط بهلاك النصاب أي قبل التمكن كما يسقط الأرش بموت العبد. "فلو باعه" أي الجميع الذي تعلقت به "قبل إخراجها فالأظهر" بناء على الأصح أن تعلقها تعلق شركة "بطلأنه في قدرها"؛ لأن بيع ملك الغير من غير مسوغ له باطل فيرده المشتري على البائع؛ لأن له.ولاية إخراجه ولأن له الإخراج من غيره وبحث أنه برده ينقطع تسلط الساعي على ما بقي بيد المشتري ويؤيده ما مر أن الشركة غير حقيقية فنزل قبض البائع لقدرها منزلة اختياره الإخراج منه أو من غيره وعند اختياره ذلك ليس للساعي معارضته فيه قيل وبذلك البحث يتأيد أنه لا مطالبة على المشتري بعد إفرازه قدرها وأن ما بحثه السبكي محله إذا باع قبل الإفراز وفيه نظر لما تقرر أن الذي قطع تسلط الساعي إنما هو قبض من له ولاية الإخراج لقدرها المنزل منزلة ما ذكر ومجرد إفراز المشتري ليس كذلك فالأوجه أنه لا ينقطع به تسلط الساعي. وذلك أعني ما بحثه السبكي هو ما ملخصه آجر أرضا للزرع وأخذ أجرتها من حبه قبل إخراج زكاته فهو كما لو ابتاعه فللفقراء مطالبته إذ للساعي أخذها من المشتري على كل قول ويرجع بما أخذ منه على الزارع إن أيسر وطريق براءته أي المؤجر من قدر الزكاة الذي قبضه أن يستأذن الزارع في إخراجها أو يعلم الإمام أو الساعي ليأخذها منه فإن تعذر فينبغي إيصالها للمستحقين ولم أر من ذكره وينبغي إشاعته ثم يتردد النظر في أنه يؤخذ عشر ما قبضه فقط أو عشر جميع الزرع إذا تعذر الوصول للباقي من المالك ا هـ. وقوله إن أيسر قيد للمطالبة لا لأصل الرجوع وقوله فينبغي إيصالها للمستحقين فيه نظر لما تقرر أن ولاية الإخراج إنما هي لمالك الحب وهو الزارع لا غير فالوجه حفظها إلى تيسر الزارع أو الساعي ومنه القاضي بشرطه السابق والذي يتجه مما تردد فيه الأول لما يصرح به كلام المتن وغيره أن الذي يبطل فيه البيع هو قدرها من المبيع سواء أكان كل المال الزكوي أم بعضه وإذا تقرر في بيع بعض النصاب أن الذي يبطل فيه إنما هو قدرها من المبيع لا من كل النصاب تعين ما ذكرته من ترجيح الأول ثم قدرها الذي فات على المشتري يرجع على البائع بحصته من الثمن إن قبضه كما أن المؤجر يرجع على الزارع بمثل قدر الزكاة مما قبضه ويظهر أن البائع أو الزارع لو مات وقلنا للأجنبي أداء

 

ج /1 ص -502-      الزكاة عنه أن للمشتري والمؤجر حينئذ إخراج قدرها من ماله وحينئذ يطالبه الورثة بقدرها من المبيع أو الأجرة؛ لأنه على ملك مورثهم والزكاة قد سقطت عنه. وأخذ بعضهم مما مر أن ما تحقق وجوب زكاته ولم تخرج وقد بقي بيد المالك قدرها منه يحل أكله وشراؤه سواء أبقاه بنيتها أم لا ا هـ وفيه نظر."وصحته في الباقي" فيتخير المشتري إن جهل بناء على قولي تفريق الصفقة ومن ثم اشترط العلم بقدر الواجب وإلا فقضية كلام الرافعي البطلان في الكل وبه يعلم البطلان في الكل في نحو خمسة أبعرة فيها شاة لما مر أنهم شركاء بقدر قيمتها وذلك لا تمكن معرفته حتى يختص البطلان بما عداه؛ لأن التقويم تخمين وظاهر المتن أن هذا يتفرع على الوجهين السابقين الإشاعة والإبهام لكن بحث السبكي أنا إن قلنا الواجب مشاع صح في غير قدر الزكاة كما لو باع عبدا له نصفه أو مبهم بطل في الكل كما مر؛ لأن المملوك غير معين ونازعه الغزي وبحث البطلان في الكل حتى على الإشاعة؛ لأنه يلزم منه تشقيص الشاة على الفقير وهو ممتنع. ويجاب بأن هذا اللزوم مغتفر؛ لأنه قضية القول بتعلق العين الذي فيه غاية الرفق بالمستحقين فلم يبال لأجل ذلك بهذا وقد اغتفروا التجزيء والقيمة في مسائل من الزكاة على خلاف الأصل للضرورة فكذا هنا أما لو باع البعض فإن لم يبق قدرها فكبيع الكل.وإن أبقاه فعلى الشركة في صحة البيع وجهان أقيسهما وأصحهما خلافا لمن نازع فيه البطلان أي في قدرها؛ لأن حقهم شائع فأي قدر باعه كان حقه وحقهم نعم إن قال بعتك هذا إلا قدرها صح فيما عداها أي قطعا ثم الأوجه اشتراط معرفة المتبايعين لقدرها من نحو عشر أو نصفه أو ربعه.
تنبيه: لا يتوهم على تعلق الشركة تعدي التعلق لنحو لبن ونتاج حدث بعد الوجوب وقبل الإخراج لما مر أنها غير حقيقية ومن ثم اقتضى كلام التتمة الاتفاق على ذلك واعتمدوه بل كاد بعضهم ينقل فيه الإجماع هذا كله في زكاة الأعيان إلا الثمر بعد الخرص والتضمين لما مر من صحة تصرف المالك فيه حينئذ أما زكاة التجارة فيصح بيع الكل ولو بعد الوجوب لكن بغير محاباة؛ لأن متعلق هذه الزكاة القيمة وهي لا تفوت بالبيع وكذا لو وهب أو أعتق قنها وهو غير موسر.فإن باعه بمحاباة بطل البيع فيما قيمته قدر الزكاة من المحاباة وإن أفرز قدرها وأفتى الجلال البلقيني وغيره بأنه لا يكلف عند تمام الحول بيع عروض التجارة بدون قيمتها أي بما لا يتغابن به كما هو ظاهر ليخرجها عنها لما فيه من الحيف عليه بل له التأخير إلى أن تساوي قيمتها فيبيع ويخرج منها حينئذ قال الجرجاني وغيره ولكل من الشريكين إخراج زكاة المشترك بغير إذن الآخر وقضيته بل صريحه أن نية أحدهما تغني عن نية الآخر ولا ينافيه قول الرافعي كل حق يحتاج لنية لا ينوب فيه أحد إلا بإذن؛ لأن محله في غير الخليطين لإذن الشرع فيه والقول بتخصيصه بالإخراج من المشترك مردود بأنه مخالف لظاهر كلامهم والخبر؛ لأن الخلطة تجعل ماليهما كمال واحد وقضية قولهم لإذن الشرع فيه أنه يرجع على شريكه ومر في الخلطة وزكاة النبات ما له تعلق بذلك.