تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج /1 ص -503-      كتاب الصيام
هو لغة الإمساك وشرعا الإمساك الآتي بشروطه الآتية وأركانه النية والإمساك عما يأتي زاد جمع صائم والصائم وهو مبني على عد المصلي والمتوضئ مثلا ركنا ويحتمل عدم البناء والفرق كما مر وفرض رمضان في شعبان ثاني سني الهجرة وينقص ويكمل وثوابهما واحد كما لا يخفى ومحله كما هو ظاهر في الفضل المترتب على رمضان من غير نظر لأيامه أما ما يترتب على يوم الثلاثين من ثواب واجبه ومندوبه عند سحوره وفطره فهو زيادة يفوق بها الناقص وكان حكمة أنه صلى الله عليه وسلم لم يكمل له رمضان إلا سنة واحدة والبقية ناقصة" زيادة تطمين نفوسهم على مساواة الناقص للكامل فيما قدمناه.
"يجب صوم رمضان" إجماعا وهو معلوم من الدين بالضرورة من الرمض وهو شدة الحر؛ لأن وضع اسمه على مسماه وافق ذلك وكذا في بقية الشهور كذا قالوه وهو إنما يأتي على الضعيف أن اللغات اصطلاحية، أما على أنها توقيفية أي أن الواضع لها هو الله تعالى وعلمها جميعا لآدم عند قول الملائكة
"لا علم لنا" فلا يأتي ذلك وهو أفضل الأشهر حتى من عشر الحجة للخبر الصحيح "رمضان سيد الشهور" وبحث أبي زرعة تفضيل يوم عيد الفطر إذا كان يوم جمعة على أيام رمضان التي ليست يوم جمعة فيه نظر وإن أطيل في الاستدلال له وتفضيل بعض أصحابنا يوم الجمعة على يوم عرفة الذي ليس يوم الجمعة شاذ وإن وافق مذهب أحمد رضي الله عنه فلا دليل فيه نعم يوم عرفة أفضل أيام السنة كما صرحوا به فبفرض شموله لأيام رمضان كما هو الظاهر يجاب بأن سيدية رمضان مخصوصة بغير يوم عرفة لما صح فيه مما يقتضي ذلك وبفرض عدم شموله يجاب بأن سيدية رمضان من حيث الشهر وسيدية يوم عرفة من حيث الأيام فلا تنافي بينهما. وإنما لم نقل بذلك فيما ذكر من يومي العيد والجمعة؛ لأنه لم يصح فيهما نظير ما صح في يوم عرفة حتى يخرجا من ذلك العموم ويأتي في صوم التطوع في عشر الحجة وعشر رمضان الأخير ما له تعلق بذلك وأفهم المتن أنه لا يكره قول رمضان بدون "شهر" مطلقا وهو كذلك للأخبار الكثيرة فيه واستند من كرهه لما ليس بمستند، وهو الخبر الضعيف "أنه من أسماء الله تعالى" "بإكمال شعبان ثلاثين" يوما وهو واضح قال الدارمي ومن رأى هلال شعبان ولم يثبت ثبت رمضان باستكماله ثلاثين من رؤيته لكن بالنسبة لنفسه فقط "أو رؤية الهلال" بعد الغروب لا بواسطة نحو مرآة كما هو ظاهر ليلة الثلاثين منه بخلاف ما إذا لم ير وإن أطبق الغيم لخبر البخاري الذي لا يقبل تأويلا ولا مطعن في سنده يعتد به خلافا لمن زعمهما "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين". ومن ثم لم تجز مراعاة خلاف موجبه وكهذين الخبر المتواتر برؤيته ولو من كفار لإفادته العلم الضروري وظن دخوله بالاجتهاد كما يأتي أو بالأمارة الظاهرة الدالة التي لا تتخلف عادة

 

ج /1 ص -504-      كرؤية القناديل المعلقة بالمنائر، ومخالفة جمع في هذه غير صحيحة؛ لأنها أقوى من الاجتهاد المصرح فيه بوجوب العمل به لا قول منجم وهو من يعتمد النجم وحاسب وهو من يعتمد منازل القمر وتقدير سيره ولا يجوز لأحد تقليدهما نعم لهما العمل بعلمهما ولكن لا يجزئهما عن رمضان كما صححه في المجموع وإن أطال جمع في رده ولا برؤية النبي صلى الله عليه وسلم في النوم قائلا غدا من رمضان لبعد ضبط الرائي لا للشك في الرؤية. وفيه وجه بالوجوب ككل ما يأمر به ولم يخالف ما استقر في شرعه لكنه شاذ فقد حكى عياض وغيره الإجماع على الأول ولا برؤية الهلال في رمضان وغيره قبل الغروب سواء ما قبل الزوال وما بعده بالنسبة للماضي والمستقبل وإن حصل غيم وكان مرتفعا قدرا لولاه لرئي قطعا خلافا للإسنوي؛ لأن الشارع إنما أناط الحكم بالرؤية بعد الغروب ولما يأتي أن المدار عليها لا على الوجود "وثبوت رؤيته".في حق من لم يره تحصل بحكم القاضي بها بعلمه على ما فيه من نقد ورد وتقييد بينتها في شرح العباب وكذا بحكم محكم لكن بالنسبة لمن رضي بحكمه فقط على الأوجه و "ب" شهادة "عدل" ولو مع إطباق غيم أي لا يحيل الرؤية عادة كما هو ظاهر بلفظ أشهد أني رأيت الهلال خلافا لمن نازع فيه أوانه هل أو نحوهما بين يدي قاض وإن لم تتقدم دعوى؛ لأنها شهادة حسبة ولا بد من نحو قوله ثبت عندي أو حكمت بشهادته.لكن ليس المراد هنا حقيقة الحكم؛ لأنه إنما يكون على معين مقصود ومن ثم لو ترتب عليه حق آدمي ادعاه كان حكما حقيقيا لا بلفظ إن غدا أو الليلة من رمضان لكن أطلق غير واحد قبوله وعلى الأول لا يقبل وإن علم أنه لا يرى الوجوب إلا بالرؤية أو كان موافقا لمذهب الحاكم على المعتمد؛ لأنه لا يخلو عن إيهام ولفساد الصيغة بعدم التعرض للرؤية وذلك للخبر الصحيح أن ابن عمر رضي الله عنهما رآه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم به فصام وأمر الناس بصيامه. وصح أيضا أن أعرابيا شهد به عند النبي صلى الله عليه وسلم مرة أخرى فقال: "يا بلال أذن في الناس فليصوموا" ولا يجوز لمن لم يره الشهادة برؤيته أو بما يفيدها ككونه هل وإن استفاض عنده ذلك بل وإن أخبره بها عدد التواتر وعلم به ضرورة.; لأنه لا يكفي قوله أشهد أن غدا من رمضان كما تقرر بل لا بد من التصريح بأنه رآه أو بما يتبادر منه ذلك وهذا لم يره ولا ذكر ما يفيد أنه رآه والذي يتجه أن الشاهد لا يكلف ذكر صفة الهلال ولا محله نعم إن ذكر محله مثلا وبأن الليلة الثانية بخلافه فإن أمكن عادة الانتقال لم يؤثر وإلا علم كذبه فيجب قضاء بدل ما أفطروه برؤيته. ولو تعارضا في محله مثلا عمل باتفاقهما على أصل الرؤية كما لو شهدت بينة بكفر ميت وأخرى بإسلامه فإنهما لا يتعارضان بالنسبة لنحو الصلاة عليه نظرا لحق الله تعالى "وفي قول" لا يثبت إلا إن شهد بها "عدلان" وانتصر له جماعة وأطالوا بما رددته في شرح الإرشاد ورجوع الشافعي إليه إنما هو قبل أن يثبت عنده الخبر فلما ثبت قدم عملا بوصيته بذلك على أنه علق القول به على ثبوته ومحل ثبوته بعدل إنما هو في الصوم وتوابعه كالتراويح.والاعتكاف دون نحو طلاق وأجل علق به نعم إن تعلق بالرائي عومل به وكذا إن تأخر التعليق عن ثبوته بعدل قيل صواب العبارة وتثبت كما بأصله ولا يأتي بالمبتدأ المشعر

 

ج /1 ص -505-      بالحصر ا هـ ويجاب بأن الحصر هنا المعلوم مما هو مقرر في شرح الإرشاد أول الطهارة لا محذور فيه؛ لأن ذكره ليس إلا لكونه محل الخلاف.مع علم ما سواه منه من باب أولى ويتجه ثبوته بالعدل ولو في أثنائه وإن قيل في كلام الزركشي ما يخالفه وعلى الأول فمن فوائده وجوب قضاء اليوم الأول الذي بان أنه من رمضان "وشرط الواحد صفة العدول" في الشهادة "في الأصح لا عبد وامرأة"؛ لأنه من باب الشهادة لا الرواية نعم يكتفى بالمستور كما صححه في المجموع ولا ينافيه كونه شهادة لا رواية خلافا لمن زعمه؛ لأنهم سامحوا في ذلك كما سامحوا في العدد احتياطا وهو من ظاهره التقوى ولم يعدل عند قاض وتقبل شهادة عدلين على شهادته ولا أثر لتردد يبقى بعد الحكم بشهادته للاستناد إلى ظن معتمد نعم إن علم قادحا عمل به باطنا لا ظاهرا لتعرضه للعقوبة ويلزم الفاسق ومن لا يقبل العمل برؤية نفسه وكذا من اعتقد صدقه في إخباره برؤية نفسه أو بثبوته في بلد متحد مطلعه سواء أول رمضان وآخره على المعتمد والمعتمد أيضا أن له بل عليه اعتماد العلامات بدخول شوال إذا حصل له اعتقاد جازم بصدقها كما بينته في شرح الإرشاد الكبير قيل قوله صفة العدول بعد قوله بعدل فيه ركة فإن العدل من فيه صفة العدول وزعمه أن المرأة والعبد غير عدلين ممنوع ا هـ وليس في محله فإن العدل له إطلاقان عدل رواية وعدل شهادة وعدل الشهادة له إطلاقان عدل في كل شهادة وعدل بالنسبة لبعض الشهادات دون بعض كالمرأة ولما كان قوله بعدل محتملا لكل منهما عقبه بما يبين المراد منه وهو عدالة الشهادة بالنسبة لكل شهادة ونفي عدالة الشهادة عن العبد واضح وعن المرأة باعتبار ما تقرر أنها لا تعطى حكم العدول في كل شهادة فاتضح أنه لا غبار على عبارته "وإذا صمنا بعدل" ولو مستور العدالة "ولم نر الهلال بعد ثلاثين" يوما "أفطرنا" وجوبا "في الأصح وإن كانت السماء مصحية" لا كمال العدد كما لو صمنا بعدلين والشيء قد يثبت ضمنا بطريق لا يثبت.فيها مقصودا كالنسب والإرث لا يثبتان بالنساء ويثبتان ضمنا للولادة الثابتة بهن ولا يقبل رجوع العدل بعد الشروع في الصوم كما رجحه الأذرعي؛ لأن الشروع فيه كالحكم ومنه يؤخذ أن العدلين لا يقبل رجوعهما حينئذ أيضا وقد يؤخذ من قوله بعدل وما ألحق به من المستور أنه لو صام بقول من اعتقد صدقه لا يفطر بعد ثلاثين ولا رؤية وهو متجه؛ لأنا إنما صومناه احتياطا فلا نفطره احتياطا أيضا وفارق العدل بأنه حجة شرعية فلزم العمل بآثارها بخلاف اعتقاد الصدق "وإذا رئي ببلد لزم حكمه البلد القريب" قطعا؛ لأنهما كبلد واحد.
تنبيه: قضية قوله لزم إلخ أنه بمجرد رؤيته ببلد يلزم كل بلد قريبة منه الصوم أو الفطر لكن من الواضح أنه إذا لم يثبت بالبلد الذي أشيعت رؤيته فيها لا يثبت في القريبة منه إلا بالنسبة لمن صدق المخبر وأنه إن ثبت فيها ثبت في القريبة لكن لا بد من طريق يعلم بها أهل القريبة ذلك فإن كان ثبت بنحو حكم فلا بد من اثنين يشهدان عند حاكم القريبة بالحكم ولا يكفي واحد وإن كان المحكوم به يكفي فيه الواحد؛ لأن المقصود إثباته الحكم بالصوم لا الصوم أو بنحو استفاضة فلا بد من اثنين أيضا.لذلك فإن لم يكن بالبلد

 

ج /1 ص -506-      من يسمع الشهادة أو امتنع لم يثبت عندهم إلا بالنسبة لمن صدق المخبر بأن أهل تلك البلد ثبت عندهم ذلك فعلم أنه لو وجدت شروط الشهادة على الشهادة فشهد اثنان على شهادة الرائي ولو واحدا كفى إن كان ثم من يسمعها وإلا فكما مر. ثم رأيت في المجموع وغيره تكفي الشهادة هنا من اثنين على شهادة واحد ا هـ وهو يؤيد ما ذكرته آخرا.
"دون البعيد في الأصح" لخبر مسلم عن كريب
"استهل علي رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة فرآه الناس فصام معاوية ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فأخبرت ابن عباس بذلك فقال لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين فقلت ألا تكتفي برؤية معاوية فقال لا هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم" قال الترمذي والعمل عليه عند أكثر أهل العلم "والبعيد مسافة القصر"؛ لأن الشرع أناط بها كثيرا من الأحكام واعتبار المطالع يحوج إلى وتحكيم المنجمين وقواعد الشرع تأباه. "وقيل باختلاف المطالع قلت هذا أصح والله أعلم"؛ لأن الهلال لا تعلق له بمسافة القصر ولأن المناظر تختلف باختلاف المطالع والعروض فكان اعتبارهم أولى وتحكيم المنجمين إنما يضر في الأصول دون التوابع كما هنا والمراد باختلافها أن يتباعد المحلان بحيث لو رئي في أحدهما لم ير في الآخر غالبا.قاله في الأنوار. وقال التاج التبريزي وتبعوه لا يمكن اختلافها في أقل من أربعة وعشرين فرسخا وكان مستنده الاستقراء وبه إن صح يندفع قول الرافعي عن الإمام يتصور اختلافها في دون مسافة القصر والشك في اختلافها كتحققه؛ لأن الأصل عدم الوجوب ومحله إن لم يبن آخرا اتفاقها وإلا وجب القضاء كما قاله الأذرعي ونبه السبكي وتبعه الإسنوي وغيره على أنه يلزم من الرؤية في البلد الشرقي رؤيته في البلد الغربي من غير عكس إذ الليل يدخل في البلاد الشرقية قبل وعلى ذلك حمل حديث كريب فإن الشام غربية بالنسبة للمدينة وقضيته أنه متى رئي في شرقي لزم كل غربي بالنسبة إليه العمل بتلك الرؤية وإن اختلفت المطالع وفيه منافاة الظاهر كلامهم ويوجه كلامهم بأن اللازم إنما هو الوجود لا الرؤية إذ قد يمنع منها مانع والمدار عليها لا على الوجود ووقع تردد لهؤلاء وغيرهم فيما لو دل الحساب على كذب الشاهد بالرؤية والذي يتجه منه أن الحساب إن اتفق أهله على أن مقدماته قطعية وكان المخبرون منهم بذلك عدد التواتر ردت الشهادة وإلا فلا وهذا أولى من إطلاق السبكي إلغاء الشهادة إذا دل الحساب القطعي على استحالة الرؤية.وإطلاق غيره قبولها وأطال كل لما قاله بما في بعضه نظر للمتأمل.
تنبيه: أثبت مخالف الهلال مع اختلاف المطالع لزمنا العمل بمقتضى إثباته؛ لأنه صار من رمضان حتى على قواعدنا أخذا من قول المجموع محل الخلاف في قبول الواحد ما لم يحكم بشهادة الواحد حاكم يراه وإلا وجب الصوم ولم ينقض الحكم إجماعا ومن مقتضى إثباته أنه يجب قضاء ما أفطرناه عملا بمطلعنا وأن القضاء فوري بناء على ما قاله المتولي وأقره المصنف والإسنوي وغيرهما أنه إذا ثبت أثناء يوم الشك أي ثلاثي شعبان وإن لم يتحدث برؤيته أنه من رمضان لزمه قضاؤه فورا كما يأتي.

 

ج /1 ص -507-      "وإذا لم نوجب" الصوم "على" أهل "البلد الآخر" لاختلاف مطالعهما "فسافر إليه من بلد الرؤية" إنسان "فالأصح أنه يوافقهم في الصوم آخرا" وإن أتم ثلاثين؛ لأنه بالانتقال إليهم صار مثلهم وانتصر الأذرعي للمقابل بأن تكليفه صوم أحد وثلاثين بلا توقيف لا معنى له وبأن ما روي أن ابن عباس أمر كريبا بذلك لم يصح وبتسليمه فلعله إنما أمره به لئلا يساء به الظن ا هـ وما قاله في الثاني سهل وأما الأول فليس كما قال؛ لأنه إذا تقرر اعتبار المطالع كان له معنى أي معنى كما هو ظاهر وأفهم قوله آخرا أنه لو وصل تلك البلد في يومه لم يفطر وهو وجيه.كما قدمته بما فيه قبيل قول المتن ويبادر بالفائت أما إذا أوجبناه لاتفاق مطالعهما فيلزم أهل المحل المنتقل إليه الفطر ويقضون يوما إذا ثبت ذلك عندهم وإلا لزمه الفطر كما لو رأى هلال شوال وحده "ومن سافر من البلد الآخر" الذي لم ير فيه "إلى بلد الرؤية عيد" أي أفطر "معهم" وإن كان لم يصم إلا ثمانية وعشرين يوما لما مر أنه صار مثلهم "وقضى يوما" إذا عيد معهم في التاسع والعشرين من صومه كما بأصله؛ لأن الشهر لا يكون ثمانية وعشرين بخلاف ما إذا عيد معهم يوم الثلاثين فإنه لا قضاء؛ لأنه يكون تسعة وعشرين "ومن أصبح معيدا فسارت سفينته إلى بلدة بعيدة" عن بلده بأن تخالفها في المطلع "أهلها صيام" وصورتها لتغاير مسألة الأصح الأولى أنه ثم وصل إليهم قبل أن يعيد وهنا بعد أن عيد ويدل لذلك.أنه عبر ثم بصام وهنا بأمسك ووقع لبعضهم تصويره بغير ذلك مما فيه نظر "فالأصح أنه يمسك بقية اليوم" لما تقرر أنه صار مثلهم.

فصل في النية وتوابعها
"النية شرط للصوم" أي لا بد منها لصحته كما بأصله؛ إذ هي ركن داخلة في ماهيته لما مر في الوضوء وغيره ومحلها القلب ولا تكفي باللسان وحده ولا يشترط التلفظ بها قطعا فيهما كذا قاله شارح وينافيه ما حكاه غيره من موجب التلفظ بالنية بطرده في كل عبادة وجبت لها نية ويصح تعقيبها بإن شاء الله إن قصد التبرك لا التعليق ولا إن أطلق ولا يجزئ عنها التسحر وإن قصد به التقوي على الصوم ولا الامتناع من تناول مفطر خوف الفجر ما لم يخطر بباله الصوم بالصفات التي يجب التعرض لها في النية؛ لأن ذلك يستلزم قصده غالبا كما هو ظاهر وبه يندفع ما للأذرعي هنا، "ويشترط لفرضه" كر مضان أداء وقضاء وكفارة ومنذور وصوم استسقاء أمر به الإمام "التبييت" أي إيقاع النية ليلا أي فيما بين غروب الشمس وطلوع الفجر ولو في صوم المميز وإن كان نفلا؛ لأنه على صورة الفرض كصلاته المكتوبة وذلك للخبر الصحيح
"من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له" والأصل في النفي حمله على نفي الحقيقة لا الكمال إلا لدليل، ويشترط التبييت لكل يوم؛ لأنه عبادة مستقلة واختلفوا في أخذ هذا من قوله الآتي صوم غد والحق أنه لا يؤخذ منه خلافا للسبكي ومن تبعه؛ لأن ذاك في الكمال والقائل بالاكتفاء بها في ليلة عن بقية الشهر عنده أن الكمال ذلك وهذا أولى من توجيه الإسنوي لعدم الأخذ بأنه إنما ذكره في رمضان خاصة ومن ثم رد بعدم الفرق بين رمضان وغيره، ولو شك هل وقعت نيته قبل الفجر أو

 

ج /1 ص -508-      بعده لم يصح، لأن الأصل عدم وقوعها ليلا؛ إذ الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن بخلاف ما لو نوى ثم شك هل طلع الفجر أو لا؟؛ لأن الأصل عدم طلوعه للأصل المذكور أيضا، ولو شك نهارا في النية أو التبييت فإن ذكر بعد مضي أكثره صح كما في المجموع قال الأذرعي وكذا لو تذكر بعد الغروب فيما يظهر ا هـ فقول الأنوار إن تذكر قبل أكثره صح وإلا فلا ضعيف "والصحيح أنه لا يشترط" لصحة النية "النصف الآخر من الليل" أي وقوعها فيه لإطلاق التبييت في الخبر الشامل لجميع أجزاء الليل. "و" الصحيح "أنه لا يضر الأكل والجماع" وكل مفطر.إلا الردة؛ لأنها تزيل التأهل للعبادة بكل وجه "بعدها"؛ لأنه تعالى أباح الأكل إلى طلوع الفجر "و" الصحيح "أنه لا يجب التجديد إذا نام ثم تنبه"؛ لأن النوم لا ينافي الصوم ولو استمر للفجر لم يضر قطعا نعم لو قطع النية قبله احتاج لتجديدها قطعا؛ لأنه أتى بمنافيها نفسها بخلاف نحو الأكل وإنما لم يؤثر قطعها نهارا على المعتمد؛ لأنها وجدت في وقتها من غير معارض فاستحال رفعها، ولأن القصد الإمساك بالنية المتقدمة وقد وجد وبه فارق بطلان نحو الصلاة بنية قطعها، "ويصح النفل بنيته قبل الزوال" للخبر الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة رضي الله عنها يوما فقال: "هل عندكم من غداء" قالت: لا، قال: "فإني إذا أصوم"، والغداء بفتح الغين وبالمهملة والمد اسم سم لما يؤكل قبل الزوال "وكذا بعده في قول" تسوية بين أجزاء النهار ورد بخلو معظم العبادة عنها وتنعطف النية على ما مضى فيكون صائما من أول النهار؛ لأنه لا يمكن تبعيضه "والصحيح اشتراط حصول شرط الصوم من أول النهار" بأن يخلو من الفجر عن كل مفطر وإلا لم يحصل مقصود الصوم، والمقابل مبني على الضعيف أن الصوم إنما يحصل من حين النية فيكون ما قبله بمثابة جزء من الليل فلا يضر تعاطي مفطر فيه، وأشار المصنف إلى فساده وأن رواية المتولي له عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم ليست بصحيحة ومن ثم رد عليه غير واحد بأن ذلك من تفرده ويستثنى على الأول ما لو أصبح ولم ينو صوما فتمضمض ولم يبالغ فسبق الماء إلى جوفه ثم نوى صوم تطوع.صح سواء أقلنا يفطر بذلك أم لا. "ويجب التعيين في الفرض" بأن ينوي كل ليلة أنه صائم غدا عن رمضان أو الكفارة وإن لم يبين سببها فإن عين وأخطأ لم يجزئ أو النذر؛ لأنه عبادة مضافة إلى وقت فوجب التعيين كالمكتوبة نعم لو تيقن أن عليه صوم يوم وشك أهو قضاء أو نذر أو كفارة أجزأه نية الصوم الواجب وإن كان مترددا للضرورة ولم يلزمه الكل كمن شك في واحدة من الخمس؛ لأن الأصل بقاء وجوب كل منها، وهنا الأصل براءة الذمة ومن ثم لو كانت الثلاثة عليه فأدى اثنين وشك في الثالث لزمه الكل، أما النفل فيصح بنية مطلقة نعم بحث في المجموع اشتراط التعيين في الراتب كعرفة وما يتبعها مما يأتي كرواتب الصلاة فلا يحصل غيرها معها وإن نوى بل مقتضى القياس أن نيتهما مبطلة كما لو نوى الظهر وسنته أو سنة الظهر وسنة العصر وألحق به الإسنوي ما له سبب كصوم الاستسقاء إذا لم يأمر به الإمام كصلاته وهما واضحان إن كان الصوم في كل ذلك مقصودا لذاته، أما إذا كان المقصود وجود صوم فيها وهو ما اعتمده غير واحد فيكون التعيين شرطا للكمال وحصول

 

ج /1 ص -509-      الثواب عليها بخصوصها لا لأصل الصحة نظير ما مر في تحية المسجد. "وكماله".أي التعيين وعبارة الروضة وكمال النية في رمضان "أن ينوي صوم غد" هذا واجب لا بد منه ويكفي عنه عموم يشمله كنية أول ليلة من رمضان صوم رمضان فيصح لليوم الأول، وأما قول شارح يؤخذ من قول الرافعي لفظ الغد اشتهر في تفسير التعيين وهو في الحقيقة ليس من حده وإنما وقع من نظرهم إلى التبييت أنه لا تجب نية الغد فإن أراد ما قلناه أي لا تجب نيته بخصوصه بل تكفي عنه نية الشهر كله فصحيح، أو أنه لا يجب هو ولا ما يقوم مقامه فهو فاسد على أن أصل هذا الأخذ من ذلك ممنوع فتأمله. "عن أداء فرض رمضان" بالجر لإضافة رمضان لما بعده "هذه السنة لله تعالى" لصحة نيته اتفاقا حينئذ ولتتميز عن أضدادها كالقضاء والنفل ونحو النذر وسنة أخرى ولم يكف عنها الأداء؛ لأنه قد يراد به مطلق الفعل واحتيج لإضافة رمضان إلى ما بعده؛ لأن قطعه عنها يصير هذه السنة محتملا لكونه ظرفا لنويت فلا يبقى له معنى فتأمله فإنه مما يخفى، "وفي الأداء والفرضية والإضافة إلى الله تعالى الخلاف المذكور في الصلاة" لكن الأصح في المجموع نقلا عن الأكثرين أنه لا تجب نية الفرضية هنا؛ لأن صوم رمضان من البالغ لا يقع إلا فرضا والظهر قد تكون معادة ورده السبكي بوجوب نية الفرضية فيها ويرد بأن وجوبها فيها على ما مر ليس المراد به حقيقتها بل لتتم محاكاتها للأولى كما مر وذلك مفقود هنا.وعلى ما في المجموع لو نوى ولم يتعرض للفرضية ثم بلغ قبل الفجر لم يلزمه التعرض لها والصحيح لا يشترط تعيين السنة؛ لأن تعيين اليوم وهو الغد يغني عنه واعترضه الإسنوي بأن التعرض للغد يفيد ما يصومه وللسنة يفيد ما يصوم عنه؛ إذ من نوى صوم الغد من هذه السنة عن فرض رمضان يصح أن يقال له: صيامك هذا اليوم عن فرض هذه السنة أو عن فرض سنة أخرى، ويجاب بأنه يلزمه ذلك في الأداء أيضا وبأن المتبادر من ذلك وقوعه عن هذه السنة لا غير فاكتفوا بهذا المتبادر الظاهر جدا كما لا يخفى ونظيره نية فرض الظهر المتبادر منها الأداء فلم يوجبوه وإن صح أن يقال له نيتك الفرض هل هي عن أداء أو قضاء فإن قلت: سبق أن القرائن الخارجية لا تخصص النية قلت: لم يعمل هنا بقرينة خارجية بل بالمتبادر من المنوي لا غير.وبحث الأذرعي أنه لو كان عليه مثل الأداء كقضاء رمضان قبله لزمه التعرض للأداء وتعيين السنة وهو مبني على الضعيف الذي اختاره في نظيره من الصلاة أنه تجب نية الأداء حينئذ.
"ولو نوى ليلة الثلاثين من شعبان صوم غد" نفلا إن كان منه وإلا فمن رمضان صح له نفلا؛ لأن الأصل بقاؤه ما لم يبن من رمضان فلا يصح أصلا؛ لأن رمضان لا يقبل غيره أو صوم غد "عن رمضان إن كان منه فكان منه لم يقع عنه" وإن زاد بعده وإلا فأنا متطوع أو حذف إن وما بعدها لعدم الجزم بالنية؛ إذ الأصل بقاء شعبان وجزمه به عن غير أصل حديث نفس لا عبرة به "إلا إذا" قامت عنده قرينة تغلب على ظنه كونه منه كما مر في نحو إيقاد القناديل ولا يضر كما قاله بعضهم إزالتها بعد النية لإشاعة أن الهلال لم ير إذا بان بعد أنه رئي؛ لأن العبرة بظن كونه منه عند النية وقد وجد. وكأن "اعتقد" أي ظن "كونه منه

 

ج /1 ص -510-      بقول من يثق به من عبد أو امرأة" ولو كان أحدهما غير رشيد قال الأذرعي وإعادة الإسنوي رشداء إلى هذين غلط "أو صبيان رشداء".أي لم يجرب عليهم الكذب أو صبي مميز كذلك كما في المجموع في موضعين واعتمده السبكي وغيره وقول الإسنوي المعتمد اشتراط الجمع؛ لأن الجمهور عليه رده الأذرعي بأن الجمهور على خلافه ويؤيده ما يأتي أنه يقبل قوله في نحو إيصال هدية ولو أمة ويحل الوطء اعتمادا على قوله؛ لأنه يفيد الظن وهو هنا كاف كهو في أوقات العبادات. ومع ظن ذلك لا بد أن لا يأتي بما يشعر بالتردد وإلا كأصوم عن رمضان فإن لم يكن منه فتطوع لم يصح وإن بان منه على ما في الروضة لكن الذي رجحه السبكي والإسنوي ما اقتضاه كلام المجموع في موضع من الصحة؛ لأن التردد حاصل في القلب وإن لم يذكر ذلك وقصده للصوم إنما هو بتقدير كونه منه فهو كالتردد بعد حكم الحاكم والذي يتجه أنه لا نزاع في المعنى وأنه متى زال بذكر ذلك ظنه لم يصح والأصح وعليه يحمل الكلامان، ولا ينافي هذا ما يأتي أن بكلام عدد من هؤلاء يتحقق يوم الشك الذي يحرم صومه؛ لأن الكلام هنا في صحة النية اعتمادا على خبرهم ثم إن بان قبل الفجر أنه من رمضان لم يحتج لإعادتها وإلا كان يوم شك فلا يجوز له صومه.وعليه فظاهر أن قوله قبل الفجر تصوير وأن معنى ما أفاده المتن من وقوعه عنه إجزاء نيته لو بان منه ولو بعد الفجر وإن حكمنا بأنه يوم شك إنما هو باعتبار الظاهر فإذا بان خلافه مع وقوع النية صحيحة وجب وقوعه عن رمضان وفارق هذا ما مر من وجوب الصوم على معتقد صدق مخبره؛ لأن ذاك في الاعتقاد الجازم وهذا في الظن كما تقرر وشتان ما بينهما "ولو نوى ليلة الثلاثين من رمضان صوم غد إن كان من رمضان أجزأه إن كان منه"؛ لأن الأصل بقاؤه وحذف من أصله أنه لا أثر لتردد يبقى بعد حكم الحاكم ولو بعدل؛ لأنه واضح. "ولو اشتبه" رمضان على نحو أسير أو محبوس "صام شهرا بالاجتهاد" كما يجتهد للصلاة في نحو القبلة والوقت فلو صام بلا اجتهاد لم يجزئه وإن بان رمضان لتردده ولو تحير لم يلزمه شيء لعدم تيقن دخول الوقت وبه فارق ما مر في القبلة.ولو لم يعرف الليل من النهار لزمه التحري والصوم ولا قضاء إذا لم يتبين له شيء "فإن" بان له الحال وأنه وافق رمضان أجزأه ووقع أداء وإن كان نوى به القضاء أو "وافق ما بعد رمضان أجزأه" وغايته أنه أوقع القضاء بنية الأداء لعذر وذلك جائز كعكسه "وهو قضاء على الأصح" لوقوعه بعد الوقت أو وافق رمضان السنة القابلة وقع عنه وإن نوى به القضاء لا عن الماضي أو أنه كان يصوم الليل لزمه القضاء قطعا. "فلو نقص" الشهر الذي صامه بالاجتهاد "وكان رمضان تاما لزمه يوم آخر" بناء على أنه قضاء وفي عكس ذلك يفطر اليوم الأخير إذا عرف الحال بناء على ذلك أيضا ولو وافق صومه شوالا حسب له تسعة وعشرون إن كمل وإلا فثمانية وعشرون أو الحجة.حسب له ستة وعشرون إن كمل وإلا فخمسة وعشرون "ولو غلط بالتقديم وأدرك رمضان لزمه صومه" لتمكنه منه في وقته "وإلا" يدركه بأن لم يظهر له وقته "فالجديد وجوب القضاء"؛ لأنه أتى بالعبادة قبل الوقت فلم تجزئه كالصلاة ولو لم يبن الحال فلا شيء عليه. "ولو نوت الحائض صوم غد قبل انقطاع دمها ثم انقطع ليلا صح إن تم

 

ج /1 ص -511-      لها في الليل أكثر الحيض" لجزمها بأن غدها كله طهر والتصوير بالانقطاع للغالب وإلا فقد علم من كلامه في الحيض أن الزائد على أكثره دم فساد لا يؤثر في الصوم. "وكذا" إن تم لها "قدر العادة" التي لم تختلف وهي دون أكثره فيصح صومها بتلك النية "في الأصح"؛ لأن الظاهر استمرار عادتها فكانت نيتها مبنية على أصل صحيح بخلاف ما إذا لم يتم لها ما ذكر أو اختلفت عادتها لعدم بناء نيتها على أصل صحيح والنفاس كالحيض.

فصل في بيان المفطرات
"شرط" صحة "الصوم" من حيث الفعل "الإمساك عن الجماع" إجماعا فيفطر به وإن لم ينزل إن علم وتعمد واختار.ويشترط هنا كونه واضحا فلا يفطر به خنثى إلا إن وجب عليه الغسل بأن تيقن كونه واطئا أو موطوءا فلا أثر من حيث الجماع لإيلاج رجل في قبله بخلاف دبره ولا لإيلاج خنثى في قبل خنثى أو دبره أو في امرأة أو رجل، والمراد بالشرط ما لا بد منه لا الاصطلاحي وإلا لم يبق للصوم حقيقة؛ إذ هي النية والإمساك "والاستقاءة" من من عامد عالم مختار للخبر الصحيح
"من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء فليقض" وذرعه بالمعجمة غلبه أما ناس وجاهل عذر لقرب إسلامه أو بعده عن عالمي ذلك ومكره فلا يفطرون بذلك وكذا كل مفطر مما يأتي ومن الاستقاءة نزعه لخيط ابتلعه ليلا ومر في مبحث المستحاضة.ما له تعلق به وبحث أنه لا يلحق به نزع قطنة من باطن إحليله أدخلها ليلا "والصحيح أنه لو تيقن أنه لم يرجع شيء إلى جوفه" بأن تقيأ منكسا "بطل" صومه بناء على الأصح أن الاستقاءة مفطرة لنفسها لا لرجوع شيء إلى الجوف. "وإن غلبه القيء فلا بأس" للخبر "وكذا" لا يفطر "لو اقتلع نخامة" من الدماغ أو الباطن "ولفظها" أي رماها "في الأصح"؛ لأن الحاجة لذلك تتكرر فرخص فيه لكن يسن قضاء يوم ككل ما في الفطر به خلاف يراعى كما هو ظاهر أما إذا لم يقتلعها بأن نزلت من محلها من الباطن إليه أو قلعها بسعال أو غيره فلفظها فإنه لا يفطر قطعا وأما لو ابتلعها مع قدرته على لفظها بعد وصولها لحد الظاهر فإنه يفطر قطعا "فلو نزلت من دماغه وحصلت في حد الظاهر من الفم" وهو مخرج الحاء المهملة فما بعده باطن.
تنبيه: ذكر حد غير محتاج إليه في عبارته وإن أتى به شيخنا في مختصرها بل هو موهم إلا أن تجعل الإضافة بيانية وإنما يحتاج إليه من يريد تحديده، وذكر الخلاف في الحد أهو المعجمة وعليه الرافعي وغيره أو المهملة وهو المعتمد كما تقرر فيدخل كل ما قبله، ومنه المعجمة.
"فليقطعها من مجراها وليمجها" إن أمكنه حتى لا يصل منها شيء للباطن "فإن تركها مع القدرة" على لفظها "فوصلت الجوف" يعني: جاوزت الحد المذكور "أفطر في الأصح" لتقصيره بخلاف ما إذا لم تصل للظاهر، وإن قدر على لفظها، وما إذا وصلت إليه وعجز عن ذلك "و" الإمساك "عن وصول العين" أي عين كانت، وإن كانت أقل ما يدرك من نحو حجر."إلى ما يسمى جوفا"؛ لأن فاعل ذلك لا يسمى ممسكا بخلاف وصول الأثر كالطعم وكالريح

 

ج /1 ص -512-      بالشم، ومثله وصول دخان نحو البخور إلى الجوف والقول بأن الدخان عين ليس المراد به العين هنا وبخلاف الوصول لما لا يسمى جوفا كداخل مخ الساق، أو لحمه بخلاف جوف آخر، ولو بأمره لمن طعنه فيه ولا يضر سكوته مع تمكنه من دفعه؛ إذ لا فعل له وإنما نزلوا تمكن المحرم من الدفع عن الشعر منزلة فعله؛ لأنه في يده أمانة فلزمه الدفع عنها بخلاف ما هنا. نعم يشكل عليه ما يأتي في الأيمان أنه لو حلف ليأكل ذا الطعام غدا فأتلفه من قدر على انتزاعه منه وهو ساكت حنث إلا أن يجاب بأن الملحظ ثم تفويت البر باختياره وسكوته مع قدرته يطلق عليه عرفا أنه فوته وهنا تعاطي مفطر وهو لا يصدق عليه عرفا ولا شرعا أنه تعاطاه وما فيما إذا جرت النخامة بنفسها مع قدرته على مجها إلا أن يجاب بأن ثم فاعلا يحال عليه الفعل فلم ينسب للساكت شيء بخلاف نزول النخامة وأيضا فمن شأن دفع الطاعن أن يترتب عليه هلاك أو نحوه فلم يكلف الدفع وإن قدر بخلاف ما عداه فينبغي أن تكون قدرته على دفعه كفعله كما يشهد له مسألة النخامة وتقييدهم عدم الفطر بفعل الغير.بالمكره وكالعين ريقه المتنجس بنحو دم لثته وإن صفا، ولم يبق فيه أثر مطلقا؛ لأنه لما حرم ابتلاعه لتنجسه صار بمنزلة عين أجنبية "وقيل يشترط مع هذا" المذكور من كونه يسمى جوفا "أن يكون فيه قوة تحيل الغذاء" بكسر غينه ثم معجمة "والدواء"؛ لأن ما لا تحيله لا ينتفع به البدن فكان الواصل إليه كالواصل لغير جوف، وردوه بأن الواصل للحلق مفطر مع أنه غير محيل فألحق به كل جوف كذلك. "فعلى الوجهين باطن الدماغ والبطن والأمعاء" وهي المصارين جمع معى بوزن رضا "والمثانة" بالمثلثة وهي مجمع البول "مفطر بالإسعاط أو الأكل أو الحقنة" أي الاحتقان لف ونشر مرتب؛ إذ الحقنة وهي أدوية معروفة تعالج بها المثانة أيضا "أو الوصول من جائفة ومأمومة ونحوهما"؛ لأنه جوف محيل وكان التقييد بالباطن؛ لأنه الذي يأتي على الوجهين فاندفع ما قيل. قضيته أن وصول عين لظاهر الدماغ أو الأمعاء لا يفطر وليس كذلك بل لو كان برأسه مأمومة فوضع عليها دواء فوصل خريطة الدماغ أفطر وإن لم يصل باطن الخريطة وبه يعلم أن باطن الدماغ ليس بشرط بل ولا الدماغ نفسه؛ لأنه في باطن الخريطة وكذا لو كان ببطنه جائفة فوضع عليها دواء فوصل جوفه أفطر وإن لم يصل باطن الأمعاء ا هـ. "والتقطير في باطن الأذن والإحليل".وهو مخرج بول ولبن وإن لم يجاوز الحشفة أو الحلمة "مفطر في الأصح" بناء على الأصح أن الجوف لا يشترط كونه محيلا، وكذا يفطر بإدخال أدنى جزء من أصبعه في دبره أو قبلها بأن يجاوز ما يجب غسله في الاستنجاء نعم قال السبكي: قول القاضي يفطر بوصول رأس أنملته إلى مسربته محله إن وصل للمجوف منها دون أولها المنطبق؛ إذ لا يسمى جوفا وألحق به أول الإحليل الذي يظهر عند تحريكه بل أولى. قال ولده: وقول القاضي الاحتياط أن يتغوط بالليل مراده أن إيقاعه فيه خير منه بالنهار لئلا يصل شيء إلى جوف مسربته لا أنه يؤمر بتأخيره لليل؛ لأن أحدا لا يؤمر بمضرة في بدنه. "وشرط الواصل كونه في منفذ" بفتح أوله وثالثه "مفتوح فلا يضر وصول الدهن بتشرب المسام" جمع سم بتثليث أوله والفتح أفصح وهي ثقب لطيفة جدا لا تدرك كما لو طلى رأسه أو بطنه به، وإن وجد

 

ج /1 ص -513-      أثره بباطنه كما لو وجد أثر ما اغتسل به "ولا الاكتحال وإن وجد" لونه في نحو نخامته و "طعمه" أي الكحل "بحلقه"؛ إذ لا منفذ من عينه لحلقه فهو كالواصل من المسام وروى البيهقي والحاكم أنه صلى الله عليه وسلم كان يكتحل بالإثمد وهو صائم لكن ضعفه في المجموع ومع ذلك قال لا يكره وفيه نظر لقوة خلاف مالك في الفطر به فالوجه قول الحلية أنه خلاف الأولى وقد يحمل عليه كلام المجموع.
"وكونه بقصد فلو وصل جوفه ذباب أو بعوضة" لم يفطر لكن كثيرا ما يسعى الإنسان في إخراج ذبابة وصلت لحد الباطن وهو خطأ؛ لأنه حينئذ قيء مفطر نعم إن خشي منها ضررا يبيح التيمم لم يبعد جواز إخراجها، ووجوب القضاء "أو غبار الطريق وغربلة الدقيق لم يفطر"؛ لأن التحرز عنه من شأنه أن يعسر فخفف فيه كدم البراغيث، وقضيته أنه لا فرق بين غبار الطريق الطاهر والنجس.وفيه نظر؛ لأن النجس لا يعسر على الصائم تجنبه ولا بين قليله وكثيره وهو كذلك؛ لأن الغرض أنه لم يتعمده فإن تعمده بأن فتح فاه عمدا حتى دخل لم يفطر إن قل عرفا، وقولي حتى دخل هو عبارة المجموع وقضيتها أنه لا فرق بين فتحه ليدخل أو لا، وبه صرح جمع متقدمون ومتأخرون فقالوا: لو فتح فاه قصدا لذلك لم يفطر على الأصح فما اقتضاه كلام الخادم من أنه مفطر يحمل على الكثير ولو خرجت مقعدة مبسور لم يفطر بعودها، وكذا إن أعادها كما قاله البغوي والخوارزمي واعتمده جمع متأخرون بل جزم به غير واحد منهم لاضطراره إليه وليس هذا كالأكل جوعا الذي أخذ منه الأذرعي قوله الأقرب إلى كلام النووي وغيره الفطر وإن اضطر إليه كالأكل جوعا ا هـ. لظهور الفرق بينهما بأن الصوم شرع ليتحمل المكلف مشقة الجوع المؤدي إلى صفاء نفسه ففرط جوع يضطر المكلف معه إلى الفطر مع أكله آخر الليل نادر غير دائم كالمرض فجاز به الفطر ولزمه القضاء. وأما خروج المقعدة فهو من الداء العضال الذي إذا وقع دام فاقتضت الضرورة العفو عنه وأنه لا فطر بما يترتب عليه ومر في قلع النخامة أنه إنما رخص فيه؛ لأن الحاجة تتكرر إليه وهذه أولى بالحكم منها في ذلك فتأمله، وعلى المسامحة بها فهل يجب غسلها عما عليها من القذر؛ لأنه بخروجه معها صار أجنبيا فيضر عوده معها للباطن أو لا؟ كما لو أخرج لسانه وعليه ريق الآتي بعلته الجارية هنا؛ لأن ما عليها لم يقارنه معدنه كل محمل والثاني أقرب والكلام كما هو ظاهر حيث لم يضره غسلها وإلا تعين الثاني قيل جمع الذباب وأفرد البعوضة تأسيا بلفظ القرآن
{لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً} [الحج:73]، {بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة:56] ا هـ.
ويرد بأن ذاك لحكمة لا تأتي هنا فالأولى أن يجاب بأن الذبابة مشتركة بين ما لا يصح هنا بعضه كبقية الدين ففيها إيهام بخلاف الذباب فإنه المعروف أو النحل أو غيرهما مما يصح كله هنا.
"ولا يفطر ببلع ريقه من معدنه" إجماعا وهو منبعه تحت اللسان "فلو" ابتلع ريق غيره أفطر جزما وما جاء أنه صلى الله عليه وسلم كان يمص لسان عائشة وهو صائم واقعة حال فعلية محتملة أنه يمصه ثم يمجه أو يمصه ولا ريق به أو "خرج من الفم" لا على لسانه ولو إلى ظهر الشفة "ثم رده" بلسانه أو غيره "وابتلعه أو بل خيطا" أو سواكا "بريقه" أو بماء "فرده إلى فمه

 

ج /1 ص -514-      وعليه رطوبة تنفصل" وابتلعها "أو ابتلع ريقه مخلوطا بغيره" الطاهر كصبغ خيط فتله بفمه "أو" ابتلعه "متنجسا".بدم أو غيره وإن صفا "أفطر"؛ لأنه بانفصاله واختلاطه وتنجسه صار كعين أجنبية ويظهر العفو عمن ابتلع بدم لثته بحيث لا يمكنه الاحتراز عنه قياسا على ما مر في مقعدة المبسور ثم رأيت بعضهم بحثه واستدل له بأدلة رفع الحرج عن الأمة والقياس على العفو عما مر في شروط الصلاة ثم قال فمتى ابتلعه مع علمه به وليس له عنه بد فصومه صحيح أما لو أخرج لسانه وهو عليه ثم رده وابتلع ما عليه فإنه لا يفطر خلافا للشرح الصغير؛ لأنه لم ينفصل عن الفم؛ إذ اللسان كداخله "ولو جمع ريقه فابتلعه لم يفطر في الأصح" كابتلاعه متفرقا من معدنه أما لو اجتمع بلا فعل فلا يضر قطعا. "ولو سبق ماء المضمضة أو الاستنشاق إلى جوفه" الشامل لدماغه أو باطنه "فالمذهب أنه إن بالغ" مع تذكره للصوم وعلمه بعدم مشروعية ذلك "أفطر"؛ لأن الصائم منهي عن المبالغة كما مر ويظهر ضبطها بأن يملأ فمه أو أنفه ماء بحيث يسبق غالبا إلى الجوف ومثل ذلك سبق الماء في غسل تبرد أو تنظف وكذا دخول جوف منغمس من نحو فمه أو أنفه لكراهة الغمس فيه كالمبالغة ومحله إن لم يعتد أنه يسبقه وإلا أثم وأفطر قطعا "وإلا" يبالغ."فلا" يفطر ما لم يزد على المشروع لعذره بخلاف ما إذا سبقه من نحو رابعة وهو ذاكر للصوم عالم بعدم مشروعيتها للنهي عنها كالمبالغة نعم لو تنجس فمه فبالغ في غسله فسبقه لجوفه لم يفطر لوجوب المبالغة عليه لينغسل كل ما في حد الظاهر من الفم وينبغي أن الأنف كذلك. "ولو بقي طعام بين أسنانه فجرى به ريقه" بطبعه لا بفعله."لم يفطر إن عجز" نهارا وإن أمكنه ليلا "عن تمييزه ومجه" لعذره بخلاف ما إذا لم يعجز وقيل إن تخلل لم يفطر وإلا أفطر ويؤخذ منه تأكد ندب التخلل بعد الأكل ليلا خروجا من هذا الخلاف وخرج بجري ابتلاعه قصدا فإنه مفطر جزما. "ولو أوجر" طعاما أي أمسك فمه وصب فيه "مكرها لم يفطر" لانتفاء فعله "فإن أكره" بما يحصل به الإكراه على الطلاق كما هو ظاهر "حتى أكل" أو شرب "أفطر في الأظهر"؛ لأنه يفعله دفعا لضرر نفسه كما لو أكل لدفع ضرر الجوع "قلت الأظهر لا يفطر والله أعلم" لرفع القلم عنه كما في الخبر الصحيح فصار فعله كلا فعل وحينئذ أشبه الناسي وبه فارق من أكل لدفع الجوع قيل لم يصرح الرافعي في كتبه بترجيح الأول وإنما فهمه المصنف من سياقه فأسنده إليه بحسب ما فهمه وألحق بعضهم بالمكره من فاجأه قطاع فابتلع الذهب خوفا عليه والذي يتجه خلافه وشرط عدم فطر المكره أن لا يتناول ما أكره عليه لشهوة نفسه بل لداعي الإكراه لا غير أخذا مما يأتي في الطلاق. "وإن أكل ناسيا لم يفطر" للخبر الصحيح "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه ولا قضاء عليه ولا كفارة" "إلا أن يكثر في الأصح" لندرة النسيان حينئذ ومن ثم أبطل الكلام الكثير ناسيا الصلاة وضبط في الأنوار الكثير بثلاث لقم وفيه نظر فقد ضبطوا القليل ثم بثلاث كلمات وأربع "قلت الأصح لا يفطر والله أعلم" لعموم الخبر وفارق المصلي بأن له حالة تذكره فكان مقصرا بخلاف الصائم وكالأكل فيما ذكر كل مناف للصوم فعله ناسيا له لا يفطر إلا الردة وإن أسلم فورا على الوجه وكالناسي جاهل

 

ج /1 ص -515-      بحرمة ما تعاطاه إن عذر بقرب إسلامه أو بعده عن العلماء بذلك وليس من لازم ذلك عدم صحة نيته للصوم نظرا إلى أن الجهل بحرمة الأكل يستلزم الجهل بحقيقة الصوم وما تجهل حقيقته لا تصح نيته؛ لأن الكلام فيمن جهل حرمة شيء خاص من المفطرات النادرة ومن علم تحريم شيء وجهل كونه مفطرا لا يعذر.وإيهام الروضة وأصلها عذره غير مراد؛ لأنه كان من حقه إذا علم الحرمة أن يمتنع. "والجماع كالأكل" فيما مر فيه من النسيان والإكراه والجهل "على المذهب" فيأتي فيه ما تقرر من أنه لا يفطر به مكره بناء على الأصح أنه يتصور الإكراه عليه وناس وإن طال وجاهل عذر "و" شرطه أيضا الإمساك "عن الاستمناء" وهو استخراج المني بغير جماع حراما كان كإخراجه بيده أو مباحا كإخراجه بيد حليلته "فيفطر به" واضح وكذا مشكل خرج من فرجيه إن علم وتعمد واختار؛ لأنه أولى من مجرد الإيلاج ولو حك ذكره لعارض سوداء أو حكة فأنزل لم يفطر قال الأذرعي إلا إذا علم أنه إذا حكه ينزل وهو ظاهر إن أمكنه الصبر وإلا فلا لما مر أنه يغتفر له حينئذ في الصلاة وإن كثر ولا يفطر محتلم إجماعا؛ لأنه مغلوب "وكذا خروج المني" لا المذي خلافا للمالكية "بلمس" ولو لذكر أو فرج قطع وبقي اسمه "وقبلة ومضاجعة" معها مباشرة شيء ناقض للوضوء من بدن من ضاجعه فخرج مس بدن أمرد.نعم ينبغي القضاء كما يندب الوضوء من مسه رعاية لموجبه وذلك؛ لأنه أنزل بمباشرة بخلاف ضم امرأة مع حائل أو ليلا فلو باشر وأعرض قبل الفجر ثم أمنى عقبه لم يفطر ولو قبلها صائما ثم فارقها ثم أنزل أفطر إن كانت الشهوة مستصحبة الذكر قائما وإلا فلا "لا" خروجه بنحو مس فرج بهيمة ولا بنحو المباشرة بحائل ولا بنحو "الفكر والنظر بشهوة" وإن كررهما واعتاد الإنزال بهما لانتفاء المباشرة فأشبه الاحتلام نعم بحث الأذرعي أنه لو أحس بانتقال المني وتهيئته للخروج بسبب استدامته النظر فاستدامه أفطر قطعا وكذا لو علم ذلك من عادته وفيه نظر بل لا يصح مع تزييفهم للقول أنه إن اعتاد الإنزال بالنظر أفطر. وقد أطلقوا حكاية الإجماع بأن الإنزال بالفكر لا يفطر وفي المهمات عن جمع واعتمده هو وغيره يحرم تكريرها وإن لم ينزل ورده الزركشي بأن الذي في كلامهم أنه لا يحرم إلا إذا أنزل ويؤيده قبول المجموع عن الحاوي وإذا كرر النظر فأنزل أثم على أن في الإثم مع الإنزال نظرا؛ لأنه لا مقتضى له إلا أن يقال إنه حينئذ مظنة لارتكاب نحو جماع. "وتكره القبلة" في الفم وغيره وهي مثال؛ إذ مثلها كل لمس لشيء من البدن بلا حائل "لمن حركت شهوته" حالا كما أفاده عدوله عن قول أصله تحرك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم رخص فيها للشيخ دون الشاب وعلل ذلك بأن الشيخ يملك إربه بخلاف الشاب فأفهم التعليل، أن النهي دائر مع تحريك الشهوة الذي يخاف منه الإمناء أو الجماع وعدمه "والأولى لغيره تركها" حسما للباب ولأنها قد تحرك ولأن الصائم يسن له ترك الشهوات ولم تكره لضعف أدائها إلى الإنزال "قلت هي كراهة تحريم" إن كان الصوم فرضا "في الأصح والله أعلم"؛ لأن فيها تعرضا قويا لإفساد العبادة. وبقي من المفطرات الردة والموت وكذا قطع النية عند جماعة لكن الأصح عندهما خلافه "ولا يفطر بالفصد" بلا خلاف "والحجامة عند" أكثر العلماء لخبر البخاري عن ابن

 

ج /1 ص -516-      عباس: أنه صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم واحتجم وهو محرم وهو ناسخ للخبر المتواتر "أفطر الحاجم والمحجوم" لتأخره عنه كما بينه الشافعي رضي الله عنه وصح في خبر عند الدارقطني ما يصرح بذلك نعم الأولى تركهما؛ لأنهما يضعفانه. "والاحتياط أن لا يأكل آخر النهار إلا بيقين" لخبر "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" "ويحل" بسماع أذان عدل عارف وبإخباره بالغروب عن مشاهدة نظير ما مر في أول رمضان و "بالاجتهاد" بورد ونحوه "في الأصح" كوقت الصلاة وقول البحر لا يجوز بخبر العدل كهلال شوال ردوه بما صح أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا كان صائما أمر رجلا فأوفى على نشز فإذا قال قد غابت الشمس أفطر وبأنه قياس ما قالوه في القبلة والوقت والأذان ويفرق بينه وبين هلال شوال بأن ذاك فيه رفع سبب الصوم من أصله فاحتيط له بخلاف هذا "ويجوز" الأكل "إذا ظن بقاء الليل" باجتهاد أو إخبار "قلت وكذا لو شك" أي تردد وإن لم يستو الطرفان كما هو ظاهر "والله أعلم"؛ لأن الأصل بقاء الليل وحكى في البحر وجهين فيما لو أخبره عدل بطلوع الفجر هل يلزمه الإمساك بناء على قبول الواحد في هلال رمضان وقضيته ترجيح اللزوم.وهو متجه وقياس ما مر أن فاسقا ظن صدقه كذلك "ولو أكل" أو شرب "باجتهاد أولا" أي قبل الفجر في ظنه "أو آخرا" أي بعد الغروب كذلك "ف" بعد ذلك "بأن الغلط" وأنه أكل نهارا "بطل صومه" أي بأن بطلأنه؛ إذ لا عبرة بالظن البين خطؤه فإن لم يبن شيء صح صومه "أو" أكل أو شرب أولا أو آخرا "بلا ظن" يعتد به فإن هجم أو ظن من غير أمارة ويأثم آخرا لا أولا كما علم مما مر "ولم يبن الحال صح إن وقع في أوله وبطل" إن وقع "في آخره" عملا بأصل بقاء كل منهما وإن بان الغلط فيهما قضى أو الصواب فيها فلا وفارق القبلة إذا هجم فأصابها بأنه ثم شاك في شرط انعقاد الصلاة وهنا في المفسد والأصل عدمهما والمراد ببطل وصح هنا الحكم بهما وإلا فالمدار على ما في نفس الأمر. "ولو طلع الفجر" الصادق "وفي فمه طعام فلفظه" قبل أن ينزل منه شيء لجوفه بعد الفجر أو بعد أن نزل منه لكن بغير اختياره أو أبقاه ولم ينزل منه شيء لجوفه بعد الفجر ولا يعذر هنا بالسبق لتقصيره بإمساكه كما لو وضعه بفمه نهارا "صح صومه" لعدم المنافي "وكذا لو كان مجامعا" عند ابتداء طلوع الفجر "فنزع في الحال" أي عقب طلوعه فلا يفطر وإن أنزل؛ لأن النزع ترك للجماع ومن ثم اشترط أن يقصد به تركه وإلا بطل كما قاله جمع متقدمون.وقيد الإمام ذلك بما إذا ظن عند ابتداء الجماع أنه بقي ما يسعه فإن ظن أنه لم يبق ذلك أفطر وإن نزع مع الفجر لتقصيره وقد حكى الرافعي في جوازه إذا لم يبق إلا ما يسع الإيلاج دون النزع وجهين وينبغي بناء ما قاله الإمام على الوجه المحرم وهو الأحوط الذي صدر به الرافعي "فإن مكث" بأن لم ينزع حالا "بطل" يعني لم ينعقد كما صححه في المجموع وعجيب اختيار السبكي لظاهر المتن مع قول الإمام أنه خيال ومحال والبندنيجي كشيخه أبي حامد من قال به لا يعرف مذهب الشافعي. ومع القول بالأول تلزمه الكفارة؛ لأنه لما منع الانعقاد بمكثه كان بمنزلة المفسد له بالجماع فإن قلت ينافي هذا عدم وجوب الكفارة فيما لو أحرم مجامعا مع أنه منع الانعقاد أيضا قلت يفرق بأن وجوب الكفارة هنا أقوى منها ثم

 

ج /1 ص -517-      كما يعلم من كلامهم في البابين وأيضا فالتحلل الأول لما أثر فيها النقص مع بقاء العبادة فلأن يؤثر فيها عدم الانعقاد عدم الوجوب من باب أولى أما لو مضى زمن بعد طلوعه ثم علم به ثم مكث فلا كفارة؛ لأن مكثه مسبوق ببطلان الصوم ولا ينافي العلم بأول طلوعه تقدمه على علمنا به؛ لأنا لا نكلف بذلك بل بما يظهر لنا.

فصل في شروط الصوم من حيث الفاعل والوقت وكثير من سننه ومكروهاته
"شرط" صحة "الصوم" من حيث الزمن قابلية الوقت ومن حيث الفاعل "الإسلام" فلا يصح صوم كافر بأي كفر كان إجماعا "والعقل".أي التمييز "والنقاء من الحيض والنفاس" إجماعا "جميع النهار" قيد في الأربعة فلو طرأ في لحظة منه ضد واحد منها بطل صومه كما لو ولدت ولم تر دما ويحرم كما في الأنوار على حائض ونفساء الإمساك أي بنية الصوم فلا يجب عليهما تعاطي مفطر وكذا في نحو العيد خلافا لمن أوجبه فيه وذلك اكتفاء بعدم النية "ولا يضر النوم المستغرق" لجميع النهار "على الصحيح" لبقاء أهلية الخطاب فيه وبه فارق المغمى عليه فإن استيقظ لحظة صح إجماعا. "والأظهر أن الإغماء لا يضر إذا أفاق" يعني خلا عنه وإن لم توجد إفاقة منه، كأن طلع الفجر ولا إغماء به وبعد لحظة طرأ الإغماء واستمر إلى الغروب فهذا خلا لا أفاق والحكم واحد كما هو واضح "لحظة من نهاره" اكتفاء بالنية مع الإفاقة في جزء وكالإغماء السكر وقول القفال لو نوى ليلا ثم استغرق سكره اليوم صح؛ لأنه مخاطب؛ إذ لا تلزمه الإعادة بخلاف المغمى عليه ضعيف ووهم من زعم حمل كلامه على غير المتعدي؛ لأنه مصرح بأنه في المتعدي.
تنبيه: وقع هنا عبارات متنافية فيمن شرب دواء ليلا فزال تمييزه نهارا وقد بينتها مع ما فيها في شرح العباب ثم قلت.والحاصل أن شرب الدواء لحاجة أو غيرها والسكر ليلا والإغماء إن استغرقت النهار أثم في السكر والدواء لغير حاجة وبطل الصوم ووجب القضاء في الكل وإن وجد واحد منها في بعض النهار فإن كان متعديا به بطل الصوم وأثم أو غير متعد به فلا إثم ولا بطلان، وقول المتولي وغيره المتداوي كالمجنون معناه أنه مثله في عدم الإثم لا في عدم القضاء؛ لأن المجنون لا صنع له بخلاف المتداوي وفي المجموع زوال العقل بمحرم يوجب القضاء.وإثم الترك وبمرض أو دواء لحاجة كالإغماء فيلزمه قضاء الصوم دون الصلاة ولا يأثم بالترك ا هـ وبه يعلم أن التشبيه في قول الرافعي شرب الدواء للتداوي كالجنون وسفها كالسكر إنما هو في صحة الصوم في الثاني إذا أفاق لحظة وإلا فلا ويلزمه القضاء وعدم صحته في الأول إن وجد في لحظة ولا قضاء ولا إثم وعلى هذا يحمل أيضا حاصل ما في المجموع عن البغوي أن شرب الدواء كالإغماء أي إن كان لحاجة.
"ولا" يجوز ولا "يصح" صوم في رمضان عن غيره وإن أبيح له فطره لنحو سفر؛ لأنه لا يقبل غيره بوجه ولا "صوم العيد" الفطر والأضحى اتفاقا رواه الشيخان "وكذا التشريق"

 

ج /1 ص -518-      ولو للمتمتع "في الجديد" وهي ثلاثة بعد يوم النحر للنهي الصحيح عن صيامها "ولا يحل" أي ولا يجوز "التطوع يوم الشك بلا سبب" لما صح عن عمار رضي الله عنه من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ولا تختص الحرمة به بل يحرم صوم ما بعد نصف شعبان ما لم يصله بما قبله أو يكن لسبب مما يأتي ولو أفطر بعد صومه المتصل بالنصف امتنع عليه الصوم بعده بلا سبب مما يأتي لزوال الاتصال المجوز لصومه. "فلو صامه لم يصح في الأصح" كيوم العيد بجامع التحريم للذات أو لازمها "وله" من غير كراهة "صفة عن القضاء" ولو لنفل كأن شرع في نفل فأفسده "والنذر" كأن نذر صوم يوم كذا فوافق يوم الشك أما نذر صوم يوم الشك فلا ينعقد والكفارة مسارعة لبراءة ذمته ولأن له سببا فجاز كنظيره من الصلاة في الوقت المكروه.ومن ثم يأتي في التحري هنا ما مر ثم "وكذا لو وافق عادة تطوعه" كأن اعتاد سرد الصوم أو صوم نحو الاثنين أو صوم يوم وفطر يوم فوافق يوم الشك يوم صومه لخبر الصحيحين بذلك قال بعضهم وتثبت العادة هنا بمرة.
"وهو" أي يوم الشك الذي يحرم صومه بسببين كونه يوم شك وكونه بعد النصف من شعبان "يوم الثلاثين من شعبان إذا تحدث الناس" أي جمع منهم بحيث يتولد من تحدثهم الشك في الرؤية فيما يظهر وأما قول الروض الذي يتحدث فيه بالرؤية من يظن صدقه فهو مخالف لعبارة أصله وعجيب كون شيخنا لم ينبه على ذلك وهي إذا وقع في الألسن أنه رئي ولم يقل عدل أنا رأيته أو قاله ولم يقبل الواحد أو قاله عدد من النساء أو العبيد أو الفساق وظن صدقهم انتهت فظن الصدق إنما اشترطه في قول غير الأهل لا في التحدث. فالوجه أنه لا يشترط فيه ظن صدق بل تولد شك كما ذكرته "برؤيته" أي بأن الهلال رئي ليلته وإن أطبق الغيم على الأوجه ولم يعلم من رآه "أو شهد" أي أخبر؛ إذ لا يشترط ذكر ذلك عند حاكم ومن ثم عبر أصله بقال "بها صبيان أو عبيد أو فسقة" أو نساء وظن صدقهم أو عدل ورد ويكفي اثنان من كل على ما أخذ من كلام الروضة واشترط العدد هنا بخلاف ما مر في النية احتياطا فيهما فإن فقد ذلك حرم صومه لكونه بعد النصف لا لكونه يوم شك. ومر أول الباب أن من اعتقد صدق من أخبره من هؤلاء لزمه الصوم ويقع عن رمضان وقد جمعوا بين ما أوهمه كلامه من التنافي ثم وفي النية وهنا بأمور كثيرة ذكرتها مع ما فيها في شرح العباب ومن أحسنها ما قدمته في مبحث النية "وليس إطباق الغيم بشك"؛ لأنا تعبدنا فيه بإكمال العدد كما مر.
"ويسن تعجيل الفطر"؛ إذ تيقن الغروب وتقديمه على الصلاة للخبر الصحيح
"لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" ويسن كونه وإن تأخر كما أفادته عبارة أصله "على تمر"، وأفضل منه رطب وجد لما صح "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات فإن لم يكن فعلى تمرات فإن لم يكن حسا حسوات من ماء". وقضيته عدم حصول السنة بالبسر وإن تم صلاحه وبالأولى ما لم يتم صلاحه، ولو قيل بالإلحاق في الأول لم يبعد "وإلا" تيسر له أحدهما أي حال إرادة الفطر فلو تعارض التعجيل على الماء والتأخير على التمر قدم الأول فيما يظهر؛ لأن مصلحة التعجيل فيها حصة تعود على الناس أشير إليها في

 

ج /1 ص -519-      "لا يزال الناس" إلى آخره، ولا كذلك التمر وفي خبر سنده حسن "أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا" "فماء" للخبر الصحيح "إذا كان أحدكم صائما فليفطر على التمر" زاد الشافعي في روايته "فإنه بركة فإن لم يجد التمر فعلى الماء فإنه طهور" وأخذ منه ابن المنذر وغيره وجوب الفطر على التمر، والتثليث الذي أفاده المتن في التمر والخبر في الكل شرط لكمال السنة لا لأصلها كالترتيب المذكور فيحصل أصلها بأي شيء وجد من الثلاثة فيما يظهر، ويظهر أيضا في تمر قويت شبهته وماء خفت أو عدمت شبهته إن الماء أفضل لكن قد يعارضه حكم المجموع بشذوذ قول القاضي الأولى في زماننا الفطر على ماء يأخذه بكفه من النهر ليكون أبعد عن الشبهة ا هـ إلا أن يجاب بأن سبب شذوذ ما بينه غيره أن ماء النهر كالدجلة ليس أبعد عن الشبهة؛ لأن كثيرين من البلاد التي على حافتها يحفرون حفرا لصيد السمك فتمتلئ ماء ثم يسدون عليه فإذا أخذوا السمك منه فتحوا السد فتختلط ماؤهم المملوك بغيره.وهذه شبهة قوية فيه أي ولا ينافيه قولهم الآتي في الإحياء أنه لا يصير شريكا بعوده للنهر اتفاقا؛ لأنا نسلم ذلك ومع ذلك نقول: إنه باق على ملكه وهو ملحظ الشبهة وبفرض أن الشذوذ من غير ذلك الوجه فلعله من حيث إيهامه تقديم الماء مطلقا. وصريح كلامهم كالخبرين ندب التمر قبل الماء حتى بمكة وقول المحب الطبري يسن له الفطر على ماء زمزم ولو جمع بينه وبين التمر فحسن مردود بأن أوله فيه مخالفة للنص المذكور وآخره فيه استدراك زيادة على السنة الواردة وهما ممتنعان إلا بدليل ويرد أيضا بأنه صلى الله عليه وسلم صام بمكة عام الفتح أياما من رمضان ولم ينقل عنه في ذلك ما يخالف عادته المستقرة من تقديم التمر فدل على عمله بها حينئذ وإلا لنقل وحكمته أنه لم تمسه نار مع إزالته لضعف البصر، الحاصل من الصوم لإخراجه فضلات المعدة إن كانت وإلا فتغذيته للأعضاء الرئيسة وقول الأطباء إنه يضعفه أي عند المداومة عليه والشيء قد ينفع قليله ويضر كثيره وصريحهما أيضا أنه لا شيء بعد التمر غير الماء. فقول الروياني إن فقد التمر فحلو آخر ضعيف والأذرعي الزبيب أخو التمر وإنما ذكره لتيسره غالبا بالمدينة، كذلك ويسن السحور كما بأصله لما صح أنه من سنن المرسلين.
تنبيه: أجمعوا على أن الصوم ينقضي ويتم بتمام الغروب وعلى أنه يدخل فيه بالفجر الثاني وما نقل عن بعض السلف أنه بالإسفار أو طلوع الشمس زلة قبيحة على أن المصنف نازع في صحة الثاني عن قائله قال أصحابنا ويجب إمساك جزء من الليل بعد الغروب ليتحقق به استكمال النهار أي فليس بصوم شرعي ويعتبر كل محل بطلوع فجره وغروب شمسه فيما يظهر لنا لا في نفس الأمر قال العلماء في خبر مسلم
"إذا غابت الشمس من هاهنا وأقبل الليل من هاهنا فقد أفطر الصائم" أي حقيقة إنما ذكر هذين ليبين أن غروبها عن العيون لا يكفي؛ لأنها قد تغيب ولا تكون غربت حقيقة فلا بد من إقبال الليل أي دخوله.
"وتأخير السحور"؛ لأن "الأمة لا يزالون بخير ما أخروه" رواه أحمد ويسن كونه بتمر لخبر فيه وهو بضم السين الأكل في السحر وبفتحها اسم للمأكول حينئذ ويحصل أصل سنته ولو بجرعة ماء ويدخل وقته بنصف الليل وحكمته التقوى أو مخالفة أهل الكتاب

 

ج /1 ص -520-      وجهان، والذي يتجه أنها في حق من يتقوى به التقوى وفي حق غيره مخالفتهم وبه يرد قول جمع متقدمين إنما يسن لمن يرجو نفعه ولعلهم لم يروا حديث "تسحروا ولو بجرعة ماء" فإن من الواضح أنه لم يذكر هذه الغاية للنفع بل لبيان أقل مجزئ نفع أولا "ما لم يقع في شك" وإلا كأن تردد في طلوع الفجر فالأولى تركه لخبر "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك".
فرع: يحرم علينا لا عليه صلى الله عليه وسلم الوصال بين صومين شرعيين عمدا مع علم النهي بلا عذر وإن لم ينو به التقرب قال جمع متقدمون وهو أن يستديم جميع أوصاف الصائمين وعليه فيزول بجماع أو نحوه لكن في المجموع أنه لا يمنعه واستظهره الإسنوي وقد يقال إن عللنا بالضعف وهو ما أطبقوا عليه اتجه ما في المجموع فلا يزول إلا بتعاطي ما من شأنه أن يقوي كسمسمة بخلاف نحو الجماع أو بأن فيه صورة إيقاع عبادة في غير محلها أثر أي مفطر لكن كلام الأصحاب كالصريح في الأول.
"وليصن" ندبا من حيث الصوم فلا ينافي وجوبه من جهة أخرى "لسانه عن الكذب والغيبة" حتى المباحين بخلاف الواجبين ككذب لإنقاذ مظلوم وذكر عيب نحو خاطب.وجميع جوارحه عن كل محرم لخبر البخاري
"من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" ونحو الغيبة المحرمة يبطل ثواب صومه كما دلت عليه الأخبار ونص عليه الشافعي والأصحاب وأقرهم في المجموع وبه يرد بحث الأذرعي حصوله وعليه إثم معصيته أي أخذا مما قاله المحققون في الصلاة في المغصوب وقال الأوزاعي يبطل أصل صومه وهو قياس مذهب أحمد في الصلاة في المغصوب وخبر: "خمس يفطرن الصائم الغيبة والنميمة والكذب والقبلة واليمين الفاجرة باطل" كما في المجموع قال الماوردي وبفرض صحته فالمراد بطلان الثواب لا الصوم نفسه قال السبكي ومن هنا حسن عد الاحتراز عنه من أدب الصوم وإن كان واجبا مطلقا ا هـ. وعن نحو الشتم ولو بحق فإن شتمه أحد فليقل ولو في نفل إني صائم لخبر الصحيحين بذلك أي يقوله في نفسه تذكيرا لها وبلسانه حيث لم يظن رياء مرتين أو ثلاثا زجرا لخصمه فإن اقتصر على أحدهما فالأولى بلسانه.
"و" ليصن ندبا أيضا "نفسه عن الشهوات" المباحة من مسموع ومبصر ومشموم كنظر ريحان أو مسه بل قال المتولي بكراهة نظره وجزم غيره بكراهة شم ما يصل ريحه لدماغه أو ملبوس فإن ذلك سر الصوم ومقصوده الأعظم ليتفرغ للعبادة على وجهها الأكمل ظاهرا وباطنا.
"ويستحب أن يغتسل عن الجنابة" والحيض والنفاس "قبل الفجر" لئلا يصل الماء.إلى باطن نحو أذنه أو دبره وقضيته أن وصوله لذلك مفطر وليس عمومه مرادا كما هو ظاهر أخذا مما مر أن سبق ماء نحو المضمضة المشروع أو غسل الفم النجس لا يفطر لعذره فليحمل هذا على مبالغة منهي عنها أو نحوها ويكره له دخول الحمام من غير حاجة؛ لأنه

 

ج /1 ص -521-      قد يضره فيفطر ومن ثم لو اعتاده من غير تأذيه ألبتة لم يكره على ما بحثه الأذرعي.
"و" يسن "أن يحترز عن الحجامة" والفصد لما مر فيهما "و" عن "القبلة" المكروهة لما مر فيها بتفصيلها وأعادها هنا اعتناء بشأنها لكثرة الابتلاء بها "و" عن "ذوق الطعام" وغيره بل يكره خوفا من وصوله إلى حلقه "و" عن "العلك" بفتح العين بل يكره أيضا؛ لأنه يعطش ويفطر على قول أما بكسرها فهو المعلوك وتصح إرادته لكن بتقدير مضغ والكلام في علك لم تنفصل منه عين بأن مضغ قبل ذلك حتى ذهبت رطوبته أو مضغ وفيه عين لكن لم يبتلع من ريقه المخلوط شيئا.
"و" يسن "أن يقول عند فطره" أي عقبه "اللهم لك" قدم إفادة لكمال الإخلاص أي لا لغرض ولا لأحد غيرك "صمت وعلى رزقك" أي الواصل إلي من فضلك لا بحولي وقوتي "أفطرت" للاتباع ولا يضر إرساله؛ لأنه في الفضائل على أنه وصل في رواية وروى أبو داود "ذهب الظمأ" وفي شرح الروض "اللهم ذهب الظمأ" ولم أرها في أبي داود "وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله تعالى" وغيره يا واسع الفضل اغفر لي.
و" يسن أي يتأكد من حيث الصوم وإلا فذلك سنة في كل زمن "أن يكثر الصدقة وتلاوة القرآن في رمضان" لخبر الترمذي وقال غريب: أي الصدقة أفضل قال
"صدقة في رمضان" ولأن الحسنات تضاعف فيه ولخبر الصحيحين "أن جبريل كان يلقى النبي صلى الله عليه وسلم في كل سنة في رمضان حتى ينسلخ فيعرض صلى الله عليه وسلم القرآن عليه" "وأن يعتكف" فيه كثيرا؛ لأنه أقرب لصون النفس وتفرغها للعبادة "لا سيما" بتشديد الياء وقد تخفف ويجوز في الاسم بعدها الجر وهو الأرجح وقسيماه وهي دالة على أن ما بعدها أولى بالحكم مما قبلها."في العشر الأواخر منه" فيتأكد له إكثار الثلاثة المذكورة للاتباع ورجاء مصادفة ليلة القدر؛ إذ هي منحصرة فيه عندنا كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة الكثيرة ومن ثم لو قال لزوجته: أنت طالق ليلة القدر فإن كان قاله أول ليلة إحدى وعشرين أو قبلها طلقت في الليلة الأخيرة من رمضان أو في يوم إحدى وعشرين مثلا لم تطلق إلا في ليلة إحدى وعشرين من السنة الآتية نعم لو رآها في ليلة ثلاث وعشرين مثلا من سنة التعليق فهل يحنث؛ لأن كلامهم طافح بأنها تدرك وتعلم فهو نظير ما مر فيمن انفرد برؤية الهلال بل قياس ذلك أنه لو أخبره من يعتقد صدقه بأنه رآها حنث أو لا؛ لأن علاماتها خفية جدا ومتعارضة فرؤية بعضها أو كلها لا تقتضي الحنث؛ لأنه لا حنث بالشك كل محتمل والأول أقرب إن حصل عنده من العلامات ما يغلب على الظن وجودها وقد أوقعوا الطلاق بنظير ذلك في مسائل تعرف من كلامهم في بابه.

فصل في شروط وجوب الصوم ومرخصاته
"شرط وجوب صوم رمضان العقل والبلوغ" فلا يجب على صبي ومجنون لرفع القلم عنهما ويجب على السكران المتعدي كما علم من كلامه في الصلاة والإسلام ولو فيما مضى بالنسبة للمرتد حتى يلزمه القضاء إذا عاد للإسلام بخلاف الكافر الأصلي نعم يعاقب

 

ج /1 ص -522-      عليه في الآخرة نظير ما مر في الصلاة وأخذ من تكليفه به حرمة إطعام المسلم له في نهار رمضان؛ لأنه إعانة على معصية وفيه نظر.; لأنه ليس مكلفا به بالنسبة للأحكام الدنيوية؛ لأنا نقره على تركه ولا نعامله بقضية كفره إلا أن يجاب بأن معنى إقراره عدم التعرض له لا معاونته كما يعلم مما يأتي في الجزية "وإطاقته حسا وشرعا" فلا يلزم عاجزا بمرض أو كبر إجماعا ولا حائضا أو نفساء؛ لأنهما لا يطيقانه شرعا ووجوب القضاء عليهما إنما هو أمر جديد وقيل وجب عليهما ثم سقط وعليهما ينويان القضاء لا الأداء على الأول خلافا لابن الرفعة؛ لأنه فعل خارج وقته المقدر له شرعا ألا ترى أن من استغرق نومه الوقت ينوي القضاء وإن لم يخاطب بالأداء وبما تقرر علم أن من عبر بوجوبه على نحو حائض ومغمى عليه وسكران مراده وجوب انعقاد سبب ليترتب عليهم القضاء لا وجوب التكليف لعدم صلاحيتهم للخطاب ومر أن المرتد مخاطب به خطاب تكليف لصلاحيته لذلك ومن ألحقه بأولئك فمراده أنه بوصف الردة لا يخاطب به أصالة بل تبعا لمخاطبته بالإسلام عينا المستلزم لذلك فكان خطابه به بمنزلة الخطاب بالصوم لانعقاد السبب من هذه الحيثية ولا يريد الكافر الأصلي؛ لأنه وإن خوطب بالإسلام يكتفى منه ببذل الجزية.فلم يستلزم خطابه بالصوم أصالة ولا تبعا فمن ثم لم يلزمه قضاء؛ إذ لم ينعقد السبب في حقه. "ويؤمر به الصبي" الشامل للأنثى؛ إذ هو للجنس أي يأمره به وليه وجوبا "لسبع إذا أطاق" وميز ويضربه وجوبا على تركه لعشر إذا أطاقه نظير ما مر في الصلاة فيهما والتنظير بأن الضرب عقوبة فيقتصر فيها على محل ورودها يرد بأنا لا نسلم كونه عقوبة وإلا لتقيد بالتكليف والمعصية وإنما القصد مجرد الإصلاح بإلف العبادة لينشأ عليها. "ويباح تركه" أي رمضان ومثله بالأولى كل صوم واجب "للمريض" أي يجب عليه "إذا وجد به ضررا شديدا" بحيث يبيح التيمم للنص والإجماع وإن تعدى بسببه؛ لأنه لا ينسب إليه ثم إن أطبق مرضه فواضح وإلا فإن وجد المرض المعتبر قبيل الفجر لم تلزمه النية وإلا لزمته وإذا نوى وعاد أفطر ولو لزمه الفطر فصام صح؛ لأن معصيته ليست لذات الصوم."و" يباح تركه لنحو حصاد أو بناء لنفسه أو لغيره تبرعا أو بأجرة وإن لم ينحصر الأمر فيه أخذا مما يأتي في المرضعة خاف على المال إن صام وتعذر العمل ليلا أو لم يغنه فيؤدي لتلفه أو نقصه نقصا لا يتغابن به هذا هو الظاهر من كلامهم وسيأتي في إنقاذ المحترم ما يؤيده خلافا لمن أطلق في نحو الحصاد المنع ولمن أطلق الجواز ولو توقف كسبه لنحو قوته المضطر إليه هو أو ممونه على فطره فظاهر أن له الفطر لكن بقدر الضرورة و "للمسافر سفرا طويلا مباحا" للكتاب والسنة والإجماع ويأتي هنا جميع ما مر في القصر فحيث جاز جاز الفطر وحيث لا فلا نعم سيعلم من كلامه أن شرط الفطر في أول أيام سفره أن يفارق ما تشترط مجاوزته للقصر قبل طلوع الفجر وإلا لم يفطر ذلك اليوم ومر أنه إن تضرر بالصوم فالفطر أفضل وإلا فالصوم أفضل ولا يباح الفطر حيث لم يخش مبيح تيمم لمن قصد بسفره محض الترخص كمن سلك الطريق الأبعد للقصر ولا ينافيه قولهم لو حلف ليطأن في نهار رمضان فطريقه أن يسافر؛ لأن السفر هنا ليس لمجرد الترخص بل للتخلص من الحنث ولا لمن صام قضاء لزمه

 

ج /1 ص -523-      الفور فيه قال السبكي بحثا ولا لمن لا يرجو زمنا يقضي فيه لإدامته السفر أبدا وفيه نظر ظاهر فالأوجه خلافه ولو نذر صوم شهر معين كرجب أو قال أصومه من الآن جاز له الفطر بعذر السفر عند القاضي كرمضان بل أولى وخالفه تلميذه البغوي وفرق بأن الشارع جوز له الفطر بعذر السفر وهذا لم يجوزه حيث لم يستثنه والأول أوجه ولا يحتاج لاستثنائه لعلمه مما جوزه الشارع بل بالأولى ثم رأيت الأنوار جزم به من غير عزوه للقاضي وصريح كلام الأذرعي والزركشي امتناع الفطر في سفر النزهة على من نذر صوم الدهر؛ لأنه انسد عليه القضاء بخلاف رمضان. "ولو أصبح صائما فمرض أفطر" لوجوب سبب الفطر قهرا عليه ويشترط في حل الفطر بالعذر قصد الترخص على الأوجه كمحصر يريد التحلل وليتميز الفطر المباح من غيره ورجح الأذرعي مقابله كتحلل الصلاة وفيه نظر ويفرق بأن تحللها واقع مع انقضائها وليس مبطلا لها وما هنا في أثناء العبادة ومبطل لها فتعين إلحاقه بتحلل المحصر وسيأتي في قول المتن في فصل الكفارة وكذا بغيرها أنه صريح في الوجوب "وإن" أصبح صائما ثم "سافر فلا" يفطر تغليبا للحضر؛ لأنه الأصل ولأنه باختياره. "ولو أصبح المريض والمسافر صائمين" بأن نويا ليلا "ثم أرادا الفطر جاز" بلا كراهة لوجود سبب الترخص وإنما امتنع القصر بعد نية الإتمام؛ لأنه يكون تاركا للإتمام الذي التزمه لا إلى بدل وهنا يترك الصوم ببدل هو القضاء قال والد الروياني ولهما ذلك وإن نذرا الإتمام؛ لأن إيجاب الشرع أقوى منه وكما لو نذر مسافر القصر أو الإتمام.فإنه لا يتغير الحكم أي من حيث الإجزاء على ما يعلم مما يأتي في النذر "فلو أقام" المسافر الذي نوى "وشفي" المريض كذلك قبل أن يتناولا مفطرا "حرم الفطر على الصحيح" لانتفاء المبيح "وإذا أفطر المسافر والمريض قضيا" للآية "وكذا الحائض" والنفساء إجماعا وذكرها استيعابا لأقسام من يقضي وإن قدمها في الحيض؛ لأنها من أحكامه فلا تكرار "والمفطر بلا عذر"؛ لأنه أولى بالإيجاب من المعذور ومن ثم لزمته الكفارة العظمى عند كثيرين "وتارك النية" الواجبة ولو سهوا؛ لأنه لم يصم إنما لم يؤثر الأكل ناسيا؛ لأنه منهي عنه والنسيان يؤثر فيه بخلاف النية فإنها مأمور بها والنسيان لا يؤثر فيه ويسن تتابع قضاء رمضان ولا يجب فور في قضائه إلا إن ضاق الوقت أو تعدى بالفطر كما يأتي، "ويجب قضاء ما فات" من رمضان "بالإغماء"؛ لأنه نوع مرض وفارق الصلاة بمشقة تكررها "والردة"؛ لأنه التزم الوجوب بالإسلام "دون الكفر الأصلي" إجماعا وترغيبا في الإسلام "والصبا والجنون" لرفع القلم عنهما نعم لو ارتد ثم جن قضى جميع أيام الجنون أو سكر ثم جن قضى أيام السكر فقط لما مر في الصلاة "ولو بلغ" الصبي "بالنهار" في حال كونه "صائما" بأن نوى ليلا "وجب إتمامه بلا قضاء"؛ لأنه صار من أهل الوجوب ومن ثم لو جامع بعد البلوغ..لزمته الكفارة "ولو بلغ فيه" أي النهار "مفطرا أو أفاق أو أسلم فلا قضاء في الأصح" لعدم تمكنه من زمن يسع الأداء والتكميل عليه لا يمكن فهو كمن أدرك من أول الوقت قدر ركعة ثم جن "ولا يلزمهم" أي هؤلاء الثلاثة "إمساك بقية النهار في الأصح"؛ لأنهم أفطروا لعذر فأشبهوا المسافر والمريض "ويلزم" الإمساك "من تعدى بالفطر" ولو شرعا كأن ارتد عقوبة له "أو نسي النية"

 

ج /1 ص -524-      من الليل؛ لأن نسيانه يشعر بترك الاهتمام بأمر العبادة فهو نوع تقصير وكذا لو ظن بقاء الليل فأكل ثم بان خلافه "لا مسافرا ومريضا" ومثلهما حائض ونفساء ومن أفطر لعطش أو جوع خشي منه مبيح تيمم فنقل بعضهم عن بعض شروح الحاوي أنه يلزمه الإمساك وصوبه ليس في محله؛ لأن كلامهم كما ترى مصرح بخلافه بجامع عدم التعدي بالفطر مع عدم التقصير "زال عذرهما بعد الفطر"؛ لأن زوال العذر بعد الترخص لا أثر له كما لو أقام بعد القصر والوقت باق نعم يسن لحرمة الوقت ويسن لهما أيضا إخفاء الفطر خوف التهمة أو العقوبة ويؤخذ منه أن محله فيمن يخشى عليه ذلك دون من ظهر سفره أو مرضه الزائل بحيث لا يخشى عليه ذلك "ولو زال" عذرهما "قبل أن يأكلا" أي يتناولا مفطرا "ولم ينويا ليلا فكذا" لا يلزمهما إمساك "في المذهب"؛ لأن تارك النية مفطر حقيقة فهو كمن أكل أما إذا نويا ليلا فيلزمهما إتمام صومهما كما مر "والأظهر أنه" أي الإمساك "يلزم من" ترك النية ليلا ومن "أكل يوم الشك" فأولى من لم يأكل وهو هنا يوم ثلاثين شعبان وإن لم يتحدث فيه برؤية كما هو واضح "ثم ثبت كونه من رمضان" لتبين وجوبه عليه وأنه إنما أكل لجهله به وبه فارق.ما مر في المسافر؛ لأنه يباح له الأكل مع العلم بكونه من رمضان وهنا يلزمه القضاء على الفور وإن نازع فيه جمع؛ لأنهم مقصرون بعدم الاطلاع على الهلال مع رؤية غيرهم له فهو كنسبتهم ناسي النية لتقصير حتى يلزمه القضاء بل أولى وما ذكرته من وجوب الفور مع عدم التحدث هو ما دل عليه كلام المجموع وغيره بل تعليل الأصحاب وجوب الفورية بوجوب الإمساك صريح فيه وإنما خالفنا ذلك في ناسي النية؛ لأن عذره أعم وأظهر من نسبته للتقصير فكفى في عقوبته وجوب القضاء عليه فحسب ويثاب مأمور بالإمساك عليه وإن لم يكن في صوم شرعي "وإمساك بقية اليوم من خواص رمضان بخلاف النذر والقضاء" لانتفاء شرف الوقت عنهما ولذا لم تجب في إفسادهما كفارة

فصل في بيان فدية الصوم الواجب وأنها تارة تجامع القضاء وتارة تنفرد عنه
"من فاته شيء من رمضان فمات قبل إمكان القضاء" بأن مات في رمضان أو قبل غروب ثاني العيد أو استمر به نحو حيض أو مرض من قبيل غروبه أيضا.أو سفره المباح من قبل فجره إلى موته "فلا تدارك له" أي لفائت بفدية ولا قضاء لعدم تقصيره "ولا إثم" كما لو لم يتمكن من الحج إلى الموت هذا إن فات بعذر وإلا أثم وتدارك عنه وليه بفدية أو صوم "وإن مات" الحر ومثله القن في الإثم كما هو ظاهر لا التدارك؛ لأنه لا علقة بينه وبين أقاربه حتى ينوبوا عنه نعم لو قيل في حر مات وله قريب رقيق له الصوم عنه لم يبعد؛ لأن الميت أهل للإنابة عنه "بعد التمكن" وقد فات بعذر أو غيره أثم كما أفهمه المتن وصرح به جمع متأخرون وأجروا ذلك في كل عبادة وجب قضاؤها فأخره مع التمكن إلى أن مات قبل الفعل وإن ظن السلامة فيعصي من آخر زمن الإمكان كالحج؛ لأنه لما لم يعلم الآخر كان التأخير له مشروطا بسلامة العاقبة بخلاف المؤقت المعلوم الطرفين لا إثم فيه بالتأخير عن زمن إمكان أدائه. و "لم يصح عنه وليه في الجديد"؛ لأن الصوم عبادة بدنية لا تقبل نيابة

 

ج /1 ص -525-      في الحياة فكذا بعد الموت كالصلاة وخرج بمات من عجز في حياته بمرض أو غيره فإنه لا يصام عنه ما دام حيا "بل يخرج من تركته لكل يوم مد طعام" مما يجزئ فطره لخبر فيه موقوف على ابن عمر رضي الله عنهما وقضية قوله من تركته أنه لا يجوز للأجنبي الإطعام عنه وهو متجه؛ لأنه بدل عن بدني وبه يفرق بينه وبين الحج وكذا يقال في الإطعام في الأنواع الآتية ومر أنه لا يجوز إخراج الفطرة بلا إذن فيأتي ذلك في الكفارة فما هنا كذلك ويؤخذ مما مر في الفطرة أن المراد هنا بالبلد التي يعتبر غالب قوتها المحل الذي هو به عند أول مخاطبته بالقضاء. "وكذا النذر والكفارة" بأنواعها أي صومهما فإذا مات قبل تمكنه من قضائه فلا تدارك ولا إثم إن فات بعذر أو بعده فات بعذر أم لا وجب لكل يوم مد يخرج عنهما والقديم أنه لا يتعين الإطعام فيمن مات مسلما بل يجوز للولي أيضا أن يصوم عنه بل في شرح مسلم أنه يسن للخبر المتفق عليه "من مات وعليه صوم صام عنه وليه" ثم إن خلف تركة وجب أحدهما وإلا ندب وظاهر قول شرح مسلم يسن أنه أفضل من الإطعام وهو بعيد كيف وفي إجزائه الخلاف القوي والإطعام لا خلاف فيه.فالوجه أن الإطعام أفضل منه "قلت القديم هنا أظهر" وقد نص عليه في الجديد أيضا فقال إن ثبت الحديث قلت به وقد ثبت من غير معارض وبه يندفع الاعتراض على المصنف بأنه كان ينبغي له اختياره من جهة الدليل فإن المذهب هو الجديد. وفي الروضة المشهور في المذهب تصحيح الجديد وذهب جماعة من محققي أصحابنا إلى تصحيح القديم وهو الصواب بل ينبغي الجزم به للأحاديث الصحيحة وليس للجديد حجة من السنة والخبر الوارد بالإطعام ضعيف ا هـ وانتصر له جماعة بأنه القياس وبه أفتى أصحابنا فتعين حمل الصيام في الخبر على بدله وهو الإطعام كما سمي في الخبر التراب وضوءا لكونه بدله ويدل له أن عائشة قائلة بالإطعام مع كونها روايته وفيه ما فيه "والولي كل قريب على المختار" لخبر مسلم "صومي عن أمك" لمن قالت له أمي ماتت وعليها صوم نذر".وهو يبطل احتمال أن يراد به ولي المال أو ولي العصوبة ولو كان عليه ثلاثون يوما أو أكثر فصامها أقاربه أي أو مأذونو الميت أو قريبه في يوم واحد أجزأت كما بحثه في المجموع وقاسه غيره على ما لو كان عليه حج إسلام وحج نذر وحج قضاء فاستأجر عنه ثلاثة كلا لواحدة في سنة واحدة "ولو صام أجنبي" على هذا "بإذن" الميت بأن يكون أوصاه به أو بإذن "الولي" ولو سفيها فيما يظهر؛ لأنه أهل للعبادة "صح" ولو بأجرة كالحج "لا" إن صام عنه "مستقلا" فلا يجزئ "في الأصح"؛ لأنه لم يرد وفارق الحج بأن للمال فيه دخلا فأشبه قضاء الدين ولو امتنع الولي من الإذن أو لم يتأهل لنحو صبا لم يأذن الحاكم.على الأوجه بل إن كانت تركة تعين الإطعام وإلا لم يجب شيء.
 "ولو مات وعليه صلاة أو اعتكاف لم يفعل عنه ولا فدية" تجزئ عنه لعدم ورود ذلك "وفي الاعتكاف قول" إنه يفعل عنه كالصوم "والله أعلم" وفي الصلاة أيضا قول: إنها تفعل عنه أوصى بها أم لا حكاه العبادي عن الشافعي وغيره عن إسحاق وعطاء لخبر فيه لكنه معلول بل نقل ابن برهان عن القديم أنه يلزم الولي أي إن خلف تركة أن يصلي عنه

 

ج /1 ص -526-      كالصوم ووجه عليه كثيرون من أصحابنا أنه يطعم عن كل صلاة مدا واختار جمع من محققي المتأخرين الأول وفعل به السبكي عن بعض أقاربه وبما تقرر يعلم أن نقل جمع شافعية وغيرهم الإجماع على المنع المراد به إجماع الأكثر وقد تفعل هي والاعتكاف عن ميت كركعتي الطواف فإنها تفعل عنه تبعا للحج وكما لو نذر أن يعتكف صائما فمات فيعتكف الولي أو ما دونه عنه صائما. "والأظهر وجوب المد" ولا قضاء عن كل يوم من رمضان أو نذر أو قضاء أو كفارة "على من أفطر للكبر" أو المرض الذي لا يرجى برؤه بأن يلحقه بالصوم مشقة شديدة لا تطاق عادة؛ لأن ذلك جاء عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم ولا مخالف لهم وفارق المريض المرجو البرء والمسافر بأنهما يتوقعان زوال عذرهما أما من يقدر على الصوم في زمن لنحو برده أو قصره فهو وكمرجو البرء وخرج بأفطر ما لو تكلف وصام فلا فدية كما في الكفاية عن البندنيجي.واعترضه الإسنوي بأن قياس ما صححوه وهو أنه مخاطب بالفدية ابتداء عدم الاكتفاء بالصوم وقد يجاب بأن محل مخاطبته بها ابتداء ما لم يرد الصوم فحينئذ يكون هو المخاطب به وقضية كلام المتن وغيره وجوبها ولو على فقير فتستقر في ذمته لكنه صحح في المجموع سقوطها عنه كالفطرة؛ لأنه عاجز حال التكليف بها وليست في مقابلة جناية ونحوها فإن قلت ينافيه قولهم حق الله المالي إذا عجز عنه العبد وقت الوجوب ثبت في ذمته وإن لم يكن على جهة البدل إذا كان بسبب منه وهو هنا كذلك؛ إذ سببه فطره قلت كون السبب فطره ممنوع وإلا لزمت الفدية للقادر فعلمنا أن السبب إنما هو عجزه المقتضي لفطره وهو ليس من فعله فاتضح ما في المجموع فتأمله ولو قدر بعد على الصوم لم يلزمه قضاء كما قاله الأكثرون وفارق نظيره الآتي في المعضوب بأنه هنا مخاطب بالفدية ابتداء فأجزأت عنه.وثم المعضوب مخاطب بالحج وإنما جازت له الإنابة للضرورة وقد بان عدمها.
"وأما الحامل والمرضع" غير المتحيرة وليستا في سفر ولا مرض "فإن أفطرتا خوفا على نفسهما" أن يحصل لهما من الصوم مبيح تيمم "وجب القضاء بلا فدية" كالمريض المرجو البرء وإن انضم لذلك الخوف على الولد؛ لأنه وقع تبعا ولأنه إذا اجتمع المانع وهو الخوف على النفس ألا ترى أن من أفطر خوف الهلاك على نفسه بغير ذلك ينتفي عنه المد والمقتضي وهو الخوف على الولد غلب المانع "أو" خافتا "على الولد" وحده أن تجهض أو يقل اللبن فيتضرر بمبيح تيمم ولو من تبرعت بإرضاعه أو استؤجرت له وإن لم تتعين بأن تعددت المراضع كما صرح به في المجموع "لزمتهما الفدية في الأظهر" لقول ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى:
{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة:184] أنها منسوخة إلا في حقهما وفي نسخ لزمتهما القضاء وكذا الفدية في الأظهر. قال الأذرعي وأحسبه من إصلاح ابن جعوان والفدية هنا على الأجيرة وفارقت كون دم التمتع على المستأجر بأن فعل تلك من تتمة إيصال المنفعة الواجب عليها وفعل هذا من تمام الحج الواجب على المستأجر وأيضا فالعبادة هنا وقعت لها وثم وقعت له أما المرضعة المتحيرة فلا فدية عليها للشك وكذا إن كانتا في سفر أو مرض وترخصتا لأجله أو أطلقتا بخلاف ما إذا

 

ج /1 ص -527-      ترخصتا للرضيع والحمل "والأصح أنه يلحق بالمرضع" فيما ذكر فيها من التفصيل "من" أفاد قوله يلحق أن المنقذة المتحيرة أو المسافرة أو المريضة فيهن هنا ما مر ثم "أفطر لإنقاذ" آدمي محترم حر أو قن له أو لغيره "مشرف على هلاك" بغرق أو غيره ولم يتمكن من تخليصه إلا بالفطر بجامع أن في كل إفطارا بسبب الغير.
تنبيه: ما ذكرته من أن الآدمي بأقسامه المذكورة يجري فيه تفصيل المرضع هو ما يصرح به إطلاق القفال في الآدمي المحترم وجوب الفدية؛ لأنه يرفق بالفطر لأجله شخصان وإطلاق القاضي وجوبها في كل فطر مأذون فيه لأجل الغير والأنوار وجوبها في الحيوان والمجموع وجوبها في المشرف على الهلاك ولا ينافي هذه الإطلاقات ما أفاده المتن أن هذا يجري فيه التفصيل السابق فيما ألحق به؛ لأن مراد المطلقين الوجوب هنا الوجوب في بعض أحوال الملحق به كما هو واضح من نص المتن على جريان ذلك التفصيل هنا وخرج بالآدمي بأقسامه الحيوان المحترم والمال المحترم الذي لا روح فيه والذي أفاده قول القفال لو أفطر لتخليص ماله لم تلزمه فدية؛ لأنه لم يرتفق به إلا شخص واحد أن كلا منهما إن كان له فلا فدية أو لغيره فالفدية وكلام القاضي يفهم هذا أيضا وهو متجه في الجماد؛ لأنه لما لم يتصور فيه نفسه ارتفاق تأتى الفرق فيه بين ما للمنقذ فلا فدية لما ذكره وما لغيره ففيه الفدية؛ لأنه ارتفق به شخصان المالك والمنقذ. وأما الحيوان فالذي يتجه فيه أنه لا فرق بين ما له ولغيره؛ لأنه في الأول ارتفق به اثنان المنقذ والمنقذ وفي الثاني ارتفق به ثلاثة هما ومالك المنقذ وأما إطلاق المجموع لزوم الفدية مع تعبيره بالمشرف الأعم من الحيوان والجماد له أو لغيره فهو وإن وافق إطلاق المتن بعيد المدرك وكأن شيخنا في شرح المنهج رأى بعد هذا المدرك فخص الوجوب بالآدمي وقد علمت أن صريح كلام القاضي ومفهوم كلام القفال ينازع الشيخ في تعميمه بطريق المفهوم أنه لا فدية في غير الآدمي من حيوان وجماد له أو لغيره ومما ينازعه أيضا إطلاق الأنوار وجوبها في الحيوان وعدم وجوبها في غيره، وإطلاق الأول موافق لما رجحته وكذا الثاني إلا في مال الغير والأوجه ما ذكرته فيه كما تقرر وكأن اختلاف هذه العبارات هو سبب اختلاف نسخ شرح الروض وقد علمت المعتمد مما قررته فاستفده وأخذ بعضهم من ذاك أن لمن معه نقد خشي عليه أن يبتلعه وأنه لو ابتلعه ليلا فخرج منه أي من فيه نهارا لم يفطر ولا يلحق إدخاله المؤدي إلى خروجه بالاستقاءة والفطر المتوقف عليه التخليص للحيوان المحترم واجب كما أطلقوه وتقييد بعضهم له بما إذا تعين عليه يرده ما تقرر في المرضعة الغير متعينة ورده السبكي بأنه يؤدي إلى التواكل.
"لا المتعدي بفطر رمضان بغير جماع" فإنه لا يلحق بالمرضع في وجوب الفدية في الأصح؛ لأنه لم يرد مع أن الفدية لحكمة استأثر الله تعالى بها ومن ثم لم تجب في الردة في رمضان مع أنها أفحش من الوطء نعم يعزر تعزيرا شديدا لائقا بعظيم جرمه وتهوره فإن قلت لم جبر تعمد ترك البعض بسجود السهو كما مر والقتل العمد بالكفارة مع أن ذلك لم يرد أيضا قلت أما الأول فلأن المجبور به من جنس المتروك والصلاة قد عهد

 

ج /1 ص -528-      فيها التدارك بنحو ذلك بخلاف الفدية هنا فإنها أجنبية بكل وجه فقصرت على الوارد فقط وأما الثاني فلأنه حق آدمي وهو يحتاط في التغليظ فيه أكثر ومن ثم لم تجب في الردة مع أنها أغلظ منه. "ومن أخر قضاء رمضان.مع إمكانه" بأن خلا عن السفر والمرض قدر ما عليه بعد يوم عيد الفطر في غير يوم النحر وأيام التشريق "حتى دخل رمضان آخر لزمه مع القضاء لكل يوم مد"؛ لأن ستة من الصحابة رضي الله عنهم أفتوا بذلك ولا يعرف لهم مخالف أما إذا لم يخل كذلك فلا فدية؛ لأن تأخير الأداء بذلك جائز فالقضاء أولى نعم نقلا عن البغوي وأقراه أن ما تعدى بفطره يحرم تأخيره بعذر السفر وإذا حرم كان بغير عذر فتجب الفدية وخالف جمع فقالوا لا فرق بين المتعدى به وغيره نعم قال الأذرعي لو أخره لنسيان أو جهل فلا فدية كما أفهمه كلامهم ومراده الجهل بحرمة التأخير وإن كان مخالطا للعلماء لخفاء ذلك لا بالفدية فلا يعذر بجهله بها نظير ما مر فيما لو علم حرمة نحو التنحنح وجهل البطلان وأفهم المتن أنها هنا للتأخير وفي الكبر لأصل الصوم والحامل والمرضع لفضيلة الوقت "والأصح تكرره".أي المد عن كل يوم "بتكرر السنين"؛ لأن الحقوق المالية لا تتداخل ولو أخرجها عقب كل عام تكررت قطعا "و" الأصح "أنه لو أخر القضاء مع إمكانه" حتى دخل رمضان آخر "فمات أخرج من تركته لكل يوم مدان مد للفوات" إن لم يصم عنه أو على الجديد "ومد للتأخير"؛ لأن كلا منهما موجب عند الانفراد فكذا عند الاجتماع ويفرق بينه وبين الهم إذا لم يخرج الفدية أعواما فإنها لا تتكرر بأن المد فيه للفوات كما مر وهو لم يتكرر وهنا للتأخير وهو غير الفوات هذا إن أخر سنة فقط وإلا تكرر مد التأخير كما مر "ومصرف الفدية الفقراء والمساكين" دون بقية الأصناف لقوله تعالى: {طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:184] وهو شامل للفقير أو الفقير أسوأ حالا منه فيكون أولى "وله صرف أمداد إلى شخص واحد" بخلاف مد واحد لشخصين ومد وبعض مد آخر لواحد فلا يجوز؛ لأن كل مد فدية تامة وقد أوجب تعالى صرف الفدية لواحد فلا ينقص عنها وإنما جاز صرف فديتين إليه كصرف زكاتين إليه ويجوز بل يجب صرف صاع الفطرة إلى اثنين وعشرين ثلاثة من كل صنف والعامل؛ لأنه زكاة مستقلة وهي بالنص يجب صرفها لهؤلاء؛ لأن تعلق الأطماع بها أشد وإنما جاز صرف جزاء الصيد لمتعددين؛ لأنه قد يجب التعدد فيها ابتداء بأن أتلف جمع صيدا وأيضا فهو مخير وهو يتسامح فيه ما لا يتسامح في المرتب وأيضا فآيته فيها جمع المساكين كآية الزكاة بخلاف الآية هنا "وجنسها جنس الفطرة" فيأتي فيها ما مر ثم قال القفال ويعتبر فضلها عما يعتبر ثم.

فصل في بيان كفارة جماع رمضان
"تجب" على واطئ بشبهة أو نكاح أو زنا "الكفارة بإفساد" أو منع انعقاد "صوم يوم من رمضان" على نفسه "بجماع" تام في قبل أو دبر ولو لبهيمة ولو مع وجود خرقة لفها على ذكره "أثم به بسبب الصوم" المذكور وهو صوم رمضان ولا شبهة له لخبر البخاري بذلك

 

ج /1 ص -529-      "ولا كفارة على" من فقد فيه شرط من ذلك نحو "ناس" ومكره وجاهل عذر لانتفاء الإفساد بل لا كفارة وإن قلنا بالإفساد لانتفاء إثمه به "ولا" على "مفسد" صوم "غير رمضان" من نذر أو قضاء أو كفارة؛ لأن النص ورد في رمضان وهو لاختصاصه بفضائل لا يقاس به غيره ولا على مفسد صوم غيره كمسافر جامع حليلته فأفسد صومها "أو" مفسد صوم نفسه لكن "بغير جماع"؛ لأن الجماع أغلظ فلم يلحق به غيره ولا على مفسد صومه بجماع غير تام وهو المرأة.; لأنها تفطر بدخول رأس الذكر قبل تمام الحشفة كذا قيد بالتمام احترازا عن هذه لكنه يوهم أنها لو جومعت وهي نائمة أو مكرهة أو ناسية ثم زال نحو النوم بعد تمام دخول الحشفة وإدامته اختيارا له يلزمها كفارة؛ لأن صومها فسد بجماع تام لكن المنقول خلافه لنقص صومها بتعرضه كثيرا للفساد بنحو الحيض فلم يقو على إيجاب كفارة وحينئذ فلا يحتاج لهذا القيد ومن ثم حذفاه هنا وإن ذكراه في الروضة وأصلها. نعم قد يحتاج إليه بالنسبة للموطوء في دبره فإن الذي يظهر أنه لو أولج فيه نائما مثلا ثم استيقظ وأدام لزمته الكفارة لصدق الضابط به كما أشار إليه الأذرعي وإن قيل فيه بحث؛ إذ قضية تعليلهم بنقص صوم المرأة أن الرجل ليس مثلها في ذلك فقول ابن الرفعة إنه مثلها يحمل على أنه مثلها في بطلان صومهما قبل مجاوزة الحشفة إذا كانا عالمين مختارين "ولا" على من لم يأثم بجماعه نحو "مسافر" أو مريض صائم "جامع بنية الترخص"؛ لأنه يحل له ذلك "وكذا" من أثم به لكن لا من جهة الصوم كأن جامع نحو المسافر "بغيرها" أي مع عدم نية الترخص "في الأصح"؛ لأنه وإن أثم بعدم نية الترخص لكن الإفطار مباح له فصار شبهة في درء الكفارة وبما قررته يندفع قول شارح قبل هذا محترز قوله أثم به وفيه نظر فإنه آثم إذا لم ينو الترخص فترد هذه على الضابط نعم يصح أن يحترز به عن جماع الصبي ا هـ.ووجه اندفاعه أن ما قبل كذا محترز أثم به وما بعدها محترز بسبب الصوم ومن محترز أثم به قوله أيضا "ولا على من ظن الليل" أي بقاءه فجامع "فبان نهارا" وكذا إن لم يظن شيئا لما مر أنه يجوز الأكل مع الشك آخر الليل بل لا كفارة هنا وإن أثم كأن ظن الغروب بلا أمارة أو شك فيه فجامع فبان نهارا؛ لأنه لم يقصد الهتك والكفارة تدرأ بالشبهة كالحد فلا نظر لإثمه لما مر أنه لا يجوز الفطر آخر النهار إلا باجتهاد وكذا لا كفارة كما ذكره شارح لكن نظر غيره فيه لو شك أنوى أم لا فجامع ثم بان أنه نوى وإن فسد صومه وأثم بالجماع وهاتان قد تردان على الضابط؛ لأن الإثم فيهما من جهة الصوم فإن زيد فيه ولا شبهة كما قدمته لم تردا ولا على من نوى يوم الشك قضاء مثلا ثم جامع ثم ثبت أنه من رمضان وإن صدق عليه الضابط لولا ما بينت به مراد المتن بقولي المذكور؛ لأنه هنا لم يأثم من حيث كونه من رمضان لجهله به حال الوطء بل من حيث غيره وهو نحو القضاء في ظنه. وما قيل إن هذه تخرج لو قال عن رمضان؛ لأنه منه لا عنه غير صحيح؛ إذ القضاء عنه لا منه مع أنه لا كفارة فيه نعم تخرج بإفساد صوم يوم من رمضان؛ لأنه إذا ثبت كونه من رمضان بان أنه ليس في صوم أصلا لما مر أنه لا يقبل غيره ومر وجوب الكفارة فيما لو طلع الفجر وهو مجامع فعلم واستدام مع أنه لم يفسد تنزيلا لمنع الانعقاد منزلة الإفساد "ولا على من جامع بعد

 

ج /1 ص -530-      الأكل ناسيا" للصوم متعلق بالأكل "وظن أنه أفطر به" لاعتقاده أنه غير صائم "وإن كان الأصح بطلان صومه" بهذا الجماع كما لو جامع ظانا بقاء الليل فبان خلافه أما إذا لم يظن ذلك فعليه الكفارة؛ إذ لا عذر له بوجه وهذا إن علم وجوب الإمساك بعد الفطر خارج بسبب الصوم وإلا فيأثم به "ولا" على "من زنى ناسيا" للصوم؛ لأنه لم يأثم بسبب الصوم وصرح بهذا مع علمه من قوله السابق على ناس; لأنه مما يخفى ويصح كما قالاه أن يكون هذا مفرعا على الضعيف أن الناسي يفسد صومه وحينئذ لا تكرار فيه بوجه. "ولا مسافر أفطر بالزنا مترخصا"؛ لأن فطره جائز له وإثمه للزنا لا للصوم فذكر الترخص لذلك وإلا فهو لا كفارة عليه وإن لم ينو الترخص نظير ما مر في قوله وكذا بغيرها.
"والكفارة على الزوج عنه" دونها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر بها زوجة المجامع مع مشاركتها له في السبب ولأن صومها ناقص كما مر "وفي قول" تلزمه كفارة واحدة لكنها تكون "عنه وعنها" لمشاركتها له في السبب ولهذا القول تفريع وتقييد ليس من غرضنا ذكره "وفي قول عليها كفارة أخرى" قياسا على الرجل "وتلزم" الكفارة "من انفرد برؤية الهلال وجامع في يومه"، لصدق الضابط عليه باعتبار ما عنده ويلحق به فيما يظهر من أخبره من اعتقد صدقه لما مر أنه يلزمه الصوم كالرائي "ومن جامع في يومين لزمه كفارتان"؛ لأن كل يوم عبادة مستقلة كحجتين أو حجات جامع في كل؛ أما جماع ثان أو أكثر في يوم واحد فلا شيء فيه وإن اختلفت الموطوآت؛ لأن الإفساد لم يتكرر "وحدوث السفر" والردة "بعد الجماع لا يسقط الكفارة"؛ لأنه كان من أهل الوجوب حال الجماع "وكذا المرض" أي حدوثه بعده لا يسقطها "على المذهب" لذلك فتحقق منهما هتك الحرمة بخلاف حدوث الجنون والموت؛ لأنه يتبين بهما زوال أهلية الوجوب من أول اليوم.فلم يكن من أهل الوجوب حالة الجماع "ويجب معها" أي الكفارة "قضاء يوم" أو أيام "الإفساد على الصحيح"؛ لأنه إذا لزم المعذور فغيره أولى وروى أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم أمر بها المجامع "وهي" أي الكفارة "عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا" كما في الخبر السابق وسيأتي بيان هذه الثلاثة وشروطها وصفاتها في باب الكفارة "فلو عجز عن الجميع استقرت" مرتبة "في ذمته في الأظهر"؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمر الأعرابي أن يكفر بما دفعه إليه مع إخباره له بعجزه فدل على ثبوتها في الذمة حينئذ وعدم ذكره له إما لفهمه من كلامه كما تقرر أو؛ لأن تأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز "فإذا قدر على خصلة فعلها" فورا وجوبا؛ لأن كل كفارة تعدى بسببها يجب الفور فيها "والأصح أن له العدول عن الصوم" إلى الإطعام "لشدة الغلمة" أي الحاجة إلى الوطء لئلا يقع فيه أثناء الصوم فيحتاج لاستئنافه وهو حرج شديد وورد أنه صلى الله عليه وسلم لما أمر المكفر بالصوم قال يا رسول الله وهل أتيت إلا من الصوم فأمره بالإطعام"، "و" الأصح "أنه لا يجوز للفقير" المكفر "صرف كفارته إلى عياله" كالزكاة وقوله صلى الله عليه وسلم للمجامع: بعد أن أخبره بعجزه فجاز له قدر الكفارة فأعطاه له فقال يا رسول الله ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا "أطعمه أهلك" يحتمل أنه تصدق به عليه أو ملكه إياه ليكفر به فلما أخبره بفقره أذن له في صرفه لأهله إعلاما بأن الكفارة إنما تجب

 

ج /1 ص -531-      بالفاضل عن الكفاية أو أنه تطوع بالتكفير عنه وسوغ له صرفها لأهله إعلاما بأن المكفر المتطوع يجوز له صرفها لممون المكفر عنه وبهذا أخذ أصحابنا فقالوا يجوز للمتطوع بالتكفير عن الغير صرف لممون المكفر عنه واحترز عنه المتن بقوله كفارته إلى عياله.

باب صوم التطوع
وهو ما لم يفرض وللصوم من الفضائل والمثوبة ما لا يحصيه إلا الله تعالى ومن ثم أضافه تعالى إليه دون غيره من العبادات فقال "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" وأيضا فهو مع كونه من أعظم قواعد الإسلام بل أعظمها عند جماعة لا يمكن أن يطلع عليه من غير إخبار غير الله تعالى وما قيل إن التبعات لا تتعلق به يرده خبر مسلم أنه يؤخذ مع جملة الأعمال فيها وبقي فيه سبعة وأربعون قولا لا تخلو عن خفاء وتعسف نعم قيل إن التضعيف في الصوم وغيره لا يؤخذ؛ لأنه محض فضل الله تعالى وإنما الذي يؤخذ الأصل وهو الحسنة الأولى لا غير وإنما يتجه إن صح ذلك عن الصادق وإلا وجب الأخذ بعموم ما أخبر به من أخذ حسنات الظالم حتى إذا لم تبق له حسنة وضع عليه من سيئات المظلوم فإذا وضع عليه سيئاته فأولى أخذ جميع حسناته الأصل وغيره؛ لأن الكل صار له ومحض الفضل جار في الأصل أيضا كما هو معتقد أهل السنة.
"يسن صوم الاثنين والخميس" للخبر الحسن: أنه صلى الله عليه وسلم كان يتحرى صومهما ويقول:
"إنهما تعرض فيهما الأعمال فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم" أي تعرض على الله تعالى وكذا تعرض في ليلة نصف شعبان وفي ليلة القدر فالأول عرض إجمالي باعتبار الأسبوع.والثاني باعتبار السنة وكذا الثالث وفائدة تكرير ذلك إظهار شرف العاملين بين الملائكة وأما عرضها تفصيلا فهو رفع الملائكة لها بالليل مرة وبالنهار مرة وعد الحليمي اعتياد صومهما مكروها شاذ وتسميتهما بذلك يقتضي أن أول الأسبوع الأحد ونقله ابن عطية عن الأكثرين وناقضه السهيلي فنقل عن العلماء إلا ابن جرير أن أوله السبت وسيأتي بسط ذلك في النذر "و" يسن بل يتأكد صوم تسع الحجة للخبر الصحيح فيها المقتضي لأفضليتها على عشر رمضان الأخير ولذا قيل به لكنه غير صحيح؛ لأن المراد أفضليتها على ما عدا رمضان لصحة الخبر بأنه سيد الشهور مع ما تميز به من فضائل أخرى وأيضا فاختيار الفرض لهذه والنفل لتلك أدل دليل على تميز هذه. فزعم أن هذه أفضل من حيث الليالي؛ لأن فيها ليلة القدر وتلك أفضل من حيث الأيام؛ لأن فيها يوم عرفة غير صحيح وإن أطنب قائله في الاستدلال له؛ لأنه بما لا مقنع فيه فضلا عن صراحته وآكدها تاسعها وهو يوم "عرفة" لغير حاج ومسافر؛ لأنه "يكفر السنة التي هو فيها والتي بعدها" كما في خبر مسلم وآخر الأولى سلخ الحجة وأول الثانية أول المحرم الذي يلي ذلك حملا لخطاب الشارع على عرفة في السنة وهو ما ذكر والمكفر الصغائر الواقعة في السنتين فإن لم تكن له صغائر رفعت درجته أو وقي اقترافها أو استكثارها وقول مجلي تخصيص الصغائر تحكم

 

ج /1 ص -532-      مردود وإن سبقه إلى نحوه ابن المنذر بأنه إجماع أهل السنة وكذا يقال فيما ورد في الحج وغيره لذلك المستند لتصريح الأحاديث.بذلك في كثير من الأعمال المكفرة بأنه يشترط في تكفيرها اجتناب الكبائر وحديث تكفير الحج للتبعات ضعيف عند الحفاظ بل أشار بعضهم إلى شدة ضعفه أما الحاج فيسن له فطره وإن لم يضعفه الصوم عن الدعاء تأسيا به صلى الله عليه وسلم فإنه وقف مفطرا وتقويا على الدعاء فصومه خلاف الأولى. وقيل مكروه وجرى عليه في نكت التنبيه وهو متجه لصحة النهي عنه نعم يسن صومه لمن أخر وقوفه إلى الليل أي ولم يكن مسافرا لنص الإملاء على أنه يسن فطره للمسافر ومثله المريض لمن محله إن أجهده الصوم أي أتعبه وإن لم يتضرر به قاله الأذرعي وهو أولى من حمل الزركشي له على من يضعفه الصوم ويسن صوم ثامن الحجة احتياطا له "وعاشوراء" بالمد وهو عاشر المحرم وشذ من قال إنه تاسعه؛ لأنه يكفر السنة الماضية رواه مسلم ولكون أجرنا ضعف أجر أهل الكتاب كان ثواب ما خصصنا به وهو عرفة ضعف ما شاركناهم فيه وهو هذا "وتاسوعاء" بالمد وهو تاسعه لخبر مسلم "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع" فمات قبله والحكمة فيه مخالفة اليهود ويسن صوم الحادي عشر أيضا "وأيام" الليالي "البيض" وهي الثالث عشر وتالياه لصحة الأمر بصومها والاحتياط صوم الثاني عشر معها نعم الأوجه خلافا للجلال البلقيني أنه في الحجة يصوم السادس عشر أو يوما بعده بدل الثالث عشر وحكمة كونها ثلاثة أن الحسنة عشر أمثالها فصومها كصوم الشهر كله ولذلك حصل أصل السنة بصوم ثلاثة من أي أيام الشهر وخصت هذه لتعميم لياليها بالنور المناسب للعبادة والشكر على ذلك ويتعسر تعميم اليوم بعبادة غير الصوم ويسن صوم أيام السود خوفا ورهبة من ظلمة الذنوب وهي السابع أو الثامن والعشرون وتالياه فإن بدأ بالثامن ونقص الشهر صام أول تاليه لاستغراق الظالمة لليلته أيضا وحينئذ يقع صومه عن كونه أول الشهر أيضا فإنه يسن صوم ثلاثة أول كل شهر.
تنبيه: من الواضح أن من قال أولها السابع ينبغي أن يقوم إذا تم الشهر يسن صوم الآخر خروجا من خلاف الثاني ومن قال الثامن يسن صوم السابع احتياطا فنتج سن صوم الأربعة الأخيرة إذا تم الشهر عليهما.
"وستة" في نسخة ست بلا تاء كما في الحديث وعليها فسوغ حذفها حذف المعدود "من شوال"؛ لأنها مع صيام رمضان أي جميعه وإلا لم يحصل الفضل الآتي وإن أفطر لعذر كصيام الدهر رواه مسلم أي لأن الحسنة بعشر أمثالها كما جاء مفسرا في رواية الرملي سندها حسن ولفظها صيام رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام أي من شوال بشهرين فذلك صيام السنة أي مثل صيامها بلا مضاعفة نظير ما قالوه في خبر "
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] تعدل ثلث القرآن" وأشباهه، والمراد ثواب الفرض وإلا لم يكن لخصوصية ستة شوال معنى؛ إذ من صام مع رمضان ستة.غيرها يحصل له ثواب الدهر لما تقرر فلا تتميز تلك إلا بذلك وحاصله أن من صامها مع رمضان كل سنة تكون كصيام الدهر فرضا بلا مضاعفة ومن صام ستة غيرها كذلك تكون كصيامه نفلا بلا مضاعفة كما أن يصوم ثلاثة

 

ج /1 ص -533-      من كل شهر تحصله أيضا وقضية المتن ندبها حتى لمن أفطر رمضان وهو كذلك إلا فيمن تعدى بفطره؛ لأنه يلزمه القضاء فورا بل قال جمع متقدمون يكره لمن عليه قضاء رمضان أي من غير تعد تطوع بصوم ولو فاته رمضان فصام عنه شوالا سن له صوم ست من القعدة؛ لأن من فاته صوم راتب يسن له قضاؤه ومر في مبحث النية عن المجموع وغيره في اشتراط التعيين في هذه الرواتب ما ينبغي مراجعته "وتتابعها" عقب العيد "أفضل" مبادرة للعبادة وإيهام العامة وجوبها ممنوع على أنه لا يؤثر؛ إذ اعتقاد الوجوب بالندب لا يفسده بل يؤكده.
"ويكره إفراد الجمعة" بالصوم لخبر الصحيحين بالنهي عنه "إلا أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده" وعلته الضعف به عما يتميز به من العبادات الكثيرة الفاضلة مع كونه يوم عيد وللنظر إلى الضعف فقط قال جمع ونقل عن النص أنه لا يكره لمن لا يضعف به عن شيء من وظائفه لكن يرده ما مر من ندب فطر عرفة ولو لمن لم يضعف به ويوجه بأن من شأن الصوم الضعف وإنما زالت الكراهة بضم غيره إليه كما صح به الخبر وبصومه إذا وافق عادة أو نذرا أو قضاء كما صح به الخبر في العادة هنا وفي الفرض في السبت؛ لأن صوم المضموم إليه وفضل ما يقع فيه يجبر ما فات منه ولو أراد اعتكافه سن صومه على أحد احتمالين حكاهما المصنف خروجا من خلاف من أبطل اعتكاف المفطر وقول الأذرعي يكره تخصيصه بالاعتكاف كالصوم وصلاة ليلته بتسليمه لا يرد؛ لأن كلا منا في غير التخصيص "وإفراد السبت" بغير ما ذكر في الجمعة للخبر المذكور وعلته أن الصوم إمساك وتخصيصه بالإمساك أي عن الاشتغال والكسب من عادة اليهود أو تعظيم فيشبه تعظيم اليهود له ولو بالفطر. ومن ثم كره له إفراد الأحد إلا لسبب أيضا؛ لأن النصارى تعظمه بخلاف ما لو جمعهما؛ لأن أحدا لم يقل بتعظيم المجموع ومن ثم روى النسائي أنه صلى الله عليه وسلم كان أكثر ما يصوم من الأيام يوم السبت والأحد وكان يقول:
"إنهما يوما عيد للمشركين، فأحب أن أخالفهم". قيل ولا نظير لهذا في أنه إذا ضم مكروه لمكروه آخر تزول الكراهة وفي البحر لا يكره إفراد عيد من أعياد أهل الملل بالصوم كالنيروز ا هـ وكان الفرق أن هذه لم تشتهر فلا يتوهم فيها تشبه. "وصوم الدهر غير العيد والتشريق مكروه لمن خاف به ضررا أو فوت حق" ولو مندوبا كما رجحه الإسنوي أخذا من كراهة قيام كل الليل لهذا المعنى وذلك لخبر الصحيحين "لا صام من صام الأبد" "ومستحب لغيره" لخبرها "من صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا" وصح "من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا" وعقد تسعين أي عنه "فلم يدخلها" أو لا يكون له فيها محل والخبر الأول محمول على الحالة الأولى وصوم يوم وفطر يوم أفضل منه لخبرهما "أفضل الصيام صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما" وظاهر كلامهم أن من فعله فوافق فطره يوما يسن صومه كالاثنين والخميس والبيض يكون فطره فيه أفضل ليتم له صوم يوم وفطر يوم لكن بحث بعضهم أن صومه له أفضل "ومن تلبس بصوم تطوع أو صلاته" أو غيرهما من التطوعات إلا النسك.وذكر العلم غيرهما منهما بالأولى "فله قطعهما" للخبر الصحيح:

 

ج /1 ص -534-      "الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر" وقيس به الصلاة وغيرها فقوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد:33] محله في الفرض ثم إن قطع لغير عذر كره وإلا كأن شق على الضيف أو المضيف صومه لم يكره بل يسن ويثاب على ما مضى ككل قطع لفرض أو نفل بعذر "ولا قضاء" لما قطعه أي لا يلزمه وإلا لحرم الخروج نعم يسن خروجا من خلاف من أوجبه وروى أبو داود أن أم هانئ كانت صائمة صوم تطوع فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم بين أن تفطر بلا قضاء وبين أن تتم صومها.
"ومن تلبس بقضاء لواجب حرم عليه قطعه إن كان على الفور وهو صوم من تعدى بالفطر" أو أفطر يوم الشك كما مر فلا يجوز له التأخير ولو بعذر كسفر تداركا لورطة الإثم أو التقصير الذي ارتكبه "وكذا إن لم يكن على الفور في الأصح بأن لم يكن تعدى بالفطر"؛ لأنه قد تلبس بالفرض كمن شرع في أداء فرض أول وقته نعم مر أنه متى ضاق الوقت بأن لم يبق من شعبان إلا ما يسع الفرض وجب الفور وإن فات بعذر وإنما لم يجر هنا نظير وجه في الصلاة أنه يجب الفور في قضائها مطلقا؛ لأن قضاء الصوم ينتهي إلى حالة يتضيق فيها ويجب فعله فيها فورا كما تقرر فصار مؤقتا كالأداء بخلاف قضاء الصلاة فإنه لا أمد له وأيضا الصلاة لا يسقط فعلها أداء بعذر نحو مرض وسفر بخلاف الصوم فضيق في قضائها ما لم يضيق في قضائه وكالقضاء في حرمة القطع كل فرض عيني يبطله القطع أو يفوت وجوبه الفوري بخلاف نحو قراءة الفاتحة في الصلاة وكذا فرض كفاية هو جهاد أو نسك أو صلاة جنازة وحرم جمع.قطعه مطلقا إلا الاشتغال بالعلم؛ لأن كل مسألة مستقلة برأسها وصلاة الجماعة؛ لأنها وقعت صفة تابعة وهو ضعيف وإن أطال التاج السبكي في الانتصار له وإلا لزم حرمة قطع الحرف والصنائع ولا قائل به ويحرم على الزوجة أن تصوم تطوعا أو قضاء موسعا وزوجها حاضر إلا بإذنه أو علم رضاه كما يأتي.