تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج /1 ص -535-      كتاب الاعتكاف
هو لغة لزوم الشيء ولو شرا وشرعا مكث مخصوص على وجه يأتي والأصل فيه الكتاب والسنة وإجماع الأمة وهو من الشرائع القديمة وأركانه أربعة معتكف ومعتكف فيه ولبث ونية.
"هو مستحب كل وقت" إجماعا "و" هو "في العشر الأواخر من رمضان أفضل" منه في غيرها ولو بقية رمضان؛ لأنه صلى الله عليه وسلم داوم عليه إلى وفاته قالوا وحكمته أنه "لطلب ليلة القدر" أي الحكم والفضل أو الشرف المختصة به عندنا وعند أكثر العلماء والتي هي خير من ألف شهر أي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة قدر فهي أفضل ليالي السنة ومن ثم صح "من قام ليلة القدر إيمانا أي تصديقا بها واحتسابا أي لثوابها عند الله تعالى غفر له ما تقدم من ذنبه" وفي رواية "وما تأخر" وروى البيهقي خبر "من صلى المغرب والعشاء في جماعة حتى ينقضي شهر رمضان فقد أخذ من ليلة القدر بحظ وافر" وخبر
"من شهد العشاء الآخرة في جماعة من رمضان فقد أدرك ليلة القدر" وقدم هذا في سنن الصوم ليبين ثم ندبه للصوم وهنا ندبه في نفسه وإن أفطر لعذر والمذهب أنها تلزم ليلة بعينها من ليالي العشر وأرجاها الأوتار "وميل الشافعي رضي الله عنه إلى أنها" أي تلك الليلة المعينة "ليلة الحادي" والعشرين "أو" ليلة "الثالث والعشرين" لأنه صلى الله عليه وسلم أريها في العشر الأواخر في ليلة وتر منه وأنه سجد صبيحتها في ماء وطين فكان ذلك ليلة الحادي والعشرين كما في الصحيحين وليلة الثالث والعشرين كما في مسلم واختار جمع أنها لا تلزم ليلة بعينها من العشر الأواخر.بل تنقل في لياليه فعاما أو أعواما تكون وترا إحدى أو ثلاثا أو غيرهما وعاما أو أعواما تكون شفعا ثنتين أو أربعا أو غيرهما قالوا ولا تجتمع الأحاديث المتعارضة فيها إلا بذلك وكلام الشافعي رضي الله عنه في الجمع بين الأحاديث يقتضيه ويسن لرائيها كتمها ولا ينال فضلها أي كماله إلا من أطلعه الله عليها وحكمة إبهامها في العشر إحياء جميع لياليه وهي من خصائصنا وباقية إلى يوم القيامة والتي يفرق فيها كل أمر حكيم وشذ وأغرب من زعمها ليلة النصف من شعبان وعلامتها أنها معتدلة وأن الشمس تطلع صبيحتها وليس لها كثير شعاع لعظيم أنوار الملائكة الصاعدين والنازلين فيها وفائدة ذلك معرفة يومها؛ إذ يسن الاجتهاد فيه كليلتها.
"وإنما يصح الاعتكاف" لمن هو أو ما اعتمد عليه فقط من بدنه قوله سابع العشرين لا يخفى ما في وزنه على من له إلمام بفن العروض وقوله في تاسع العشري وكذلك قوله سابع العشري وتوافيك بعد العشري كذلك كل ذلك بكسر العين أي العشرين ا هـ من بعض الهوامش."في المسجد" إن كانت أرضه غير محتكرة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى نساءه لم يعتكفوا إلا فيه سواء سطحه وروشنه وإن كان كله في هواء شارع مثلا ورحبته المعدودة منه

 

ج /1 ص -536-      وإن خص بطائفة ليس منهم؛ لأن إثمه إن فرض لأمر خارج أما ما أرضه محتكرة فلا يصح فيه إلا إن بنى فيه مسطبة، أو بلطه ووقف ذلك مسجدا لقولهم يصح وقف السفل دون العلو وعكسه وهذا منه وما وقف بعضه مسجدا شائعا يحرم المكث فيه على الجنب ولا يصح الاعتكاف فيه على الأوجه احتياطا فيهما "والجامع أولى" لكثرة جماعته غالبا والاستغناء به عن الخروج للجمعة وخروجا من خلاف من اشترطه وبه يعلم أنه أولى وإن قلت جماعته ولم يحتج للخروج لجمعة لكونها لا تجب عليه أو لقصر مدة اعتكافه ويجب إن نذر اعتكاف مدة متتابعة تتخللها جمعة وهو من أهلها ولم يشترط الخروج لها؛ لأنه لها بلا شرط يقطع التتابع أي لتقصيره بعدم شرطه الخروج لها مع علمه بمجيئها واعتكافه في غير الجامع وبه فارق ما يأتي في الخروج لنحو شهادة تعينت عليه أو لإكراه وحينئذ اندفع ما يقال الإكراه الشرعي كالحسي واتجه بحث الأذرعي أنها لو كانت تقام في غير جامع أو أحدث الجامع بعد اعتكافه لم يضر الخروج لها لعدم تقصيره وإذا خرج لها تعين أقرب جامع إليه إن اتحد وقت صلاة الجامعين.وإلا جاز الذهاب للأسبق ولو أبعد أي؛ لأن سبقه مرجح له ويؤخذ منه أن مثله بالأولى ما تيقن حل مال بانيه وأرضه دون ضده.
"والجديد أنه لا يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها وهو المعتزل المهيأ للصلاة" فيه لحل تغييره والمكث فيه للجنب وقضاء الحاجة والجماعة فيه ولأنه لو أغنى عن المسجد لما اعتكف أمهات المؤمنين إلا فيه؛ لأنه أستر من المسجد والخنثى كالرجل وحيث كره لها الخروج إليه للجماعة ومر تفصيله كره الاعتكاف فيه "ولو عين المسجد الحرام في نذره الاعتكاف تعين" ولم يقم غيره مقامه لزيادة فضله والمضاعفة فيه؛ إذ الصلاة فيه بمائة ألف ألف ألف ثلاثا فيما سوى المسجدين الآتيين كما أخذته من الأحاديث وبسطته في حاشية الإيضاح وستأتي الإشارة إليه والمراد به الكعبة والمسجد حولها ولو عينها أجزأ عنها بقية المسجد لما تقرر من شمول المضاعفة للكل وقال كثيرون تتعين هي؛ لأنها أفضل "وكذا" يتعين "مسجد المدينة" وهو مسجده صلى الله عليه وسلم دون ما زيد فيه كما صححه المصنف واعترض عليه بما هو مردود كما هو مبسوط في الحاشية والفرق أنه في الخبر أشار فقال "صلاة في مسجدي هذا" فلم يتناول ما حدث بعدها وفي الأول عبر بالمسجد الحرام والزيادة تسمى بذلك "والأقصى في الأظهر"؛ لأنهما تشد إليهما الرحال كالمسجد الحرام ولا يتعين غير الثلاثة بالتعيين لكن المعين أولى.وبحث تعين مسجد قباء؛ لأن ركعتين فيه كعمرة كما في الحديث "ويقوم المسجد الحرام مقامهما"؛ لأنه أفضل منهما "ولا عكس" لذلك "ويقوم مسجد المدينة مقام الأقصى"؛ لأنه أفضل منه "ولا عكس" لذلك؛ إذ الصلاة فيه بخمسمائة في رواية وبألف في أخرى فيما سوى الثلاثة وفي مسجد المدينة بألف في الأقصى وفي مسجد مكة بمائة ألف في مسجد المدينة فحصل ما مر على رواية الألف في الأقصى ويتعين زمن الاعتكاف إن عين له زمنا فلو قدمه عليه لم يحسب وإن أخره عنه كان قضاء وأثم إن تعمد.
"والأصح أنه يشترط في الاعتكاف لبث قدر يسمى عكوفا"؛ لأن مادة لفظ الاعتكاف تقتضيه بأن يزيد على أقل طمأنينة الصلاة ولا يكفي قدرها ويكفي عنه التردد "وقيل يكفي المرور

 

ج /1 ص -537-      بلا لبث" كالوقوف بعرفة قال المصنف ويسن للمار نية الاعتكاف تحصيلا له على هذا الوجه ا هـ وإنما يتجه إن قلد قائله وقلنا بحل تقليد أصحاب الوجوه وإلا كان متلبسا بعبادة فاسدة وهو حرام "وقيل يشترط مكث نحو يوم" أي قريب منه وقيل يشترط مكث يوم.
"ويبطل بالجماع" من عالم عامد مختار ولو في غير المسجد كأن كان في طريق أو محل قضاء الحاجة لكنه فيه ولو في هوائه يحرم مطلقا وخارجه لا يحرم إلا إن كان منذورا ولا يبطل ما مضى إلا إن نذر التتابع وفي الأنوار يبطل ثوابه بشتم أو غيبة أو أكل حرام "وأظهر الأقوال أن المباشرة بشهوة كلمس وقبلة تبطله إن أنزل وإلا فلا" كالصوم فيأتي هنا جميع ما مر ثم "و" من ثم "لو جامع ناسيا فهو" "كجماع الصائم" فلا يبطل "ولا يضر التطيب والتزين" بسائر وجوه الزينة وله أن يتزوج، ويزوج "و" لا يضر "الفطر بل يصح اعتكاف الليل وحده" للخبر الصحيح
"ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه". "ولو نذر اعتكاف يوم هو فيه صائم" بأن قال علي أن أعتكف يوما وأنا فيه صائم أو أنا فيه صائم بلا واو أو أكون فيه صائما "لزمه" اعتكاف اليوم في حال الصوم أحدهما ويجوز كون اليوم عن رمضان وغيره؛ لأنه لم يلتزم صوما بل اعتكافا بصفة وقد وجدت "ولو نذر أن يعتكف صائما" أو يصوم "أو يصوم معتكفا" أو باعتكاف "لزماه" أي الاعتكاف والصوم؛ لأنه التزم كلا على حدته فلا يكفيه أن يعتكف وهو صائم عن رمضان أو نذر آخر مثلا ولا أن يصوم في يوم اعتكفه عن نذر آخر قبل أو بعد وفارقت هذه ما قبلها مع أن الحال وصف في المعنى بأنها وإن كانت كذلك لكنها تميزت عن مطلق الصفة جملة كانت كما مر أو مفردا بأنها قيد في عاملها ومبينة لهيئة صاحبها ومقتضى ذلك التزامها مع التزام عاملها فوجبا بخلاف الصفة فإنها لتخصيص موصوفها عن غيره كما هنا أو توضيحه والتخصيص يحصل مع كون اليوم موصوفا بوقوع صوم فيه وهذا لا يقتضي التزام ذلك الصوم لما تقرر أنه ذكر لمجرد التخصيص ووجه ذلك بتوجيهين آخرين في غاية البعد والخروج عن القواعد إلا أن يريد قائلهما ما تقرر: أحدهما: أن قوله أعتكف يوما التزام صحيح وقوله أنا فيه صائم إخبار عن حالة يكون عليها في المستقبل والإخبار عن الحالة المستقبلة لا يصح تطلبها بالنذر لكونها حاصلة وتحصيل الحاصل محال وأيضا هو جملة وهي لا تكون معمولة للمصدر بخلاف صائما أو يصوم فإنه ليس إخبارا عن حالة مستقبلة فهو إنشاء محض تقديره أن أعتكف يوما وأن أصوم فيه وهذا يطرد في أن أصلي صائما أو خاشعا وأن أحج راكبا. ثانيهما أن أنا فيه صائم حال من يوما وهو مفعول فتقديره يوما مصوما ومصوما إخبار ليس بصفة التزام وصائما حال من الفاعل والحال مقيدة لفعل الفاعل الذي هو الاعتكاف فكان معناه أن أنشئ اعتكافا وصوما.
تنبيه: ما ذكر في وأنا صائم هو ما جرى عليه غير واحد ولا يشكل عليه ما مر في صائما وإن كان الحال مفادها واحد مفردة أو جملة لما بينته في شرح الإرشاد أن المفردة غير مستقلة فدلت على التزام إنشاء صوم بخلاف الجملة وأيضا فتلك قيد للاعتكاف فدلت

 

ج /1 ص -538-      على إنشاء صوم تقيده وهذه قيد لليوم الظرف لا للاعتكاف المظروف فيه وتقييد اليوم يصدق بإيقاع اعتكاف فيه وهو مصوم عن نحو رمضان ا هـ ويفرق أيضا بأن المصرح به في كلام أئمة النحو أن تبيين الهيئة المفيد لتقييد العامل وقع بالمفرد قصدا لا ضمنا بخلاف الوصف في رأيت رجلا راكبا فإنه إنما قصد به تقييد المنعوت لا تقييد العامل لكنه يستلزمه؛ إذ يلزم من نعته الركوب بيان هيئة حال الرؤية له والحال الجملة الغالب فيها مشابهة الوصف بدليل اشتراط كونها خبرية قالوا؛ لأنها نعت في المعنى ومن ثم قدر في الطلبية حالا ما يقدر فيها صفة من القول. وإذ قد تقرر ذلك اتضح الفرق بين الحالين؛ لأنه لا معنى لكون التقييد في المفردة هو المقصود إلا التزامه بخلافه في الجملة فإنه غير مقصود فكان غير ملتزم فأجزأ اعتكاف مقارن لصوم لم يلتزمه فتأمله.
"والأصح وجوب جمعهما" لما بينهما من المناسبة؛ إذ كل كف وبه فارق أن أصلي صائما.أو أعتكف مصليا فلو شرع في الاعتكاف صائما ثم أفطر لزمه استئنافهما ولو قال أن أعتكف يوم العيد صائما وجب اعتكافه ولغا قوله صائما وبحث الإسنوي أنه يكفي يوم الصوم اعتكافه لحظة فيه ولا يلزمه استغراقه بالاعتكاف لإمكان تبعيضه واللفظ صادق بالقليل والكثير بخلاف الصوم.
"ويشترط" في ابتداء الاعتكاف لا دوامه لما يأتي في مسألة الخروج مع عزم العود "نية الاعتكاف"؛ لأنه عبادة وأراد بالشرط ما لا بد منه؛ إذ هي ركن فيه كما مر "وينوي" وجوبا "في" الاعتكاف أو غيره "النذر" أي المنذور النذر أو "الفرضية" ليتميز عن التطوع ولا يشترط أن يعين سببها وهو النذر؛ لأنه لا يجب إلا به بخلاف الصوم والصلاة "وإذا"، "أطلق" الاعتكاف بأن لم يعين له مدة "كفته نيته" أي الاعتكاف "وإن طال مكثه" لشمول النية المطلقة لذلك "لكن لو خرج" غير عازم على العود "وعاد احتاج إلى الاستئناف" للنية حتى يصير معتكفا بعد عوده؛ لأن ما مضى عبادة فانتهت بالخروج ولو لقضاء الحاجة أما إذا خرج عازما على العود.فلا يحتاج وإن طال زمن خروجه كما اقتضاه إطلاقهم لنية عند العود لقيام هذا العزم مقامها؛ لأن نية الزيادة وجدت قبل الخروج فكانت كنية المدتين معا كما قالوه فيمن نوى في النفل المطلق ركعتين ثم نوى قبل السلام ركعتين. "ولو" "نوى" في اعتكاف تطوع أو نذر "مدة" مطلقة أو معينة ولم يشترط تتابعا.واعتكف لوفاء نذره في صورته "فخرج فيها وعاد فإن خرج لغير قضاء الحاجة لزمه الاستئناف" للاعتكاف في الصورة الثانية؛ لأن خروجه المذكور قطعه "أو" خرج "لها" أي للحاجة وهي البول والغائط ولا يبعد أن يلحق بهما الريح لشدة قبحه في المسجد لكن ظاهر كلامهم خلافه وكأن المعتكف سومح به للضرورة "فلا" يلزمه ذلك؛ لأنه لا بد منه فهو كالمستثنى عند النية "وقيل إن طالت مدة خروجه" ولو للحاجة كما أفاده سياقه؛ لأنه إذا ضر لها فلغيرها أولى "استأنف" لتعذر البناء "وقيل لا يستأنف مطلقا" أي؛ لأن عوده ينصرف لما نواه "ولو نذر مدة متتابعة فخرج لعذر لا يقطع التتابع" وإن كان منه بد كالأكل.وقضاء الحاجة والحيض والخروج ناسيا "لم يجب استئناف النية" عند العود لشمولها جميع المدة وتجب المبادرة للعود عقب

 

ج /1 ص -539-      زوال العذر فإن أخر عالما ذاكرا مختارا انقطع التتابع وتعذر البناء "وقيل إن خرج لغير الحاجة وغسل الجنابة" ونحوهما "وجب" استئناف النية لخروجه عن العبادة بما منه بد بخلاف ما لا بد منه أما ما يقطعه فيجب استئنافها جزما.
"وشرط المعتكف الإسلام والعقل" فلا يصح من كافر ومجنون وسكران ومغمى عليه ونحوهم؛ إذ لا نية لهم ولو طرأ نحو إغماء على معتكف فسيأتي "والنقاء عن الحيض" والنفاس "والجنابة" لحرمة المكث بالمسجد حينئذ وأخذ منه أن مثلهم من به نحو قروح تلوث المسجد ولا يمكن التحرز عنها قال الأذرعي وهذا موضع نظر ا هـ أي لأن الحرمة هنا لعارض لا لذات اللبث بخلافها ثم فلا قياس ومن ثم صح اعتكاف زوجة وقن بلا إذن زوج وسيد مع الإثم ومر أن من اعتكف فيما وقف على غيره صح ولا يشكل على ما تقرر في نحو الحائض خلافا لمن زعمه؛ لأن حرمة المكث عليها من حيث كونه مكثا وعلى ذلك من حيث كونه في حق الغير والأول ذاتي والثاني عارض ونظيره الخف المغصوب وخف المحرم الحرمة في الأول لمطلق الاستعمال وفي الثاني لخصوص اللبس فأجزأ مسح ذاك لا هذا. "ولو" "ارتد المعتكف أو سكر" سكرا تعدى به "بطل" اعتكافه زمن الردة والسكر لانتفاء أهليته "والمذهب بطلان ما مضى من اعتكافهما المتتابع" فيجب استئنافه؛ لأن ذلك أقبح من مجرد الخروج من المسجد..ومنه يؤخذ أن المراد ببطلان الماضي عدم وقوعه عن التتابع لا عدم ثوابه إذا أسلم المرتد لكن المنصوص عليه في الأم بطلان ثواب جميع أعماله وإن أسلم كما يأتي قريبا وكذا يقال في التتابع حيث بطل وثنى الضمير مع العطف بأو وفي غير لضدين تنزيلا لهما منزلتهما على أن ذلك لا يرد عليه من أصله؛ إذ العطف بأو في الفعل لا الفاعل فلم يرجع الضمير على معطوف بأو "ولو" "طرأ جنون أو إغماء" على المعتكف "لم يبطل ما مضى" من اعتكافه "إن لم يخرج" بضم أوله وكذا إن أخرج شق حفظه في المسجد أو لا كما يصرح به كلام المجموع لعذره كالمكره ويؤخذ منه أن محله حيث جازت إدامته في المسجد وإلا كان إخراجه لأجل ذلك كإخراج المكره بحق وعلى هذا يحمل ما اقتضاه كلام الروضة وأصلها أنه يضر إخراجه إذا شق حفظه في المسجد أي بأن حرم إبقاؤه فيه وأخذ ابن الرفعة والأذرعي من التعليل بالعذر أنه لو طرأ نحو الجنون بسببه انقطع بإخراجه مطلقا "ويحسب زمن الإغماء من الاعتكاف دون الجنون".كما في الصوم فيهما "أو" طرأ "الحيض" أو النفاس أو نجس غيرهما لا يمكن معه المكث بالمسجد "وجب الخروج" لتحريم مكثهم "وكذا الجنابة" إذا طرأت بنحو احتلام يجب الخروج للغسل "إن تعذر الغسل في المسجد" للضرورة إليه ولو كان يتيمم وأمكنه التيمم بغير ترابه وهو مار فيه لم يجز له الخروج فيما يظهر؛ إذ لا ضرورة إليه حينئذ "فلو أمكن" الغسل فيه "جاز الخروج"؛ لأنه أقرب للمروءة وصيانة المسجد وتلزمه المبادرة به "ولا يلزمه" بل له الغسل في المسجد رعاية للتتابع واستشكل بأن نضح المسجد بالماء المستعمل حرام ويرد بأن هذا لا نضح فيه؛ إذ هو أن يرشه به وأما هذا فهو كالوضوء فيه وقد اتفقوا على جوازه نعم محل جوازه فيه كما قاله السبكي حيث لا مكث فيه بأن كان

 

ج /1 ص -540-      فيه نهر يخوضه وهو خارج وإلا وجب الخروج قال الأذرعي وكذا لو كان مستجمرا لحرمة إزالة النجاسة في المسجد أي وإن لم يحكم بنجاسة الغسالة أو يحصل بغسالته ضرر للمسجد أو المصلين "ولا يحسب زمن الحيض ولا الجنابة" من الاعتكاف إذا اتفق المكث مع أحدهما في المسجد لعذر أو غيره؛ لأنه حرام وإنما أبيح للضرورة وسيأتي حكم البناء في الحيض.

فصل في الاعتكاف المنذور المتتابع
"إذا نذر مدة متتابعة لزمه" التتابع؛ لأنه وصف مقصود لما فيه من المبادرة بالعبادة من المشقة على النفس."والصحيح أنه" أي الشأن "لا يجب التتابع بلا شرط" وإن نواه؛ لأن مطلق الزمن كأسبوع أو عشرة أيام صادق بالمتفرق أيضا وإنما لم تؤثر النية فيه كما لا تؤثر في أصل النذر وأن نوزع فيه وإنما تعين التوالي في لا أكمله شهرا؛ لأن القصد من اليمين الهجر ولا يتحقق بدون التتابع ولو شرط التفريق أجزأ عنه التتابع؛ لأنه أفضل منه مع كونه من جنسه وفارق نذر التفريق في الصوم بما يأتي فيه "و" الصحيح وفي الروضة الأصح وقد مر أن مثل هذا منشؤه اختلاف الاجتهاد في الأرجحية فعند التعارض يرجع إلى تأمل المدرك "أنه لو نذر يوما لم يجز تفريق ساعاته" من أيام بل يلزمه الدخول قبل الفجر أي بحيث يقارن لبثه أول الفجر ويخرج منه بعد الغروب أي عقبه؛ لأن المفهوم من لفظ اليوم هو الاتصال فلو دخل الظهر ومكث إلى الظهر ولم يخرج ليلا لم يجزئه كما رجحاه وإن نوزعا فيه؛ لأنه لم يأت بيوم متواصل الساعات والليلة ليست من اليوم فإن قال نهارا نذرته من الآن لزمه منه إلى مثله ودخلت الليلة تبعا قال في المجموع ولو نذر اعتكاف يوم فاعتكف ليلة أو عكسه فإن عين.زمنا وفاته كفى إن كان ما أتى به قدره أو أزيد وإلا فلا "و" الصحيح "أنه لو" "عين مدة كأسبوع" معين كهذا الأسبوع "وتعرض للتتابع وفاتته" تلك المدة "لزمه التتابع في القضاء" لتصريحه به فصار مقصودا لذاته "وإن لم يتعرض له لم يلزمه في القضاء"؛ لأنه حينئذ من ضرورة الوقت فليس مقصودا لذاته "وإذا" "ذكر" الناذر "التتابع وشرط الخروج لعارض".مباح مقصود لا ينافي الاعتكاف "صح الشرط في الأظهر"؛ لأنه إنما لزم بالتزامه فوجب أن يكون بحسبه فإن عين شيئا لم يتجاوزه وإلا خرج لكل غرض ولو دنيويا مباحا كلقاء الأمير لا لنحو نزهة ويوجه بأنها لا تسمى غرضا مقصودا في مثل ذلك عرفا فلا ينافي ما مر في السفر أنها غرض مقصود أما لو شرط الخروج لمحرم كشرب خمر أو لمناف كجماع فيبطل نذره نعم لو كان المنافي لا يقطع التتابع كحيض لا تخلو عنه مدة الاعتكاف غالبا صح شرط الخروج له وأما لو شرط الخروج لا لعارض كأن قال إلا أن يبدو لي فهو باطل؛ لأنه علقه وهل يبطل به نذره وجهان رجح في الشرح الصغير البطلان وهو الأوجه ورجح غيره عدمه ولو نذر نحو صلاة أو صوم أو حج وشرط الخروج لعارض فكما تقرر ويأتي في النذر ما له تعلق بذلك بخلاف نحو الوقف لا يجوز فيه شرط احتياج مثلا؛ لأنه يقتضي الانفكاك عن اختصاص الآدمي به فلم يقبل ذلك الشرط

 

ج /1 ص -541-      كالعتق "والزمان المصروف إليه" أي لذلك المعارض "لا يجب تداركه إن عين المدة كهذا الشهر"؛ لأن زمن المنذور من الشهر إنما هو اعتكاف ما عدا العارض "وإلا" يعين مدة كشهر "فيجب" تداركه لتتم المدة الملتزمة وتكون فائدة الشرط تنزيل ذلك العارض منزلة قضاء الحاجة في أن التتابع لا ينقطع به "وينقطع التتابع" بأشياء أخر زيادة على ما مر "بالخروج بلا عذر" مما يأتي وإن قل زمنه لمنافاته اللبث "ولا يضر إخراج بعض الأعضاء"؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج رأسه الشريف وهو معتكف إلى عائشة فتسرحه رواه الشيخان نعم إن أخرج رجلا أي مثلا واعتمد عليها فقط بحيث لو زالت سقط ضر بخلاف ما لو اعتمد عليهما على ما اقتضاه كلام البغوي واستظهره غيره وقال شيخنا الأقرب أنه يضر ويؤيده ما مر فيما لو وقف جزءا شائعا مسجدا ا هـ ويؤيده أيضا أن المانع مقدم على المقتضي "ولا الخروج لقضاء الحاجة" إجماعا؛ لأنه ضروري ولا تشترط شدتها ولا كلف المشي على غير سجيته فإن تأتى أكثر منها ضر ومثلها غسل جنابة وإزالة نجس وأكل؛ لأنه يستحيي منه في المسجد وأخذ منه أن المهجور الذي يندر طارقوه يأكل فيه ويشرب إذا لم يجد ماء فيه ولا من يأتيه به؛ لأنه لا يستحيي منه فيه وله الوضوء بعد قضاء الحاجة تبعا؛ إذ لا يجوز الخروج له قصدا إلا إذا تعذر في المسجد ولا لغسل مسنون ولا لنوم.
"ولا يجب فعلها في غير داره" كسقاية المسجد ودار صديقه بجنب المسجد للحياء مع المنة في الثانية.وأخذ منه أن من لا يستحيي من السقاية يكلفها "ولا يضر بعدها إلا أن" يكون له دار أقرب منها أو "يفحش" البعد "فيضر في الأصح"؛ لأنه قد يحتاج في عوده أيضا إلى البول فيمضي يومه في التردد نعم لو لم يجد غيرها أو وجد غير لائق به لم يضر ويؤخذ من التعليل أن ضابط الفحش أن يذهب أكثر الوقت المنذور في التردد وبه صرح البغوي.
"ولو" "عاد مريضا" أو زار قادما "في طريقه" لنحو قضاء الحاجة "لم يضر ما لم يطل وقوفه" فإن طال بأن زاد على قدر صلاة الجنازة أي أقل مجزئ منها فيما يظهر ضر أما قدرها فيحتمل لجميع الأغراض "أو" لم "يعدل عن طريقه" فإن عدل ضر وإن قصر الزمن لخبر أبي داود أنه صلى الله عليه وسلم كان يمر بالمريض وهو معتكف فيمر كما هو يسأل عنه ولا يعرج وله صلاة على جنازة إن لم ينتظر ولا عرج إليها وهل له تكرير هذه كالعيادة على موتى أو مرضى مر بهم في طريقه بالشرطين المذكورين أخذا من جعلهم قدر صلاة الجنازة معفوا عنه لكل غرض في حق من خرج لقضاء الحاجة أو لا يفعل إلا واحدا؛ لأنهم عللوا فعله لنحو صلاة الجنازة بأنه يسير ووقع تابعا لا مقصودا كل محتمل وكذا يقال في الجمع بين نحو العبادة وصلاة الجنازة وزيارة القادم والذي يتجه أن له ذلك ومعنى التعليل المذكور أن كلا على حدته تابع وزمنه يسير فلا نظر لضمه إلى غيره المقتضي لطول الزمن ونظيره ما مر فيمن على بدنه دم قليل معفو عنه وتكرر بحيث لو جمع لكثر فهل يقدر الاجتماع حتى يضر أو لا حتى يستمر العفو فيه خلاف لا يبعد مجيئه هنا وإن أمكن الفرق بأنه يحتاط للصلاة بالنجاسة ما لا يحتاط هنا وأيضا فما هنا في التابع وهو يغتفر فيه ما لا يغتفر في المقصود.

 

ج /1 ص -542-      "ولا ينقطع التتابع بمرض" ومنه جنون أو إغماء "يحوج إلى الخروج" بأن خشي تنجس المسجد أو احتاج إلى فرش وخادم ومثله خوف حريق وسارق بخلاف نحو صداع.وحمى خفيفة فإن أخرج لأجل ذلك فقد مر بما فيه "و" لا ينقطع بالخروج لشهادة تعيبت أو لحد ثبت بالبينة أو "بحيض إن طالت مدة الاعتكاف" بأن كانت لا تخلو عن الحيض غالبا فتبني على ما سبق إذا طهرت؛ لأنه بغير اختيارها ومثلها في المجموع بأن تزيد على خمسة عشر يوما واستشكله الإسنوي بأن الثلاثة والعشرين تخلو عنه غالبا؛ إذ غالبه ست أو سبع وبقية الشهر طهر؛ إذ هو غالبا لا يكون فيه إلا حيض واحد وطهر واحد والنفاس كالحيض "فإن كانت بحيث تخلو عنه انقطع في الأظهر" لإمكان الموالاة بشروعها عقب الطهر "ولا بالخروج" مكرها بغير حق أو "ناسيا على المذهب" كما لا يبطل الصوم بالأكل ناسيا ولا نسلم أن له هيئة تذكره بخلاف الصائم ومثله جاهل.يعذر بجهله "ولا بخروج المؤذن الراتب إلى منارة منفصلة عن المسجد" لكنها قريبة منه مبنية له "للآذان في الأصح"؛ لأنها مبنية لإقامة شعائر المسجد معدودة من توابعه وقد ألف الناس صوته فعذر وجعل زمن أذانه كمستثنى من الاعتكاف وبما تقرر في المنارة فارقت الخلوة الخارجة عن المسجد التي بابها فيه فينقطع بدخولها قطعا أما غير راتب فيضر صعوده لمنفصلة لانتفاء ما ذكر في الراتب وأما بعيدة عن المسجد أي بحيث لا تنسب إليه عرفا فيما يظهر ثم رأيت من ضبطه بأن تكون خارجة عن جوار المسجد وجاره أربعون دارا من كل جانب وبعضهم ضبطه بما جاوز حريم المسجد أو مبنية لغيره الذي ليس متصلا به فيضر صعودها مطلقا بخلاف المتصل به؛ لأن المساجد المتلاصقة حكمها حكم المسجد الواحد وأما متصلة بأن يكون بابها في المسجد أو رحبته فلا يضر صعودها مطلقا، "ويجب" "قضاء أوقات الخروج بالأعذار" السابقة؛ لأنه غير معتكف فيها "إلا أوقات قضاء الحاجة"؛ لأن حكم الاعتكاف منسحب عليها ولهذا لو جامع في زمنها من غير مكث بطل ونازع جمع في هذا الحصر وألحقوا به نقلا عن الشيخ أبي علي، وغيره خروج مؤذن لأذان وجنب لاغتسال وغيرهما مما يطلب الخروج له ويقل زمنه عادة بخلاف ما يطول زمنه كحيض وعدة ومرض.
فرع: سووا بين إدامة الاعتكاف ونحو عيادة المريض واعترضه ابن الصلاح بأنه صلى الله عليه وسلم كان يعتكف نفلا ولا يخرج لذلك وبحث البلقيني أن الخروج لعيادة نحو رحم وجار وصديق أفضل والله أعلم.

تم الجزء الأول، ويليه الجزء الثاني وأوله: "كتاب الحج"