تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 2 ص -3-           بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الحج
هو بفتح وكسر لغة القصد أو كثرته إلى من يعظم وشرعا قصد الكعبة للنسك الآتي على ما في المجموع وعليه يشكل قولهم أركان الحج ستة إلا أن يؤول أو هو نفس الأفعال الآتية، وهو الظاهر ببادئ الرأي لكن يعكر عليه أن المعنى الشرعي يجب اشتماله على المعنى اللغوي بزيادة وذلك غير موجود هنا إلا أن يقال إن ذلك أغلبي أو إن منها النية، وهي من جزئيات المعنى اللغوي ونظيره الصلاة الشرعية لاشتمالها على الدعاء والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع، وهو من الشرائع القديمة روي أن آدم صلى الله على نبينا وعليه وسلم حج أربعين سنة من الهند ماشيا وأن جبريل قال له إن الملائكة كانوا يطوفون قبلك بهذا البيت سبعة آلاف سنة وقال ابن إسحاق لم يبعث الله نبيا بعد إبراهيم إلا حج والذي صرح به غيره أنه ما من نبي إلا حج خلافا لمن استثنى هودا وصالحا صلى الله عليهم وسلم وفي وجوبه على من قبلنا وجهان قيل الصحيح أنه لم يجب إلا علينا واستغرب قال القاضي، وهو أفضل العبادات لاشتماله على المال والبدن، وفي وقت وجوبه خلاف قبل الهجرة أول سنيها ثانيها وهكذا إلى العاشرة والأصح أنه في السادسة وحج صلى الله عليه وسلم قبل النبوة وبعدها وقبل الهجرة حججا لا يدرى عددها، وتسمية هذه حججا إنما هو باعتبار الصورة إذ لم تكن على قوانين الحج الشرعي باعتبار ما كانوا يفعلونه من النسيء وغيره بل قيل في حجة أبي بكر في التاسعة ذلك لكن الوجه خلافه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لا يأمر إلا بحج شرعي وكذا يقال في الثامنة التي أمر فيها عتاب بن أسيد أمير مكة وبعدها حجة الوداع لا غير.
"هو فرض" معلوم من الدين بالضرورة فيكفر منكره إلا إن أمكن خفاؤه عليه وكذا العمرة، وهي" بضم فسكون أو ضم وبفتح فسكون لغة زيارة مكان عامر وشرعا قصد الكعبة للنسك الآتي أو نفس الأفعال الآتية "في الأظهر" للخبر الصحيح
"حج عن أبيك واعتمر". وصح عن عائشة رضي الله عنها: هل على النساء جهاد قال: "جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة". وخبر الترمذي بعدم وجوبها وحسنه اتفق الحفاظ على ضعفه ولا يغني عنها الحج؛ لأن كلا أصل قصد منه ما لم يقصد من الآخر ألا ترى أن لها مواقيت غير مواقيت الحج وزمنا غير زمن الحج وحينئذ فلا يشكل بإجزاء الغسل عن الوضوء؛ لأن كل ما قصد به الوضوء موجود في الغسل ولا يجبان بأصل الشرع في العمر إلا مرة وهما على التراخي بشرط العزم على الفعل بعد وأن لا يتضيقا بنذر أو خوف عضب أو تلف مال بقرينة ولو ضعيفة كما يفهمه قولهم لا يجوز تأخير الموسع إلا إن غلب على الظن تمكنه منه أو

 

ج / 2 ص -4-           بكونهما قضاء عما أفسده ومتى أخر فمات تبين فسقه بموته من آخر سني الإمكان إلى الموت فيرد ما شهد به وينقض ما حكم به وسيأتي أنه يستقر عليه بوجود مال له لم يعلمه ومع ذلك لا نحكم بفسقه لعذره، "وشرط صحته" المطلقة أي ما ذكر من الحج والعمرة "الإسلام" فقط فلا يصح من كافر أصلي أو مرتد بل لو ارتد أثناءه بطل ولم يجب مضي في فاسده وبهذا فارق باطله فاسده بجماع كما يأتي ولا تحبط الردة غير المتصلة بالموت ما مضى أي ذاته حتى لا يجب قضاؤه بل ثوابه كما نص عليه قيل عبارته لا تفي بقول أصله لا يشترط لصحته إلا الإسلام ا هـ. وليس في محله؛ لأن تعريف الجزأين يفيد الحصر على أنه اعترض بأنه يشترط أيضا الوقت والنية والعلم بالكيفية حتى لو جرت أفعال النسك منه اتفاقا لم يعتد بها لكن ورد ذكر النية بأنها ركن ويرد ذكر الوقت؛ لأنه معلوم من صريح كلامه الآتي في المواقيت وذكر العلم بأنه لو حصل بعد الإحرام وقبل تعاطي الأفعال كفى فليس شرطا لانعقاد الإحرام الذي الكلام فيه بل يكفي لانعقاده تصوره بوجه "فللولي" على المال ولو وصيا وقيما بنفسه أو مأذونه ولو لم يحج أو كان محرما بحج عن نفسه، وإن غاب المولى. وفارق الأجير بأنه يباشر العبادة عن الغير فاشترط وقوعها منه والولي ليس كذلك ومن ثم لا يرمى عنه بشرطه إلا إن رمى عن نفسه "أن يحرم عن الصبي" الشامل للصبية إذ هو الجنس "الذي لا يميز" أي ينوي جعله محرما أو الإحرام عنه لخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم لقي ركبا بالروحاء فرفعت إليه امرأة صبيا فقالت يا رسول الله ألهذا حج قال: "نعم ولك أجر"، وفي رواية لأبي داود: فأخذت بعضد صبي فرفعته من محفتها، وهو ظاهر في صغره جدا ويكتب للصبي ثواب ما عمله أو عمله به وليه من الطاعات كما أفاده الخبر ولا يكتب عليه معصية إجماعا "والمجنون" الشامل للمجنونة لذلك قياسا على الصبي وأجابوا عما تقرر من اعتبار ولاية المال والأم ليست كذلك باحتمال أنها وصية أو أن وليه أذن لها أن تحرم عنه أو أن الحاصل لها أجر الحمل والنفقة لا الإحرام إذ ليس في الخبر أنها أحرمت عنه وحيث صار المولى محرما وجب أن يفعل به ما يمكن فعله كإحضاره عرفة وسائر المواقف. ومنها كما هو ظاهر الرمي فيلزمه إحضاره إياه حالة رميه عنه، وإن لم يتصور منه؛ لأن الواجب شيئان الحضور والرمي فلا يسقط أحدهما بسقوط الآخر والطواف والسعي به، وإن لم يفعل عنه ما لا يمكن كالرمي بعد رميه عن نفسه إن لم يقدر لو جعل الحصاة بيده أن يرمي بها ويظهر في جعلها بيده أنه لا يعتد به منه إلا إن رمى عن نفسه؛ لأنه مقدمة للرمي فيعطى حكمه ويؤيده أنه لو رفع الحصاة بيده غير الولي ومأذونه لا يعتد به وكذا لو أحضره غيرهما كما شملهما كلامهم ويصلي عنه سنة الطواف والإحرام ويشترط في الطواف به طهر الولي وكذا الصبي على الأوجه فيوضئه الولي وينوي عنه وخرج بالذي لا يميز المميز فلا يجوز له الإحرام عنه على ما نقله الأذرعي عن النص والجمهور واعتمده لكن المصحح في أصل الروضة الجواز، فإن شاء أحرم عنه أو أذن له أن يحرم عن نفسه فاعتراضه غفلة عن أن المفهوم إذا كان فيه خلاف قوي أو تفصيل لا يرد لإفادة القيد حينئذ. وخرج بالصبي والمجنون المغمى عليه فلا يحرم أحد عنه إذ لا

 

ج / 2 ص -5-           ولي له إلا على ما يأتي أول الحجر وللسيد أن يحرم عن قنه الصغير لا البالغ على المعتمد فيهما ويتردد النظر في المبعض الصغير فيحتمل أنه نظير ما يأتي في النكاح وحينئذ فيحرم عنه وليه وسيده معا لا أحدهما، وإن كانت مهايأة إذ لا دخل لها إلا في الإكساب وما يتبعها كزكاة الفطر لإناطتها بمن تلزمه النفقة ويحتمل صحة إحرام أحدهما عنه وللسيد إذا كان المحرم الولي تحليله والأول أقرب، فإن قلت ينافي ذلك قول جمع وحكي عن الأصحاب من بعضه حر له حكم القن في تحليل السيد له إلا في المهايأة إن أحرم في نوبته ووسعت نسكه فله حينئذ حكم الحر قلت لا ينافيه؛ لأن التحليل يتعلق بالكسب أيضا فأثرت فيه المهايأة بخلاف الإحرام؛ لأنه صفة لا تعلق لها بالكسب "وإنما تصح مباشرته" أي ما ذكر من الحج والعمرة "من المسلم المميز" ولو قنا ككل عبادة بدنية نعم تتوقف صحة إحرامه على إذن وليه كما مر أو سيده لاحتياجه للمال أي شأنه ذلك، وهو محجور عليه فيه ويلزم الولي كل دم لزم المولى وما زاد على مؤنته في الحضر ومؤنة قضاء ما أفسده بجماعه لوجود شروط جماع البالغ المفسد فيه؛ لأنه الذي ورطه في ذلك من غير حاجة ولا ضرورة وبه فارق وجوب أجرة تعليمه ومؤن من يزوجها له في مال المولى؛ لأنه لو لم يعلمه احتاج للتعلم بعد بلوغه وقد يظن الولي أن تلك الزوجة التي فيها المصلحة تفوت لو أخر للبلوغ "وإنما يقع" ما أتى به المحرم "عن" نذر إن كان مسلما مكلفا وعن "حجة الإسلام" وعمرته "بالمباشرة" عن نفسه أو عن ميت أو معضوب فاندفع قول الإسنوي ومن قلده إنه تقييد مضر "إذا باشره المكلف" في الجملة لا بالحج أي البالغ العاقل "الحر" ولو بالتبين، وإن كان حال الفعل قنا ظاهرا "فيجزئ حج الفقير" وعمرته عن حجة الإسلام وعمرته أداء أو قضاء لما أفسده كما لو تكلف مريض حضور الجمعة وغني خطر الطريق "دون الصبي والعبد" فلا يقع نسكهما عن نسك الإسلام إجماعا ولأن الحج لكونه وظيفة العمر ولا يتكرر اعتبر وقوعه حال الكمال هذا إن لم يدركا وقوف الحج وطواف العمرة كاملين وإلا بأن بلغ أو عتق قبل الوقوف أو الطواف أو في أثنائهما أو بعد الوقوف وعاد وأدركه قبل فجر النحر أجزأهما عن حجة الإسلام وعمرته لوقوع المقصود الأعظم في حال الكمال. وبحث الإسنوي أنه إذا كان عوده للوقوف بعد الطواف لزمه إعادته كالسعي بعده ليقعا في حال الكمال ومثلهما الحلق كما هو ظاهر ويؤخذ من ذلك أنه يجزئه عوده ولو بعد التحللين، وإن جامع بعدهما، وهو محتمل فيعيد ما فعله بعد وقوفه ليقع في حال الكمال وعليه فيظهر أنه لا يعيد إحرامه؛ لأن هذا من توابع الإحرام الأول ويفرق بين هذا وتفصيلهم في سجود السهو بين أن يسلم سهوا فيعود أو عمدا فلا بأن تحصيل الحج الكامل صعب فسومح فيه باستدراكه ولو بعد الخروج منه بالتحللين ما لم يسامح ثم ووقع في الكفاية أن إفاقة المجنون حكمها ما ذكر وجزم به الإسنوي وابن النقيب. واعتمده الزركشي والجلال البلقيني وغيرهم وتبعهم شيخنا، وهو قياس ما ذكروه في الصبي غير المميز لكن الذي جرى عليه الشيخان أنه يشترط إفاقته في الأركان كلها حتى عند الإحرام ونقله في المجموع عن الأصحاب وقال معناه أنه يشترط ذلك في وقوعه عن حجة الإسلام ونقل

 

ج / 2 ص -6-           الزركشي ذلك عن الأصحاب أيضا وبكلام المجموع يندفع تأويل شيخنا لكلامهما بأن إفاقته عند الإحرام إنما هي شرط لسقوط زيادة النفقة عن الولي على أن صنيع الروضة يرد هذا التأويل أيضا، فإن قلت ما الفرق بين الصبي غير المميز والمجنون قلت يفرق بأن في إحرام الولي عن المجنون خلافا ولا كذلك الصبي فلقوة إحرامه عنه وقع عن حجة الإسلام بخلاف المجنون. وذكرت في شرح العباب فرقا آخر مع الانتصار للمنقول وأن أولئك غفلوا عنه، وإن كان ظاهر النص يؤيدهم ثم اشتراط الإفاقة عند الحلق هو ما بحثاه بناء على أنه ركن ونازع فيه شارح بأنهم إنما سكتوا عنه؛ لأنه لا يشترط فيه فعل قال حتى لو وقع، وهو نائم كفى فيما يظهر ا هـ. ويرد أن محل كونه لا يشترط فيه فعل إذا كان متأهلا لا مطلقا كما هو واضح فاتجه ما بحثاه وإذا اشترط لوقوع الوقوف الذي لا يشترط فيه فعل ولا يؤثر فيه صارف عن حجة الإسلام إفاقته عنده فالحلق كذلك.
 "وشرط وجوبه" أي ما ذكر من الحج والعمرة "الإسلام" فلا يجب على كافر أصلي إلا للعقاب عليه نظير ما مر في الصلاة وغيرها ولا أثر لاستطاعته في كفره أما المرتد فيخاطب به في ردته حتى لو استطاع ثم أسلم لزمه الحج، وإن افتقر، فإن أخره حتى مات حج عنه من تركته "والتكليف والحرية والاستطاعة" بالإجماع فلا يجب على أضداد هؤلاء لنقصهم. وعلم من كلامه مع ما مر فيه أن المراتب خمس صحة مطلقة وصحة مباشرة فوقوع عن نذر فوقوع عن فرض الإسلام فوجوب وأن الاستطاعة الواحدة كافية للحج والعمرة كذا أطلقوه ومحله كما هو واضح في استطاعة الحج أما استطاعة العمرة في غير وقت الحج فلا يتوهم الاكتفاء بها للحج.
 "وهي نوعان أحدهما استطاعة مباشرة ولها شروط" ظاهره بل صريحه كسائر كلامهم أنه لا عبرة بقدرة ولي على الوصول إلى مكة وعرفة في لحظة كرامة، وإنما العبرة بالأمر الظاهر العادي فلا يخاطب ذلك الولي بالوجوب إلا إن قدر كالعادة ثم رأيت ما يصرح بذلك، وهو ما سأذكره أواخر الرهن أنه لا بد في قبضه من الإمكان العادي نص عليه قال القاضي أبو الطيب. وهذا يدل على أنه لا يحكم بما يمكن من كرامات الأولياء ولهذا لم يلحق من تزوج بمصر امرأة بمكة فولدت لستة أشهر من العقد وتعقبه الزركشي بكلام لابن الرفعة أولته بما حاصله حمله على أن الولي إذا فعل الشيء كرامة ترتب عليه حكمه كما لو حج هنا أما أنه يكلف بفعل يقدر عليه كرامة فلا لإطباقهم كما قال اليافعي على أنه ينبغي له التنزه عن قصد الكرامة وفعلها ما أمكنه.
"أحدها وجود الزاد وأوعيته" حتى السفرة أي مثلا "ومؤنة" نفسه وغيرها مما يحتاج إليه في "ذهابه وإيابه" أي أقل مدة يمكن فيها ذلك بالسير المعتاد الآتي من بلده مع مدة الإقامة المعتادة بمكة وهذا عام بعد خاص وحكمة ذكر الخاص وروده في الخبر الذي صححه جمع وضعفه آخرون أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن السبيل في الآية فقال:
"الزاد والراحلة". وقيل "إن لم يكن له ببلده أهل" هم ممن تجب نفقتهم "وعشيرة" هي بمعنى أو؛ لأن وجود

 

ج / 2 ص -7-           أحدهما كاف في الجزم باشتراط ذلك وهم أقاربه مطلقا "لم تشترط" في حقه "نفقة" عبر بها بعد تعبيره بمؤنة ليبين أن المراد منهما واحد هو مفهوم المؤنة الأعم فاندفع اعتراضه بأن التعبير بالنفقة قاصر "الإياب" أي قدرته على مؤنة من الزاد والراحلة لاستواء كل البلاد إليه حينئذ، وردوه بما في الغربة من الوحشة ومشقة فراق الوطن المألوف بالطبع ويؤخذ من ذلك أن الكلام فيمن له وطن ونوى الرجوع إليه أو لم ينو شيئا ويظهر ضبطه بما مر في الجمعة فمن لا وطن له وله بالحجاز ما يقيته لا تعتبر في حقه مؤنة الإياب قطعا لاستواء سائر البلاد إليه وكذا من نوى الاستيطان بمكة أو قربها. "ولو" لم يجد ما ذكر لكن "كان يكسب" في السفر "ما يفي بزاده" وغيره من المؤن "وسفره طويل" أي مرحلتان أو أكثر "لم يكلف الحج"، وإن كان يكسب في كل يوم كفاية أيام؛ لأن في اجتماع تعب السفر والكسب مشقة شديدة عليه "وإن قصر" سفره بأن كان دون مرحلتين من مكة "وهو يكسب في يوم" أول من أيام سفره ووقع في نسخة في كل يوم، وهي وهم "كفاية أيام كلف" السفر للحج مع الكسب فيه وإن نازع فيه الأذرعي وأطال لانتفاء المشقة حينئذ فعد مستطيعا وبحث ابن النقيب أن المراد بأيام أقل الجمع، وهو ثلاثة والإسنوي أخذا من كلامهم. وصرح به في الذخائر أن المراد أيام الحج وقدرها بما يقرب مما قدرها به في المجموع من أنها ما بين زوال سابع الحجة وزوال ثالث عشرة أي في حق من لم ينفر النفر الأول وكان وجه اعتبار زوال السابع وما بعده أي إن أراد الأفضل أنه يأخذ حينئذ في استماع خطبة الإمام وأسباب توجهه من الغدو إلى منى والثالث عشر أنه قد يريد الأفضل، وهو إقامته بمنى وواضح أنه لا بد مع ذلك من قدرته على مؤنة أيام سفره إلى مكة ذهابا ورجوعا وخرج بقولنا أول قدرته على أن يكتسب بعده أو في الحضر ما بقي في الكل فلا يلزمه قصر السفر أو طال خلافا للإسنوي؛ لأن تحصل سبب الوجوب لا يجب ومن ثم نقل الجوري الإجماع على أن اكتساب الزاد والراحلة لا يجب. فإن قلت لم يتضح الفرق بين إلزامه الكسب في أول السفر لا في الحضر بل قد يتخيل أن إلزامه الكسب في الحضر أولى؛ لأنه لا يجتمع عليه به مشقتا السفر والكسب بخلاف ذاك قلت بل الفرق ظاهر؛ لأنه إذا قدر على الكسب أول سفره عد مستطيعا له ولا كذلك قدرته في الحضر؛ لأنه لا يعد بها مستطيعا للسفر بل محصلا لسبب الاستطاعة بالسفر وقد تقرر أن تحصيل سبب الوجوب لا يجب فاتضح الفرق والإجماع المذكور وغلط من أخذ من هذا الإجماع أنه لا يجب اكتساب نحو الزاد سفرا ولا حضرا ويعتبر في العمرة القدرة على مؤنة ما يسنها غالبا، وهو نحو نصف يوم مع مؤنة سفره.
 "الثاني وجود الراحلة" بشراء أو استئجار بعوض المثل لا بأزيد منه، وإن قل نظير ما مر في التيمم وصرح به هنا ابن الرفعة كالروياني. وكون الحج لا بدل له بخلاف التيمم يعارضه أن الحج على التراخي فكما أنه غير مضطر لبذل الزيادة ثم للبدلية فكذا هنا للتراخي أو وقف عليه أو إيصاء له بمنفعتها مدة يمكن فيها الحج أو على هذه الجهة أو إعطاء الإمام إياها له من بيت المال لا من ماله كما لو وهبها له غيره للمنة وذلك للخبر السابق

 

ج / 2 ص -8-           "لمن بينه وبين مكة مرحلتان" وإن أطاق المشي بلا مشقة؛ لأنها من شأنه حينئذ نعم هو الأفضل خروجا من خلاف من أوجبه والأوجه أن المرأة التي لا يخشى عليها فتنة منه بوجه كالرجل في ندبه، وهي الناقة التي تصلح لأن ترحل وأرادوا بها كل ما يصلح للركوب عليه بالنسبة لطريقه الذي يسلكه ولو نحو بغل وحمار، وإن لم يلق به ركوبه وبقر بناء على ما صرحوا به من حل ركوبه. ومعنى كونها لم تخلق له كما في الخبر أنه ليس المقصود من منافعها واعتبروا المسافة من مكة هنا، وفي حاضري الحرم منه دفعا للمشقة فيهما ولو قدر على استئجار راحلة إلى دون مرحلتين وعلى مشي الباقي فظاهر كلامهم أنه لا يلزمه، وهو الأوجه خلافا للزركشي؛ لأن تحصيل سبب الوجوب لا يجب "فإن لحقه" أي الذكر "بالراحلة مشقة شديدة"، وهي في هذا الباب ما يبيح التيمم أو يحصل به ضرر لا يحتمل عادة فيما يظهر "اشترط وجود محمل" بفتح ميمه الأولى وكسر الثانية وقيل عكسه دفعا للضرر، فإن لحقته بالمحمل اشترط نحو كنيسة، وهي المسماة الآن بالمحارة، فإن لحقته بها فمحفة، فإن لحقته بها فسرير يحمله رجال على الأوجه فيهما ولا نظر لزيادة مؤنتهما؛ لأن الفرض أنها فاضلة عما يأتي. أما المرأة والخنثى فيشترط في حقهما القدرة على المحمل، وإن اعتادا غيره كنساء الأعراب على الأوجه؛ لأنه أستر لهما ولا ينافيه ما مر من ندب المشي لها؛ لأنه يحتاط للواجب أكثر.
"واشترط شريك يجلس في الشق الآخر" أي وجوده بشرط أن تليق به مجالسته بأن لا يكون فاسقا ولا مشهورا بنحو مجون أو خلاعة، ولا شديد العداوة له فيما يظهر أخذا مما يأتي في الوليمة بل أولى؛ لأن المشقة هنا أعظم بطول مصاحبته ومن ثم اشترط فيما يظهر أيضا أن لا يكون به نحو برص وأن يوافقه على الركوب بين المحملين إذا نزل لقضاء حاجة ويغلب على ظنه وفاؤه. بذلك وقضية المتن وغيره تعين الشريك، وإن قدر على المحمل بتمامه؛ لأن بذل الزيادة خسران لا مقابل له لكن الأوجه أنه متى سهلت معادلته بما يحتاج لاستصحابه أو يريده منه تعينت هي أو الشريك "ومن بينه وبينها" أي مكة "دون مرحلتين"، وإن كان بينه وبين عرفة مرحلتان كما اقتضاه كلامهم ومقتضاه أيضا أنه لو قرب من عرفة وبعد من مكة لم يعتبر "وهو قوي على المشي يلزمه الحج" لعدم المشقة غالبا. "فإن ضعف" عن المشي بحيث يلحقه به المشقة السابقة "فكالعبد" فيما مر وخرج بالمشي نحو الحبو فلا يجب مطلقا لعظم مشقته "ويشترط كون الزاد والراحلة" السابقين ومثلهما ثمنهما وأجرة خفارة ونحو محرم امرأة وقائد أعمى ومحمل اشترط وغير ذلك من كل ما يلزمه من مؤن السفر "فاضلين عن دينه" ولو مؤجلا، وإن رضي صاحبه أو كان لله تعالى كنذر؛ لأن المنية قد تخترمه فتبقى الذمة مرتهنة وبفرض حياته قد لا يجد بعد صرف ما معه للحج ما يسد به وظاهر كلامهم أنه لا فرق بين تضييق الحج وعدمه، لكن قضية تعليلهم بأن الدين ناجز والحج على التراخي خلافه، وهو محتمل كاجتماع الدين والزكاة أو الحج في التركة قاله الأذرعي. وقوله وهو محتمل فيه نظر؛ لأن المدار على التعليل السابق ولأنهم مع ذلك صرحوا بأن الدين المؤجل كالحال فدل على أن نجاز الدين غير شرط فكذا تراخي

 

ج / 2 ص -9-           الحج، ودينه الحال على مليء مقر به أو به بينة أو يعلمه القاضي كالذي بيده وإلا فكالمعدوم نعم ما يسهل عليه الظفر به بشرطه كالحاصل أيضا "و" عن دست ثوب يليق به نظير ما يأتي في المفلس وعن كتب نحو الفقيه بتفصيله الآتي في قسم الصدقات وخيل الجندي الآتي ثم، وآلة المحترف وثمن المحتاج إليه مما ذكر وغيره كهو وعن "مؤنة من عليه نفقتهم مدة ذهابه وإيابه" وإقامته كما علم مما مر لئلا يضيعوا وعدل عن قول أصله نفقة، وإن كان قد يراد بها ما يراد بالمؤنة ومن ثم قال نفقتهم مع أن المراد مؤنتهم؛ لأنهم قد يقدرون على النفقة فلا يلزم المنفق إلا المؤنة الزائدة لتشمل الكسوة والخدمة والسكنى وإعفاف الأب وثمن دواء وأجرة طبيب ونحوها ولا يجوز له الخروج حتى يترك تلك المؤن أو يوكل من يصرفها من مال حاضر أو يطلق الزوجة أو يبيع القن. "والأصح اشتراط كونه" أي المذكور الفاضل عما مر "فاضلا" أيضا "عن مسكنه وعبد يحتاج إليه لخدمته" لزمانة أو منصب أو عن ثمنهما الذي يحصلهما به كما يبقيان في الكفارة هذا إن استغرقت حاجته الدار وكانت مسكن مثله ولاق به العبد وإلا، فإن أمكن بيع بعضها أو الاستبدال عنها أو عن العبد بلائق وكفى التفاوت مؤن الحج تعين، وإن ألفهما قطعا هنا لا في الكفارة؛ لأن لها بدلا أي مجزئا فلا يعترض بأن كلا من خصالها أصل برأسه في الجملة فلا ينتقض بالمرتبة الأخيرة منها وأمة الخدمة كالعبد فيما ذكر بخلاف السرية، فإن احتاج لها لنحو خوف عنت لم يكلف بيعها، وإن تضيق عليه الحج فيما يظهر، لكن يستقر الحج في ذمته أخذا مما قالوه فيمن ليس معه إلا ما يصرفه للحج أو النكاح واحتاج إليه أنه يقدمه ويستقر الحج في ذمته. فإن قلت كيف يؤمر بما يكون سببا لفسقه لو مات عقب سنة التمكن قلت لم يؤمر بما هو سبب ذلك إذ سببه مطلق تراخيه لا خصوص المأمور به فكأنه مأمور به بشرط سلامة العاقبة ويؤخذ من قولهم الآتي لا ينظر في الحج للمستقبلات أن المكفية بإسكان زوج والساكن في بيت مدرسة بحق لا يترك لهما مسكن ومخالفة الإسنوي في هذا والذي قبله مردودة وظاهر كلامهم أنه لا عبرة بما هو مستأجر له، وإن طالت مدة الإجارة، وهو محتمل؛ لأن هذا له مدة محدودة مترقبة الزوال فليس كالمسكن الأصلي بخلاف ذينك ثم رأيت عن السبكي أن من يعتاد السكن بالأجرة لا يترك له مسكن، وهو بعيد جدا فالوجه خلافه نعم إن قصد أنه، وإن اشتراه لا يسكن فيه بل فيما اعتاده فلا يعتبر في حقه حينئذ كما هو ظاهر. ونقل بعضهم عن السبكي ما هو قريب منه فليحمل عليه ومن ثم تبعه الأذرعي وغيره ويتردد النظر في الموصى له بمنفعته مطلقا أو مدة معلومة والذي يتجه في الأول أنه لا يشترى له مسكن بخلاف الثاني نظير ما مر في الموقوف والمستأجر ثم رأيت الأذرعي أطلق أن المستحق منفعته بوصية كهو بوقف، وهو ظاهر فيما ذكر به إذ القياس على الوقف يقتضي عدم تعيين المدة والأوجه فيمن لا يصبر على ترك الجماع أنه لا يشترط قدرته على سرية أو زوجة يستصحبها فيستقر الحج في ذمته. "و الأصح " أنه "يلزمه صرف مال تجارته" وثمن مستغلاته التي يحصل منها كفايته "إليهما" أي الزاد والراحلة مع ما ذكر معهما كما يلزمه صرفه في دينه وفارق المسكن

 

ج / 2 ص -10-         والخادم بأنه يحتاج إليها حالا، وهو يتخذ ذخيرة للمستقبل والحج لا ينظر فيه للمستقبلات وبه يرد على من نظر لها فقال لا يلزمه صرفه لهما إذا لم يكن له كسب بحال لا سيما والحج على التراخي.
 "الثالث أمن الطريق" ولو ظنا الأمن اللائق بالسفر دون الحضر على نفسه وما يحتاج لاستصحابه لا على ما معه من مال تجارته ونحوه إن أمن عليه ببلده ولا على مال غيره إلا إذا لزمه حفظه والسفر به فيما يظهر وذلك؛ لأن خوفه يمنع استطاعة السبيل ويشترط أيضا وجود رفقة يخرج معهم وقت العادة إن خاف وحده ولا أثر للوحشة هنا؛ لأنه لا بدل له وبه فارق الوضوء ولو اختص الخوف به لم يستقر في ذمته كما بينته في الحاشية. "فلو خاف على نفسه" أو بعضه "أو ماله"، وإن قل "سبعا أو عدوا" مسلما أو كافرا "أو رصديا" وهو من يرصد الناس أي يرقبهم في الطريق أو القرى لأخذ شيء منهم ظلما "ولا طريق" له "سواه لم يجب الحج" لحصول الضرر نعم يسن الخروج وقتال الكافر إن أمكن ولم يجب هنا، وإن زاد المسلمون على الضعف؛ لأن الغالب في الحجاج عدم اجتماع كلمتهم وضعف جانبهم فلو كلفوا الوقوف لهم كانوا طعمة لهم وذلك يبعد وجوبه ويكره بذل مال له؛ لأنه ذل بخلافه للمسلم بعد الإحرام؛ لأنه أخف من قتاله نعم إن علم أنه به يتقوى على التعرض للناس كره أيضا كما هو ظاهر ولو بذل الإمام للرصد وجب الحج وكذا أجنبي على الأوجه حيث لا يتصور لحوق منه لأحد منهم في ذلك بوجه أما لو كان له طريق آخر سواه فيجب سلوكه، وإن كان أطول إن وجد مؤن سلوكه. "والأظهر وجوب ركوب البحر" على الرجل وكذا المرأة "إن" وجدت لها محلا تنعزل فيه عن الرجال كما هو ظاهر وتعين طريقا ولو لنحو جدب البر وعطشه كما هو ظاهر خلافا لقول الجوري ينتظر زوال عارض البر و "غلبت السلامة" وقت السفر فيه؛ لأنه حينئذ كالبر الآمن بخلاف ما إذا غلب الهلاك أو استويا بالحرمة ركوبه حينئذ للحج وغيره وظاهر تعبيرهم بغلبة السلامة أنه لو اعتيد في ذلك الزمن الذي يسافر فيه أنه يغرق فيه تسعة ويسلم عشرة لزم ركوبه ويؤيده إلحاقهم الاستواء بغلبة الهلاك ولا يخلو عن بعد فلو قيل المعتبر العرف فلا يكتفي بتفاوت الواحد ونحوه لم يبعد ويؤيده ما يأتي في الفرار عن الصف وعليه فالمراد الاستواء العرفي أيضا لا الحقيقي. وخرج به الأنهار العظيمة كجيحون والنيل فيجب ركوبها قطعا؛ لأن المقام فيها لا يطول والخوف لا يعظم، وقول الأذرعي محله إذا كان يقطعها عرضا وإلا فهي في كثير من الأوقات كالبحر وأخطر " مردود بأن البر فيها قريب أي غالبا فيسهل الخروج إليه "و الأظهر" أنه "تلزمه أجرة البذرقة" بالمهملة والمعجمة معربة، وهي الخفارة فإذا وجدوا من يحرسهم بحيث يأمنون معهم ظنا لزمهم استئجارهم بأجرة المثل لا بأزيد، وإن قل؛ لأنها من أهب السفر كأجرة دليل لا يعرف الطريق إلا به "ويشترط" للوجوب أيضا "وجود الماء والزاد في المواضع المعتاد حمله منها بثمن المثل، وهو القدر اللائق به في ذلك الزمان والمكان" فلو خلا بعض المنازل أو محال الماء المعتادة عن ذلك فلا وجوب؛ لأنه إن لم يحمل ذلك معه خاف على نفسه، وإن حمله عظمت المؤنة. وكذا لو لم يجدهما

 

ج / 2 ص -11-         أو أحدهما إلا بأكثر من ثمن المثل، وإن قلت الزيادة قال الأذرعي وغيره وكان هذا كتمثيل الرافعي بحمل الزاد من الكوفة إلى مكة وحمل الماء مرحلتين أو ثلاثا باعتبار عادة طريق العراق وأما طريق مصر والشام فاعتادوا حمل الزاد - إلى مكة - والمياه المراحل الأربع والخمس فينبغي اعتبار العرف المختلف باختلاف النواحي ا هـ.، وإنما يتجه مع ما فيه إن اطرد عرف كل ناحية بذلك وكثير من أهل مصر والشام لا يحملون ذلك أصلا اتكالا على وجوده في مواضع معروفة في طريقهم "و" وجود "علف الدابة في كل مرحلة" لأن المؤنة تعظم في حمله لكثرته كذا نقلاه عن جمع وأقراه، لكن بحث في المجموع ما صرح به غيره من اعتبار العادة فيه أيضا واعتمده الأذرعي وغيره قالوا وإلا لم يلزم آفاقيا الحج أصلا "و" يشترط "في" الوجوب على "المرأة" لا في الأداء فلو استطاعت ولم تجد من يأتي لم يقض من تركتها على المعتمد "أن يخرج معها زوج" ولو فاسقا؛ لأنه مع فسقه يغار عليها من مواقع الريب. وبه يعلم أن من علم منه أنه لا غيرة له كما هو شأن بعض من لا خلاق لهم لا يكتفى به "أو محرم" بنسب أو رضاع أو مصاهرة ولو فاسقا أيضا بالتفصيل المذكور في الزوج فيما يظهر فيهما ويكفي على الأوجه مراهق وأعمى لهما حذق يمنع الريبة واشترط البلوغ في النسوة على ما يأتي احتياطا ولأنهن مطموع فيهن وكونه في قافلتها، وإن لم يكن معها، لكن بشرط قربه بحيث تمتنع الريبة بوجوده وألحق بهما جمع عبدها الثقة أي إذا كانت هي ثقة أيضا، والأجنبي الممسوح إن كانا ثقتين أيضا لحل نظرهما لها وخلوتهما بها كما يأتي "أو نسوة" بضم أوله وكسره ثلاث فأكثر "ثقات" أي بالغات متصفات بالعدالة ولو إماء. ويتجه الاكتفاء بالمراهقات بقيده السابق وبمحارم فسقهن بغير نحو زنا أو قيادة ونحو ذلك لحرمة سفرها وحدها، وإن قصر وكانت في قافلة عظيمة كما صرحت به الأحاديث الصحيحة لخوف استمالتها وخديعتها، وهو منتف بمصاحبتها لمن ذكر حتى النسوة؛ لأنهن إذا كثرن وكن ثقات انقطعت الأطماع عنهن، لكن نازع جمع في اشتراط ثلاث المصرح به كلامهما وقالوا ينبغي الاكتفاء بثنتين ويجاب بأن خطر السفر اقتضى الاحتياط في ذلك على أنه قد يعرض لإحداهن حاجة تبرز ونحوه فيذهب ثنتان وتبقى ثنتان ولو اكتفى بثنتين لذهبت واحدة وحدها فيخشى عليها واعتبارهن إنما هو للوجوب أما الجواز فلها أن تخرج لأداء فرض الإسلام مع امرأة ثقة كما في مواضع من المجموع فهما مسألتان. كما يصرح به كلامه في شرح مسلم خلافا لمن توهم تناقض كلامه ولها أيضا أن تخرج له وحدها إذا تيقنت الأمن على نفسها هذا كله في الفرض ولو نذرا أو قضاء على الأوجه أما النفل فليس لها الخروج له مع نسوة، وإن كثرن حتى يحرم على المكية التطوع بالعمرة من التنعيم مع النساء خلافا لمن نازع فيه نعم لو مات نحو المحرم، وهي في تطوع فلها إتمامه ويشترط في الخنثى المشكل محرم رجل أو امرأة ويكفي نساء بناء على الأصح من حل خلوة رجل بامرأتين، وفي الأمرد أي الحسن أخذا مما يأتي في نظيره أن يخرج معه سيد أو محرم يأمن به على نفسه على الأوجه "والأصح أنه لا يشترط وجود محرم" أو نحو زوج "لإحداهن" لما تقرر من انقطاع الأطماع عنهن عند اجتماعهن "و" الأصح "أنه

 

ج / 2 ص -12-         تلزمها أجرة" مثل "المحرم" أو الزوج أو النسوة "إذا لم يخرج" من ذكر "إلا بها" كأجرة البذرقة بل أولى؛ لأن هذه لمعنى فيها فأشبهت مؤنة المحمل وفائدة وجوبها تعجيل دفعها في الحياة إن تضيق بنذر أو خوف عضب، أو الاستقرار إن قدرت عليها حتى يحج عنها من تركتها وليس لها إجبار محرمها إلا إن كان قنها، ولا زوجها إلا إن أفسد حجها ولزمه إحجاجها فيلزمه ذلك بلا أجرة.
 "الرابع أن يثبت على الراحلة" أو نحو المحمل "بلا مشقة شديدة"، فإن لم يثبت أصلا أو ثبت بمشقة شديدة ومر ضابطها انتفت استطاعة المباشرة. "وعلى الأعمى الحج" والعمرة "إن وجد" مع ما مر "قائدا" يقوده لحاجته ويهديه عند ركوبه ونزوله لاستطاعته حينئذ ويظهر أنه يشترط فيه ما قدمته في الشريك "وهو" أي القائد في حقه "كالمحرم في حق المرأة" فيأتي فيه ما مر ثم ويشترط في مقطوع نحو أربعة وجود معين له. "والمحجور عليه لسفه كغيره" في وجوب الحج؛ لأنه مكلف حر "لكن لا يدفع المال" الذي هو من مال السفيه "إليه لأنه يتلفه"؛ وكذا مال نفسه إن علم أنه يصرفه في معصية وواضح أنه لو دفع إليه مال نفسه وملكه له لزمه نزعه منه إن قدر عليه "بل يخرج معه الولي" إن شاء ليحفظه وينفق عليه ما يليق به. "أو ينصب شخصا له" ثقة ينوب عن الولي ولو بأجرة مثله من مال المولى كقائد الأعمى إن لم يجد ثقة متبرعا، وإنما جاز له في الحضر أن يدفع له نفقة أسبوع فأسبوع حيث أمن من إتلافه لها؛ لأنه يراقبه فيمتنع بسبب ذلك من إتلافها بخلافه في السفر لتعسر المراقبة فيه.
وبقي شرط خامس، وهو أن يبقى بعد وجود الاستطاعة ما يمكنه السير فيه لأداء النسك على العادة بحيث لا يحتاج لقطع أكثر من مرحلة شرعية ولو في يوم واحد أو ليلة واحدة، وإن اعتيد كما شمله كلامهم، فإن انتفى ذلك لم يجب الحج أصلا فضلا عن قضائه خلافا لابن الصلاح؛ لأن هذا عاجز حسا فكيف يكون مستطيعا، وإنما وجبت الصلاة بأول الوقت قبل مضي زمن يسعها لإمكان تتميمها بعده ولا كذلك هنا وتظهر فائدة هذا النزاع في وصفه بالإيجاب فيوصف به عند ابن الصلاح. ويجوز الاستئجار عنه بعد موته قطعا بخلافه على مقابله، فإنه لا يوصف به وفي جواز الاستئجار عنه خلاف، وإن كان الأصح منه الجواز أيضا.
وسادس: وهو أن يوجد المعتبر في الإيجاب في الوقت، فلو استطاع في رمضان مثلا ثم افتقر في شوال أو بعد حجهم وقبل الرجوع لمن هو معتبر في حقه فلا وجوب.
وسابع وثامن وهما خروج رفقة معه وقت العادة كما مر في الثالث المفهم لأولهما.
تنبيه: استطاع ثم افتقر لزمه الكسب للحج والمشي إن قدر عليه ولو فوق مرحلتين وكذا السؤال على ما في الإحياء واستبعد ويؤيد استبعاده أنه لا يجب السؤال لوفاء دين آدمي عصى به كما يقتضيه كلامهم في باب التفليس فالحج أولى ويفرق بينه وبين الكسب بأن أكثر النفوس تسمح به لا سيما عند الضرورة بخلاف السؤال مطلقا.

 

ج / 2 ص -13-         "النوع الثاني استطاعة تحصيله بغيره فمن مات وفي ذمته حج" واجب بأن تمكن من الأداء بعد الوجوب أو عمرة واجبة كذلك "وجب" على الوصي، فإن لم يكن فالوارث الكامل، فإن لم يكن فالحاكم إن لم يرد فعل ذلك بنفسه "الإحجاج" أو الاعتمار "عنه من تركته" فورا لخبر البخاري إن أمي نذرت أن تحج فماتت قبل أن تحج أفأحج عنها قال: "حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته" قالت: نعم قال: "اقضوا الله فالله أحق بالوفاء" شبه الحج بالدين وأمر بقضائه فدل على وجوبه وخرج بتركه ما إذا لم يخلف تركة فلا يلزم أحدا الحج ولا الإحجاج عنه، لكنه يسن للوارث وللأجنبي، وإن لم يأذن له الوارث ويفرق بينه وبين توقف الصوم عنه على إذن القريب بأن هذا أشبه بالديون فأعطي حكمها بخلاف الصوم ولكل الحج والإحجاج عمن لم يستطع في حياته على المعتمد نظرا إلى وقوع حجة الإسلام عنه، وإن لم يكن مخاطبا بها في حياته ولا ينافيه المتن؛ لأن قوله، وفي ذمته قيد للوجوب وليس كلامنا فيه وبقوله في ذمته النفل فلا يجوز حجه عنه إلا إن أوصى به. أما لو لم يتمكن بعد الوجوب بأن أخر فمات أو جن قبل تمام حج الناس أي، قبل مضي زمن بعد نصف ليلة النحر يسع بالنسبة لعادة حج بلده فيما يظهر ما لم يمكنهم تقديمه من الأركان ورمى جمرة العقبة أو تلف ماله أو عضب قبل إيابهم لم يقض من تركته ولو لزمه الحج فارتد ومات مرتدا لم يقض من تركته على أنه لا تركة له؛ لأنه بان زوال ملكه بالردة. "والمعضوب" بالمعجمة من العضب، وهو القطع وبالمهملة كأنه قطع عصبه ومن ثم فسره بقوله "العاجز" فهو صفة كاشفة والخبر إن إلخ أو خبره عنه نظرا لتقييد العجز بكونه عن الحج والأول أولى "عن الحج بنفسه" لنحو زمانة أو مرض لا يرجى برؤه "إن وجد أجرة من يحج عنه" ولو ماشيا "بأجرة المثل" لا بأزيد، وإن قل نظير ما مر آنفا. وللإمام بحث ضعيف في الزيادة على مهر مثل الحرة بحث الزركشي مجيئه هنا مع وضوح الفرق بأن هناك التخلص من ورطة رق الولد فاحتمل في مقابلته زيادة يسيرة بخلافه هنا "لزمه" الإحجاج عن نفسه فورا إن عضب بعد الوجوب والتمكن وعلى التراخي إن عضب قبل الوجوب أو معه أو بعده ولم يمكنه الأداء وذلك؛ لأنه مستطيع إذ الاستطاعة بالمال كهي بالنفس ولخبر الصحيحين: "إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: "نعم". وذلك في حجة الوداع هذا إن كان بينه وبين مكة مسافة القصر وإلا لم تجز له الإنابة مطلقا بل يكلفه بنفسه، فإن عجز حج عنه بعد موته من تركته هذا ما اقتضاه إطلاقهم وله وجه وجيه نظرا إلى أن عجز القريب بكل وجه نادر جدا فلم يعتبر. وإن اعتبره جمع متأخرون فجوزوا له الإنابة أخذا من التعليل بخفة المشقة وتبعتهم في شرح الإرشاد ولو شفي بعد الحج عنه بان فساد الإجارة ووقوعه للنائب ولزوم المعضوب الحج بنفسه بخلاف ما لو حضر معه ثم فات الحج، وإن وقع للأجير، لكنه يستحق الأجرة هنا؛ لأن التقصير من المعضوب مع صحة الإجارة ههنا "ويشترط كونها" أي الأجرة "فاضلة عن الحاجات المذكورة فيمن يحج بنفسه، لكن لا يشترط" هنا "نفقة العيال" الذين تلزمه مؤنتهم "ذهابا

 

ج / 2 ص -14-         وإيابا"؛ لأنه مقيم عندهم فيحصل مؤنتهم ولو باقتراض أو تعرض لصدقة فاندفع قول السبكي في إلزام من لا كسب له ويصير كلا على الناس إذا خرج ما في يده بعد على أنه لا نظر هنا للمستقبلات كما مر. "ولو بذل" أي أعطى "ولده" أي فرعه، وإن سفل ذكرا كان أو أنثى أو والده، وإن علا كذلك "أو أجنبي مالا" له "للأجرة" لمن يحج عنه "لم يجب قبوله في الأصح" لما في قبول المال من المنة ومن ثم لو أراد الأصل أو الفرع العاجز أو القادر استئجار من يحج عنه أو قال له أحدهما استأجر وأنا أدفع عنك لزمه الإذن له في الأولى أو الاستئجار في الثانية كما بينته في الحاشية؛ لأنه ليس عليه مع كون البذل من أصله أو فرعه كبير منة فيه بخلاف بذله له ليستأجر هو به عن نفسه أخذا من قولهم إن الإنسان يستنكف الاستعانة بمال الغير، وإن قل دون بدنه ولا شك أن أجيره كبدنه ومن ثم لو رضي الأجير بدون أجرة المثل لزمه إنابته لضعف المنة هنا أيضا. "ولو بذل الولد الطاعة" للمعضوب بأن يحج عنه بنفسه "وجب قبوله" بأن يأذن له في الحج عنه لحصول الاستطاعة حينئذ، فإن امتنع من الإذن لم يأذن الحاكم عنه ولا يجبره عليه، وإن تضيق إلا من باب الأمر بالمعروف فقط ولو توسم الطاعة ولو من أجنبي لزمه أمره نعم لا يلزمه الإذن لفرع أو أصل أو امرأة ماش إلا إن كان بين المطيع وبين مكة دون مرحلتين وأطاقه ولا لقريبه أو أجنبي معول على كسب إلا إذا كان يكتسب في يوم كفاية أيام بشرطه السابق أو سؤال؛ لأنه يشق عليه مع أن لولي المرأة منعها من المشي فلم يعتد بطاعتها ويجب الإذن هنا، وفيما يأتي فورا، وإن لزمه الحج على التراخي لئلا يرجع الباذل إذ لا وازع يحمله على الاستمرار على الطاعة. والرجوع جائز له قبل الإحرام وبه يتبين عدم الوجوب على المعضوب إذا كان قبل إمكان الحج عنه وإلا استقر عليه لا على المطيع وإن أوهمه المجموع وقد يؤخذ من قولهم والرجوع جائز له؛ لأنه لو لم يجز بأن نذر إطاعته نذرا منعقدا لم يلزمه الفور ويحتمل الأخذ بإطلاقهم نظرا للأصل وبما ذكر فارق هذا عدم وجوب المباشرة على المستطيع فورا؛ لأن له وازعا يحمله على الفعل، وهو وجوبه عليه ولو كان له مال أو مطيع لم يعلم به استقر في ذمته والعلم وعدمه إنما يؤثران في الإثم وعدمه "وكذا الأجنبي" ونحو الأخ والأب إذا بذل الطاعة يجب قبوله "في الأصح" ولو ماشيا لما مر أنه لا استنكاف بالاستعانة ببدن الغير ولأن مشي هذين لا يشق عليه مطلقا وشرط الباذل الذي يجب قبوله أن يكون حرا مكلفا موثوقا به أدى فرض نفسه وأن لا يكون معضوبا.
 "فرع" مات أجير العين قبل الإحرام لم يستحق شيئا أو بعده استحق؛ لأنه أتى ببعض المستأجر عليه، وإن لم يجز عن المستأجر له بالقسط بأن توزع أجرة المثل على السير والأعمال ويعطى ما يخص عمله قال بعضهم من المسمى وقال بعضهم من أجرة المثل والذي يتجه الأول أخذا مما يأتي قبيل ما يحرم من النكاح ثم رأيت شيخنا جزم به وسيأتي في الإجارة أنها لا تصح على زيارته صلى الله عليه وسلم سواء أريد بها الوقوف عند القبر المكرم أو الدعاء ثم لعدم انضباطه وقضيته أنه لو انضبط كأن كتب له بورقة صحت، وهو متجه وأما الجعالة فلا تصح على الأول؛ لأنه لا يقبل النيابة بل على الثاني وعليه لو استعجل من

 

ج / 2 ص -15-         جماعة على الدعاء ثم صح فإذا دعا لكل منهم استحق جعل الجميع لتعدد المجاعل عليه، وإن اتحد السير إليه كما لو استعجل على رد آبقين لملاك من موضع واحد ويشهد لذلك نص الشافعي رضي الله عنه على أن من مر بمتناضلين فقال لذي النوبة إن أصبت بهذا السهم فلك دينار فأصاب استحقه وحسبت له الإصابة وما كان له عليها مع اتحاد عمله. ولا ينافيه ما لو كان ميتان بقبر فاستعجل على أن يقرأ على كل ختمة لزمه ختمتان؛ لأن لفظ القرآن مقصود فإذا شرط تعدده وجب بخلاف لفظ الدعاء ولتفاوت ثواب القراءة ونفعها للميت وتفاوت الخشوع والتدبر فلم يمكن التداخل فيها فتأمله.

باب المواقيت
جمع ميقات، وهو لغة الحد وشرعا هنا زمن العبادة ومكانها فإطلاقه عليه حقيقي إلا عند من يخص التوقيت بالحد بالوقت، فتوسع.
"وقت" إحرام "الحج شوال وذو القعدة" بفتح القاف أفصح من كسرها "وعشر ليال من ذي الحجة" بكسر الحاء أفصح من فتحها أي ما بين منتهى غروب آخر رمضان بالنسبة للبلد الذي هو فيه فيصح إحرامه به فيه، وإن انتقل بعده إلى بلد أخرى تخالف مطلع تلك ووجدهم صياما على الأوجه؛ لأن وجوب موافقته لهم في الصوم لا يقتضي بطلان حجه الذي انعقد لشدة تشبث الحج ولزومه بل قال في الخادم نقلا عن غيره لا تلزمه الكفارة لو جامع في الثانية، وإن لزمه الإمساك. قال وقياسه أنه لا تجب فطرة من لزمته فطرته بغروب شمسه وعلى هذا يصح الإحرام فيه إعطاء له حكم شوال ا هـ. وما ذكره في الكفارة قريب؛ لأنها تسقط بالشبهة، وفي الفطرة يتعين فرضه فيما إذا حدث المؤدى عنه في البلد الأول قبل غروب اليوم الثاني وإلا فالوجه لزومها؛ لأن العبرة فيها بمحل المؤدى عنه وأما الإحرام في الثانية فالذي يتجه عدم صحته؛ لأنه بعد أن انتقل إليها صار مثلهم في الصوم فكذا الحج؛ لأنه لا فارق بينهما ولا ترد الكفارة لما علمت، وفجر النحر كذا فسر به جمع من الصحابة رضي الله عنهم قوله تعالى
{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] أي وقته ذلك وقول جمع مجتهدين يجوز الإحرام بالحج في جميع السنة ولكن لا يأتي بشيء من أعماله قبل أشهره رده أصحابنا بأنهم وافقونا على توقيت الطواف والوقوف فأي فارق بينهما وبين الإحرام. فإن قلت إذا كان غير الإحرام مما ذكر مثله في التوقيت بذلك بالنسبة لمنع تقدمه فلم اقتصر عليه قلت: لأنه المختلف فيه كما علمت بخلاف غيره ولأنه يفهم من منع تقدم الإحرام منع تقدم غيره بالأولى؛ لأنه تبع له وبهذا يظهر اندفاع الاعتراض عليه بأن الاقتصار على الإحرام موهم "وفي ليلة النحر" وهي ليلة عاشر الحجة "وجه" أنه لا يصح الإحرام فيها بالحج؛ لأن الليالي تبع للأيام ويوم النحر لا يصح الإحرام فيه به فكذا ليلته ويرده الخبر الصحيح المصرح بخلافه وعلى الأصح يصح الإحرام به فيها وإن علم أنه لا يدرك عرفة قبل الفجر فإذا فاته تحلل بما يأتي "فلو أحرم" حلال "به في غير وقته" المذكور "انعقد عمرة" مجزئة عن عمرة الإسلام "على الصحيح" علم أو جهل؛ لأن

 

ج / 2 ص -16-         الإحرام شديد التعلق فانصرف لما يقبله. ويظهر أنه لا يحرم عليه ذلك؛ لأنه ليس فيه تلبس بعبادة فاسدة بوجه ثم رأيت في المسألة قولين الحرمة والكراهة وقد علمت أن الثاني هو الراجح وعلم من كلامه بالأولى أنه لو أحرم به مطلقا في غير أشهره انعقد عمرة أيضا. "وجميع السنة وقت لإحرام العمرة" وغيره مما يتعلق بها؛ لأنها صحت عنه صلى الله عليه وسلم وعن غيره في أوقات مختلفة ثلاث مرات متفرقات في ثلاث سنين في القعدة ومرة في شوال ومرة في رمضان على ما رواه البيهقي ومرة في رجب، وإن أنكرتها عائشة رضي الله عنها واعتمرت بأمره من التنعيم رابع عشر ذي الحجة وصح: "عمرة في رمضان تعدل حجة معي" وقد يمتنع الإحرام بها لعارض كمحرم بها وكحاج لم ينفر من منى نفرا صحيحا، وإن لم يكن بها لأن بقاء أثر الإحرام كبقاء نفس الإحرام. ومن هذا علم بالأولى امتناع حجتين في عام واحد ونقل فيه الإجماع وصور تعدده بصور رددتها في حاشية الإيضاح ولا تنعقد كالحج ممن أحرم بها، وهو مجامع أو مرتد ويسن الإكثار منها لا سيما في رمضان للحديث المذكور، وهي أفضل من الطواف على المعتمد إذا استويا في الزمن المصروف إليهما؛ لأنها لا تقع من المكلف الحر إلا فرضا، وهو أفضل من التطوع
 "والميقات المكاني للحج" ولو في حق القارن تغليبا للحج "في حق من بمكة" ولو آفاقيا "نفس مكة" لا خارجها ولو محاذيها على المعتمد للخبر الآتي حتى أهل مكة من مكة "وقيل كل الحرم" لاستوائه معها في الحرمة ويرده تميزها عليه بأحكام أخر ولا حجة له في خبر: فأهللنا من الأبطح، لاحتمال أن العمارة كانت تنتهي إليه إذ ذاك بل هو الظاهر كما يدل له خبر نزوله به على أن العمارة الآن متصلة بأوله. فلو أحرم خارج بنيانها أي في محل يجوز قصر الصلاة فيه لمن سافر منها ولم يعد إليها قبل الوقوف أساء ولزمه دم على الأول بخلاف ما إذا عاد، لكن قبل وصوله لمسافة القصر وإلا تعين الوصول إلى ميقات الآفاقي كذا قالوه، وهو صريح في أنه لا تكفيه مسافة القصر وظاهر أن محله ما إذا كان ميقات الجهة التي خرج إليها أبعد من مرحلتين فيتعين هنا الوصول للميقات أو محاذاته بخلاف ما إذا كان ميقات جهة خروجه على مرحلتين أو لم يكن لها ميقات فيكفي الوصول إليها، وإن لم يصل لعين الميقات، وإنما سقط دم التمتع بالمرحلتين مطلقا؛ لأن هذا فيه إساءة بترك الإحرام من مكة فشدد عليه أكثر ولأنه يبعده عنها مرحلتين انقطعت نسبته إليها فصار كالآفاقي فتعين ميقات جهته أو محاذيه.
تنبيه: علم مما تقرر أن الآفاقي المتمتع لو دخل مكة وفرغ من أعمال عمرته ثم خرج إلى محل بينه وبينها مرحلتان لزمه الإحرام بالحج من ميقاته على ما تقرر أو دون مرحلتين ثم أراد الإحرام بالحج جاز له تأخيره إلى أن يدخلها بل لو أحرم من محله لزمه دخولها قبل الوقوف أو الوصول إلى الميقات أو مثله، وفي الروضة إذا كان ميقات المتمتع الآفاقي في مكة فأحرم خارجها لزمه دم الإساءة أيضا ما لم يعد لمكة أو للميقات أو مثل مسافته وهو صريح فيما ذكرته نعم قوله للميقات يحمل على ما حملت عليه قولهم ميقات الآفاقي.

 

ج / 2 ص -17-         "وأما غيره فميقات المتوجه من المدينة ذو الحليفة" تصغير الحلفة بفتح أوله واحدة الحلفاء نبات معروف، وهو المسمى الآن بأبيار علي كرم الله وجهه لزعم العامة أنه قاتل الجن فيها على نحو ثلاثة أميال من المدينة "ومن الشام" إذا لم يسلكوا طريق تبوك "ومصر والمغرب الجحفة"، وهي بعيد رابغ شرقي المتوجه إلى مكة نحو خمس مراحل من مكة والإحرام من رابغ الذي اعتيد ليس مفضولا لكونه قبل الميقات؛ لأنه لضرورة انبهام الجحفة على أكثر الحجاج ولعدم مائها، فإن قلت كيف جعلت ميقاتا مع نقل حمى المدينة أنها أوائل الهجرة لكونها مسكن اليهود بدعائه صلى الله عليه وسلم: "حتى لو مر بها طائر حم؟ قلت ما علم من قواعد الشرع أنه صلى الله عليه وسلم لا يأمر بما فيه ضرر يوجب حمل ذلك على أنها انتقلت إليها مدة مقام اليهود بها ثم زالت بزوالهم من الحجاز أو قبله حين التوقيت بها. "ومن تهامة اليمن يلملم ومن نجد اليمن ونجد الحجاز قرن" بإسكان الراء "ومن المشرق" العراق وغيره "ذات عرق" ويسن لهم الإحرام من العقيق قبيلها لخبر فيه ضعيف وكل من الثلاثة على مرحلتين من مكة وذلك للنص الصحيح في الكل حتى ذات عرق وتوقيت عمر رضي الله عنه بها اجتهاد وافق النص وعبر بالمتوجه ليوافق الخبر "هن لهن" أي لأهلهن "ولمن أتى عليهن من غير أهلهن" ممن أراد الحج والعمرة ويستثنى مما ذكر الأجير، فإنه يحرم من مثل مسافة ميقات من أحرم عنه إن كان أبعد من ميقاته، فإن أحرم من ميقات أقرب فوجهان أحدهما عليه دم الإساءة والحط ورجحه البغوي وآخرون والثاني لا شيء عليه وعليه الأكثرون ونقل عن النص وأنه علله بأن الشرع سوى بين المواقيت ورجحه الأذرعي، لكن مفهوم قول الروضة وأصلها إذا عدل أجير عن ميقات معين لفظا أو شرعا إلى آخر مساو له أو أبعد لا شيء عليه أنه إذا كان أقرب عليه شيء وبه يترجح الوجه الأول. قال الإسنوي وفرع المحب الطبري على ذلك فرعا طويلا في مكي استؤجر عن آفاقي بحج أو عمرة فأحرم من مكة وترك ميقات المستأجر عنه فعلى الوجه الأول يلزمه ما مر بالأولى وعلى مقابله يحتمل وجهين أحدهما لا شيء عليه؛ لأن مكة ميقات شرعي وأصحهما عليه دم الإساءة والحط، وإن عينها له الولي في الإجارة ولو شرط عليه ميقات أبعد لزمه منه اتفاقا.
"والأفضل أن يحرم" من هو فوق الميقات أو فيه إلا المكي لما يأتي فيه "من أول الميقات" ليقطع باقيه محرما واستثنى السبكي ذا الحليفة فالإحرام من عند مسجدها أفضل للاتباع قال الأذرعي، وهو حق إن علم أن ذلك المسجد هو المسجد الموجود آثاره اليوم والظاهر أنه هو ا هـ. "ويجوز" الإحرام "من آخره" لصدق الاسم عليه والعبرة بالبقعة لا بما بنى ولو قريبا منها "ومن سلك طريقا" في بر أو بحر ينتهي إلى ميقات فهو ميقاته، وإن حاذى غيره أو لا أو "لا ينتهي إلى ميقات، فإن حاذى" بالمعجمة "ميقاتا" أي سامته بأن كان على يمينه أو يساره ولا عبرة بما أمامه أو خلفه "أحرم من محاذاته"، فإن اشتبه عليه وضع المحاذاة اجتهد ويسن أن يستظهر ليتيقن المحاذاة، فإن لم يظهر له شيء تعين الاحتياط "أو" حاذى "ميقاتين" بأن كان إذا مر على كل تكون المسافة منه إليه واحدة "فالأصح أنه يحرم من محاذاة أبعدهما" من مكة، وإن حاذى الأقرب إليها أولا ليس له انتظار الوصول إلى محاذاة

 

ج / 2 ص -18-         الأقرب إليها كما ليس للمار على ذي الحليفة أن يؤخر إحرامه إلى الجحفة، فإن استوت مسافتهما في القرب إلى طريقه وإلى مكة أحرم من محاذاتهما ما لم يحاذ أحدهما قبل الآخر وإلا فمنه. أما إذا لم تستو مسافتهما إليه بأن كان بين طريقه وأحدهما إذا مر عليه ميلان والآخر إذا مر عليه ميل فهذا هو ميقاته، وإن كان أقرب إلى مكة "وإن لم يحاذ شيئا" من المواقيت "أحرم على مرحلتين من مكة"؛ لأنه لا ميقات دونهما وبه يندفع ما قيل قياس ما يأتي في حاضر الحرم أن المسافة منه لا من مكة أن يكون هنا كذلك ووجه اندفاعه أن الإحرام من المرحلتين هنا بدل عن أقرب ميقات إلى مكة وأقرب ميقات إليها على مرحلتين منها لا من الحرم فاعتبرت المسافة من مكة لذلك لا يقال المواقيت مستغرقة لجهات مكة فكيف يتصور عدم محاذاته لميقات فينبغي أن المراد عدم المحاذاة في ظنه دون نفس الأمر؛ لأنا نقول يتصور بالجائي من سواكن إلى جدة من غير أن يمر برابغ ولا بيلملم؛ لأنهما حينئذ أمامه فيصل جدة قبل محاذاتهما، وهي على مرحلتين من مكة فتكون هي ميقاته. "ومن مسكنه بين مكة والميقات فميقاته مسكنه" لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث المواقيت "ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة"، فلو جاوز مسكنه إلى جهة مكة بأن أحرم من محل تقصر فيه الصلاة أساء ولزمه دم نظير ما مر، وإن كان على دون مرحلتين من مكة أو الحرم؛ لأن هذا دم إساءة فلا يسقط عن حاضر ولا غيره بخلاف دم التمتع أو القران، وفيمن مسكنه بين ميقاتين كأهل بدر والصفراء كلام مهم ذكرته في الحاشية وحاصل المعتمد منه أن ميقاتهم الجحفة وبه يندفع ما قيل: "بدر ميقات لأهلها" فكيف أخر المصريون إحرامهم عنه.
 "ومن بلغ ميقاتا" منصوصا أو محاذيه أو جاوز محله الذي هو ميقاته "غير مريد نسكا ثم أراده فميقاته موضعه" ولا يكلف العود إلى الميقات لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم في الخبر السابق "ممن أراد الحج والعمرة" مع قوله "ومن كان دون ذلك" ومعلوم مما يأتي في العمرة أن من أرادها، وهو بالحرم لزمه الخروج إلى أدنى الحل مطلقا، وإن لم يخطر له إلا حينئذ. "وإن بلغه مريدا" للنسك ولو في العام القابل مثلا، وإن أراد إقامة طويلة ببلد قبل مكة "لم تجز مجاوزته" إلى جهة الحرم غير ناو العود إليه أو إلى مثله "بغير إحرام" أي بالنسك الذي أراده على أحد وجهين في المجموع فيمن أحرم بعمرة من الميقات ثم بعد مجاوزته أدخل عليها حجا وقضية تعليله لكل منهما تفصيل في ذلك جرى عليه السبكي والأذرعي حاصله أنه متى كان قاصدا للإحرام بالحج عند المجاوزة فأحرم بالعمرة ثم أدخله عليها بعد لزمه الدم، وإن لم يطرأ له قصده إلا بعد مجاوزته فلا. ويقاس بذلك ما لو قصد الإحرام بالعمرة وحدها عند المجاوزة فأحرم بالحج وحده أو عكسه هذا كله إن أمكن ما قصده وإلا كأن نوى الحج في العام القابل تعينت العمرة، وفي الأول أعني المريد ثم المدخل إشكال أجبت عنه في الحاشية حاصله أنه متى أخر ما نواه عند المجاوزة لعدم إمكانه كنية القران قبل أشهر الحج في صورتنا فلا دم بخلاف ما هنا، فإن تأخيره له مع نيته وإمكانه تقصير أي تقصير فلم يكن يصلح الإدخال لرفعه وذلك للخبر السابق أما إذا جاوزه مريد العود إليه

 

ج / 2 ص -19-         أو إلى مثل مسافته قبل التلبس بنسك في تلك السنة، فإنه لا يأثم بالمجاوزة إن عاد؛ لأن حكم الإساءة ارتفع بعوده وتوبته بخلاف ما إذا لم يعد وبهذا جمع الأذرعي بين قول جمع لا تحرم المجاوزة بنية العود وإطلاق الأصحاب حرمتها قول المحشي: لزوال إلخ" لعله علة لشيء سقط من العبارة وتعليله بما ذكر فيه نظر؛ لأنه بنية العود إليه بان أن لا إساءة أصلا. ولعله مبني على أن العود فيما يأتي يرفع الإثم من أصله والذي يتجه خلافه أخذا مما مر أن دفن البصاق في المسجد المجعول كفارة له بالنص لا يرفع إثمه من أصله بل يقطع دوامه واستمراره ومما يؤيد التقييد قولهم يجوز الإحرام بالعمرة من مكة إذا أراد أن يخرج إلى أدنى الحل، فإن قلت ينافي ما تقرر أن نيته العود لا تفيده رفع الإثم إلا إن عاد، قولهم لو ذهب من الصف بنية التحرف أو التحين جاز ولا يلزمه تحقيق قصده بالعود قلت يفرق بأنه ثم بنية ذلك زال المعنى المحرم للانصراف من كسر قلوب أهل الصف أو خذلان المسلمين وأما هنا فالمعنى المحرم للمجاوزة، وهو تأدي النسك بإحرام ناقص موجود، وإن نوى العود فاشترط تحقيقه لما نواه بالعود حيث لا عذر وإلا فالإثم باق عليه. وخرج بقولنا إلى جهة الحرم ما لو جاوزه يمنة أو يسرة فله أن يؤخر إحرامه، لكن بشرط أن يحرم من محل مسافته إلى مكة مثل مسافة ذلك الميقات كما قاله الماوردي وجزم به غيره وبه يعلم أن الجائي من اليمن في البحر له أن يؤخر إحرامه من محاذاة يلملم إلى جدة؛ لأن مسافتها إلى مكة كمسافة يلملم كما صرحوا به بخلاف الجائي فيه من مصر ليس له أن يؤخر إحرامه عن محاذاة الجحفة؛ لأن كل محل من البحر بعد الجحفة أقرب إلى مكة منها فتنبه لذلك، فإنه مهم وبه يعلم أيضا أن مثل مسافة الميقات يجزئ العود إليها، وإن لم تكن ميقاتا لكن عبر جمع متقدمون بمثل مسافته من ميقات آخر وأخذ بمقتضاه غير واحد. والذي يتجه هو الأول بدليل تعبير بعض الأصحاب بقوله من محل آخر ولم يعبر بالميقات، وفي الخادم فيمن ميقاته على مرحلتين من مكة فسلك طريقا لا ميقات لها وجاوز مسيئا وقدر على العود إلى ميقات فهل يجزئه العود لمرحلتين لم أر فيه نصا والوجه الاكتفاء بأحدهما ا هـ. وما ذكره واضح؛ لأن ما عدل عنه غير مقصود عينه بخلاف ما لو عدل عن ميقات منصوص، فإنه كان القياس أنه لا يجزئه وإلا لم يكن للتعيين معنى فإذا خولف هذا؛ لأن رعاية المعين قد تعسر فلا أقل من رعاية مثل ذلك المعين ولا يحصل ذلك إلا بمثل مسافته من ميقات آخر هذا غاية ما يوجه به كلام هؤلاء ومع ذلك الأوجه مدركا إجزاء مثل المسافة مطلقا ولا نسلم أن التعيين لأجل تعين عينه، وإنما هو لتعين مثل مسافته لا غير فتأمله. "فإن فعل" بأن جاوزه مريدا بلا إحرام ولو ناسيا أو جاهلا "لزمه العود" ولو محرما كما سيعلم من كلامه أو "ليحرم منه" تداركا لإثمه أو تقصيره. ولا يتعين العود إلى عينه بل يجزئ إلى مثل مسافته حتى لو أخر إحرامه عما أراده فيه بعد الميقات أجزأه العود إليه وإلى مثل مسافته كما شمله كلامهم؛ لأنه ميقاته ولا نظر لخصوصه به؛ لأن القصد من العود تدارك ما فوته، وهو حاصل بذلك وساوى الجاهل والناسي غيرهما في ذلك؛ لأن المأمور به يستوي في وجوب تداركه المعذور وغيره نعم استشكل ما إذا قيل في الناسي للإحرام بأنه يستحيل أن يكون حينئذ مريدا

 

ج / 2 ص -20-         للنسك وأجيب بأن يستمر قصده إلى حين المجاوزة فبسهو حينئذ، وفيه نظر؛ لأن العبرة في لزوم الدم وعدمه بحاله عند آخر جزء من الميقات وحينئذ فالسهو إن طرأ عند ذلك الجزء فلا دم أو بعده فالدم "إلا إذا" كان له عذر كأن "ضاق الوقت" عن العود بأن خشي فوت الحج لو عاد "أو كان الطريق مخوفا" أو خاف انقطاعا عن الرفقة والأصح أن مجرد الوحشة هنا لا تعتبر، أو كان به مرض يشق معه العود مشقة لا تحتمل عادة. أو خاف على محترم بتركه فلا يلزمه في كل ذلك للضرر بل يحرم عليه في الأولى وكذا الأخيرة إن أدى إلى تفويت محترم كعضو. ولو قدر على العود ماشيا بلا مشقة أو بها، لكنها تحتمل عادة لزمه ولو فرق مرحلتين على الأوجه وفارق ما مر بتعديه هنا "فإن لم يعد لزمه دم" إن اعتمد مطلقا أو حج في تلك السنة أو في القابلة في الصورة السابقة؛ لأنها التي تأدت بإحرام ناقص بخلاف ما إذا لم يحرم أصلا أو أحرم بحج بعد تلك السنة؛ لأن الدم لنقص النسك لا بدل عنه وفارقت العمرة الحج بأن إحرامه في سنة لا يصلح لغيرها بخلافها، فإن وقت إحرامها لا يتأقت ولو جاوزه كافر مريدا للنسك ثم أسلم وأحرم ولم يعد لزمه دم؛ لأنه مكلف بالفروع أو قن كذلك ثم عتق وأحرم لا دم عليه؛ لأنه عند المجاوزة غير أهل للإرادة؛ لأنه محجور عليه لحق غيره ومجاوزة الولي بموليه مريدا النسك به فيها الدم على الأوجه بالتفصيل المذكور. "وإن أحرم ثم عاد فالأصح أنه إن عاد قبل تلبسه بنسك سقط" عنه "الدم" لقطعه المسافة من الميقات محرما وقضيته أن الدم وجب ثم سقط بالعود، وهو وجه والذي صححه الشيخ أبو علي والبندنيجي أنه موقوف، فإن عاد بان أنه لم يجب عليه وإلا بان أنه وجب عليه والماوردي أنه لا يجب أصلا وتظهر فائدة الخلاف فيما لو دفع الدم للفقير وشرط الرجوع إن لم يجب عليه وإلا يعد قبل ذلك بأن عاد بعد شروعه في طواف القدوم أي بعد مجاوزته الحجر فلا عبرة بما تقدم عليها أو بعد الوقوف "فلا" يسقط الدم عنه لتأدي نسكه بإحرام ناقص. "والأفضل" لمن فوق الميقات وليس بحائض ولا نفساء "أن يحرم من دويرة أهله"؛ لأنه أكثر عملا وقد فعله جماعة من الصحابة والتابعين "وفي قول من الميقات قلت الميقات أظهر، وهو الموافق للأحاديث الصحيحة والله أعلم"، فإنه صلى الله عليه وسلم أخر إحرامه من المدينة إلى الحليفة إجماعا في حجة الوداع وكذا في عمرة الحديبية رواه البخاري ولأنه أقل تغرير بالعبادة لما في المحافظة على واجبات الإحرام من المشقة وقد يجب قبل الميقات كأن نذره من دويرة أهله كما يجب المشي بالنذر، وإن كان مفضولا وكما مر في أجير ميقات المحجوج عنه أبعد من ميقاته وقد يسن كما لو خشيت طرو حيض أو نفاس عند الميقات وكما لو قصده من المسجد الأقصى للخبر الضعيف "من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" أو "وجبت له الجنة" شك الراوي.
"وميقات العمرة لمن هو خارج لحرم ميقات الحج" لقوله صلى الله عليه وسلم في الخبر السابق
"ممن أراد الحج والعمرة"، "ومن بالحرم" مكيا أو غيره بمكة أو غيرها "يلزمه الخروج إلى أدنى الحل" يقينا أو ظنا بأن يجتهد ويعمل بما غلب على ظنه بالنسبة لما لم يتعرضوا

 

ج / 2 ص -21-         لتحديد الحرم فيه وكذا في سائر الأحكام كما بينته في الحاشية، فإن لم يظهر له شيء أو لم يجد علامة للاجتهاد تعين عليه الاحتياط بأن يصل إلى أبعد حد عن يمينه أو يساره "ولو بخطوة" من أي جهة شاء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أرسل عائشة مع أخيها عبد الرحمن رضي الله عنهما فاعتمرت من التنعيم ولو لم يجب ذلك لما أرسلها لضيق الوقت قبل قوله ولو بخطوة يوهم أنه لا يكفي أقل من خطوة وليس كذلك ا هـ. ويرد بأن الخطوة تصدق بمجرد نقل القدم عن محله إلى ملاصقه ولا أقل من ذلك فصح ما ذكره وواضح من نظائره، ذلك أنه إذا أخرج رجلا فقط إلى الحل اشترط اعتماده عليها وحدها ولو أراد من بمكة القران لم يلزمه ذلك تغليبا للحج كما مر قوله موافق كذا بخط الشيخ رحمه الله تعالى والأولى التأنيث ا هـ. من هامش "فإن لم يخرج وأتى بأفعال العمرة" أثم اتفاقا كما علم مما مر و "أجزأته" عن عمرة الإسلام وغيرها "في الأظهر" لانعقاد إحرامه اتفاقا ومن حكى فيه خلافا فمردود عليه كما لو أحرم بالحج من غير ميقاته "وعليه دم" لتركه الإحرام من الميقات "فلو خرج إلى الحل بعد إحرامه" وقبل الشروع في طوافها "سقط الدم" أي لم يجب "على المذهب" نظير ما مر فيمن جاوز الميقات وعاد إليه.
"وأفضل بقاع الحل" لمريد الاعتمار "الجعرانة" بإسكان العين وتخفيف الراء على الأفصح؛ لأنه صلى الله عليه وسلم اعتمر منها ليلا ثم أصبح كبائت رجوعه من حنين سنة ثمان فتح مكة. متفق عليه. وحكى الأذرعي عن الجندي في فضائل مكة أنه اعتمر منها ثلثمائة نبي وبينها وبين مكة اثنا عشر ميلا وقيل ثمانية عشر وجزم به جمع، وهو مردود بناء على الأصح أن الميل ما مر في صلاة مسافر "ثم التنعيم" ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمر عائشة بالاعتمار منه كما مر، وهو المسمى الآن بمساجد عائشة بينه وبين مكة ثلاثة أميال والمعتبر في حده ما بالأرض لا ما بأعلى الجبل "ثم الحديبية" بتخفيف الياء أفصح من تشديدها بئر قريب حده بالمهملة بينها وبين مكة ما مر في الجعرانة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم صلى بها وأراد الدخول لعمرته منها ومن قال هم بالاعتمار منها فقد وهم؛ لأنه لما أحرم من ذي الحليفة كما مر.
 

باب الإحرام
يطلق على نية الدخول في النسك وبهذا الاعتبار يعد ركنا وعلى نفس الدخول فيه بالنية لاقتضائه دخول الحرم كأنجد أي دخل نجدا وتحريم الأنواع الآتية وهذا هو الذي يفسده الجماع وتبطله الردة، وهو المراد هنا.
"ينعقد معينا بأن ينوي حجا أو عمرة" أو حجتين فأكثر، وإنما لم تنعقد الثانية عمرة لتعذرها حجا كهو في غير أشهره؛ لأنه لا مبطل ثم لأصل الإحرام لقبوله له وهنا انعقاد الحج يمنع انعقاد مثله معه فوقع لغوا من أصله فلم يمكن صرفه للعمرة أو بعض حجة فتنعقد كاملة وكذا العمرة "أو كليهما" بالإجماع "ومطلقا بأن لا يزيد على نفس الإحرام" لصحة الخبر به "والتعيين أفضل" ليعرف ما يدخل عليه "وفي قول الإطلاق"؛ لأنه ربما عرض له عذر كمرض فيتمكن من صرفه لما لا يخاف فوته ورواية أنه صلى الله عليه وسلم أحرم إحراما


 

 

ج / 2 ص -22-         مبهما ثم انتظر الوحي في تعيين أحد الوجوه الثلاثة الآتية مردودة بأنها مخالفة للروايات الصحيحة أنه أحرم معينا وممن روى ذلك عائشة فقولها خرج لا يسمى حجا ولا عمرة محمول على ما قبل إحرامه أو على أنه لم يسمهما في تلبيته أي في دوام إحرامه "فإن أحرم مطلقا" بكسر اللام وفتحها حال أو مصدر "في أشهر الحج صرفه بالنية" لا بمجرد اللفظ "إلى ما شاء من النسكين"، وإن ضاق وقت الحج أو فات على الأوجه الذي اقتضاه إطلاقهم خلافا لجمع ويوجه بأنه بالصرف يتبين أنه كان كالمحرم بما صرفه إليه فإذا صرفه للحج فعل ما يفعله من فاته الحج مما يأتي ويسن له صرفه للعمرة خروجا من الخلاف "أو إليهما ثم اشتغل بالأعمال" ولا يجزئه العمل قبل الصرف بالنية نعم إن طاف ثم صرفه للحج وقع عن طواف القدوم ولا يجزئه السعي بعده قبل الصرف على الأوجه؛ لأنه يحتاط للركن ما لا يحتاط للسنة "وإن أطلق في غير أشهره فالأصح انعقاده عمرة"؛ لأن الوقت لا يقبل غيرها "فلا يصرفه إلى الحج في أشهره وله" أي مريد النسك "أن يحرم كإحرام زيد"؛ لأن أبا موسى أحرم كإحرام النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبره قال: "قد أحسنت" وكذا فعل علي رضي الله عنهما رواهما الشيخان "فإن لم يكن زيد محرما" أو كان محرما إحراما فاسدا "انعقد إحرامه" إحراما "مطلقا"؛ لأنه قصد الإحرام بصفة خاصة فإذا بطلت بقي أصل الإحرام "وقيل إن علم عدم إحرام زيد لم ينعقد" كما لو علق بإن أو إذا أو متى كان محرما فأنا محرم أو فقد أحرمت ولم يكن محرما ويرد بأنه هنا جازم بالإحرام بخلافه عند التعليق، فإنه ليس بجازم به إلا عند وجوده من زيد بخلاف إذا أو إن أو متى أحرم فأنا محرم، فإنه لا ينعقد، وإن كان محرما؛ لأنه هنا علق بمستقبل، وهو أكثر غررا منه بحاضر فسومح فيه ما لم يسامح في المستقبل؛ لأن النسك فيه أقوى وليس منه أنا محرم غدا أو رأس الشهر أو إذا دخل فلان بل إذا وجد الشرط صار محرما؛ لأنه لا تعليق فيه ينافي الجزم بحاضر ولا مستقبل، وإنما هو جزم بالإحرام بصفة وفارق إن أحرم فأنا محرم أنا محرم إذا أحرم بأن الأول ينافي الجزم بالكلية بخلاف الثاني ونظيره ما يأتي في تعقيب الإقرار بما يرفعه أنه إن قدم المانع بطل إقراره، وإن أخره فلا والأوجه أن ذكر الإحرام مثال ففي إن كان في الدار فأنا محرم ينعقد إن كان فيها وإلا فلا لأن الوارد إنما هو في أحرمت كإحرام زيد فإذا استنبطوا منه ما تقرر في غيره لزم جريانه في نظيره من التعليق بغير الإحرام "وإن كان زيد محرما انعقد إحرامه كإحرامه" من حج أو عمرة أو قران أو إطلاق وفي هذه لا يلزمه أن يصرف لما صرف له زيد إلا إذا أراد إحراما كإحرامه بعد صرفه وليس في معنى التعليق بمستقبل؛ لأنه هنا جازم حالا أو يغتفر ذلك في الكيفية دون الأصل ولو أحرم زيد مطلقا ثم عين أو بعمرة ناويا التمتع أو ثم أدخل عليها الحج ثم أحرم هذا كإحرامه انعقد له في الأولى مطلقا وفي الثانية بعمرة اعتبارا بأصل الإحرام ما لم ينو التشبيه به حالا ويجب أن يعمل بما أخبره به زيد ولو فاسقا؛ لأنه لا يعرف إلا منه "فإن تعذر معرفة إحرامه بموته" أو جنونه المتصل به مثلا لم يتحر إذ لا مجال للاجتهاد فيه ونوى الحج أو "جعل نفسه قارنا" بأن ينوي القران كما لو شك في إحرام نفسه هل هو بقران أو بأحد النسكين والقران

 

ج / 2 ص -23-         أولى "وعمل أعمال النسكين" أي الحج؛ لأن عمرة القارن مغمورة في حجه؛ لأنه يخرج بذلك عن العهدة بيقين ويجزئه عن الحج ولو حجة الإسلام إن نوى قبل أن يعمل شيئا من الأعمال إلا العمرة؛ لأن الأصح أنه لا يجوز إدخالها عليه ويحتمل أنه كان أحرم بالحج ولا يلزمه دم القران؛ لأن الأصل براءة ذمته نعم يسن أما لو لم يقرن ولا أفرد بل اقتصر على أعمال الحج من غير نية فيحصل له التحلل لا البراءة من شيء منهما، وإن تيقن أنه أتى بأحدهما؛ لأنه مبهم أو على عمل العمرة لم يحصل التحلل أيضا، وإن نواها لاحتمال أنه أحرم بحج ولم يتم أعماله مع بقاء وقته هذا كله إن كان عروض ذلك قبل شيء من الأعمال وإلا، فإن كان بعد الوقوف وقبل الطواف، فإن بقي وقت الوقوف فقرن أو نوى الحج ووقف ثانيا وأتى ببقية أعمال الحج حصل له الحج فقط ولا دم لما مر، وإن فات الوقوف أو تركه أو فعله ولم يقرن ولا أفرد لم يحصل له شيء لاحتمال إحرامه بها أو بعد الطواف وقبل الوقوف أو بعده ففيه تفصيل ليس هذا محل بسطه وخرج بقولي المتصل به ما لو أفاق وأخبر بخلاف ما فعله، فإن المدار على ما أخبر به كما هو واضح.
 

فصل المحرم
أي مريد الإحرام "ينوي" بقلبه وجوبا بالخبر "إنما الأعمال بالنيات"، ولسانه ندبا للاتباع "و" عقبهما "يلبي" ندبا فيقول نويت الحج وأحرمت به لله تعالى لبيك اللهم إلخ ولا تجب نية الفرضية جزما؛ لأنه لو نوى النفل وقع عن الفرض ولا عبرة بما في لفظه بخلاف ما في قلبه ويسن الاستقبال عند النية "فإن لبى بلا نية لم ينعقد إحرامه" كما لو غسل أعضاءه من غير قصد "وإن نوى ولم يلب انعقد على الصحيح" كما أن نحو الطهارة والصوم لا يشترط فيه لفظ مع النية ووجوب التكبير مع النية للنص على إيجابهما "ويسن الغسل للإحرام" لكل أحد في كل حال ولو نحو حائض، وإن أرادته قبل الميقات على الأوجه للاتباع حسنه الترمذي ويكره تركه وإحرام الجنب وغير المميز يغسله وليه وينوي عنه وتنوي الحائض والنفساء هنا وفي سائر الأغسال الغسل المسنون كغيرهما ويكفي تقدمه عليه إن نسب له عرفا فيما يظهر ويسن له أن يتنظف بما مر في الجمعة قبل الغسل وقول شارحين كما تقدم هذه الأمور في غسل الميت مرادهم مجملها لا تفصيلها كما هو معلوم نعم يكره لمريد التضحية إزالة شيء من نحو ظفره أو شعره في عشر ذي الحجة كما يأتي وكذا للجنب كما مر وأن يلبد الرجل بعده شعره بنحو صمغ صونا له عن القمل والشعث "فإن عجز" حسا لفقد الماء أو شرعا لخشية مبيح تيمم مما مر "تيمم"؛ لأن الغسل يراد للقربة والنظافة فإذا تعذر أحدهما بقي الآخر ولأنه ينوب عن الواجب فالمندوب أولى ويأتي هذا في جميع الأغسال المسنونة ولو وجد من الماء بعض ما يكفيه فالذي يتجه أنه إن كان ببدنه تغير أزاله به وإلا، فإن كفى الوضوء توضأ به وإلا غسل به بعض أعضاء الوضوء وحينئذ إن نوى الوضوء تيمم عن باقيه غير تيمم الغسل وإلا كفى تيمم الغسل، فإن فضل شيء عن أعضاء الوضوء غسل به أعالي بدنه "ولدخول" الحرم ثم لدخول "مكة" ولو حلالا

 

ج / 2 ص -24-         للاتباع نعم قال الماوردي لو خرج منها فأحرم بالعمرة من نحو التنعيم واغتسل منه لإحرامه لم يسن له الغسل لدخولها بخلاف نحو الحديبية أي مما يغلب فيه التغير وأخذ منه أنه لو أحرم من نحو التنعيم بالحج لكونه لم يخطر له إلا حينئذ أو مقيما ثم بل، وإن أخر إحرامه تعديا واغتسل لإحرامه لا يغتسل لدخولها ويؤخذ منه أنه لو اغتسل لدخول الحرم أو لنحو استسقاء بمحل قريب منها لا يغتسل لدخولها أيضا ويتجه أن هذا التفصيل إنما هو عند عدم وجود تغير وإلا سن مطلقا "وللوقوف بعرفة" والأفضل كونه بعد الزوال ويحصل أصل سنته بالغسل بعد الفجر فيما يظهر قياسا على غسل الجمعة "و" للوقوف "بمزدلفة غداة النحر" أي بعد فجره ظرف للوقوف المحذوف ويدخل وقت هذا الغسل بنصف الليل كغسل العيد فينويه به أيضا "وفي أيام التشريق" الثلاثة أي في كل يوم منها قبل زواله أو بعده على الأوجه وبه يتأيد ما قدمته آنفا "للرمي" لآثار وردت فيها ولأنها مواضع اجتماع ولا يسن لدخول مزدلفة ولا لرمي جمرة العقبة اكتفاء بما قبله ومنه يؤخذ أنه لو لم يغتسل لوقوف مزدلفة يسن له لرميها، وهو متجه ولا يسن لطواف بأنواعه ولا لحلق لاتساع وقتيهما وللاكتفاء في طواف القدوم بغسل دخول مكة ويؤخذ منه كقولهم السابق اكتفاء بما قبله أنه لو ترك غسل عرفة ودخول الحرم سن لدخول مزدلفة أو غسل وقوفها والعيد سن لرمي جمرة العقبة أو غسل دخول مكة أو طال الفصل بينه وبين طواف القدوم سن له "وأن يطيب" الذكر وغيره غير الصائم فيما يظهر أخذا مما مر في الجمعة "بدنه للإحرام" للاتباع متفق عليه، وإنما لم يسن لغير الرجل التطيب لنحو الجمعة لضيق وقتها ومحلها فلا يمكنها تجنب الرجال نعم لا يجوز لمحدة ولا يسن لمبتوتة والأفضل المسك وخلطه بماء الورد ليذهب جرمه "وكذا ثوباه" أي إزاره ورداؤه يسن أن يطيبه أيضا "في الأصح" كالبدن لكن المعتمد ما في المجموع أنه لا يندب تطييبه جزما للخلاف القوي في حرمته ومنه يؤخذ أنه مكروه كما هو قياس كلامهم في مسائل صرحوا فيها بالكراهة لأجل الخلاف في الحرمة ثم رأيت القاضي أبا الطيب وغيره صرحوا بالكراهة "ولا بأس" أي لا حرمة "باستدامته" في ثوب أو بدن "بعد الإحرام" لخبر مسلم عن عائشة رضي الله عنها كأني أنظر إلى وبيض المسك أي بريقه في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو محرم. وخرج باستدامته ما لو أخذه من بدنه أو ثوبه ثم رده إليه فتلزمه الفدية كما يعلم مما يأتي "ولا بطيب له جرم" سواء ما قبل الإحرام وما بعده كالحناء لهذا الحديث "لكن لو نزع ثوبه المطيب"، وإن لم يكن لطيبه ريح لكن إن كان بحيث لو رش بماء ظهر ريحه "ثم لبسه لزمته الفدية في الأصح" كما لو ابتدأ لبس مطيب. "و" يسن "أن تخضب" المرأة غير المحدة "للإحرام يدها" أي كل يد منها إلى كوعها بالحناء تعميما وكذلك وجهها ولو خلية شابة؛ لأنها تحتاج لكشفهما وذلك يستر لونهما ويكره لها به بعد الإحرام؛ لأنه زينة ولا فدية فيه؛ لأنه ليس بطيب نعم إن تركته قبل عمدا أو نسيانا احتمل أن تفعله بعده خشية المفسدة لا للزينة وأما المحدة فيحرم عليها وكذا الرجل إلا لضرورة كما نص عليه الشافعي والأصحاب وبه رددت في مؤلف مبسوط على جمع يمنيين أطالوا الاعتراض على المصنف

 

ج / 2 ص -25-         والاستدلال للحل في مؤلفات حتى ادعى بعضهم فيها الاجتهاد ولذا سميته شن الغارة على من أظهر معرة تقوله في الحناء وعواره والخنثى كالرجل ويسن لغير المحرمة أيضا إن كانت حليلة وإلا كره ولا يسن لها نقش وتسويد وتطريف وتحمير وجنة بل يحرم واحد من هذه على خلية ومن لم يأذن لها حليلها
 "ويتجرد" بالرفع كما في خطه فيقتضي الوجوب وعليه كثيرون تبعا للمجموع كالعزيز وبالنصب فيكون مندوبا وعليه آخرون تبعا للمناسك، وهو مقتضى الروضة والشرح الصغير وأطال كل في الاستدلال لما قاله بما بسطته في الحاشية مع بيان الحق منه، وهو أن المعتمد من حيث الفتوى الأول ومن حيث المدرك الثاني "الرجل" ولو مجنونا وصبيا؛ لأنه يطلق أيضا على ما يقابل المرأة كما هنا "لإحرامه عن مخيط الثياب" ذكر الثياب مثال وكذا مخيط إن كان بالمعجمة والمراد أنه يجب أو يندب له التجرد عن كل ما فيه إحاطة للبدن أو عضو منه مما يحرم على المحرم كخف وسرموزة "ويلبس إزارا ورداء" لصحة ذلك عنه صلى الله عليه وسلم فعلا وأمرا ويسن كون الإزار والرداء "أبيضين" لما مر في الكفن وجديدين نظيفين وإلا فنظيفين ويكره المتنجس الجاف والمصبوغ كله أو بعضه ولو قبل النسج على الأوجه نعم يتجه تقييد البعض بما إذا كان له وقع ومر الخلاف في حرمة المزعفر والمعصفر فيتعين اجتنابهما "ونعلين" والأولى كونهما جديدين كذلك والمراد بالنعل ما لا يحرم في الإحرام من نحو المداس المعروف اليوم والتاسومة "ويصلي ركعتين" ينوي بهما سنة الإحرام للاتباع متفق عليه يقرأ سرا ليلا ونهارا خلافا لمن زعم الجهر فيهما ليلا كسنة الطواف في الأولى بعد الفاتحة الكافرون وفي الثانية الإخلاص ويغني عنهما غيرهما كسنة تحية المسجد في تفصيلها السابق لأن القصد وقوع الإحرام إثر صلاة كما أفاده نص البويطي أي بحيث لا يطول الزمن بينهما عرفا نظير ما مر في نحو سنة الوضوء ويحرمان وقت الكراهة في غير الحرم "ثم" بعدهما "الأفضل أن يحرم" لا عقبهما بل "إذا انبعثت به راحلته" أي توجهت به دابته من الإبل أو غيرها إلى جهة مقصده سائرة لا مجرد ثورانها "أو توجه لطريقه ماشيا" للاتباع متفق عليه وبه مع ما مر يعلم أن الأفضل في حق المكي أن يصلي ركعتي الإحرام في المسجد الحرام ثم يأتي إلى باب محله الساكن به إن كان له مسكن فيحرم منه عند ابتداء سيره ثم يأتي المسجد لطواف الوداع المسنون ومن لا مسكن له ينبغي أن الأفضل له أن يحرم من المسجد، فإن قلت ندب إحرامه عند ابتداء سيره لجهة مقصده ينافيه إذا كان مقصده لغير القبلة كعرفة ما مر أنه يسن الاستقبال عند النية قلت لا ينافيه فيسن له عند ابتدائه في السير لجهة عرفة أن يكون ملتفتا إلى القبلة "وفي قول يحرم عقب الصلاة" لخبر الصحيح فيه وقدم الأول؛ لأنه أصح وأشهر نعم السنة للإمام على ما قاله الماوردي لكن نوزع فيه أن يخطب للتروية محرما مع أن سيره في اليوم الذي يليه "ويستحب إكثار التلبية" للاتباع "ورفع صوته بها" ولو في المسجد بحيث لا يجهد نفسه ولا ينقطع صوته "في" متعلق بإكثار ورفع "دوام إحرامه" أي جميع حالاته للخبر الصحيح:
" أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية". واحترز بدوام إحرامه عن التلبية المقترنة بابتدائه فيسن الإسرار بها؛ لأنه يسن فيها

 

ج / 2 ص -26-         ذكر ما أحرم به فطلب منه الإسرار؛ لأنه أوفق بالإخلاص وبقوله صوته عن المرأة والخنثى فيسن لهما إسماع أنفسهما فقط ويكره لهما الزيادة على ذلك بخلاف الأذان لما مر فيه ويسن للملبي جعل إصبعيه في أذنيه على ما ذكره ابن حبان أخذا من خبر فيه في دلالته عليه نظر ولذا لم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه "وخاصة" بمعنى خصوصا "عند تغاير الأحوال كركوب ونزول وصعود وهبوط" بضم أولهما وأما بالفتح فهما اسما مكانهما "واختلاط رفقة" بضم أوله وكسره وإقبال ليل أو نهار ووقت السحر وفراغ صلاة فيقدمها على الأذكار بعدها كما اقتضاه كلامهم وتكره في نحو خلاء ومحل نجس كسائر الأذكار "ولا تستحب في طواف القدوم" والسعي بعده؛ لأن لكل منهما أذكار مخصوصة فيه كطوافي الإفاضة والوداع "وفي القديم تستحب فيه بلا جهر" لإطلاق الأدلة وألحق به السعي بعده لا في الآخرين جزما "ولفظها" الذي صح عنه صلى الله عليه وسلم "لبيك" مصدر مثنى قصد به التكثير من لب أقام أو أجاب أي إقامة على طاعتك بعد إقامة وإجابة لأمرك لنا بالحج على لسان خليلك إبراهيم لما يأتي أول باب دخول مكة وحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم بعد إجابة ولاختصاص الحج بمناداة إبراهيم الآتية طولب كل من تلبس به بإظهار إجابة ذلك "اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن" الأولى كسرها ونقل اختيار الفتح عن الشافعي مردود؛ لأن الاستئناف لا يوهم ما يوهمه التعليل من التقييد "الحمد والنعمة" بالنصب ويجوز الرفع "لك والملك" ويسن الوقف هنا وكأنه لئلا يوصل بالنفي بعده فيوهم "لا شريك لك" ويستحب أن لا يزيد على هذه الكلمات وأن يكررها كلها ثلاثا متوالية ثم يصلي ثم يسأل كما يأتي ويكره السلام عليه أثناءها؛ لأنه يكره له قطعها إلا برد السلام فيندب وإلا لخشية محذور توقف على الكلام فتجب واستحب في الأم زيادة لبيك إله الحق؛ لأنها صحت عنه صلى الله عليه وسلم "وإذا رأى ما يعجبه" أو يكرهه "قال" ندبا "لبيك إن العيش" أي الهنيء الذي لا يعقبه كدر ولا يشوبه منغص هو "عيش" الدار "الآخرة"؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قاله في أسر أحواله: لما رأى جمع المسلمين بعرفة وفي أشدها في حفر الخندق ويظهر تقييد الإتيان بلبيك بالمحرم كما يصرح به السياق فغيره يقول اللهم إن العيش إلخ كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في الأخيرة ومن لا يحسن العربية يلبي بلسانه، فإن ترجم به مع القدرة حرم على ما اقتضاه تشبيههم لها بتسبيح الصلاة لكن الأوجه هنا الجواز لوضوح فرقان ما بين الصلاة وغيرها "وإذا فرغ من تلبيته صلى" وسلم "على النبي صلى الله عليه وسلم" لقوله تعالى {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:4]، أي لا أذكر إلا وتذكر معي كما مر والأولى صلاة التشهد الكاملة ويسن أن يكون صوته بها وبما بعدها أخفض من صوت التلبية "وسأل الله تعالى" ندبا "الجنة ورضوانه" وما أحب "واستعاذ" به "من النار" للاتباع بسند ضعيف.
تنبيه: ظاهر المتن أن المراد بتلبيته ما أرادها فلو أرادها مرات كثيرة لم تسن له الصلاة ثم الدعاء إلا بعد فراغ الكل، وهو ظاهر بالنسبة لأصل السنة وأما كلها فينبغي أن لا يحصل إلا بأن يصلي ثم يدعو عقب كل ثلاث مرات فيأتي بالتلبية ثلاثا ثم الصلاة ثم الدعاء ثم بالتلبية ثلاثا ثم الصلاة ثم الدعاء وهكذا ثم رأيت عبارة إيضاح المصنف وغيره ظاهره فيما ذكرته.

 

ج / 2 ص -27-         باب دخوله
 أي المحرم وخص؛ لأن الكلام فيه وإلا فكثير من السنن الآتية يخاطب بها الحلال أيضا ومن ثم حذف الضمير في نسخ "مكة" قيل الأنسب تبويب التنبيه بباب صفة الحج؛ لأنه ذكر فيه كثيرا مما لا تعلق له بدخولها بل
"الحج عرفة" ولا تعلق لها بها ويرد بأن دخولها يستدعي كل ذلك فاكتفي به عنه، وهو بالميم والباء للبلد وقيل بالميم للحرم وبالباء للمسجد وقيل بالميم للبلد وبالباء للبيت أو والمطاف وهي كبقية الحرم أفضل الأرض عندنا وعند جمهور العلماء للأخبار الصحيحة المصرحة بذلك وما عارضها بعضه ضعيف وبعضه موضوع كما بينته في الحاشية ومنه خبر: "إنها" أي المدينة "أحب البلاد إلى الله تعالى" فهو موضوع اتفاقا، وإنما صح ذلك من غير نزاع فيه في مكة إلا التربة التي ضمت أعضاءه الكريمة صلى الله عليه وسلم فهي أفضل إجماعا حتى من العرش والتفضيل قد يقع بين الذوات، وإن لم يلاحظ ارتباط عمل بها كالمصحف أفضل من غيره فاندفع ما لبعضهم هنا ويسن المجاورة بها إلا لمن لم يثق من نفسه بالقيام بتعظيمها وحرمتها واجتناب ما ينبغي اجتنابه وليستشعر المقيم بها قوله تعالى {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} أي ميل {بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25] فرتب إذاقة العذاب الموصوف بالأليم المرتب مثله على الكفر في آيات، وإن كان الألم مقولا بالتشكيك على مجرد إرادة المعصية به ولو صغيرة ولا نظر لمخالفة ذلك للقواعد؛ لأنه من خصوصيات الحرم على ما اقتضاه ظاهر الآية فتدبره مع قول بعض السلف إن هذا بعمومه مرتب على مجرد الإرادة بغير الحرم، وإن لم يدخله أي وفيه متعلق بإلحاد وكان ابن عباس وغيره أخذوا منه قولهم إن السيئات تضاعف بها كما تضاعف الحسنات أي تعظم فيها أكثر منها في غيرها لا أنها تتعدد لئلا ينافي الآية والأحاديث المصرحة بعدم التعدد في السيئة وآية {وَمَنْ يُرِدْ} [الحج: 25] لا تقتضي غير ذلك العظم كما هو ظاهر وقد صح على نزاع فيه خبر "أن حسنة الحرم بمائة ألف حسنة" ودلت الأخبار كما بينته في الحاشية على أن الصلاة أي بالمسجد الحرام على الأصح وقيل بكل الحرم امتازت على الكل بمضاعفة كل صلاة فرض أو نفل إلى مائة ألف ألف ألف صلاة ثلاثا كما مر وبهذا كالذي قبله يرد على من زعم منا أفضلية السكنى بالمدينة؛ لأن ما ورد من فضلها لا يوازي هذا وأفضل موضع منها بعد المسجد بيت خديجة المشهور الآن بزقاق الحجر المستفيض بين أهل مكة خلفا عن سلف أن ذلك الحجر البارز فيه هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم "إني لأعرف حجرا كان يسلم علي بمكة".
"الأفضل" لمحرم بحج أو قران "دخولها قبل الوقوف" إن لم يخش فوته للاتباع واغتناما لعظم ثواب العبادات بها في عشر الحجة الذي صح فيه خبر: "ما من أيام العمل فيها أحب إلى الله تعالى من العمل في عشر ذي الحجة". "وأن يغتسل داخلها" أي مريد دخولها ولو حلالا والأفضل أن يكون غسل الجائي "من طريق المدينة"، وهي طريق التنعيم

 

ج / 2 ص -28-         التي يدخل منها أهل مصر والشام ونحوهما "بذي طوى" بتثليث أوله والفتح أفصح أي بماء البئر التي فيه عندها بعد المبيت وصلاة الصبح به للاتباع متفق عليه، وهو محل بين المحلين المسميين الآن بالحجونين به بئر مطوية أي مبنية بالحجارة فنسب الوادي إليها وفي البخاري رواية تقتضي أن اسمه طوى وردت بأن المعروف أنه ذو طوى لا طوى وثم الآن آبار متعددة والأقرب أنها التي إلى باب سبيكة أقرب أما الداخل من غير تلك الطرق، فإن أراد الدخول من الثنية العليا كما هو الأفضل سن له الغسل من ذي طوى أيضا؛ لأنه يمر بها وإلا اغتسل من مثل مسافتها "و" أن "يدخلها" كل أحد ولو حلالا "من ثنية كداء" بفتح الكاف والمد والتنوين وعدمه وتسمى على نزاع فيه الحجون الثاني المشرف على المقبرة المسماة بالمعلاة، وإن لم يكن بطريقه ويخرج، وإن لم تكن على طريقه ولو إلى عرفة على ما فيه من ثنية كدى بالضم والقصر والتنوين وعدمه، وهو المشهور الآن بباب الشبيكة للاتباع فيهما ورغم أن دخوله من العليا اتفاقي؛ لأنها بطريقه ترده المشاهدة القاضية بأنه ترك طريقه الواصلة إلى الشبيكة وعرج عنها إلى تلك التي ليست بطريقه قصدا مع صعوبتها وسهولة تلك ولا ينافي طلب التعريج إليها السابق أنه لم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم عند مجيئه من الجعرانة محرما بالعمرة ولا من منى عند نفره؛ لأنه لا يلزم من عدم النقل عدم الوقوع فهو مشكوك فيه وتعريجه إليها قصدا أولا معلوم فقدم وكذا يقال في الخروج من السفلى إنه معلوم وإلى عرفة أو غيرها إنه مشكوك فيه فقدم المعلوم وما قيس به وحكمته الإشعار بعلو قدر ما يدخله على غيره وفي الخروج بالعكس أو ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن إبراهيم صلى الله على نبينا وعليه وسلم لما أمره الله تعالى بعد بنائه الكعبة أن يؤذن في الناس بالحج كان نداؤه على الثنية العليا فأوثرت بالدخول منها لذلك كما أوثر لفظ لبيك قصدا لإجابة ذلك النداء كما مر ولا ينافي ذلك رواية أنه نادى على مقامه "أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج إلى بيته فحجوا" فأجابته النطف في الأصلاب بلبيك لاحتمال أنه أذن على كل منها ومقامه هو حجره المنزل إليه من الجنة كما يأتي وعلم مما تقرر ندب التعريج لمن ليست على طريقه للدخول لا للغسل؛ لأن حكمة الدخول لا تتأتى إلا بسلوكها بخلاف الغسل ويسن أن يدخل ولو في العمرة نهارا وبعد الصبح والذكر ماشيا وحافيا إن لم يخش نجاسة أو مشقة "و" أن "يقول" رافعا يديه ولو حلالا فيما يظهر "إذا أبصر البيت" بالفعل أو وصل نحو الأعمى إلى محل يراه منه لو كان بصيرا ومنازعة الأذرعي في نحو الأعمى مردودة "اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة" وجاء في مرسل ضعيف ومرفوع فيه متهم بالوضع: "وبراً" أي زيادة "في زائريه" وأعرض عنه الأصحاب كأنه لعلة رأوها فيه "وزد من شرفه وعظمه ممن حجه أو اعتمره تشريفا" هو الترفيع والإعلاء "وتكريما" أي تفضيلا "وتعظيما وبرا" رواه الشافعي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا إلا أنه قال وكرمه بدل عظمه وكان حكمة تقديم التعظيم على التكريم في البيت وعكسه في قاصده أن المقصود بالذات في البيت إظهار عظمته في النفوس حتى تخضع لشرفه وتقوم بحقوقه ثم كرامته بإكرام زائريه بإعطائهم ما طلبوه، وإنجازهم ما أملوه وفي

 

ج / 2 ص -29-         زائره وجود كرامته عند الله تعالى بإسباغ رضاه عليه وعفوه عما جناه واقترفه ثم عظمته بين أبناء جنسه بظهور تقواه وهدايته ويرشد إلى هذا ختم دعاء البيت بالمهابة الناشئة عن تلك العظمة إذ هي التوقير والإجلال ودعاء الزائر بالبر الناشئ عن ذلك التكريم إذ هو الاتساع في الإحسان فتأمله "اللهم أنت السلام" أي السالم من كل ما لا يليق بجلال الربوبية وكمال الألوهية أو المسلم لعبيدك من الآفات "ومنك" لا من غيرك "السلام" أي السلامة من كل مكروه ونقص "فحينا ربنا بالسلام" أي الأمن مما جنيناه والعفو عما اقترفناه رواه البيهقي عن عمر رضي الله عنه بإسناد ليس بالقوي "ثم يدخل" فورا "المسجد" ولو حلالا فيما يظهر أيضا لما يأتي أنه يسن له طواف القدوم "من باب بني شيبة"، وهو المسمى الآن بباب السلام، وإن لم يكن على طريقه لما صح أنه صلى الله عليه وسلم دخل منه في عمرة القضاء والظاهر أنه لم يكن على طريقه، وإنما الذي كان عليها باب إبراهيم كذا قاله الرافعي واعترض بأنه عرج للدخول من الثنية العليا فيلزم أنه على طريقه ويرد بإمكان الجمع بأن التعريج إنما كان في حجة الوداع فلا ينافي ما في عمرة القضاء ولأن الدوران إليه لا يشق ومن ثم لم يجر هنا خلاف بخلاف نظيره في التعريج للثنية العليا ولأنه جهة باب الكعبة والبيوت تؤتى من أبوابها ومن ثم كانت جهة باب الكعبة أشرف جهاتها الأربع وصح "الحجر الأسود يمين الله في الأرض" أي يمنه وبركته أو من باب الاستعارة التمثيلية إذ من قصد ملكا أم بابه وقبل يمينه ليعمه معروفه ويزول روعه وخوفه ويسن الخروج للسعي من باب بني مخزوم ويسمى الآن بباب الصفا وإلى بلده مثلا من باب الحزون، فإن لم يتيسر فباب العمرة كما حررته في الحاشية. "ويبدأ" بعد تفريغ نفسه من أعذارها إلا نحو كراء بيت متيسر بعد وتغيير ثياب لم يشك في طهرها "بطواف القدوم" للاتباع متفق عليه ولأنه تحية البيت إلا لعارض كأن كان عليه فائتة فرض أي لم يلزمه الفور في قضائها وإلا وجب تقديمها ولم تكثر بحيث يفوت بها فورية الطواف عرفا وإلا قدم الطواف فيما يظهر وكخشية فوت راتبة أو سنة مؤكدة أو مكتوبة أو جماعة تسن له معهم، فإن أقيمت فيه جماعة مكتوبة لا غيرها قطعه وصلى وتؤخر جميلة وغير برزة الطواف إلى الليل ما لم تخش طرو حيض يطول ولو منعه الناس صلى التحية كما لو دخل ولم يرده "ويختص طواف القدوم"، وهو سنة وقيل واجب ومن ثم كره تركه بحلال مطلقا و "وبحاج" أي محرم بحج معه عمرة أم لا "دخل مكة قبل الوقوف" ؛ لأنه بعد الوقوف والمعتمر دخل وقت طوافهما المفروض فلم يصح تطوعهما، وهو عليهما كأصل الحج ومن ثم لو دخل بعد الوقوف وقبل نصف الليل سن له طواف القدوم كما يأتي؛ لأنه لم يدخل وقت طوافه وبطواف الفرض يثاب عليه إن قصده كتحية المسجد وقد يؤخذ من المتن هنا ومن قوله الآتي بحيث لا يتخلل بينهما الوقوف بعرفة أن من دخلها قبل الوقوف لا يفوت طواف القدوم في حقه إلا بالوقوف، وهو كذلك والوجه أنه لا يدخله قضاء وندبه لمن وقف ودخل قبل نصف الليل إنما هو لهذا الدخول لا لدخوله الذي قبل الوقوف وسيأتي أن الياء تدخل على المقصور عليه كالمقصور فلا اعتراض.
"ومن قصد مكة" أو الحرم "لا لنسك استحب" له ولو نحو حطاب "أن يحرم بحج"

 

ج / 2 ص -30-         يدركه في أشهره "أو عمرة" قياسا على التحية ولا يجب لما مر في خبر المواقيت: "هن لهن ولمن مر عليهن ممن أراد الحج والعمرة" فلو وجب بمجرد الدخول لما علقه بالإرادة "وفي قول يجب" وصححه جماعة لإطباق الناس عليه ومن ثم كره تركه "إلا أن" يكون فيه رق أو غير مكلف أو "يتكرر دخوله كحطاب وصياد" للمشقة حينئذ أو يدخل من الحرم أو لقتال مباح أو خائفا من ظالم وإلا لم يجب جزما.

فصل في واجبات الطواف وكثير من سننه.
"للطواف بأنواعه"، وهي طواف قدوم وركن أو تحلل أو وداع ونذر وتطوع "واجبات" أركان وشروط "وسنن" وما اختلف في وجوبه منها آكد من غيره "أما الواجب" للطواف بأنواعه الشامل للأركان والشروط "ف" ثمانية منها أنه "يشترط" في كل من تلك الأنواع "ستر العورة"، فإن قلت ستر العورة هو الواجب لا اشتراطه قلت أراد بالوجوب هنا خطاب الوضع الذي هو ورود الخطاب النفسي بكون الشيء شرطا أو ركنا أو سببا أو مانعا فتأمله على أن الأوضح أن يقال أراد بالواجب ما تضمنه قوله يشترط إلخ. "وطهارة الحدث" الأكبر والأصغر "والنجس" في الثوب والبدن والمكان بتفصيلها السابق في الصلاة؛ لأن الطواف صلاة كما صح به الخبر وصح أيضا "لا يطوف بالبيت عريان" نعم يعفى أيام الموسم وغيرها عما يشق الاحتراز عنه في المطاف من نجاسة الطيور وغيرها إن لم يتعمد المشي عليها ولم تكن رطوبة فيها أو في مماسها كما مر قبيل صفة الصلاة ومن ثم عد ابن عبد السلام غسل المطاف من البدع.
تنبيه: لا ينافي ما ذكر من التسوية بين زرق الطيور وغيرها قول جمع متأخرين: الفرض غلبة النجاسة بزرق الطيور مطلقا وبغيره في أيام الموسم. ا هـ؛ لأن هذا الفرض مجرد تصوير لا غير، وإنما المدار على النظر لما أصابه، فإن غلب عفي عنه مطلقا أو لا فلا مطلقا ولو عجز عن الستر طاف عاريا ولو للركن إذ لا إعادة عليه أو عن الطهارة حسا أو شرعا ففيه اضطراب حررته في الحاشية وحاصل المعتمد منه أنه يجوز لمن عزم على الرحيل أن يطوف ولو للركن، وإن اتسع وقته لمشقة مصابرة الإحرام بالتيمم ويتحلل به، وإذا جاء مكة لزمه إعادته ولا يلزمه عند فعله تجرد ولا غيره، فإن مات وجب الإحجاج عنه بشرطه ولا يجوز طواف الركن ولا غيره لفاقد الطهورين بل الأوجه أنه يسقط عنه طواف الوداع ولو طرأ حيضها قبل طواف الركن ولم يمكنها التخلف لنحو فقد نفقة أو خوف على نفسها رحلت إن شاءت ثم إذا وصلت لمحل يتعذر عليها الرجوع منه إلى مكة تتحلل كالمحصر ويبقى الطواف في ذمتها فيأتي فيه ما تقرر وفي هذه المسألة مزيد بسط بينته في الحاشية، وإن الأحوط لها أن تقلد من يرى براءة ذمتها بطوافها قبل رحيلها.
"ولو أحدث فيه" حدثا أصغر أو أكبر أو انكشفت عورته "توضأ" أو اغتسل أو استتر "وبنى"، وإن تعمد وطال الفصل لعدم اشتراط الولاء فيه كالوضوء بجامع أن كل عبادة يجوز أن يتخللها ما ليس منها "وفي قول يستأنف" كالصلاة وفرق الأول بأنه يحتمل فيه من نحو

 

ج / 2 ص -31-         الكلام والفعل ما لا يحتمل فيها ومع ذلك الاستئناف أفضل خروجا من الخلاف وسكت عن النية والمراد بها هنا قصد الفعل عنه لعدم وجوبها ومحله في طواف النسك ولو قدوما أو وداعا بناء على أنه من المناسك أما غيره كنذر وتطوع فلا بد منها فيه وأما مطلق قصد أصل الفعل فلا بد منه حتى في طواف النسك ويجب أيضا عدم صرفه لفرض آخر وإلا كلحوق غريم أو صديق انقطع نعم لا يضر النوم مع التمكن في أثنائه. "وأن يجعل البيت عن يساره" ويمر إلى ناحية الحجر بالكسر للإتباع ومع وجود هذين لا أثر كما حررته في الحاشية لكونه منكوسا أو مستلقيا على قفاه أو وجهه أو حابيا أو زاحفا ولو بلا عذر بخلاف ما لو اختل جعل البيت عن يساره أو المشي تلقاء الحجر، وإن كان البيت عن يساره كأن جعله عن يمينه ومشى نحو الركن اليماني أو نحو الباب أو عن يساره ومشى القهقرى لمنابذته فيهما الشرع في أصل الوارد وكيفيته وأما في تلك الصور ونظائرها فلم يختل سوى الكيفية وقد صرحوا بعدم ضرر الزحف والحبو مع قدرة المشي فليلحق بهما غيرهما مما ذكر وبحث أن المريض لو لم يتأت حمله إلا ووجهه أو ظهره للبيت صح طوافه للضرورة ويؤخذ منه أن من لم يمكنه إلا التقلب على جنبيه يجوز طوافه كذلك سواء كان رأسه للبيت أم رجلاه للضرورة هنا أيضا ومحله إن لم يجد من يحمله ويجعل يساره للبيت وإلا لزمه ولو بأجرة مثل فاضلة عما مر في نحو قائد الأعمى كما هو ظاهر. "مبتدئا بالحجر الأسود" أي ركنه، وإن قلع منه وحول منه لغيره منه "محاذيا" بالمعجمة "له" أو لبعضه واستبعاد تصوره إنما يتأتى على أن المراد بالبدن عرض مقدمه لا على أنه الشق الأيسر "في مروره" عليه ابتداء "بجميع بدنه" أي شقه الأيسر بأن يجعله إليه وقد بقي من الحجر أو محله ما يسامته ويمشي أمام وجهه وتجب مقارنة النية حيث وجبت أو أراد فضلها لما تجب محاذاته منه والأفضل أن يقف بجانبه من جهة اليماني بحيث يصير منكبه الأيمن عند طرفه ثم يمر متوجها له حتى يجاوزه فينفتل جاعلا يساره محاذيا جزءا من الحجر بشقه الأيسر، وإن أوهم قول المصنف إذا جاوزه انفتل خلاف ذلك كما نبه عليه الزركشي وغيره وبسطت الكلام عليه في شرح العباب ولا يجوز شيء من الطواف مع استقبال البيت إلا هذا في الأول لا غير وينبغي أن لا يفعله إلا مع الخلو لئلا يضر غيره.
تنبيه: يظهر أن المراد بالشق الأيسر أعلاه المحاذي للصدر، وهو المنكب فلو انحرف عنه بهذا أو حاذاه ما تحته من الشق الأيسر لم يكف، وأفهم المتن أنه لو استقبل الحجر ابتداء ببعض شقه الأيسر وبعضه مجاور لجانب الباب لم يصح قبل عدو له عما بأصله للحالية يوهم أنهما ليسا بشرطين، وأنهما قيدان في اشتراط جعل البيت عن اليسار فلا يجب في غير الابتداء. ا هـ. وإنما يتوهم ذلك إن جعل حالا من فاعل يجعل وليس كذلك بل هو حال من فاعل ستر وما بعده المبين فيه بقوله ولو أحدث إلى آخره أنه شرط في جميعه ومر في مسح الكف أن مثل هذه الحال لكونها من فعل المأمور يفيد الشرطية.
"فلو بدأ بغير الحجر" كالباب "لم يحسب" ما فعله لإخلاله بالترتيب حتى ينتهي للحجر "فإذا انتهى إليه"، وهو مستحضر للنية حيث وجبت "ابتداء منه" وحسب له من حينئذ

 

ج / 2 ص -32-         كما لو قدم متوضئ غير الوجه عليه حسب له ما تأخر عنه دون ما تقدم عليه. "ولو مشى على الشاذروان"، وهو عرض جدار البيت نقصه ابن الزبير رضي الله عنهما من عرض الأساس لما وصل أرض المطاف لمصلحة البناء ثم سنم بالرخام؛ لأن أكثر العامة كان يطوف عليه ومن ثم صنف المحب الطبري في وجوب ذلك التسليم لطواف العامة، وهو من الجهة الغربية واليمانية وكذا من جهة الباب كسر في الحاشية ففي موازاته الآتية بيان للواقع واستثناء ما عند الركن اليماني منه؛ لأنه على القواعد يرد بأن كونه كذلك لا يمنع النقص من عرضه عند ارتفاع البناء وهذا هو المراد بالشاذروان في الجميع فهو عام في كلها حتى عند الحجر الأسود وعند اليماني "أو مس الجدار" الموصوف بكونه "في موازاته" أي الشاذروان أي مسامتته له أو دخل شيء من بدنه وكذا ملبوسه على أحد احتمالين لي فيه في هواء الشاذروان، وإن لم يمس الجدار ثم رأيت بعضهم جزم بأنه لا يضر دخول ملبوسه في هوائه وفيه نظر. وقياس إلحاقهم الطواف بالصلاة في أكثر أحكامها، ومنها أن الملبوس كالبدن يرد ذلك الجزم "أو دخل من إحدى فتحتي الحجر"، وهو بكسر أوله ما بين الركنين الشاميين عليه جدار قصير بينه وبين كل من الركنين فتحة كان زريبة لغنم إسماعيل صلى الله عليه وسلم وروي أنه دفن فيه ويسمى حطيما لكن الأشهر أن الحطيم ما بين الحجر الأسود ومقام إبراهيم، وهو كما يأتي في اللعان أفضل محل بالمسجد بعد الكعبة و حجرها بكسر أوله "وخرج من لأخرى" أو وضع أنملته على طرف جدار الحج القصير كما يفعله كثير من العامة "لم تصح طوفته" أي بعضها الذي قارنه ذلك المس أو الدخول؛ لأنه حينئذ طائف في البيت لا به المذكور في الآية وأما في الأولى فلأن هواء الشاذروان من البيت كما علم من تعريفه، وأما في الحجر فهو، وإن لم يكن فيه من البيت إلا ستة أذرع أو سبعة لكن الغالب على الحج التعبد، وهو صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون ومن بعدهم لم يطوفوا إلا خارجه فوجب اتباعهم فيه وجعل في موازاته حالا من فاعل مس الذي سلكه شارح يستلزم بناء على أن له مفهوم المبني على أنه ليس في جهة الباب أن مسه لجدار لا شاذروان تحته يضر إذا كان مسامتا لجدار تحته شاذروان، ولو قبل الوصول إليه وليس كذلك كما هو ظاهر وينبغي لمقبل الحجر أن يقر قدميه حتى يعتدل قائما؛ لأنه حال التقبيل في هواء البيت بناء على الأصح إن ثم شاذروان فمتى زالت قدمه عن محلها قبل اعتداله كان قد قطع جزءا من البيت، وهو في هوائه فلا يحسب له وكذا يقال في مستلم اليماني "وفي مسألة المس" للجدار الذي عنده شاذروان "وجه" أنه لا يضر؛ لأنه خرج عن البيت بمعظم بدنه ويرد بأن المراد على الاتباع كما تقرر.
تنبيه: الظاهر في وضع الحجر الموجود الآن أنه على الوضع القديم فتجب مراعاته ولا نظر لاحتمال زيادة أو نقص فيه نعم في كل من فتحتيه فجوة نحو ثلاثة أذرع بالحديد خارجة عن سمت ركن البيت بشاذروانه وداخله في سمت حائط الحجر فهل تغلب الأولى فيجوز الطواف فيها أو الثانية فلا كل محتمل، والاحتياط الثاني ويتردد النظر في الرفرف الذي بحائط الحجر هل هو منه أو لا ثم رأيت ابن جماعة حرر عرض جدار الحجر بما

 

ج / 2 ص -33-         لا يطابق الخارج الآن إلا بدخول ذلك الرفرف فلا يصح طواف من جعل إصبعه عليه ولا من مس جدار الحجر الذي تحت ذلك الرفرف وقد أطلق في المجموع وغيره وجوب الخروج عن جدار الحجر، وهو يؤيد ذلك ورأيت تخالف ابن جماعة والأزرقي وغيرهما في أمور أخرى تتعلق بالحجر لا حاجة بنا الآن إلى تحريرها؛ لأنه لا ارتباط لها بصحة الطواف بعد تمهيد وجوب الخروج عن كل الحجر وحائطه.
 "وأن يطوف سبعا" للاتباع فلو شك في العدد أخذ بالأقل كالصلاة نعم يسن هنا الاحتياط لو أخبر بخلاف ما في ظنه ولا يلزمه أن يأخذ بخبر ناقص عما في اعتقاده إلا إن أورثه الخبر ترددا، وإنما امتنع نظيره ثم لبطلانها بتقدير الزيادة بخلافه ولا يكره في الوقت المنهي عن الصلاة فيه للخبر السابق ثم المصرح بجوازه فيه "داخل المسجد" ولو على سطحه، وإن كان أعلى من الكعبة على المعتمد؛ لأنه يصدق أنه طائف بها إذ لهوائها حكمها وقول جمع القصد هنا نفس بنائها وفي الصلاة ما يشمل هواءها ضعيف والفرق فيه تحكم، وإن حال بين الطائف والبيت حائل كالسقاية والسواري نعم ينبغي الكراهة هنا بل خارج المطاف؛ لأن بعض الأئمة قصر صحته عليه فلا يصح خارجه إجماعا ويمتد بامتداده، وإن بلغ الحل على تردد فيه الأوجه منه خلافه؛ لأن الأصل فيما وقع مستمرا بالحرم دون غيره اختصاصه به إذ الغالب على ما يتعلق بالمناسك وتوابعها التعبد.
"وأما السنن فأن يطوف" القادر الذي لا يحتاج للركوب حتى يظهر فيستفتى أو يقتدى به قائما و "ماشيا" ولو امرأة وحافيا لا زاحفا ولا حابيا ولا راكبا البهيمة أو آدمي لمنافاته الخضوع والأدب فإن ركب بلا عذر لم يكره كما نقلاه عن الأصحاب، وإن أطال جمع في رده والنص على الكراهة محمول على اصطلاح المتقدمين أنهم يعبرون بها عما يشمل خلاف الأولى وفارق هذا حرمة إدخال غير مميز المسجد إذا لم يؤمن تلويثه وكراهته إن أمن بالحاجة إلى إقامة النسك في الجملة كإدخال غير المميز للطواف به كذا قيل وفيه نظر بل لا فارق بينهما؛ لأن غرض النسك كما اقتضته عبارات أو الطواف كما اقتضته عبارات أخرى مجوز لدخول كل، وإن لم يؤمن تلويثه وغير ذلك الغرض مجوز إن أمن فالذي يتجه أن يقال فارق غرض النسك أو الطواف غيره بأنه ورد فيه دخول الدابة وغير المميز من غير تفصيل فأخذنا بإطلاقه وأخرجناه عن نظائره بخلاف غيره لم يرد فيه ذلك فأجرينا فيه ذلك التفصيل وظاهر أن المراد بأمن التلويث غلبة الظن باعتبار العادة أنه لا يخرج منه نجس يصل للمسجد منه شيء بخلاف ما لو أحكم شد ما على فرجه بحيث أمن تلويث الخارج للمسجد، فإن قلت صرحوا بحرمة إخراج نحو البول بالمسجد، وإن أمن التلويث فلم لم ينظر هنا إلى أمن الخروج وعدمه قلت يحتاط للإخراج المتيقن ما لا يحتاط للمظنون، وإن زحف أو حبا بلا عذر كره وأن يقصر خطاه تكثيرا للأجر.
"ويستلم الحجر" الأسود أو محله لو أخذ أو نقل منه بعد أن يستقبله "أول طوافه" بيده واليمين أولى ولا يقبلها مع القدرة على تقبيل الحجر كما أفهمه كلامهما كالأصحاب لكن الذي نص عليه وصرح به ابن الصلاح وتبعه جمع؛ لأنه الذي دلت عليه الأخبار أنه يقبلها مطلقا، فإن شق فبنحو خشبة

 

ج / 2 ص -34-         أي في اليمنى ثم اليسرى نظير ما يأتي "ويقبله" للاتباع فيهما متفق عليه ويكره إظهار صوت لقبلته "ويضع جبهته عليه" للاتباع رواه الحاكم وصححه ويسن تكرير كل من الثلاثة ثلاثا والأفضل أن يسلم ثلاثا متوالية ثم يقبل كذلك ثم يسجد كذلك ولا يسن شيء من ذلك لامرأة أو خنثى إلا عند خلو المطاف من الرجال والخناثى ولو نهارا. ويظهر أنه يكفي خلوه من جهة الحجر فقط بأن تأمن مجيء ونظر رجل غير محرم حالة فعلها ذلك "فإن عجز" عن التقبيل والسجود أو عن السجود فقط لنحو زحمة ويظهر ضبط العجز هنا بما يخل بالخشوع من أصله له أو لغيره، وإن ذلك هو مرادهم بقولهم لا يسن استلام ولا ما بعده في مرة من مرات الطواف إن كان بحيث يؤذي أو يتأذى. "استلم" أي اقتصر على الاستلام في الأولى أو عليه وعلى التقبيل في الثانية ثم قبل ما استلم به من يده أو غيرها للاتباع رواه مسلم وروى الشافعي وأحمد رضي الله عنهما عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "يا عمر إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف إن وجدت خلوة وإلا فهلل وكبر" ويؤخذ منه أنه يندب لمن لم يتيسر له الاستلام خصوص التهليل والتكبير، وهو واضح، وإن لم يصرحوا به بل هذا أولى من كثير من أذكار استحبوها مع عدم ورودها عنه صلى الله عليه وسلم أصلا "فإن عجز" عن استلامه بيده وبغيرها "أشار" إليه "بيده" اليمنى فاليسرى فما في اليمنى فما في اليسرى للاتباع رواه البخاري ثم قبل ما أشار به وخرج بيده فمه فتكره الإشارة به للتقبيل لقبحه ويظهر في الإشارة بالرأس أنه خلاف الأولى ما لم يعجز عن الإشارة بيديه وما فيهما فيسن به ثم بالطرف كالإيماء في الصلاة وينبغي كراهتها بالرجل بل صرح الزركشي بحرمة مد الرجل للمصحف فقد يقال إن الكعبة مثله لكن الفرق أوجه "ويراعى ذلك" المذكور كله مع تكرره ثلاثا وكذا ما يأتي في اليماني وكذا الدعاء الآتي "في كل طوفة" لما صح أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر الأسود في كل طوفة، وهو في الأوتار آكد وآكدها الأولى والأخيرة، وبحث بعضهم أن طواف سبعة أسابيع بتقبيل الحجر واستلام اليماني أفضل من عشرة خالية عن ذلك واستدل بحديث فيه: "أن من طاف أسبوعا حاسرا بعض طوفه ويقارب خطاه ولا يلتفت ويستلم الركن في كل شوط من غير أن يؤذي أحدا كتب له" وذكر من الثواب ما لا يقدر قدره والعهدة فيه عليه؛ لأنه عبر بروي ولم يبين من رواه على أن قوله حاسرا لا يوافق قضية مذهبنا أنه يكره كالصلاة وبفرض وروده فاستدلاله به لما ذكر عجيب. "ولا يقبل الركنين الشاميين ولا يستلمهما" للاتباع متفق عليه "ويستلم" الركن "اليماني" للخبر المذكور بيده اليمنى فاليسرى فما في اليمنى فاليسرى ثم يقبل ما استلم به، فإن عجز أشار إليه بما ذكر بترتيبه ثم قبل ما أشار به على الأوجه "ولا يقبله"؛ لأنه لم ينقل وخص ركن الحجر بنحو التقبيل؛ لأن فيه فضيلتي كون الحجر فيه وكونه على قواعد إبراهيم صلى الله على نبينا وعليه وسلم واليماني ليس فيه إلا الثانية أي باعتبار رأسه فلا ينافي أن عنده شاذروان كما مر وأما الشاميان فليس لهما شيء من الفضيلتين؛ لأن أساسهما ليس على القواعد فلم يسن تقبيلهما ولا استلامهما ومن ثم قال الشافعي رضي الله عنه وأي البيت قبل فحسن غير أنا

 

ج / 2 ص -35-         نؤمر بالاتباع واستفيد من قوله غير إلى آخره أن مراده بالحسن هنا المباح. "وأن يقول" سرا هنا وفيما يأتي؛ لأنه أجمع للخشوع نعم يسن الجهر لتعليم الغير حيث لا يتأذى به أحد "أول طوافه" وفي كل طوفة، والأوتار آكد وآكدها الأولى "بسم الله" أي أطوف "والله أكبر" أي من كل من هو بصورة معبود من حجر أو غيره ومن ثم ناسب ما بعده، وهو "اللهم إيمانا بك" أي أؤمن أو أطوف فهو مفعول مطلق أو لأجله "وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك" أي الذي ألزمنا به نبينا صلى الله عليه وسلم من امتثال الأوامر واجتناب النواهي وقيل أمره تعالى بكتب ما وقع يوم {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: 172] وبإدراجه في الحجر وقد يومئ إليه خبر أنه يشهد لمن استلمه بحق أي إسلام "واتباعا لسنة" أي طريقة "نبيك محمد صلى الله عليه وسلم" روى ذلك حديثا ورد بأنه لا يعرف لكن جاء في خبر منقطع يا رسول الله كيف نقول إذا استلمنا قال: "قولوا بسم الله والله أكبر إيمانا بالله وتصديقا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم". ولما رواه الشافعي رضي الله عنه في الأم قال هكذا أحب أن يقول الرجل عند ابتداء الطواف وفي الرونق يسن رفع يديه حذو منكبيه في الابتداء كالصلاة، وهو ضعيف، وإن وافقه بحث المحب الطبري أنه يجب افتتاح الطواف بالتكبير كالصلاة؛ لأنه ضعيف أيضا بل شاذ، وإن تبعه بعضهم. "وليقل قبالة الباب" أي جهته كما قاله الشارح، وهو واضح، فإن الظاهر أنه يقوله كالذي قبله، وهو ماش إذ الغالب أن الوقوف في المطاف مضر وعليه فلا يضر كونهما يستغرقان أكثر من قبالتي الحجر والباب؛ لأن المراد هما وما بإزائهما وكذا في كل ما يأتي "اللهم البيت بيتك" أي الكامل الواصل لغاية الكمال اللائق به من بين البيوت هو بيتك هذا لا غير، وكذا ما بعده. "والحرم حرمك والأمن أمنك وهذا" أي مقام إبراهيم كما قاله الجويني وقول ابن الصلاح إنه غلط فاحش بل يعني نفسه ليس في محله؛ لأن الأول أنسب وأليق إذ من استحضر أن الخليل استعاذ من النار أي بنحو {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} [الشعراء:87] أوجب له ذلك من الخوف والخشوع والتضرع ما لا يوجب له الثاني بعض معشاره على أنه لو لم يرد الأول لكان ذكره في هذا المحل بخصوصه عاريا عن الحكمة "مقام العائذ بك من النار" قيل لا يعرف هذا أثرا ولا خبرا "وبين اليمانيين: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة" فيهما أقوال كل منها عين أهم أنواع الحسنة عنده، وهو كالتحكم فالوجه أن مراده بالأولى كل خير دنيوي يجر لخير أخروي وبالثانية كل مستلذ أخروي يتعلق بالبدن والروح. "وقنا عذاب النار" سنده صحيح لكن بلفظ "ربنا" وبه عبر في المجموع وفي رواية "اللهم ربنا"، وهي أفضل ومن ثم عبر بها الشافعي رضي الله عنه قيل ولفظ "اللهم" وحده كما وقع في المتن أي والروضة خلافا لمن زعم أن عبارتها كعبارة الشافعي لم ترد. "وليدع" ندبا "بما شاء" من كل دعاء جائز له ولغيره، والأفضل الاقتصار على ما يتعلق بالآخرة "ومأثور الدعاء" الشامل للذكر؛ لأن كلا قد يطلق ويراد به ما يعم الآخر في الطواف بأنواعه السابقة، وهو ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أحد من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وبقي منه غير ما ذكر أشياء ذكرت أكثرها مع بيان سندها في الحاشية والحاصل أنه لم يصح منها عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا: "ربنا آتنا" إلى آخره، و"اللهم قنعني بما رزقتني وبارك لي

 

ج / 2 ص -36-         فيه واخلف علي كل غائبة لي منك بخير"، فإن قلت روى ابن ماجه خبرا فيه فضل عظيم لمن طاف أسبوعا ولم يتكلم فيه إلا بسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فلم لم يتعرض الأصحاب لندب هذه الكلمات في الطواف قلت قد صرحوا به في قولهم: ومأثور الدعاء أفضل وأشاروا إليه أيضا بذكر حديثه في هذا المبحث. فإن قلت يلزم عليه أنه لا يأتي بشيء من الأذكار؛ لأنه شرط فيه أن لا يتكلم في طوافه بغير تلك الكلمات وهذا مناف لندبهم جميع ما مر في محاله قلت لا يلزم عليه ذلك، وإنما الذي يلزم عليه أنه مع تحصيله بتلك الكلمات التي لم يأت فيه بغيرها مفضول بالنسبة للإتيان بالأذكار في محالها وأفضل من القراءة ولا محذور في ذلك "أفضل من القراءة" أي الاشتغال به أفضل من الاشتغال بها ولو لنحو {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الاخلاص:1] على ما اقتضاه إطلاقهم خلافا لمن فصل ويوجه بأنها لم تحفظ عنه صلى الله عليه وسلم فيه، وحفظ عنه غيرها فدل على أنه ليس في محلها بطريق الأصالة بل منعها فيه بعضهم فمن ثم اكتفي في تفضيل الاشتغال بغيرها عليها بالنسبة لهذا المحل بخصوصه بأدنى مرجح لوروده عن صحابي ولو من طريق ضعيف على ما اقتضاه إطلاقهم "وهي أفضل من غير مأثور"؛ لأنها أفضل الذكر وجاء بسند حسن "من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين" وفضل كلام الله تعالى على سائر الكلام كفضل الله تعالى على سائر خلقه. "وأن يرمل" الذكر المحقق "في" جميع "الأشواط" لا تنافيه كراهة الشافعي والأصحاب تسمية المرة شوطا؛ لأنها كراهة أدبية إذ الشوط الهلاك كما كره تسمية ما يذبح عن المولود عقيقة لإشعارها بالعقوق فليست شرعية لصحة ذكر العقيقة في الأحاديث، والشوط في كلام ابن عباس وغيره وحينئذ لا يحتاج إلى اختيار المجموع عدم الكراهة على أنه يوهم أن الكراهة المذهب ولكنها خلاف المختار وليس كذلك لما علمت أنها كراهة أدبية لا غير، فإن قلت يؤيده كراهة تسمية العشاء عتمة شرعا قلت يفرق بأن ذاك فيه تغيير للفظ الشارع بخلاف هذا. "الثلاثة الأول بأن يسرع مشيه مقاربا خطاه" بأن لا يكون فيه وثوب ولا عدو مع هز كتفيه "ويمشي على هينته في الباقي"، وهو الأشواط الأربعة للاتباع فيهما رواه مسلم وسببه قول المشركين لما دخل صلى الله عليه وسلم بأصحابه معتمرا سنة سبع قبل فتح مكة بسنة وهنتهم حمى يثرب أي فلم يبق لهم طاقة بقتالنا فأمرهم صلى الله عليه وسلم به ليري المشركين بقاء قوتهم وجلدهم وشرع مع زوال سببه ليتذكر به ما كان المسلمون فيه من الضعف بمكة ثم نعمة ظهور الإسلام وإعزازه وتطهير مكة من المشركين على مر الأعوام والسنين ويرمل الحامل بمحموله ويحرك الراكب دابته ويكره ترك ذلك وقضاء الرمل في الأربعة الأخيرة؛ لأن فيه تفويت سنتها من الهينة "ويختص الرمل بطواف يعقبه سعي" مطلوب أراده كطواف معتمر ولو مكيا أحرم من الحرم وحاج أو قارن قدم قبل الوقوف أو بعده وبعد نصف الليل ليلة النحر "وفي قول" يختص "بطواف القدوم"، وإن لم يرد السعي عقبه؛ لأنه الذي رمل فيه صلى الله عليه وسلم وكان قارنا في آخر أمره وأجاب الأول بأنه سعي بعده فليس الرمل فيه لخصوص القدوم، وإن لم يسع؛ لأن الواقع خلافه بل لكونه أراد السعي عقبه ولو

 

ج / 2 ص -37-         أراد السعي عقب طواف القدوم ثم سعى ولم يرمل لم يقضه في طواف الإفاضة، وإن لم يسع رمل فيه، وإن كان قد رمل في القدوم. "وليقل فيه" أي الرمل أو في المحال التي لم يرد لها ذكر مخصوص على كلام فيه في الحاشية "اللهم اجعله" أي ما أنا متلبس به من العمل المصحوب بالذنب والتقصير غالبا بل دائما إذ الذنب مقول بالتشكيك على غير الكمال كالمغفرة "حجا مبرورا" أي سليما من مصاحبة الإثم، من البر وهو الإحسان أو الطاعة ويأتي بهذا ولو في العمرة؛ لأنها تسمى حجا أصغر كما ورد في خبر "وذنبا" أي واجعل ذنبي ذنبا "مغفورا وسعيا مشكورا" للاتباع على ما ذكره الرافعي ويقول في الأربعة الأخيرة أي في تلك المحال رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة إلى آخره. "وأن يضطبع" الذكر المحقق ولو صبيا فيسن للولي فعله به "في جميع كل طواف يرمل فيه" أي يشرع فيه الرمل، وإن لم يرمل للاتباع بسند صحيح ويكره تركه ولو تركه في بعضه أتى به في باقيه "وكذا" يسن الاضطباع "في" جميع "السعي على الصحيح" قياسا على الطواف ويكره فعله في الصلاة كسنة الطواف "وهو" لغة افتعال من الضبع بإسكان الباء وهو العضد وشرعا "جعل وسط" بفتح السين في الأفصح "ردائه تحت منكبه الأيمن وطرفيه على" منكبه "الأيسر" ويدع منكبه الأيمن مكشوفا كدأب أهل الشطارة المناسب للرمل هذا إذا كان متجردا إذ الظاهر فعله للابس ولو بغير عذر "ولا ترمل المرأة" ومثلها الخنثى "ولا تضطبع"، وإن خلا المطاف؛ لأنهما لا يليقان بهما فيكرهان لهما بل يحرمان إن قصدا التشبه بالرجال على الأوجه خلافا لمن أطلق الحرمة ولمن أطلق عدمها. "وأن يقرب" الذكر مطلقا حيث لا إيذاء ولا تأذي بنحو زحمة "من البيت" تبركا به لشرفه ولأنه أيسر لنحو الاستلام لكن قال الزعفراني الأفضل أن يبعد منه ثلاث خطوات ليأمن الطواف على الشاذروان ولعله باعتبار زمنه لما كان الشاذروان مسطحا يطوف عليه العوام وكان عرضه دون ذراع أما الآن فلا يأتي ذلك؛ لأن الإمام المحب الطبري جزاه الله خيرا اجتهد في تسنيمه وتتميمه ذراعا وبقي إلى الآن عملا بقول الأزرقي وصنف في ذلك جزءا حسنا رأيته بخطه وفي آخره أنه استنتج من خبر عائشة: "لولا قومك حديثو عهد بكفر لهدمت البيت" الحديث أنه يجوز التغيير فيه لمصلحة ضرورية أو حاجية أو مستحسنة، وقد ألفت في ذلك كتابا حافلا سميته المناهل العذبة في إصلاح ما وهي من الكعبة دعا إليه خبط جمع جم فيه لما وردت المراسيم بعمارة سقفها سنة تسع وخمسين لما أنهاه سدنتها من خرابه. "فلو فات الرمل بالقرب لزحمة" أو خشي صدم نساء "فالرمل" حيث لم يرج فرجة على قرب عرفا ولم يؤذ أو يتأذ بوقوفه "مع بعد" لا يخرج به عن حاشية المطاف للخلاف في صحة طوافه حينئذ "أولى"؛ لأن ما تعلق بذات العبادة أفضل مما تعلق بمحلها كالجماعة بغير المسجد الحرام أولى من الانفراد به "إلا أن يخاف صدم النساء" إذا بعد "فالقرب بلا رمل أولى" من البعد مع الرمل محافظة على الطهارة، ومن ثم لو خاف مع القرب أيضا لمسهن كان ترك الرمل أولى هنا أيضا ويسن لتاركه كالعدو الآتي في السعي أن يتحرك في مشيه ويرى أنه لو أمكنه أكثر من ذلك لفعل. "وأن يوالي" عرفا الذكر

 

ج / 2 ص -38-         وغيره "طوافه" اتباعا وخروجا من خلاف موجبه، ودليل عدم وجوبه القياس على الوضوء بجامع أن كلا منهما عبادة يجوز أن يتخللها ما ليس منها وسيعلم مما يأتي أول الفصل ندب الموالاة بين الطواف والركعتين وبينهما وبين الاستلام وبينه وبين السعي. "و" أن "يصلي بعده ركعتين" و الأفضل للاتباع رواه الشيخان فعلهما "خلف المقام" الذي أنزل من الجنة ليقوم عليه إبراهيم صلى الله على نبينا وعليه وسلم عند بناء الكعبة لما أمر به وأري محلها بسحابة على قدرها فكان يقصر به إلى أن يتناول الآلة من إسماعيل صلى الله عليه وسلم ثم يطول إلى أن يضعها ثم بقي مع طول الزمن وكثرة الأعداء بجنب باب الكعبة حتى وضعه صلى الله عليه وسلم بمحله الآن على الأصح من اضطراب في ذلك، ولما صلى خلفه ركعتي الطواف قرأ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة: 125] كما قرأ ما يتعلق بالصفا والمشعر الحرام عند وصوله إليهما إعلاما للأمة بشرفها، وإحياء لذكر إبراهيم كما أحيا ذكره بكما صليت على إبراهيم في كل صلاة؛ لأنه الأب الرحيم الداعي ببعثة نبينا صلى الله عليه وسلم في هذه الأمة لهدايتهم وتكميلهم، والمراد بخلفه كل ما يصدق عليه ذلك عرفا وحدث الآن في السقف خلفه زينة عظيمة بذهب وغيره فينبغي عدم الصلاة تحتها ويليه في الفضل داخل الكعبة فتحت الميزاب فبقية الحجر فالحطيم فوجه الكعبة فبين اليمانيين فبقية المسجد فدار خديجة رضي الله عنها فمكة فالحرم كما بينته في الحاشية وغيرها وتوقف الإسنوي في داخل الكعبة ردوه بأن فعلهما خلف المقام هو الثابت عنه صلى الله عليه وسلم وبأنه لا خلاف بين الأمة في أفضلية ذلك بل قال الثوري ولا يجوز فعلهما إلا خلفه ومالك أن أداءهما يختص به ويرد أيضا بتصريحهم بأن النافلة في البيت أفضل منها بالكعبة للاتباع. "يقرأ" ندبا "في الأولى" بعد الفاتحة "{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] وفي الثانية" بعدها أيضا "الإخلاص" للاتباع رواه مسلم "ويجهر" ولو بحضرة الناس "ليلا" وبعد الفجر إلى طلوع الشمس ولا يعارضه خلافا لمن ظنه قولهم يسن التوسط في نافلة الليل بين الجهر والإسرار؛ لأن محله في النافلة المطلقة ولو نواها مع ما سن الإسرار فيه كراتبة العشاء احتمل ندب الجهر مراعاة لها لتميزها بالخلاف الشهير في وجوبها والسر مراعاة للراتبة؛ لأنها أفضل منها كما صرحوا به وهذا أقرب ثم رأيت بعضهم بحث أنه يتوسط بين الإسرار والجهر مراعاة للصلاتين وفيه نظر؛ لأن التوسط بينهما بفرض تصوره وأنه واسطة بينهما ليس فيه مراعاة لواحدة منهما على أنهم لم يقولوا به إلا في النافلة المطلقة كما تقرر "وفي قول تجب الموالاة" بين أشواطه وبعضها "والصلاة" عقب الطواف الفرض وكذا النفل عند جمع؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أتى بهما وقال: "خذوا عني مناسككم" وجوابه أن ذلك لا يكفي في الوجوب، وإلا لوجب جميع السنن بل لا بد من عدم دال على الندب، وقد دل عليه في الموالاة ما مر وفي الصلاة الخبر المشهور: هل علي غيرها قال: "لا إلا أن تطوع" ومحل الخلاف في تفريق كثير بأن يغلب على الظن أنه أضرب عن الطواف بلا عذر ومنه إقامة جماعة مكتوبة وفوت جنازة راتبة لا فعل جنازة ومكتوبة اتسع وقتها، وهو فرض فيكره قطعه على الأول تسقط بغيرها أي ثم إن نويت أثيب عليها وإلا سقط الطلب فقط نظير ما مر في تحية المسجد ونحوها واستشكل هذا بقولهم لا يسقط طلبها

 

ج / 2 ص -39-         ما دام حيا وأجيب بأن محله إذا نفاها عند فعل غيرها وبأنهم صرحوا بأن الاحتياط أن يصليها بعد فعل الفريضة والأفضل لمن طاف أسابيع فعلها عقب كل ويليه ما لو أخرها إلى ما بعد الكل ثم صلى لكل ركعتين ويليه ما لو اقتصر على ركعتين للكل وعلى الثاني يجب تعددها بعدد الأسابيع، والقيام فيها ويتوقف التحلل عليها على وجه الأصح خلافه ويصح السعي قبلها اتفاقا.
فرع: من سنن الطواف السكينة والوقار وعدم الكلام إلا في خير كتعليم جاهل برفق إن قل وسجدة التلاوة لا الشكر على الأوجه؛ لأنه صلاة، وهي تحرم فيها ولا تطلب فيما يشبهها ورفع اليدين في الدعاء كما في الخصال ومنه مع تشبيههم الطواف بالصلاة في كثير من واجباته وسننه الظاهرة في أنه يسن ويكره فيه كل ما يتصور من سنن الصلاة ومكروهاتها يؤخذ أن السنة في يدي الطائف إن دعا رفعهما وإلا فجعلهما تحت صدره بكيفيتهما ثم وأفتى بعضهم بأن الطواف بعد الصبح أفضل من الجلوس ذاكرا إلى طلوع الشمس وصلاة ركعتين وفيه نظر ظاهر بل الصواب أن هذا الثاني أفضل؛ لأنه صح في الأخبار أن لفاعله ثواب حجة وعمرة تامتين ولم يرد في الطواف في الأحاديث الصحيحة ما يقارب ذلك ولأن بعض الأئمة كره الطواف بعد الصبح ولم يكره أحد تلك الجلسة بل أجمعوا على ندبها وعظيم فضلها، والاشتغال بالعمرة أفضل منه بالطواف على المعتمد إذا استوى زمانهما كما مر والوقوف أفضل منه على الأوجه لخبر "الحج عرفة" أي معظمه كما قالوه ولتوقف صحة الحج عليه ولأنه جاء فيه من حقائق القرب وعموم المغفرة وسعة الإحسان ما لم يرد في الطواف واغتفار الصارف فيه مما يدل على أفضليته؛ لأنه لعظيم العناية بحصوله رفقا بالناس لصعوبة قضاء الحج لا لكونه قربة غير مستقلة بل عدم استقلاله مما يدل لذلك أيضا؛ لأنه لعزته لا يوجد إلا مقوما للحج الذي هو من أفضل العبادات بل هو أفضلها عند جماعة فاندفع ادعاء أفضلية الطواف مطلقا أو من حيث توقفه على شروط الصلاة وشروط التطوع به فتأمله.
"ولو حمل الحلال" واحدا كان أو أكثر ولو محدثا "محرما" لم يطف عن نفسه ولو صغيرا لم يميز لكن إن كان حامله الولي أو مأذونه المتطهر أيضا لتوقف صحة طوافه على مباشرة الوالي أو مأذونه واحدا أو أكثر "وطاف به حسب للمحمول" إن دخل وقت طوافه ووجدت الشروط السابقة فيه ونواه الحامل له أو أطلق ولم يصرفه المحمول عن نفسه؛ لأنه حينئذ كراكب بهيمة بخلاف ما إذا فقد شرط من ذلك كما لو نواه لنفسه أو لهما فلا يقع له وقد يقع للحامل إن وجد فيه شرطه "وكذا لو حمله" أي المحرم الواحد أو المتعدد "محرم" كذلك "قد طاف عن نفسه" ما تضمنه إحرامه من طواف قدوم أو ركن أو لم يدخل وقت طوافه؛ لأنه حينئذ كالحلال فيأتي فيه جميع ما مر في الحلال "وإلا" يكن المحرم الحامل قد طاف عن نفسه وقد دخل وقت طوافه "فالأصح أنه" أي الشان أو الحامل "إن قصده للمحمول فله" أي المحمول يكون الطواف خاصة حيث لم يصرفه عن نفسه ويكون الحامل كالدابة؛ لأن شرط الطواف أن لا يصرفه لغرض آخر "وإن قصده" جميعه "لنفسه أو

 

ج / 2 ص -40-         لهما" أو أطلق أو قصده كل لنفسه أو تعدد الحامل وقصد أحدهما نفسه والآخر المحمول على الأوجه "فللحامل" يكون "فقط"؛ لأنه لم يصرفه عن نفسه وطوافه لا يحتاج لنية ونازع الإسنوي في قولهما أولهما بما بالغ الأذرعي في توهيمه فيه حتى قال إنه مع كونه ثقة كثير الوهم في النقل والفهم، وإن الحامل له على نحو ذلك النزاع مع التساهل حب التغليط. ا هـ. والإسنوي أجل من أن يطلق فيه ذلك لكن الجزاء من جنس العمل كما تدين تدان ويأتي ذلك التفصيل في السعي بناء على المعتمد أنه يشترط فيه فقد الصارف كالطواف وخرج بحمل ما لو جذب ما هو عليه كخشبة أو سفينة، فإنه لا تعلق لكل بطوف الآخر لكن بحث جريان تلك الأحكام هنا أيضا، وله وجه نعم إن قصد الجاذب المشي لأجل الجذب بطل طوافه ؛ لأنه صرفه ولحامل محدث أو نحوه كالبهيمة فلا أثر لنيته.

فصل في واجبات السعي وكثير من سننه
"يسن" له بعد ركعتي الطواف "أن" يأتي زمزم فيشرب منه ويصب على رأسه للاتباع كما حررته في الحاشية ثم "يستلم" ندبا القادر الذكر وغيره بشرطه "الحجر بعد الطواف وصلاته" وذهابه لزمزم ويقبله ويضع جبهته عليه على الكيفية السابقة لتعود عليه بركة استلامه في بقية نسكه، فإن عجز فعل ما مر وأفهم كلامه أنه لا يأتي الملتزم ولا الميزاب قبل صلاة الركعتين ولا بعدهما، وهو كذلك مبادرة للسعي وعدم وروده، ومخالفة الماوردي وغيره في ذلك شاذة كما في المجموع قال لمخالفته للأحاديث الصحيحة ثم صوب ما هو المذهب أنه لا يشتغل عقب الركعتين إلا بالاستلام ثم الخروج إلى الصفا لكن يعكر عليه ما صح أنه صلى الله عليه وسلم لما فرغ من طوافه قبل الحجر ووضع يده عليه ومسح بها وجهه، وأنه لما فرغ من صلاته عاد إلى الحجر ثم ذهب إلى زمزم فشرب منها وصب منها على رأسه ثم رجع فاستلم الركن ثم رجع إلى الصفا فقال:
"أبدأ بما بدأ الله به". قال الزركشي فينبغي فعل ذلك كله. ا هـ. وفي حديث ضعيف ما يدل على ندب إتيان الملتزم، وهو يعمل به في الفضائل خلافا لمن رده بأنه ضعيف وعليه فينبغي حمله على ما إذا لم يكن هناك سعي لكن ينبغي أن يكون بعد الركعتين لتصريحهم بأن الأكمل فيهما أن يكونا عقب الطواف "ثم يخرج من باب الصفا للسعي" للاتباع رواه مسلم، وهو أعني السعي ركن كما سيصرح به للخبر الحسن: "يا أيها الناس اسعوا، فإن الله سبحانه كتب عليكم السعي". "وشرطه" ليقع عن الركن "أن يبدأ" في الأولى وما بعدها من الأوتار "بالصفا"، وهو بالقصر طرف جبل أبي قبيس وشهرته تغني عن تحديده، وهو أفضل من المروة كما بينته في الحاشية ويبدأ في الثانية وما بعدها من الأشفاع بالمروة والآن عليها عقد واسع علامة على أولها فلو ترك خامسة مثلا جعل السابعة خامسة، وأتى بسادسة وسابعة وذلك لما صح أنه صلى الله عليه وسلم بدأ به أي وختم بالمروة كما يأتي وقال "ابدءوا بما بدأ الله به". "وأن يسعى سبعا" يقينا، فإن شك فكما مر في الطواف "ذهابه من الصفا إلى المروة مرة وعوده منها إليه" مرة "أخرى"؛ لأنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالصفا وختم بالمروة رواه مسلم فاندفع قول جمع أنهما مرة إذ

 

ج / 2 ص -41-         يلزمهم الختم بالصفا ومن ثم لم يسن رعاية خلافهم لشذوذه ويجب استيعاب المسافة في كل بأن يلصق عقبه أو عقب أو حافر مركوبه بأصل ما يذهب منه ورأس إصبع رجليه أو رجل أو حافر مركوبه بما يذهب إليه وبعض درج الصفا محدث فليحتط فيه بالرقي حتى يتيقن وصوله للدرج القديم كذا قاله المصنف وغيره. ويحمل على أن هذا باعتبار زمنهم وأما الآن فليس فيه شيء محدث لعلو الأرض حتى غطت درجات كثيرة. "وأن يسعى بعد طواف ركن أو قدوم"؛ لأنه الوارد عنه صلى الله عليه وسلم بل حكي فيه الإجماع فلا يجوز بعد طواف نفل كأن أحرم من بمكة بحج منها ثم تنفل بطواف وأراد السعي بعده كما في المجموع وقول جمع بجوازه حينئذ ضعيف كقول الأذرعي في توسطه الذي تبين لي بعد التنقيب أن الراجح مذهبا صحته بعد كل طواف صحيح بأي وصف كان لا بعد طواف وداع بل لا يتصور كما قالاه وقوعه بعده؛ لأنه لا يسمى طواف وداع إلا إن كان بعد الإتيان بجميع المناسك ومن ثم لو بقي عليه شيء منها جاز له الخروج من مكة بلا وداع لعدم تصوره في حقه حينئذ وتصوره فيمن أحرم بحج من مكة ثم أراد خروجا قبل الوقوف؛ لأنه يسن له طواف الوداع لا نظر إليه؛ لأن كلامهما كما قاله الأذرعي في طواف الوداع المشروع بعد فراغ المناسك لا في كل وداع وقول جمع في هذه الصورة أن له السعي بعده إذا عاد ضعيف كما في المجموع وإذا أراد السعي بعد طواف القدوم كما هو الأفضل؛ لأنه الذي صح عنه صلى الله عليه وسلم لم تلزمه الموالاة بينهما بل له تأخيره، وإن طال لكن "بحيث لا يتخلل بينهما" أي السعي وطواف القدوم "الوقوف بعرفة"؛ لأنه يقطع تبعيته للقدوم قبله فيلزمه تأخيره إلى ما بعد طواف الإفاضة.
تنبيه: أحرم بالحج من مكة ثم خرج ثم عاد لها قبل الوقوف فهل يسن له طواف القدوم نظرا لدخوله أو لا نظرا لعدم انقطاع نسبته عنها أو يفرق بين أن ينوي العود إليها قبل الوقوف أو لا كل محتمل، ولو قيل بالثالث لم يبعد إلا أن إطلاقهم ندبه للحلال الشامل لما إذا فارق عازما على العود ثم عاد يؤيد الأول ثم رأيت في كلام المحب الطبري ما يصرح بالأول ويفرق بينه وبين عدم وجوب طواف الوداع على الخارج المذكور بأن طواف الوداع إنما يكون بعد فراغ المناسك كلها، ولا كذلك طواف القدوم وعليه فيجزئ السعي بعده ويفرق بينه وبين من عاد لمكة بعد الوقوف وقبل نصف الليل، فإنه يسن له القدوم ولا يجزئه السعي حينئذ بأن السعي متى أخر عن الوقوف وجب وقوعه بعد طواف الإفاضة.
ومن سعى بعد طواف "قدوم ولم يعده" أي لم يندب له إعادته بعد طواف الإفاضة بل يكره؛ لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يسعوا إلا بعد طواف القدوم. رواه مسلم ومن ثم لم يسن للقارن رعاية خلاف موجبها ومر وجوبها على من كمل قبل فوات الوقوف. "ويستحب" للذكر "أن يرقى على الصفا والمروة قدر قامة" للاتباع فيهما رواه مسلم والرقي الآن بالمروة متعذر لكن بآخرها دكة فينبغي رقيها عملا بالوارد ما أمكن أما المرأة والخنثى فلا يسن لهما رقي ولو في خلوة على الأوجه الذي اقتضاه إطلاقهم خلافا للإسنوي ومن تبعه اللهم إلا إذا كانا

 

ج / 2 ص -42-         يقعان في شك لولا الرقي فيسن لهما حينئذ على الأوجه احتياطا "فإذا رقي" بكسر القاف الذكر وغيره واشتراط الرقي ليس قيدا في ندب ما بعده لندبه لغير الراقي أيضا بل في حيازة الأفضل لا غير استقبل ثم "قال الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده" أي قدرته وقوته "الخير، وهو على كل شيء قدير" للاتباع رواه مسلم إلا: "يحيي ويميت". فالنسائي بسند صحيح وإلا "بيده الخير" فذكره الشافعي قيل ولم يرد زاد مسلم بعد قدير "لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده" "ثم يدعو بما شاء دينا ودنيا قلت ويعيد الذكر والدعاء ثانيا وثالثا والله أعلم" لما في خبر مسلم بعدما ذكر ثم دعا بين ذلك قال هذا ثلاث مرات وبحث الأذرعي أن الدعاء بأمر الدنيا مباح فقط كما في الصلاة. "وأن" يكون ماشيا وحافيا إن أمن تنجس رجليه وسهل عليه ومتطهرا ومستورا والأفضل تحري خلو المسعى أي إلا إن فاتت الموالاة بينه وبين الطواف كما هو ظاهر للخلاف في وجوبها وقياسه ندب تحري خلو المطاف حيث لم يؤمر بالمبادرة به ولا يكره الركوب اتفاقا على ما في المجموع لكن روى الترمذي عن الشافعي كراهته إلا لعذر ويؤيده أن جمعا مجتهدين قائلون بامتناعه لغير عذر إلا أن يجاب بأنهم خالفوا ما صح أنه صلى الله عليه وسلم ركب فيه. وأن يوالي بين مراته بل يكره الوقوف فيه لحديث أو غيره وبينه وبين الطواف ومر أنه يضر صرفه كالطواف لكن لا يشترط له كيفية مثله؛ لأن القصد هنا قطع المسافة وأن "يمشي أول السعي وآخره" على هينته "و" أن "يعدوا الذكر" لا غيره مطلقا عدوا شديدا طاقته حيث لا تأذي ولا إيذاء قاصدا السنة لا نحو المسابقة "في الوسط" للاتباع فيهما رواه مسلم ويحرك الراكب دابته، والمراد بالوسط هنا الأمر التقريبي إذ محل العدو أقرب إلى الصفا منه إلى المروة بكثير "وموضع النوعين" أي المشي والعدو "معروف" فموضع العدو قبل الميل الأخضر بركن المسجد وحدث مقابلة آخر بستة أذرع إلى أن يتوسط الميلين الأخضرين أحدهما بجدار دار العباس رضي الله عنه، وهي الآن رباط منسوب إليه والآخر دار المسجد وما عدا ذلك محل المشي.

فصل في الوقوف بعرفة وبعض مقدماته وتوابعه
"يستحب للإمام" إذا حضر الحج "أو منصوبه" لإقامة الحج ونصبه واجب على الإمام "أن يخطب بمكة" وكونها عند الكعبة أو ببابها حيث لا منبر أفضل قال الماوردي محرما واستغربه في المجموع ومع ذلك قال إنه محتمل أي: ومن ثم كان العمل عليه ويفتتحها المحرم بالتلبية وغيره بالتكبير وبحث المحب الطبري أن من توجهوا لعرفة قبل دخول مكة يسن لهم ذلك غريب "في سابع ذي الحجة" ويسمى يوم الزينة؛ لأنهم كانوا يزينون فيه هوادجهم "بعد صلاة الظهر" أو الجمعة ويظهر تقييد ندبها بأداء فعل الظهر فتفوت بفوات أدائها؛ لأن المدار في العبادات على الاتباع ما أمكن، وهو صلى الله عليه وسلم لم يفعلها إلا بعد أداء الظهر فلا تفعل فيما بعد ذلك "خطبةفردة يأمر فيها" المتمتعين والمكيين بطواف

 

ج / 2 ص -43-         الوداع بعد إحرامهم وقبل خروجهم؛ لأنه مندوب لهم لتوجههم لابتداء النسك دون المفردين والقارنين لتوجههم لإتمامه جميع الحجاج "بالغدو" أي: السير بعد صبح الثامن ويسمى يوم التروية؛ لأنهم كانوا يتروون الماء فيه لقلته إذ ذاك بتلك الأماكن "إلى منى" بحيث يكونون بها أول الزوال وما وقع لهما في موضع آخر أن السير بعد الزوال ضعيف وعلى الأول يستثنى من تلزمه الجمعة كحاج انقطع سفره إذا كان الثامن الجمعة فلا يجوز له الخروج بعد الفجر إلا إن عذر أو أقيمت صحيحة بمنى.
تنبيه: مر وجوب صوم الاستسقاء بأمر الإمام أو منصوبه وقياسه وجوب ما يأمر به أحدهما هنا بجامع أنه مسنون أمر به فيهما وقد يفرق بأن في الصوم ثم عود مصلحة عامة على المسلمين؛ لأنه قد يكون السبب في الغيث بخلافه هنا نعم م ر ثم ما يعلم منه أن ما فيه مصلحة عامة يصير بأمره واجبا باطنا أيضا بخلاف ما ليس فيه تلك المصلحة لا يجب إلا ظاهرا فقط فكذا يقال هنا لا يجب إلا ظاهرا ومر ثم أيضا ما يعلم منه أن ولاية القضاء تشمل ذلك وحينئذ فهل الخطيب الذي ولاه الإمام الخطابة لا غير كذلك، أو يفرق بأن من شأن القضاء النظر في المصالح العامة بخلاف الخطابة.
"ويعلمهم" في هذه الخطبة "ما أمامهم من المناسك" كلها كما أفاده كلامه كغيره ونص عليه في الإملاء، وهو الأكمل لترسخ في أذهانهم بإعادتها في الخطب الآتية ولأن كثيرا منهم قد لا يحضر فيما بعدها لكثرة أشغالهم أو إلى الخطبة الأخرى كما صرح به الرافعي وغيره قيل وهذا هو الأكمل لأن المسائل العلمية كلما قلت حفظت وضبطت ويرده خبر البيهقي بسند جيد كان صلى الله عليه وسلم إذا كان قبل يوم التروية بيوم خطب الناس وأخبرهم بمناسكهم. فالجمع المضاف فيه دليل لما قلناه وأفهم قوله ما أمامهم أنه لا يتعرض لما قبل الخطبة التي هو فيها ولو قيل ينبغي التعرض له أيضا ليعرفه، أو يتذكره من أخل به لم يبعد "و" أن "يخرج بهم" في غير يوم الجمعة وفيه إن لم تلزمهم وإلا فقبل الفجر ما لم تتعطل الجمعة بمكة "من" بعد صلاة صبح "غد" والأفضل ضحى للاتباع "إلى منى و" يستحب للحجاج كلهم أن "يبيتوا بها" وأن يصلوا بها العصرين والعشاءين والصبح للاتباع رواه مسلم والأولى صلاتها بمسجد الخيف والنزول بمنزله صلى الله عليه وسلم، أو قريب منه، وهو بين منحره وقبلة مسجد الخيف، وهو إليها أقرب "فإذا طلعت الشمس" أي: أشرقت على ثبير، وهو المطل على مسجد الخيف قاله المصنف وغيره، وإن اعترضه المحب الطبري وقال بل هو مقابله الذي على يسار الذاهب لعرفة وجمع بأن كلا يسمى بذلك ومع تسليمه المراد الأول أيضا "قصدوا عرفات" من طريق ضب وكأنه الذي ينعطف عن اليمين قرب المشعر الحرام مكثرين للتلبية والذكر وما حدث الآن من مبيت أكثر الناس هذه الليلة بعرفة بدعة قبيحة اللهم إلا من يخاف زحمة، أو على محترم ولو بات بمنى، أو وقع شك في الهلال يقتضي فوت الحج بفرض المبيت فلا بدعة في حقه ومن أطلق ندب المبيت بها عند الشك فقد تساهل إذ كيف تترك السنة وحجه مجزئ بتقدير الغلط إجماعا فالوجه التقييد بما ذكرته "قلت" وإذا ساروا من منى بعد الصبح إلى عرفة فالسنة لهم أنهم "لا يدخلونها بل

 

ج / 2 ص -44-         يقيمون بنمرة"، وهي بفتح فكسر وبفتح، أو كسر فسكون محل معروف ثم "بقرب عرفات حتى تزول الشمس والله أعلم" للاتباع رواه مسلم ويسن الغسل بها للوقوف كما مر مع بيان وقته "ثم" عقب الزوال يذهب إلى مسجد إبراهيم صلى الله عليه وسلم خلافا لمن نازع في هذه النسبة وزعم أنه منسوب لإبراهيم أحد أمراء بني العباس المنسوب إليه باب إبراهيم بالمسجد الحرام وصدر من عرنة بضم أوله وبالنون وآخره من عرفة وبينه وبين الحرم نحو ألف ذراع و"يخطب الإمام بعد الزوال" الناس "خطبتين" قبل الصلاة ويعلمهم في أولاهما ما أمامهم كله، أو إلى الخطبة الأخرى نظير ما مر ويحرضهم على إكثار ما يأتي في عرفة ثم يجلس بقدر سورة الإخلاص فإذا قام للخطبة الثانية أخذ المؤذن في الأذان لا الإقامة على المعتمد ويخففها بحيث يفرغها مع فراغ الأذان ولم ينظر لمنعه سماعها؛ لأن القصد بها مجرد الدعاء وللمبادرة إلى اتساع وقت الوقوف "ثم" يقيم و "يصلي بالناس" الذين يجوز لهم القصر وهم الآن قليلون جدا إذ أكثر الحجيج يدخلون مكة قبل الوقوف بدون أربعة أيام كوامل بنية إقامة فوق أربعة أيام بها بعده وقد مر في باب صلاة المسافر بيان أن سفرهم هل ينقطع بذلك، أو لا "الظهر والعصر" قصرا و "جمعا" للاتباع رواه مسلم ويسر بالقراءة وهذا الجمع بسبب السفر لا النسك على الأصح فلا يجوز لمن لا يجوز له القصر ويسن للإمام إعلامهم بقوله بعد سلامه أتموا ولا تجمعوا، فإنا قوم سفر وبقي خطبتان مشروعتان إحداهما يوم النحر والأخرى ثالثه بمنى والأربعة فرادى وبعد صلاة الظهر إلا التي بنمرة وإذا فرغوا من الصلاة سن لهم أن يبادروا إلى عرفة "و" أن "يقفوا" بها "إلى" تكامل "الغروب" للاتباع وخروجا من خلاف من أوجب الجمع بين الليل والنهار وسيأتي أن أصل الوقوف ركن قيل في تركيبه نظر إذ تقديره يستحب للإمام أو منصوبه أن يقفوا فلو أفرده فقال ويقف وكذا ما بعده لكان أولى ا هـ ويرد بأنه خص الإمام، أو نائبه بما يختص به بنحو يخطب ويخرج بهم وعمه وغيره بما لا يختص به بنحو يبيتوا وقصدوا وذلك التقدير يدفعه ما تقرر المعلوم من صنيعه فلا اعتراض عليه "ويذكروا الله تعالى ويدعوه ويكثروا التهليل" والوارد من ذلك أولى ومن ثم اختص الإكثار بالتهليل لخبر الترمذي وحسنه: "أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير" وروى المستغفري خبر "من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الاخلاص:1] ألف مرة يوم عرفة أعطي ما سأل" ويقرأ سورة الحشر ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات لما صح "اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج" ويستفرغ جهده فيما يمكنه من ذلك ومن الخضوع والذلة وتفريغ الباطن والظاهر من كل مذموم، فإنه في موقف تسكب فيه العبرات وتقال فيه العثرات وروى البيهقي عن ابن عباس رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بعرفة يداه إلى صدره كاستطعام المسكين كيف، وهو أعظم مجامع الدنيا وفيه من الأولياء والخواص ما لا يحصى وصح: "أن الله يباهي بالواقفين الملائكة" ويسن للذكر كامرأة في هودج أن يقف راكبا ومتطهرا ومستقبل القبلة وبموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قريب منه، وهو معروف وأن يكثر الصدقة وأفضلها العتق وأن يحسن ظنه

 

ج / 2 ص -45-         بربه تعالى ومن ثم لما رأى الفضيل رضي الله عنه بكاء الناس بعرفة ضرب لهم مثلا ليرشدهم إلى ذلك بأنهم مع كثرتهم لو ذهبوا لرجل فسألوه دانقا ما خيبهم فكيف بأكرم الكرماء والمغفرة عنده دون دانق عندنا وصح خبر: "ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة" وليحذر من صعود جبل الرحمة بوسط عرفة، فإنه بدعة خلافا لجمع زعموا أنه سنة وأنه موقف الأنبياء "فإذا غربت الشمس" جميعها "قصدوا مزدلفة" على طريق المأزمين أي الجبلين وعليهم السكينة والوقار مكثرين من التلبية قال القفال والتكبير وكذا في الذهاب من مزدلفة لمنى وعلى خلاف كلام القفال الذي أطبق عليه الأصحاب فيما مر أن إحياء ليلة العيد بالتكبير إلى خروج الإمام لصلاته سنة محله في غير الحاج ما دام لم يتحلل كما مر ثم ومن وجد فرجة أسرع وأما ما اعتيد من التزاحم بين العلمين ثم الحاجزين بين نمرة وعرفة، أو بين الحل والحرم ومن إيقاد الشموع ليلة التاسع بعرفة فبدعتان قبيحتان مذمومتان يتولد منهما مفاسد لا تحصى "وأخروا" أي المسافرون الذين يجوز لهم القصر لهم القصر لما مر أن الجمع للسفر لا للنسك على الأصح "المغرب" ندبا "ليصلوها مع العشاء بمزدلفة" من الازدلاف، وهو القرب لقربهم من منى أو الاجتماع لاجتماعهم بها وتسمى جمعا لذلك، أو للجمع بين الصلاتين فيها، أو لاجتماع آدم وحواء صلى الله عليه وسلم بهما "جمعا" أي: جمع تأخير للاتباع رواه الشيخان ويسن بعد صلاة المغرب إناخة كل جمله ثم يعقله ثم يصلون العشاء ثم يحلون للاتباع ثم يصلون الرواتب والوتر هذا إن ظنوا وصولها قبل مضي وقت اختيار العشاء وإلا صلوهما بالطريق "وواجب الوقوف حضوره" أي: المحرم "بجزء من أرض عرفات"، وهي معروفة، وإن كثر اختلافهم في بعض حدودها لخبر مسلم "وقفت ههنا وعرفة كلها موقف" ولا يشترط فيه مكث ولا قصد بل لو قصد غيره لم يؤثر ومن ثم أجزأ "وإن" لم يعلم أن اليوم يوم عرفة ولا أن المكان مكانها ولو "كان مارا في طلب آبق ونحوه" وفارق ما مر في الطواف بأنه قربة مستقلة أشبهت الصلاة بخلاف الوقوف وألحق السعي والرمي بالطواف؛ لأنه عهد التطوع بنظيرهما ولا كذلك الوقوف.
تنبيه: لو شك في المحل الذي وقف فيه هل هو من عرفة فقياس ما مر في الميقات أن له الاجتهاد والعمل بما يغلب على ظنه ويحتمل أنه لا بد من اليقين لسهولة الاطلاع عليه هنا لشهرة عرفة وعلم أكثر الناس بها بخلافه ثم، وإنما يجزئ ذلك الحضور "بشرط كونه محرما أهلا للعبادة لا مغمى عليه" فلا يجزئه إذ لا أهلية فيه للعبادة ومثله بالمساواة سكران تعدى، أو لا وبالأولى مجنون كذلك نعم يقع لهم نفلا كما قالاه، وإن أطال جمع في اعتراضه ويوافقه قولهم شرط الصحة المطلقة الإسلام فمن عبر بفاته الحج أراد فاته فرضه إذ شرط حسبانه عن الفرض كونه أهلا عند الإحرام والوقوف والطواف والسعي والحلق قيل ظاهر المتن أنه لا يقع للمغمى عليه مطلقا بخلاف المجنون والفرق أن المغمى عليه لا ولي له ا هـ، ويبطل فرقه ما يأتي أوائل الحجر أنه يولي عليه إذا أيس من إفاقته فالحق أنه حينئذ والمجنون سواء كما تقرر "ولا بأس بالنوم" المستغرق كما في الصوم.
 "ووقت الوقوف من الزوال" أي: عقبه "يوم عرفة" للاتباع المندفع به مع قوله صلى الله عليه وسلم:

 

ج / 2 ص -46-         "خذوا عني مناسككم" قول أحمد بدخوله قبله وفي وجه أنه يشترط مضي قدر صلاة الظهر ويرده نقل جمع كابن المنذر وابن عبد البر الإجماع على دخوله بالزوال وبه يندفع أيضا قول شارح ينبغي اعتبار مضي قدر الظهر والعصر والخطبتين للاتباع وكما قالوا بمثله في دخول وقت الأضحية وقد بسطت رده مع الفرق في شرح الإرشاد وفرق بعضهم بما فيه نظر ظاهر للمتأمل، وإن قال إنه فرق دقيق واستدل بقاعدة أصولية إذ هي لا تشهد له بل عليه وأحسن من فرقه أن الترتيب ثم لم يؤخذ إلا من نصه صلى الله عليه وسلم على أن من ذبح قبل ذلك لم تصح أضحيته ولا كذلك هنا فحملنا فعله عملا بذلك الإجماع المتقدم على خبر "خذوا عني مناسككم" على أنه لحيازة فضيلة أول الوقت لا لكونه شرطا في دخول وقت الوقوف "والصحيح بقاؤه إلى فجر يوم النحر" لما صح أنه صلى الله عليه وسلم قال حين خرج للصلاة يوم النحر بمزدلفة: "من أدرك معنا هذه الصلاة وأتى عرفات قبل ذلك ليلا، أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه" وأنه قال: "من جاء ليلة جمع قبل صلاة الصبح فقد أدرك حجه" وفيه؛ لأنه إنما سماها ليلة جمع ردا لما قيل إنها تسمى ليلة عرفة وإن هذا مستثنى من كون الليل يسبق النهار وكأن قائله توهمه من إعطائها حكم يوم عرفة في إدراك الوقوف، وهو فاسد كما هو ظاهر "فلو وقف نهارا ثم فارق عرفة قبل الغروب ولم يعد" إليها قبل فجر النحر، أو ليلا فقط "أراق دما"، وهو دم الترتيب والتقدير "استحبابا" لخبر فقد تم حجه ولو وجب الدم لنقص حجه واحتاج للجبر "وفي قول يجب" لأنه ترك نسكا "وإن عاد فكان بها عند الغروب فلا دم"؛ لأنه جمع بين الليل والنهار "وكذا إن عاد ليلا في الأصح" لذلك "ولو وقفوا اليوم الحادي عشر لم يجز مطلقا، أو العاشر" أو ليلة الحادي عشر "غلطا" أي غالطين، أو لأجل الغلط سواء أبان بعد الوقوف أم في أثنائه أم قبله بأن غم هلال الحجة فأكملوا القعدة ثلاثين ثم ثبتت رؤيته ليلة الثلاثين وهم بمكة ليلة العاشر ولم يتمكنوا من المضي لعرفة قبل الفجر ودخول هذا في تقدير غالطين باعتبار وقوع الغلط الماضي منهم مجاز شائع بل قال جمع أصوليون إن ذلك حقيقة فزعم تعين المفعول لأجله ممنوع "أجزأهم" إجماعا لمشقة القضاء عليهم مع كثرتهم مشقة عظيمة ولأنهم لا يأمنون وقوع مثله في القضاء وخرج بالغلط بالمعنى المذكور ما لو وقع ذلك بسبب الحساب فلا يجزئهم لتقصيرهم وإذا وقفوا في ذلك كان أداء لا قضاء فتحسب أيام التشريق لهم على حساب وقوفهم كما بينته في الحاشية مع فروع غريبة لا يستغنى عن مراجعتها "إلا أن يقلوا على خلاف العادة" في الحجيج "فيقضون" حجهم هذا "في الأصح" لعدم المشقة العامة "وإن وقفوا في" اليوم "الثامن غلطا" بأن شهد اثنان برؤية الهلال ليلة ثلاثي القعدة ثم بانا فاسقين "وعلموا" بذلك "قبل فوت الوقت وجب الوقوف في الوقت" تداركا له "وإن علموا بعده وجب القضاء" لهذه الحجة في عام آخر "في الأصح"، وإن كثروا فارق ما مر بأن تأخير العبادة عن وقتها أقرب إلى الاحتساب من تقديمها عليه وبأن الغلط بالتقديم إنما نشأ عن غلط حساب، أو غلط شهود، وهو يمكن الاحتراز عنه.

 

ج / 2 ص -47-         فصل في المبيت بمزدلفة وتوابعه
ولكون ما فيه أعمالا مرتبة على ما قبلها عطفها عليه فقال "ويبيتون" وجوبا أي الدافعون من عرفة بعد الوقوف "بمزدلفة" للاتباع فيجبر بدم وقيل سنة ورجحه الرافعي وقيل ركن وعليه كثيرون واختاره السبكي ويحصل بلحظة من النصف الثاني ولو بالمرور كما صرح به جمع أخذا من الأم والإملاء وعليه يحمل تعبير شارح وغيره بمكث لحظة وقيل يشترط معظم الليل ورجحه الرافعي في موضع ثم استشكله بأنهم لا يصلونا إلا قريبا من ربع الليل مع جواز الدفع منها عقب نصفه وعلى الأول فارق هذا ما يأتي في مبيت منى بأنه ثم ورد لفظ المبيت، وهو إنما ينصرف للمعظم ولم يرد هنا مع أن تعجيله صلى الله عليه وسلم للضعفة بعد النصف صريح في عدم وجوب المعظم على أنهم ثم مستقرون وهنا عليهم أعمال كثيرة شاقة فخفف عليهم لأجلها ويسن إحياء هذه الليلة بالذكر والدعاء للاتباع ولأن على الحاج في صبيحتها أعمالا شاقة فأريح ليلا ليستعين عليها ومن ثم لم يسن له التنفل المطلق فيها "ومن دفع منها بعد نصف الليل، أو قبله" بعذر، أو غيره "وعاد قبل الفجر فلا شيء عليه" لحصوله بها في جزء من النصف الثاني "ومن لم يكن بها في النصف الثاني أراق دما وفي وجوبه القولان" السابقان فيمن فارق عرفة قبل الغروب ولم يعد لكن الأصح هنا الوجوب حيث لا عذر مما يأتي في مبيت منى وأخذ منه البلقيني أن من شرط مبيته بمدرسة لو نام خارجها لخوف على محترم لم ينقص من جامكيته شيء كما لا دم هنا على المعذور ولك رده لوضوح الفرق باختلاف ملحظ البابين؛ لأن ذلك كالجعالة فلا يستحق إلا إن أتى بالعمل المشروط عذر أم لا وهذا تفويت وحيث عذر فلا تفويت وسيأتي آخر الجعالة ما يعلم منه الراجح في ذلك ومن العذر هنا اشتغاله بالوقوف، أو بطواف الإفاضة بأن وقف ثم ذهب إليه قبل النصف، أو بعده ولم يمر بمزدلفة، وإن لم يضطر إليه ويوجه بأن قصده تحصيل الركن ينفي تقصيره نظير ما مر في تعمد المأموم ترك الجلوس مع الإمام للتشهد الأول نعم ينبغي أنه لو فرغ منه وأمكنه العود لمزدلفة قبل الفجر لزمه ذلك.
 "ويسن تقديم النساء والضعفة" وتقدمهم، وإن لم يؤمروا على الأوجه "بعد نصف الليل إلى منى" للاتباع رواه الشيخان وليرموا قبل الزحمة أي: إن أرادوا تعجيل الرمي وإلا فالسنة لهم تأخيره إلى طلوع الشمس كغيرهم لما صح أنه صلى الله عليه وسلم: أمرهم أن لا يرموا إلا بعد طلوع الشمس. "ويبقى" ندبا مؤكدا "غيرهم حتى يصلوا الصبح مغلسين" فالتغليس هنا أشد استحبابا منه في سائر الأيام كما دل عليه خبر الشيخين ليتسع الوقت "ثم يدفعون إلى منى" للاتباع متفق عليه قيل وتتأكد صلاة الصبح بمزدلفة مع الإمام لجريان قول بتوقف صحة الحج على ذلك، "ويأخذون من مزدلفة" ليلا وقيل بعد الصبح واختير لدلالة الخبر الآتي عليه والمتن؛ لأنه معطوف على يدفعون ورد بأنه يلزم عليه أن النساء والضعفة لا يسن لهم ذلك والمنقول لا فرق فالصواب عطفه على يبيتون "حصى الرمي" ليوم النحر، وهو سبع حصيات للخبر الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال للفضل بن عباس غداة يوم النحر:
"التقط لي حصى" قال: فلقطت

 

ج / 2 ص -48-         له حصيات مثل حصى الخذف.ويزيد قليلا لئلا يسقط منه شيء واستشكل بخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم لما وصل محسرا قال: "عليكم بحصى الخذف التي ترمى به الجمرة" ويجاب بحمله على غير حصى رمي يوم النحر إذ الأولى أخذها منه، أو من منى غير المرمي وما احتمل اختلاطه به، أو على أنه ذكرهم بذلك ليتداركه من لم يأخذ من مزدلفة إذ الظاهر أنه لم يعلم بأخذه منها إلا القريبون منه، فإن قلت قياس كراهة التيمم بتراب الأرض التي وقع بها عذاب كراهة الرمي بأحجار محسر بناء على وقوع العذاب به قلت يمكن ذلك ويمكن الفرق بأن التراب آلة لطهر البدن المجوز للصلاة فاحتيط له أكثر، فإن قلت أي فرق بينه وبين كراهة الرمي بما رمي به قلت الفرق أن هذا قارنه الرد فكان أقبح بخلاف ذاك ويجوز أخذه من غير مزدلفة ومحسر لكن يكره من مسجد لم يملكه، أو يوقف عليه وإلا حرم وواضح أن محل كراهة المملوك للغير إن علم رضا مالكه، أو أعرض عنه وإلا حرم أيضا ومن حش وكذا كل محل نجس ما لم يغسله، وإنما لم تزل كراهة الأكل في إناء بول والرمي بحجر حش غسلا لبقاء استقذارهما بعد غسلهما ويسن غسل الحصى حيث قرب احتمال تنجسه احتياطا وكراهة غسل نحو ثوب جديد قبل لبسه محله فيما لم يقرب احتمال تنجسه ومن المرمي لما ورد بل صح أن ما يقبل رفع وإلا لسد ما بين الجبلين ومن الحل. "فإذا بلغوا المشعر" مأخوذ من الشعيرة، وهي العلامة "الحرام" أي: المحرم فيه الصيد وغيره، أو ذا الحرمة الأكيدة، وهو البناء الموجود الآن بمزدلفة خلافا لمن أنكره "وقفوا مستقبلين"  القبلة ذاكرين والأولى أن يكون الوقوف عليه حيث لا تأذي ولا إيذاء للزحمة ثم وإلا فتحته "ودعوا" وتصدقوا وأعتقوا "إلى الإسفار" للاتباع رواه مسلم ويحصل أصل السنة بالوقوف بغيره من مزدلفة بل وبالمرور "ثم" عقب الإسفار لكراهة التأخير إلى الطلوع "يسيرون" إلى منى بسكينة ووقار ذاكرين وملبين ومن وجد منهم فرجة أسرع فإذا بلغوا بطن محسر، وهو أعني محسرا ما بين مزدلفة ومنى وبطنه مسيل فيه أسرع الماشي جهده وحرك الراكب دابته كذلك حيث لا ضرر حتى يقطع عرض ذلك المسيل، وهو قدر رمية حجر للاتباع وحكمته أن أصحاب الفيل أهلكوا ثم على قول الأصح خلافه وأنهم لم يدخلوا الحرم، وإنما أهلكوا قرب أوله، أو أن رجلا اصطاد ثم فنزلت نار أحرقته ومن ثم تسميه أهل مكة وادي النار فهو لكونه محل نزول عذاب كديار ثمود التي صح أمره صلى الله عليه وسلم للمارين بها أن يسرعوا لئلا يصيبهم ما أصاب أهلها ومن ثم ينبغي الإسراع فيه لغير الحاج أيضا، أو أن النصارى كانت تقف ثم فأمرنا بالمبالغة في مخالفتهم "فيصلون منى بعد طلوع الشمس" وارتفاعها كرمح "فيرمي كل شخص" منهم "حينئذ" أي: حين إذا وصلها راكبا، أو ماشيا من غير تعريج على غير الرمي؛ لأنه تحية منى وهذا أعني كونه عقب ارتفاعها كرمح أفضل أوقات الرمي للاتباع فمن وصل قبله هل يغلب كونه تحية فيرمي أو يراعي الوقت الفاضل فيؤخر إليه كل محتمل وقضية ما مر في الضعفة الثاني "سبع حصيات إلى جمرة العقبة" للاتباع رواه مسلم ويجب رميها من بطن الوادي ولا يجوز من أعلى الجبل خلفها وكثير من العامة يفعلونه فيرجعون بلا رمي ما لم يقلدوا القائل به ويسن أن يجعل مكة عن يساره

 

ج / 2 ص -49-         ومنى عن يمينه ويستقبلها حالة الرمي للاتباع ويختص هذا بيوم النحر لتميزها فيه بخلاف بقية أيام التشريق، فإن السنة استقباله للقبلة في رمي الكل.
تنبيه: هذه الجمرة ليست من منى بل ولا عقبتها كما قاله الشافعي والأصحاب خلافا لجمع كما بينته في الحاشية.
"ويقطع التلبية عند ابتداء الرمي" فلا يعود إليها للاتباع ولأنها شعار الإحرام وبالرمي أخذ في التحلل ومن ثم لو ترك الأفضل بأن قدم الطواف، أو ألحق قطع التلبية عنده وقطعها المعتمر عند ابتداء طوافه "ويكبر مع كل حصاة" للاتباع رواه مسلم وقضية الأحاديث وكلامهم أنه يقتصر على تكبيرة واحدة قاله المصنف رادا به نقل الماوردي عن الشافعي تكريره له ثنتين، أو ثلاثا مع توالي كلمات بينها "ثم يذبح من معه هدي" نذر، أو تطوع هديه ومن معه ذلك ومن لا هدي معه أضحيته "ثم يحلق أو يقصر" لثبوت هذا الترتيب في مسلم "والحلق" للذكر الواضح "أفضل" غالبا "من التقصير" اتباعا وإجماعا ولأنه صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين بالرحمة ثلاثا ثم للمقصرين مرة. رواه الشيخان ويسن الابتداء بشقه الأيمن واستيعابه ثم استيعاب البقية حتى يبلغ عظمي الصدغين وأن يستقبل المحلوق ويكبر معه وعقبه اقتداء بالسلف، وإن استغربه في المجموع ويدفن شعره وما يصلح للوصل آكد وأن لا يشارط الحلاق. كذا أطلقوه وينبغي حمله على أن مرادهم أنه يعطيه ابتداء ما تطيب به نفسه فإن رضي وإلا زاده لا أنه يسكت إلى فراغه؛ لأن ذلك ربما تولد منه نزاع إذا لم يرض الحلاق بما يعطيه له وأن يأخذ شيئا من نحو شاربه وظفره عند فراغه وأن يتطيب ويلبس وخرج بغالبا المتمتع فيسن له أن يقصر في العمرة ويحلق في الحج؛ لأنه الأكمل ومحله كما في الإملاء إن لم يسود رأسه أي: يكن به شعر يزال وإلا فالحلق وكذا لو قدم الحج وأخر العمرة، فإن كان لا يسود رأسه عندها قصر في الحج ليحصل له ثواب التقصير فيه والحلق فيها إذ لو عكس فاته الركن فيها من أصله، وإن كان يسود حلق فيهما ولم يحلق بعض الرأس الواحد في أحدهما وباقيه في الآخر؛ لأنه من القزع المكروه "وتقصر المرأة" ولو صغيرة واستثناء الإسنوي لها غلطه فيه الأذرعي إذ لا يشرع الحلق لأنثى مطلقا إلا يوم سابع ولادتها للتصدق بوزنه وإلا لتداو، أو استخفاء من فاسق يريد سوءا بها ومثلها الخنثى ويكره لهما الحلق بل بحث الأذرعي الجزم بحرمته على زوجة، أو أمة بغير إذن زوج، أو سيد ويندب لها أن تعم الرأس بالتقصير وأن يكون بقدر أنملة قاله الماوردي إلا الذوائب؛ لأن قطع بعضها يشينها "والحلق" أي إزالة الشعر المشتمل عليه الإحرام بأن وجد قبل دخول وقت التحلل في حج، أو عمرة "نسك" لا استباحة محظور كلبس المخيط "على المشهور" فيثاب عليه للتفاضل بينهما في الخبر، وهو إنما يكون في العبادات وصح خبر:
"لكل من حلق رأسه بكل شعرة سقطت نور يوم القيامة". "وأقله" أي: الحلق بالمعنى المذكور "ثلاث شعرات"، أو جزء من كل من ثلاثة لا أقل من شعر الرأس، وإن استرسل وخرج عن حده ولو على دفعات كما في المجموع وغيره وإيهام الروضة لخلافه غير مراد، أو ثنتان أو واحدة إن لم يكن غيرهما أو غيرها وذلك لقوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ} [الفتح: 27] أي: شعرا

 

ج / 2 ص -50-         فيها إذ هي لا تحلق، وهو جمع أقله ثلاث وبهذا اندفع ما يقال الآية حجة على التعميم؛ لأن التقدير شعر رءوسكم، وهو مضاف فيعم ودفعه بقول المجموع قام الإجماع على عدم التعميم غير صحيح؛ لأن كلام المجموع مؤول كما بسطت القول عليه مع بيان أن مالكا وأحمد وغيرهما قائلون بوجوب التعميم في إفتاء طويل "حلقا وتقصيرا" فسره في القاموس بأنه كف الشعر والقص بأنه الأخذ منه بالمقص أي: المقراض فعطفه عليه الآتي من عطف الأخص أي المقراض. فعطفه عليه الآتي من عطف الأخص تأكيدا وبهذا يعلم أن التقصير حيث أطلق في كلامهم أريد به المعنى الأول، وهو الأخذ من الشعر بمقص، أو غيره "أو نتفا، أو إحراقا، أو قصا"، أو غيرها من سائر وجوه الإزالة لأنها المقصودة نعم إن نذر الذكر الحلق تعين، وهو استئصال الشعر بالموسى أي: بحيث لا يظهر منه شيء لمن هو في مجلس التخاطب فيما يظهر ثم إن قال حلق رأسي فالكل، أو الحلق، أو أن أحلق كفى ثلاث شعرات ويجري ذلك في نذر غير الذكر التقصير المطلوب وظاهر كلامهم هنا أن الرجل لا يصح نذره للتقصير وعليه فهو مشكل؛ لأن الدعاء للمقصرين يقتضي أنه مطلوب منه فهو كنذر المشي وقد يجاب بأنه انضم لكونه مفضولا كونه شعار النساء عرفا بخلاف نحو المشي. "ومن لا شعر برأسه" خلقة، أو لحلقه ولاعتماره عقبه "استحب" له "إمرار الموسى عليه" إجماعا تشبها بالحالقين وبحث الأذرعي اختصاص ذلك بالذكر؛ لأن الحلق ليس مشروعا لغيره والإسنوي أنه لو كان ببعض رأسه شعر سن إمرار الموسى على الباقي أي سواء أحلق ذلك البعض أم قصره على الأوجه للتشبه المذكور أي إذ هو كما يكون في الكل يكون في البعض ولبس فيه جمع بين أصل وبدل خلافا لمن زعمه لاختلاف محليهما على أن هذا الإمرار ليس بدلا وإلا لوجب في البعض حيث لا شعر بالكلية ولا يلزمه خلافا لمن زعمه أيضا أنه لو اقتصر على التقصير أن يمر الموسى على بقية رأسه. "فإذا حلق، أو قصر دخل مكة" إثر ذلك ضحى "وطاف طواف الركن" ويسمى أيضا طواف الإفاضة وطواف الزيارة وقد يسمى طواف الصدر بفتح الدال ويسن عقبه أن يشرب من سقاية العباس من زمزم للاتباع "وسعى" بعد الطواف لوجوب الترتيب بينهما كما يأتي فورا ندبا "إن لم يكن سعى" بعد طواف القدوم كما هو الأفضل "ثم يعود إلى منى" بحيث يدرك أول وقت الظهر بمنى حتى يصليها بها للاتباع رواه الشيخان فهي بها أفضل منها بالمسجد الحرام، وإن فاتته مضاعفته على الأصح؛ لأن في فضيلة الاتباع ما يربو على المضاعفة ورواية مسلم أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بمكة. محمولة على ما في المجموع وفيه إشكال بينته في الحاشية على أنه صلاها بها أول وقتها ثم ثانيا بمنى إماما لأصحابه كما صلى بهم في بطن نخل مرتين وأبي داود والترمذي: أنه أخر طواف يوم النحر إلى الليل. محمولة على أنه أخر طواف نسائه وذهب معهن "وهذا الرمي والذبح والحلق والطواف يسن ترتيبها كما ذكرنا" في الوقت الذي ذكرنا للاتباع، فإن خالف صح لإذنه صلى الله عليه وسلم في ذلك رواه الشيخان.
"ويدخل وقتها" أي: الأعمال المذكورة إلا الذبح لمن وقف بعرفة "بنصف ليلة النحر" لصحة الخبر به في الرمي وقيس به غيره "ويبقى وقت الرمي" الذي هو وقت فضيلة إلى

 

ج / 2 ص -51-         الزوال، واختيارا "إلى آخر يوم النحر" لخبر البخاري به وجوازا إلى آخر أيام التشريق هذا هو المعتمد من اضطراب طويل في ذلك "ولا يختص الذبح" للهدايا "بزمن" كما وقع في المحرر هنا، وإن اختص بمكان هو الحرم بخلاف الضحايا تختص بيوم النحر والثلاثة بعده "قلت الصحيح اختصاصه بوقت الأضحية وسيأتي" أن المحرر ذكره كذلك "في آخر باب محرمات الإحرام على الصواب والله أعلم" وتمحل جمع للمحرر كالعزيز فحملوا ما هنا من عدم الاختصاص على الدماء الواجبة لخبر، أو حظر، فإنها قد تسمى هديا نعم ما عصى منها بسببه يجب فعله فورا خروجا من المعصية وما يأتي من الاختصاص على ما سيق تقربا ولو منذورا وهذا هو المسمى هديا حقيقة ومن ثم طعن في الجمع بأنه خلاف ظاهر عبارته والمتبادر منها "والحلق والطواف والسعي لا آخر لوقتها"؛ لأن الأصل عدم التأقيت نعم يكره تأخيرها عن يوم النحر وأشد منه تأخيرها عن أيام التشريق ثم عن خروجه من مكة ولا ينافيه خلافا للإسنوي أن طواف الوداع يقع عن الركن؛ لأن هذا لبقاء بعض نسكه لا يلزمه طواف وداع كما مر. وبحث ابن الرفعة حرمة تأخير التحلل الأول إلى قابل؛ لأنه يصير محرما بالحج في غير أشهره وكما أن من فاته الحج يلزمه التحلل أي: فورا ويحرم عليه تأخيره إلى قابل؛ لأن استدامته كابتدائه وابتداؤه لا يصح ورده السبكي وفرق بأن وقوف عرفة معظم الحج وما بعده تبع له مع تمكنه منه كل وقت فكأنه غير محرم بخلاف من فاته، فإن معظم حجه باق فيلزم من بقائه على إحرامه بقاؤه حاجا في غير أشهر الحج ويؤيده أنه لو أحصر بعد الوقوف لا يلزمه التحلل والإسنوي بأن وقت الحج يخرج بفجر يوم النحر والتحلل قبله لا يجب اتفاقا بل الأفضل تأخيره عنه وبأنه يجوز الإحرام بالنافلة المطلقة في غير وقت الكراهة وبمدها إليه، وهو نظير مسألتنا "وإذا قلنا الحلق نسك"، وهو المشهور "ففعل اثنين من الرمي" لجمرة العقبة "والحلق"، أو التقصير "والطواف" المتبوع بالسعي إن لم يكن سعى "حصل التحلل الأول" من تحللي الحج، فإن لم يكن برأسه شعر حصل بواحد من الباقين. "وحل به اللبس" ونحوه "والحلق والقلم" والطيب بل يسن التطيب واللبس للاتباع كما مر "وكذا الصيد وعقد النكاح" والتمتع دون الفرج ولو بشهوة "في الأظهر" كالحلق بجامع عدم إفساد كل للحج "قلت الأظهر لا يحل عقد النكاح" ولا التمتع كالنظر بشهوة "والله أعلم" للخبر الصحيح "إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء" "وإذا فعل الثالث" الباقي من أسباب التحلل "حصل التحلل الثاني وحل به باقي المحرمات" إجماعا، وإن بقي عليه المبيت وبقية الرمي ولو فاته الرمي توقف التحلل على الإتيان ببدله ولو صوما كما قالاه، وإن أطال جمع في اعتراضه تنزيلا للبدل منزلة المبدل، وإنما لم يتوقف تحلل المحصر عليه؛ لأنه واجد فيشق بقاؤه محرما من سائر الوجوه ولا كذلك هنا أما العمرة فليس لها إلا تحلل واحد؛ لأن الحج يطول زمنه وتكثر أعماله فأبيح بعض محرماته في وقت وبعضها في وقت آخر تخفيفا للمشقة بخلافها ونظير ذلك الحيض لما طال زمنه جعل لارتفاع محظوراته محلان انقطاع الدم والغسل بخلاف الجنابة. وزاد البلقيني تحللا ثالثا، وهو حلق شعر بقية البدن لحله بحلق الركن، أو سقوطه، وخالفه غيره

 

ج / 2 ص -52-         فقال لا يحل إلا بفعل اثنين من ثلاثة كغيره وهو الأوجه الأوفق بكلامهم، وإن ملت إلى الأول في الحاشية.
 

فصل في مبيت ليالي أيام التشريق الثلاثة بمنى، أو سقوطه ورميها وشروط الرمي وتوابع ذلك
"إذا عاد إلى منى" من مكة، أو لم يعد بأن لم يذهب لمكة "بات" وجوبا على الأصح "بها" فلا يجزئ خارجها ومنها ما أقبل من الجبال المحيط بها حدودها وأولها من جهة مكة أول العقبة التي بلصقها الجمرة ومن جهة عرفة محسر لكن هذا الحد غير معروف الآن للجهل بأول محسر لكنهم قالوا طول منى سبعة آلاف ذراع ومائتا ذراع فليقس من العقبة ويحد به ثم الظاهر من هذا التحديد أنه يعتبر ما سامت أول العقبة المذكور يمينا إلى الجبل ويسارا إلى الجبل وحينئذ يخرج من منى كثير يظنه أكثر الناس منها "ليلتي" يومي "التشريق" الأولين أي: معظمهما وكذا الثالثة إن لم ينفر نفرا صحيحا كما سيعلم من كلامه "ورمى" وجوبا بلا خلاف ويجب فيه جمعه، أو فرقه أن يرمي "كل يوم إلى الجمرات الثلاث" والأصل في الرمي لا الواجب فيه كما يعلم مما يأتي أن يكون "كل جمرة سبع حصيات" للاتباع ومحل ذلك حيث لا عذر ومنه قصد سقي الحاج بمكة، أو بطريقها ورعي دابة أو دواب ولو لغير الحاج نعم يمنع بعد الغروب النفر للرعي؛ لأنه لا يكون ليلا بخلاف نحو سقاية ويلزم الرعاء بكسر الراء والمد العود للرمي في وقته. ومر أن وقت أداء رمي النحر من نصف ليلة النحر إلى آخر أيام التشريق ويأتي أن رمي كل يوم من أيام التشريق يدخل بزواله ويستمر إلى آخرها فلهم كغيرهم ترك رمي النحر وما بعدها إلى آخرها ليرموا الكل قبيل غروب شمسه وبهذا يعلم أن معنى كون الرعي عذرا على المعتمد عدم الكراهة في تأخيره لأجله وإلا فهو مساو لغيره في الجواز، فإن فرض خوفه على دابته لو عاد للرمي الذي يدرك به كان معنى كون الرعي عذرا له عدم الإثم كما هو ظاهر وأما جواب بعضهم عن قول الإسنوي من التناقض العجيب قولهما يجوز لذوي الأعذار تأخير رمي يوم لا يومين مع تصحيحهما أن لغيرهم تأخير رمي يومين فأكثر من غير عذر؛ لأن أيام منى كالوقت الواحد بأن هذا فيمن بات ليالي منى وذاك في ذي عذر لم يبتها فامتناع التأخير عليه لتركه شعار المبيت والرمي فيرد بأن ما ترك للعذر بمنزلة المأتي به في عدم الإثم فلم يناسب التضييق بذلك مع العذر على أن هذا الجمع مخالف لإطلاقهم في الموضعين من غير معنى يشهد له فلا يلتفت إليه. وإنما الوجه ما ذكرته من أن يجوز معناه من غير كراهة ولا يجوز معناه نفي الحل المستوي الطرفين فتأمله ويأتي قريبا ما يؤيده ومنه أيضا خوف على محترم ولو لغيره فيما يظهر أخذا مما مر في التيمم ومرض تشق معه الإقامة بمنى وتمريض منقطع وطلب نحو آبق وغير ذلك مما بينته في الحاشية ومنه ما مر في مزدلفة من الاشتغال بنحو طواف الركن بقيده وسيعلم مما يأتي أن العذر في المبيت يسقط دمه وإثمه وفي الرمي يسقط إثمه لا دمه.

 

ج / 2 ص -53-         تنبيه: وقع بموسم سنة ثمان وخمسين ضحى يوم النحر فتنة عظيمة بين أمراء الحاج وأمير مكة ثم تزايدت واشتد الخوف حتى رحل أكثر الحجاج والمكيين ليلة القر وصبيحته ووقع النهب الفظيع ولم يزل الخوف يشتد حتى نفر من بقي مع الأمراء من الحجيج قبل زوال يوم النفر الأول وأراد بعض أكابر الحجاج أن يعود لمنى قبل فوات وقت الرمي مع جند من صاحب مكة فتعذر عليه ذلك لتمرد الأعراب وانتشارهم كالجراد وحينئذ اختلف المفتون في لزوم الدم. وظاهر كلامهم لزومه كما بينته مع الميل إلى عدمه وبيان مستنده في إفتاء مبسوط مسطر في الفتاوى ومن ذلك المستند أن ما ذكروه من الأعذار بعضه لا يمنع فعله بالنفس وبعضه لا يمنع الاستنابة فلزم الدم لإمكان الفعل وأما هذا العذر فمانع للفعل بالنفس والنائب؛ لأن كل واحد حتى الفقراء المتجردين صار خائفا على نفسه فلم يكن فيه تقصير ألبتة وأن كلام شارح يفيد ذلك وأن ما ذكروه في الإحصار لا ينافي ذلك؛ لأن المبيت ثم يجب فيه دم مع العذر كما يأتي فالرمي أولى قيل وقع نظير ذلك وأن علماء مصر ومكة اختلفوا في الدم فأفتى بعدمه المصريون كشيخنا ومعاصريه وبوجوبه المكيون.
"فإذا رمى اليوم الثاني فأراد النفر" أي: التحرك للذهاب إذ حقيقة النفر الانزعاج فيشمل من أخذ في شغل الارتحال ويوافق الأصح في أصل الروضة أن غروبها، وهو في شغل الارتحال لا يلزمه المبيت، وإن اعترضه كثيرون "قبل غروب الشمس" يؤخذ من قوله أراد أنه لا بد من نية النفر مقارنة له وإلا لم يعتد بخروجه فيلزمه العود؛ لأن الأصل وجوب مبيت ورمي الكل ما لم يتعجل عنه ولا يسمى متعجلا إلا من أراد ذلك. ثم رأيت الزركشي قال لا بد من نية النفر ا هـ، ويوجه بما ذكرته "جاز" إن كان بات الليلتين قبله، أو تركهما للعذر "وسقط مبيت الليلة الثالثة ورمي يومها" ولا دم عليه لقوله تعالى
{فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] والأصل فيما لا إثم فيه عدم الدم لكن التأخير أفضل لا سيما للإمام إلا لعذر كخوف، أو غلاء وذلك للاتباع بل في المجموع عن الماوردي ما يقتضي حرمته عليه أما إذا لم يبتهما ولا عذر له أو نفر قبل الزوال، أو بعده وقبل الرمي فلا يجوز له النفر ولا يسقط عنه مبيت الثالثة ولا رمي يومها على المعتمد نعم ينفعه في غير الأولى العود قبل الغروب فيرمي وينفر حينئذ وبحث الإسنوي طرد ما ذكر في الأولى في الرمي فمن تركه لا لعذر امتنع عليه النفر، أو لعذر يمكن معه تداركه ولو بالنائب فكذلك، أو لا يمكن جاز "فإن لم ينفر" بضم فائه وكسرها "حتى غربت" الشمس "وجب مبيتها ورمي الغد" كما صح عن ابن عمر رضي الله عنهما. ولو نفر لعذر، أو غيره بعد الرمي قبل الغروب وليس في عزمه العود للمبيت ثم عاد لها قبله أو بعده لم يلزمه المبيت ولا الرمي إن بات ووقع في كلام الغزي هنا ما لا يصح فاحذره أما إذا كان في عزمه ذلك فيلزمه العود ولم تنفعه نية النفر؛ لأنه مع عزمه العود لا يسمى نفرا "ويدخل رمي" كل يوم من أيام "التشريق"، وهي ثلاثة بعد يوم النحر سميت بذلك لإشراق نهارها بنور الشمس وليلها بنور القمر وحكمة التسمية لا يلزم اطرادها، أو؛ لأنهم يشرقون اللحم فيها أي: يقددونه، وهي المعدودات في الآية لقلتها والمعلومات عشر ذي الحجة "بزوال الشمس" من ذلك اليوم للاتباع ويستحب

 

ج / 2 ص -54-         فعله عقبه وقبل صلاة الظهر ما لم يضق الوقت ولم يرد جمع التأخير "ويخرج" وقت اختياره "بغروبها" من كل يوم كما هو المتبادر من العبارة لعدم وروده ليلا "وقيل يبقى" وقت الجواز وحينئذ ففي حمل المتن على وقت الاختيار الذي اعتمده ابن الرفعة وغيره نظر؛ لأن الوجه الثاني لا يكون مقابلا له حينئذ فالأولى حمله على وقت الجواز ويكون جريا على الضعيف الذي تناقض فيه كلامه في غير هذا الكتاب. ولك أن تحمل الغروب على غروب آخر أيام التشريق ليكون الضعيف مقابلا له مع جريانه على الأصح والمراد حينئذ لازم ويخرج والمعنى ويبقى أي: وقت الجواز إلى غروبها آخر أيام التشريق وقيل يبقى وقت الجواز إلى فجر الليلة التي تلي كل يوم لا غير "إلى الفجر" كوقوف عرفة ومحله في غير ثالثها لخروج وقت الجواز وغيره بغروب شمسه قطعا.
فرع: يسن كما مر لمتولي أمر الحج خطبة بعد صلاة ظهر يوم النحر بمنى وهذا مشكل؛ لأن الأحاديث الصحيحة مصرحة بأنه صلى الله عليه وسلم إنما فعلها ضحى يوم النحر وأجبت عنه في غير هذا الكتاب بما فيه نظر وتكلف يعلمهم فيها الرمي والمبيت وخطبة بها أيضا بعد صلاة ظهر يوم النفر الأول يعلمهم فيها جواز النفر فيه وغيره ويودعهم وتركتا من أزمنة عديدة ومن ثم لا ينبغي فعلها الآن إلا بأمر الإمام أو نائبه لما يخشى من الفتنة.
"ويشترط" في رمي يوم النحر وما بعده "رمي السبع واحدة واحدة" يعني مرة ثم مرة، وإن اشتملت كل مرة على سبع، أو أكثر، أو اتحدت الحصاة في المرات السبع، أو وقعت المرتان، أو المرات معا في المرمى وذلك للاتباع رواه مسلم فلو رمى ثنتين، أو أكثر دفعة واحدة ولو واحدة بيمينه وأخرى بيساره حسبت رمية واحدة، وإن وجد الترتيب في الوقوع، وإنما حسبت في الحد الضربة الواحدة بعثكال عليه مائة بعددها؛ لأنه مبني على الدرء ولوجود أصل الإيلام المقصود فيه والغالب هنا التعبد، أو مترتبتين فوقعتا معا فثنتان. "و" فيما بعده "ترتيب الجمرات" بأن يبدأ بالأولى من جهة عرفة ثم بالوسطى ثم بجمرة العقبة للاتباع رواه البخاري فلو عكست حسبت الأولى فقط فلو ترك حصاة عمدا، أو غيره ونسي محلها جعلها من الأولى فيكملها ثم يعيد الأخيرتين مترتبتين "و" في الكل "كون المرمي حجرا" للاتباع ولو حجر حديد ونقد وفيروزج وياقوت وعقيق وبلور وفسره في القاموس بأنه جوهر وقضيته أن المصطنع المشبه له ليس منه، وهو ظاهر وزبرجد وزمرد، وإن جعلت فصوصا مثلا، وإن ألصقت بنحو خاتم فرماه بها فيما يظهر وكذان بالمعجمة وبرام ومرمر، وهو الرخام كما في القاموس فقول شارح لا يجزئ الرخام سهو إلا إن ثبت أن منه نوعا مصنوعا وأن المرمي به منه وذلك؛ لأنها من طبقات الأرض بخلاف ما ليس من طبقاتها كإثمد ولؤلؤ ومنطبع نحو نقد، أو حديد ومر في مبحث المشمس أن الانطباع المد تحت المطرقة لكنه ثم يكفي ما بالقوة لا هنا لاختلاف الملحظين ونورة طبخت وواضح حرمة الرمي بنفيس كياقوت إن نقص به قيمته لحرمة إضاعة المال. وإفتاء بعضهم بأن المرجان من القسم الأول معترض؛ لأن المعروف أنه ينبت في بحر الأندلس كالشجرة ونقل أن له جزيرة ينبت فيها كالشجر هذا كله بناء على ما هو المتعارف في المرجان الآن أما المرجان

 

ج / 2 ص -55-         لغة فهو صغار اللؤلؤ كما في القاموس وغيره "وأن يسمى رميا" وأن يكون باليد إن قدر؛ لأنه الوارد فلا يكفي الوضع في المرمى؛ لأنه خلاف الوارد ويفرق بينه وبين إجزاء وضع اليد على الرأس مع أنه لا يسمى مسحا بأن القصد ثم وصول البلل، وهو حاصل بذلك وهنا مجاهدة الشيطان بالإشارة إليه بالرمي الذي يجاهد به العدو كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم كما أخرجه سعيد بن منصور: لما سئل عن الجمار: "الله ربكم تكبرون وملة أبيكم إبراهيم تتبعون ووجه الشيطان ترمون" ولا رميه بنحو رجله أو قوسه أي: مع القدرة باليد وبه يجمع بين قول المجموع عن الأصحاب لا يجزئ بالقوس وقول آخرين يجزئ وكذا الرجل فمن قال يجزئ أراد إذا عجز باليد وجعل الحصاة بين أصابع رجليه ورمى بها. ومن قال لا يجزئ أراد ما إذا قدر باليد أو دحرجها برجله إلى المرمى ولو عجز عن اليد وقدر على الرمي بقوس فيها وبفم وبرجل تعين الأول كما هو ظاهر، أو قدر على الأخيرين فقط فهل يتخير أو يتعين الفم؛ لأنه أقرب إلى اليد والتعظيم للعبادة، أو الرجل؛ لأن الرمي بها معهود في الحرب ولأن فيها زيادة تحقير للشيطان المقصود من الرمي تحقيره كل محتمل ولعل الثالث أقرب ولو قدر على القوس بالفم والرجل فهو كمحله فيما ذكر وظاهر أنه لو لم يقدر باليد بل بقوس فيها وبالرجل تعين الأول وصرح بهذا مع قوله رمى السبع لئلا يتوهم أن ذاك لبيان التعدد لا الكيفية وأن يقصد المرمى، وإن لم ينو النسك وأن يتيقن وقوعه فيه، وهو ثلاثة أذرع من سائر الجوانب إلا جمرة العقبة فليس لها إلا جمرة واحدة من بطن الوادي كما مر وأن يكون الوقوع فيه لا بفعل غيره فلو وقع الحجر على ما له تأثير في وقوعه في المرمى ولو احتمالا كأن وقع على محمل لا نحو أرض ثم تدحرج للمرمى لغا بخلاف ما لو رده الريح إليه لتعذر الاحتراز عنها.
"والسنة أن يرمي بقدر حصى الخذف" بمعجمتين لخبر مسلم "عليكم بقدر حصى الخذف" وحصاته دون الأنملة طولا وعرضا قدر حبة الباقلاء المعتدلة وقيل كقدر النواة ويكره بأكبر وأصغر منه وبهيئة الخذف للنهي الصحيح عنها الشامل للحج وغيره كما بينته مع رد ما اعترضه به الإسنوي في الحاشية مع بيان أنه يجزئ بحجر قدر ملء الكف كما صرحوا به بل وبأكبر منه حيث سمي حصاة أو حجرا يرمى به في العادة وصحح الرافعي ندبها وأنها وضع الحجر على بطن الإبهام ورميه بالسبابة وأن يرمي بيده اليمنى وأن يرفع الذكر يده حتى يرى ما تحت إبطه وأن يستقبل القبلة في الكل أيام التشريق وأن يرمي الجمرتين الأولتين من علو ويقف عندهما بقدر سورة البقرة داعيا ذاكرا إن توفر خشوعه وإلا فأدنى وقوف كما هو ظاهر لا عند جمرة العقبة تفاؤلا بالقبول وأن يكون راجلا في اليومين الأولين وراكبا في الأخير وينفر عقبه ثم ينزل بالمحصب ويصلي به العصرين وصلاتهما به ثم بغيره أفضل منها بمنى والعشاءين ويرقد رقدة ثم يذهب إلى طواف الوداع للاتباع. "ولا يشترط بقاء الحجر في المرمى" فلا يضر تدحرجه بعد وقوعه فيه لحصول اسم الرمي "ولا كون الرامي خارجا عن الجمرة" فيصح رمي الواقف فيها إلى بعضها لذلك وعلم من عبارته أن الجمرة اسم للمرمى حول الشاخص ومن ثم لو قلع لم يجز الرمي إلى

 

ج / 2 ص -56-         محله ولو قصده لم يجزئ كما اقتضاه كلامهم ورجحه المحب الطبري وغيره وخالفهم الزركشي كالأذرعي نعم لو رمى إليه بقصد الوقوع في المرمى وقد علمه فوقع فيه اتجه الإجزاء؛ لأن قصده غير صارف حينئذ ثم رأيت المحب الطبري صرح بهذا بل قال لا يبعد الجزم به "ومن عجز" ولو أجير عين على الأوجه "عن الرمي" لنحو مرض ويتجه ضبطه هنا بما مر في إسقاطه للقيام في الفرض، أو جنون، أو إغماء بأن أيس من القدرة عليه وقته ولو ظنا ولا ينعزل النائب بطرو إغماء المنيب، أو جنونه بعد إذنه لمن يرمي عنه، وهو عاجز آيس بخلاف قادر عادته الإغماء قال لآخر إذا أغمي علي فارم عني فإنه يصح فإذا أغمي عليه لزمه الدم؛ لأنه لم يأت بالرمي هو ولا نائبه أي: مع تقصيره بتركه الرمي بنفسه إذا كانت عادته طرو الإغماء أثناء وقت الرمي بخلاف اعتياده طروه أول وقته، وبقاؤه إلى آخره، فإنه حينئذ لا تقصير منه ألبتة إذ لا يمكنه بنفسه ولا نائبه فلزوم الدم له مشكل إلا أن يجاب بأن هذا نادر في هذا الجنس فألحقوه بالغالب ولحبس ولو بحق اتفاقا كما في المجموع بأن يحبس في قود الصغير حتى يبلغ بخلاف محبوس بدين يقدر على وفائه لعدم عجزه عن الرمي حينئذ "استناب" وقت الرمي لا قبله وجوبا ولو بأجرة مثل وجدها فاضلة عما يعتبر في الفطرة فيما يظهر ولو محرما لكن إن رمى عن نفسه الجمرات الثلاث وإلا وقع له، وإن نوى مستنيبه، أو لغا فيما إذا رمى للأولى مثلا أربع عشرة سبعا عنه ثم سبعا عن موكله وذلك كالاستنابة في الحج نعم لا يشترط هنا عجز ينتهي لليأس؛ لأنه يغتفر في البعض ما لا يغتفر في الكل بل يكفي العجز حالا إذا لم يرج زواله قبل خروج وقت الرمي كما مر ولا يضر زوال العجز عقب رمي النائب على خلاف ظنه.
فرع: لو أنابه جماعة في الرمي عنهم جاز كما هو ظاهر لكن هل يلزمه الترتيب بينهم بأن لا يرمي عن الثاني مثلا إلا بعد استكمال رمي الأول، أو لا يلزمه ذلك فله أن يرمي إلى الأولى عن الكل ثم الوسطى كذلك ثم الأخيرة كذلك كل محتمل والأول أقرب قياسا على ما لو استنيب عن آخر وعليه رمي لا يجوز له أن يرمي عن مستنيبه إلا بعد كمال رميه عن نفسه كما تقرر، فإن قلت ما عليه لازم له فوجب الترتيب فيه بخلاف ما على الأول في مسألتنا قلت قصد الرمي له صيره كأنه ملزوم به فلزمه الترتيب رعاية لذلك.
 "وإذا ترك رمي"، أو بعض رمي "يوم" للنحر، أو ما بعده عمدا، أو غيره "تداركه في باقي الأيام" ويكون أداء "في الأظهر"؛ لأنه صلى الله عليه وسلم جوز ذلك للرعاء فلو لم تصح بقية الأيام للرمي لتساوى فيها المعذور وغيره كوقوف عرفة ومبيت مزدلفة وقد علم أنه صلى الله عليه وسلم جوز التدارك للمعذور فلزم تجويزه لغيره أيضا وأفهم كلامه أن له تداركه قبل الزوال لا ليلا والمعتمد من اضطراب في ذلك جوازه فيهما بخلاف تقديم رمي يوم على زواله، فإنه ممتنع كما صوبه المصنف وجزم الرافعي بجوازه قبل الزوال كالإمام ضعيف، وإن اعتمده الإسنوي وزعم أنه المعروف مذهبا وعليه فينبغي جوازه من الفجر نظير ما مر في غسله. وبما تقرر علم أن أيام منى كلها كالوقت الواحد بالنسبة إلى التأخير دون التقديم ويجب الترتيب بين الرمي المتروك وبين يوم التدارك حتى يجزئ رمي يومه عن يومه ولهذا لو رمى عنه قبل التدارك

 

ج / 2 ص -57-         انصرف للمتروك لا ليومه؛ لأنه لم يقصد غير النسك وكذا ما مر في النائب وبذلك فارق ما لو قصد الرمي لشخص في الجمرة، فإنه يلغو؛ لأنه لم يقصد نسكا أصلا ولو رمى لكل جمرة أربع عشرة حصاة عن يومه وأمسه لغا أيضا؛ لأنه لم يعينه عن واحد منهما كذا قاله شارح والقياس حسبان سبعة منها في كل جمرة عن أمسه لفقد الصارف والتعيين ليس شرطا، وإنما لم يقع شيء عن يومه لفقد الترتيب "ولا دم" مع الترتيب، وإن قلنا قضاء للجبر بالإتيان به "ولا" يتداركه "فعليه دم" لتركه نسكا وقد قال ابن عباس من ترك نسكا فعليه دم "والمذهب تكميل الدم في ثلاث حصيات" فأكثر حتى لو ترك الرمي من أصله كفاه دم واحد لاتحاد الجنس كحلق الرأس كله مع اتحاد الزمان والمكان فلا ينافي ذلك أن رمي كل يوم عبادة برأسها وفي الحصاة من جمرة العقبة من آخر أيام رميه أو الليلة مد وفي الحصاتين من ذلك، أو الليلتين لمن بات الثالثة مدان، فإن عجز ففيه خبط طويل بين المتأخرين بينته مع ما فيه ومع بيان المعتمد في الحاشية فراجعه وحاصله أنه يجب في الواحدة يومان ويجب كونهما عقب أيام التشريق إن تعدى بالترك وثلاثة إذا رجع وفي الثنتين ثلاثة قبل رجوعه كذلك وخمسة بعده أما ترك حصاة من غير ما ذكر ولم يقع عنه تدارك من يوم بعده سواء في ذلك يوم النحر وغيره فيلزمه به دم لإلغاء ما بعده لما مر من وجوب الترتيب.
 "وإذا أراد" الحاج، أو المعتمر وغيره المكي وغيره "الخروج من مكة"، أو منى عقب نفره منها، وإن كان طاف للوداع عقب طواف الإفاضة عند عوده إليها كما صححه في المجموع ونقله عن مقتضى كلام الأصحاب ومن أفتى بخلافه فقد وهم إذ لا يعتد به ولا يسمى طواف وداع إلا بعد فراغ جميع النسك إلى مسافة قصر مطلقا، أو دونها، وهو وطنه، أو ليتوطنه وإلا فلا دم عليه كما بينته ثم ولا فرق في القسمين بين من نوى العود وغيره خلافا لما يوهمه بعض العبارات "طاف وجوبا كما يأتي للوداع" طوافا كاملا لثبوته عنه صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا وليكن آخر عهده ببيت ربه كما أنه أول مقصود له عند قدومه عليه وبما تقرر من عمومه لذي النسك وغيره علم أنه ليس من المناسك، وهو ما صححاه، وإن أطال جمع في رده على أن من قال إنه منها كما في المجموع في موضع أراد من توابعها كالتسليمة الثانية من توابع الصلاة وليست منها ومن ثم لزم الأجير فعله واتجه أنه حيث وقع إثر نسكه لم تجب له نية نظرا للتبعية وإلا وجبت لانتفائها ولا يلزم من طلبه في النسك عدم طلبه في غيره ألا ترى أن السواك سنة في نحو الوضوء، وهو سنة مطلقا. وأفهم المتن أنه لو خرج من عمران مكة لحاجة فطرأ له السفر لم يلزمه دخولها لأجل طواف الوداع؛ لأنه لم يخاطب به حال خروجه، وهو محتمل "ولا يمكث بعده" كركعتيه والدعاء المندوب عقبهما ثم عند الملتزم، وإن أطال فيه بغير الوارد، وإتيان زمزم ليشرب من مائها، فإن مكث لذلك وحده، أو مع فعل جماعة أقيمت عقبه وفعل شيء يتعلق بالسفر كشراء زاد وشد رحل، وإن طال لم يلزمه إعادته وإلا كعيادة، وإن قلت وقضاء دين وصلاة جنازة على ما اقتضاه إطلاقهم لكن الأوجه بل المنصوص اغتفار ما بقدر صلاة الجنازة أي: أقل ممكن منها فيما يظهر من سائر الأغراض إذا لم يعرج لها لزمته ولو ناسيا، أو جاهلا بخلاف من مكث بالإكراه، أو نحو إغماء

 

ج / 2 ص -58-         على الأوجه "وهو واجب" على كل من ذكرنا لما مر "يجبر تركه"، أو ترك خطوة منه "بدم" كسائر الواجبات فيما هو تابع للنسك ولشبهه بها صورة في غيره فاندفع ما قيل يلزم من كونه من غير المناسك أن لا دم فيه على مفارق مكة في غير النسك نعم المتحيرة لا دم عليها للشك في وجوبه عليها باحتمال كل زمن يمر عليها للحيض. "وفي قول سنة لا تجبر" أي: لا يجب جبرها كطواف القدوم وفرق الأول بأن هذا تحية غير مقصود في نفسه ومن ثم دخل تحت غيره بخلاف ذاك إذ لو أخر طواف الإفاضة ففعله عند خروجه لم يجزئه عنه "فإن أوجبناه فخرج بلا وداع" عمدا، أو غيره "وعاد قبل" بلوغ نحو وطنه، أو "مسافة القصر" من مكة؛ لأن الوداع للبيت فناسب اعتبار مكة؛ لأنها أقرب نسبة إليه من الحرم وقيل من الحرم نظير ما يأتي ويرده ما تقرر من الفرق "سقط الدم" أي: بان أنه لم يجب؛ لأنه لم يبعد عن مكة بعدا يقطع نسبته عنها وعوده هنا دون ما يأتي واجب إن أمكنه "أو" عاد وقد بلغ مسافة القصر سواء أعاد منها، أو "بعدها"، وإن فعله "فلا" يسقط الدم "على الصحيح" لاستقراره بما ذكر. "وللحائض" والنفساء ومثلهما مستحاضة نفرت في نوبة حيضها وذو جرح نضاح يخشى منه تلويث المسجد "النفر بلا" طواف "وداع" تخفيفا عنها كما في الصحيحين نعم إن ظهرت، أو انقطع ما يخرج من الجرح قبل مفارقته ما لا يجوز القصر فيه مما مر لزمها العود لتطوف، أو بعد ذلك لم يلزمها للإذن لها في الانصراف وبه فارقت ما مر فيمن خرج بلا وداع وألحق بها المحب الطبري من خاف نحو ظالم، أو غريم، وهو معسر وفوت رفقة، ونظر فيه الأذرعي ثم بحث وجوب الدم وفرق بأن منعها عزيمة بخلاف هؤلاء "ويسن" لكل أحد "شرب ماء زمزم" لما في خبر مسلم: "أنها مباركة وأنها طعام طعم" أي: فيها قوة الاغتذاء الأيام الكثيرة لكن مع الصدق كما وقع لأبي ذر رضي الله عنه بل نما لحمه وزاد سمنه زاد أبو داود والطيالسي "وشفاء سقم" أي: حسي، أو معنوي ومن ثم سن لكل أحد شربه وأن يقصد به نيل مطلوباته الدنيوية والأخروية لخبر "ماء زمزم لما شرب له" سنده حسن بل صحيح كما قاله أئمة وبه يرد على من طعن فيه بما لا يجدي ويسن عند إرادة شربه الاستقبال والجلوس وقيامه صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز ثم اللهم إنه بلغني أن رسولك محمدا صلى الله عليه وسلم قال: "ماء زمزم لما شرب له" اللهم إني أشربه لكذا اللهم فافعل لي ذلك بفضلك ثم يسمي الله تعالى ويشربه ويتنفس ثلاثا وأن يتضلع منه، أي: يمتلئ ويكره نفسه عليه لخبر ابن ماجه "آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من ماء زمزم". وأن ينقله إلى وطنه استشفاء وتبركا له ولغيره ويسن تحري دخول الكعبة والإكثار منه، فإن لم يتيسر فما في الحجر منها وأن يكثر الدعاء والصلاة في جوانبها مع غاية من الخضوع والخشوع وغض البصر وأن يكثر من الطواف والصلاة، وهي أفضل منه ولو للغرباء كما مر وأن يختم القرآن بمكة لأن بها نزل أكثره ومن الاعتمار، وهو أفضل من الطواف كما مر "و" يسن بل قيل يجب وانتصر له والمنازع في طلبها ضال مضل "زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم" لكل أحد كما بينت ذلك مع أدلتها وآدابها وجميع ما يتعلق بها في كتاب حافل لم أسبق إلى مثله سميته الجوهر المنظم في زيارة القبر المكرم وقد صح خبر: "من زارني وجبت له

 

ج / 2 ص -59-         شفاعتي". ثم اختلف العلماء أيما الأولى في حق مريد الحج تقديمها على الحج أو عكسه والذي يتجه في ذلك أن الأولى لمن مر بالمدينة المشرفة ولمن وصل مكة والوقت متسع والأسباب متوفرة تقديمها، فإن انتفى شرط من ذلك سن كونها "بعد فراغ الحج" وما أوهمته عبارته من قصر ندب الزيارة، أو هي وما قبلها على الحاج غير مراد، وإنما المراد أنها للحجيج آكد؛ لأن تركهم لها وقد أتوا من أقطار بعيدة وقربوا من المدينة قبيح جدا كما يدل له خبر "من حج ولم يزرني فقد جفاني"، وإن كان في سنده مقال
 

فصل في أركان النسكين وبيان وجوه أدائهما وما يتعلق به
"أركان الحج خمسة الإحرام به" أي نية الدخول فيه، أو مطلقا مع صرفه إليه "والوقوف والطواف" إجماعا في الثلاثة "والسعي" للخبر الصحيح كما بينه الأئمة "اسعوا، فإن الله كتب عليكم السعي" "والحلق"، أو التقصير "إذا جعلناه نسكا" كما هو المشهور كما مر لتوقف التحلل عليه مع أنه لا بدل له وله ركن سادس هو الترتيب في معظم ذلك إذ يجب تأخير الكل عن الإحرام وما عدا الوقوف عنه والسعي عن طواف الإفاضة إن لم يكن سعى بعد القدوم وجرى في المجموع على أنه شرط وإليه يميل كلامه هنا ومر في ترتيب نحو الوضوء والصلاة ما يؤيد الأول "ولا تجبر" الأركان ولا بعضها بدم ولا غيره لانعدام الماهية بانعدام بعضها وما عداها إن جبر بدم كالرمي سمي بعضا وإلا سمي هيئة "وما سوى الوقوف أركان في العمرة أيضا" لذلك لكن الترتيب هنا في كلها ويأتي في الهبة الكلام على أيضا بما ينبغي مراجعته "ويؤدى النسكان على أوجه" ثلاثة تأتي والنسك من حيث هو بالحج وحده وبالعمرة وحدها وعنهما احترز بالتثنية. "أحدهما إفراد بأن يحج" من الميقات، أو دونه "ثم يحرم بالعمرة" ولو من أدنى الحل "كإحرام المكي" وكذا لو أحرم من الحرم؛ لأن الإثم والدم لا دخل لهما في التسمية كما هو واضح نعم قد يؤثران في الأفضلية الآتية "ويأتي بعملها" وقد يطلق على الإتيان بالحج وحده وعلى ما إذا اعتمر قبل أشهر الحج ثم حج فحصره فيما في المتن باعتبار الأشهر أو الأصل وواضح أن تسمية الأول إفرادا المراد به مجرد التسمية المجازية لا غير إذ لا دخل له في الأفضلية وأما الثاني فتسميته إفرادا حقيقة شرعية فهو من صور الإفراد الأفضل قال جمع متقدمون بلا خلاف وأقرهم محققو المتأخرين ولا ينافيه تقييد المجموع وغيره أفضليته بأن يحج ثم يعتمر؛ لأن ذلك إنما هو لبيان أنه الأفضل على الإطلاق خلافا لمن زعم أن الأول هو الأفضل على الإطلاق ولا ينافي ذلك أيضا ما يأتي أن الشروط الآتية إنما هي شروط لوجوب الدم لا لتسميته تمتعا ومن ثم أطلق غير واحد كالشيخين على ذلك أنه تمتع؛ لأن المراد أنه يسمى تمتعا لغويا، أو شرعيا لكن مجازا لا حقيقة لاستحالة اجتماع الإفراد الحقيقي والتمتع الحقيقي على شيء واحد فتأمله.
 "الثاني القران بأن يحرم بهما" معا "من الميقات"، أو دونه لكن بدم "ويعمل عمل الحج" فيه إشارة إلى اتحاد ميقاتهما في المكي وأن المغلب حكم الحج فيجزئه الإحرام بهما

 

ج / 2 ص -60-         من مكة لا العمرة فلا يلزمه الخروج لأدنى الحل "فيحصلان" اندراجا للأصغر في الأكبر للخبر الصحيح: "من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد وسعى عنهما حتى يحل منهما جميعا". وفي الصحيحين نحوه وهذه أصل صور القران فالحصر فيها لذلك أيضا "ولو أحرم بعمرة في أشهر الحج"، أو قبلها "ثم يحج" في أشهره في الثانية "قبل" الشروع في "الطواف كان قارنا" إجماعا بخلاف ما إذا شرع في الطواف ولو بخطوة، فإنه لا يصح إدخاله حينئذ لأخذه في أسباب التحلل ولا يؤثر نحو استلامه الحجر بنية الطواف؛ لأنه مقدمته وليس منه ذكره في المجموع ونقل شارح عنه خلافه سهو وقد يشمل المتن ما لو أفسد العمرة ثم أدخل عليها الحج فينعقد إحرامه به فاسدا ويلزمه المضي وقضاء النسكين "ولا يجوز عكسه"، وهو إدخال العمرة على الحج "في الجديد" إذ لا يستفيد به شيئا آخر.
 "الثالث التمتع بأن" حصر باعتبار ما مر أيضا "يحرم بالعمرة من ميقات بلده" يعني طريقه "ويفرغ منها ثم ينشئ حجا من مكة" في أشهر الحج سمي بذلك لتمتعه بسقوط عوده للإحرام بالحج من ميقات طريقه وقيل لتمتعه بين النسكين بما كان محظورا عليه وقوله من ميقات بلده غير شرط بل لو أحرم دونه كان متمتعا ويلزمه مع دم المجاوزة إن أساء بها دم التمتع، وإن كان بين محل إحرامه ومكة دون مرحلتين وما في الروضة مما يخالف ذلك ضعيف وقوله من مكة هو كما بعده شرط للدم لا لتسميته متمتعا "وأفضلها" أي: الثلاثة بل الخمسة "الإفراد" لأن رواته أكثر ولأن بقية الروايات يمكن ردها إليه بحمل التمتع على معناه اللغوي، وهو الانتفاع والقران على أنه باعتبار الآخر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم اختار الإفراد أولا ثم أدخل عليه العمرة خصوصية له للحاجة إلى بيان جوازها في هذا الجمع العظيم، وإن سبق بيانها منه قبل متعددا. وإنما أمر من لا هدي معه من أصحابه وقد أحرموا بالحج ثم حزنوا على إحرامهم به مع عدم الهدي بفسخه إلى العمرة خصوصية لهم ليكون المفضول، وهو عدم الهدي للمفضول، وهو العمرة لا؛ لأن الهدي يمنع الاعتمار أو عكسه؛ لأنه خلاف الإجماع ولإجماعهم على عدم كراهته واختلافهم في كراهة الآخرين ولعدم دم فيه بخلافهما والجبر دليل النقص ولمواظبة الخلفاء الراشدين عليه بعده صلى الله عليه وسلم كما رواه الدارقطني أي: إلا عليا كرم الله وجهه، فإنه لم يحج زمن خلافته لاشتغاله بقتال الخارجين عليه، وإنما كان ينيب ابن عباس رضي الله عنهم نعم شرط أفضليته أن يعتمر من سنته بأن لا يؤخرها عن ذي الحجة وإلا كان كل منهما أفضل منه لكراهة تأخيرها عن سنته، وإن أطال السبكي في خلافه وبحث الإسنوي أفضلية قران أو تمتع أتبعه بعمرة لاشتماله على المقصود مع زيادة عمرة أخرى وتبعه عليه جمع وقد رددته في الحاشية ثم رأيت شارحا رده لكن بما فيه نظر ظاهر ويأتي أن من أتى بعمرة، أو بإحرامها فقط قبل أشهر الحج متمتع أي بالمعنى السابق آنفا لكن لا دم عليه ومع ذلك لا ينبغي لمن بمكة يريد الإفراد الأفضل ترك الاعتمار في رمضان مثلا لئلا يفوته؛ لأن الفضل الحاضر لا يترك لمترقب ونظيره ما يأتي أنه ليس مرادهم بندب تحري مكان، أو زمان فاضل للصدقة تأخيرها إليه؛ لأنه لا يدري أيدركه أو لا بل الإكثار منها إذا أدركه. "وبعده التمتع"؛ لأن المتمتع يأتي بعملين

 

ج / 2 ص -61-         كاملين، وإنما ربح أحد الميقاتين فقط بخلاف القارن، فإنه يأتي بعمل واحد من ميقات واحد وفي نسخ ثم القران ولا إشكال فيها؛ لأن بعده مرتبتين أخريين كل منهما من بعض تلك الأوجه "وفي قول" أفضلها "التمتع"، وهو مذهب الحنابلة وأطالوا في الانتصار له وفي قول القران أفضل، وهو مذهب الحنفية واختاره جمع من أكابر الأصحاب "وعلى المتمتع دم" إجماعا لربحه الميقات إذ لو أحرم بالحج أولا من ميقات بلده لاحتاج بعده إلا أن يحرم بالعمرة من أدنى الحل وبالتمتع لا يخرج من مكة بل يحرم بالحج منها وبهذا يعلم أن الوجه فيمن كرر العمرة في أشهر الحج أنه لا يتكرر عليه، وإن أخرج الدم قبل التكرر؛ لأن ربحه الميقات بالمعنى الذي تقرر لم يتكرر والدم هنا وحيث أطلق شاة، أو سبع بدنة، أو بقرة مما يجزئ أضحية "بشرط أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام" لقوله تعالى {ذَلِكَ} أي: ما ذكر من الهدي والصوم عند فقده {لِمَنْ} أي: على من {لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ} أي: وطنه {حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وقيل الإشارة لحل الاعتمار في أشهر الحج فيمتنع على حاضريه في أشهره، وهو بعيد من سياق الآية كما هو ظاهر. "وحاضروه من" استوطنوا بالفعل لا بالنية حالة الإحرام لا بعده سواء أكان الإحرام بقرب مكة أم لا جاوز الميقات مريدا للنسك أم لا على المعتمد من اضطراب طويل في ذلك بينته في الحاشية وغيرها محلا "دون مرحلتين" بخلاف من بمرحلتين، أو أكثر؛ لأن من على دون مسافة القصر من موضع كالحاضر فيه بل يسمى حاضرا له قال تعالى {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} [الأعراف: 163] أي: أيلة، وهي ليست في البحر بل قريبة منه وتعتبر المسافة "من مكة"؛ لأن المسجد الحرام في الآية غير مراد به حقيقة اتفاقا وحمله على مكة أقل تجوزا من حمله على جميع الحرم "قلت الأصح" اعتبارها "من الحرم والله أعلم"؛ لأن الأغلب في القرآن استعمال المسجد الحرام في الحرم ومن له مسكنان قريب من الحرم وبعيد منه اعتبر ما مقامه به أكثر ثم ما به أهله وماله دائما ثم أكثر ثم ما به أهله كذلك ثم ما به ماله كذلك ثم ما قصد الرجوع إليه ثم ما خرج منه ثم ما أحرم منه وأهله حليلته ومحاجيره دون نحو أب وأخ. ولو تمتع ثم قرن من عامه لزمه دمان على المنقول المعتمد خلافا لجمع لاختلاف موجبي الدمين فلم يمكن التداخل وعلى الضعيف الذي انتصر له كثيرون وأطالوا فيه نقلا ومعنى أن الحاضر من بالحرم، أو قربه حالة الإحرام بالعمرة، أو بهما فلا يلزمه إلا دم؛ لأنه حال القران ملحق بالحاضرين "وأن تقع عمرته" أي: نية الإحرام بها وما بعدها من الأعمال "وفي أشهر الحج"؛ لأن الجاهلية كانوا يعدونها فيها من أفجر الفجور فرخص الشارع في وقوعها فيها دفعا للمشقة عن نحو غريب قدم قبل عرفة بزمن طويل بعدم استدامته إحرامه بل يتحلل بعمل عمرة مع الدم ومن ثم لو نوى الإحرام بالعمرة مع آخر جزء من رمضان وأتى بأعمالها كلها في شوال لم يلزمه دم مع أنه متمتع كمن أتى بها كلها قبل أشهر الحج على المشهور كما قاله الرافعي ومر ما يعلم منه أن هذا لا ينافي كونه من صور الإفراد الأفضل وأن يكون وقوعها في أشهر الحج "من سنته" أي: الحج. فلو اعتمر في سنة وحج في أخرى فلا دم كما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم بسند حسن "وأن لا يعود

 

ج / 2 ص -62-         لإحرام الحج إلى الميقات" الذي أحرم منه بالعمرة إحراما جائزا كأن لم يخطر له إلا قبيل دخول الحرم كما شمله كلامهم وإلحاق بعضهم به آفاقيا بمكة خرج منها لأدنى الحل وأحرم بالعمرة ثم فرغ منها وأحرم بالحج من مكة وخرج لأدنى الحل فلا دم عليه ليس في محله؛ لأن المراد بالميقات ميقات الآفاقي وما ألحق به لا المكي كما صرحوا به وبينته في شرح العباب، أو مثل مسافته أو ميقات آخر غيره، أو مرحلتين من مكة وأما ما في الروضة فيما لو عاد لميقات أقرب ينفعه العود؛ لأنه أحرم من موضع ليس ساكنوه من حاضري الحرم المقتضي أنه لا يجزئ العود لذات عرق، أو قرن، أو يلملم على مرجحه أن المسافة في الحاضر من الحرم فغير مراد فيما يظهر؛ لأن هذا التعليل جرى على طريقة الرافعي ولا يلزم من ضعفه ضعف المعلل فتأمله. ويفرق بين اعتبارهما هنا من مكة وثم من الحرم برعاية التخفيف فيهما المناسب لكون التمتع مأذونا فيه، فإن عاد ولو بعد دخول مكة لواحد من ذلك محرما بالحج قبل الوقوف، أو أحرم منه به فلا دم للتمتع؛ لأن موجبه ربح الميقات ولا ربح حينئذ، وإنما لم يكف المسيء بالمجاوزة العود لأقرب تغليظا عليه لتعديه وخرج بقولي للتمتع ما لو عاد قبل أعمال العمرة ثم أحرم بالحج، فإن الذي عليه حينئذ هو دم القران لا التمتع.
تنبيهان: أحدهما كما تعتبر هذه الشروط للدم تعتبر في وجه لتسميته متمتعا، فإن فات شرط كان إفرادا والأصح أنها لا تعتبر للتسمية ومن ثم قال أصحابنا يصح التمتع والقران من المكي خلافا لأبي حنيفة رضي الله عنه ثانيهما الموجب للدم حقيقة هو ما ذكر في الشرط الثاني وأما ما خرج ببقية الشروط فهو كالمستثنى منه.
 "ووقت وجوب الدم" على المتمتع "إحرامه بالحج"؛ لأنه إنما يصير متمتعا بالعمرة إلى الحج حينئذ ومع ذلك يجوز تقديم غير الصوم عليه لكن بعد فراغ العمرة لا قبله "والأفضل ذبحه يوم النحر"؛ لأنه الاتباع ومن ثم أخذ منه الأئمة الثلاثة امتناع ذبحه قبله "فإن عجز عنه في موضعه"، وهو الحرم ولو شرعا بأن وجده بأكثر من ثمن مثله ولو بما يتغابن به نظير ما مر في التيمم، أو، وهو محتاج إلى ثمنه ويظهر أن يأتي هنا ما ذكروه في الكفارة من ضابط الحاجة ومن اعتبار سنة أو العمر الغالب واعتبار وقت الأداء لا الوجوب وقياس ما تقرر أن من على دون مرحلتين من محل يسمى حاضرا فيه وما يأتي في الديات أنه يجب نقلها من دون مسافة القصر أن يلحق بموضعه هنا كل ما كان على دون مرحلتين منه ولم أر من تعرض له ولو أمكنه الاقتراض قبل حضور ماله الغائب تأتي هنا ما يأتي في قسم الصدقات فيما يظهر "صام" إن قدر، وإن علم أنه يقدر على الهدي قبل فراغ الصوم. فإن عجز يأتي فيه ما مر في رمضان كما لو مات هنا وعليه هذا الصوم مثلا يصوم عنه وليه، أو يطعم "عشرة أيام ثلاثة" منها في نحو التمتع والقران وترك الميقات في الحج بخلاف نحو الرمي مما يجب بعد الحج فيصوم الثلاثة عقب أيام التشريق أما تركه في العمرة فوقت أداء الصوم فيه قبل فراغها، أو عقبه لأن وجوبه حينئذ لا يتوقف على الحج فلم ينظر إليه فيه "في الحج" قبل يوم النحر ولو مسافرا للآية أي: إن أحرم به بزمن يسعها قبل يوم النحر، فإن

 

ج / 2 ص -63-         لم يسع إلا بعضها وجب ولا يلزمه تقديم الإحرام حتى يلزمه صومها على المنقول الذي اعتمداه؛ لأن تحصيل سبب الوجوب لا يجب فمن جعل هذا من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب فقد وهم، وإنما لم يجز صومها قبل الإحرام؛ لأنه عبادة بدنية، وهي لا يجوز تقديمها على وقتها وبه فارق ما مر في الدم أما لو أخرها عن يوم النحر بأن أحرم قبله بزمن يسعها ثم أخر التحلل عن أيام التشريق ثم صامها، فإنه يأثم وتكون قضاء، وإن صدق أنه صامها في الحج لندرته فلا يراد من الآية ويلزمه في هذه القضاء فورا كما هو قياس نظائره لتعديه بالتأخير. "تستحب" تلك الثلاثة أي: صومها "قبل يوم عرفة" لأن فطره للحاج سنة ومر حرمة صومها يوم النحر وأيام التشريق "وسبعة إذا رجع" للآية "إلى أهله" أي: وطنه، أو ما يريد توطنه ولو مكة إن لم يكن له وطن، أو أعرض عن وطنه "في الأظهر" للخبر المتفق عليه بذلك وقال الأئمة الثلاثة كالمقابل المراد بالرجوع الفراغ من الحج فعلى الأول لا يعتد بصومها قبل وطنه، أو ما يريد توطنه ولا بوطنه وعليه طواف إفاضة أو سعي، أو حلق؛ لأنه إلى الآن لم يفرغ من الحج نعم لو وصل لوطنه قبل الحلق ثم حلق فيه جاز له كما هو ظاهر صومها عقب الحلق ولم يحتج لاستئناف مدة الرجوع "ويندب تتابع الثلاثة" إذا أحرم قبل يوم النحر بزمن يسع أكثر منها وإلا وجب تتابعها كما علم مما مر من حرمة تأخيرها عنه. "و" تتابع "السبعة" مبادرة لبراءة الذمة وخروجا من خلاف من أوجب التتابع "ولو فاته الثلاثة في الحج" أو عقب أيام التشريق بعذر أو غيره "فالأظهر أنه يلزمه أن يفرق في قضائها بينها وبين السبعة" بقدر ما كان يفرق به في الأداء، وهو أربعة أيام العيد والتشريق في الأولى ومدة سيره على العادة الغالبة إلى وطنه وما ألحق به فيهما وذلك؛ لأن الأصل في القضاء أنه يحكي الأداء، وإنما لم يلزمه التفريق في قضاء الصلوات؛ لأن تفريقها لمجرد الوقت وقد فات وهذا يتعلق بفعل هو الحج والرجوع ولم يفوتا فوجبت حكايتهما في القضاء ومن توطن مكة يلزمه في الأولى التفريق بخمسة أيام وفي الثانية بيوم "وعلى القارن دم" لما صح أنه صلى الله عليه وسلم ذبح عن نسائه البقر يوم النحر قالت عائشة رضي الله عنها وكن قارنات، وهو "كدم التمتع" في جميع ما مر فيه ومنه أن لا يعود لما مر قبل الوقوف وما زاده بقوله إيضاحا "قلت بشرط أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام والله أعلم"؛ لأن دم القران مقيس على دم التمتع فأعطي حكمه فيهما.

باب محرمات الإحرام
وهو هنا نية الدخول في النسك أو نفس الدخول فيه بالنية كما مر أي ما حرم بسببه ولو مطلقا قيل لم يف بما دلت عليه عبارته من استيعاب جميعها لحذفه عقد النكاح ومقدمات الوطء والاستمناء. ا هـ. ويجاب بأن الأول معلوم من كلامه السابق أنه لا يحل إلا بالتحلل الثاني ومن كلامه في ولاية النكاح والثاني من كلامه في الحيض والصوم الدال على أنه يلزم من حرمة الجماع حرمة مقدماته، والثالث ملحق بالثاني في ذلك وحكمة تحريم ذلك أن فيها ترفها وهو أشعث أغبر كما في الحديث فلم يناسبه الترفه، وأيضا فالقصد تذكره

 

ج / 2 ص -64-         ذهابه إلى الموقف متجردا متشعثا ليقبل على الله بكليته ولا يشتغل بغيره. والحاصل أن القصد من الحج تجرد الظاهر ليتوصل به لتجرد الباطن ومن الصوم العكس كما هو واضح فتأمله.
"أحدهما ستر" ومنه استدامة الساتر وفارق استدامة الطيب بندب ابتداء هذا قبل الإحرام بخلاف ذاك ومن ثم كان التلبيد بما له جرم كالطيب في حل استدامته؛ لأنه مندوب مثله "بعض رأس الرجل"، وإن قل ومنه البياض المحاذي لا الطيب على الأذن كما مر. "بما يعد" هنا "ساترا" عرفا، وإن حكى البشرة كثوب رقيق؛ لأنه يعد ساترا هنا بخلاف الصلاة ولو غير مخيط كعصابة عريضة وطين أو جناء ثخين للنهي الصحيح عن تغطية رأس المحرم الميت ورواية مسلم الناهية عن ستر وجهه أيضا. قال البيهقي: وهم من بعض الرواة وغيره أنها محمولة على ما لا بد من كشفه من الوجه ليتحقق كشف جميع الرأس. أما ما لا يعد ساترا فلا يضر كخيط رقيق وتوسد نحو عمامة ووضع يد لم يقصد بها الستر بخلاف ما إذا قصده على نزاع فيه وانغماس بماء ولو كدرا وحمل نحو زنبيل لم يقصد به ذلك أيضا أو استظلال بمحمل، وإن مس رأسه بل، وإن قصد به الستر ويظهر في شعر خرج عن حد الرأس أنه لا شيء يستره كما لا يجزئ مسحه في الوضوء بجامع أن البشرة في كل هي المقصودة بالحكم، وإنما أجزأ تقصيره؛ لأنه منوط بالشعر لا البشرة فلم يشبه ما نحن فيه "إلا لحاجة" ويظهر ضبطها في هذا الباب بما لا يطاق الصبر عليه عادة، وإن لم يبح التيمم كحر أو برد فيجوز مع الفدية قياسا على وجوبها في الحلق مع العذر بالنص وذكر هذا في الرأس لغلبته فيه، وإلا فهو لا يختص به بل يأتي في نحو ستر البدن وغيره كالتطيب.
 "ولبس" المخيط بالمهملة نحو "المخيط" كالقميص "أو المنسوج" كالزرد "أو المعقود" أو الملزق أو المضفور؛ للنهي الصحيح عن لبس المحرم للقميص والعمامة والبرنس والسراويل والخف وتعتبر العادة الغالبة في الملبوس إذ هو الذي يحصل به الترفه فيحل الارتداء والالتحاف بالقميص والقباء بأن يضع أسفله على عاتقيه؛ لأنه إذا أقام لا يستمسك فلا يعد لابسا له أو يلتحف به كالملحفة، والاتزار بالسراويل كالارتداء برداء ملفق من رقاع طاقين فأكثر بخلاف ما لو وضع طوق القباء أو الفرجية على رقبته فإنه، وإن لم يدخل يديه في كميه يستمسك إذا قام فيعد لابسا له وعقد الإزار وشد خيط عليه ليثبت، وأن يجعله مثل الحجزة ويدخل فيها التكة إحكاما له وشد أزراره في عرى إن تباعدت ولا يتقيد الرداء بذلك؛ لأن العقد فيه ممتنع بخلاف الإزار وغرز طرف الرداء فيه لا عقد الرداء ولا خل طرفيه بخلال ولا ربطهما أو شدهما ولو بزر في عروة ولبس الخاتم وتقلد المصحف وشد الهميان والمنطقة في وسطه ثم تحريم ما ذكر من المحيط بالحاء المهملة لا يختص بجزء من بدن المحرم بل يجري "في سائر بدنه" أي كل جزء جزئ منه ككيس اللحية أو الأصبع بخلاف تغطية الوجه؛ لأن ساتره لا يحيط به ومن ثم لو أحاط به بأن جعل له كيس على قدره إن تصور حرم كما هو ظاهر.
تنبيه: سائر إما من السؤر أي البقية فيكون بمعنى باق أو من سور البلد أي المحيط بها فيكون بمعنى جميع خلافا لمن أنكر هذا، وإن تبعه شارح فاعترض المتن بأنه لم يتقدم

 

ج / 2 ص -65-         حكم شيء من البدن حتى يكون هذا حكم باقيه فإن الرأس هنا قسيم له لا بعضه.
"إلا إذا لم يجد غيره" أي المحيط حسابان لم يملكه ولا قدر على تحصيله ولو بنحو استعارة بخلاف الهبة لعظم المنة أو شرعا كأن وجده بأكثر من ثمن أو أجرة مثله، وإن قل فله حينئذ ستر العورة بالمحيط بلا فدية، ولبسه في بقية بدنه لحاجة نحو حر أو برد بفدية فعلم أن له لبس السراويل لفقد الإزار وفيه خبر صحيح ومحله إن لم يتأت الاتزار به على هيئته أو نقص بفتقه أو لم يجد ساترا لعورته مدة فتقه فيما يظهر أخذا مما يأتي، وإلا لزمه الاتزار به على هيئة أو فتقه بشرطه ولو قدر على بيعه وشراء إزار فإن كان مع ذلك تبدو عورته أي بحضرة من يحرم عليه نظرها كما هو ظاهر لم يجب، وإلا وجب، وأن له لبس الخف لفقد النعل لكن بشرط قطعه أسفل من الكعبين، وإن نقصت به قيمته للأمر بقطعه كذلك في حديث الشيخين وبه فارق عدم وجوب قطع ما زاد من السراويل على العورة قالوا لما فيه من إضاعة المال وكان وجه ذلك تفاهة نقص الخف غالبا بخلاف غيره والمراد بالنعل هنا ما يجوز لبسه للمحرم من غير المحيط كالمداس المعروف اليوم والتاسومة والقبقاب بشرط أن لا يسترا جميع أصابع الرجل، وإلا حرما كما علم بالأولى مما مر من تحريمهم كيس الأصبع بخلاف نحو السرموزة فإنها محيطة بالرجل جميعها والزربول المصري، وإن لم يكن له كعب واليماني لإحاطتهما بالأصابع فامتنع لبسهما مع وجود ما لا إحاطة فيه ومن ثم قال شارح: وحكم المداس وهو السرموزة حكم الخف المقطوع ولا يجوز لبسهما مع وجود النعلين على الصحيح المنصوص. ا هـ. وظاهر إطلاق الاكتفاء بقطعه الخف أسفل من الكعبين أنه لا يحرم، وإن بقي منه ما يحيط بالعقب والأصابع وظهر القدمين وعليه فلا ينافيه تحريمهم السرموزة؛ لأنه مع وجود غيرها ومع ذلك لو قيل إنه لا بد من قطع ما يحيط بالعقبين والأصابع، ولا يضر استتار ظهر القدمين؛ لأن الاستمساك يتوقف على الإحاطة بذلك دون الآخرين لكان متجها ثم رأيت المصنف كالأصحاب صرحوا بأنه لا يلزمه قطع شيء مما يستر ظهر القدمين وعللوه بأنه لحاجة الاستمساك فهو كاستتاره بشراك النعل وابن العماد قال لا يجوز لبس الزربول المقور الذي لا يحيط بعقب الرجل إلا عند فقد النعلين؛ لأنه ساتر لظاهر القدم ومحيط بها من الجوانب بخلاف القبقاب؛ لأن سيره كشراك النعل. ا هـ. وصريحه وجوب قطع ما يستر العقبين بالأولى ويفرق بين ما يستر ظهر القدمين وما يستر العقب بتوقف الاستمساك في الخفاف غالبا على الأول دون الثاني كما علم مما مر. وبما تقرر يعلم ما في قول الزركشي كابن العماد والمراد بقطعه أسفل من الكعب أن يصير كالنعلين لا التقوير بأن يصير كالزربول من الإيهام بل والمخالفة لصريح قول الروضة وغيرها لو وجد لابس الخف المقطوع نعلين لزمه نزعه فورا، وإلا لزمه الدم إذ لو كان المقطوع كالنعل لم يصح هذا اللزوم بخلاف ما لو كان يستر عقبيه أو أصابعه فإن فيه سترا أكثر مما في النعلين فوجب نزعه عند وجودهما. فالحاصل أن ما ظهر منه العقب ورءوس الأصابع يحل مطلقا؛ لأنه كالنعلين سواء وما يستر الأصابع فقط أو العقب فقط لا يحل إلا مع فقد الأولين، وإذا لبس ممتنعا لحاجة ثم وجد

 

ج / 2 ص -66-         جائزا لزمه نزعه فورا، وإلا أثم وفدى والصبي كالبالغ في جميع ما ذكر ويأتي لكن الإثم على الولي والفدية في ماله؛ لأنه المورط له، نعم إن فعل به ذلك أجنبي كأن طيبه فالفدية على الأجنبي فقط. "ووجه المرأة" ولو أمة "كرأسه" أي الرجل فيما مر فيه لنهيها عن الانتقاب رواه البخاري. وحكمة ذلك أنها تستره غالبا فأمرت بكشفه نقضا للعادة لتتذكر نظير ما مر في تجرد الرجل نعم لها بل عليها إن كانت حرة على ما بحث؛ لأن رأس غيرها ليس بعورة لكن الذي في المجموع أنه لا فرق ويوجه بأن الاعتناء بستر الرأس ولو من الأمة أكثر لقول جمع أنه عورة ولم يقل أحد إن وجهها عورة أن تستر منه ما لا يتأتى ستر رأسها إلا به ولم يلزمها أن تكشف منه ما لا يتأتى كشف الوجه إلا به؛ لأن الستر أحوط لها ولها أن تسدل على وجهها شيئا متجافيا عنه بنحو أعواد ولو لغير حاجة فلو سقط فمس الثوب الوجه بلا اختيارها فإن رفعته فورا فلا شيء، وإلا فإن تعمدته أو أدامته أثمت وفدت ويسن لها كشف كفيها. "ولها لبس المخيط" إجماعا "إلا القفاز" في اليدين أو إحداهما فيحرم عليها كالرجل لبسهما أو لبسه وتلزمهما الفدية "في الأظهر" للنهي عنهما في الحديث الصحيح لكن أعل بأنه من قول الراوي ومن ثم انتصر للمقابل بأن عليه أكثر أهل العلم والقفاز شيء يعمل لليد يحشى بقطن ويزر بأزرار على الساعد ليقيها من البرد والمراد هنا المحشو والمزرور وغيرهما ولها لف خرقة بشد أو غيره على يديها ولو لغير حاجة إذ لا يشبه القفاز بل لو لفها الرجل على نحو يده أو رجله لم يأثم إلا أن يعقدها أو يشدها أو يخيطها وليس للخنثى ستر وجهه بمخيط ولا بغيره مع رأسه في إحرام واحد لتيقن سبب التحريم والفدية حينئذ، وإلا فلا كما بينته مع فروع أخرى في الحاشية ويؤخذ من التعليل بالتيقن المذكور أنه لو ستر وجهه ولبس المخيط في إحرام واحد لزمته الفدية لتحقق موجبها هنا أيضا ولو ستر رأسه ثم اتضح بالذكورة أو وجهه ثم اتضح بالأنوثة فهل تلزمه الفدية عملا بما في نفس الأمر أو لا؛ لأن شرط الحرمة والفدية العلم بتحريمه عليه حالة فعله ولم يوجد كل محتمل والأقرب الثاني ويفرق بينه وبين ستره في الصلاة كرجل ثم بان رجلا فإنه يلزمه القضاء على ما في الروضة بأنه ثم شاك حال النية في حصول الستر الواجب فأثر، والشك هنا لا يؤثر.
"الثاني" من المحرمات "استعمال الطيب" للرجل وغيره "في ثوبه" كأن يشد نحو مسك وعنبر بطرفه أو يجعله في جيبه أو يلبس حليا محشوا به لم يصمت وكثوبه سائر ملبوسه حتى أسفل نعله إن علق به شيء من عين الطيب للنهي الصحيح عن لبس ما مسه ورس أو زعفران وهما طيب فهو ما ظهر منه غرض التطيب وقصد منه غالبا كمسك وكافور حي أو ميت كما شمله كلامهم وعنبر وعود وورد وياسمين ونيلوفر ونرجس وريحان فارسي وغيره وآس وبنفسج ونمام ودهن نحو أترج بأن أغلي فيه، وإن كان الأترج غير طيب إذ لا تلازم بينهما بخلاف ما ليس كذلك نحو شيح وقيصوم وأترج وتفاح وعصفر وحناء وقرنفل وسنبل ومصطكى خلافا لمن وهم فيه وسائر الأبازير الطيبة الرائحة؛ لأن القصد منها الدواء، وإصلاح الأطعمة غالبا. "أو بدنه" كالثوب بل أولى وسواء الأخشم وغيره

 

ج / 2 ص -67-         لحصول ترفهه بشم غيره لريحه الطيب وظاهر البدن وباطنه كأن أكل ما ظهر فيه طعم الطيب المختلط به أو ريحه لا لونه أو احتقن أو استعط به ثم استعماله المؤثر هنا هو أن يلصقه ببدنه أو نحو ثوبه على الوجه المعتاد فيه لا بالنسبة لمحله فلا يرد نحو الاحتقان به خلافا لمن نازع فيه، وأن يحتوي على مجمرة أو يقرب منها وعلق ببدنه أو ثوبه عين البخور لا أثره؛ لأن التبخر إلصاق بعين الطيب إذ بخاره ودخانه عين أجزائه، وإنما لم يؤثر في الماء كما مر؛ لأنه لا يعد ثم عينا مغيرة، وإنما الحاصل منه تروح محض لا حمل نحو مسك في نحو خرقة مشدودة بخلاف حمل نحو فارة مسك مشقوقة الرأس أو قارورة مفتوحة الرأس ويفرق بأن الشد صارف عن قصد التطيب به والفتح مع الحمل يصيره بمنزلة الملصق ببدنه ولا أثر لعبق ريح من غير عين وفارق ما مر في أكل ما ظهر ريحه فقط بأن ذاك فيه استعمال عين الطيب ولو خفيت رائحته كالكاذي والفاغية وهي ثمر الحناء فإن كان بحيث لو أصابه الماء فاحت حرم، وإلا فلا وشرط ابن كج في الرياحين أن يأخذها بيده ويشمها أو يضع أنفه عليها للشم وشرط الإثم في المحرمات كلها العقل إلا السكران المتعدي بسكره وعلم الإحرام والتحريم أو التقصير في التعلم والتعمد والاختيار وكذا في الفدية إلا نحو الحلق أو الصيد كما يأتي؛ لأنهما إتلاف محض بخلاف غيرهما ويلزم ناسيا تذكر وجاهلا علم ومكرها زال إكراهه إزالته فورا، وإلا لزمته الفدية، والأولى أمر غيره الحلال بها إن تعينت الفورية، ولو جهل كون الممسوس طيبا أو علم وظنه يابسا لا يعلق فعلق فلا فدية فالشرط هنا زيادة على ما مر العلم بأن الممسوس طيب يعلق. "ويحرم على الرجل" وغيره أيضا "دهن" بفتح أوله "شعر الرأس أو اللحية" من نفسه ولو أصوله إذ محلوقها كغيره بأي دهن كان كزيت وزبد ولو غير مطيب فإدراجه في قسمه؛ لأن فيه ولو من المرأة تطيبا ما وترفها كترفه الطيب المنافي لكون المحرم أشعث أغبر أي شأنه المأمور به ذلك بخلاف رأس أقرع، وأصلع وذقن أمرد وبقية شعور اليد فلا يحرم دهنها بما لا طيب فيه؛ لأنه لا يقصد به تزيينها وفارق ما مر في المحلوق؛ لأنه يقصد به تحسين ما ينبت بعد. نعم الأوجه أن شعور الوجه كاللحية إلا شعر الخد والجبهة إذ لا تقصد تنميتهما بحال وحينئذ فليتنبه لما يغفل عنه كثيرا وهو تلويث الشارب والعنفقة بالدهن عند أكل اللحم فإنه مع العلم والتعمد حرام فيه الفدية كما علم مما تقرر فليحترز عن ذلك ما أمكن وظاهر قوله شعر أنه لا بد من ثلاثة ويتجه الاكتفاء بدونها إن كان مما يقصد به التزيين؛ لأن هذا هو مناط التحريم كما يعلم مما تقرر ويحرم عليه بل وعلى الحلال دهن نحو رأس المحرم كحلقه فلا يرد على المتن. "ولا يكره" للمحرم "غسل رأسه وبدنه بخطمي" ونحو سدر؛ لأنه لإزالة الوسخ بخلاف الدهن فإنه للتنمية المشابهة للطيب كما مر. نعم الأولى ترك ذلك حتى في ملبوسه أي ما لم يفحش وسخه كما هو ظاهر وليترفق عند غسل رأسه لئلا ينتتف شيء من شعره، ويكره الاكتحال بنحو إثمد لا طيب فيه لغير عذر؛ لأن فيه زينة لا بنحو توتيا.
 "الثالث" من المحرمات على الذكر وغيره "إزالة الشعر" ولو من غير رأسه "أو الظفر" أي شيء من أحدهما من نفسه، وإن قل بنتف أو إحراق أو غيرهما من سائر وجوه الإزالة

 

ج / 2 ص -68-         حتى نحو شرب دواء مزيل مع العلم والتعمد فيما يظهر، وذلك لقوله تعالى {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ} [البقرة: 196] أي شيئا من شعرها، وألحق به شعر بقية البدن والظفر بجامع أن في إزالة كل ترفها ينافي كون المحرم أشعث أغبر. نعم له قلع شعر نبت داخل جفنه وتأذى به ولو أدنى تأذ فيما يظهر وقطع ما غطى عينيه مما طال من شعر حاجبيه أو رأسه كدفع الصائل وما انكسر من ظفره وتأذى به كذلك ولا فدية كما لو قطع أصبعه وعليها شعر أو ظفر أو كشط جلدة رأسه وعليها شعر للتبعية ومنه يؤخذ أنه لا فرق بين قطع وكشط ذلك لعذر أو غيره؛ لأن التعدي بذلك لا يمنع التبعية خلافا لمن بحث الفرق وخرج بمن نفسه إزالته من غيره فإن كان حلالا فلا شيء لكن إن كان بغير إذنه أثم وعزر أو محرما لم يدخل وقت تحلله بإذنه حرم عليهما والفدية على المحلوق؛ لأنه المترفه مع إذنه ولم تقدم المباشرة هنا؛ لأن محل تقديمها حيث لم يعد النفع على الآمر. ألا ترى أن من غصب شاة، وأمر آخر بذبحها لم يضمنها المأمور بل لو سكت مع قدرته على الامتناع فالحكم كذلك؛ لأن الشعر في يد المحرم كالوديعة فيلزمه دفع متلفاته فمتى أطاق دفع بعضها فقصر ضمنه بخلاف ما لو كان نائما أو مكرها أو غير مكلف فعلى الحالق وللمحلوق مطالبته بإخراجها؛ لأن نسكه يتم بأدائها وله إخراجها عن الحالق لكن بإذنه كالكفارة ولو أمر غيره بحلق رأس محرم فالفدية على الآمر الحلال أو المحرم إن عذر المأمور إطلال أو المحرم، وإلا فهي على المأمور وهل الآمر طريق هنا كالمأمور في الأول محل نظر والأقرب لا؛ لأن مجرد الأمر لمن لا يعتقد وجوب الطاعة لا يقتضي سوى الإثم ولو عذرا فهي على الحالق فيما يظهر؛ لأنه المباشر.
تنبيه: قد يشكل تعليلهم وجوب الفدية في الحلق بالترفه بأنهم جعلوه من أنواع التعزير وجعلوا في إزالته من الغير بغير إذنه التعزير، وذلك مستلزم لكونه مزريا ومناف لكونه ترفها إذ هو الملائم للنفس ويلزم من ملاءمته لها عدم إزرائه لها وقد يجاب بمنع إطلاق كونه ترفها بل فيه ترفه من حيث إنه يوفر كلفة الشعر وتعهده وجناية من حيث إن الشعر جمال وزينة في عرف العرب المقدم على غيره، ولكونه جناية ساوى نحو الناسي غيره وبقائه جمالا لم يحلق صلى الله عليه وسلم إلا في نسك فإن قلت لم جعل ركنا وكان له دخل في التحلل الأول قلت أما الأول فلأن فيه وضع زينة لله تعالى فأشبه الطواف من حيث إنه إعمال النفس في المشي لله تعالى، وأما الثاني فلأن التحلل من العبادة إما بالإعلام بغايتها كالسلام من الصلاة المعلم بحصوله من الآفات للمصلي، وإما بتعاطي ضدها كتعاطي المفطر في الصوم أو دخول وقته والحلق من حيث ما فيه من الترفه ضد الإحرام الموجد لكون المحرم أشعث أغبر فكان له دخل في تحلله.
"وتكمل الفدية في ثلاث شعرات أو ثلاثة أظفار" أو بعض من كل منهما فأكثر إن اتحد محل الإزالة وزمنها عرفا، وإن كان المزال جميع شعر الرأس والبدن، وأظفار اليدين والرجلين فلا تتعدد الفدية مع الاتحاد المذكور؛ لأنه حينئذ يعد فعلا واحدا وذلك لقوله تعالى:
{فَفِدْيَةٌ} [البقرة: 196] أي فحلق شعرا له ففدية، وأقل الشعر ثلاث والاستيعاب غير

 

ج / 2 ص -69-         معتبر هنا إجماعا، وإذا وجبت مع العذر فمع غيره أولى ومن ثم لزمت هنا كالصيد نحو ناس وجاهل وولي صبي مميز بخلاف نحو مجنون ومغمى عليه وغير مميز كما في المجموع؛ لأن هؤلاء لا ينسبون لتقصير بوجه بخلاف أولئك وكأن قضية كون هذا كالصيد من باب الإتلافات أنه لا فرق لكن لما كان فيه حق لله تعالى سومح فيه حيث لا يتصور تقصير وبهذا يندفع استشكال الأذرعي وجواب الغزي عنه بما لا يتضح على أنه يوهم أن المميز كغير المميز، وليس كذلك كما تقرر أما إذا اختلف محل الإزالة أو زمنها عرفا فيجب في كل شعرة أو بعضها أو ظفر كذلك مد كما يأتي. "والأظهر أن في الشعرة" أو الظفر أو بعض كل "مد طعام وفي الشعرتين" أو الظفرين أو بعضهما "مدين" لعسر تبعيض الدم والشارع قد عدل الحيوان بالطعام في جزاء الصيد وغيره والشعرة أو بعضها النهاية في القلة، والمد أقل ما وجب في الكفارات فقوبلت به وألحق بها الظفر لما مر هذا إن اختار الدم فإن اختار الصوم فيوم في الشعرة أو الظفر أو بعض أحدهما ويومان في اثنين وهكذا أو الإطعام فصاع في الواحد وصاعان في الاثنين، وهكذا كذا قاله جمع، وقال الإسنوي إنه متعين لا محيد عنه، وخالفه آخرون منهم البلقيني وابن العماد فاعتمدوا ما أطلقه الشيخان كالأصحاب من أنه لا يجزي غير المد في الأولى والمدين في الثانية، وما ألزم به الأولون من التخيير بين الشيء وهو الصاع وبعضه وهو المد مردود بأن له نظائر كالمسافر يتخير بين القصر والإتمام. "وللمعذور" بأن آذاه الشعر إيذاء لا يحتمل عادة لنحو قمل فيه أو مرض أو حر أو وسخ ولا ينافي هذا ما مر في نحو المنكسر وشعر العين؛ لأن من شأنه أن لا يصبر عليه فاكتفي فيه بأدنى تأذ بخلاف هذا ومن ثم لم تجب هناك فدية "أن يحلق" أو يزيل ما يحتاج لإزالته من رأسه وغيره وكذا له قلم ظفر احتاج إليه "ويفدي" لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً} [البقرة: 196] الآية نزلت فيمن آذاه هوام رأسه فأمره صلى الله عليه وسلم بالحلق ثم بالفدية الآتية.
تنبيه: كل محظور أبيح للحاجة فيه الفدية إلا إزالة نحو شعر العين كما تقرر، وإلا نحو لبس السراويل والخف المقطوع فيما مر احتياطا لستر العورة ووقاية الرجل من نحو النجاسة، وكل محظور بالإحرام فيه الفدية إلا عقد النكاح.
 "الرابع" من المحرمات على الذكر وغيره "الجماع" ولو في دبر بهيمة ولو بحائل إجماعا ويحرم على الحليلة الحلال تمكينه؛ لأن فيه إعانة على معصية وعلى الزوج الحلال مباشرة محرمة يمتنع عليه تحليلها وتحرم أيضا مقدماته كقبلة ونظر ولمس بشهوة ولو مع عدم إنزال أو بحائل لكن لا دم مع انتفاء المباشرة، وإن أنزل ويجب بها، وإن لم ينزل. نعم إن جامع بعدها وإن طال الفصل دخلت فديتها في واجب الجماع سواء المفسد وغيره والاستمناء بنحو يده لكن إنما تجب به الفدية إن أنزل ويستمر تحريم ذلك كله إلى التحلل الثاني "وتفسد به" أي الجماع من عامد عالم مختار وهما واضحان "العمرة" المفردة ما بقي شيء منها ولو شعرة من الثلاث التي يتحلل بها منها. "وكذا" يفسد به "الحج" إذا وقع فيه "قبل التحلل الأول" إجماعا قبل الوقوف ولكمال إحرامه ما دام لم يتحلل التحلل الأول

 

ج / 2 ص -70-         بخلاف ما إذا تحلله كما أفتى به ابن عباس رضي الله عنهما ولا يعرف له مخالف، وإن كان قارنا ولم يأت بشيء من أعمال العمرة؛ لأنها تقع تبعا له وقيل تفسد قيل والمتن يوهمه ويرد بأن العمرة إذا أطلقت لا تنصرف إلا للمستقلة دون التابعة المنغمرة في غيرها، وهي عمرة القارن. "وتجب به" أي الجماع المفسد والفور هنا واجب ككل فدية تعدى بسببها "بدنة" لقضاء جمع من الصحابة رضي الله عنهم بها ولا يعرف لهم مخالف وهي بعير ذكر أو أنثى يجزئ في الأضحية وقد تطلق على البقرة. قال المصنف رحمه الله تعالى عن الأزهري وعلى الشاة واعترض فإن عجز فبقرة فإن عجز فسبع شاة فطعام يجزئ فطرة بقيمة البدنة بسعر مكة في غالب الأحوال على ما نقله ابن الرفعة عن النص وغيره أو حين الوجوب على ما قاله جمع متأخرون، وأوجه منهما اعتبار حالة الأداء لما يأتي في الكفارات فإن عجز صام عن كل مد يوما ويكمل المنكسر وخرج بالمفسد الجماع بين التحللين والجماع الثاني بعد الجماع المفسد فيجب بكل منهما شاة؛ لأنه تمتع غير مفسد فكان كاللبس ومنه يؤخذ أن الأوجه تكررها بتكرر أحد هذين كما تتكرر بتكرر اللبس ونحوه ولم يبين من تلزمه الفدية وهو الرجل خاصة ومحله كما بسطته في الحاشية إن كان زوجا محرما مكلفا، وإلا فعليها حيث لم يكرهها كما لو زنت أو مكنت غير مكلف. "والمضي في فاسده" لإفتاء جمع من الصحابة رضي الله عنهم به ولا يعرف لهم مخالف فيأتي بما كان يأتي به قبل الجماع ويجتنب ما كان يجتنبه قبله فلو فعل فيه محظورا لزمته فديته "والقضاء" لذلك فإن أفسده لم يقضه بل الأول إذ المقضي واحد، ووصف ذلك بالقضاء مع أن النسك لا آخر لوقته لتضييق وقته بالإحرام بناء على نظيره في الصلاة لكنه ضعيف كما مر فالأولى الجواب بأن المراد به القضاء اللغوي "وإن كان نسكه تطوعا" ككونه من صبي مميز أو قن؛ لأنه يلزم بالشروع فيه ومن عبر بأنه يصير بالشروع فيه فرضا مراده أنه يتعين إتمامه كالفرض ويتأدى بالقضاء ما كان يتأدى بالأداء لولا الفساد من فرض أو غيره ويلزمه أن يحرم فيه مما أحرم منه بالأداء من ميقات أو قبله وكذا من ميقات جاوزه ولو غير مريد للنسك، والمراد مثل مسافة ذلك ولا يلزمه رعاية زمن الأداء قيل وكان الفرق بينه وبين قول القاضي يلزم الأجير رعاية زمن الأداء أن هذا حق آدمي ورد بأن هذا مبني على وقوع القضاء للميت والمعتمد أنه للأجير لانفساخ العينية بالإفساد وبقاء الذمية في الذمة، وإذا كان القضاء عن نفسه لم يلزمه رعاية زمن الأداء كما في الروضة خلافا لجمع لكن في المجموع ما يوافقهم "والأصح أنه" أي القضاء "على الفور" لتعديه بسببه وهو في العمرة ظاهر وفي الحج يتصور في سنة الفساد بأن يحصر قبل الجماع أو بعده ويتعذر المضي فيتحلل ثم يزول والوقت باق فإن لم يمكن في سنة الإفساد تعين في التي تليها وهكذا ولو جامع مميز أو قن أجزأه القضاء في الصبا والرق.
"الخامس" من المحرمات على الذكر وغيره "اصطياد كل" حيوان "مأكول بري" متوحش جنسه، وإن استأنس هو كدجاج الحبشة كما استفيد ذلك من ذكر الاصطياد إذ المصيد حقيقة كل متوحش طبعا لا يمكن أخذه إلا بحيلة طيرا كان أو دابة مباحا أو
 

 

ج / 2 ص -71-         مملوكا. قال تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} [المائدة: 96] أي التعرض له ولجميع أجزائه كلبنه وريشه وبيضه غير المذر ولو باحتضانه لدجاجة ما لم يخرج الفرخ منه ويمتنع بطيرانه أو سعيه ممن يعدو عليه إلا بيض النعام ولو المذر فيضمنه، وإن ضمن فرخه أيضا؛ لأن الإتلاف لا تداخل فيه بوجه من وجوه التلف أو الإيذاء ولو بالإعانة أو الدلالة لحلال كالتنقير إلا لضرورة كما هو ظاهر كأن كان يأكل طعامه أو ينجس متاعه بما ينقص قيمته لو لم ينفره؛ لأن هذا نوع من الصيال وقد صرحوا بجواز قتله لصياله عليه إذا لم يندفع إلا به ولا يضمنه وشرط الإثم العلم والتعمد والاختيار كما مر وخرج بالمأكول غيره إذ منه مؤذ يندب قتله كنمر ونسر وكالقمل نعم يكره التعرض لقمل شعر اللحية والرأس خوف الانتتاف ويسن فداء الواحدة ولو بلقمة وكالنمل الصغير بخلاف الكبير والنحل لحرمة قتلهما كالخطاف والهدهد والصرد وكالفواسق الخمس بل يجب على المعتمد قتل العقور كخنزير يعدو ويحتمل ذلك في حية تعدو أيضا ويحرم اقتناء شيء منها؛ لأنها ضاربة بطبعها ومنه ما فيه نفع وضرر كقرد وصقر وفهد فلا يندب قتله لنفعه ولا يكره لضرره ومنه ما لا يظهر فيه نفع ولا ضرر كسرطان ورخمة فيكره قتله نعم مر في كلب كذلك تناقض. وبالبري البحري وهو ما لا يعيش إلا في البحر، وإن كان البحر في الحرم؛ لأنه لا عز في صيده قال تعالى {لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: 79] بخلاف ما يعيش فيهما تغليبا للحرمة وبالمتوحش الإنسي، وإن توحش.، وإذا أحرم وبملكه صيد أي أو نحو بيضه فيما يظهر إعطاء للتابع حكم المتبوع لم يتعلق به حق لازم زال ملكه عنه ولزمه إرساله ولو بعد التحلل إذ لا يعود به الملك "قلت وكذا" يحرم "المتولد منه" أي مما يحرم اصطياده "ومن غيره" أي مما يحل اصطياده "والله أعلم" بأن يكون أحد أصليه، وإن علا بريا وحشيا مأكولا والآخر ليس فيه هذه الثلاثة جميعها أو مجموعها فلا بد من وجود الثلاثة جميعها في واحد من الأصول كضبع مع ضفدع أو شاة أو حمار أو ذئب تغليبا للتحريم بخلاف ذئب مع شاة وحمار أهلي مع زرافة بناء على ما في المجموع أنها غير مأكولة وفرس مع بقر؛ لأن تلك الثلاثة لم توجد في طرف واحد من هذه المثل. "ويحرم ذلك" أي اصطياد كل مأكول بري وحشي أو ما في أحد أصوله ذلك أي التعرض له بوجه نظير ما مر حال كون ذلك الاصطياد الصادق بكون الصائد وحده أو المصيد وحده أو الآلة كالشبكة وحدها أي ما اعتمد عليه الصائد أو المصيد القائم من الرجلين أو إحداهما، وإن اعتمد على الأخرى أيضا في الحل تغليبا للتحريم أو مستقر غير القائم، وإن كان ما عداه في هواء الحل كما اقتضاه كلام الإسنوي وغيره لكن الذي اعتمده الأذرعي والزركشي ضمانه إن أصيب ما بالحرم مطلقا ويشكل عليه ما يأتي في الشجر أن العبرة بالمنبت دون الأغصان التي في الحرم إلا أن يفرق بأن التبعية للمنبت أقوى منها للمستقر "في الحرم" المكي ولو "على الحلال" إجماعا وللنهي عن تنفيره فغيره أولى فعلم أنه لو رمى من في الحل صيدا بالحل فمر السهم بالحرم حرم بخلاف نحو الكلب، وإن قتله في الحرم إلا إن تعين الحرم طريقا أو مقرا له. ولو سعى من الحرم إلى الحل فقتله لم يضمنه بخلاف ما لو

 

ج / 2 ص -72-         رمى من الحرم والفرق أن ابتداء الاصطياد من حين الرمي ولذا سنت التسمية عنده لا من حين العدو في الأولى ولو أخرج يده من الحرم ونصب شبكة بالحل فتعقل بها صيد لم يضمنه على ما في المجموع عن البغوي والكفاية عن القاضي، وأخذ منه ومن الفرق السابق أنه لو أخرج من بالحرم يديه إلى الحل ثم رمى صيدا لم يضمنه وفيه نظر ظاهر أصلا وفرعا لقول البغوي نفسه لو نصبها محرما ثم حل ضمن وبفرض إمكان الفرق بين هذين الذي دل عليه كلام البغوي فالفرق بين نصب الشبكة والرمي ممكن فإن النصب لم يتصل به أثره بخلاف الرمي، وإذا أثر وجود بعض المعتمد عليه في الحرم فأولى في صورتنا؛ لأن كل ما اعتمد عليه فيه فإن قلت لعل البغوي لا يرى هذا الاعتماد بل الآلة التي هي اليدان فكفى خروجهما عن الحرم قلت لعل ذلك لكنه مخالف لما قرروه في الاعتماد ولو كان محرما أو بالحرم عند ابتداء الرمي دون الإصابة أو عكسه ضمن تغليبا للتحريم نظير ما مر ومثله ما لو نصب شبكة محرما للاصطياد بها ثم تحلل فوقع الصيد بها لتعديه بخلاف عكسه ولو أدخل معه الحرم صيدا مملوكا تصرف فيه بما شاء؛ لأنه صيد حل. "فإن أتلف" أو أزمن المحرم أو من بالحرم أو الحل "صيدا" في الحرم في الثالثة أو فيه أو في الحل في الثانية كالأولى أو تلف تحت يده كما يأتي "ضمنه"، وإن كان جاهلا أو ناسيا أو مخطئا كما مر بالجزاء الآتي مع قيمته لمالكه إن كان مملوكا لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً} [المائدة: 95] الآية ومنكم ومتعمدا جرى على الغالب إذ لا فرق بين كافر بالحرم وناس ومخطئ وضدهم نعم إن قتله دفعا لصياله عليه أو لعموم الجراد للطريق ولم يجد بدا من وطئه أو باض أو فرخ بنحو فرشه ولم يمكنه دفعه إلا بتنحيته عنه ففسد بها أو كسر بيضة فيها فرخ له روح فطار وسلم أو أخذه من فم مؤذ ليداويه فمات في يده لم يضمنه كما لو انقلب عليه في نومه أو أتلفه غير مميز كما مر وبما تقرر علم أن جهات ضمان الصيد مباشرة، وإن أكره لكنه يرجع على آمره، وتسبب وهو هنا ما يشمل الشرط الآتي بيانه في الجراح ومن مثله هنا أن ينصب حلال شبكة أو يحفر بئرا ولو بملكه بالحرم أو ينصبها محرم حيث كان فيتعقل بها صيد ويموت أو يحفر تعديا أو يرسل كلبا ولو غير معلم أو يحل رباطه أو ينحل بتقصيره، وإن لم يرسله فيتلف صيدا أو ينفره فيتعثر ويموت أو يأخذه سبع أو يصدمه نحو شجرة، وإن لم يقصد تنفيره ولا يخرج عن عهدة تنفيره حتى يسكن أو يزلق بنحو بول مركوبه في الطريق كما أطبقوا عليه وفارق ما يأتي قبيل السير بأن الضمان هنا أضيق وفارق المحرم من بالحرم في الحفر بأن حرمة الحرم لذات المحل فلم يفترق الحال بين المتعدي بالحفر فيه وغيره بخلاف الإحرام فإنها لوصفه فافترق المتعدي من غيره ويفرق بين ضمانه بنصب الشبكة مطلقا وعدمه بالحفر المباح بأن تلك معدة للاصطياد بها فهو المقصود من نصها ما لم يصرفه بنحو قصد إصلاحها بخلاف الحفر. وبما تقرر علم أنه لا إشكال في عدم ضمان نحو النائم هنا بخلافه في غيره ولا في إلحاقهم الحفر في ملكه في الحرم بالحفر في غيره هنا بخلافه الآتي في الجراح وذلك؛ لأن الأول فيه حق لله فسومح فيه أكثر، والثاني فيه اعتبار حرمة الحرم الذاتية فاحتيط له أكثر مما حرمته

 

ج / 2 ص -73-         عرضية ويد كان يضعها عليه بعقد أو غيره كوديعة فيأثم ويضمنه كالغاصب ويلزمه رده لمالكه نعم لا أثر لوضعها لتخليصه من مؤذ أو لمداواته كما مر ولو أتلفته دابة معها راكب وسائق وقائد ضمنه الراكب وحده؛ لأن اليد له دونهما ومذبوح المحرم مطلقا ومن بالحرم لصيد لم يضطر أحدهما لذبحه كما بينته في شرح الإرشاد الصغير ميتة عليه وعلى غيره وكذا محلوبه وبيض كسره وجراد قتله كما قاله جمع لكن الذي في المجموع على ما يأتي أوائل الصيد الحل لغيره ومفهوم لم يضطر المذكور أنه لو ذبحه للاضطرار حل له ولغيره ويفرق بينه وبين نحو اللبن بأنه متعد هنا فغلظ عليه بتحريمه عليه أيضا وألحق به غيره طردا للباب وله أكل لحم صيد لم يصد له ولا دل ولو بطريق خفي كأن ضحك فتنبه الصائد له أو أعان عليه ثم الصيد إما له مثل من النعم صورة وخلقة على التقريب بأن حكم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أو عدلان بعده أو لا مثل له وفيه نقل، وأما ما لا مثل له ولا نقل فيه فالأول بقسميه يضمن بمثله أو بما نقل فيه. "ففي النعامة" الذكر والأنثى "بدنة" أي واحد من الإبل "وفي بقر الوحش وحماره بقرة" أي في الذكر ذكر وفي الأنثى أنثى ويجوز عكسه "و" في "الغزال" يعني الظبية "عنز" وهي أنثى المعز التي تم لها سنة، وأما الظبي "ففيه تيس" ويجوز عكسه وقد يصدق به المتن، وأما الغزال وهو ولد الظبي إلى طلوع قرنه ثم هو ظبي أو ظبية ففي أنثاه عناق وفي ذكره جدي أو جفر "و" في "الأرنب" أي أنثاه "عناق" وفي ذكره ذكر في سن العناق الآتي ويجوز عكسه "و" في "اليربوع" أي أنثاه "جفرة" وفي ذكره جفر ويجوز عكسه فلا اعتراض على المتن في إيهامه جواز فداء الذكر بالأنثى وعكسه؛ لأن الأصح جوازه، والوبر بإسكان الباء كاليربوع وذلك؛ لأن جمعا من الصحابة رضي الله عنهم حكموا بذلك كله. قال في الروضة كأصلها والعناق أنثى المعز من حين تولد إلى أن ترعى والجفرة أنثى المعز تفطم وتفصل عن أمها فتأخذ في الرعي وذلك بعد أربعة أشهر والذكر جفر؛ لأنه جفر جنباه أي عظما هذا معناهما لغة لكن يجب أن يكون المراد بالجفرة هنا ما دون العناق فإن الأرنب خير من اليربوع. ا هـ. وخالفه في عدة من كتبه فنقل عن أهل اللغة أن العناق تطلق على ما مر ما لم تبلغ سنة وعليه لا يحتاج لقولهما لكن يجب إلى آخره؛ لأنه مبني على ما نقلاه أولا من اتحاد العناق والجفرة فإذا ثبت أن العناق أكبر من الجفرة اتضح ما قالوه من إيجابها في الأرنب الذي هو خير من اليربوع وصح في الخبر أن الضبع فيه كبش والضبع للذكر والأنثى عند جمع وللأنثى فقط عند الأكثرين، وأما الذكر فضبعان بكسر فسكون وعلى كل ففي الخبر جواز فداء الأنثى بالذكر إذ الكبش ذكر الضأن. "وما" أي والصيد الذي "لا نقل فيه" عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة فمن بعدهم من سائر الأعصار إذ يكفي حكم مجتهد واحد مع سكوت الباقين "يحكم بمثله" من النعم "عدلان" للآية، ويجب كونهما فطنين فقيهين بما لا بد منه في الشبه ويندب زيادة فقههما بغيره حتى يزيد تأهلهما للحكم، ويؤخذ من إطلاقهم العدالة أنه لا بد من حريتهما وذكورتهما، وأنه لا يؤثر كون أحدهما أو كل منهما قاتله إن لم يفسق بقتله لتعمده له إذ هو قتل حيوان محترم تعديا فلم يبعد صدق حد الكبيرة عليه أو تاب إذ الظاهر أنه لا يشترط هنا استبراء كما يأتي

 

ج / 2 ص -74-         في أن أولى إذا تاب يزوج حالا، ولو حكم اثنان بمثل وآخران بنفيه كان مثليا أو بمثل آخر تخير وقيل يتعين الأعلم، وأفهم قوله: في النعامة بدنة أن العبرة في المماثلة بالخلقة والصورة تقريبا لا تحقيقا بل حكم الصحابة في الحمام ونحوه من كل ما عب وهدر بالشاة لتوقيف بلغهم، وقيل؛ لأن بينهما شبها إذ كل يألف البيوت ويأنس بالناس، وأنه لا نظر للقيمة نعم تجب رعاية الأوصاف إلا الذكورة والأنوثة فيجزئ أحدهما عن الآخر كما مر، وإلا النقص فيجزئ الأعلى عن الأدنى وهو أفضل ولا عكس ولا يجزئ معيب عن معيب كأعور عن أجرب بخلاف ما إذا اتحدا عيبا، وإن اختلف محله كأعور يمين بأعور يسار. قال في المجموع وسواء عور العين في الصيد أو المثل ثم ما ذكر في فداء الذكر بالأنثى وعكسه من الأوجه ما يصرح بأن المعتمد أنه لا فرق بين الاستواء في القيمة أو السن وعدمه ولا بين كون الأنثى ولدت أو لا ولا نظر لكون قيمة الأنثى أكثر ولحم الذكر أطيب، ثم قال عن الإمام الخلاف فيما إذا لم ينقص اللحم في القيمة ولا في الطيب فإن كان واحد من هذين النقصين لم يجز بلا خلاف ثم عقبه بقوله هذا كلامه فهو متبر منه؛ لأنه ينافي ما قدمه أولا من حيث الخلاف ومن حيث الحكم ويوجه باب النظر هنا للمماثلة الصورية، وهي موجودة مع ذلك فلذا أعرضوا عن تلك الأوجه التي نظرت إلى التفاوت في المعنى فتأمل ذلك فإنه مهم، والثاني يضمن ببدله كما قال. "وفيما لا مثل له" مما لا نقل فيه كالجراد والعصافير "القيمة" بمحل الإتلاف أو التلف بقول عدلين كما حكمت الصحابة رضي الله عنهم بها في الجراد أما ما لا مثل له مما فيه نقل كالحمام فيتبع كما مر.
تنبيه: جزما هنا بأن في الوطواط القيمة وهو مبني على الضعيف كما بيناه في الأطعمة أنه يحل أكله ولم يبيناه هنا للعلم به مما هنا أنه لا جزاء إلا في مأكول ولو بالنسبة لأحد أصليه كما مر وثم أنه غير مأكول وبفرض عدم البناء فهو تناقض والراجح منه أنه غير مأكول فلا قيمة فيه، وإلحاق الجرجاني الهدهد بالحمام هنا مبني على حل أكله والأصح تحريمه وعلل بأنه نهي عن قتله.
"ويحرم" ولو على الحلال "قطع نبات" أي نابت "الحرم"، وإن نقل إلى الحل أو كان ما بالحل من نوى ما بالحرم "الذي لا يستنبت" أي لا يستنبته الناس بأن نبت بنفسه شجرا كان، وإن كان بعض مغرسه في الحل أو حشيشا رطبا إجماعا للنهي عنه ومثله بالأولى قلعه نعم يجوز أخذ ورق من غير خبط يضر بالشجر وقطع غصن يخلف مثله في سنة القطع أي قبل مضي سنة كاملة منه كما هو ظاهر. وظاهر كلامهم أنه لا فرق في هذا التفصيل بين عود السواك وغيره لكن قضية قول المجموع اتفقوا على أنه يجوز أخذ ثمر الشجر وعود السواك ونحوه خلافه ويوجه بأن هذا مما يحتاج لأخذه على العموم فسومح فيه ما لم يسامح في الأغصان التي ليست كذلك وظاهر قولهم مثله أنه لا بد في العائد قبل السنة أن يكون في محل المقطوع لا في محل آخر من الشجرة، وأنه لا بد أن يساوي العائد الزائل غلظا وطولا وفي كل منهما وقفة ولو قيل يكفي العود ولو من محل آخر قريب منه بحيث يعد عرفا أنه خلف له ويكتفي في المثلية بالعرف المبني على تقارب الشبه

 

ج / 2 ص -75-         دون تحديده لم يبعد أما اليابس فيجوز قطعه وكذا قلع الشجر لا الحشيش؛ لأنه ينبت إذا أصابه ماء ومن ثم لو علم فساد منبته من أصله جاز قلعه وكأنهم إنما لم يجروا هذا التفصيل في الشجر لندرته فيه بفرض تصوره، وأما ما يستنبت فسيأتي. "والأظهر تعلق الضمان به" أي بقطع وقلع النبات، وأراد به هنا الحشيش بدليل قوله إيضاحا "وبقطع أشجاره" كصيده بجامع حرمة التعرض لكل لحرمة الحرم ومر حل أخذ غصن بشرطه فلا يضمن إن أخلف قبل السنة، وإلا وجبت قيمته ويسقط ضمان شجرة بردها إليه إذا نبتت ولو بغير منبتها "ففي" الحشيش القيمة ما لم يقطعه فيخلف ولو بعد سنين كما اقتضاه إطلاقهم فلا يضمن كسن غير المثغور، وكان الفرق بينه وبين غصن الشجر حيث فصلوا فيه وبين الشجر إذا أخذ من أصله يضمن، وإن أخلف في سنته كما اقتضاه إطلاقهم أيضا أن الشجر يحتاط له أكثر إذ لا فرق فيه بين المستنبت وغيره ويضمن بالحيوان بخلاف الحشيش فيهما وفي قلع أو قطع "الشجرة الكبيرة" عرفا، وإن لم يتناه نموها خلافا لمن اشترطه وهو أولى من ضبطها بأنها ذات الأغصان إلا أن يريد الأغصان الكثيرة المنتشرة "بقرة" تجزئ في الأضحية كما اقتضاه قولهما كغيرهما وحيث أطلقنا في المناسك الدم فالمراد كدم الأضحية في سنها وسلامتها وصرح بذلك شارح التعجيز وتجزئ البدنة هنا أيضا بخلافه في جزاء الصيد؛ لأن المدار فيه على المماثلة "و" في "الصغيرة" وهي ما يقرب من سبع الكبيرة إذ الشاة سبع البقرة فإن صغرت جدا ففيها القيمة "شاة" تجزئ في الأضحية وزعم الاستقصاء عن المذهب إجزاء التبيع وتوجيهه بأنه عهد إيجابه في الثلاثين ولم يعهد إيجاب شاة دون سن الأضحية مردود نقلا وتوجيها. والأصل في ذلك أثر ابن الزبير رضي الله عنهما الذي رواه الشافعي عنه ومثله لا يقال من قبل الرأي وبحث الزركشي فيما جاوزت سبع الكبيرة ولم تنته إلى حد الكبر أنه يجب فيها شاة أعظم من الواجبة في سبع الكبيرة وفيه نظر ظاهر على أنه لم يبين ما ضابط ذلك العظم هل هو من حيث السن أو السمن وفي كل منهما بعد لا يخفى فالأوجه ما اقتضاه إطلاقهم من إجزاء الشاة في كل ما لم يسم كبيرة، وإن ساوت ستة أسباع الكبيرة مثلا وضبطهم للصغيرة بما مر إنما هو لبيان انتفاء الشاة فيما دون السبع لا تعددها فيما فوقه خلافا لمن زعمه وليس ما هنا كالصيد؛ لأن المماثلة معتبرة ثم لا هنا. "قلت والمستنبت" من الشجر الحرمي بأن يأخذ غصنا من حرمية ويغرسه في محل آخر من الحرم أو غيره ولو ملكه "كغيره" المعلوم من كلامه أولا وهو ما نبت بنفسه في الحرمة والضمان "على المذهب" ففيه الإثم إن تعمد وبقرة أو شاة سواء كان له ثمر أم لا أما ما استنبت في الحرم مما أصله في الحل فلا شيء فيه، وخرج بالشجر غيره فلا يحرم مستنبته كشعير وبر وسائر القطاني والخضراوات كالبقل والرجلة فيجوز قطعها وقلعها اتفاقا "ويحل الإذخر" بكسر الهمزة وبالمعجمة قطعا وقلعا ولو لنحو البيع كما اقتضاه كلامهم لاستثناء الشارع له في الخبر الصحيح "وكذا" قطع وقلع المؤذي ومنه غصن انتشر وآذى المارة، و "الشوك" أي شجره "كالعوسج وغيره"، وإن لم يكن نابتا في الطريق "عند الجمهور"؛ لأنه مؤذ كصيد يصول وانتصر، والمقابلة بصحة النهي عن قطع شوكه بخصوصه فلا يصح الجواب عنه

 

ج / 2 ص -76-         بأنه مخصوص بالقياس على الفواسق الخمس على أن الفرق أن لتلك نوع اختيار بخلاف الشوك. وزعم أن الشوك منه مؤذ وغيره، والخبر مخصوص بالمؤذي يرده قولهم لا فرق بين ما في الطريق وغيرها، الصريح في أن المراد المؤذي بالفعل أو القوة. "والأصح حل أخذ نباته" أي نابته الحشيش لا الشجر قلعا أو قطعا "لعلف" بسكون اللام بخطه "البهائم" التي عنده ولو للمستقبل إلا إن كان يتيسر أخذه كلما أراده فيما يظهر، وذلك كما يحل تسريحها في شجره وحشيشه "والدواء" بعد وجود المرض ولو للمستقبل على الأوجه لا قبله ولو بنية الاستعداد له على المعتمد "والله أعلم" للحاجة إليه كهي إلى الإذخر، ومن ثم جاز قطعه لنحو التسقيف به كالإذخر، ذكره الغزالي وغيره، وأخذ منه حل قطعه لمطلق حاجة، وأفهم كلامه عدم حل أخذه لبيعه ممن يعلف به وبه صرح في المجموع وقول القفال يجوز قطع الفروع لسواك أو دواء ويجوز بيعه حينئذ. قال في الروضة فيه نظر، وينبغي أن لا يجوز كالطعام الذي أبيح له أكله لا يجوز له بيعه.
فرع: يحرم أيضا إخراج شيء من تراب الحرم الموجود فيه ما لم يعلم أنه من الحل كما هو ظاهر قال غير واحد من معتبري المكيين الممدرة التي يؤخذ منها طين فخار مكة الآن من الحل كما حرره جماعة من العلماء أو ما عمل منه أو من أحجاره إلى الحل أو حرم آخر ولو بنية رده إليه كما شمله كلامهم فيلزمه رده إليه، وإن انكسر الإناء كما هو ظاهر وبالرد تنقطع الحرمة كدفن بصاق المسجد بخلاف عكسه يكره فقط وكان الفرق أن إهانة الشريف أقبح من إجلال الوضيع.
 "وصيد" حرم "المدينة" ونباته ونحو ترابه على التفصيل السابق "حرام" للأخبار الصحيحة التي لا تقبل تأويلا بذلك وحده عرضا ما بين اللابتين وهما حرتان بهما حجارة سود شرقي المدينة وغربيها وطولا من عير بفتح أوله إلى ثور كما صح به الخبر وهو جبل صغير وراء أحد خلافا لمن أنكره ومع كون ذلك حراما "لا يضمن" بشيء في الجديد؛ لأنه يحل دخوله بغير إحرام فكان كوج الطائف في حرمة ذلك من غير ضمان للنص الصحيح فيه أيضا وهو بفتح الواو وتشديد الجيم واد بصحراء الطائف واختير القديم القائل بضمان ذلك لكل من وجد الصائد بما عليه غير ساتر عورته لصحة الخبر به. واعلم أن دماء النسك أربعة لا غير دم ترتيب وتقدير أي قدر الشارع بدله صوما لا يزيد ولا ينقص ودم ترتيب وتعديل أي أمر الشارع بتقويمه والعدول لغيره بحسب القيمة فهو مقابل التقدير ودم تخيير وهو ضد الترتيب والتقدير ودم تخيير وتعديل "و" هو دم الصيد والنبات؛ لأن الله تعالى سماه تعديلا بقوله:
{أو عدل ذلك صياما} فحينئذ "يتخير في الصيد المثلي بين ذبح مثله" في الحرم لا خارجه ما لم يكن الصيد حاملا فلا يذبح مثله بل يتصدق بقيمة المثل حاملا وفي حكم المثل ما فيه نقل، وإن لم يكن مثليا الحمام كما مر "والتصدق به" أي المذبوح جميعه "على" ثلاثة يفرقه عليهم أو يملكهم جملته ولو قبل سلخه كما هو ظاهر أخذا من كلامهم في تفرقة الزكاة متساويا أو متفاوتا "من مساكين الحرم" الشاملين لفقرائه انحصروا أو لا والمراد بهم حيث أطلقوا الموجودون فيه حالة الإعطاء لكن

 

ج / 2 ص -77-         المستوطن أولى ما لم يكن غيره أحوج، وأفهم كلامه أنه لا يجوز إخراج المثل حيا "وبين أن يقوم المثل" لا الصيد خلافا لمالك رضي الله عنه ويعتبر في التقويم عدلان عارفان، وإن كان أحدهما قاتله حيث لم يفسق نظير ما مر "دراهم" منصوب بنزع الخافض شذوذا وذكرت؛ لأنها الغالبة في التقويم، وإلا فالعبرة بقيمته بالنقد الغالب بمكة يوم الإخراج؛ لأنها محل الذبح فإذا عدل عنه للقيمة اعتبر مكانه ذلك الوقت. ويظهر أن المراد بمكة جميع الحرم، وأنها لو اختلفت باختلاف بقاعه جاز له اعتبار أقلها؛ لأنه لو ذبح بذلك المحل أجزأه "ويشتري بها" يعني يخرج مما عنده أو مما يحصله بشراء أو غيره ما يساويها "طعاما" يجزئ في الفطرة بسعر مكة على الأوجه ويأتي هنا ما ذكرته أيضا "لهم" أي لأجلهم بأن يتصدق به عليهم وحيث وجب صرف الطعام إليهم في غير دم التخيير والتقدير لا يتعين لكل منهم مد بل يجوز دونه وفوقه فإن قلت هل يتصور جريان ذلك في دم نحو التمتع؟. قلت نعم بأن يموت وعليه صومه فيطعم الولي عنه فإن قلت الذي يتجه في هذه إجزاء الطعام بغير الحرم؛ لأنه بدل الصوم الذي لا يتقيد به قلت نعم وحينئذ يتعين عد التمتع مما يتعين في طعامه المد لكل مسكين؛ لأن كل مد بدل عن يوم وهو لا يتصور فيه نقص ولا زيادة بعض مد آخر بخلاف زيادة مد آخر، وفارق التمتع ودم التخيير والتقدير ما عداهما بأن المد فيه أصل لا بدل فجاز نقصه وزيادته مطلقا فإن أحرم بعضهم غرم له أقل ما يصدق عليه الاسم "أو يصوم" المسلم ولو بغير الحرم إذ لا غرض لمساكينه في كونه به لكنه الأولى لشرفه "عن كل مد يوما" وعن المنكسر يوما أيضا؛ لأن الصوم لا يتبعض "وغير المثلي" مما لا نقل فيه "يتصدق" عليهم "بقيمته" بموضع الإتلاف أو التلف وزمنه "طعاما أو يصوم" كما ذكر. "و" أما الثالث أعني دم التخيير والتقدير فهو واجب في الحلق والقلم واللبس والستر والطيب والدهن والتمتع بغير جماع والوطء غير المفسد كالثاني والذي بين التحللين فحينئذ "يتخير في فدية" نحو "الحلق" مما ذكر "بين ذبح شاة" تجزئ في الأضحية أو سبع بدنة أو بقرة كذلك وتمليكها لثلاثة فأكثر فقراء أو مساكين بالحرم "والتصدق بثلاثة آصع" أصله أصوع قدمت واوه بعد إبدالها همزة مضمومة على الصاد ونقلت ضمتها إليها وقلبت هي ألفا "لستة مساكين" أو فقراء بالحرم لكل واحد نصف صاع وجوبا، وإعطاء كل مسكين مدين مما انفردت به هذه الكفارة "وصوم ثلاثة أيام" لقوله تعالى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً} [البقرة: 196] الآية. مع الحديث الصحيح المبين لما أجمل فيها وقيس غير المعذور عليه في التخيير؛ لأن ما تخير فيه من الكفارات لا ينظر لسببه حلا وحرمة ككفارة اليمين والصيد. "و" أما الأول أعني دم الترتيب والتقدير فواجب في ثمانية بل عشرة بل أكثر من ذلك بصور كثيرة كما بينتها في شرح العباب التمتع والقران كما قدمتهما والفوات كما سيذكره وترك مبيت مزدلفة أو منى والرمي وطواف الوداع والإحرام من الميقات والركوب المنذور والمشي المنذور وكون دم هذه الستة الأخيرة مرتبا لا خلاف فيه وكونه مقدرا أي إذا عجز عن الذبح صام ثلاثة أيام في الحج إن تصور كالثلاثة الأخيرة، وإلا كالثلاثة التي قبلها صامها عقب تركها وسبعة بوطنه هو المعتمد في الروضة والمجموع

 

ج / 2 ص -78-         والشرحين وجرى المتن كأصله على خلافه فعليه. "الأصح أن الدم في ترك المأمور كالإحرام من الميقات" وغيره من تلك الستة "دم ترتيب" وتعديل "فإذا عجز" عنه "المشتري" يعني أخرج نظير ما مر "بقيمة الشاة طعاما وتصدق به فإن عجز صام عن كل مد يوما" وكذا عن المنكسر وقيل إذا عجز صام ثلاثة أيام "ودم الفوات" للحج بفوات الوقوف "كدم التمتع" في الترتيب والتقدير وسائر أحكامه السابقة؛ لأن موجب دم التمتع ترك الإحرام من الميقات فترك النسك كله أولى "ويذبحه" في أحد وقتي جوازه ووجوبه لا قبلهما فالأول يدخل بدخول وقت الإحرام بالقضاء من قابل والثاني يدخل بالدخول "في حجة القضاء" لفتوى عمر رضي الله عنه بذلك وكما يجب دم التمتع بالإحرام بالحج ويجوز تقديمه قبله وبعد فراغ العمرة لدخول وقته حينئذ ولا يجوز تقديم صوم الثلاثة على الإحرام بالقضاء، وأما الثاني فهو دم الجماع وقد مر ودم الإحصار وسيأتي. "والدم الواجب بفعل حرام" باعتبار أصله، وإن لم يكن حال الفعل حراما كحلق أو لبس لعذر "أو ترك واجب" أو بتمتع أو قران ومثله الدم المندوب لترك سنة متأكدة كصلاة ركعتي الطواف وترك الجمع بين الليل والنهار بعرفة "لا يختص" جواز ذبحه، وإجزاؤه "بزمان" فيفعله أي وقت أراد إذ الأصل عدم التأقيت لكن يسن فعله في وقت الأضحية. نعم إن عصى بسببه لزمه الفورية كما علم من كلامهم في باب الكفارات مبادرة للخروج من المعصية "ويختص ذبحه" جوازا، وإجزاء حيث لا حصر "بالحرم في الأظهر" لقوله تعالى: {هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] مع خبر مسلم "نحرت هاهنا ومنى كلها منحر".
"ويجب صرف" جميع أجزائه من نحو جلده و "لحمه" وكذا صرف بدل ما له بدل من ذلك "إلى مساكينه" أي الحرم الشاملين لفقرائه نظير ما مر أي ثلاثة منهم؛ لأن القصد من الذبح في الحرم إعظامه بتفرقة اللحم فيه، وإلا فمجرد الذبح تلويث للحرم وهو مكروه كما في الكفاية ولم يفرقوا هنا بين المحصور وغيره كما مر وفارق ما مر في الزكاة بأن القصد هنا حرمة المحل وثم سد الخلة وتجب النية عند التفرقة ويجزئ كما بحثه الأذرعي تقدمها عليها بقيده السابق في الزكاة وظاهر كلامهم هنا أن الذبح لا تجب النية عنده وهو مشكل بالأضحية ونحوها إلا أن يفرق بأن القصد هنا إعظام الحرم بتفرقة اللحم فيه كما مر فوجب اقترانها بالمقصود دون وسيلته وثم إراقة الدم لكونها فداء عن النفس ولا يكون كذلك إلا إن قارنت نية القربة ذبحها فتأمله. "وأفضل بقعة" من الحرم كما دل عليه السياق فزعم أن الأولى جعله بالهاء غير محتاج إليه "لذبح المعتمر" عمرة منفردة عن حج قبلها أو بعدها "المروة و" لذبح "الحاج" إفرادا أو تمتعا ولو عن تمتعه أو قرانا "منى"؛ لأنها محل تحللهما "وكذا حكم ما ساقا" أي المعتمر والحاج المذكوران "من هدي" نذر أو تطوع "مكانا" في الاختصاص والأفضلية فأفضل مكان لذبح هدي الأول المروة والثاني منى للاتباع. "ووقته" أي ذبح هذا الهدي بقسميه حيث لم يعين في نذره وقتا "وقت الأضحية على الصحيح" قياسا عليها فلو أخره حتى مضت أيام التشريق وجب ذبحه قضاء إن كان واجبا ووجب صرفه إلى مساكين الحرم، وإلا فلا لفواته ونازع الإسنوي في اختصاص ما ساقه

 

ج / 2 ص -79-         المعتمر بوقت الأضحية بأنا لا نشك أنه صلى الله عليه وسلم لما أحرم بعمرة الحديبية وساق الهدي إنما قصد ذبحه عقب تحلله وأنه لا يتركه بمكة حيا ويرجع للمدينة. ا هـ. وفيه ما فيه وخرج بساق ما ساقه الحلال فلا يختص بزمن كهدي الجبران كما مر أما إذا عين في نذره غير وقت الأضحية فيتعين.
فرع: يتأكد على قاصد الحج أو العمرة أن يصحب معه هديا وهو للحاج آكد ومر أن هذا محمل أمره صلى الله عليه وسلم من لا هدي معه أن يجعل إحرامه عمرة ومن معه هدي أن يجعله حجا نظرا إلى أنه أكمل النسكين ومن ساق الهدي تقربا أفضل ممن لم يسقه فناسب أن يكون له أكمل النسكين.
 

باب الإحصار
وهو لغة: المنع واصطلاحا المنع عن إتمام أركان الحج أو العمرة أو هما فلو منع من الرمي أو المبيت لم يجز له التحلل؛ لأنه متمكن منه بالطواف والحلق ويقع حجه مجزئا عن حجة الإسلام ويجبر كل من الرمي والمبيت بدم، ونزاع ابن الرفعة فيه بما مر أن المبيت يسقط بأدنى عذر يرد بأن الدم هنا وقع تابعا ومشابها لوجوبه في أصل الإحصار فلم ينظروا إلى كونه ترك المبيت لعذر كما لم ينظروا لذلك في أصل دم الإحصار فإن قلت من الأعذار المسقطة ثم الخوف على المال، والإحصار يحصل بالمنع إلا ببذل مال، وإن قل فما الفرق ؟. قلت: الفرق أن ذات المبيت ثم لم يتعرض لها المخوف منه يمنع؛ لأن الفرض أنه أحصرهم عن الحج لا غير بخلافه هنا أعني في منعه من المبيت فإن العدو متعرض للمنع منه مثلا إلا ببذل مال وهذا هو الذي توجد فيه المشابهة للإحصار دون الأول إذ لا تعرض من المخوف منه لمنع من نحو المبيت أصلا فتأمله.
"والفوات" أي للحج إذ العمرة لا تفوت إلا تبعا لحج القارن "من أحصر" أي منع عن المضي في نسكه دون الرجوع أو معه وهم فرق مختلفة أو فرقة واحدة سواء كافر ومسلم، وإن أمكنه قتاله أو بذل مال له ولم يجد طريقا آخر يمكنه سلوكه "تحلل" جوازا حاجا كان أو معتمرا أو قارنا لنزول قوله تعالى حين أحصروا بالحديبية وهم حرم فنحر صلى الله عليه وسلم وحلق، وأمرهم بذلك {
فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] أي، وأردتم التحلل إذ الإحصار بمجرده لا يوجب هديا. والأولى للمعتمر وحاج اتسع زمن إحرامه الصبر إن رجا زوال الإحصار نعم إن غلب على ظنه انكشاف العدو، وإمكان الحج أو قبل ثلاثة أيام في العمرة امتنع تحلله لقلة المشقة حينئذ أما إذا أمكنه سلوك طريق آخر ولو بحرا غلبت فيه السلامة ووجدت شروط الاستطاعة فيه فيلزمه سلوكه، وإن علم الفوات ويتحلل بعمل عمرة، وأما إذا خشي فوات الحج لو صبر فالأولى التحلل لئلا يدخل في ورطة لزوم القضاء له واستعماله أحصر في منع العد وخلاف الأشهر إذ هو استعماله في نحو المرض وحصر في العدو كذا قيل، ورد بالآية الموافقة لما هنا فالأشهر أن الإحصار المنع من المقصود بعدو أو نحو مرض والحصر التضييق وشمل كلامه الحصر عن الوقوف دون البيت وعكسه لكن يلزمه

 

ج / 2 ص -80-         في الأول أن يدخل مكة ويتحلل بعمل عمرة وفي الثاني أن يقف ثم يتحلل أي ما لم يغلب على ظنه انكشاف العدو قبل ثلاثة أيام فيما يظهر أخذا مما تقرر في العمرة ولا قضاء فيهما على تفصيل فيه وفي لزوم دم الإحصار ذكرته في شرح العباب عن المجموع وغيره واستنبط البلقيني من الإحصار عن الطواف أن من حاضت أو نفست قبل الطواف ولم يمكنها الإقامة للطهر أنها تسافر فإذا وصلت لمحل يتعذر وصولها منه لمكة لعدم نفقة أو نحو خوف تحللت بالنية والذبح والحلق، وأيده بقول المجموع عن كثيرين من صد عن طريق ووجد طريقا أطول ولم يكن معه نفقة تكفيه جاز له التحلل وسبقه البارزي إلى نحوه كما بسطت ذلك في الحاشية وقد ينظر في قوله لعدم نفقة بما يأتي أن نحو نفاد النفقة لا يجوز التحلل من غير شرط وما في المجموع لا يؤيده؛ لأن الذي فيه محصر؛ لأنه صد عن طريقه وتعذر عليه سلوك الطريق الأخرى فجاز له التحلل لبقاء إحصاره فتأمله. "وقيل لا تتحلل الشرذمة" القليلة التي اختص بها الحصر من بين الرفقة والأصح أن الحصر لخاص ولو لواحد كأن حبس ظلما ولو بدين يعجز عنه كالعام؛ لأن مشقة كل أحد لا تختلف بتحمل غيره مثلها وعدمه وفارق نحو المحبوس المريض بأن الحبس يمنعه إتمام نسكه حسا بخلاف المرض. "ولا تحلل" جائز "بالمرض" إذا لم يشرطه بل يصبر حتى يبرأ فإن كان محرما بعمرة أتمها أو بحج وفاته تحلل بعمرة؛ لأن المرض لا يمنع الإتمام كما تقرر ولا يزيله التحلل "فإن شرطه" أي التحلل بالمرض وقد قارنت نية شرطه الذي تلفظ به عقب نية الإحرام نية الإحرام بأن وجدت قبل تمامها فيما يظهر نظير ما يأتي في الاستثناء في نحو الطلاق "تحلل به" أي بسبب المرض "على المشهور" لقوله صلى الله عليه وسلم في الخبر الصحيح لوجعة "حجي واشترطي وقولي اللهم محلي حيث حبستني"، وألحق بالحج العمرة وبالمرض في ذلك غيره من الأعذار كضلال طريق ونفاد نفقة فلا يجوز شرطه بلا عذر أو حيث أراد ونحوه نظير ما مر أواخر الاعتكاف ويظهر أن المراد بالعذر هنا ما يشق معه مصابرة الإحرام مشقة لا تحتمل غالبا ثم إن شرط التحلل بهدي لزمه أو بلا هدي أو أطلق فلا وله شرط انقلاب حجه عمرة عند نحو المرض وتجزئه حينئذ عن عمرة الإسلام وخرج بشرطه أي التحلل شرط صيرورته حلالا بنفس المرض فإنه يصير به حلالا من غير تحلل ولا هدي ويظهر ضبط المرض هنا بما يبيح ترك الجمعة.
 "ومن تحلل" أي أراد التحلل بالإحصار أو نحوه وهو حر أو مبعض ووقع في نوبته فيما يظهر أخذا من أنه لو أحرم في نوبته وارتكب المحظور في نوبة سيده أو عكسه اعتبر وقت ارتكاب المحظور فإرادة التحلل هنا كارتكاب المحظور فيما ذكر ذبح وجوبا "شاة" تجزئ في الأضحية أو سبع بدنة أو بقرة كذلك للآية السابقة ولو شرط التحلل بالحصر بلا دم وفارق ما مر في نحو المرض بأن هذا لا يتوقف على شرط فلم يؤثر فيه الشرط بخلاف ذاك ويتعين الذبح لذلك ككل ما معه من دم وهدي "حيث أحصر" أو مرض مثلا ولو في الحل، وإن تمكن من طرف الحرم ومنازعة البلقيني فيه بالنص ردها تلميذه أبو زرعة كما بينتها في الحاشية ولو أمكنه إرساله لمكة لم يلزمه لكن يسن له بعثه لما يقدر

 

ج / 2 ص -81-         عليه من الحرم أو مكة وواضح أنه لا يحل حينئذ حتى يغلب على ظنه ذبحه ثم بخبر من وقع بقلبه صدقه لا بمجرد طول الزمن وذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم: ذبح هو، وأصحابه بالحديبية. وهي من الحل ويفرقه على مساكين ذلك المحل ثم مساكين أقرب محل إليه؛ لأنه صار في حقه كالحرم ومن ثم حرم النقل عنه إذا كان من الحل إلى غيره من الحل بخلاف ما إذا كان من الحرم لا يتعين بالنسبة لبقية الحرم؛ لأنه كله كبقعة واحدة فإن قلت لم جاز هنا النقل كما ذكر بخلافه إذا فقد مساكين الحرم قلت؛ لأن استحقاق هؤلاء بالنص بخلاف مساكين محل الحصر وهذا هو الفرق بين ما هنا ونقل الزكاة كما يأتي. "قلت" ما أوهمه كلام المحرر من أن من أحصر له التحلل بالذبح وحده غير مراد بل "إنما يحصل التحلل بالذبح ونية التحلل" مقارنة للذبح؛ لأنه يكون لغير التحلل فاحتاج لما يخصصه به وفارقت نية الخروج من الصلاة لوقوعه في محله فهي كالتحلل هنا النحر بخلافه هنا فإن التحلل وقع في غير محله وهو يقبل الصرف فوجبت النية "وكذا الحلق إن جعلناه نسكا" وهو المشهور كما مر؛ لأنه ركن أمكنه فعله فلا وجه لإسقاطه ويجب قرن النية به وتقديم الذبح عليه فإن قلت لم اشترط الترتيب هنا بخلافه في تحلل الحج ؟. قلت؛ لأن الحج يطول زمنه فوسع فيه بأن جعل له تحللان وبعدم اشتراط الترتيب بخلاف ما هنا فإنه لما لم يكن إلا بواحد اشترط فيه الترتيب لعدم المشقة فيه ونظير ذلك العمرة فإنها لما كانت كذلك اشترط الترتيب في تحللها "فإن فقد الدم" حسا أو شرعا نظير ما مر في دم التمتع "فالأظهر أن له بدلا" كغيره "و" الأظهر "أنه" أي البدل "طعام" مع الحلق والنية حيث عذر؛ لأنه أقرب للحيوان لكونهما مالا من الصوم "بقيمة الشاة" بالنقد الغالب ثم فإن لم يكن به ذلك فأقرب البلاد إليه "فإن عجز عنه صام عن كل مد يوما" حيث شاء ويصوم عن المنكسر يوما أيضا "وله" حينئذ "التحلل" بالحلق مع النية "في الحال" من غير توقف على الصوم "في الأظهر والله أعلم" لتضرره ببقاء إحرامه إلى فراغ الصوم وبه فارق توقف تحلل تارك الرمي على بدله ولو صوما؛ لأن هذا له تحللان فلا كبير مشقة عليه لو صبر بخلاف المحصر.
 "وإذا أحرم العبد" أي القن ولو مكاتبا "بلا إذن" من سيده في الإحرام ولا في المضي أو بعد الإذن لكن قبل دخول وقته الذي عينه له لا بعده وكذا المكان أو بعد رجوعه عن الإذن قبل إحرامه، وإن لم يعلم القن بالرجوع لكن لا يقبل قوله: فيه بل لا بد من بينة به "فلسيده" يعني مالك منفعته، وإن كان ملك الرقبة لغيره "تحليله" أي أمره بالحلق مع النية صيانة لحقه إذ قد يريد منه ما يمتنع على المحرم كاصطياد بسلاح وطيب وقربان الأمة ومن ثم حرم على القن الإحرام بغير إذنه ولزمته المبادرة للتحلل بعد أمره به والأولى للسيد أن يأذن له في إتمام النسك ولو لم يمتثل أمره فله أن يفعل به المحظور والإثم على القن فقط لبقاء إحرامه إذ لا يزول إلا بما مر من الحلق مع النية ومن ثم قال الإمام قولهم له تحليله مجاز عن المنع في المضي واستخدامه فيما يحرم على المحرم فإن قلت قياس ما مر في الممتنعة عن الغسل من نحو الحيض من أنه يغسلها مع النية أو عدمها على ما مر أنه هنا إذا امتنع بحلق رأسه مع النية أو عدمها فلا يجوز له فعل المحظور به قبل ذلك، قلت يفرق بأن الحلق هنا صورة

 

ج / 2 ص -82-         محرم فلم يؤمر بمباشرته بخلاف الغسل ثم. وأفهم كلامه أن له أمره بالذبح، وأن مذبوحه حلال بالنسبة لغير القن وهو ظاهر ولا نظر لبقاء إحرامه؛ لأنهم نزلوا امتناعه منزلة تحلله حتى أبيح للسيد إجباره على فعل المحرمات، وأفهم المتن أن القن ليس له التحلل إلا بعد أمر سيده له به وهو ما اعتمده الإسنوي، وأول عبارة الروضة والمجموع المفهمة لخلافه وليس كما قال بل الذي دل عليه كلامهم أن له التحلل مطلقا بل كان القياس وجوبه عليه لما فيه من الخروج عن المعصية لكن لما كان له شبهة التلبس بالنسك مع شدة لزومه واحتمال أن السيد يأذن له في إتمامه أبيح له البقاء إلى أن يأمره به السيد لوجوبه حينئذ وليس له تحليل مبعض بينهما مهايأة وامتدت نوبته إلى فراغ نسكه ولا من أذن له في حج فاعتمر أو قرن؛ لأنه لم يزد على المأذون له فيه بخلاف من أذن له في عمرة فحج.
"وللزوج تحليلها" أي زوجته ولو أمة أذن لها سيدها "من حج" أو عمرة "تطوع لم يأذن" لها "فيه" لئلا يفوت تمتعه ومن ثم أثمت بذلك بخلاف ما إذا أذن لرضاه بالضرر والتحليل هنا الأمر بالتحلل كما مر في السيد لكنه في الحرة يكون بالذبح مع ما مر في المحصر فإن أبت وطئها والإثم عليها ويفرق بين هذا وحرمة وطء المرتدة بأن حرمة المرتد أقوى؛ لأن الردة تزلزل العصمة وتئول بها إلى الفراق ولا كذلك الإحرام فاندفع ما للرافعي كالإمام هنا وليس لها أن تتحلل حتى يأمرها به؛ لأن الإحرام شديد التشبث والتعلق مع صلاحيتها للمخاطبة بفرضه فلم تقتض حرمة ابتدائه جواز الخروج منه وليس له تحليل رجعية نعم له حبسها كالبائن لانقضاء عدته "وكذا له" تحليلها بشرطه ومنعها "من" الحج والعمرة "الفرض"، وإن كان محرما، وإن طال زمن إحرامه على إحرامها أو كانت صغيرة على ما اقتضاه إطلاقهم، وإن لم تأثم بذلك إذا يسن للحرة استئذانه، وإن أطال جمع في وجوبه "في الأظهر" لأن حقه فوري، والحج على التراخي أي باعتبار الأصل فيهما فلا نظر لتضيقه عليها بنحو خوف عضب على ما اقتضاه إطلاقهم أيضا ولا لامتناع تمتعه لإحرامه أو صغرها وشمل الفرض النذر ما لم يكن قبل النكاح أو بعده بإذنه، والقضاء الذي لزمها لا بسبب من جهته وفي مسائل الزوجة هذه بسط ذكرته أوائل الحاشية فراجعه فإنه مهم.
تنبيه: قضية كلامهم في تفسيرهم التحليل بما ذكر أنه ليس له وطء الأمة ولا الزوجة قبل الأمر بالتحلل في الفرض والنفل ويوجه بأن له قدرة على إخراجها من أصل الإحرام بالأمر بالتحلل فلم يجز له الوطء قبله حتى تمتنع ومع ذلك لو قيل بجوازه حيث حرم الإحرام بغير إذنه لم يبعد؛ لأنها عاصية ابتداء ودواما فليس فعلها محترما، وإن انعقد صحيحا حتى تمنعه من حقه الثابت له قبل ذلك.
"ولا قضاء على المحصر المتطوع" بحصر خاص أو عام، وإن اقترن به فوات الحج إذ لم يرد الأمر به وقد أحصر معه صلى الله عليه وسلم في الحديبية ألف، وأربعمائة ولم يعتمر منهم معه في عمرة القضية في العام القابل إلا بعضهم. أكثر ما قيل إنهم سبعمائة فعلم أن تلك العمرة لم تكن قضاء ومعنى القضية المقاضاة أي الصلح الذي وقع في الحديبية ولا يرد عليه أن

 

ج / 2 ص -83-         المحصر يلزمه القضاء في صور بأن أخر التحلل من الحج مع إمكانه من غير رجاء أمن حتى فاته أو فاته ثم أحصر أو زال الحصر والوقت باق ولم يتحلل ومضى في النسك ففاته أو سلك طريقا آخر مساويا للأول ففاته الوقوف وذلك؛ لأن القضاء في هذه كلها للفوات لا للحصر "فإن كان" ما أحصر عن إتمامه حصرا عاما أو خاصا كما أطلقوه "فرضا مستقرا" عليه كحجة الإسلام بعد أولى سني الإمكان وكنذر قدر عليه قبل عام الحصر ومثلهما قضاء ونذر معين في عام الحصر "بقي في ذمته" كما لو شرع في صلاة مفروضة ولم يتمها "أو" فرضا "غير مستقر" كحجة الإسلام في أولى سني الإمكان "اعتبرت" في استقرار عليه "الاستطاعة بعد" أي بعد زوال الإحصار نعم الأولى له إن بقي من الوقت ما يسع الحج أن يحرم ولا يجب، وإن استقر الوجوب بمضيه لكن بحث الأذرعي في بعيد الدار إذا غلب على ظنه أنه لو أخر عجز عن الحج فيما بعد أنه يلزمه الإحرام به في هذا العام. "ومن فاته الوقوف" بعذر أو غيره "تحلل" فورا أو وجوبا لئلا يصير محرما بالحج في غير أشهره مع كونه لم يتحصل منه على المقصود إذ الحج عرفة كما مر فلو استمر على إثمه ببقاء إحرامه إلى العام القابل لم يجزئه؛ لأن إحرام سنة لا يصلح لإحرام سنة أخرى قال الأذرعي لا نعلم أحدا قال بالجواز إلا رواية عن مالك رضي الله عنه ثم إن لم يمكنه عمل عمرة تحلل بما مر في المحصر، وإن أمكنه وجب وله تحللان أولهما يحصل بواحد من الحلق أو الطواف المتبوع بالسعي إن لم يقدمه وسقط الرمي بفوات الوقوف وثانيهما يحصل "بطواف وسعي" بعده، إن لم يكن سعى بعد القدوم كما في المجموع "وحلق" مع نية التحلل بها لما صح عن عمر رضي الله عنه أنه أفتى بذلك فأمر من فاتهم الحج أن يطوفوا ويسعوا وينحروا إن كان معهم هدي ثم يحلقوا أو يقصروا ثم يحجوا من قابل ويهدوا فمن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج أي بعد الإحرام بالقضاء كما مر وسبعة إذا رجع إلى أهله واشتهر ذلك ولم ينكره أحد فكان إجماعا. وأفهم المتن والأثر أنه لا يلزمه مبيت بمنى ولا رمي وما أتى به لا ينقلب عمرة؛ لأن إحرامه انعقد بنسك فلا ينصرف لغيره وقيل ينقلب ويجزئه عن عمرة الإسلام "وفيهما" أي السعي والحلق "قول" إنه لا يحتاج إليهما؛ لأن السعي يجوز تقديمه عقب طواف القدوم فلا دخل له في التحلل والحلق استباحة محظور "وعليه دم" ومر الكلام فيه "و" عليه إن لم ينشأ الفوات من الحصر "القضاء" للتطوع فورا لأثر عمر رضي الله تعالى عنه المذكور بهما ولأنه لا يخلو عن تقصير ومن ثم لم يفرقوا في وجوب الفورية بين المعذور وغيره بخلاف الإحصار. أما الفرض فهو باق في ذمته كما كان من توسع وتضيق كما في الروضة، وأصلها، وإن نوزع فيه.
تنبيه: هل يلزمه الإحرام بالقضاء من مكان الإحرام بالأداء على التفصيل السابق في قضاء الفاسد أو يفرق بأن التقصير في الإفساد أظهر منه في الفوات أو يفرق بين التفويت فيكون كالإفساد لتساويهما في تمام التعدي والفوات فلا يلزمه إلا من ميقات طريقه ولا يراعي الفائت كل محتمل والأقرب إلى كلامهم الأول بإطلاقه ثم رأيت المجموع قال عن الأصحاب وعلى القارن القضاء قارنا ويلزمه ثلاثة دماء دم الفوات ودم القران الفائت

 

ج / 2 ص -84-         ودم ثالث للقران المأتي به في القضاء ولا يسقط هذا عنه بالإفراد في القضاء؛ لأنه توجه عليه القران ودمه فلا يسقط بتبرعه بالإفراد. ا هـ. فافهم ذلك أنه يتعين مراعاة ما كان عليه إحرامه في الأداء فلو أحرم به من الحليفة ففات ثم أتى على قرن لزمه أن يحرم من مثل مسافة الحليفة ويؤيده توجيههم رعاية ذلك في الإفساد بأن الأصل في القضاء أن يحكي الأداء وهذا بعينه موجود في صورة الفوات ولا نظر للفرق السابق بمزيد التعدي بالإفساد لما مر أن الفوات لا يخلو عن تقصير، وأما إذا نشأ الفوات عن الحصر كأن أحصر فسلك طريقا آخر ففاته لصعوبة الطريق أو طوله وقد ألجأه نحو العدو إلى سلوكها أو صابر الإحرام متوقعا زوال الحصر فلم يزل حتى فات الحج فتحلل بعمل عمرة لم يقض؛ لأنه بذل ما في وسعه كالمحصر مطلقا والله تعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.