تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 2 ص -85-         كتاب البيع
قيل أفرده لإرادته نوعا منه هو بيع الأعيان ويرد بأن إفراده هو الأصل إذ هو مصدر، وإرادة ذاك تعلم من إفراده السلم بكتاب مستقل، وهو لغة مقابلة شيء بشيء وشرعا: عقد يتضمن مقابلة مال بمال بشرطه الآتي لاستفادة ملك عين أو منفعة مؤبدة، وهو المراد هنا، وقد يطلق على قسيم الشراء فيحد بأنه نقل ملك بثمن على وجه مخصوص والشراء بأنه قبوله على أن لفظ كل يقع على الآخر، وأركانه عاقد ومعقود عليه وصيغة. ولقوة الخلاف فيها بدأ بها، وإن تقدما عليها طبعا معبرا عنها بالشروط مجازا فقال:
 "شرطه" الذي لا بد منه لوجود صورته الشرعية في الوجود ولو في بيع ماله لولده وكذا في البيع الضمني لكن تقديرا كأعتق عبدك عني بألف فيقبل فإنه يعتق به كما يذكره في الكفارة لتضمنه البيع، وقبوله فلا يرد "الإيجاب" من البائع ولو هزلا، وهو صريحا ما دل على التمليك دلالة قوية مما اشتهر وتكرر على ألسنة حملة الشرع وستأتي الكناية لقوله تعالى
{إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: من الآية29] مع الحديث الصحيح: "إنما البيع عن تراض"، وهو خفي فأنيط بظاهر هو الصيغة فلا ينعقد بالمعاطاة. وهي أن يتراضيا بثمن ولو مع السكوت منهما واختار المصنف كجمع انعقاده بها في كل ما يعده الناس بها بيعا وآخرون في محقر كرغيف، والاستجرار من بياع باطل اتفاقا أي إلا إن قدر الثمن في كل مرة على أن الغزالي سامح فيه بناء على جواز المعاطاة وعلى الأصح لا مطالبة بها أي من حيث المال بخلاف تعاطي العقد الفاسد إذا لم يوجد له مكفر كما هو ظاهر في الآخرة للرضا وللخلاف فيها ويجري خلافها في سائر العقود المالية ثم الصريح هنا "كبعتك" وما اشتق منه ذا بكذا، وهو لك بكذا على أحد احتمالين ثانيهما، وهو المعتمد أنه كناية، وعلى الأول يفرق بينه وبين جعلته لك الآتي بأن الجعل ثم محتمل، وهنا لا احتمال "وملكتك" ووهبتك ذا بكذا وكونهما صريحين في الهبة إنما هو عند عدم ذكر ثمن وفارق أدخلته في ملكك فإنه كناية باحتماله الملك الحسي وشريت وعوضت ورضيت واشتر مني ونحو نعم، وإي بالكسر وفعلت جوابا لقول المشتري بعت وكذا بعني لكن نحو بعت لا يغني عن قبول المشتري تقدم أو تأخر بخلاف بعني ولك علي وبعتك ولي عليك وعلى أن لي عليك أو على أن تعطيني كذا إن نوى به الثمن واستفيد من كاف الخطاب أنه لا بد في غير نحو نعم. ومسألة المتوسط الآتية منه كرضيت لك هذا بكذا ولو في نحو وكيل ومن إسناده لجملة المخاطب فلا يكفي بعت موكلك ولا نحو يدك أو نصفك بخلاف نحو نفسك والفرق بين هذا ونحو الكفالة واضح، ولو باع ماله لولده محجوره لم يتأت هنا خطاب بل يتعين بعته لابني، وقبلت له "والقبول من المشتري"، وهو صريحا ما دل على التملك دلالة قوية كما مر "كاشتريت" وما اشتق منه ويغتفر نحو فتح التاء، وإبدال الكاف ألفا من العامي

 

ج / 2 ص -86-         "وتملكت، وقبلت" وابتعت واخترت ونحو نعم وفعلت جوابا لقول البائع اشتريت؛ لأنها بعد الالتماس جواب بخلافها بعد اشتريت منك أو بعتك ورضيت ومع صراحتها يصدق في قوله لم أقصد بها جوابا وبحث شارح أنه لا بد هنا من نظير ما يأتي في الطلاق من قصد اللفظ لمعناه بقيده الآتي ثم واعتمده غيره، وأجراه في سائر العقود.
تنبيه: اختلف أصحابنا في السبب القولي كصيغ العقود والحلول، وألفاظ الأمر والنهي هل يوجد المسبب كالملك هنا عند آخر حرف من حروف أسبابها أو عقبها على الاتصال أو يتبين بآخره حصوله من أوله قال ابن عبد السلام والمختار عند الأشعرية وحذاق أصحابنا الأول، وقال الرافعي الأكثرون على الثاني، وأجروا الخلاف في السبب الفعلي، وقد حكى الرافعي وجهين في التحريم بالرضاع هل هو مع الرضعة الخامسة أو عقبها هذا حاصل ما ذكره الزركشي في موضع وذكر في آخر أنه إذا تعلق الحكم بعدد أو ترتب على متعدد هل يتعلق بالجميع أو بالآخر قال وكذا لو وقع عقب جملة مركبة من أجزاء أو ترتب على لفظ ثم ذكر احتمالا أن الخلاف هنا لفظي؛ لأن الجزء الأخير متوقف الوجود على ما قبله فلما قبله دخل على كل تقدير ثم رده بأنه معنوي وبأن المعزو لمذهبنا أن المؤثر هو المجموع أي غالبا لذكره فروعا تخالفه والوجه كما يشير إليه بعض كلامه حمل ما في هذه على حكم مترتب على سبب مركب من أسباب متعاقبة إذ من مثلها الخلاف بيننا وبين الحنفية في السكر بالقدح العاشر فنحن نسنده للكل، وهم للأخير فلا يجب الحد بما قبله وحينئذ لا ينافي هذا ما تقرر أولا لأنه في سبب واحد لا تركب فيه والفرق حينئذ متجه؛ لأن هذا لاتحاده جرت فيه أوجه ثلاثة، والأول لتركبه لم يجر فيه إلا وجهان وكان الأصح أن المؤثر المجموع؛ لأن هذا هو شأن الأسباب المجتمعة فتأمله فإن كلامه في الموضعين ومثلهما ظاهر في التناقض لولا تأويله بما ذكرته. المعلوم منه أن ترتبه على الأخير فقط في مثل كثيرة هنا إنما هو لمدرك يخصه كما يعلمه من أمعن تأمله فيه.
"ويجوز تقدم لفظ المشتري" ولو بقبلت بيع هذا منك بكذا لصحة معناها حينئذ بخلاف فعلت ونحو نعم إلا في مسألة المتوسط للاكتفاء بها فيها منهما وظاهر أنه لا يشترط فيه أهلية البيع "ولو قال بعني" أو اشتر مني هذا بكذا "فقال بعتك" أو اشتريت "انعقد البيع في الأظهر" لدلالته على الرضا فلا يحتاج بعده لنحو اشتريت أو بعتك واحتماله لاستبانة الرغبة بعيد بخلاف بعتني وتبيعني واشتريت مني وتشتري مني ونحو اشتريت منك إذا تقدم لا خلاف في صحته "وينعقد" البيع من غير السكران الذي لا يدري؛ لأنه ليس من أهل النية على كلام يأتي فيه في الطلاق "بالكناية" مع النية مقترنة بنظير ما يأتي ثم والفرق بينهما فيه نظر ولا تغني عنها القرائن، وإن توفرت، وهي ما يحتمل البيع وغيره "كجعلته لك" أو خذه ما لم يقل بمثله، وإلا كان صريح قرض كما يأتي أو تسلمه، وإن لم يقل مني أو باعك الله أو سلطتك عليه وكذا بارك الله لك فيه في جواب بعنيه وليس منها أبحتكه ولو مع ذكر الثمن كما اقتضاه إطلاقهم؛ لأنه صريح في الإباحة مجانا لا غير فذكر الثمن مناقض له وبه يفرق بينه وبين صراحة وهبتك هنا؛ لأن الهبة قد تكون بثواب، وقد تكون مجانا فلم

 

ج / 2 ص -87-         ينافها ذكر الثمن بخلاف الإباحة وإنما كان لفظ الرقبى والعمرى كناية بل صريحا عند بعضهم؛ لأنه يرادف الهبة لكنه ينحط عنها بإيهامه المحذور المشعر به لفظه بخلاف الإباحة "بكذا" لا يشترط ذكره بل تكفي نيته على ما فيه مما بينته في شرح الإرشاد، وإنما انعقد بها مع النية "في الأصح" مع احتمالها قياسا على نحو الإجارة والخلع وذكر الثمن أو نيته بتقدير الاطلاع عليها منه يغلب على الظن إرادة البيع فلا يكون المتأخر من العاقدين قابلا ما لا يدريه ولا ينعقد بها بيع أو شراء وكيل لزمه إشهاد عليه بقول موكله له بع بشرط أو على أن تشهد بخلاف بع، وأشهد ما لم تتوفر القرائن المفيدة لغلبة الظن وفارق النكاح بأنه يحتاط له أكثر والكتابة لا على مائع أو هواء كناية فينعقد بها مع النية ولو لحاضر فليقبل فورا عند علمه ويمتد خيارهما لانقضاء مجلس قبوله.
تنبيه: سيأتي عن المطلب في الطلاق في بحث التعليق بالمشيئة أن نحو البيع بلا رضا ولا إكراه يقطع بعدم حله وحمله الأذرعي على البيع لنحو حياء أو رغبة في جاه المشتري أي أو مصادرة بخلافه لضرورة نحو فقر أو دين فيحل باطنا قطعا، وظاهر كلام الخادم الميل لانعقاده باطنا مطلقا.
"ويشترط أن لا يتخلل" لفظ لا تعلق له بالعقد بأن لم يكن من مقتضاه ولا من مصالحه ولا من مستحباته من المطلوب جوابه ولو كلمة إلا نحو قد "و" أن "لا يطول الفصل بين لفظيهما" أو إشارتيهما أو كتابتيهما أو لفظ أحدهما وكتابة أو إشارة الآخر أو كتابة أحدهما، وإشارة الآخر والعبرة في التخلل في الغائب بما يقع منه عقب علمه أو ظنه بوقوع البيع له كما هو ظاهر بسكوت مريد الجواب أو كلام من انقضى لفظه بحيث يشعر بالإعراض، وإن كان لمصلحة ولشائبة التعليق أو الجعالة في الخلع اغتفر فيه اليسير مطلقا ولو أجنبيا ويظهر أنه يضر هنا سكوته اليسير إذا قصد به القطع أخذا مما مر في الفاتحة، ويحتمل الفرق "وأن" يذكر الثمن المبتدئ ولا تكفي نيته إلا في الكناية على ما مر، وأن تبقى أهليتهما، وأن يغير شيئا مما تلفظ به إلى تمام الشق الآخر، وأن يكون تكلم كل بحيث يسمعه من بقربه عادة، وإن لم يسمعه الآخر، وإلا لم يصح، وإن حملته الريح إليه، وأن يتمم المخاطب لا وكيله أو موكله أو وارثه ولو في المجلس، وأن لا يوقت ولو بنحو حياتك أو ألف سنة الأوجه ويفرق بينه وبين النكاح على ما يأتي فيه بأن البيع لا ينتهي بالموت بخلاف النكاح ولا يعلق إلا بالمشيئة في اللفظ المتقدم كبعتك إن شئت فيقول اشتريت مثلا لا شئت إلا إن نوى به الشراء والأوجه صحة إن شئت بعتك بخلاف بعتكما إن شئتما وبعتك إن شئت بعد اشتريت منك، وإن قبل بعده أو قال شئت؛ لأن ذلك تعليق محض كشئت ومرادفها كأحببت ورضيت ويظهر امتناع ضم التاء من النحوي مطلقا لوجود حقيقة التعليق فيه وبالملك كأن كان ملكي فقد بعتكه ونحوه إن كنت أمرتك بعشرين فقد بعتكها بها كما يأتي آخر الوكالة، وإن كان وكيلي اشتراه لي فقد بعتكه، وقد أخبر به وصدق المخبر؛ لأن إن حينئذ بمعنى إذ نظير ما يأتي في النكاح، ويصح بعتك هذا بكذا على أن لي نصفه؛ لأنه بمعنى إلا نصفه. وأن "يقبل على وفق الإيجاب" في المعنى، وإن اختلف لفظهما صريحا وكناية

 

ج / 2 ص -88-         "فلو قال بعتك بألف مكسرة" أو مؤجلة "فقال قبلت بألف صحيحة" أو حالة أو إلى أجل أقصر أو أطول أو بألفين أو ألوف أو قبلت نصفه بخمسمائة "لم يصح" كعكسه المذكور بأصله بالأولى؛ لأنه قبل غير ما خوطب به نعم في قبلت نصفه بخمسمائة ونصفه بخمسمائة الذي يتجه أنه إن أراد تفصيل ما أجمله البائع صح لا إن أطلق لتعدد العقد حينئذ فيصير قابلا لغير ما خوطب به وفي بعتك هذا بألف، وهذه بمائة فقبل أحدهما بعينه تردد والذي يتجه الصحة؛ لأن كلا عقد مستقل فهو كما لو جمع بين بيع ونكاح مثلا ثم رأيت القاضي قال الظاهر الصحة. "وإشارة الأخرس بالعقد" المالي وغيره وبالحل وبالحلف والنذر وغيرها إلا ما يأتي "كالنطق" به من غيره للضرورة ثم إن فهمها الفطن وغيره فصريحة أو الفطن وحده فكناية كما سيذكره في الطلاق، وإذا كانت كناية تعذر بيعه مثلا بها باعتبار الحكم عليه به ظاهرا كما هو ظاهر إذ لا علم بنيته وتوفر القرائن لا يفيد كما مر اللهم إلا أن يقال إنه يكفي هنا نحو كتابة أو إشارة بأنه نوى للضرورة وزاد بالعقد ولم يبال بإيهام الاختصاص به لما سيذكره ثم احترازا من وقوعها في الصلاة والشهادة وبعد الحلف على عدم الكلام فليست كالنطق ومن ثم صح نحو بيعه بها في صلاته ولم تبطل. "وشرط العاقد" البائع والمشتري الإبصار كما سيذكروه و "الرشد" يعني عدم الحجر عليه ليشمل من بلغ مصلحا لدينه وماله ثم استمر أو فسق بعد بل أو بذر ولم يحجر عليه ومن جهل رشده فإن الأوجه صحة عقده كمن جهل رقه وحريته؛ لأن الغالب عدم الحجر كالحرية نعم لو ادعى والد بائع بقاء حجره عليه صدق بيمينه كما هو ظاهر خلافا لبعضهم لأصل دوامه حينئذ نعم ينبغي فيمن اشتهر رشده عدم سماع دعواه حينئذ ومن حجر عليه بفلس إذا عقد في الذمة بخلاف صبي، وإن راهق، وقصد اختبار رشده واختيار صحة ما اعتيد من عقد المميزين لا يعول عليه ومجنون، وقن بلا إذن ومحجور عليه بسفه مطلقا أو فلس بالنسبة لبيع عين ماله وإنما صح بيع العبد من نفسه؛ لأن مقصوده العتق ويصح بيع السكران المتعدي مع كونه غير مكلف ولوروده على مفهوم قول أصله التكليف كالسفيه على منطوقه أبدله بالرشد ليشمله بالمعنى الذي قررته ولا يرد عليه من زال عقله بما لا يأثم به فإنه ملحق بالمحجور عليه. "قلت وعدم الإكراه بغير حق" فلا يصح عقد مكره في ماله بغير حق لعدم الرضا وليس منه خلافا لمن زعمه قول مجبر لها لا أزوجك إلا إن بعتني مثلا كذا بخلافه بحق كأن أكره قنه عليه أو تعين بيع ماله لوفاء دينه أو شراء مال أسلم إليه فيه فأجبره الحاكم عليه بالضرب وغيره، وإن صح بيع الحاكم له لتقصيره ومن أكره غيره ولو بباطل على بيع مال نفسه صح منه؛ لأنه أبلغ في الإذن ويصح بيع المصادر مطلقا إذ لا إكراه ظاهرا.
"ولا يصح شراء" يعني تملك "الكافر" ولو مرتدا لنفسه بنفسه أو بوكيله ولو مسلما "المصحف" يعني كما هو ظاهر ما فيه قرآن، وإن قل، وإن كان ضمن نحو تفسير أو علم أو على نحو ثوب أو جدار ما عدا النقد للحاجة ومن ثم لو اشترى دارا بسقفها قرآن بطل البيع فيما عليه قرآن وصح في الباقي تفريقا للصفقة ومثله الحديث أي ما هو فيه ولو

 

ج / 2 ص -89-         ضعيفا فيما يظهر؛ لأنهما أولى من الآثار الآتية وكتب العلم التي فيها آثار السلف وذلك لتعريضها للامتهان وبحث أن كل علم شرعي أو آلة له كذلك ويكره لغير حاجة بيع المصحف دون شرائه "و" لا تملك الكافر ولو بوكيله "المسلم" ولو بنحو تبعية والمرتد أو بعض أحدهما، وإن قل ولو بشرط العتق "في الأظهر" لما فيه من إذلال المسلم وألحق به المرتد لبقاء علقة الإسلام فيه ففي تمكين الكافر منه إزالة لها "إلا أن يعتق" أي يحكم بعتقه ظاهرا "عليه" بدخوله في ملكه كبعضه ومن أقر أو شهد بحريته ومن قال لمالكه أعتقه عني، وإن لم يذكر عوضا؛ لأن الهبة كالبيع "فيصح" بالرفع لفساد معنى النصب "في الأصح" شراؤه لانتفاء إذلاله بعتقه. "ولا" تملك الذمي بغير دارنا وكذا بها إن خشي إرساله إليهم على ما بحث ويرده ما يأتي في جعل الحديد سلاحا فالمتجه أنه مثله ولا تملك "الحربي" ولو مستأمنا "سلاحا"، وهو هنا كل نافع في الحرب ولو درعا وفرسا بخلافه في صلاة الخوف لاختلاف ملحظ المحلين أو بعضه؛ لأنه يستعين به على قتالنا فالمنع منه لأمر لازم لذاته فألحق بالذاتي في اقتضاء المنع فيه الفساد بخلاف الذمي بدارنا؛ لأنه في قبضتنا والباغي، وقاطع الطريق أي لسهولة تدارك أمرهما، وأصل السلاح كالحديد لاحتمال أن يجعل غير سلاح فإن ظن جعله سلاحا حرم وصح كبيعه لباغ أو قاطع طريق "والله أعلم". وللكافر التوكل في شراء كل ما مر لمسلم صرح به أو نواه ويجوز بلا كراهة ارتهان واستيداع واستعارة المسلم نحو المصحف وبكراهة إيجار عينه، وإعارته، وإيداعه لكن يؤمر بوضع المرهون عند عدل وينوب عنه مسلم في قبض المصحف؛ لأنه محدث وبإيجار المؤجر لمسلم كما يؤمر بإزالة ملكه ولو بنحو وقف على غير كافر أو بكتابة القن عمن أسلم في يده أو ملكه قهرا بنحو إرث أو اختيارا بنحو فسخ أو إقالة أو رجوع أصل واهب أو مقرض فإن امتنع من رفع ملكه باعه الحاكم عليه فإن لم يجد مشتريا استكسب له عند ثقة وكذا مستولدته ومدبره قبل إسلامه ويتجه إلحاق معلق العتق به، والأوجه إجباره على قبول فداء أجنبي لها بمساوي قيمتها، وكذا لو تمحض الرق فيما يظهر لا على قبول فداء القن لنفسه؛ لأنه لا يملك فيتأخر العوض.
"وللمبيع" يعني المعقود عليه ولو ثمنا "شروط" خمسة ويزيد الربوي بما يأتي فيه ولا يرد نحو جلد الأضحية وحريم الملك وحده للعجز عن تسليمهما شرعا قبل الملك يغني عن الطهارة؛ لأن نجس العين لا يملك. ا هـ. ويرد بأن إغناءه عنها لا يستدعي عدم ذكرها لإفادته تحرير محل الخلاف والوفاق مع الإشارة لرد ما عليه المخالف من عدم اشتراطها من أصلها.
أحدها "طهارة عينه" شرعا، وإن غلبت النجاسة في مثله، وأراد بطهارة العين طهارتها بالفعل أو الإمكان لما يذكره في المتنجس "فلا يصح بيع الكلب" ولو معلما "والخمر" يعني المسكر وسائر نجس العين ونحوه كمشتبهين لم تظهر طهارة أحدهما بنحو اجتهاد لصحة النهي عن ثمن الكلب، وأن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، وقول الجواهر لا يصح بيع لبن الرجل إذ لا يحل شربه بحال مردود بأنه مبني على الضعيف أنه

 

ج / 2 ص -90-         نجس "والمتنجس الذي لا يمكن تطهيره" بالغسل "كالخل واللبن وكذا الدهن في الأصح" لتعذر تطهيره كما مر بدليله، وأعاده هنا ليبين جريان الخلاف في صحته بناء على إمكان تطهيره، وإن كان الأصح منه أنه لا يصح فلا تكرار خلافا لمن زعمه وكماء تنجس، وإمكان طهر قليله بالمكاثرة وكثيره بزوال التغير كإمكان طهر الخمر بالتخلل وجلد الميتة بالاندباغ وكأجر عجن بزبل لا دار بنيت به ؛ لأنه فيها تابع لا مقصود، وأرض سمدت بنجس ولا قن عليه وشم، وإن وجبت إزالته وما يطهره الغسل كثوب تنجس بما لا يستر شيئا منه ويصح بيع القز وفيه الدود ولو ميتا؛ لأنه من مصلحته.
"الثاني النفع" به شرعا ولو مآلا كجحش صغير؛ لأن بذل المال في غيره سفه وآخذه آكل له بالباطل "فلا يصح بيع الحشرات"، وهي صغار دواب الأرض كفأرة ولا عبرة بمنافعها المذكورة في الخواص ويستثنى نحو يربوع وضب مما يؤكل ونحل ودود قز وعلق لمنفعة امتصاص الدم "ولا" بيع "كل" طير و "سبع لا ينفع" لنحو صيد أو قتال أو حراسة كالفواسق الخمس، وأسد وذئب ونمر لا يرجى تعلمه الصيد لكبره مثلا بخلاف نحو فهد لصيد ولو بأن يرجى تعلمه له وفيل لقتال، وقرد لحراسة، وهرة أهلية لدفع نحو فأر ونحو عندليب للأنس بصوته وطاوس للأنس بلونه، وإن زيد في ثمنه لأجل ذلك أما الهر الوحشي فلا يصح بيعه إلا إن كان فيه منفعة كهر الزباد، وقدر على تسليمه بحبسه أو ربطه مثلا. "ولا" بيع "حبتي" نحو "الحنطة" أو الزبيب ونحو عشرين حبة خردل وغير ذلك من كل ما لا يقابل بمال عرفا في حالة الاختيار لانتفاء النفع بذلك لقلته ومن ثم لم يضمن، وإن حرم غصبه ووجب رده وكفر مستحله وعده مالا يضمه لغيره أو لنحو غلاء لا أثر له كالاصطياد بحبة في فخ "وآلة اللهو" المحرم كشبابة وطنبور وصنم وصورة حيوان ولو من ذهب وكتب علم محرم إذ لا نفع بها شرعا نعم يصح بيع نرد صلح من غير كبير كلفة فيما يظهر بيادق للشطرنج كجارية غناء محرم وكبش نطاح، وإن زيد في ثمنهما لذلك؛ لأن المقصود أصالة الحيوان. "وقيل يصح في الآلة" أي بيعها "إن عد رضاضها مالا" ويرده أنها ما دامت بهيئتها لا يقصد منها غير المعصية وبه فارقت صحة بيع إناء النقد قبل كسره، وإنما لم يصح بيع صنم من نقد مطلقا؛ لأنه لا يباح بحال وصح بيع النقد الذي عليه الصور؛ لأنها غير مقصودة منه بوجه والمراد ببقائها بهيئتها أن تكون بحالة بحيث إذا أريد منها ما هي له لا تحتاج لصنعة وتعب أخذا مما يأتي في الغصب فتعبير بعضهم هنا يحل بيع المركبة إذا فك تركيبها يتعين حمله على فك لا تعود بعده لهيئتها إلا بما ذكرناه وفي إلحاق الصليب به أو بالصنم تردد ويتجه الثاني إن أريد به ما هو من شعارهم المخصوصة بتعظيمهم، والأول إن أريد به ما هو معروف "ويصح بيع الماء على الشط والتراب بالصحراء" ممن حازهما "في الأصح" لظهور النفع فيهما، وإن سهل تحصيل مثلهما ولو اختصا بوصف زائد صح قطعا ويصح بيع نصف دار شائع بمثله الآخر ومن فوائده منع رجوع الوالد أو بائع المفلس.
فرع: من المنافع شرعا حق الممر بأرض أو على سطح وجاز كما يأتي في الصلح تملكه بالعوض على التأبيد بلفظ البيع مع أنه محض منفعة إذ لا تملك به عين للحاجة إليه

 

ج / 2 ص -91-         على التأبيد ولذا جاز ذلك بلفظ الإجارة أيضا دون ذكر مدة ولا يصح بيع بيت أو أرض بلا ممر بأن احتف من جميع الجوانب بملك البائع أو كان له ممر ونفاه أو بملك المشتري أو غيره لعدم الانتفاع به حالا، وإن أمكن اتخاذ ممر له بعد ويفرق بينه وبين ما مر في الجحش الصغير بأن هذا صالح للانتفاع به حالا فلم يكتف فيه بالإمكان بخلاف ذاك وفارق ما ذكر أولا ما لو باع دارا واستثنى لنفسه بيتا منها فإن له الممر إليه إن لم يتصل البيت بملكه أو شارع فإن نفاه صح إن أمكن اتخاذ ممر، وإلا فلا بأن هذه استدامة ملكه وتلك فيها نقل له ويغتفر في الاستدامة ما لا يغتفر في الابتداء، وإذا بيع عقار وخصص المرور إليه بجانب اشترط تعيينه فلو احتف بملكه من كل الجوانب وشرط للمشتري حق المرور إليه من جانب لم يعينه بطل لاختلاف الغرض باختلاف الجوانب فإن لم يخصص بأن شرطه من كل جانب أو قال بحقوقها أو أطلق البيع ولم يتعرض للممر صح ومر إليه من كل جانب نعم في الأخيرة محله إن لم يلاصق الشارع أو ملك المشتري وإلا مر منه فقط وظاهر قولهم فإن له الممر إليه أنه لو كان له ممران تخير البائع، وقضية كلام بعضهم تخير المشتري وله اتجاه فإن القصد مرور البائع لملكه، وهو حاصل بكل منهما. وظاهر أن محله إن استويا سعة ونحوها، وإلا تعين ما لا ضرر فيه ويؤخذ من هذا، وقولهم لاختلاف الغرض باختلاف الجوانب أن من له حق المرور في محل معين من ملك غيره لو أراد غيره نقله إلى محل آخر منه لم يجز إلا برضا المستحق، وإن استوى الممران من سائر الوجوه؛ لأن أخذه بدل مستحقه معاوضة وشرطها الرضا من الجانبين ثم رأيت بعضهم أفتى بذلك فيمن له مجرى في أرض آخر فأراد الآخر أن ينقله إلى محل آخر منها مساو للأول من كل وجه ولما نقل الغزي إفتاء الشيخ تاج الدين فيمن له طريق بملك غيره فأراد المالك نقلها لموضع لا يضر بالجوار ونظر فيه قال الأمر كما قال من النظر ثم استدل للنظر ولو اتسع الممر بزائد على حاجة المرور فهل للمالك تضييقه بالبناء فيه؛ لأنه لا ضرر حالا على المار أولا لأنه قد يزدحم فيه مع من له المرور غيره من المالك أو مار آخر كل محتمل والذي يظهر الجواز إن علم أنه لا يحصل للمار تضرر بذلك التضييق، وإن فرض الازدحام فيه، وإلا فلا.
"الثالث إمكان" يعني قدرة البائع حسا وشرعا على "تسليمه" للمشتري من غير كبير كلفة واقتصر عليه هنا؛ لأنه محل وفاق وسيذكر محل الخلاف، وهو قدرة المشتري على تسلمه ممن هو عنده وذلك لتوقف الانتفاع به على ذلك ولا ترد صحته في نحو نقد يعز وجوده لصحة الاستبدال عنه كما يأتي وفي بيع نحو مغصوب وضال ممن يعتق عليه أو بيعا ضمنيا لقوة العتق مع أنه يغتفر في الضمني ما لا يغتفر في غيره "فلا يصح بيع الضال" كبعير ند وطير سائب غير نحل ونحل ليست أمه في الكوارة ونحو سمك ببركة واسعة يتوقف أخذه منها على كبير كلفة عرفا "والآبق"، وإن عرف محله ويختص بالآدمي "والمغصوب" ولو لمنفعة العتق للعجز عن تسليمها وتسلمها حالا لوجود حائل بينه وبين الانتفاع مع إمكانه فلا ترد صحة شراء الزمن لمنفعة العتق. "فإن باعه" أي المغصوب ومثله الآخران أو

 

ج / 2 ص -92-         ما ذكر فيشمل الثلاثة "لقادر على انتزاعه" أو رده "صح على الصحيح" حيث لا مؤنة لها وقع تتوقف قدرته عليها لتيسر وصوله إليه حينئذ ولو جهل القادر نحو غصبه عند البيع واحتاج لمؤنة أو لا؛ لأنه يغتفر عند الجهل ما لا يغتفر عند العلم أو طرأ عجزه بعده تخير للاطلاع على العيب في الأولى وحدوثه قبل القبض في الثانية فإن اختلفا في العجز حلف المشتري ولو قال كنت أظن القدرة فبان عدمها حلف وبأن عدم انعقاد البيع.
"ولا يصح بيع" ما يعجز عن تسليمه أو تسلمه شرعا كجذع في بناء وفص في خاتم و "نصف" مثلا "معين" خرج الشائع لانتفاء إضاعة المال عنه "من الإناء والسيف" ولو حقيرين لبطلان نفعهما بكسرهما "ونحوهما" مما تنقص قيمته أو قيمة الباقي بكسره أو قطعه نقصا يحتفل بمثله كثوب غير غليظ وكجدار أو أسطوان فوقه شيء أو كله قطعة واحدة من نحو طين أو خشب أو صفوف من لبن أو آجر ولم تجعل النهاية صفا واحدا إذ نقص الباقي حينئذ من جهة انفراده كأحد زوجي الخف، وهو لا يؤثر لإمكان استدراكه وكخشبة معينة من سفينة وجزء معين من حي لا مذكى وذلك للعجز عن تسليم كل ذلك شرعا لتوقفه على ما ينقص ماليته، وقد نهينا عن إضاعة المال وفارق بيع نحو أحد زوجي الخف وذراع معين من أرض لإمكان بل سهولة تدارك نقصهما إن فرض ضيق مرافق الأرض بالعلامة.
تنبيه: هل يضبط الاحتفال هنا بما في نحو الوكالة والحجر من اغتفار واحد في عشرة لا أكثر إلى آخر ما يأتي أو يقال الأمر هنا أوسع ويفرق بأن الضياع هناك محقق فاحتيط له بخلافه هنا كل محتمل، وهل المراد النقص بالنسبة لمحل العقد، وإن خالف سعره سعر بقية أمثاله من البلد أو بالنسبة لأغلب محالها كل محتمل أيضا ولو قيل في الأولى بالأول، وفي الثانية بالثاني لم يبعد.
"ويصح" البيع للبعض المعين "في الثوب الذي لا ينقص بقطعه" كغليظ الكرباس "في الأصح" وفي النفيس بطريقة هي مواطأتهما على شراء البعض ثم يقطع البائع ثم يعقدان فيصح اتفاقا واغتفر له القطع مع كونه نقصا واحتمال أن لا يقع شراء لأنه لم يلجأ إليه بعقد، وإنما فعل رجاء الربح وبينهما فرق "ولا" يصح بيع عين تعلق بها حق يفوت بالبيع لله تعالى كماء تعين للطهر أو لآدمي كثوب استحق الأجير حبسه لقبض أجرة قصره مثلا أو إتمام العمل فيه وكأرض أذن مالكها في زرعها فحرثها المأذون له، وقلع شجرها، وأقام زبرها فلا يصح بيع المالك لها ولا رهنها قبل إرضائه في عمله بإعطائه مقابله، وهو ما زاد من القيمة بسببه كما هو ظاهر، وذلك لتعذر الانتفاع بها بدون ذلك العمل المحترم المتعلق بها ونحو "المرهون" جعلا بعد القبض أو شرعا من غير مرتهنه "بغير إذن مرتهنه ولا" القن "الجاني المتعلق برقبته مال" لكونه جنى خطأ أو شبه عمد أو عمدا وعفي على مال أو أتلف مالا أو أتلف ما سرقه مثلا لغير المجني عليه بغير إذنه كما أرشد إليه ما قبله "في الأظهر" لتعلق حقهما بالرقبة ومحل الثاني إن بيع لغير غرض الجناية ولم يفده السيد ولم يختر فداءه، وهو موسر والأصح انتقال الحق لذمته في الأخيرة، وإن جاز له الرجوع

 

ج / 2 ص -93-         ما دام القن باقيا بملكه على أوصافه فإن باعه بعد اختياره الفداء، وقبل رجوعه عنه أجبر على أداء أقل الأمرين من قيمته والأرش فإن تعذر لفلسه أو تأخر لغيبته أو صبره على الحبس فسخ البيع وبيع في الجناية "ولا يضر" في صحة البيع "تعلقه بذمته" كأن اشترى فيها بغير إذن سيده، وأتلفه أو كسبه كمؤنة زوجته لانتفاء تعلق الدين بالرقبة التي هي محل البيع "وكذا" لا يضر "تعلق القصاص" برقبته "في الأظهر" لرجاء السلامة بالعفو كرجاء عصمة الحربي والمرتد وشفاء المريض بل لو تحتم قتله كقاطع طريق قتل، وأخذ مالا كان كذلك نظرا لحالة البيع أما تعلقه ببعض أعضائه فلا يضر قطعا.
"الرابع الملك" في المعقود عليه التام فخرج بيع نحو المبيع قبل قبضه "لمن" يقع "له العقد" من عاقد أو موكله أو موليه فدخل الحاكم في بيع مال الممتنع والملتقط لما يخاف تلفه، والظافر بغير جنس حقه والمراد أنه لا بد أن يكون مملوكا لأحد الثلاثة. "فبيع الفضولي" وشراؤه وسائر عقوده في عين لغيره أو في ذمة غيره بأن قال اشتريته له بألف في ذمته وهو من ليس بوكيل ولا ولي عن المالك "باطل" للخبر الصحيح "لا بيع إلا فيما تملك" لا يقال عدوله عن التعبير بالعاقد إلى من له العقد أي الواقع كما علم مما تقرر، وإن أفاد ما ذكر من أنه يشمل العاقد وموكله وموليه لكن يدخل فيه الفضولي ومراده إخراجه فإن العقد يقع للمالك موقوفا على إجازته عند من يقول بصحته؛ لأنا نقول المراد من يقع له العقد بنفسه وعلى القديم لا يقع إلا بالإجازة فلا يرد "وفي القديم" وحكى جديدا أيضا عقده "موقوف" على رضا المالك بمعنى أنه "إن أجاز مالكه" أو وليه العقد "نفذ، وإلا فلا"، وهو قوي من جهة الدليل؛ لأن حديث عروة ظاهر فيه، وإن أجابوا عنه وظاهر كلام الشيخين هنا أن الموقوف الصحة، وقال الإمام الصحة ناجزة، وإنما الموقوف الملك وجرى عليه في الأم وخرج بقولنا أو في ذمة غيره ما لو قال في الذمة أو أطلق فيقع للمباشر وبالفضولي ما لو اشترى بمال نفسه أو في ذمته لغيره، وأذن له وسماه هو في العقد فيقع للآذن ويكون الثمن قرضا لتضمن إذنه في الشراء لذلك بخلاف نظيره في السلم لا يصح؛ لأنه لا بد فيه من القبض الحقيقي ولا يكفي التقديري وما هنا منه إذ لا بد من تقدير دخول العوض في ملك المقترض فلا تناقض بين المسألتين خلافا لمن زعموه، وأطالوا فيه أما إذا لم يسمعه أذن له أو لا أو سماه ولم يأذن له فيقع للمباشر، وإن نوى غيره وفي الأنوار لو قال لمدينه اشتر لي عبدا مما في ذمتك صح للموكل، وإن لم يعين العبد وبرئ من دينه ورد، وإن جرى عليه جمع متقدمون بأنه مبني على ضعيف، وهو جواز اتحاد القابض والمقبض، وإنما اغتفر في صرف المستأجر في العمارة؛ لأنه، وقع تابعا لا مقصودا ولك أن تقول إنما يتجه تضعيفه إن أرادوا حسبان ما أقبضه من الدين المصرح به قوله: وبرئ من دينه أما وقوع شراء العبد للآذن ويكون ما أقبضه قرضا عليه نظير ما مر فيقع التقاص بشرطه فلا وجه لرده.
تنبيه: يرد على المتن وشارحيه قول الماوردي يجوز شراء ولد المعاهد منه ويملكه لا سبيه؛ لأنه تابع لأمان أبيه. ا هـ. ويجاب بأن إرادته لبيعه متضمنة لقطع تبعيته لأمانه إن قلنا:

 

ج / 2 ص -94-         إن المتبوع يملك قطع أمان التابع وفيه نظر ظاهر وبانقطاعها يملكه من استولى عليه فالمشتري لم يملكه بشراء صحيح بل بالاستيلاء عليه فما بذله إنما هو في مقابلة تمكينه منه لا غير وبهذا يعلم أن من اشترى من حربي ولده بدار الحرب لم يملكه بالشراء؛ لأنه حر إذ بدخوله في ملك البائع عند قصده الاستيلاء عليه يعتق عليه بل بالاستيلاء فيلزمه تخميسه أو تخميس فدائه إن اختاره الإمام بخلاف شراء نحو أخيه ممن لا يعتق عليه بذلك منه ومستولدته إذا قصد الاستيلاء عليهما فإنه يصح فيملكهما المشتري ولا يلزمه تخميسهما.
"ولو باع مال مورثه" أو غيره أو زوج أمته أو أعتق قنه "ظانا حياته" أو عدم إذن الغير له "فبان ميتا" بسكون الياء في الأفصح أو آذن له "صح" البيع وغيره "في الأظهر"؛ لأن العبرة في العقود لعدم احتياجها لنية بما في نفس الآمر فحسب فلا تلاعب وبفرضه لا يضر لصحة بيع نحو الهازل والوقف هنا وقف تبين لا وقف صحة، وإنما لم يصح على ما يأتي تزوج الخنثى، وإن بان واضحا ولا نكاح المشتبهة بمحرمه، وإن بانت أجنبية؛ لأن الشك فيه في حل المعقود عليه، وهو يحتاط له في النكاح ما لا يحتاط لولاية العاقد.
"الخامس: العلم به" أي المعقود عليه عينا في المعين، وقدرا وصفة فيما في الذمة كما يعلم من كلامه الآتي للنهي عن بيع الغرر، وهو ما احتمل أمرين أغلبهما أخوفهما، وقد لا يشترط ذلك للضرورة أو المسامحة كما سيذكره في اختلاط حمام البرجين وكما في بيع الفقاع وماء السقاء في الكوز قال جمع ولو لشرب دابة وكل ما المقصود لبه ولو انكسر ذلك الكوز من يد المشتري بلا تقصير ضمن قدر كفايته مما فيه لا ما زاد ولا الكوز؛ لأنهما أمانة في يده ومن أخذه بلا عوض ضمنه؛ لأنه عارية لا ما فيه؛ لأنه غير مقابل بشيء والمراد بالعلم هنا ما يشمل الظن، وإن لم يطابق الواقع أخذا من شراء زجاجة بثمن كثير يظن أنها جوهرة نعم لا بد من ذلك حال العقد ففي نحو سدس عشر تسع ألف، وهما جاهلان بالحساب لا يصح، وإن كان يعلم بعد. نعم ذكر الغزالي خلافا في نظيره من القراض والفرق أن ما هنا معاوضة، وهي تستدعي العلم بالعوض ومقابله حال خروجه عن ملكه بخلاف القراض فإن الربح فيه مترقب فيمكن معرفة ذلك قبل حصوله ويؤيده ما يأتي قريبا في صورة الكتابة من أن الحط محض تبرع لا معاوضة فيه، وقول البغوي فيمن باع نصيبه من مشترك، وهو يجهل كميته لا يصح؛ لأنه مجهول لكن قطع القفال بالصحة وجرى عليها في البحر فقال باع جميع المشترك، وهو لا يعلم مقدار حصته ثم عرفه صح؛ لأن ما تناوله البيع لفظا معلوم ويدل له قول الأصحاب لو ظهر استحقاق بعض عبد باعه صح في الباقي ولم يفصلوا بين أن يعلم البائع مقدار نصيبه فيه أو لا. ا هـ. والذي يتجه ترجيحه كلام البغوي ومعرفة البائع قدر حصته بعد البيع لا تفيد لما تقرر أن الجهل عند البيع مؤثر، وإن عرف بعد وما ذكره عن كلام الأصحاب لا دليل فيه؛ لأنه حال البيع لم يكن جاهلا بقدر حقه في ظنه، وهو كاف، وإن أخلف كما مر في مسألة الزجاجة فإن قلت صرحوا بأنه لو قال بعتك الثمرة بألف إلا قدر ما يخص مائة، وأراد بما يخصه نسبته من الثمن إذا وزعت عليه

 

ج / 2 ص -95-         الثمرة صح للعلم به حال البيع؛ لأن المنسوب إليه معلوم، وهو الثمن ومن ثم كان ذلك استثناء للعشر قلت قد علمت من تعليلهم الفرق بين ما هنا ومسألتنا، وهو أن الثمن المنسوب إليه معلوم حال العقد والاستثناء منه لكونه تمكن معرفته لا يصيره مجهولا بخلافه في مسألتنا فإن الثمن فيها مجهول حال البيع ابتداء فكان الإبهام فيه أفحش فتأمله. "فبيع" اثنين عبديهما لثالث بثمن من غير تخصيص كل منه بقدر معين، وبيع "أحد الثوبين" أو العبدين مثلا، وإن استوت قيمتهما "باطل" كالبيع بأحدهما كذلك للجهل بعين المبيع أو الثمن، وقد تغني الإضافة والإشارة عن التعيين كداري وليس له غيرها وكهذه الدار، وإن غلط في حدودها وفي البحر لو قال بعتك حقي من هذه الدار، وهو عشرة أسهم من عشرين سهما، وحقه منها خمسة عشر صح البيع في عشرة. ا هـ. وظاهره أنه لا فرق بين أن يعلم أن حقه ذلك أو يجهله؛ لأنه يصدق على العشرة أنها حقه فيطابق الجملة التفصيل، ومن ثم أفتى ابن الصلاح في صك فيه جملة زائدة وتفصيل أنقص منها بأنها إن تقدمت عمل بها لإمكان الجمع بكون التفصيل لبعضها، وإن تأخرت فإن قيل فمجموع ذلك كذا حكم بالتفصيل؛ لأنه المتيقن أي، وإن لم يقل ذلك حكم بها كما هو ظاهر.
"ويصح بيع صاع من صبرة" أو من جانب معين منها، وهي طعام مجتمع والمراد منها هنا كل متماثل الأجزاء بخلاف نحو أرض وثوب "تعلم صيعانها" للمتعاقدين لعدم الغرر وتنزل على الإشاعة فإذا تلف بعضها تلف بقدره من المبيع "وكذا إن جهلت" صيعانها لهما أو لأحدهما يصح البيع "في الأصح" لعلمهما بقدر المبيع مع تساوي الأجزاء فلا غرر وينزل على صاع مبهم حتى لو لم يبق منها غيره تعين وإن صب عليها مثلها أو أكثر كما قاله الرافعي ويظهر أن محله ما لم يتميز المصبوب وذلك لتعذر الإشاعة مع الجهل فللبائع تسليمه من أسفلها، وإن لم يكن مرئيا إذ رؤية ظاهر الصبرة كرؤية كلها وفارق بيع ذراع من نحو أرض مجهولة الذرع وشاة من قطيع وبيع صاع منها بعد تفريق صيعانها بالكيل أو الوزن بتفاوت أجزاء نحو الأرض غالبا وبأنها بعد التفريق صارت أعيانا متمايزة لا دلالة لإحداها على الأخرى فصار كبيع أحد الثوبين ومحل الصحة هنا حيث لم يريدا صاعا معينا منها أو لم يقل من باطنها أو إلا صاعا منها، وأحدهما يجهل كيلها للجهل بالمبيع بالكلية وحيث علم أنها تفي بالمبيع أما إذا لم يعلم ذلك فلا يصح البيع للشك في وجود ما وقع عليه صرح به الماوردي والفارقي وغيرهما وفيه نظر؛ لأن العبرة هنا بما في نفس الأمر فحسب فلا أثر للشك في ذلك إذ لا تعبد هنا فالذي يتجه أنه متى بان أكثر منها كبعتك منها عشرة فبانت تسعة بان بطلان البيع وكذا إذا بانا سواء؛ لأنه خلاف صريح من التبعيضية بل والابتدائية وفي بيعها مطلقا لا أن يكون بمحلها ارتفاع أو انخفاض، وإلا فإن علم أحدهما ذلك لم يصح كسمن بظرف مختلف الأجزاء دقة وغلظا لم يره قبل الوضع فيه لعدم إحاطة العيان بها، وإن جهلا ذلك فإن ظن تساوي المحل أو الظرف صح وخير من لحقه النقص قال البغوي وغيره ولو كان تحتها حفرة صح البيع وما فيها للبائع، والفرق بين الحفرة والانخفاض واضح.

 

ج / 2 ص -96-         "ولو باع بملء" أو ملء ذا البيت حنطة "أو بزنة" أو زنة "هذه الحصاة ذهبا أو بما باع به فلان فرسه"، وأحدهما يجهل قدر ذلك "أو بألف دراهم ودنانير لم يصح" للجهل بأصل القدر في غير الأخيرة وبقدر كل من النوعين فيها، وإنما حمل على التنصيف نحو والربح بيننا، وهذا لزيد وعمرو؛ لأنه المتبادر منه ثم لا هنا ومن ثم لو علما قبل العقد مقدار البيت والحصاة وثمن الفرس صح، وإن قال بما باع به ولم يذكر المثل ولا نواه؛ لأن مثل ذلك محمول عليه نعم إن انتقل ثمن الفرس للمشتري فقال له البائع العالم بأنه عنده بعتك بما باع به فلان فرسه لم تبعد صحته وينزل الثمن عليه فيتعين ولا يجوز إبداله وكما قدر لفظ المثل فيما ذكر كذلك تقدر زيادته في نحو عوضتها عن نظير أو مثل صداقها على كذا فيصح عن الصداق نفسه؛ لأنه اعتيدت زيادة لفظ نحو المثل في نحو ذلك وخرج بحنطة وذهبا المشير إلى أن ذلك فيما في الذمة العين كبعتك ملء أو بملء ذا الكوز من هذه الحنطة أو الذهب، وإن جهل قدره لإحاطة التخمين برؤيته مع إمكان الأخذ قبل تلفه فلا غرر.
"ولو باع بنقد" دراهم أو دنانير وعين شيئا موجودا اتبع، وإن عز أو معدوما أصلا ولو مؤجلا أو في البلد حالا أو مؤجلا إلى أجل لا يمكن نقله إليه للبيع قبل مضي الأجل بطل، وإن أطلق "وفي البلد" أي بلد البيع سواء أكان كل منهما من أهلها ويعلم نقودها أم لا على ما اقتضاه إطلاقهم "نقد غالب" من ذلك وغير غالب تعين غالب ولو مغشوشا أو ناقص الوزن؛ لأن الظاهر إرادتهما له نعم إن تفاوتت قيمة أنواعه أو رواجها وجب التعيين وذكر النقد للغالب أو المراد به هنا مطلق العوض إذ لو غلب بمحل البيع عرض كفلوس وحنطة تعين، وإن جهل وزنه بل لو اطرد عرفهم بالتعبير بالدينار أو الأشرفي الموضوعين أصالة للذهب كما هو المنقول في الأول، وقاله غير واحد في الثاني عن عدد معلوم من الفضة مثلا بحيث لا يطلقونه على غير ذلك انصرف لذلك العدد على الأوجه كما اقتضاه تعليلهم بأن الظاهر إرادتهما للغالب ولو ناقصا ومن ثم رد بحث الأذرعي حمل قولهم لو غلبت الفلوس حمل العقد عليها على ما إذا عبر بالفلوس لا الدراهم، وقول ابن الصباغ لا يعبر بالدراهم عن الدنانير حقيقة ولا مجازا يحمل على ما إذا لم يطرد عرف بذلك ثم رأيت المجموع رد ما قاله بأنه مبني على ضعيف، وإنما لم يصح بعتك بمائة درهم من صرف عشرين بدينار للجهل بنوع الدراهم، وإنما عرفها بالتقويم، وهو لا ينضبط ومن ثم صح بمائة درهم من دراهم البلد التي قيمة عشرين منها دينار لأنها معينة حينئذ ولا ينافي ذلك ما صرحوا به في الكتابة التي بدراهم أن السيد لو وضع عنه دينارين ثم قال أردت ما يقابلهما من الدراهم صح وإن جهلاه. ويجري ذلك في سائر الديون؛ لأن الحط محض تبرع لا معاوضة فيه فاعتبرت فيه نية الدائن "أو نقدان" أو عرضان آخران "ولم يغلب أحدهما" وتفاوتا قيمة أو رواجا "اشترط التعيين" لأحدهما في العقد لفظا ولا يكفي نية، وإن اتفقا فيها بخلاف نظيره في الخلع؛ لأنه أوسع نعم يشكل عليه الاكتفاء بنية الزوجة في النكاح كما يأتي إلا أن يفرق بأن المعقود عليه ثم ضرب من المنفعة، وهنا ذات العوض

 

ج / 2 ص -97-         فاغتفر ثم ما لم يغتفر هنا. وإن كان مبنى النكاح على التعبد والاحتياط أكثر من غيره فإن اتفقا قيمة ورواجا لم يشترط تعيين إذ لا غرض يختلف به فيسلم المشتري ما شاء منهما، وإن كان أحدهما صحيحا والآخر مكسرا ولو أبطل السلطان ما وجب بعقد نحو بيع، وإجارة بالنص أو الحمل بأن كان هو الغالب حينئذ أو ما أقرضه مثلا، وإن كان أبطله في مجلس العقد لم يكن له غيره بحال زاد سعره أو نقص أو عز وجوده فإن فقد وله مثل وجب، وإلا اعتبرت قيمته وقت المطالبة ويجوز التعامل بالمغشوشة المعلوم قدر غشها أو الرائجة في البلد، وإن جهل قدرها سواء كانت له قيمة لو انفرد أم لا استهلك فيها أم لا ولو في الذمة قال في المجموع؛ لأن المقصود رواجها فتكون كبعض المعاجين أي المجهولة الأجزاء أو مقاديرها، وإنما لم يصح بيع تراب المعدن نظرا إلى أن المقصود منه النقد، وهو مجهول ؛ لأنه لا رواج ثم حتى يخلف الجهل بالمقصود وكذا يقال في عدم صحة بيع اللبن المخلوط بالماء ونحو المسك المختلط بغيره لغير تركيب نعم بحث أبو زرعة أن الماء لو قصد خلطه باللبن لنحو حموضته وكان بقدر الحاجة صح؛ لأنه حينئذ كخلط غير المسك به للتركيب وفي عدم صحة السلم والقرض في الجواهر والحنطة المختلطة بشعير مع صحة بيعها معينة، وإذا جازت المعاملة بها حمل المطلق عليها إذا كانت هي الغالب، وهي مثلية فتضمن بمثلها حيث ضمنت بمعاملة أو إتلاف لا بقيمتها على المعتمد إلا إن فقد المثل وحينئذ فالمعتبر فيها يوم المطالبة إلا إن علم سببها الموجب لها كالغصب فيجب أقصى قيمها والإتلاف فتجب قيمة يوم التلف وحيث وجبت القيمة أخذت قيمة الدراهم ذهبا وعكسه.
"ويصح بيع لصبرة" من أي نوع كانت "المجهولة الصيعان" والقطيع المجهول العدد والأرض أو الثوب المجهولة الذرع "كل" بالنصب على القطع لامتناع البدلية لفظا ومحلا؛ لأن البدل يصح الاستغناء عنه أما بدل الاشتمال فواضح بل شرطه عدم اختلال الكلام لو حذف البدل، وأما بدل الكل فلجواز حذف المبدل منه عند ابن مالك وغيره كالأخفش، وهنا لا يصح الاستغناء عن الأول ولا عن الثاني؛ لأن الشرط ذكر كل من الصبرة وكل صاع بدرهم وحينئذ فالتقدير على القطع ويصح بيع الصبرة المذكورة مع ذكره كل صاع بدرهم عقب ذكرها. ووجه التقييد بهذه المعية رد ما يتوهم من عدم الصحة لجهالتها وجهالة الثمن كما يفيده تعليلهم الآتي.
تنبيه: بما قررت به وجه النصب يندفع زعم أنه على المفعولية لبيع ووجه اندفاعه استلزامه أنه مفعول ثان، وواضح أنه لا يصلح له؛ لأنه عين المفعول الأول الذي هو الصبرة في الحقيقة، وإنما غايته أنه تفصيل له. واعلم أنه يترتب على ما تقرر أنه لا بد من ذكرهما أعني الصبرة وكل صاع بدرهم أنه لو اقتصر على بعتك كل صاع بدرهم أي، وأشار إلى الصبرة بنحو يده لم يصح، وهو متجه ويؤيده فرقهم بين الصحة هنا وعدمها في بعتك من هذه كل صاع بدرهم وكل صاع بدرهم من هذه بأنه في هذه لم يضف البيع لجميع الصبرة بل لبعضها المحتمل للقليل والكثير فلا يعلم قدر المبيع تحقيقا ولا تخمينا بخلافه في مسألة

 

ج / 2 ص -98-         المتن وحينئذ فبحث بعضهم الصحة في صورة الاقتصار المذكورة غير صحيح لا سيما مع حذفه قولي أي، وأشار إلخ؛ لأنه فيها لم يضف البيع لجميع الصبرة فكان قوله: كل صاع بدرهم غير مفيد لتعيين المبيع ومثل تلك الإشارة هنا غير مفيد تعيينا له كما هو واضح ويؤخذ من الفرق المذكور صحة بعتك هذه الصبرة كل صاع منها بدرهم، ولا يضر ذكر من هنا؛ لأن إضافة البيع لجميع الصبرة تلغي النظر للتبعيض الذي تقيده ويؤيده ما أفاده ذلك الفرق أيضا أن محل البطلان في بعتك منها كل صاع بدرهم إن نوى بمن التبعيض أو أطلق بخلاف ما لو أراد بها البيان فيصح؛ لأن التقدير حينئذ شيئا هو هذه فتأمله.
"صاع" أو رأس أو ذراع "بدرهم" لمشاهدة المبيع وجهالة الثمن زالت بتفصيله فلا غرر كالبيع بجزاف مشاهد ويتجه فيما إذا خرج بعض صاع صحة البيع فيه بحصته من الدرهم وفارق بيع القطيع كل شاة بدرهم فبقي بعض شاة بأن خرج باقيها لغيره فإن البيع يبطل فيه بأنه يتسامح في التوزيع على المثلي لعدم النظر فيه إلى القيمة بما لم يتسامح به في التوزيع على المتقوم ومن ثم لو قال بعتك هذا القطيع أو الثياب مثلا كل اثنين مثلا بدرهم بطل؛ لأن فيه توزيع الدرهم على قيمتهما، وهي مختلفة غالبا فيؤدي للجهل. وخرج ببيع الصبرة بيع بعضها كما لو باع منها كل صاع بدرهم فلا يصح للجهل. "ولو باعها" أي الصبرة ومثلها ما ذكرناه "بمائة درهم كل صاع" أو رأس أو ذراع "بدرهم صح" البيع "إن خرجت مائة" لموافقة الجملة التفصيل فلا غرر "وإلا" تخرج مائة بل أقل أو أكثر "فلا" يصح البيع "على الصحيح" لتعذر الجمع بينهما واعترض حكما وخلافا بأن الأكثرين على الصحة وبأنها هي الحق إذ لا تعذر بل إن خرجت زائدة فالزيادة للمشتري ولا خيار للبائع لرضاه ببيع جميعها أو ناقصة خير المشتري فإن أجاز فبالقسط ويؤيده ما لو باع صبرة بر بصبرة شعير مكايلة فإن البيع يصح، وإن زادت إحداهما ثم إن توافقا فذاك، وإلا فسخ وفرق الأولون بأن الثمن هنا عينت كميته فإذا اختل عنها صار مبهما بخلافه ثم ويفرق أيضا بأن مكايلة وقع مخصصا لما قبله ومبينا أنه لم يبع إلا كيلا في مقابلة كيل، وهذا لا تنافيه الصحة مع زيادة إحداهما بخلاف ما هنا فإن الزيادة أو النقص يلغي قوله بمائة أو كل صاع بدرهم فأبطل ويتخير البائع في الزيادة والمشتري في النقص أيضا في بعتك هذا على أن قدره كذا فزاد أو نقص والمشتري فقط إن زاد فإن نقص فعلي، وإن زاد فلك فإن أجاز فبكل الثمن، وإنما لم يتخير البائع هنا في الزيادة؛ لأنها داخلة في المبيع كما دل عليه كلامه ويؤيده ما مر في على أن لي نصفه أنه بمعنى إلا نصفه فكذا المعنى هنا بعتك هذا الذي قدره كذا وما زاد عليه.
فرع: لو اعتيد طرح شيء عند نحو الوزن من الثمن أو البيع لم يعمل بتلك العادة ثم إن شرط ذلك في العقد بطل وعليه يحمل كلام المجموع، وإلا فلا، ومر صحة بعتك هذا بكذا على أن لي نصفه؛ لأنه بمعنى إلا نصفه فيأتي نظيره هنا ولا يصح بيعه ثلاثة أذرع مثلا من أرض ليحفرها ويأخذ ترابها؛ لأنه لا يمكن أخذ تراب الثلاثة إلا بأكثر منها ويأتي في اختلاف المتبايعين أن الذراع يحمل على ماذا.

 

ج / 2 ص -99-         "ومتى كان العوض" الثمن أو المثمن "معينا" أي مشاهدا "كفت معاينته"، وإن جهلا قدره؛ لأن من شأنه أن يحيط التخمين به نعم يكره بيع مجهول نحو الكيل جزافا؛ لأنه يوقع في الندم لتراكم الصبر بعضها على بعض غالبا لا المذروع؛ لأنه لا تراكم فيه. "والأظهر أنه لا يصح" في غير نحو الفقاع كما مر "بيع الغائب" الثمن أو المثمن بأن لم يره أحد العاقدين، وإن كان حاضرا في مجلس البيع وبالغا في وصفه أو سمعه بطريق التواتر كما يأتي أو رآه ليلا ولو في ضوء إن ستر الضوء لونه كورق أبيض فيما يظهر فإن قلت صرح ابن الصلاح بأن الرؤية العرفية كافية، وهذا منها وعبارته لو طلب الرد بعيب في عضو ظاهر قال لم أره إلا الآن فله الرد؛ لأن رؤية المبيع لا يشترط فيها التحقق بل تكفي الرؤية العرفية قلت ليس العرف المطرد ذلك على أن كلامه مقيد بما إذا لم يكن العيب ظاهرا بحيث يراه كل من ينظر إلى المبيع وحينئذ فالمراد بالرؤية العرفية هي ما يظهر للناظر من غير مزيد تأمل ورؤية نحو الورق ليلا في ضوء يستر معرفة بياضه ليست كذلك أو من وراء نحو زجاج وكذا ماء صاف إلا الأرض والسمك ؛ لأن به صلاحهما وصحت إجارة أرض مستورة بماء ولو كدرا؛ لأنها أوسع لقبولها التأقيت وورودها على مجرد المنفعة وذلك للنهي عن بيع الغرر ولأن الرؤية تفيد ما لم تفده العبارة كما يأتي. "والثاني" وبه قال الأئمة الثلاثة "يصح" البيع إن ذكر جنسه، وإن لم يرياه "ويثبت الخيار" للمشتري وكذا البائع على خلاف فيه "عند الرؤية" لحديث فيه ضعيف بل قال الدارقطني باطل وكالبيع الصلح والإجارة والرهن والهبة ونحوها بخلاف نحو الوقف. "و" على الأظهر "تكفي" في صحة البيع "الرؤية قبل العقد فيما لا" يظن أنه "يتغير غالبا إلى وقت العقد" كأرض وآنية وحديد ونحاس نظرا لغلبة بقائه على ما رآه عليه نعم لا بد أن يكون ذاكرا حال البيع لأوصافه التي رآها كأعمى اشترى ما رآه قبل العمى، وإلا لم يصح كما قاله الماوردي، وأقره المتأخرون، وقول المجموع إنه غريب أي نقلا على أن غيره صرح به أيضا لا مدركا إذ النسيان يجعل ما سبق كالمعدوم فيفوت شرط العلم بالمبيع فلا ينافي تصحيح غيره له وجعله تقييدا لإطلاقهم. وانتصر بعضهم لتضعيفه بجعلهم النسيان غير دافع للحكم السابق في مسائل منها لو أنكر الموكل الوكالة لنسيان لم يكن عزلا ولو نسي فأكل في صومه أو جامع في إحرامه لم يفسد وبأنه لو رأى المبيع ثم التفت عنه واشتراه غافلا عن أوصافه صح ويرد بأن مدار العزل على ما يشعر بعدم الرضا بالتصرف وبطلان الصوم والحج على ما ينافيهما مما فيه تعد ولم يوجد ذلك ومدار البيع على عدم الغرر وبالنسيان يقع فيه وما ذكر في الفرع الأخير هو من محل النزاع فلا يستدل به وبفرض أن المنقول فيه ما ذكر فالغرر فيه ضعيف جدا فلا يلتفت إليه. وبحث بعضهم أنه لو رأى الثمرة قبل بدو الصلاح ثم اشتراها بعده ولم يرها لم يصح، وإن قربت المدة أي؛ لأنه يتغير بنحو اللون فكان أولى مما يغلب تغيره فإنه يبطل، وإن لم يتغير لعارض كما يأتي، وإذا صح فوجده متغيرا عما رآه عليه تخير فإن اختلفا في التغير صدق المشتري وتخير؛ لأن البائع يدعي عليه أنه رآه بهذه الصفة الموجودة الآن ورضي به والأصل عدم ذلك، وإنما صدق البائع فيما إذا اختلفا في عيب يمكن حدوثه

 

ج / 2 ص -100-      لاتفاقهما على وجوده في يد المشتري والأصل عدم وجوده في يد البائع "دون ما" يظن أنه "يتغير غالبا" لطول مدة أو لعروض أمر آخر كالأطعمة التي يسرع فسادها؛ لأنه لا وثوق حينئذ ببقائه حال العقد على أوصافه المرئية قيل تنافى كلامه فيما يحتمل التغير وعدمه على السواء كالحيوان إذ قضية مفهوم أوله البطلان وآخره الصحة والأصح فيه الصحة كالأول بشرطه؛ لأن الأصل بقاء المرئي بحاله وما ذكر من التنافي غير مسلم بل هو داخل في منطوق أول كلامه ومفهوم آخره؛ لأن القيد هنا للمنفي لا للنفي أي ما لا يغلب تغيره سواء أغلب عدم تغيره أم استويا دون ما يغلب تغيره فهو داخل في منطوق الأول ومفهوم الثاني فلا تنافي وجعل الحيوان مثالا هو ما درجوا عليه، وهو ظاهر فما وقع لصاحب الأنوار ومن تبعه من أنه قسيم له وحكمهما واحد فيه نظر، وإن أمكن توجيهه بأنه لما شك فيه هل هو مما يستوي فيه الأمران أو لا ألحق بالمستوي لأن الأصل عدم المانع وجعل قسيما له؛ لأنه لم يتحقق فيه الاستواء فتأمله.
تنبيه: قضية إناطتهم التغير وعدمه بالغالب لا بوقوعه بالفعل أنه لا ينظر لهذا حتى لو غلب التغير فلم يتغير أو عدمه فتغير أو استوى فيه الأمران فتغير أو لم يتغير لم يؤثر ذلك فيما قالوه في كل من الأقسام من البطلان في الأول والصحة في الأخيرين، ويوجه بأنا إنما نعتبر الغلبة وعدمها عند العقد دون ما يطرأ بعده.
تنبيه آخر مهم جدا: ما ذكرته في القيد والنفي مبني على قاعدة استنبطتها من كلام غير واحد من المحققين تبعا للشيخ عبد القاهر وحاصلها أنك إن اعتبرت دخول النفي على كلام مقيد كان نفيا لذلك القيد دائما لاستحالة كون القيد هنا للنفي؛ لأن الفرض دخوله على كلام مقيد فتمحض انصرافه للقيد لا غير، وإن اعتبرت اشتمال الكلام على قيد ونفي فالأرجح المتبادر انصراف النفي إلى القيد هنا أيضا ليفيد نفيه وعليهما صح ما ذكرته في تقرير المتن الدافع للاعتراض عليه المبني على المرجوح أن القيد للنفي أي انتفاء التغير غالب فلا تعرض فيه لغلبة التغير ولا لعدمها بوجه بل لكون هذا النفي غالبا أو غيره. ووجه مرجوحية هذا، وأرجحية الأول لفظا أن العامل القوي، وهو الفعل أولى بأن يجعل عاملا في المفعول له أي مثلا من العامل الضعيف، وهو حرف النفي فتقدير ذلك بلا يغلب تغيره أولى منه بما انتفاء تغيره غالب ومعنى أن المتبادر هو انصراف النفي إلى القيد واحتمال عكسه مرجوح بل جعله بعض المحققين كالعدم فجزم بالأول. ووجه تبادر ذلك أن الغالب في الإثبات والنفي توجههما إلى القيد ألا ترى أنك إذا قلت جئتني راكبا كان المقصود بالإخبار إنما هو كونه راكبا في المجيء لا نفس المجيء فعلى الأرجح يتوجه الإثبات أو النفي للقيد أولا ليفيد إثباته أو نفيه وعلى المرجوح لا يتوجه إليه فيكون قيدا للإثبات أو النفي لا غير فعلى الأول يعتبر القيد أولا ثم الإثبات أو النفي وعلى الثاني بالعكس وبهذا يندفع زعم أن هذا المرجوح هو الأكثر الراجح، وإلا كان ذكر القيد ضائعا عن غرض ذكره للتقييد بل لغرض آخر كمناقضة من أثبته وكالتعريض كما في الآية فإن الغرض من ذكر الإلحاف فيها التعريض بالملحفين توبيخا لهم. ووجه اندفاعه منع ما ذكره بقوله، وإلا إلى

 

 

ج / 2 ص -101-      آخره وسند المنع أن تقييد المنفي له فوائد وكفى به غرضا في جوازه بل حسنة هذا كله حيث لم يعلم قصد المتكلم فلا ينافي ما تقرر ما قيل كثيرا ما يقصدون نفي المحكوم عليه بانتفاء صفته كما دل عليه السياق أو دليل آخر كقول امرئ القيس:

على لاحب لا يهتدى بمناره

لم يرد كما قاله أبو حيان وغيره إثبات منار انتفى عنه الاهتداء بل نفي المنار من أصله وكقوله تعالى {لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً} [البقرة: 273] لم يرد إثبات السؤال ونفي الإلحاف عنه بل نفي السؤال من أصله بدليل {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ} [البقرة: 273] إلى آخره إذ التعفف لا يجامع المسألة ومما له تعلق بما هنا قول الفخر الرازي نفي الحقيقة مطلقة أعم من نفيها مقيدة لإفادة الأول سلبها مع القيد بخلاف الثاني فإن انتفاءها مقيدة بقيد مخصوص لا يستلزمه مع قيد آخر.
"وتكفي" في صحة البيع "رؤية بعض المبيع إن دل على باقيه كظاهر الصبرة" من نحو الحب والجوز والأدقة والمسك والتمر العجوة أو الكبيس في نحو قوصرة والقطن في عدل والبر في بيت، وإن رآه من كوة؛ لأن الغالب استواء ظاهر ذلك وباطنه فإن تخالفا تخير وكذلك تكفي رؤية أعلى المائعات في ظروفها ولا يصح بيع نحو مسك في فارته معها أو دونها إلا إن فرغها ورآهما أو رآها فارغة ثم رأى أعلاه بعد ملئها منه ويصح بيع نحو سمن رآه في ظرفه معه موازنة إن علما زنة كل وكان للظرف قيمة، وقيده بعضهم بما إذا قصدا الظرف أخذا من تعليلهم البطلان بشرط بذل مال في مقابلة غير مال ويرد بأن ذكره يشعر بقصده فلا نظر لقصده المخالف له لا بيع شيء موازنة بشرط حط قدر معين منه بعد الوزن في مقابلة الظرف بخلاف شرط وزن الظرف وحط قدره لانتفاء الجهالة حينئذ وبحث أن اطراد العرف بحط قدر كشرطه غير صحيح كما مر، وإن أيد بكلام ابن عبد السلام وغيره، وخرج بدل صبرة نحو رمان وبطيخ وعنب فلا بد من رؤية جميع كل واحدة، وإن غلب عدم تفاوتها وكذا تراب الأرض ومن ثم لو باعه قدر ذراع طولا وعمقا من أرض لم يصح؛ لأن تراب الأرض مختلف. "و" تكفي رؤية بعض المبيع الدال على باقيه نحو "أنموذج" بضم الهمزة والميم وفتح المعجمة "المتماثل" أي المتساوي الأجزاء كالحبوب، وهو ما يسمى بالعينة ثم إن أدخلها في البيع في صفقة واحدة صح، وإن لم يردها إلى المبيع على المعتمد؛ لأن رؤيته كظاهر الصبرة، وأعلى المائع في دلالة كل على الباقي وزعم أنه إن لم يرده إليه كان كبيع عينين رأى أحدهما ممنوع لوضوح الفرق إذ ما هنا في المتماثل والعينان ليسا كذلك ومن ثم لو رأى ثوبين مستويين قيمة ووصفا، وقدرا كنصفي كرباس فسرق أحدهما مثلا ثم اشترى الآخر غائبا صح إذ لا جهالة حينئذ بوجه، وإن لم يدخلها في البيع لم يصح، وإن ردها للمبيع؛ لأنه لم ير المبيع ولا شيئا منه "أو" إن "كان صوانا" بكسر أوله وضمه "للباقي خلقة"، وإن لم يدل عليه "كقشر" قصب السكر الأعلى وطلع النخل و "الرمان والبيض" وكذا القطن لكن بعد تفتحه، وإنما لم يصح السلم فيه حينئذ

 

ج / 2 ص -102-      لعدم انضباطه "والقشرة السفلى"، وهي ما تكسر عند الأكل وكذا العليا إن لم تنعقد "للجوز واللوز"؛ لأن بقاءه فيه من صلاحه، وقشر القصب الأسفل قد يمص معه فصار كأنه في قشر واحد وتقييده كأصله بالخلقي للاحتراز عن جلد الكتاب فإنه لا بد من رؤية جميع أوراقه، وكذا الورق البياض، وإن أورد على طرده القطن في جوزه والدر في صدفه والمسك في فارته وعلى عكسه الخشكنان ونحوه والفقاع في كوزه والجبة المحشوة بالقطن لبطلان بيع الأول مع أن صوانها خلقي دون الآخر مع أن صوانها غير خلقي، وقد يجاب بأن الغالب في الخلقي أن بقاءه فيه من مصلحته فأريد به ما هو الغالب فيه ومن شأنه فلا يرد عليه شيء من ذلك وتردد الأذرعي في إلحاق الفرش واللحف بالجبة ورجح غيره عدمه؛ لأن القطن فيها مقصود لذاته بخلاف الجبة وفيه وقفة. "وتعتبر رؤية كل شيء على ما يليق به" عرفا وضبطه في الكافي بأن يرى منه ما يختلف معظم المالية باختلافه فيرى في الدار والبستان والحمام كل ما اشتملت عليه حتى البالوعة والطريق ومجرى ماء تدور به الرحا وفي السفينة رؤية جميعها حتى ما في الماء منها كما شمله كلامهم؛ لأن بقاءها فيه ليس من مصلحتها، وفي الأمة والعبد ما عدا ما بين السرة والركبة كالشعر وفي الدابة جميع أجزائها لا لسان حيوان ولو آدميا، وأسنانه، وإجراء نحو فرس قال غير واحد وباطن حافر، وقدم خلافا للأزرق ومن ثم أطلقوا أنه لا يشترط قلع النعل ويشترط في ثوب مطوي نشره، ورؤية وجهيه إن اختلفا كبساط وكل منقش، وإلا ككرباس كفت رؤية أحدهما "والأصح إن وصفه" أي المعين الذي يراد بيعه "بصفة السلم لا يكفي" عن رؤيته، وإن بالغ فيه ووصل إليه من طريق التواتر المفيد للعلم الضروري؛ لأن الملحظ في اشتراط الرؤية الإحاطة بما لم تحط به العبارة من دقيق الأوصاف التي يقصر التعبير عن تحقيقها، وإيصالها للذهن، ومن ثم ورد: "ليس الخبر كالعيان" بكسر العين وروى كثيرون منهم أحمد وابن حبان خبر "يرحم الله موسى ليس المعاين كالمخبر أخبره ربه تبارك وتعالى أن قومه فتنوا بعده فلم يلق الألواح فلما رآهم وعاينهم ألقى الألواح فتكسر منها ما تكسر" وبقولي المعين علم أن هذا لا يخالف ما يأتي له أول السلم في ثوبا صفته كذا؛ لأنه في موصوف في الذمة وعلم مما تقرر أن كل عقد اشترطت فيه الرؤية لا يصح من الأعمى قال الزركشي إلا شراء من يعتق عليه وبيعه عبده من نفسه؛ لأن مقصوده العتق وفيه وقفة لاقتضائه أن البصير مثله في ذلك على أنه لا ضرورة به إليه لإمكان توكيله، وأن ما لا يشترط فيه يصح منه. "و" من ثم "يصح سلم الأعمى" مسلما كان أو مسلما إليه؛ لأنه يعرف الأوصاف، والسلم يعتمد الوصف لا الرؤية ومحله حيث لم يكن رأس المال معينا ابتداء وحينئذ يوكل من يقبض له أو عنه، وإلا لم يصح منه لاعتماده الرؤية حال العقد قيل ولا تصح إقالته لنص الأم على أنه لا بد فيها من العلم بالمقايل فيه لكن الذي نقلاه، وأقراه جواز الفسخ بالخيار ممن جهل الثمن وبه يعلم أن النص مبني على أنها بيع "وقيل إن عمي قبل تمييزه" بين الأشياء أو خلق أعمى "فلا" يصح سلمه وله شراء نفسه، وإيجارها؛ لأنه لا يجهلها وبيع ما رآه قبل العمى إن ذكر أوصافه، وهو مما لا يتغير غالبا كما مر.

 

ج / 2 ص -103-      فرع: في الجواهر يشترط ذكر حدود الدار الأربعة ويكفي ثلاثة إن تميزت بها ونظر فيه بأنها إن رئيت لم يحتج لذكر شيء من الحدود، وإلا لم يكف إلا ذكر كلها ويرد بأن يرى له جملة دور ثم يريد أن يبيعه بعضها فلا بد من ذكر مميزها ولو حدين على الأوجه وللشيخين وغيرهما في بيع الماء وحده أو مع قراره ما يوهم التناقض في أبواب متعددة، وقد بينت ما في ذلك في تأليف مستقل، والحاصل أنه لا يصح بيع الماء من نحو نهر أو بئر وحده مطلقا للجهل به، وأن محل نبع الماء إن ملك ووقع البيع على قراره أو بعض منه معين صح ودخل الماء كله أو ما يخص ذلك المعين وإن لم يملك هو بل ما يصل إليه لم يدخل الماء ملكا بل استحقاق الأرض الشرب منه ومر في زكاة النبات ما له تعلق بذلك.

باب الربا
بكسر الراء والقصر وبفتحها والمد وألفه بدل من واو ويكتب بهما وبالياء وهو لغة الزيادة وشرعا قال الروياني عقد على عوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد أو مع تأخير في البدلين أو أحدهما والأصل في تحريمه وأنه من أكبر الكبائر الكتاب والسنة والإجماع قيل ولم يحل في شريعة قط ولم يؤذن الله تعالى في كتابه عاصيا بالحرب غير آكله ومن ثم قيل إنه علامة على سوء الخاتمة كإيذائه أولياء الله فإنه صح فيها الإيذان بذلك وتحريمه تعبدي وما أبدى له إنما يصلح حكمة لا علة وهو إمار بأفضل بأن يزيد أحد العوضين ومنه ربا القرض بأن يشرط فيه ما فيه نفع للمقرض غير نحو الرهن أو ربا يد بأن يفارق أحدهما مجلس العقد قبل التقابض أو ربا نساء بأن يشرط أجل في أحد العوضين وكلها مجمع عليها والقصد بهذا الباب بيان ما يعتبر في بيع الربوي زيادة على ما مر ثم العوضان إن اتفقا جنسا اشترط ثلاثة شروط أو علة وهي الطعم والنقدية اشترط شرطان وإلا كبيع طعام بنقد أو ثوب أو حيوان بحيوان ونحوه لم يشترط شيء من تلك الثلاثة إذا علمت ذلك علمت أنه "إذا بيع الطعام بالطعام" أو النقد بالنقد كما يأتي "إن كانا" أي الثمن والمثمن ووقع في بعض النسخ بلا ألف وهو فاسد "جنسا" واحدا بأن جمعهما اسم خاص من أول دخولهما في الربا واشتركا فيه اشتراكا معنويا كتمر معقلي وبرني وخرج بالخاص العام كالحب وبما بعده الأدقة فإنها دخلت في الربا قبل طرو هذا الاسم لها فهي أجناس كأصولها وبالأخير البطيخ الهندي والأصفر فإنهما جنسان والتمر والجوز الهنديان مع التمر والجوز المعروفين فإن إطلاق الاسم عليهما ليس لقدر مشترك بينهما أي ليس موضوعا لحقيقة واحدة بل لحقيقتين مختلفتين وهذا الضابط مع أنه أولى ما قيل منتقض باللحوم والألبان لصدقه عليها مع أنها أجناس كأصولها "اشترط الحلول" من الجانبين إجماعا لاشتراط المقابضة في الخبر ومن لازمها الحلول غالبا فمتى اقترن بأحدهما تأجيل ولو للحظة فحل وهما في المجلس لم يصح "والمماثلة" مع العلم بها وكان فيها خلاف لبعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم انقرض وصار الإجماع على خلافه

 

ج / 2 ص -104-      "والتقابض" يعني القبض الحقيقي فلا يكفي نحو حوالة نعم يكفي هنا قبض من غير تقدير ومع استحقاق البائع للحبس وإن لم يفد صحة التصرف كما يأتي "قبل التفرق" حتى لو كان العوض معينا كفى الاستقلال بقبضه ويكفي قبض وارثيهما في مجلس العقد بعد موتهما وهما فيه ومأذونيهما لا غيرهما ولا سيدا وموكلا لأنه يقبض عن نفسه قبل تفرقهما لا بعده لقدرتهما على القبض قبل تفرق الآذنين بخلاف الوارث ولو قبضا البعض صح فيه تفريقا للصفقة. "أو جنسين كحنطة وشعير جاز التفاضل" بينهما "واشترط الحلول" من الجانبين كما مر "والتقابض" يعني القبض كما تقرر للخبر الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: "الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتمإذا كان يدا بيد"  أي مقابضة ومن لازمها الحلول غالبا كما مر بل في رواية مسلم "عينا بعين" وهي صريحة في اشتراط الحلول وما اقتضاه من اشتراط المقابضة ولو مع اختلاف العلة أو كون أحد العوضين غير ربوي غير مراد إجماعا والأولان شرطان للصحة ابتداء والتقابض شرط للصحة دواما ومن ثم ثبت فيه خيار المجلس نعم التفرق هنا مع الإكراه مبطل لضيق باب الربا بخلاف الإجازة على تناقض فيها حاصل المعتمد منه أنهما متى تقابضا بعدها وقبل التفرق بان دوام صحته وإلا بان بطلانه من حين الإجازة فعليهما إثم تعاطي عقد الربا إن تفرقا عن تراض فإن فارق أحدهما أثم فقط "والطعام" الذي هو باعتبار قيام الطعم به أحد العلتين في الربا لخبر مسلم: "الطعام بالطعام مثلا بمثل" وتعليق الحكم بمشتق إذ الطعام بمعنى المطعوم يدل على تعلقه بما منه الاشتقاق "ما قصد للطعم" بضم أوله مصدر طعم بكسر العين أي لطعم الآدمي بأن يكون أظهر مقاصده تناول الآدمي له وإن لم يأكله إلا نادرا كالبلوط أو شاركه فيه البهائم غالبا.
تنبيه: في عبارته هذه دور لتوقف معرفة الطعام على الطعم مع رجوعهما لمعنى واحد وقد يحل بأن يراد بالطعام أفراده التي يجري فيها الربا أي والأعيان الربوية ما قصدت لطعم الآدمي.
"اقتياتا" كبر وحمص وماء عذب إذ لا يتم الاقتيات إلا به وتسميته طعاما جاءت في الكتاب والسنة قيل المراد به ما ينساغ وإن كانت فيه ملوحة ليخرج ماء البحر فقط وفيه نظر والذي يتجه إناطته بعرف بلد العقد. "أو تفكها" كتمر وزبيب وتين وغير ذلك مما يقصد به تأدم أو تحل أو تحرف أو تحمض كسائر الفواكه الآتي كثير منها في الأيمان والبقولات "أو تداويا" كملح وكل مصلح من الأبازير والبهارات وسائر الأدوية كزعفران وسقمونيا وطين أرمني أو مختوم وزعم تنجسه ممنوع ودهن نحو خروع وورد ولبان وصمغ وحب حنظل للخبر السابق فإنه نص فيه على هذه الأقسام بذكر مثلها كالملح فإنه مصلح للغذاء ولا فرق بينه وبين مصلح البدن إذ الأغذية لحفظ الصحة والأدوية لردها وإنما لم يتناول الطعام في الأيمان الدواء لأنه لا يسماه في العرف المبنية هي عليه وخرج بقصد إلخ نحو خروع وورد ومائه وعود وصندل وعنبر ومسك وجلد وإن أكل تبعا ما لم

 

ج / 2 ص -105-      يقصد للأكل غالبا ودهن نحو سمك وكتان وحبه وحشيش يؤكل رطبا كقت وقضبان وعنب مما يؤكل ولا يقصد تناوله له ومطعوم جن كعظم وإن جاز لنا أكل طريه الذي يستلذ به ولا يضر كما هو ظاهر ومطعوم بهائم إن قصد لطعمها وغلب تناولها له كعلف رطب قد يتناوله الآدمي فإن قصد للنوعين فربوي إلا إن غلب تناول البهائم له على الأوجه فعلم من هذا كقولنا السابق بأن يكون أظهر مقاصده إلى آخره أن الفول ربوي بل قال بعض الشارحين إن النص على الشعير يفهمه لأنه في معناه "وأدقة الأصول المختلفة الجنس وخلولها وأدهانها أجناس" لأنها فروع أصول مختلفة ربوية فأعطيت حكم أصولها ثم كل خلين لا ماء فيهما واتحد جنسهما يشترط فيهما المماثلة وكل خلين فيهما ماء لا يباع أحدهما بالآخر مطلقا لأنهما من قاعدة مد عجوة وكل خلين في أحدهما ماء إن اتحد الجنس لم يبع أحدهما بالآخر لمنع الماء المماثلة وإلا بيع وخرج بالمختلفة الجنس المتحدة الجنس كأدقة أنواع البر فهي جنس واحد وأدهانها دهن نحو الورد والبنفسج فكلها جنس واحد لأن أصلها الشيرج وقول شارح يجوز بيع دهن البنفسج بدهن الورد متفاضلا ينبغي حمله على دهنين مختلفين طيبا بهما وإن لم يعهد ذلك في غير الشيرج. "واللحوم والألبان" والأسماك والبيوض كل منها "كذلك" أي أجناس "في الأظهر" كأصولها فيجوز بيع لحم أو لبن البقر بلحم أو لبن الضأن متفاضلا ولحم ولبن الجواميس مع البقر أو الضأن مع المعز جنس وبحث الزركشي في متولد بين جنسين أنه معهما جنس واحد فيحرم بيع لحمه بلحم كل احتياطا لباب الربا "والمماثلة تعتبر في المكيل" كلوز في قشره أو لا نعم محله إن لم يختلف قشره على الأوجه ولبن بسائر أنواعه وإن تفاوت بعضها وزنا كحليب برائب كالبر الصلب بالرخو وحب وتمر وخل وعصير ودهن مائع لا جامد على الأوجه نعم قطع الملح الكبار المتجافية في المكيال موزونة وإن أمكن سحقها "كيلا" ولو بما لا يعتاد كقصعة. "و" في "الموزون" كنقد وعسل ودهن جامد وما يتجافى في المكيال "وزنا" ولو بقبان للنص على ذلك في الخبر الصحيح فلا يجوز بيع بعض موزون ببعضه كيلا وهو ظاهر ولا عكسه وإن كان أضبط لأن الغالب في باب الربا التعبد ومن ثم كفى الوزن بالماء في نحو الزكاة وأداء المسلم فيه لا هنا ولا يضر مع الاستواء في الكيل التفاوت وزنا ولا عكسه ويؤثر قليل نحو تراب في وزن لا كيل "والمعتبر" في كون الشيء مكيلا أو موزونا "غالب عادة أهل الحجاز في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم" لظهور أنه اطلع عليه وأقره فلا عبرة بما أحدث بعده "وما جهل" كونه مكيلا أو موزونا أو كون الغالب فيه أحدهما في عهده صلى الله عليه وسلم أو وجوده فيه بالحجاز أو علم وجوده بغيره أو حدوثه بعده أو عدم استعمالهما فيه أو الغالب فيه ولم يتعين أو نسي يعتبر فيه عرف الحجاز حالة البيع فإن لم يكن لهم عرف فيه فإن كان أكبر جرما من التمر المعتدل فموزون جزما إذ لم يعلم في ذلك العهد الكيل في ذلك وإلا فإن كان مثله كاللوز أو دونه فأمره محتمل لكن قاعدة أن ما لم يحد شرعا يحكم فيه العرف قضت بأنه "يراعى فيه عادة بلد البيع" حالة البيع فإن اختلفت فالذي يظهر اعتبار الأغلب فيه فإن فقد الأغلب ألحق بالأكثر شبها فإن لم يوجد جاز فيه الكيل والوزن

 

ج / 2 ص -106-      ويظهر في متبايعين بطرفي بلدين مختلفي العادة التخيير أيضا.
تنبيه: قولي هنا كاللوز تبعت فيه شيخنا ولا ينافيه ما مر أنه مكيل لأن المراد مجرد التمثيل لمماثل جرم التمر لا غير بدليل تبعه للشيخين آخر الباب على أنه مكيل.
"وقيل الكيل" لأنه الأغلب فيما ورد "وقيل الوزن" لأنه أضبط "وقيل يتخير" للتساوي "وقيل إن كان له أصل" معلوم المعيار "اعتبر" أصله فعليه دهن السمسم مكيل ودهن اللوز موزون كذا وقع لغير واحد من الشراح وهو بناء على أنه موزون وقد مر أن الذي عليه الشيخان خلافه. "والنقد" أي الذهب والفضة ولو غير مضروبين وتخصيصه بالمضروب مهجور في عرف الفقهاء وعلة الربا فيه جوهرية الثمن فلا ربا في الفلوس وإن راجت "بالنقد كطعام بطعام" في جميع ما مر ففي ذهب بمثله أو فضة بمثلها تعتبر الثلاثة وفي أحدهما بالآخر يعتبر شرطان وهذا يسمى صرفا ولا فرق فيه وفيما مر بين كون العوضين معينين أو في الذمة أو أحدهما معينا والآخر في الذمة كبعتك هذا بما صفته كذا في ذمتك ثم يعين ويقبض قبل التفرق ويجوز إطلاق الدرهم والدينار إذا كان في البلد غالب منضبط لا بعتك ما بذمتك بما في ذمتي لأنه بيع دين بدين ولا نظر في هذا الباب لتميز أحد العوضين بزيادة قيمة ولا صنعة. "ولو باع" طعاما أو نقدا بجنسه وقد ساواه في ميزان مثلا ونقص عنه في أخرى أو "جزافا" بتثليث الجيم "تخمينا" أي حزرا للتساوي وإن غلب على ظنه ذلك بالاجتهاد "لم يصح وإن خرجا سواء" للجهل بالمماثلة حال العقد وخرج بتخمينا ما لو باع صبرة بر مثلا صغرى بكيلها من كبرى أو صبرة بأخرى مكايلة أو كيلا بكيل أو صبرة دراهم بأخرى موازنة أو وزنا بوزن فيصح إن تساويا وإلا فلا ويكفي قبضهما قبل كيلهما ووزنهما كما علم مما مر وما لو علما ولو بإخبار ثالث لهما أو أحدهما للآخر وقد صدقه تماثلهما قبل البيع ثم تبايعا وتقابضا جزافا فإنه يصح وقضية قولهم قبل البيع أنه لا بد من علمهما بذلك عند ابتداء التلفظ بالصيغة واعلم أن المماثلة لا تتحقق إلا في كاملين وضابط الكمال أن يكون الشيء بحيث يصلح للادخار كسمن أو يتهيأ لأكثر الانتفاعات به كلبن. "و" من ثم لا "تعتبر المماثلة" في نحو حب ولحم وتمر إلا "وقت الجفاف" ليصير كاملا ويشترط مع ذلك عدم نزع نوى التمر لأنه يعرضه للفساد غالبا فلا عبرة بخلافه في بعض النواحي إلا على ما يأتي عن جمع في نحو القثاء ولا يؤثر ذلك في نحو خوخ ومشمش وفي اللحم انتفاء عظم وملح يؤثر في وزن وتناهي جفافه لأنه موزون وقليل الرطوبة يؤثر فيه بخلاف نحو التمر ومن ثم بيع جديده الذي ليس فيه رطوبة تؤثر في الكيل بعتيقه لا بر ببر ابتلا أو أحدهما ولو بعد الجفاف "وقد يعتبر الكمال" المقتضي لصحة بيع الشيء بمثله "أو لا" هذا مما اختلف الشراح في فهمه هل المراد منه أنه يستثنى مما مر المقتضي للنظر إلى آخر الأحوال مطلقا العرايا الآتية لأن الكمال فيها بتقدير جفاف الرطب اعتبر أول أحواله عند البيع أو نحو عصير الرطب أو العنب لاعتبار كماله عند أول خروجه منهما وإن كانا غير كاملين أو اللبن الحليب لأنه كامل عند خروجه من الضرع آراء قال بكل منها جمع بل غلط بعضهم بعضا فيها والحق صحة كل منها ولكن أقر بها

 

ج / 2 ص -107-      الأول كمال الأخيرين وتعدده بتعدد أحوالهما معلوم من المتن في هذا الباب فلا يحتاج لذكره بخلاف العرايا وأيضا فهي رخصة أبيحت مع عدم الكمال فيها عند البيع بخلافهما فكانت أحق بالاستثناء بل ربما إذا نظرنا لهذا لم يصح استثناء غيرها فتأمله. وإذا تقرر اشتراط المماثلة وقت الجفاف "فلا يباع" خلافا للمزني كالأئمة الثلاثة "رطب برطب" بفتح الراءين وضمهما وعليه يدل السياق "ولا بتمر ولا عنب بعنب ولا بزبيب" ولا بسر ببسر ولا برطب ولا بتمر ولا طلع إناث بأحدها ولا بمثله للجهل الآن بالمماثلة وقت الجفاف وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال: "أينقص الرطب إذا يبس" قالوا: "نعم" فنهى عن ذلك أشار بقوله أينقص. إلخ إلى اعتبار المماثلة عند الجفاف وإلا فالنقص أوضح من أن يسأل عنه "أو ما لا جفاف له كالقثاء" بكسر أوله وبالمثلثة والمد "والعنب الذي لا يتزبب" والحصرم والبلح وإن نوزع فيهما "لا يباع" بعضه ببعض "أصلا" لتعذر العلم بالمماثلة فيه نعم الزيتون يباع بعضه ببعض حال اسوداده ونضجه لأنه كامل على أنه قيل لا يستثنى لأن رطوبته زيته وليس فيه مائية أصلا وظاهر المتن أنه لا عبرة بما يجف من نحو القثاء ويوجه بالنظر فيه للغالب لكن اعتبره جمع متقدمون ورجحه السبكي "وفي قول" مخرج "تكفي مماثلته رطبا" كاللبن ويجاب بوضوح الفرق فعليه يباع بعضه ببعض وزنا وإن أمكن كيله. "ولا تكفي مماثلة" المتولد من الحب نحو "الدقيق والسويق" وهو دقيق الشعير والنشا "والخبز" فلا يباع شيء منها بمثله ولا بأصله لتفاوت نعومة الدقيق وتأثير نار الخبز بخلافه بنخالته لأنها ليست ربوية كمسوس لم يبق فيه لب أصلا "بل تعتبر المماثلة في الحبوب" المتناهي جفافها المنقاة من نحو تبن وزؤان "حبا" لتحققها فيها حينئذ "و" تعتبر "في حبوب الدهن كالسمسم" بكسر سينيه "حبا أو دهنا" أو كسبا خالصا من نحو ملح ودهن فله حالات كمال فيباع كل بمثله لا سمسم بشيرج وطحينة بطحينة وكسب به دهن بمثله أو بطحينة أو شيرج لأنه من قاعدة مد عجوة "و" تعتبر "في العنب زبيبا أو خل عنب وكذا العصير" من نحو رطب وعنب ورمان وغيرها "في الأصح" لأن ما ذكر حالات كمال فيجوز بيع بعض كل منها ببعضه إلا نحو خل التمر أو الزبيب لأن فيه ما يمنع العلم بالمماثلة كما مر قال السبكي ومما أجزم به وإن لم أره امتناع بيع الزبيب بخل العنب وإن كانا كاملين ا هـ وهو بعد تسليمه وإلا فتجويز الشيخين بيع عصير العنب بخله متفاضلا لأنهما جنسان لإفراط التفاوت في الاسم والصفة والمقصود يرده عجيب فإن هذا معلوم من قولهم لا يباع الشيء بما اتخذ منه الشامل للكامل وغيره والعنب والزبيب جنس واحد فالمتخذ من أحدهما كالمتخذ من الآخر.
تنبيه: يؤخذ من كلامهما المذكور أن محل امتناع بيع الشيء بما اتخذ منه ما لم يكونا كاملين أو يفرط التفاوت بينهما فيما ذكر.
"و" تعتبر "في اللبن" أي في ماهية هذا الجنس المشتمل على لبن وغيره "لبنا أو سمنا أو مخيضا" بشرط أن يكون كل منها "صافيا" من الماء مثلا فيجوز بيع بعض أنواع اللبن الذي لم يغل بالنار ببعض كيلا بعد سكون رغوته وإن كان الخاثر أثقل وزنا أما ما فيه ماء

 

ج / 2 ص -108-      فلا يباع بمثله ولا بخالص وقيده السبكي وغيره بغير ماء يسير ويظهر حمله على يسير لا يؤثر في الكيل. قال ويعتبر في المخيض الخالي من الماء أن لا يكون فيه زبد وإلا لم يبع بمثله ولا زبد ولا بسمن لأنه من قاعدة مد عجوة لا لعدم كماله ا هـ وفيه نظر إذ المخيض اسم لما نزع زبده فلا يحتاج لما ذكره على أن كمون الزبد في اللبن باللبن لا يعتبر ككمون الشيرج في السمسم بالسمسم ثم جعل المتن له قسيما للبن مع أنه قسم منه المراد أنه باعتبار ما حدث له من المخض صار كأنه قسيم وإن كان في الحقيقة قسما فاندفع اعتراض جمع من الشراح بذلك "ولا تكفي المماثلة في سائر" أي باقي "أحواله كالجبن والأقط" والمصل والزبد لمخالطة الإنفحة أو الملح أو الدقيق أو المخيض فلا يجوز بيع كل منها بمثله ولا بخالص للجهل بالمماثلة ولا بيع زبد بسمن ولا لبن بما اتخذ منه كسمن ومخيض. "ولا تكفي مماثلة ما أثرت فيه النار بالطبخ" كاللحم "أو القلي" كالسمسم "أو الشي" كالبيض أو العقد كالدبس والسكر والفانيد واللبا فلا يباع بعض منها بمثله للجهل بالمماثلة باختلاف تأثير النار فيها وإنما صح السلم في نحو هذه الأربعة للطافة نارها أي انضباطها لأنه أوسع وخرج بالطبخ وما بعده الغلي في الماء فيباع ماء مغلي بمثله "ولا يضر تأثير تمييز" بالنار "كالعسل والسمن" يميزان بها عن الشمع واللبن فيباع كل منهما بمثله بعد التمييز لا قبله للجهل بالمماثلة وفي الجواهر لو عقدت النار أجزاء السمن أي إن تصور ذلك لم يبع بعضه ببعض "وإذا جمعت الصفقة" أي عقد البيع سمي بذلك لأن كلا من العاقدين كان يصفق يد الآخر عند البيع وخرج بهذا تعددها بتفصيل الثمن كبعتك هذا بهذا وهذا بهذا فلا تجري فيه القاعدة الآتية بخلافه بتعدد البائع أو المشتري وبحث بعضهم أن نية التفصيل كذكره وفيه نظر وإن أقره جمع لما مر أنه لو كان نقدان مختلفان لم تكف نيتهما أحدهما ولا يرد على ذلك صحة البيع بالكناية لأنه يغتفر في الصيغة ما لا يغتفر في المعقود عليه. "ربويا" واحدا أي متحدا الجنس "من الجانبين" ولو ضمنيا كسمسم بدهنه لأن بروز مثل الكامن فيه يقتضي اعتبار ذلك الكامن بخلافه بمثله فإنه مستتر فيهما فلا داعي لتقدير بروزه ومر أن الماء ربوي لكنه بالنسبة لمقصود دار بها بئر ماء عذب بيعت بمثلها مقصود تبعا فلم تجر فيه القاعدة الآتية لذلك وإن كان مقصودا في نفسه كما ذكروه في باب بيع الأصول والثمار أنه يشترط التعرض لدخوله في بيع دار بها بئر ماء وإلا لم يصح لاختلاط الماء الموجود للبائع بالحادث للمشتري. ومن زعم أن كلامهم ثم إنما هو في بئر ماء مبيعة وحدها لأن ماءها حينئذ مقصود فقد وهم بل صرحوا بما ذكرناه المعلوم منه أن التابع هنا وهو ما لا يقصد بالمقابلة معناه غير التابع ثم وهو ما يكون جزءا أو منزلا منزلته ومثل ذلك بيع بر بشعير وفي كل حبات من الآخر قليلة بحيث لا تقصد بالإخراج وبيع دار فيها معدن ذهب مثلا جهلاه بذهب لأنه حينئذ تابع لمقصودها فصح وقولهم لا أثر للجهل بالمفسد في باب الربا محله في غير التابع بخلاف ما إذا علما أو أحدهما به أو كان فيها تمويه بذهب يتحصل منه شيء فإنه المقصود بالمقابلة فجرت القاعدة كبيع ذات لبن بذات لبن وإن جهل لأنه يقصد منها غالبا بخلاف

 

ج / 2 ص -109-      المعدن من الأرض وإنما لم تجر في بيع فرس لبون بمثلها لأن لبنها لا يقصد بالمقابلة وإن قصد في نفسه بدليل أنه يرد بدله في المصراة صاع تمر على ما اقتضاه إطلاقهم وإن نوزعوا فيه "واختلف الجنس" أي جنس المبيع سواء أكان المضموم للربوي المتحد الجنس من الجانبين ربويا أم غير ربوي وقدر بعض الشراح الجنس هنا بالربوي فأوهم الصحة في بيع درهم وثوب بمثلهما لأن جنس الربوي لم يختلف وليس كذلك بل هو من القاعدة لأن جنس المبيع اختلف وإن لم يختلف الجنس الربوي "منهما" جميعهما بأن اشتمل أحدهما على جنسين اشتمل عليهما الآخر "كمد عجوة ودرهم بمد عجوة ودرهم" وكثوب ودرهم بثوب ودرهم أو مجموعهما بأن لم يشتمل الآخر إلا على أحدهما كثوب مطرز بذهب أو قلادة فيها خرز وذهب بيع أو بيعت بذهب فإن كان الثمن فضة اشترط تسليم الذهب وما يقابله من الثمن في المجلس "وكمد ودرهم بمدين أو درهمين" وبقولنا واحدا الذي هو في أصله واستغنى عنه قيل بالتنكير فإنه مشعر بالتوحيد وقد يقال بل إنما استغنى عنه بما علم من أول الباب أنه حيث اختلف العلة لا ربا اندفع ما أورد عليه من بيع ذهب أو فضة ببر وحده أو مع شعير فإنه لم يتحد جنس من الجانبين. "أو" اختلف "النوع" يعني غير الجنس سواء أكان نوعا حقيقيا كجيد ورديء بهما أو بأحدهما بشرط تميزهما إذ لا يتأتى التوزيع إلا حينئذ بخلاف ما إذا لم يتميزا بشرط أن تقل حبات الآخر بحيث لو ميزت لم تظهر في الكيل وإنما لم يضر كما مر خلط أحد الجنسين بحبات من الآخر بحيث لا يقصد إخراجها لتستعمل برا أو شعيرا وإن أثرت في الكيل لأن التساوي بين الجنسين غير معتبر أم صفة من الجانبين أو أحدهما "كصحاح ومكسرة بهما أو بأحدهما" أي بصحاح فقط أو مكسرة فقط وقيمة المكسر دون قيمة الصحاح في الكل كما هو الغالب أو عكسه لأن التوزيع الآتي إنما يتأتى حينئذ وجعل الطبري من ذلك بيع ذهب بذهب وأحدهما خشن أو أسود مردود بأن الخشونة أو السواد ليس عينا أخرى مضمومة لذلك الطرف بل هو عيب في العوض وظاهر أن مراد الطبري أن أحد الطرفين اشتمل على عينين من الذهب إحداهما خشنة أو سوداء وكذا لو بانت أحدهما مختلطة بنحو نحاس ومن قال في هذه بتفريق الصفقة فقد وهم لأن شرط الصحة علم التساوي حال العقد فيما يستقر عليه وذلك مفقود هنا فالصواب أنه من القاعدة "فباطلة" ولا يتأتى هنا تفريق الصفقة لأن الفساد للهيئة الاجتماعية كالعقد على خمس نسوة معا وذلك لما في الحديث الحسن أو الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع قلادة فيها حرز وذهب بذهب حتى يميز بينهما فقال المشتري إنما أردت الحجارة فقال: "لا حتى تميز بينهما" قال الراوي: فرده أي البيع حتى ميز بينهما ولأن قضية اشتمال أحد طرفي العقد على مالين مختلفين أن يوزع ما في الطرف الآخر عليهما باعتبار القيمة والتوزيع هنا - لكونه ناشئا عن التقويم الذي هو تخمين والتخمين قد يخطئ - يؤدي - وإن اتحدت شجرة المدين وضرب الدرهمين - للمفاضلة أو عدم العلم بالمماثلة في بيع مد ودرهم بمدين إن زادت قيمة المد على الدرهم الذي معه أو نقصت تلزم المفاضلة وإن ساوته لزم الجهل بالمماثلة وقس الباقي

 

ج / 2 ص -110-      وكذا يقال في بيع صحيح ومكسر بهما أو بأحدهما والكلام في المعين لصحة الصلح عن ألف درهم وخمسين دينارا بألفي درهم كما يأتي بسطه في الاستبدال بما يعلم منه أنه لو عوض دائنه عن دينه النقد نقدا من جنسه وغيره مع الجهل بالمماثلة صح.
تنبيه: ينبغي التفطن لدقيقة يغفل عنها وهي أنه يبطل كما عرف مما تقرر بيع دينار مثلا فيه ذهب وفضة بمثله أو بأحدهما ولو خالصا وإن قل الخليط لأنه يؤثر في الوزن مطلقا فإن فرض عدم تأثيره فيه ولم يظهر به تفاوت في القيمة صح والحيلة المخلصة من الربا مكروهة بسائر أنواعه خلافا لمن حصر الكراهة في التخلص من ربا الفضل.
"ويحرم" ويبطل "بيع اللحم" ولو لحم سمك وهو هنا يشمل نحو ألية وقلب وطحال وكبد ورئة وجلد صغير يؤكل غالبا "بالحيوان" ولو سمكا وجرادا نعم بحث جمع حل بيع الحيوان بالسمك الميت وفيه نظر "من جنسه وكذا بغير جنسه من مأكول وغيره" حتى الآدمي "في الأظهر" للخبر الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم:
"نهى عن بيع اللحم بالحيوان". وإرساله مجبور بإسناد الترمذي له ومعتضد بالنهي الصحيح عن بيع الشاة باللحم وبأن أكثر أهل العلم عليه على أنه مرسل ابن المسيب وهو بمنزلة المسند على نزاع فيه لكن صحح في المجموع أنه لا فرق حتى عند الشافعي رضي الله عنه وما اشتهر عنه من الفرق لم يصح وبأن أبا بكر قال وقد نحرت جزور في عهده فجاء رجل بعناق يطلب بها لحما لا يصلح هذا ولم يخالفه أحد من الصحابة ويصح بيع نحو بيض ولبن بحيوان بخلاف لبن شاة بشاة فيها لبن.

باب في البيوع المنهي عنها وما يتبعها
ثم النهي إن كان لذات العقد أو لازمه بأن فقد بعض أركانه أو شروطه اقتضى بطلانه وحرمته لأن تعاطي العقد الفاسد أي مع العلم بفساده أو مع التقصير في تعلمه لكونه مما لا يخفى كبيع الملاقيح وهو مخالط للمسلمين بحيث يبعد جهله بذلك حرام على المنقول المعتمد سواء ما فساده بالنص والاجتهاد وقيد ذلك الغزالي واعتمده الزركشي بما إذا قصد به تحقيق المعنى الشرعي دون إجراء اللفظ من غير تحقيق معناه فإنه باطل ثم إن كان له محمل كملاعبة الزوجة بنحو بعتك نفسك لم يحرم وإلا حرم إذ لا محمل له غير المعنى الشرعي وقد يجوز لاضطرار تعاطيه كأن امتنع ذو طعام من بيعه منه إلا بأكثر من قيمته فله الاحتيال بأخذه منه ببيع فاسد حتى لا يلزمه إلا المثل أو القيمة أو الخارج عنه اقتضى حرمته فقط فمن الأول أشياء منها:
"نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عسب" بفتح فسكون للمهملتين "الفحل" رواه الشيخان "وهو ضرابه" أي طروقه للأنثى و هذا هو الأشهر ومن ثم حكى مقابليه بيقال "ويقال ماؤه" وكل من هذين لا يتعلق به نهي فالتقدير عن بدل عسبه من أجرة ضرابه وثمن مائه أي عن إعطاء ذلك وأخذه "ويقال أجرة ضرابه" والفرق بين هذا والأول أن الأجرة ثم مقدرة وهنا ظاهرة "فيحرم ثمن مائه" ويبطل بيعه لأنه غير معلوم ولا متقوم ولا مقدور على تسليمه "وكذا أجرته" للضراب "في الأصح" لأن فعل الضراب غير مقدور عليه للمالك وفارق

 

ج / 2 ص -111-      الإيجار لتلقيح النخل بأن المستأجر عليه هو فعل الأجير الذي هو قادر عليه ويجوز الإهداء لصاحب الفحل بل لو قيل بندبه لم يبعد وتسن إعارته للضراب. "وعن حبل الحبلة" رواه الشيخان "وهو" بفتح الموحدة فيهما وغلط من سكنها جمع حابل وقيل مفرد وهاؤه للمبالغة "نتاج النتاج" بفتح أوله أو كسره وهو الذي في خط المصنف وعليه عرف الفقهاء وهو من تسمية اسم المفعول بالمصدر وفي هذا تجوز من حيث إطلاق الحبل على البهائم وهو مختص بالآدميات ومن حيث إطلاق المصدر على اسم المفعول أي المحبول "بأن يبيع نتاج النتاج" كما عليه اللغويون "أو بثمن إلى نتاج النتاج" كما فسره رواية ابن عمر رضي الله عنهما أي إلى أن تلد هذه الدابة ويلد ولدها من نتجت الناقة بالبناء للمفعول لا غير ووجه البطلان ثم انعدام شروط البيع وهنا جهالة الأجل "وعن الملاقيح وهي ما في البطون" من الأجنة "والمضامين" جمع مضمون أو مضمان أي متضمن ومنه مضمون الكتاب كذا "وهي ما في أصلاب الفحول" من الماء رواه مالك مرسلا والبزار مسندا وانعقد عليه الإجماع لفقد شروط البيع وإطلاق الملاقيح على ما في بطون الإبل وغيرها الذي يصرح به كلامه سائغ لغة أيضا خلافا للجوهري. "و" عن "الملامسة" رواه الشيخان "بأن يلمس" بضم الميم وكسرها "ثوبا مطويا" أو في ظلمة "ثم يشتريه على أن لا خيار له إذا رآه" أو على أنه يكتفي بلمسه عن رؤيته "أو يقول إذا لمسته فقد بعتكه" اكتفاء بلمسه عن الصيغة أو على أنه متى لمسه انقطع خيار المجلس أو الشرط و عن "المنابذة" بالمعجمة رواه الشيخان "بأن يجعلا النبذ" أي الطرح "بيعا" اكتفاء به عن الصيغة بعد قوله أنبذ إليك ثوبي هذا بعشرة مثلا أو يقول إذا نبذته فقد بعتكه أو متى نبذته انقطع الخيار أو على أنك تكتفي بنبذه عن رؤيته وبطلانه لعدم الرؤية أو الصيغة أو للشرط الفاسد و عن "بيع الحصاة" رواه مسلم "بأن يقول بعتك من هذه الأثواب ما تقع هذه الحصاة عليه أو يجعلا الرمي" لها "بيعا أو بعتك" معطوف على بعتك الأولى فقوله أو يجعلا شبه اعتراض ومثله سائغ لا يخفى "ولك" أو لي أو لنا "الخيار إلى رميها" لنحو ما مر في الذي قبله. "وعن بيعتين في بيعة" رواه الترمذي وصححه "بأن" أي كأن "يقول بعتك بألف نقدا أو ألفين إلى سنة" فخذ بأيهما شئت أنت أو أنا أو شاء فلان للجهالة بخلافه بألف نقدا وألفين لسنة وبخلاف نصفه بألف ونصفه بألفين "أو بعتك ذا العبد بألف على أن تبيعني" أو فلانا "دارك بكذا" أو تشتري مني أو من فلان كذا بكذا للشرط الفاسد وتسمية ما في الأول بيعتين تجوز إذ التخيير يقتضي واحدا فقط والثاني كذلك لا بيعا وشرطا مبني على أن المراد بالشرط ما اقترن بلفظه دون معناه ولو جعله مثالا له ليبين أنه لا فرق في الشرط بين اللفظي والمعنوي لكان أفود وأحسن "وعن بيع وشرط كبيع بشرط بيع" كما مر "أو" بيع لدار مثلا بألف بشرط "قرض" لمائه رواه جماعة وصححه بعضهم ووجه بطلانه جعل الألف ورفق العقد الثاني ثمنا واشتراطه فاسد فبطل مقابله من الثمن وهو مجهول فصار الكل مجهولا ثم إذا عقدا الثاني مع علمهما بفساد الأول صح وإلا فلا كما صححه في المجموع وما وقع في الروضة وأصلها من صحة الرهن فيما لو رهن بدين قديم مع ظن صحة شرطه في بيع أو قرض بأن فساده

 

ج / 2 ص -112-      ضعيف أو أن الرهن مستثنى لأنه مجرد توثق فلم يؤثر فيه ظن الصحة إذ لا جهالة تمنعه بخلاف ما هنا وإنما بطل الرهن مع البيع فيما إذا قال لدائنه بعني هذا بكذا على أن أرهنك على الأول والآخر كذا لأنه شرط الرهن على لازم هو الأول وغير لازم وهو الآخر الذي هو ثمن البيع الفاسد فبطل للجهالة بما يخص كلا من الدينين من الرهن. "ولو اشترى زرعا بشرط أن يحصده" بضم الصاد وكسرها "البائع أو ثوبا و" البائع "يخيطه" الظاهر أن ذكر الواو غير شرط بل لو قال ثوبا يخيطه كان كذلك أو بشرط أن يخيطه كما بأصله وعدل عنه ليبين أنه لا فرق بين التصريح بالشرط والإتيان به على صورة الإخبار وبه صرح في مجموعه وفي كلام غيره ما يقتضي أن خطه بالأمر لا يكون شرطا ويؤيده ما مر أول البيع في بع واشهد لكن ينبغي حمله فيهما على ما إذا أراد به مجرد الأمر لا الشرط ويفرق بين خطه وتخيطه بأن الأمر بشيء مبتدأ غير مقيد بما قبله بخلاف الثاني فإنه إما صفة أو ما في معناه وهي مقيدة لما قبلها فكانت في معنى الشرط.
تنبيه: قدرت ما مر قبل يخيطه ردا لما يقال ظاهر كلامه أنها جملة حالية وهو ممتنع لأن المضارعية المثبتة لا تدخل عليها واو الحال.
"فالأصح بطلانه" أي الشراء لاشتماله على شرط فاسد لتضمنه إلزامه بالعمل فيما لم يملكه بعد وقضيته أنه لو تضمن إلزامه بالعمل فيما يملكه كأن اشترى بيتا بشرط أن يبني حائطه صح وليس مرادا بل ينبغي البطلان هنا قطعا كما علم من قوله بشرط بيع أو قرض إذ هما مثالان فبيع بشرط إجارة أو إعارة أو غيرهما باطل كذلك سواء أقدم ذكر الثمن على الشرط أم أخره عنه وإنما جرى الخلاف في صورة المتن لأن العمل في المبيع وقع تابعا لبيعه فاغتفر على مقابل الأصح.
تنبيه: وقع لكثيرين من علماء حضرموت في بيع العهدة المعروف في مكة ببيع الناس آراء واضحة البطلان لا تتأتى على مذهبنا بوجه لفقوها من حدسهم تارة ومن أقوال في بعض المذاهب تارة أخرى مع عدم إتقانهم لنقلها فيجب إنكارها وعدم الالتفات إليها والحاصل أن كل شرط مناف لمقتضى العقد إنما يبطل إن وقع في صلب العقد أو بعده وقبل لزومه لا إن تقدم عليه ولو في مجلسه كما يأتي وحيث صح لم يجبر على فسخه بوجه وما قبض بشراء فاسد مضمون بدلا وأجرة ومهرا وقيمة ولد كالمغصوب ويقلع غرس وبناء المشترى هنا مجانا على ما في موضع من فتاوى البغوي ورجحه جامعا لكن صريح ما رجحه الشيخان من رجوع مشتر من غاصب بالأرش عليه الرجوع به هنا على البائع بالأولى لعذره مع شبهة إذن المالك ظاهرا فأشبه المستعير وتطيين الدار كصبغ الثوب فيرجع بنقصه إن كلف إزالته وإلا فهو شريك به.
 "ويستثنى" من النهي عن بيع وشرط "صور" تصح لما يأتي فيها في محالها "كالبيع بشرط الخيار أو البراءة من العيب أو بشرط قطع الثمر " وكالبيع بشرط "الأجل" في غير الربوي لأول آية الدين وشرطه أن يحدد بمعلوم لهما كإلى العيد أو شهر كذا لا فيه ولا

 

ج / 2 ص -113-      إلى نحو الحصاد كما يأتي في السلم بتفصيله المطرد هنا كما هو ظاهر وأن لا يبعد بقاء الدنيا إليه كألف سنة وإلا أبطل البيع للعلم حال العقد بسقوط بعضه وهو يؤدي إلى الجهل به المستلزم للجهل بالثمن لأن الأجل يقابله قسط منه وقول بعض أصحابنا يجوز إيجار الأرض ألف سنة شاذ لا يعول عليه وإذا صح كان أجله بما لا يبعد بقاء الدنيا إليه وإن بعد بقاء العاقدين إليه كمائتي سنة انتقل بموت البائع لوارثه وحل بموت المشتري ولا يضر السقوط بموته لأنه أمر غير متيقن عند العقد فلم ينظر إليه وإلا لم يصح البيع بأجل طويل لمن يعلم عادة أنه لا يعيش بقية يومه وقد صرحوا بخلافه فاندفع بما قررته ما وقع هنا لكثير من الشراح وغيرهم. "والرهن" للحاجة إليه في معاملة من لا يعرف حاله وشرطه العلم به بالمشاهدة أو الوصف بصفات السلم ولا ينافيه ما مر إنها لا تجزئ عن الرؤية لأنه في معين لا موصوف في الذمة وما هنا كذلك فاستويا خلافا لمن وهم فيه وكونه غير المبيع فيفسد بشرط رهنه إياه ولو بعد قبضه لأنه لا يملكه إلا بعد البيع ولأنه بمنزلة استثناء منفعة في البيع "والكفيل" للحاجة إليه أيضا وشرطه العلم به بالمشاهدة ولا نظر إلى أنها لا تعلم بحاله لأن ترك البحث معها تقصير أو باسمه ونسبه لا بوصفه بموسر ثقة لأن الأحرار لا يمكن التزامهم في الذمة مع اختلافهم في الإيفاء وإن اتفقوا يسارا وعدالة فاندفع بحث الرافعي أن الوصف بهذين أولى من مشاهدة من لا يعرف حاله. وعلم مما تقرر أن الكلام في الأجل والرهن والكفيل "المعينات" بما ذكرناه وإلا فسد البيع وغلب غير العاقل لأنه أكثر إذ الأكثر في الرهن أن يكون غير عاقل وأنث نظرا في الأجل إلى أنه مدة و في الرهن إلى أنه عين وفي الكفيل إلى أنه نسمة فاندفع قول الإسنوي صوابه المعينين على أن ما جمع بألف وتاء قد يكون مفرده مذكرا فتصويبه ليس في محله وشرط كل منهما أن يكون "بثمن في الذمة" لأن الأعيان لا تؤجل ثمنا ولا مثمنا ولا يرتهن بها ولا تضمن أصالة كما يأتي فاشتريت على أن أسلمه وقت كذا أو أرهن به كذا أو يكلفني به زيد فاسد لأن تلك إنما شرعت لتحصيل ما في الذمة والمعين حاصل ويأتي صحة ضمان العين المبيعة والثمن المعين بعد القبض فيهما وكذا سائر الأعيان المضمونة ولا يرد ذلك عليه للعلم به من كلامه الآتي في الضمان ولا يصح بيعه سلعة من اثنين على أن يتضامنا لأنه شرط على كل ضمان غيره ولو قال اشتريته بألف على أن يضمنه زيد إلى شهر صح وإذا ضمنه زيد مؤجلا تأجل في حقه وكذا في حق المشتري على أحد وجهين. ومقتضى قاعدة الشافعي رضي الله عنه أن القيد وهو هنا إلى شهر يرجع لجميع ما قبله وهو بألف ويضمن ترجيحه ويصح شرط الثلاثة أيضا في مبيع في الذمة ولا يرد عليه لأن ذكر الثمن مثال على أنه قد يطلق على ما يشمل المبيع "والإشهاد" للأمر به في قوله عز قائلا {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] "ولا يشترط تعيين الشهود في الأصح" لثبوت الحق بأي عدول كانوا ومن ثم لو عينهم لم يتعينوا ولو امتنعوا لم يتخير ولا نظر لتفاوت الأغراض بتفاوتهم وجاهة ونحوها لأنه لا يغلب قصده ولا تختلف به المالية اختلافا ظاهرا بخلاف ما مر في الرهن والكفيل. "فإن لم يرهن" المشتري أو جاء برهن غير

 

ج / 2 ص -114-      المعين ولو أعلى قيمة منه كما شمله إطلاقهم أن الأعيان لا تقبل الإبدال لتفاوت الأغراض بذواتها أو لم يشهد "أو لم يتكفل المعين" وإن أقام له المشتري ضامنا آخر ثقة "فللبائع الخيار" لفوات ما شرطه وهو على الفور لأنه خيار نقص ويتخير فورا أيضا فيما إذا لم يقبضه الرهن لهلاكه أو غيره كتخمره أو تعلق برقبته أرش جناية أو ظهر به عيب قديم كولد للمشروط رهنها وكظهور المشروط رهنه جانيا وإن عفي عنه مجانا أو فدي ولو قاب على الأوجه لأن نقص قيمته لا ينجبر بما حدث بعد جنايته من نحو عفو وتوبة كما يأتي لا إن مات بمرض سابق أو كان عينين وتسلم إحداهما فماتت أو تعينت وامتنع الراهن من تسليم الأخرى. "ولو باع عبدا" أي قنا "بشرط إعتاقه" كله عن المشتري أو أطلق "فالمشهور صحة البيع والشرط" لقصة بريرة المشهورة ولتشوف الشارع للعتق على أن فيه منفعة للمشتري دنيا بالولاء وأخرى بالثواب وللبائع بالتسبب فيه وخرج بإعتاقه كله شرط نحو وقفه وإعتاق غيره أو بعضه قيل ومحله إن اشترى كله بشرط إعتاق بعضه قال بعضهم ما لم يعين ذلك البعض وفيه نظر بل الذي يتجه صحة شراء الكل بشرط عتق البعض المعين والمبهم لأنه كشرط عتق الكل من حيث أداؤه للسراية إلى عتق الكل من غير فارق بينهما فمنعه مع أدائه للمقصود من كل وجه لا معنى له وكون الأول هو محل النص لا يؤثر لما تقرر أن الثاني مساو له في تحصيل غرض الشارع من عتق الكل حالا منجزا لجعله قول مالك قن أعتقت بعضه كقوله أعتقت كله فإن قلت لا يتضح هذا إلا على أنه من باب التعبير بالبعض عن الكل لا على السراية لأنها تقتضي تأخرا ما قلت لو سلمنا ذلك لم يضر لأنه مع ذلك يسمى عتقا للكل حالا منجزا وهو المقصود ومن ثم لم ينظر إليه في قولي الآتي أو لغيره وهو موسر لحصول السراية إلخ أما لو اشترى بعضه بشرط إعتاق ذلك البعض فيصح من غير نزاع لكن إن كان باقيه حرا أو له ولم يتعلق به مانع كرهن أو لغيره وهو موسر لحصول السراية فيحصل المقصود من تخليص الرقبة من الرق مع كون المشروط كل المبيع فالحاصل أن في محل النص شيئين لا بد من اعتبارهما: كون الشرط لجميع المبيع نصا أو استلزاما، وكون العتق الملتزم به يؤدي حالا لعتق كل الرقبة وبما بعده شرط إعتاقه عن البائع أو أجنبي وشمل كلامه شرطه فيمن يعتق عليه بالشراء كأبيه ومن أقر أو شهد بحريته فيصح ويكون تأكيدا ما لم يقصد به إنشاء عتق لتعذر الوفاء به حينئذ وعلى هذا يحمل إطلاق من منع.
تنبيه: الشرط المؤثر هنا هو ما وقع في صلب العقد من المبتدئ به ولو المشتري سواء أكان هناك محاباة من البائع لأجله أم لا فيما يظهر من كلامهم ويظهر أنه لا يأتي هنا ما ذكروه في جواب إشكال الرافعي شرط ترك الزوج الوطء منه أو منها لأن ذاك في إلزام أو التزام ترك ما يوجبه العقد بخلاف ما هنا فتأمله ويلحق بالواقع في صلب العقد الواقع بعده في زمن خياره مجلسا أو شرطا إن كان من البائع ووافقه المشتري عليه أو عكسه كأن ألحق أحدهما حينئذ زيادة أو نقصا في الثمن أو المبيع أو الخيار أو الأجل ووافقه الآخر بقوله قبلت مثلا لكن في غير الحط من الثمن لأنه إبراء وهو لا يحتاج لقبول ويكفي

 

ج / 2 ص -115-      رضينا بزيادة كذا فإن لم يوافقه بأن سكت بقي العقد وإن قال لا أرضى إلا بذلك بطل ولا يتقيد ما ذكر بالعاقدين بل يجري في الموكل ومن انتقل له الخيار كالوارث.
"والأصح أن للبائع" ويظهر إلحاق وارثه به "مطالبة المشتري بالإعتاق" لأنه وإن كان حقا لله تعالى لكن له غرض في تحصيله لإثابته على شرطه وبه فارق الآحاد وأما قول الأذرعي لم لا يقال للآحاد المطالبة به حسبة فلا يتضح إلا بعد تمهيد شيئين: أحدهما أن الحسبة هل تتوقف على دعوى وطلب أو لا بل يقول الشاهدان للقاضي لنا على فلان شهادة بكذا فأحضره لنشهد عليه، والثاني هو ما أطبقوا عليه وإنما اختلفوا في أنه لو وقعت دعوى حسبة هل يصغي إليها القاضي أو لا وبكل قال جماعة، ثانيهما أن هذا هل هو من الحسبة قياسا على الاستيلاد بجامع أن كلا يترتب عليه العتق يقينا أو لا قياسا على شراء القريب فإنه ليس من الحسبة لأن القصد بإثباته الملك وترتب العتق من لوازمه التي قد تقصد وقد لا وكذا هنا القصد إثبات الملك المترتب عليه الوفاء بالشرط اختيارا أو قهرا للنظر في ذلك مجال والأقرب سماع دعوى الحسبة وإلحاق هذا بالاستيلاد ولا نظر لكون العتق قد يتخلف هنا بفسخ البيع بنحو عيب أو إقالة لأن الاستيلاد قد يتخلف العتق عنه في الصور الكثيرة التي تباع فيها أم الولد وحينئذ فيحمل قولهم ليس للآحاد المطالبة به أي غير حسبة في مكلف لأنه يمكنه المطالبة بخلافه حسبة لتصريحهم بجريانها في عتق مكلف لم يدعه وسيأتي في نحو شهادة القريب لقريبه الفرق بين قصد الحسبة وعدمه وبه يتأيد ما ذكرته هنا من الفرق بين قصد دعوى الحسبة وعدمه فتأمل ذلك كله فإنه نفيس مهم، ولا يلزمه عتقه فورا إلا بالطلب أو عند ظن فواته فإن امتنع أجبره الحاكم عليه وإن لم يرفعه إليه البائع بل وإن أسقط هو أو القن حقه فإن أصر أعتقه عليه كما يطلق على المولى والولاء مع ذلك للمشتري وله قبل عتقه وطؤها واستخدامه وكسبه وقيمته إن قتل ولا يلزمه صرفها لشراء مثله كما لا يلزمه عتق ولد الحامل لو أعتقها بعد ولادته لانقطاع التبعية بالولادة لا نحو بيع ووقف وإجارة ويظهر أن الوارث المشتري حكمه في جميع ما ذكر. "و" الأصح "أنه" أي البائع "لو شرط مع العتق الولاء له أو شرط تدبيره أو كتابته" مطلقا "أو اعتاقه بعد شهر" أو لحظة أو وقفه ولو حالا كما علم مما مر "لم يصح البيع" لمخالفة الأول ما استقر عليه الشرع أن الولاء لمن أعتق والبقية لغرض الشارع من تنجيز العتق "ولو شرط مقتضى العقد كالقبض والرد بعيب" صح يعني لم يضره إذ هو تصريح بما أوجبه الشارع ثم رأيته في الروضة كأصلها عبر بلم يضر وهو الأولى على أنه يصح رجوع ضمير صح للعقد المقرون بهذا الشرط بل يتعين ذلك لأنه المراد في الذي بعده كما يأتي وحينئذ فهو بمعنى لم يضر من غير تأويل ونقل عن بعضهم صحة الشرط هنا وبنى عليه الزركشي ردا على من قال الخلاف لفظي ما لو تعذر قبض المبيع لمنع البائع منه فيتخير إن قلنا بصحته لا فساده والذي يتجه أنه لمجرد التأكيد استغناء بإيجاب الشارع فلا خيار بفقده خلافا لما يوهمه قول شارح صح العقد فيهما ولغا الشرط في الثاني إلا أن يريد ما قلناه أن الثاني لم يفد شيئا أصلا والأول أفاد التأكيد "أوشرط ما لا غرض فيه" أي عرفا

 

ج / 2 ص -116-      فلا عبرة بغرض العاقدين أو أحدهما فيما يظهر ثم رأيت ما يصرح به كما يأتي "كشرط أن لا يأكل" أو لا يلبس "إلا كذا" إن جاز "صح" العقد وكان الشرط لغوا. قال جمع: ومحله إن كان تأكل بالفوقية لأن هذا هو الذي لا غرض فيه ألبتة بخلافه بالتحتية لاختلاف الأغراض حينئذ فيفسد به العقد ا هـ والصحيح أنه لا فرق إذ لا غرض للبائع بعد خروجه من ملكه في تعيين غذاء مع أنه يحصل الواجب عليه من إطعامه ومن ثم لو شرط ما لا يلزم أصلا كجمعه بين أدمين أو صلاته للنوافل وكذا للفرض أول وقته فسد العقد كبيع سيف بشرط أن يقطع به الطريق بخلاف بيع ثوب حرير بشرط لبسه من غير زيادة على ذلك لأنه لم تتحقق المعصية فيه لجوازه لأعذار وبه يندفع ما للزركشي هنا. "ولو شرط وصفا يقصد ككون العبد كاتبا أو الدابة" الآدمي أو غيره "حاملا أو لبونا" أي ذات لبن "صح" الشرط لما فيه من المصلحة ولأنه التزام موجود عند العقد لا يتوقف التزامه على إنشاء أمر مستقبل الذي هو حقيقة الشرط فلم يشمله النهي عن بيع وشرط "وله الخيار" فورا "إن أخلف" الشرط الذي شرطه إلى ما هو أدون لفوات شرطه فلو تعذر الفسخ لنحو حدوث عيب عنده فله الأرش بتفصيله الآتي ولو مات المبيع قبل اختباره صدق المشتري بيمينه في فقد الشرط لأن الأصل عدمه بخلاف ما لو ادعى عيبا قديما لأن الأصل السلامة. وبهذا يرد إفتاء بعضهم بأن البائع يصدق بيمينه في كونها حاملا إذا شرطاه وأنكره المشتري ولا ينافيه تعبيرهم فيما ذكر بالموت لأنه محض تصوير وإنما المدار على تعذر معرفة المشروط بنحو بينة فيصدق المشتري في نفيه لما تقرر أن الأصل عدمه وسيعلم مما يأتي أنه يتيقن وجود الحمل عنده بانفصاله لدون ستة أشهر منه مطلقا أو لدون أربع سنين منه بشرط أن لا توطأ وطئا يمكن كونه منه ويأتي في الوصية أن حمل البهيمة يرجع فيه لقول أهل الخبرة فكذا هنا فيما يظهر أما ما لا يقصد كالسرقة فلا خيار بفواته لأنه من البائع إعلام بعيبه ومن المشتري رضا به وأما إذا أخلف إلى ما هو أعلى كأن شرط ثيوبتها فخرجت بكرا فلا خيار أيضا ولا نظر إلى غرضه نفسه لنحو ضعف آلته لأن العبرة في الأعلى وضده بالعرف لا بغيره ومن ثم قالوا لو شرط أنه خصي فبان فحلا تخير لأنه يدخل على الحرم ومرادهم الممسوح لأنه الذي يباح له النظر إليهن فاندفع تنظير شارح فيه ويكفي أن يوجد من الوصف المشروط ما ينطلق عليه الاسم إلا إن شرط الحسن في شيء فإنه لا بد أن يكون حسنا عرفا وإلا تخير ولو قيد بحلب أو كتابة شيء معين كل يوم أو في بعض الأيام بطل وإن علم قدرته عليه كما اقتضاه إطلاقهم ولا يأتي هنا بحث السبكي الآتي في الجمع في الإجارة بين العمل والزمن فتأمله "وفي قول يبطل العقد في الدابة" إذا شرط فيها ما ذكر لأنه مجهول ويجاب بأنه يعطى حكم المعلوم على أنه تابع ثم رأيتهم أجابوا بنحوه وهو أن القصد الوصف بذلك لا إدخاله في العقد لأنه داخل فيه عند الإطلاق.
فرع: اختلف جمع متأخرون فيمن اشترى حبا للبذور بشرط أنه ينبت والذي يتجه فيه أنه إن شهد قبل بذره بعدم إنباته خبير إن تخير رده ولا نظر لإمكان علم عدم إنباته ببذر قليل منه لا يمكن العلم بدونه وليس كما لو اشترى بطيخا فغرز إبرة في واحدة منها فوجدها

 

ج / 2 ص -117-      معيبة يرد الجميع لأنه ثم لم يتلف من عين المبيع شيء وكذا لو حلف المشتري أنه لا ينبت لما تقرر أنه يصدق بيمينه في فقد الشرط فإن انتفى ذلك كله بأن بذره كله فلم ينبت شيئا مع صلاحية الأرض وتعذر إخراجه منها أو صار غير متقوم أو حدث به عيب فله الأرش وهو ما بين قيمته حبا نابتا وحبا غير نابت كما لو اشترى بقرة بشرط أنها لبون فماتت في يده ولم يعلم أنها لبون وحلف على أنها غير لبون له الأرش والمبيع تلف من ضمان المشتري وأما إطلاق بعضهم أنه إذا لم ينبت يلزم البائع جميع ما خسره المشتري عليه كأجرة الباذر ونحو الحراثة وبعضهم أجرة الباذر فقط فبعيد جدا والوجه بل الصواب أنه لا يلزمه شيء من ذلك وليس مجرد شرط الإنبات تغريرا موجبا لذلك كما يعلم مما يأتي في باب خيار النكاح ثم رأيت شيخنا أفتى في بيع بذر على أنه بذر قثاء فزرعه المشتري فأورق ولم يثمر بأنه لا يتخير وإن أورق غير ورق القثاء فله الأرش.
"ولو قال بعتكها وحملها" أو بحملها أو مع حملها "بطل في الأصح" لأن ما لا يصح بيعه وحده لا يصح بيعه مقصودا مع غيره وفارق صحة بعتك هذا الجدار وأسه أو بأسه أو مع أسه على المعتمد بأنه داخل في مسماه لفظا فلم يلزم على ذكره محذور والحمل ليس داخلا في مسمى البهيمة كذلك فلزم من ذكره توزيع الثمن عليهما وهو مجهول وإعطاؤه حكم المعلوم إنما هو عند كونه تبعا لا مقصودا وكالجدار وأسه الجبة وحشوها. "ولا يصح بيع الحمل وحده" كما علم من بطلان بيع الملاقيح وإنما ذكره توطئة لقوله "ولا" بيع "الحامل دونه" لتعذر استثنائه إذ هو كعضو منها وأورد على مفهومه بعض الشراح ما يظهر فساده بأدنى تأمل فليحذر "ولا" بيع "الحامل بحر" ورقيق لغير مالك الأم وإن كان للمشتري بنحو إيصاء أو الحامل بغير متقوم كأن حملت آدمية أو بهيمة من مغلظ لما مر أن الفرع يتبع أخس أبويه في النجاسة فعلم أنهم حيث أطلقوا حكم الحمل أرادوا به غير هذا على أنه نادر جدا فلا يرد عليهم وذلك لاستثنائه شرعا فكان كاستثنائه حسا ومثله لبون بضرعها لبن لغير مالكها وإنما صح بيع الدار المستأجرة لأن المنفعة ليست عينا مستثناة والحمل جزء متصل فلم يصح استثناؤه وأيضا فالمنفعة يصح إيراد العقد عليها وحدها فصح استثناؤها بخلاف الحمل "ولو باع حاملا مطلقا" من غير تعرض لدخول أو عدمه "دخل الحمل في البيع" إن اتحد مالكهما إجماعا وإلا بطل ولو وضعت ثم باعها فولدت آخر لدون ستة أشهر من الأول كان للمشتري كما قاله الشيخان في الكتابة لانفصاله في ملكه وعن النص للبائع لأنهما حمل واحد ويجاب بأن المدار على الاستتباع حالة البيع وما انفصل لا استتباع فيه بخلاف ما اتصل فأعطي كل حكمه.
 

فصل في القسم الثاني من المنهيات التي لا يقتضي النهي فسادها كما قال
"ومن المنهي عنه ما" أي نوع مغاير للأول "لا يبطل" بفتح ثم ضم كما نقل عن ضبطه أي بيعه لدلالة السياق عليه ويصح أن تكون ما واقعة على بيع فالفاعل مذكور وبضم ثم كسر كما نقل عن ضبطه أيضا أي يبطله النهي لفهمه من المنهي ومن ثم أعاد

 

ج / 2 ص -118-      عليه ضمير رجوعه قيل وبضم ثم فتح وهو بعيد "لرجوعه" أي النهي عنه "إلى معنى" خارج عن ذاته ولازمها ولكنه "يقترن به" نظير البيع بعد نداء الجمعة فإنه ليس لذاته ولا لازمها بل لخشية تفويتها "كبيع حاضر لباد" ذكرهما للغالب والحاضرة المدن والقرى والريف وهو أرض فيها زرع وخصب والبادية ما عدا ذلك "بأن يقدم غريب" هو مثال والمراد كل جالب كذا قالوه. ويظهر أن بعض أهل البلد لو كان عنده متاع مخزون فأخرجه ليبيعه بسعر يومه فتعرض له من يفوضه له ليبيعه له تدريجا بأغلى حرم أيضا للعلة الآتية "بمتاع تعم الحاجة إليه" مطعوما أو غيره "ليبيعه بسعر يومه" يظهر أنه تصوير فلو قدم ليبيعه بسعر ثلاثة أيام مثلا فقال له اتركه لأبيعه لك بسعر أربعة أيام مثلا حرم عليه ذلك للمعنى الآتي فيه ويحتمل التقييد بما دل عليه ظاهر كلامهم أن يريد بيعه بسعر الوقت الحاضر فيسأله تأخيره عنه ويوجه بأنه لا يتحقق التضييق إلا حينئذ لأن النفوس إنما تتشوف للشيء في أول أمره فلو أراد مالكه تأخير زمن فسأله آخر أن يؤخره عنه لم يحرم "فيقول بلدي" هو مثال أيضا ولو تعدد القائلون معا أو مرتبا أثموا كلهم كما هو ظاهر "اتركه عندي" مثال أيضا "لأبيعه" أو ليبيعه فلان معي أو بنظري فيما يظهر ويحتمل خلافه "على التدريج" أي شيئا فشيئا "بأغلى" للخبر الصحيح "لا يبيع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض" ووقع لشارح أنه زاد فيه: "في غفلاتهم" ونسبه لمسلم وهو غلط إذ لا وجود لهذه الزيادة في مسلم بل ولا في كتب الحديث كما قضى به سبر ما بأيدي الناس منها وأفاد آخره أن علة تحريمه وهو خاص بالقائل للمالك ذلك ولا يقال هو بإجابته معين له على معصية لأن شرطه أن لا توجد المعصية إلا منهما كلعب شافعي الشطرنج مع من يحرمه ومبايعة من لا تلزمه الجمعة مع من تلزمه بعد ندائها وهنا المعصية تمت قبل أن يجيبه المالك ومن صور ما في المتن بأن يجيبه لذلك فإنما أراد التصوير كما هو ظاهر ما فيه من التضييق على الناس أي باعتبار ما من شأنه وإن لم يظهر ببيعه سعة في البلد بخلاف ما لا يحتاج إليه إلا نادرا وما لو قصد المالك بيعه بنفسه تدريجا فسأله آخر أن يفوض له ذلك أو سأله المالك أو سأل هو المالك أن يبيع له بسعر يومه أو استشاره فأشار عليه بما هو الأصلح له لوجوبه عليه على الأوجه ولو قدم من يريد الشراء فتعرض له من يشتري له رخيصا ففي إثمه تردد واختار البخاري الإثم لحديث فيه عند أبي داود وبحث الأذرعي الجزم به وسبقه إليه ابن يونس وله وجه كالبيع وإن أمكن الفرق بأن الشراء غالبا بالنقد وهو لا تعم الحاجة إليه ومال إليه جمع متأخرون ويمكن الجمع بحمل الأول على شراء بمتاع تعم الحاجة إليه والثاني على خلافه ولا بد هنا وفي جميع المناهي على ما يأتي يكون عالما بالنهي أي أو مقصرا في تعلمه كما هو ظاهر أخذا من قولهم يجب على من باشر أمرا أن يتعلم ما يتعلق به مما يغلب وقوعه. "وتلقي الركبان" جمع راكب وهو للأغلب والمراد مطلق القادم ولو واحدا ماشيا للشراء منهم بأن يخرج لحاجة فيصادفهم فيشتري منهم أو "بأن يتلقى طائفة" وهي تشمل الواحد خلافا لمن غفل عنه فأورده عليه نظرا لما يخصصه لأنه إطلاق لها على بعض ما صدقاتها وهو قوله "يحملون

 

ج / 2 ص -119-      متاعا" وإن ندرت الحاجة إليه "إلى البلد" يعني إلى المحل الذي خرج منه الملتقى أو إلى غيره وشمل ذلك كله تعبير غيره بالشراء من الجالب بل يشمل شراء بعض الجالبين من بعض "فيشتريه منهم" بغير طلبهم "قبل قدومهم" أي لما يمتنع القصر فيه "ومعرفتهم بالسعر" للنهي الصحيح عن تلقيهم للبيع مع إثبات الخيار لهم إذا أتوا السوق والمعنى فيه احتمال غبنهم سواء أخبر كاذبا أم لم يخبر على الأصح وقيل خشية حبس المشتري لما يشتريه منهم فيضيق على أهل البلد وأفهم المتن مع ما ذكرته أنه لا إثم ولا خيار بتلقيهم في البلد قبل الدخول للسوق وإن غبنهم والثاني صرحوا به وقياسه الأول ويوجه بأنهم المقصون حينئذ واختيار جمع منهم ابن المنذر الحرمة فيه نظر وإن اعتمد ذلك بعض الشراح ولا فيما إذا عرفوا سعر البلد الذي قصدوه ولو بخبره إن صدقوه فيه فاشترى منهم به أو بدونه ولو قبل قدومهم لانتفاء الغبن ولا فيما إذا اشترى منهم بطلبهم وإن غبنهم وفيما إذا لم يعرفوا السعر ولكن اشتراه به أو بأكثر. قال جمع: يحرم وهو الذي يدل عليه المتن ويوجه بأن احتمال الغبن حاصل هنا وهو ملحظ الحرمة بخلاف الخيار فإن ملحظه وجود الغبن بالفعل ولم يوجد وقال آخرون لا حرمة إذ لا ضرر وهو الذي دل عليه كلام الرافعي فهو الأوجه "ولهم الخيار" فورا "إذا عرفوا الغبن" وثبت ذلك وإن عاد الثمن إلى ما أخبر به للخبر مع عذرهم ومن ثم لو سألوه أن يشتري منهم فلا إثم ولا خيار كما مر وإن جهلوا السعر لتقصيرهم ولم ينظر لعود الثمن لخبره لأنه فوتهم زيادة فيه قبل رخصه وبه فارق عدم الخيار باستمرار اللبن على ما أشعرت به التصرية وبعد زوال العيب وظاهر صنيع المتن أن ثبوته لهم لا يتوقف على وصولهم البلد وصنيع أصله والروضة أنه يتوقف عليه وهو ظاهر الخبر ولو تلقاهم للبيع عليهم جاز على ما رجحه الأذرعي ومحله إن باعهم بسعر البلد وقد عرفوه وإلا فالأوجه أنه كالشراء منهم. "والسوم على سوم غيره" ولو ذميا للنهي الصحيح عنه ولما فيه من الإيذاء بأن يقول لمن أخذ شيئا ليشتريه بكذا رده حتى أبيعك خيرا منه بهذا الثمن أو بأقل منه أو مثله بأقل أو يقول لمالكه استرده لأشتريه منك بأكثر أو يعرض على مريد الشراء أو غيره بحضرته مثل السلعة بأنقص أو أجود منها بمثل الثمن ويظهر أن محل هذا في عرض عين تغني عن المبيع لمشابهتها لها في الغرض المطلوبتين لأجله "وإنما يحرم ذلك بعد استقرار الثمن" بأن يصرحا بالتوافق على شيء معين وإن نقص عن قيمته بخلاف ما لو انتفى ذلك أو كان يطاف به فتجوز الزيادة فيه لا بقصد إضرار أحد. "والبيع على بيع غيره قبل لزومه" لبقاء خيار المجلس أو الشرط وكذا بعده وقد اطلع على عيب واغتفر التأخير لنحو ليل "بأن يأمر المشتري" وإن كان مغبونا والنصيحة الواجبة تحصل بالتعريف من غير بيع "بالفسخ ليبيعه مثله" أو أجود منه بمثل الثمن أو أقل أو يعرضه عليه بذلك وإن لم يأمره بفسخ بل قال الماوردي يحرم أن يطلب السلعة من المشتري بأكثر والبائع حاضر قبل اللزوم لأدائه إلى الفسخ أو الندم "والشراء على الشراء بأن يأمر البائع" قبل اللزوم "بالفسخ ليشتريه" بأكثر من ثمنه للنهي الصحيح عنهما والكلام حيث لم يأذن من يلحقه الضرر لأن الحق له وسواء في حرمة ما ذكر كالنجش

 

ج / 2 ص -120-      الآتي بلغ المبيع قيمته أو نقص عنها على المعتمد نعم تعريف المغبون بغبنه لا محذور النصيحة فيه لأنه من الواجبة ويظهر أن محله في غبن نشأ عن نحو غش البائع لإثمه حينئذ فلم يبال بإضراره بخلاف ما إذا نشأ لا عن تقصير منه لأن الفسخ ضرر عليه والضرر لا يزال بالضرر. "والنجش" وهو الإثارة لأنه يثير الرغبات فيها ويرفع ثمنها "بأن يزيد في الثمن" لسلعة معروضة للبيع "لا لرغبة بل ليخدع غيره" أو لينفع البائع مثلا، وإن نقصت القيمة فزاد حتى يساويها الثمن ولو في مال اليتيم على الأوجه لأن الفرض أنه قاصد للخديعة أو نحوها وذلك للنهي الصحيح عنه ولا يشترط هنا العلم بخصوص هذا النهي لأن النجش خديعة وتحريمها معلوم لكل أحد بخلاف ما مر فإن علم تحريمها متوقف على الخبر أو المخبر به فاشترط العلم به وبحث فيه الشيخان بأن البيع على البيع مثلا إضرار فهو في علم تحريمه كالخديعة وقد يجاب بأن الضرر هنا أعظم إذ لا شبهة بخلافه ثم فإن شبهة الربح عذر والحاصل أنه لا بد في الحرمة من العلم بها خصوصا أو عموما إلا في حق جاهل مقصر بترك التعلم كما مر "والأصح" هنا وفيما لو قال البائع أعطيت كذا أو أخبر المشتري عارف أن هذا جوهر فبان خلافه "أنه لا خيار" للمشتري لتفريطه بإقدامه وعدم سؤاله لأهل الخبرة وفارق التصرية بأنها تغرير في ذات المبيع وهذا خارج عنه ولا يرد نحو تحمير الوجنة لأنه يدرك حالا فهو كما هنا ولو لم يواطئ البائع الناجش لم يخير قطعا. "وبيع" نحو "الرطب والعنب لعاصر الخمر" أي لمن يظن منه عصره خمرا أو مسكرا كما دل عليه ربط الحرمة التي أفادها العطف بوصف عصره للخمر فلا اعتراض عليه خلافا لمن زعمه واختصاص الخمر بالمعتصر من العنب لا ينافي عبارته هذه خلافا لمن زعمه أيضا لأن عصره للخمر قرينة على عصره للنبيذ الصادق بالمتخذ من الرطب فذكره فيه للقرينة لا لأنه يسمى خمرا على أنه قد يسماه مجازا شائعا أو تغليبا ودليل ذلك لعنه صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة عاصرها ومعتصرها الحديث. الدال على حرمة كل تسبب في معصية وإعانة عليها وزعم أن الأكثرين هنا على الحل أي مع الكراهة يتعين حمله على ما إذا شك في عصره له ومثل ذلك كل تصرف يفضي لمعصية كبيع مخدر لمن يظن أكله المحرم له وأمرد ممن عرف بالفجور وأمة ممن يتخذها لنحو غناء محرم وخشب لمن يتخذه آلة لهو وثوب حرير لرجل يلبسه فإن قلت هو هنا عاجز عن التسليم شرعا فلم صح البيع قلت ممنوع لأن العجز عنه ليس لوصف لازم في المبيع بل في البائع خارج عما يتعلق بالمبيع وشروطه وبه فارق البطلان الآتي في التفريق والسابق في بيع السلاح للحربي لأنه لوصف في ذات المبيع موجود حالة البيع. فإن قلت يشكل عليه صحة بيع السلاح لقاطع الطريق مع وجود ذلك فيه قلت يفرق بأن وصف الحرابة المقتضي لتقويتهم علينا به موجود حال البيع بخلاف وصف قطعه الطريق فإنه أمر مترقب ولا عبرة بما مضى منه فتأمل ذلك كله ليندفع عنك ما للسبكي وغيره هنا وأفتى ابن الصلاح وأقروه فيمن حملت أمتها على فساد بأنها تباع عليها قهرا إذا تعين البيع طريقا إلى خلاصها كما أفتى القاضي فيمن يكلف قنه ما لا يطيق بأنه يباع عليه تخليصا له من الذل ومحله إن لم يمكن تخليصه إلا

 

ج / 2 ص -121-      ببيعه كما يشير إليه كلامهم ومن المنهي عنه أيضا احتكار القوت بأن يشتريه وقت الغلاء والعبرة فيه بالعرف ليبيعه بأكثر من ثمنه للتضييق حينئذ ومتى اختل شرط من ذلك فلا إثم وتسعير الإمام أو نائبه كالقاضي في قوت أو غيره ومع ذلك يعزر مخالفه خشية من شق العصا ولا ينافيه قولهم تجب طاعة الإمام فيما يأمر به ما لم يكن إثما لأن المراد كما هو ظاهر الإثم بالنسبة للفاعل لا للآمر والمأمور هنا غير آثم فحرمت المخالفة فيه نعم الذي يظهر أن محل هذه الحرمة بالنسبة لمن تظاهر به دون من أخفاه وعلى القاضي حيث لم يعتد تولية الحسبة لغيره لخروجها عن ولايته حينئذ إلا إن اعتيد مع ذلك بقاء نظر القاضي على الحسبة ومتوليها كما هو ظاهر في زمن الضرورة جبر من عنده زائد على كفاية مؤنه سنة على بيع الزائد.
"ويحرم" على من ملك آدمية وولدها "التفريق بين الأم" وإن رضيت أو كانت كافرة أو مجنونة أو آبقة على الأوجه نعم إن أيس من عودها أو إفاقتها احتمل حل التفريق حينئذ "والولد" بنحو بيع أو هبة أو قرض أو قسمة إجماعا وصح خبر
"من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة" و في رواية لأبي داود "ملعون من فرق بين والدة وولدها" ويجوز التفريق إن اختلف المالك أو كان أحدهما حرا أو بنحو عتق ومنه بيعه لمن يحكم بعتقه عليه لا بشرط عتقه كما اقتضاه إطلاقهم لأنه غير محقق ويؤيده ما مر من عدم صحة بيع المسلم للكافر بشرط عتقه ووصية فلعل الموت لا يقع إلا بعد التمييز وبيع جزء منها لآخر إن اتحد إذ لا تفريق في بعض الأزمنة بخلاف ما لو اختلف ربع وثلث لا بفسخ بنحو إقالة ورد بعيب على ما نقلاه وأقراه. وعلى مقابله الذي انتصر له المتأخرون بحث جمع أنه يجوز التفريق بالرجوع في الهبة للفرع لأنه لا بدل له بخلافه في الرجوع في القرض واللقطة وكالأم عند عدمها الأب والجدة لأم أو أب وإن عليا لا الجد للأم كسائر المحارم على ما رجحه جمع والأوجه قول المتولي أنه كالجد للأب لعدهم له من الأصول في الإعفاف والإنفاق والعتق وغيرها وإذا اجتمع أب وأم حرم بينه وبينها وحل بينه وبينه أو أب وجدة فهما سواء فيباع مع أيهما كان ولا يجوز التفريق بينه وبينهما وقد يجوز التفريق للضرورة كأن ملك كافر صغيرا وأبويه فأسلم الأب فإنه يتبعه ويباعان دونها وإن مات الأب بيع وحده وبحث الأذرعي أنه لو سبى مسلم طفلا فتبعه ثم ملك أمه الكافرة جاز له بيع أحدهما فقط مردود بأنه لا ضرورة هنا للبيع بخلافه في الأولى وتستمر حرمة التفريق "حتى يميز" الولد بأن يصير بحيث يأكل وحده ويشرب وحده ويستنجي وحده ولا يقدر بسن لاستغنائه حينئذ عن التعهد والحضانة ويفرق بين هذا والأمر بالصلاة فإنه لا يعتبر فيه التمييز قبل السبع بأن ذاك فيه نوع تكليف وعقوبة فاحتيط له. "و في قول حتى يبلغ" لخبر فيه ولنقص تمييزه قبل البلوغ ومن ثم حل التقاطه ويجاب بأن الخبر ضعيف وبمنع تأثير ذلك النقص هنا وحل التقاطه ليس لذلك كما يعلم مما يأتي ويكره ولو بعد البلوغ خروجا من خلاف أحمد ولا يرد على المتن منع التفريق في المجنون وإن بلغ لأنه يفهم من قوله حتى يميز ولا يعارضه ما بعده خلافا لمن زعمه،

 

ج / 2 ص -122-      لأنه لا مانع من ذكر شيئين وحكاية قول في أحدهما ويحرم التفريق أيضا بالسفر وبين زوجة حرة وولدها الغير المميز لا مطلقة لإمكان صحبتها له كذا أطلقه الغزالي وأقره والذي يتجه أخذا من كلامهم في الحضانة أن التفريق بالسفر أو غيره في المطلقة وغيرها متى أزال حق حضانة ثبتت لها حرم وإلا كالسفر لنقله فلا وأفهم فرضه الكلام فيما يرجى تمييزه عدم حرمته بين البهائم ومحله في نحو ذبح الأم إن استغنى الولد عن لبنها ويكره حينئذ وإلا حرم ولم يصح البيع وإن لم يؤكل كجحش صغير أما ذبحه وهو مأكول فيحل قطعا كبيعه لغرض الذبح ولو بأن يظنه من المشتري كما هو ظاهر وبيع مستغن مكروه إلا لغرض الذبح "وإذا فرق ببيع أو هبة" أو غيرهما مما مر تفصيله ومنه الوقف على الأوجه لأن الموقوف يشغله عن الآخر حق الموقوف عليه المستغرق لمنافعه فهو كالبيع "بطلا في الأظهر" لعدم القدرة على التسليم شرعا وهو قبل سقيه اللبا باطل قطعا وثنى الضمير مع العطف بأو لأنها بين ضدين كما في {فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} [النساء: 135] فاندفع ما للإسنوي ومن تبعه هنا ثم رأيت الزركشي أجاب بذلك. "ولا يصح بيع العربون" بفتح أوله وهو الأفصح وبضم فسكون ويقال له العربان بضم فسكون وهو معرب وأصله التسليف والتقديم ثم استعمل فيما يقرب من ذلك كما أفاده قوله "بأن يشتري ويعطيه دراهم" وقد وقع الشرط في العقد أي أو زمن خياره كما هو قياس ما مر على أنه إنما أعطاها "لتكون من الثمن إن رضي السلعة وإلا فهبة" بالنصب ويجوز الرفع للنهي عنه لكن إسناده غير متصل ولأن فيه شرطين مفسدين شرط الهبة وشرط رد المبيع بتقدير أن لا رضا قيل كان ينبغي له ذكر هذا والتفريق في فصل ما يبطل ويجاب بأن في صنيعه هذا فائدة أي فائدة وهي الإشارة إلى أن التفريق لما اختلف في إبطاله و هذا لما لم يثبت في النهي عنه شيء كانا بمنزلة مغاير لما في الفصلين فأخرا لإفادة هذا الذي لو قدم لم يتنبه له على أن هذا قدم إجمالا في البيع والشرط.
تنبيه: قد يجب البيع كما إذا تعين لمال المولي أو المفلس أو لاضطرار المشتري والمال لمحجور وإلا فالواجب مطلق التمليك وقد يندب كالبيع بمحاباة أي مع العلم بها فيما يظهر وإلا لم يثبت وعليه يحمل خبر
"المغبون لا مأجور ولا محمود" وإن كان ضعيفا فإن قلت يمكن حمل ندب المحاباة هنا على قولهم يسن لمشتري ما يتعلق بعبادة أن لا يماكس في ثمنه قلت لا يمكن ذلك لأن ما هنا في محاباة البائع وذاك في محاباة المشتري على أن الذي يتجه ندب المحاباة للمشتري أيضا مطلقا وذكرهم ذاك إنما هو بالنسبة للآكدية لا لعدم الندب في شراء ما لغير عبادة بمحاباة لأن قياس ذكرهم ندبها للبائع مطلقا ندبها للمشتري كذلك. فإن قلت يصدق عليه حينئذ أنه مغبون قلت ممنوع إنما المغبون من أخذ ماله لنحو تغفله أو عدم قصد محمود منه في المسامحة بدون ثمن مثله فإن قلت ينافي ذلك كله حديث: "ماكسو الباعة فإنه لا خلاق لهم" قلت هذا حديث ضعيف وبفرض حسنه لورود طرق له منها: "أتاني جبريل فقال يا محمد ماكس عن درهمك فإن المغبون لا مأجور ولا محمود" هو لا ينافيه بل يحمل على من لم يقصد

 

ج / 2 ص -123-      محاباة لله فهذا ينبغي له مماكستهم دون من يقصد ذلك لكن الأوجه أن قصد المحاباة سنة مطلقا لكن كونها فيما يشترى للعبادة آكد وفي زمن نحو غلاء وقد يكره كبيع العينة وكل بيع اختلف في حله كالحيل المخرجة عن الربا وكبيع دور مكة والمصحف ولا يكره شراؤه على المعتمد وكالبيع والشراء ممن أكثر ماله حرام ومخالفة الغزالي فيه في الإحياء شاذة كما في المجموع وكذا سائر معاملته ويلحق بذلك الشراء مثلا من سوق غلب فيه اختلاط الحرام بغيره ولا حرمة ولا بطلان إلا إن تيقن في شيء بعينه موجبهما والحرام مر أكثر مثله والجائز ما بقي ولا ينافي جوازه عده من فروض الكفايات لأن فرض الكفاية جائز الترك بالنسبة للأفراد.

فصل في تفريق الصفقة وتعدده وتفريقها
إما في الابتداء أو في الدوام أو في الأحكام وقد ذكرها كذلك وضابط الأول أن يشتمل العقد على ما يصح بيعه وما لا يصح فإذا "باع" في صفقة واحدة "خلا وخمرا" أو شاة وخنزيرا "أو" باع "عبده وحرا أو" باع عبده "وعبد غيره أو" باع "مشتركا بغير إذن الآخر" أي الشريك "صح في ملكه في الأظهر" وبطل في الآخر إعطاء لكل منهما حكمه سواء أقال هذين أو هذين الخلين أم القنين أم الخل والخمر والقن والحر بخلاف عكسه على ما بينته في شرح الإرشاد الصغير لأن العطف على الممتنع ممتنع ومن ثم لو قال نساء العالمين طوالق وأنت يا زوجتي لم تطلق ويشترط أيضا العلم بهما ليتأتى التوزيع الآتي فإن جهل أحدهما بطل فيهما كما يأتي في بيع الأرض مع بذرها، ويجري تفريق الصفقة في غير البيع أيضا من العقود والحلول وغيرهما كالشهادة بشرط تقديم الحل هنا أيضا وإنما بطل في الكل فيما إذا آجر الراهن المرهون مدة تزيد على محل الدين أو الناظر للوقف أكثر مما شرطه الواقف لغير ضرورة أو استعار شيئا ليرهنه بدين فزاد عليه لخروجه بالزيادة عن الولاية على العقد فلم يمكن التبعيض. ويؤخذ من العلة أن الفرض أن الناظر علم بالشرط المذكور لانعزاله بمخالفته صريح شرط الواقف وإلا اختص البطلان بالزائد وهو محمل قول الروياني يبطل الزائد فقط وأن الراهن علم بالرهن ومدة الأجل والأصح فيما قبل الحلول لعدم تقصيره ذكره أبو زرعة وفيما إذا فاضل في الربوي كمد بر بمدين منه أو زاد في خيار الشرط على ثلاثة أيام لما يأتي فيه أو في العرايا على القدر الجائز لوقوعه في العقد المنهي عنه وهو لا يمكن التبعيض فيه وإنما بطل في الزائد فقط في الزيادة في عقد الهدنة على أربعة أشهر أو عشر سنين تغليبا لحقن الدماء المحتاج إليه وفيما لو كان بين اثنين أرض مناصفة فعين أحدهما منها قطعة محفوفة بجميعها وباعها من غير إذن شريكه فلا يصح في شيء منها كما نقله الزركشي عن البغوي وأقره لأنه يلزم على صحته في نصيبه منها الضرر العظيم للشريك بمرور المشتري في حصته إلى أن يصل إلى المبيع ا هـ ومر آخر الشرط الثاني للبيع ما يصرح بذلك ونوزع في استثناء الأولى والثالثة بأن صورة تفريق الصفقة أن يعقد على شيئين موجودين: أحدهما حلال والمنفعة المعقود عليها في الأولى شيء واحد وما في

 

ج / 2 ص -124-      الثالثة تصرف في ملك الغير بما لم يأذن فيه ويرد بمنع قوله الصورة ذلك بل الضابط الجمع بين ممتنع وغيره ولو اعتبارا فشمل ذلك هاتين وغيرهما ومن ثم أجروا التفريق في غير نحو البيع مما مر وخرج بقوله بغير إذن الآخر بيعه بإذنه فيصح جزما. ويصح عوده لعبده وعبد غيره ليفيد الصحة فيهما بإذن الآخر لكن محله إن فصل الثمن وحينئذ قد تعدد العقد وذلك لا يضر في المفهوم فإن قلت يشكل على ما ذكر في عبده وعبد غيره بل وعلى ما يأتي من أن الصحة في الحل بالحصة من المسمى باعتبار قيمتيهما، قولهم لو باعا عبديهما بثمن واحد لم يصح للجهل بحصة كل عند العقد لأن التقويم تخمين وهذا بعينه جار فيما هنا إذ نحو عبده الذي صح البيع فيه ما يقابله مجهول عند العقد فما الفرق قلت يفرق بأن الجهل بما يخص كلا من عينين بيعتا صفقة واحدة إنما يؤثر وينظر إليه في العقد عند اختلاف المالك وعدم المرجح لما يأتي كما في تلك لأن إبطال أحدهما ترجيح بلا مرجح فتعين بطلانهما لتعذر صحتهما لما يلزم عليها من الجهل بما يخص كلا ابتداء وذلك يستلزم دوام النزاع بينهما لا إلى غاية وأما مسألتنا فليس فيها ذلك والمرجح لإبطال ما عدا الحل موجود فيها فلم ينظر للجهل بما يخصه وإن فرض أنه عند العقد كما في بيع سيف وشقص مشفوع بألف كما يأتي فتأمله على أنا لو نظرنا لهذا الجهل لم يتأت تفريق الصفقة مطلقا لأنه يلزمه النظر للحصة باعتبار القيمة وهو مجهول عند العقد ويؤدي للتنازع. فإن قلت يشكل على ذلك التعليل المار في بعتك هذا القطيع أو الثياب كل اثنين بدرهم من أن توزيع الدرهم على قيمتهما يؤدي للجهل فنظروا إليه مع اتحاد المالك قلت يفرق بأن المبيع هنا لم يتعين أصلا لأن كل اثنين فرض مقابلتهما بدرهم يحتمل أنهما من الخيار أو من غيره أو مختلفان فتعذر التوزيع من كل وجه بخلافه في مسألتنا ومسألة شقص وسيف لسهولة التوزيع فيهما مع الأمن من نزاع لا غاية له وإذا صح في ملكه فقط "فيتخير المشتري" فورا "إن جهل" ذلك لضرره بتفريق الصفقة عليه مع عذره بالجهل فهو كعيب ظهر "فإن أجاز" العقد أو كان عالما بالحرام عنده "ف" لثمن "بحصته من المسمى باعتبار" الأجزاء في مثليين بطل البيع في أحدهما وفي المشترك السابق لأنه لا حاجة في هذين النوعين إلى النظر للقيمة ولوضوح الراد لم يبال بإبهام كلامه اعتبار القيمة هنا أيضا وعلى الرأسين المتقومين فأكثر باعتبار "قيمتهما" إن كان لهما قيمة أو لم تكن لأحدهما كالخمر والحر والخنزير بعد التقدير الآتي وذلك لإيقاعهما الثمن في مقابلتهما معا فلم يجب في أحدهما إلا قسطه فلو ساوى المملوك مائة وغيره مائتين فالحصة ثلث الثمن ومحله إن كان الحرام مقصودا وإلا كلمم صح في الآخر بكل الثمن على الأوجه ويقدر الحر قنا والميتة مذكاة والخمر خلا لا عصيرا لعدم إمكان عوده إليه والخنزير عنزا بقدره كبرا وصغرا خلافا لمن زعم تقدير كبيره ببقرة وفي ذلك اضطراب بينته مع الجواب عنه في شرح الإرشاد. ثم رأيت بعضهم تمحل لمنع التناقض وأجرى ما في كل باب على ما فيه فقال ما حاصله إنما لم يرجع هنا للتقويم عند من يرى له قيمة لأن الكافر لا يقبل خبره أي ومن شأن البيع أن يكون بين مسلمين يجهلون قيمة الخمر عند أهلها من الكفار
 

 

ج / 2 ص -125-      ورجع إليه في الوصية لصحتها بالنجس فلم يحتج إليها إلا لبيان القسمة على عدد الرءوس فهي تابعة وفي الصداق لعلمهما بها إذ هما كافران "وفي قول بجميعه" لأن العقد لم يقع إلا على ما يحل بيعه "ولا خيار للبائع" وإن جهل لتقصيره ببيعه لما لا يملك وعذره بالجهل نادر "و" ضابط القسم الثاني أن يتلف قبل القبض بعض من المبيع يقبل الإفراد بالعقد أي إيراد العقد عليه وحده ومن ذلك ما "لو باع عبديه" أو عصيرا أو دارا "فتلف أحدهما" أو تخمر بعض العصير أو تلف سقف الدار "قبل قبضه" فينفسخ العقد فيه وتستمر صحته في الباقي بقسطه من المسمى إذا وزع على قيمته وقيمة التالف ومر في المثليين اعتبار الأجزاء فيأتي ذلك هنا أيضا وكذا في مثلي تلف بعضه وإنما "لم ينفسخ في الآخر" وإن لم يقبضه "على المذهب" مع جهالة الثمن لأنها طارئة فلم تضر كما لا يضر سقوط بعضه لأرش العيب وخرج بتلف ما يفرد بالعقد سقوط يد المبيع وعمى عينيه واضطراب سقف الدار ونحوها فلا يسقط فيها إذ لا انفساخ بذلك لبقاء عين المبيع واليد والإبصار وثبات السقف ونحوها لا يفرد بالعقد ففواتها لا يوجب الانفساخ بل الخيار ليرضى بالمبيع بكل الثمن أو يفسخ ويسترد الثمن بخلاف الأول فإن إفراد التالف بالعقد وإن أوجب الانفساخ فيه لا يوجب الإجازة بكل الثمن "بل يتخير" المشتري فورا بين فسخ العقد والإجارة لتبعيض الصفقة عليه "فإن أجاز فبالحصة" النظير ما مر آنفا "قطعا" على ما هنا كأصله وفي الروضة كأصلها عن أبي إسحاق طرد القولين فيه ولعله الأقرب ولا خيار للبائع وكان وجهه مع عدم تقصيره بوجه وتفريق صفقة الثمن عليه أن الثمن غير منظور إليه أصالة فاغتفر تفريقه دواما لأنه يغتفر فيه ما لا يغتفر في الابتداء بخلاف الثمن فإنه المقصود بالعقد فأثر تفريقه دواما أيضا.
"ولو جمع" العاقد أو العقد "في صفقة مختلفي الحكم كإجارة وبيع" كبعتك هذا وأجرتك هذه سنة بألف ووجه اختلافهما اشتراط التأقيت فيها وبطلانه به وانفساخها بالتلف بعد القبض دونه "أو" إجارة "وسلم" كأجرتك هذه وبعتك كذا في ذمتي سلما بدينار لاشتراط قبض العوض في المجلس في سائر أنواعه بخلافها "صحا في الأظهر" كل منهما بقسطه من المسمى إذا وزع على قيمة المبيع أو المسلم فيه وأجرة الدار كما قال "ويوزع المسمى على قيمتهما" وتسمية الأجرة قيمة صحيح لأنها في الحقيقة قيمة المنفعة ووجه صحتهما أن كلا يصح منفردا فلا يضر الجمع ولا أثر لما قد يعرض لاختلاف حكمهما باختلاف أسباب الفسخ والانفساخ المحوجين إلى التوزيع المستلزم للجهل عند العقد بما يخص كلا من العوض لأنه غير ضار كبيع ثوب وشقص صفقة وإن اختلفا في الشفعة واحتيج للتوزيع المستلزم لما ذكر فعلم أنه ليس المراد باختلاف الأحكام هنا مطلق اختلافها بل اختلافها فيما يرجع للفسخ والانفساخ مع عدم دخولهما تحت عقد واحد فلا ترد مسألة الشقص المذكورة لأنه والثوب دخلا تحت عقد واحد هو البيع ولا يختلفان في ذلك نعم أورد عليه بيع عبدين بشرط الخيار في أحدهما على الإبهام أكثر من الآخر فإنه يبطل فيهما مع أنه من القاعدة ومع شمول كلامه له حيث عبر بمختلفي الحكم ولم

 

ج / 2 ص -126-      يقل كأصله وغيره: عقدين مختلفي الحكم. ويجاب بأنا لو سلمنا أنه منها كان البطلان للشرط المفسد المقارن للعقد لا لاختلاف الحكم على أن حذفه لعقدين إنما هو لإغناء مثاله عنه والتقييد بمختلفي الحكم لبيان محل الخلاف فلو جمع بين متفقين كشركة وقراض كأن خلط ألفين له بألف لغيره وقال شاركتك على أحدهما وقارضتك على الآخر فقبل صح جزما لرجوعهما إلى الإذن في التصرف بخلاف ما لو كان أحدهما جائزا كالبيع والجعالة فإنه لا يصح قطعا لتعذر الجمع بينهما "أو" نحو "بيع ونكاح" كزوجتك بنتي وبعتك عبدها بألف "صح النكاح" لأنه لا يتأثر بفساد الصداق بل ولا بأكثر الشروط الفاسدة "وفي البيع والصداق القولان" فيصح البيع بحصة العبد من الألف والصداق بحصة مهر المثل منها كما سيذكره في بابه مع قيده.
تنبيه: أعدت ضمير جمع على أحد ذينك لأن كلا منهما يدل عليه السياق لكن في الثاني ركة لأن الصفقة إن حملت على العقد كما هو اصطلاح الفقهاء كان التقدير ولو جمع عقد في عقد عقدين مختلفي الحكم وإن حملت على الألفاظ الواقعة بين المتعاقدين لغرضين فأكثر والتقدير وإن جمع العقد في ألفاظ واقعة من اثنين عقدين مختلفي الحكم صح لكن إطلاق الصفقة على ذلك بعيد من اصطلاحهم إلا أن توقف صحة التئام المتن عليه بتقدير أنه المراد أوجب المصير إليه والحاصل أن المغايرة الاعتبارية كافية في صحة الحمل كأنا أبو النجم.
"وتتعدد الصفقة بتفصيل الثمن" من المبتدئ بالعقد لترتب كلام الآخر عليه "كبعتك ذا بكذا وذا بكذا" وإن قبل المشتري ولم يفصل "وبتعدد البائع" كبعناك عبدنا هذا بألف فتعطى حصة كل حكمها نعم لو قبل المشتري نصيب أحدهما بنصف الثمن لم يصح لأن اللفظ يقتضي جوابهما جميعا وبه فارق ما قدمته أول البيع في بعتك هذا بألف وهذه بمائة "وكذا" تتعدد "بتعدد المشتري" كبعتكما هذا بكذا وكاشترينا منك هذا بكذا واقتصر عليهما لأن الكلام فيهما وإلا فهي تتعدد بتعدد العاقد مطلقا "في الأظهر" قياسا على البائع فإن قبل أحدهما فكما ذكر فعلم أنه لو باع اثنان من اثنين كان بمنزلة أربع عقود ومن فوائد التعدد جواز إفراد كل حصة بالرد كما يأتي وأنه لو بان نصيب أحدهما حرا مثلا صح في الباقي قطعا.
تنبيه: ما أفاده كلامه من القطع بتعددها بتعدد البائع دون تعدد المشتري مشكل إلا أن يفرق بأن المبيع مقصود فنظروا كلهم إلى تعدد مالكه والثمن تابع فجاز أن لا ينظر بعضهم لتعدد مالكه لكنهم عكسوا ذلك في الشفعة فعددوها بتعدد المشتري قطعا وبتعدد البائع على الأصح وكذا العرايا، وسر ذلك في الشفعة أن المشتري إذا تعدد وأخذ الشفيع حصة أحدهما لم يضره لاستقلال كل بما صار إليه عهدة وغيرها فلم يكن للخلاف مجال حينئذ بخلاف تعدد البائع فإن تمكين الشفيع من أخذ إحدى حصتي البائعين يفرق الصفقة على المشتري فجرى الخلاف نظرا إلى ضرره وفي العرايا أنها رخصة للمشتري فإذا تعدد وحصل لكل دون خمسة أوسق لم يكن للخلاف مساغ لأن كلا لم يتعد ما أذن له فيه

 

ج / 2 ص -127-      ظاهرا ولا باطنا بخلاف ما إذا اتحد وتعدد البائع فإن ما حصل للمشتري جاوز الخمسة فامتنع على قول نظرا لهذه المجاوزة.
"ولو وكلاه أو وكلهما" إعادة الضمير على معلوم غير مذكور سائغة شائعة فلا اعتراض عليه "فالأصح اعتبار الوكيل" لأن أحكام العقد تتعلق به فلو خرج ما اشتراه من وكيل اثنين أو من وكيلي واحد أو ما اشتراه وكيل اثنين أو وكيلا واحد معيبا جاز رد نصيب أحد الوكيلين في الثانية والرابعة دون أحد الموكلين في الأولى والثالثة، نعم العبرة في الرهن بالموكل لأن المدار فيه على اتحاد الدين وعدمه وفي الشفعة تناقض في اعتبار الموكل أو الوكيل بسطته في شرح الإرشاد في بابها بما لا يستغنى عن مراجعته.
 

باب الخيار
هو اسم من الاختيار الذي هو طلب خير الأمرين من الإمضاء والفسخ وهو لكون أصل البيع اللزوم أي أن وضعه يقتضيه إذ القصد منه نقل الملك وحل التصرف مع الأمن من نقض صاحبه له وهما فرعا اللزوم رخصة شرع إما لدفع الضرر وهو خيار النقص الآتي وإما للتروي وهو المتعلق بمجرد التشهي وله سببان المجلس والشرط وقد أخذ في بيانهما مقدما أولهما لقوة ثبوته بالشرع بلا شرط وإن اختلف فيه وأجمع على الثاني فقال:
"يثبت خيار المجلس في" كل معاوضة محضة وهي ما تفسد بفساد عوضه نحو "أنواع البيع" كبيع الجمد في شدة الحر وبيع الأب أو الجد مال طفله لنفسه وعكسه لخبر الصحيحين
"البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما للآخر اختر" بنصب يقول بـ"أو" بتقدير إلا أن أو إلى أن لا بالعطف وإلا لقال يقل بالجزم وهو لا يصح لأن القصد استثناء القول من عدم التفرق أو جعله غاية له لا مغايرته له الصادقة بوجود القول مع التفرق ولم يبال بهذا الإيهام شراح البخاري حيث جوزوا في رواية "ما لم يتفرقا أو يخير أحدهما الآخر" نصب الراء وجزمها وخالف فيه أئمة تعلقا بما أكثره تشغيب لا أصل له قاله ابن عبد البر ومن ثم ذهب كثيرون من أئمتنا إلى نقض الحكم بنفيه، وزعم النسخ لعمل أهل المدينة بخلافه ممنوع لأن عملهم لا يثبت به نسخ كما حقق في الأصول على أن ابن عمر من أجلهم وهو راوي الحديث كان يعمل به "كالصرف والطعام بالطعام" وبما قدمته من أن القصد بثبوت الخيار هنا مجرد التشهي اندفع ما قيل كيف يثبت مع أن المماثلة شرط فلا أفضل حتى يختاره على أن هذا غفلة عما مر فيها المعلوم منه أنها لا تمنع أن أحدهما أفضل "والسلم والتولية والتشريك" ولا يرد بيع القن من نفسه فإنه لا خيار فيه للقن وكذا لسيده على الأوجه لتصريحهم بأن هذا عقد عتاقة لا بيع ومثله البيع الضمني وكقسمة الرد بخلاف غيرها ولو بالتراضي لأن الممتنع منه يجبر عليه "وصلح المعاوضة" بخلاف صلح الحطيطة فإنه في الدين إبراء وفي العين هبة نعم صلح المعاوضة على المنفعة إجارة ولا يرد لأنه سيصرح بعدم الخيار فيها وعلى دم العمد معاوضة ولا يرد

 

ج / 2 ص -128-      أيضا لأنه معاوضة غير محضة وقد علم من سياقه أنه لا خيار فيها "ولو اشترى من يعتق عليه" كأصله أو فرعه "فإن قلنا" فيما إذا كان الخيار لهما "الملك في زمن الخيار للبائع أو موقوف" وهو الأصح "فلهما الخيار" إذ لا مانع "وإن قلنا" الملك "للمشتري" على الضعيف "تخير البائع" إذ لا مانع هنا أيضا بالنسبة إليه "دونه" لأن قضية ملكه له أن لا يتمكن من إزالته وأن يترتب عليه العتق فورا فلما تعذر الثاني لحق البائع بقي الأول وباللزوم يتبين عتقه عليه وإن كان للبائع حق الحبس "ولا خيار في" ما لا معاوضة فيه كوقف ولا في عقد جائز ولو من جانب كرهن نعم إن شرط في بيع وأقبضه قبل التفرق أمكن فسخه بأن يفسخ البيع فينفسخ هو تبعا، وضمان ووكالة وشركة وقرض وقراض وعارية إذ لا يحتاج له فيه ولا في "الإبراء" لأنه لا معاوضة فيه "والنكاح" لأن المعاوضة فيه غير محضة "والهبة بلا ثواب" لعدم المعاوضة "وكذا ذات الثواب" لأنها لا تسمى بيعا والمعتمد ثبوته فيها ولو قبل القبض لأنها بيع حقيقي "والشفعة" أما المشتري فلأن الشقص مأخوذ منه قهرا وأما الشفيع فلأنه يبعد تخصيص خيار المجلس بأحد العاقدين ابتداء "والإجارة" بسائر أنواعها على المعتمد لأنها لا تسمى بيعا ولفوت المنفعة بمضي الزمن فألزمنا العقد لئلا يتلف جزء من المعقود عليه لا في مقابلة العوض ولأنها لكونها على معدوم هو المنفعة عقد غرر والخيار غرر فلا يجتمعان ويفرق بين إجارة الذمة والسلم بأنه يسمى بيعا بخلافها وبأن المعقود عليه يتصور وجوده في الخارج غير فائت منه شيء بمضي الزمن فكان أقوى وأدفع للغرر منه في إجارة الذمة وبينها وبين البيع الوارد على المنفعة كحق الممر بأنه لما عقد بلفظ البيع أعطي حكمه ومن ثم لو عقد بلفظ الإجارة لا خيار فيه فيما يظهر "والمساقاة" كالإجارة "والصداق" لأن المعاوضة فيه غير محضة مع أنه ليس بمقصود بالذات ومثله عوض الخلع "في الأصح" في المسائل الخمس ومرت الإشارة إلى رد المقابل في كل منها "وينقطع" خيار المجلس "بالتخاير بأن يختارا" أي العاقدان "لزومه" أي العقد صريحا كتخايرناه وأجزناه وأمضيناه وأبطلنا الخيار وأفسدناه لأنه حقهما فسقط بإسقاطهما أو ضمنا بأن يتبايعا العوضين بعد قبضهما في المجلس فإن ذلك يتضمن الرضا بلزوم الأول فإيراد هذه الصورة على مفهوم المتن غير صحيح "فلو اختار أحدهما" لزومه "سقط حقه وبقي" الخيار "للآخر" كخيار الشرط وقول أحدهما اختر أو خيرتك يقطع خياره لأنه رضا منه بلزومه لا خيار المخاطب إلا إن قال اخترت إذ السكوت لا يتضمن رضا وإلا إذا كان القائل البائع والمبيع يعتق على المشتري لأنه باختيار البائع يعتق على المشتري لأن الملك صار له وحده أو فسخه ولو بعد الإجازة انفسخ وإن لم يوافقه الآخر وإلا بطلت فائدة الخيار وفارق الفسخ الإجازة بأنه يعيد الأمر لما كان قبل العقد ومن ثم لو أجاز واحد وفسخ الآخر قدم الفسخ "و" ينقطع أيضا بمفارقة متولي الطرفين بمجلسه "وبالتفرق ببدنهما" أي العاقدين وإن وقع من أحدهما فقط ولو نسيانا أو جهلا لا بروحهما لما يأتي في الموت وذلك لخبر البيهقي "البيعان بالخيار حتى يتفرقا من مكانهما" وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا باع قام فمشى هنيهة ثم رجع وقضيته حل الفراق

 

ج / 2 ص -129-      خشية من فسخ صاحبه، وخبر "ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله" محمول الحل فيه على الإباحة المستوية الطرفين ومحله إن تفرقا عن اختيار فلو حمل أحدهما مكرها بقي خياره لا خيار الآخر إن لم يتبعه إلا إذا منع وإن هرب بطل خيارهما لأن غير الهارب يمكنه الفسخ بالقول مع عدم عذر الهارب بخلاف المكره فكأنه لا فعل له ويؤخذ من التعليل بتمكنه من الفسخ أن غير الهارب لو كان نائما مثلا لم يبطل خياره وهو محتمل، وعند لحوقه لا بد أن يلحقه قبل انتهائه إلى مسافة تحصل بمثلها المفارقة عادة وإلا سقط خياره لحصول التفرق حينئذ ويبطل البيع بانعزال الوكيل في المجلس على ما في البحر لبطلان الوكالة قبل تمام البيع ويوجه بأن لمجلس العقد حكمه بدليل إلحاقهم الشرط الواقع في مجلسه بالواقع فيه فكان انعزاله في مجلسه كانعزاله قبل تمام الصيغة وبه يعلم أن خيار الشرط في ذلك كخيار المجلس إذ لا فرق بينهما في إلحاق الشرط كما صرحوا به "فلو طال مكثهما" في المجلس "أو قاما وتماشيا منازل" ولو فوق ثلاثة أيام "دام خيارهما" لعدم تفرق بدنهما. "ويعتبر في التفرق العرف" فما يعده الناس فرقة لزم به العقد وما لا فلا إذ لا حد له شرعا ولا لغة ففي دار أو سفينة صغيرة بالخروج منها أو رقي علوها وكبيرة بخروج من محل لآخر كمن بيت لصفة وبمتسع كسوق ودار تفاحشت سعتها بتولية الظهر والمشي قليلا ولا يكفي بناء جدار وإرخاء ستر بينهما إلا إن كان بفعلهما أو أمرهما فإن كان من أحدهما فقط بطل خياره لا خيار الآخر إلا إن قدر على منعه أو لم يتلفظ بالفسخ فيما يظهر كما لو هرب وفي متبايعين من بعد بمفارقة محل البيع لا إلى جهة الآخر ولا بالعود لمحله بعد المضي إلى الآخر هذا ما بحثه جمع واعترض بأن القياس انقطاعه بمفارقة أحدهما مكانه ووصوله لمحل لو كان الآخر معه بمجلس العقد عد تفرقا وقد يجاب بأن ما بينهما من التباعد حالة العقد صار كله حريم العقد فلم يؤثر مطلقا ومر أول البيع بقاء خيار الكاتب إلى انقضاء خيار المكتوب إليه بمفارقته لمجلس قبوله "ولو مات" في المجلس كلاهما أو "أحدهما أو جن" أو أغمي عليه "فالأصح انتقاله إلى الوارث" ولو عاما "والولي" والسيد في المكاتب والمأذون والموكل كخيار الشرط وإن كان أقوى للإجماع عليه ولثبوته لغير المتعاقدين. ومن ثم جرى هذا الخلاف هنا لا ثم وإذا انتقل للولي فعل الأصلح أو للوارث الغير الأهل نصب الحاكم عنه من يفعل الأصلح أو الأهل المتحد أو المتعدد فإن كان بمجلس العقد امتد خياره كالحي إلى التخاير أو التفرق نعم لا عبرة بمفارقة بعض الورثة أو غائبا عنه امتد خياره على المعتمد إلى مفارقته أو مفارقة المتأخر فراقه منهم مجلس بلوغ الخبر وبانقطاع خيارهم ينقطع خيار الحي وإن لم يفارق مجلسه، وينفسخ في الكل بفسخ بعضهم ولو فسخ قبل علمه بموت مورثه نفذ وكذا لو أجاز على الأوجه ولو بلغ المولى رشيدا وهو بالمجلس لم ينتقل إليه الخيار ويوجه بعدم أهليته حين البيع وفي بقائه للولي وجهان وكذا في خيار الشرط والأوجه بقاؤه له استصحابا لما كان "ولو" جاءا معا "وتنازعا في" أصل "التفرق" قبل مجيئهما "أو" معا أو مرتبا واتفقا على التفرق ولكن تنازعا في "الفسخ قبله صدق النافي" للتفرق في الأولى

 

ج / 2 ص -130-      وللفسخ في الثانية بيمينه لأن الأصل دوام الاجتماع وعدم الفسخ.
 

فصل في خيار الشرط وتوابعه
"لهما" أي العاقدين بأن يتلفظ كل منهما بالشرط "ولأحدهما" على التعين لا الإبهام بأن يتلفظ هو به إذا كان هو المبتدئ بالإيجاب أو القبول ويوافقه الآخر من غير تلفظ به وحينئذ فلا اعتراض على قوله ولأحدهما بل ولا يستغنى عنه خلافا لمن زعمه وأما إذا شرط المتأخر قبوله أو إيجابه فيبطل العقد لعدم المطابقة ومر ما يعلم منه أن لهما ولأحدهما إن وافقه الآخر في زمن جواز العقد لخيار مجلس أو شرط إلحاق شرط صحيح لأنه حينئذ كالواقع في صلب العقد "شرط الخيار" لهما ولأحدهما ولأجنبي كالقن المبيع اتحد المشروط له أو تعدد ولو مع شرط أن أحدهما يوقعه لأحد الشارطين والآخر للآخر والأوجه اشتراط تكليف الأجنبي لا رشده وأنه لا يلزمه فعل الأحظ بناء على أن شرط الخيار تمليك له وهو الأوجه أيضا وعليه يكفي عدم الرد فيما يظهر لأنه ليس تمليكا حقيقيا وأن قوله على أن أشاور يوما مثلا صحيح ويكون شارطا الخيار لنفسه "في أنواع البيع" التي يثبت فيها خيار المجلس إجماعا ولما صح أن بعض الأنصار وهو حبان بفتح أوله وبالموحدة ابن منقد أو منقذ بالمعجمة والده روايتان جزم بكل جماعة وهما صحابيان كان يخدع في البيوع فأرشده صلى الله عليه وسلم إلى أنه يقول عند البيع لا خلابة وأعلمه أنه إذا قال ذلك كان له خيار ثلاث ليال ومعناها وهي بكسر المعجمة وبالموحدة لا غبن ولا خديعة ومن ثم اشتهرت في الشرع لاشتراط الخيار ثلاثا فإن ذكرت وعلما معناها ثبت ثلاثا وإلا فلا. واعترض الإسنوي وغيره المتن بأنه لم يبين المشروط له الخيار فأوهم وهو عجيب فإن من قواعدهم أن حذف المعمول يفيد العموم الذي قررته بل وصحة ما ذهب إليه الروياني مخالفا لوالده من جوازه لكافر في نحو مسلم مبيع ولمحرم في صيد إذ لا إذلال ولا استيلاء في مجرد الإجازة والفسخ وما قررته من هذا الجواب الواضح المفيد لشمول المتن لهذه المسائل أولى من جواب المنكت بأن المجرور متعلق بالخيار المضاف للمبتدإ المخبر عنه بالجار والمجرور بعده إذ فيه من التكلف والقصور ما لا يخفى وإذا شرط لأجنبي لم يثبت لشارطه له إلا إن مات الأجنبي في زمنه فينتقل لشارطه ولو وكيلا ولو مات العاقد انتقل لوارثه ما لم يكن العاقد وليا وإلا فللقاضي كما هو ظاهر أو وكيلا وإلا فلموكله وليس لوكيل شرطه لغير نفسه وموكله إلا بإذنه. ويظهر أن سكوته على شرط المبتدئ كشرطه خلافا لزعم بعضهم أن مساعدة الوكيل بأن تأخر لفظه عن اللفظ المقترن بالشرط ليست كاشتراطه وذلك لأن المحذور إضرار الموكل وهو حاصل بشرطه وسكوته كما هو واضح واعلم أن خيار المجلس والشرط متلازمان غالبا قد يثبت ذاك لا هذا ولا عكس كما أفاده قوله "إلا أن يشترط القبض في المجلس" من الجانبين "كربوي" أو من أحدهما كإجارة ذمة بناء على الضعيف أن خيار المجلس يثبت فيها "وسلم" لامتناع التأجيل فيهما، والخيار لمنعه الملك أو لزومه أعظم غررا منه ولا يجوز شرطه أيضا في شراء من

 

ج / 2 ص -131-      يعتق عليه للمشتري وحده لاستلزامه الملك له المستلزم لعتقه المانع من الخيار وما أدى ثبوته لعدمه كان باطلا من أصله بخلاف شرطه لهما لوقفه أو للبائع لأن الملك له كما يأتي ولا في البيع الضمني ولا فيما يتسارع إليه الفساد في المدة المشروطة لأن قضية الخيار التوقف عن التصرف فيه فيؤدي لضياع ماليته ولا ثلاثا للبائع في المصراة لأدائه لمنع الحلب المضر بها، وطرد الأذرعي له في كل حلوب يرد بأنه لا داعي هنا لعدم الحلب بخلافه ثم فإن ترويجه للتصرية التي قصدها بمنعه من الحلب وإن كان اللبن ملكه ويظهر أن شرطه فيها لهما كذلك وأن مثل الثلاث ما قاربها مما من شأنه أن يضر بها فإن قلت كيف يعلم المشتري تصريتها حتى يمتنع عليه شرط ذلك للبائع أو يوافقه عليه قلت يحمل ذلك على ما إذا ظن التصرية ولم يتحققها أو المراد أن إثم ذلك يختص بالبائع أو أن بظهور التصرية يتبين فساد الخيار وما يترتب عليه من فسخ أو إجازة ولو تكرر بيع كافر لقنه المسلم بشرط الخيار وفسخه ألزمه الحاكم بيعه بتا. "وإنما يجوز" شرطه "في مدة معلومة" لهما كإلى طلوع شمس الغد وإن لم يقل إلى وقته لأن الغيم إنما يمنع الإشراق لا الطلوع أو إلى ساعة وهل تحمل على اللحظة أو الفلكية إن عرفاها محل نظر ويتجه أنهما إن قصدا الفلكية أو عرفاها حمل عليها وإلا فعلى لحظة أو إلى يوم ويحمل على يوم العقد فإن عقد نصف النهار مثلا فإلى مثله وتدخل الليلة للضرورة وإنما لم يحمل اليوم في الإجارة على ذلك لأنها أصل والخيار تابع فاغتفر في مدته ما لم يغتفر في مدتها أو نصف الليل انقضى بغروب شمس اليوم الذي يليه كما في المجموع. واعترض نقلا ومعنى بأنه لا بد هنا من دخول بقية الليل وإلا صارت المدة منفصلة عن الشرط ويجاب بأنه وقع تابعا فدخل من غير تنصيص عليه وكما دخلت الليلة فيما مر من غير نص عليها لأن التلفيق يؤدي إلى الجواز بعد اللزوم فكذا بقية الليل هنا لذلك بجامع أن التنصيص على الليل فيهما ممكن فلزم من قولهم بعدم وجوبه ثم قولهم بعدمه هنا وكون طرفي اليوم الملفق يحيطان بالليلة ثم لا هنا لا يؤثر، أما شرطه مطلقا أو في مدة مجهولة كمن التفرق أو إلى الحصاد أو العطاء أو الشتاء ولم يريدا الوقت المعلوم فمبطل للعقد لما فيه من الغرر وإنما يجوز في مدة متصلة بالشرط وإلا لزم جوازه بعد لزومه وهو ممتنع متوالية "لا تزيد على ثلاثة أيام" لأن الأصل امتناع الخيار إلا فيما أذن فيه الشارع ولم يأذن إلا في الثلاثة فما دونها بقيودها المذكورة فبقي ما عداها على الأصل بل روى عبد الرزاق أنه صلى الله عليه وسلم أبطل بيعا شرط فيه الخيار أربعة أيام. فإن قلت إن صح فالحجة فيه واضحة وإلا فالأخذ بحديث الثلاثة أخذ بمفهوم العدد والأكثرون على عدم اعتباره قلت محله إن لم تقم قرينة عليه وإلا وجب الأخذ به وهي هنا ذكر الثلاثة للمغبون السابق إذ لو جاز أكثر منها لكان أولى بالذكر لأن اشتراطه أحوط في حق المغبون فتأمله وإنما بطل لشرط الزيادة ولم يخرج على تفريق الصفقة لأن إسقاط الزيادة يستلزم إسقاط بعض الثمن فيؤدي لجهله وتدخل ليالي الأيام الثلاثة المشروطة سواء السابق منها على الأيام والمتأخر "وتحسب" المدة المشروطة "من" حين "العقد" إن وقع الشرط فيه وإلا بأن وقع بعده في المجلس فمن الشرط وآثر ذكر

 

ج / 2 ص -132-      العقد لأن الغالب وقوع شرط الخيار فيه لا في المجلس بعده "وقيل من التفرق" أو التخاير لثبوت خيار المجلس قبله فيكون المقصود ما بعده وردوه بأنه لا بعد في ثبوته إلى التفرق بجهتي المجلس والشرط كما يثبت بجهتي الخلف والعيب ويجري هنا نظير ما مر ثم من اللزوم باختيار من خير لزومه وإن جهل الثمن والمبيع كما اعتمده جمع وبانقضاء المدة ومن تصديق نافي الفسخ أو الانقضاء ولا يجب تسليم مبيع ولا ثمن في زمن الخيار أي لهما كما هو ظاهر ولا ينتهي به فله استرداده ما لم يلزم، ولا يحبس أحدهما بعد الفسخ لرد الآخر لارتفاع حكم العقد بالفسخ فيبقى مجرد اليد وهي لا تمنع وجوب الرد بالطلب كذا في المجموع هنا ومثله جميع الفسوخ كما اعتمده جمع لكن الذي في الروض واعتمده السبكي وغيره وتبعتهم في المبيع قبل قبضه أن له الحبس فيمتنع تصرف مالكه فيه ما دام محبوسا. "والأظهر" في خياري المجلس والشرط "أنه إن كان الخيار للبائع" أو الأجنبي عنه "فملك المبيع" بتوابعه الآتية وحذفها لفهمها منه إذ يلزم من ملك الأصل ملك الفرع غالبا "له" وملك الثمن بتوابعه للمشتري "وإن كان" الخيار "للمشتري" أو لأجنبي عنه "فله" ملك المبيع وللبائع ملك الثمن لقصر التصرف على من له الخيار والتصرف دليل الملك وكونه لأحدهما في خيار المجلس بأن يختار الآخر لزوم العقد "وإن كان" الخيار "لهما" أو لأجنبي عنهما "ف" الملك في المبيع والمثمن "موقوف فإن تم البيع بان" أنه أي ملك المبيع للمشتري وملك الثمن للبائع "من حين العقد وإلا" يتم بأن فسخ "فللبائع" ملك المبيع وللمشتري ملك الثمن من حين العقد وكأن كلا لم يخرج عن ملك مالكه لأن أحد الجانبين ليس أولى من الآخر فوقف الأمر إلى اللزوم أو الفسخ وينبني على ذلك الأكساب والفوائد كاللبن والثمر والمهر ونفوذ العتق والاستيلاد وحل الوطء ووجوب النفقة فكل من حكمنا بملكه لعين ثمن أو مثمن كان له وعليه ونفذ منه وحل له ما ذكر وإن فسخ العقد بعد إذ الأصح أن الفسخ إنما يرفع العقد من حينه لا من أصله ومن لم يخير لا ينفذ منه شيء مما ذكر فيما خير فيه الآخر وإن آل الملك إليه وعليه مهر وطء لمن خير ما لم يأذن له لأحد للشبهة فيمن له الملك، ومن ثم كان الولد حرا نسيبا والمراد بحل الوطء للمشتري مع عدم حسبان الاستبراء في زمن الخيار حله من حيث الملك وانقطاع سلطنة البائع وإن حرم من حيث عدم الاستبراء فهو كحرمته من حيث نحو حيض وإحرام وهذا أولى من قصر الزركشي لذلك على ما إذا اشترى زوجته. قال: فإنه لا يلزمه استبراء حيث كان الخيار له فإن كان لهما لم يجز له وطؤها في زمنه لأنه لا يدري أيطأ بالملك أو الزوجية وجزمه بحل الوطء في الأولى يخالفه جزم غيره بحرمة الوطء فيها وإن لم يجب استبراء لضعف الملك ومر ما يعلم منه بطلان هذين الجزمين وفي حالة الوقف يتبع جميع ما ذكر استقرار الملك بعد، نعم يطالبان بالإنفاق ثم يرجع من بان عدم ملكه. قال بعضهم: إن أنفق بإذن الحاكم وفيه نظر بل تراضيهما على ذلك كاف وكذا إنفاقه بنية الرجوع والإشهاد عليها مع امتناع صاحبه وفقد القاضي أخذا مما يأتي في المساقاة وهرب الجمال ولا يحل لواحد منهما حينئذ وطء ونحوه قطعا وإن أذن البائع للمشتري وقول الإسنوي إنه

 

ج / 2 ص -133-      يحل له بإذن البائع مبني على بحث المصنف أن مجرد الإذن في التصرف إجازة والمنقول خلافه.
"ويحصل الفسخ والإجازة" للعقد في زمن الخيار "بلفظ يدل عليهما" صريحا أو كناية أما الصريح في الفسخ فهو "كفسخت البيع ورفعته واسترجعت المبيع" ورددت الثمن "و" أما الصريح "في الإجازة" فهو نحو "أجزته وأمضيته" وألزمته وإذا شرط لهما ارتفع جميعه بفسخ أحدهما لا بإجازته بل يبقى للآخر لأن إثبات الخيار إنما قصد به التمكن من الفسخ دون الإجازة لأصالتها وقول من خير لا أبيع أو لا أشتري إلا بنحو زيادة مع عدم موافقة الآخر له فسخ "ووطء البائع" الواضح لواضح علم أو ظن أنه المبيع ولم يقصد به الزنا ولا كان محرما عليه بنحو تمجس على الأوجه كما لو لاط بالغلام وكذا بخنثى إن اتضح بعد بالأنوثة لا لخنثى أو منه لم يتضح وخرج به مقدماته "وإعتاقه" ولو معلقا لكله أو بعضه أو إيلاده حيث تخيرا أو هو وحده "فسخ" أما الإعتاق فلقوته ومن ثم نفذ قطعا وأما الوطء فلتضمنه اختيار الإمساك وإنما لم يكن رجعة لأن الملك يحصل بالفعل كالسبي فكذا تداركه بخلاف النكاح ومع كون نحو إعتاقه فسخا هو نافذ منه وإن تخيرا لتضمنه الفسخ فينتقل الملك إليه قبله ولا ينفذ من المشتري إذا تخيرا بل يوقف حيث لم يأذن له البائع لتقدم الفسخ لو وقع من البائع بعد على الإجازة "وكذا بيعه" ولو بشرط الخيار لكن إن كان للمشتري "وإجارته وتزويجه ووقفه ورهنه وهبته إن اتصل بهما القبض ولو وهب" لفرع "في الأصح" حيث تخيرا أو هو وحده أيضا فكل منها فسخ لإشعارها باختيار الإمساك فقدم على أصل بقاء العقد ومع كونها فسخا هي منه صحيحة تقديرا للفسخ قبلها "والأصح أن هذه التصرفات" البيع وما بعده "من المشتري" حيث تخيرا أو هو وحده "إجازة" للشراء لإشعارها باختيار الإمساك نعم لا تصح منه إلا إن تخير أو أذن له البائع أو كانت معه وفارق ما مر في البائع بتزلزل ملكه وبأن صحتها والخيار لهما من غير إذن البائع مسقطة لفسخه وهو ممتنع "و" الأصح "أن العرض على البيع" وإنكاره "والتوكيل فيه ليس فسخا من البائع ولا إجازة من المشتري" لأنه قد يستبين أرابح هو أم خاسر وإنما حصل الرجوع عن الوصية بذلك لضعفها إذ لم يوجد إلا أحد شقي عقدها.
 

فصل في خيار النقيصة
وهو المتعلق بفوات مقصود مظنون نشأ الظن فيه من التزام شرطي أو تغرير فعلي أو قضاء عرفي ومر ما يتعلق بالأول ويأتي ما يتعلق بالثاني وبدأ بالثالث لطول الكلام عليه فقال:
"للمشتري الخيار" في رد المبيع "بظهور عيب قديم" فيه وكذا للبائع بظهور عيب قديم في الثمن وآثروا الأول لأن الغالب في الثمن الانضباط فيقل ظهور العيب فيه وهو أعني القديم ما قارن العقد أو حدث قبل القبض وقد بقي إلى الفسخ إجماعا في المقارن ولأن المبيع في الثاني من ضمان البائع فكذا جزؤه وصفته وإن قدر من خير على إزالة العيب

 

ج / 2 ص -134-      نعم لو اشترى محرما بنسك بغير إذن سيده لم يتخير لقدرته على تحليله كالبائع أي لأنه لا مشقة فيه ولا نظر هنا لكونه يهاب الإقدام على إبطال العبادة لأن الرد لكونه قد يستلزم فوات مال على الغير لا بد له من سبب قوي وهذا ليس منه بخلافه في نحو التمتع بالحليلة الآتي في النفقات فتأمله. ولو كان حدوث العيب بفعله قبل القبض أو كانت الغبطة في الإمساك والمشتري مفلس أو ولي أو عامل قراض أو وكيل ورضيه موكله فلا خيار ويفرق بين هذا وما يأتي أن المستأجر لو عيب الدار تخير بأن فعله لم يرد على المعقود عليه وهو المنافع لأنها مستقبلة غير موجودة حالا بخلاف فعله هنا وأنها لو جبت ذكر زوجها تخيرت بأن ملحظ التخيير ثم اليأس وقد وجد ثم رأيت ما يأتي في المبيع قبل قبضه وهو قريب مما ذكرته وما مر أن الوكيل في خياري المجلس والشرط لا يتقيد برضا الموكل فيما لو منعه من الإجازة أو الفسخ بأن الملحظ هنا فوات المالية وعدمه وهو إنما يرجع للموكل وثم مباشرة ما تسبب عن العقد وهو إنما يرتبط هنا بمباشرة فقط وكالعيب فوات وصف يزيد في الثمن قبل قبضه وقد اشتراه به كالكتابة ولو بنحو نسيان فيتخير المشتري وإن لم يكن فواته من أصله عيبا "كخصاء" بالمد أو جب "رقيق" أو حيوان آخر؛ لأن الفحل يصلح لما لا يصلح له الخصي ولا نظر لزيادة القيمة به باعتبار آخر لأن فيه فوات جزء من البدن مقصود وبحث الأذرعي أنه ليس بعيب في الضأن المقصود لحمه والبراذين والبغال لغلبة ذلك فيها وأيده غيره بأنه قضية الضابط الآتي أي فهو كالثيوبة في الإماء، وقطع الشفرين عيب كما شمله كلامهم وغلبته في بعض الأنواع لا توجب غلبته في جنس الرقيق "وزناه" ذكرا كان أو أنثى ولواطه وتمكينه من نفسه وسحاقها ولو مرة من صغير له نوع تمييز وإن تاب وحسن حاله لأنه قد يألفه ولأن تهمته لا تزول ولهذا لا يعود إحصان الزاني بتوبته ويظهر أن وطء البهيمة كذلك وأفتى البغوي فيمن اشترى أمة يظنها هو والبائع زانية فبانت زانية بأنه يتخير لأنه لم يتحقق زناها قبل العقد وأقره غير واحد ومنه يؤخذ أن الشراء مع ظن العيب لا يسقط الرد ولا يرد عليه قولهم مظنون نشأ الظن فيه من قضاء عرفي لأن الظاهر أن المراد ظن أهل العرف لا خصوص العاقد "وسرقته" ولو لاختصاص كما شمله إطلاقهم ويظهر في أخذه نهبا أنه عيب أيضا كالزنا في أحواله المذكورة وعلته إلا في دار الحرب لأن المأخوذ غنيمة "وإباقه" وهو التغيب عن سيده ولو لمحل قريب في البلد كما شمله إطلاقهم أيضا كالزنا في أحواله المذكورة وعلته أيضا كما صرح به غير واحد إلا إذا جاء إلينا مسلما من بلاد الهدنة لأن هذا إباق مطلوب ويلحق به ما لو أبق إلى الحاكم لضرر لا يحتمل عادة ألحقه به نحو سيده وقامت به قرينة ووقع في كلام شارح ما قد يخالف ما ذكرته فلا تغتر به وما لو حمله عليه تسويل نحو فاسق يحمل مثله على مثله عادة ومحل الرد به إذا عاد وإلا فلا رد ولا أرش اتفاقا "وبوله بالفراش" إن اعتاده أي عرفا فلا يكفي مرة فيما يظهر لأنه كثيرا ما يعرض المرة بل والمرتين ثم يزول وبلغ سبع سنين ومحله إن وجد البول في يد المشتري أيضا وإلا فلا لتبين أن العيب زال وليس هو من الأوصاف الخبيثة التي يرجع إليها الطبع بخلاف ما قبله وهل لعوده هذا مدة

 

ج / 2 ص -135-      يقدر بها أو لا، محل نظر والذي يتجه أنه إن حكم خبيران بأنه من آثار الأول فعيب وإن توقفا أو فقدا أو حكما بأنه من حادث فلا ولو لم يعلم به إلا بعد كبره فلا رد به وله الأرش لأن علاجه لما صعب في الكبير صار كبره كعيب حدث "وبخره" المستحكم بأن علم كونه من المعدة لتعذر زواله بخلافه من الفم لسهولة زواله ويلحق به على الأوجه تراكم وسخ على الأسنان تعذر زواله "وصنانه" المستحكم دون غيره لذلك ومرضه مطلقا إلا نحو صداع يسير على الأوجه أخذا مما ذكروه في أعذار الجمعة والجماعة ولو ظن مرضه عارضا فبان أصليا تخير كما لو ظن البياض بهقا فبان برصا. ومن عيوب الرقيق وهي لا تكاد تنحصر كونه نماما أو تمتاما مثلا أو قاذفا أو تاركا للصلاة أو أصم أو أقرع أو أبله أو أرت أو أبيض الشعر لدون أربعين سنة ويظهر أنه لا بد من بياض قدر يسمى في العرف شيبا منقصا أو شتاما أو كذابا وعبروا هنا بالمبالغة لا في نحو قاذفا فيحتمل الفرق ويحتمل أن الكل السابق والآتي على حد سواء في أنه لا بد أن يكون كل من ذلك صار كالطبع له أي بأن يعتاده عرفا نظير ما مر لكن يشكل عليه بحث الزركشي أن ترك صلاة واحدة يقتل بها عيب إلا أن يجاب بأن هذا صيره مهدرا وهو أقبح العيوب أو آكلا لطين أو مخدر أو شاربا لمسكر ما لم يتب وظاهر أنه لا يكتفى في توبته بقول البائع، أو قرناء أو رتقاء أو حاملا أو لا تحيض من بلغت عشرين سنة أو أحد ثدييها أكبر من الآخر أو نحو مجوسية أو مصطك الركبتين مثلا أو خنثى ولو واضحا إلا إذا كان ذكرا وهو يبول بفرج الرجل فقط أو ذا سن مثلا زائدة أو فاقد نحو شعر ولو عانة أو ظفر لأنه يشعر بضعف البدن وزعم فرق بينه وبين عدم الحيض بأنه يتداوى له ممنوع فإن عدم الحيض قد يتداوى له أيضا لكن لما ضر التداوي له لا لذاك كثر في ذلك.
تنبيه: أطلق في الأنوار أن الوشم عيب وأقره غير واحد وإنما يتجه إن كان بحيث لا يعفى عنه أما معفو عنه بأن خشي من إزالته مبيح تيمم وإن تعدى به كما مر ولم يحصل به شين عرفا وأمن كونه ساترا لنحو برص فإنه قد يفعل لذلك فيبعد عده من العيوب حينئذ وفي البخاري أن هيام الإبل عيب وهو داء يصيبها فيعطشها فتشرب فلا تروى ومثله ما اشتهر عند عربان مكة من داء يصيبها يسمونه الغلة بالمعجمة لكنهم يزعمون أنه لا يظهر إلا بعد ذبحها فيعرفون حينئذ قدمه وحدوثه فإذا ثبت قدمه وجب أرشه فيما يظهر ويحتمل خلافه؛ لأن الحكم بالقدم فيما مضى بعد الذبح أمر تخميني لا يعول عليه.
"وجماح الدابة" بالكسر وهو امتناعها على راكبها وعبر غيره بكونها جموحا فاقتضى أنه لا بد أن يكون طبعا لها وهو متجه نظير ما مر ومثله هربها مما تراه وشربها لبن نفسها وألحق به لبن غيرها "وعضها" وخشونة مشيها بحيث يخاف منه سقوط راكبها وقلة أكلها بخلاف القن. وكون الدار منزل الجند أو بجنبها نحو قصارين يؤذون بنحو صوت دقهم أو كون الجن مسلطين على ساكنها بالرجم أو نحوه أو القردة مثلا ترعى زرع الأرض أو الأرض ثقيلة الخراج أي بأن يكون عليها أكثر من أمثالها بما لا يتغابن به فيما يظهر أو أشيع نحو وقفيتها أو ظهر مكتوب بها لم يعلم كذبه أو أخبر عدل بها وإن لم يثبت ولو

 

ج / 2 ص -136-      عدل رواية فيما يظهر لأن المدار على ما يغلب على الظن وجود ذلك ولا مطمع في استيفاء العيوب بل التعويل فيها على الضابط الذي ذكروه لها "و" هو وجود "كل ما ينقص" بالتخفيف كيخرج وقد يشدد بقلة وهو متعد فيهما "العين أو القيمة نقصا يفوت به غرض صحيح" قيد لنقص الجزء خاصة احترازا عن قطع زائد وفلقة يسيرة من الفخذ اندملت بلا شين وعن الختان بعد الاندمال فإنه فضيلة ويصح جعله قيدا لنقص القيمة أيضا خلافا للشراح حيث اقتصروا على الأول وبنوا عليه الاعتراض على المتن بأنه كان ينبغي له ذكره عقبه وتبعهم شيخنا في منهجه احترازا عن نقص يسير يتغابن به "إذا غلب" في العرف العام لا في محل البيع وحده فيما يظهر والكلام فيما لم ينصوا على أنه عيب وإلا لم يؤثر فيه عرف بخلافه مطلقا كما هو ظاهر "في جنس المبيع عدمه" قيد لهما احترازا في الأول عن قلع الأسنان وبياض الشعر في الكبير وفي الثاني عن ثيوبة الكبيرة وبول الطفل فإنهما وإن نقصا القيمة لا يغلب عدمهما في جنس المبيع ولا نظر لغلبة نحو ترك الصلاة في الأرقاء لأنه لتقصير السادة ولأن محل الضابط كما تقرر فيما لم ينصوا فيه على أنه عيب أو غير عيب ككونها عقيما أو غير مختونة وكذا الذكر إلا كبيرا يخاف من ختانه عادة ولا يضبط بالبلوغ على الأوجه أو كونه يعتق على المشتري أو يسيء الأدب بخلاف سيئ الخلق والفرق بينهما واضح أو ثقيل النفس أو بطيء الحركة أو ولد زنا أو مغنيا أو عنينا أو محرما بنسب أو غير لخصوص التحريم به ومر أنه يتخير بالعيب "سواء أقارن العقد أم حدث قبل القبض" ما لم يكن بسبب متقدم رضي به المشتري كما لو اشترى بكرا مزوجة عالما فأزال الزوج بكارتها فلا يتخير كما بحثه السبكي وغيره لرضاه بسببه وقد ينازع فيه بأنه لا عبرة بالرضا بالسبب مع كون الضمان على البائع فالأخذ بإطلاقهم غير بعيد وبهذا يفرق بين هذا وقوله الآتي إلا أن يستند إلى سبب متقدم لأنه فيما حدث بعد القبض لتعجب الزركشي من قول السبكي والأذرعي لم نر في هذه نقلا بأنها داخلة في قول المتن الآتي إلا إلى آخره وهم لما علمت أن ذاك فيما بعد القبض وهذا فيما قبله وأن بينهما فرقا واضحا "ولو حدث" العيب "بعده" أي القبض "فلا خيار" للمشتري لأنه بالقبض صار من ضمانه فكذا جزؤه وصفته وشمل كلامه حدوثه بعده في زمن الخيار وقال ابن الرفعة الأرجح بناؤه على انفساخه بتلفه حينئذ والأصح أنه إن كان الملك للبائع انفسخ وإلا فلا فإذا قلنا ينفسخ تخير بحدوثه كما صرح به الماوردي عن ابن أبي هريرة لأن من ضمن الكل ضمن الجزء أو لا ينفسخ فلا أثر لحدوثه.
تنبيه: لم يبينوا حكم المقارن للقبض مع أن مفهوم قبل وبعد فيه متناف والذي يظهر أن له حكم ما قبل القبض لأن يد البائع عليه حسا فلا يرتفع ضمانه إلا بتحقق ارتفاعها وهو لا يحصل إلا بتمام قبض المشتري له سليما.
"إلا أن يستند إلى سبب متقدم" على العقد أو القبض وقد جهله "كقطعه بجناية" قودا أو سرقة "سابقة" وزوال بكارته بزواج متقدم "فيثبت الرد في الأصح" إحالة على السبب فإن علمه فلا رد ولا أرش لتقصيره نعم لو اشترى حاملا فوضعت في يده ونقصت بسبب
 

 

ج / 2 ص -137-      الوضع فلا رد ومنازعة ابن الرفعة فيه مردودة بأنه كموته بمرض سابق، المذكور في قوله "بخلاف موته بمرض سابق" على ما ذكر جهله "في الأصح" فلا رد له بذلك أي لا يرجع في ثمنه حينئذ فالمراد نفي رد الثمن لا المبيع للعلم بتعذر رده بموته فلا اعتراض عليه كما هو واضح وذلك لأن المرض يتزايد شيئا فشيئا إلى الموت فلم تتحقق إضافة الموت للسابق وحده نعم للمشتري أرش المرض من الثمن وهو ما بين قيمته صحيحا ومريضا وقت القبض ولو كان المرض غير مخوف بأن لم يؤثر نقصا عند القبض كما هو ظاهر فلا أرش قطعا.
فرع: اشترى عبدا برقبته ورم وعينه وجع قال له البائع عن الأول إنه انحدار وعن الثاني إنه رمد فرضي به ثم بان أن الأول خنازير والثاني بياض في العين فهل له الرد والذي يتجه أنه لا رد كمن اشترى مريضا فزاد مرضه؛ لأن رضاه به رضا بما يتولد عنه وكذلك رضاه بما ذكر رضا بما يتولد منه من الخنازير والبياض نعم لو قال له البائع عن شيء رآه هذا مرض كذا فبان مرضا آخر مغايرا للأول لا يتولد عنه فالذي يتجه أنه يتأتى هنا ما قالوه فيمن رضي بعيب ثم قال إنما رضيت به لأني ظننته كذا وقد بان خلافه من أنه إن أمكن اشتباه ذلك على مثله وكان ما بان دون ما ظنه أو مثله فلا رد له وإن كان أعلى فله الرد وألحق بذلك المصنف وأقروه ما لو ظهر فيما اشتراه عيب فقال ظننته غير عيب وأمكن خفاء مثله عليه فيصدق بيمينه ثم رأيت الأذرعي قال لو رأى عليلا عليه أثر السفر فقال مالكه لآخر اشتره مني فإن مرضه من تعب السفر ويزول سريعا فاشتراه فازداد المرض لم يرده قهرا لما حدث عنده من العيب وهو زيادة المرض لكن له الأرش ا هـ وهذا نظير مسألتنا لكن ما أفاده من وجوب الأرش ظاهر لأن البائع لما غره بقوله له ما ذكر صار كأنه جاهل بالعيب ووجب له الأرش لأن رده إنما امتنع لحدوث عيب عنده هو معذور فيه فهو كمن اشترى عبدا به مرض يعلمه فزاد في يده ولم يمت فإن له الأرش وحينئذ فوجوبه في مسألتنا أولى.
"ولو قتل بردة سابقة" مثال نبه به على الضابط الأعم وهو أن يقتل بموجب سابق كقتل أو حرابة أو ترك صلاة بشرطه "ضمنه البائع في الأصح" لما مر فيرد ثمنه للمشتري إن جهل لعذره وإلا فلا وكون القتل في تارك الصلاة إنما هو على التصميم على عدم القضاء لا يضر لأن الموجب هو الترك والتصميم إنما هو شرط للاستيفاء كالردة فإنها الموجبة للقتل والتصميم عليها شرط للاستيفاء ويتفرع على مسألتي المرض ونحو الردة مؤن تجهيزه فهي على المشتري في الأولى وعلى البائع في الثانية.
فرع: استلحق البائع المبيع ووجدت شروط الاستلحاق ثبت نسبه منه ولكن لا يبطل البيع إلا إن أقام بينة بذلك أو صدقه المشتري أخذا مما يأتي أول محرمات النكاح أن أباه لو استلحق زوجته ولم يصدقه لم ينفسخ النكاح وإن كانت أخته.
"ولو باع" حيوانا أو غيره "بشرط براءته من العيوب" في المبيع أو أن لا يرد بها أو

 

ج / 2 ص -138-      على البراءة منها أو أن لا يرد بها صح العقد مطلقا كما علم مما مر في المناهي لأنه شرط يؤكد العقد ويوافق ظاهر الحال من السلامة من العيوب وإذا شرط "فالأظهر أنه يبرأ عن عيب باطن بالحيوان" موجود حال العقد "لم يعلمه" البائع "دون غيره" كما دل عليه ما صح من قضاء عثمان المشتهر بين الصحابة رضي الله عنهم ولم ينكروه وفارق الحيوان غيره بأنه يأكل في حالتي صحته وسقمه فقلما ينفك عن عيب ظاهر أو خفي فاحتاج البائع لهذا الشرط ليثق بلزوم البيع فيما يعذر فيه فمن ثم لم يبرأ عن عيب غيره مطلقا لأن الغالب عدم تغيره ولا عن عيبه الظاهر مطلقا لندرة خفائه عليه وهو ما يسهل الاطلاع عليه بأن لا يكون داخل البدن ومنه نتن لحم المأكولة لسهولة الاطلاع عليه كما يفيده ما يأتي في الجلالة أو الباطن الذي علمه لتقصيره إذ كتمه تدليس يأثم به "وله مع هذا الشرط" إذا صح "الرد بعيب" في الحيوان "حدث" بعد العقد و "قبل القبض" لانصراف الشرط إلى الموجود عند العقد ويأتي ما لو تنازعا في حدوثه "ولو شرط البراءة عما يحدث" وحده أو مع الموجود "لم يصح" الشرط "في الأصح" لأنه إسقاط للشيء قبل ثبوته فلا يبرأ من ذلك وادعاء لزوم بطلان العقد ببطلان الشرط ممنوع كما يعلم مما مر في المناهي وخرج بشرط البراءة العامة شرطها من عيب مبهم أو معين يعاين كبرص لم يره محله فلا يصح لتفاوت الأغراض باختلاف عينه وقدره ومحله ولا يقبل قول المشتري في عيب ظاهر لا يخفى عند الرؤية غالبا لم أره بخلاف ما لا يعاين كزنا أو سرقة لأن ذكره إعلام به ومعاين أراه إياه لرضاه به ويؤخذ من هذا رد ما أفتى به بعضهم فيمن أقبضه المشتري ثمنه وقال له استنقده فإن فيه زيفا فقال رضيت بزيفه فطلع فيه زيف فإنه لا رد له به. ووجه رده أن الزيف لا يعرف قدره في الدرهم بمجرد مشاهدته فلم يؤثر الرضا به نظير ما تقرر. "ولو هلك المبيع" بآفة أو جناية أو أبق "عند المشتري" أي بعد قبضه له "أو أعتقه" وإن شرط عليه عتقه أو كان ممن يعتق عليه أو وقفه أو استولدها أو زوجها وثبت ذلك إذ لا يكفي إخبار المشتري به مع تكذيب البائع له قاله السبكي وفيه نظر بالنسبة لنحو العتق والوقف لمؤاخذته به وإن كذب "ثم علم العيب" الذي ينقص القيمة بخلاف الخصاء "رجع بالأرش" لليأس من الرد حتى في التزويج لأنه يراد للدوام نعم لا أرش له في ربوي بيع بمثله من جنسه كحلي ذهب بيع بوزنه ذهبا فبان معيبا بعد تلفه لنقص الثمن فيصير الباقي منه مقابلا بأكثر منه وذلك ربا بل يفسخ العقد ويسترد الثمن ويغرم بدل التالف على المعتمد وقول الإسنوي وكذا لو كان العتيق كافرا لا أرش لأنه لم ييأس من الرد فإنه قد يحارب ثم يسترق فيعود لملكه مردود بأن هذا نادر لا ينظر إليه ويلزمه مثله لو وقف لاحتمال أنه يستبدله عند من يراه وبأنه لو فرض صحة ما قاله كان يتعين عليه فرضه في معتق كافر إذ عتيق المسلم لا يسترق. "وهو" أي الأرش سمي بذلك لتعلقه بالأرش وهو الخصومة "جزء من ثمنه" أي المبيع فيستحقه المشتري من عينه إن وجدت وإن عين عما في الذمة أو خرج عن ملك البائع وعاد "نسبته" أي الجزء "إليه" أي إلى الثمن "نسبة" أي مثل نسبة "ما نقصـ"ـه "العيب من القيمة" متعلق بنقص "لو كان" المبيع "سليما" إليها فلو كانت قيمته

 

ج / 2 ص -139-      بلا عيب مائة وبه ثمانين فنسبة النقص إليها خمس فيكون الأرش خمس الثمن فلو كان عشرين رجع منه بأربعة وإنما رجع بجزء الثمن لا بالتفاوت بين القيمتين لئلا يجمع بين الثمن والمثمن في بعض الصور كما ذكر ولأن المبيع مضمون على البائع به فيكون جزؤه مضمونا عليه بجزئه كالحر يضمن بالدية وبعضه ببعضها فإن كان قبضه رد جزأه وإلا سقط عن المشتري لكن بعد طلبه على المعتمد وأفهم المتن أن هذا في أرش وجب للمشتري على البائع أما عكسه كما لو وجد البائع بعد الفسخ بالمبيع عيبا حدث عند المشتري قبله أو وجد عيبا قديما بالثمن فإن الأرش ينسب للقيمة لا الثمن كما يأتي في شرح قوله من طلب الإمساك "والأصح اعتبار أقل قيمه" أي المبيع المتقوم جمع قيمة ومن ثم ضبطه بخطه بفتح الياء ومثله الثمن المتقوم "من يوم" أي وقت "البيع إلى" وقت "القبض" لأن قيمتهما إن كانت وقت البيع أقل فالزيادة في المبيع حدثت في ملك المشتري وفي الثمن حدثت في ملك البائع فلا تدخل في التقويم أو كانت وقت القبض أو بين الوقتين أقل فالنقص في المبيع من ضمان البائع وفي الثمن من ضمان المشتري فلا تدخل في التقويم وما صرح به من اعتبار ما بين الوقتين هو المعتمد وإن نازع فيه جمع.
تنبيه: إذا اعتبرت قيم المبيع أو الثمن فإما أن تتحد قيمتاه معيبا أو يتحدا سليما ويختلفا معيبا وقيمة وقت العقد أقل أو أكثر أو يتحدا معيبا لا سليما وهي وقت العقد أقل أو أكثر أو يختلفا سليما ومعيبا وهي وقت العقد سليما ومعيبا أقل أو أكثر أو سليما أقل ومعيبا أكثر أو بالعكس فهي تسعة أقسام أمثلتها على الترتيب في المبيع: اشترى قنا بألف وقيمته وقت العقد والقبض سليما مائة ومعيبا تسعون فالنقص عشر قيمته سليما فله عشر الثمن مائة أو قيمتاه سليما مائة وقيمته معيبا وقت العقد ثمانون والقبض تسعون أو عكسه فالتفاوت بين قيمته سليما وأقل قيمتيه معيبا عشرون وهي خمس قيمته سليما فله خمس الثمن أو قيمتاه معيبا ثمانون وسليما وقت العقد تسعون ووقت القبض مائة أو عكس فالتفاوت بين قيمته معيبا وأقل قيمته سليما عشرة وهي تسع أقل قيمته سليما فله تسع الثمن فإن قلت صرح الإمام بأن اعتبار الأقل في الأقسام كلها إنما هو لإضرار البائع لما مر من التعليل وحينئذ فالقياس اعتبار ما بين الثمانين والمائة وهو الخمس لأنه الأضر بالبائع قلت ليس القياس ذلك لأن المعتبر نسبة ما نقص العيب من القيمة إليها والذي نقصه العيب من القيمة هو ما بين الثمانين والتسعين وأما ما بين التسعين والمائة فإنما هو لتفاوت الرغبة بين اليومين فتعين اعتبار ما نقصه العيب من التسعين إليها وهو التسع كما تقرر فتأمله. أو قيمته وقت العقد سليما مائة ومعيبا ثمانون ووقت القبض سليما مائة وعشرون ومعيبا تسعون أو بالعكس أو قيمته وقت العقد سليما مائة ومعيبا تسعون ووقت القبض سليما مائة وعشرون ومعيبا ثمانون وبالعكس فالتفاوت بين أقل قيمتيه سليما وأقل قيمتيه معيبا عشرون وهي خمس أقل قيمتيه سليما فله خمس الثمن وخص البارزي بحثا اعتبار الأقل فيما إذا اتحدتا سليما لا معيبا وهي وقت القبض أكثر بما إذا كان ذلك لكثرة الرغبات في المعيب لقلة ثمنه لا لنقص بعض العيب وإلا اعتبر أكثر القيمتين لأن زوال

 

ج / 2 ص -140-      العيب يسقط الرد ورد بأن الزائل من العيب يسقط أثره مطلقا كما لو زال العيب كله فكما يقوم المعيب يوم القبض ناقص العيب فكذا يوم العقد فلم يعتبر الأكثر أصلا على أن تقييده بما إذا اتحدت قيمتاه سليما غير صحيح وإن سلم ما ذكره.
"ولو تلف الثمن" حسا أو شرعا نظير ما مر أو تعلق به حق لازم كرهن "دون المبيع" واطلع على عيب به "رده" إذ لا مانع "وأخذ مثل الثمن" إن كان مثليا "أو قيمته" إن كان متقوما لأن ذلك بدله ومر اعتبار الأقل فيما بين وقت العقد إلى وقت القبض أما لو بقي فله الرجوع في عينه سواء أكان معينا في العقد أم عما في الذمة في المجلس أو بعده وحيث رجع ببعضه أو كله لا أرش له على البائع إن وجده ناقص وصف كأن حدث به شلل كما أنه يأخذه بزيادته المتصلة مجانا نعم إن كان نقصه بجناية أجنبي أي يضمن كما هو ظاهر استحق الأرش ولو وهب البائع الثمن بعد قبضه للمشتري ثم فسخ رجع عليه ببدله بخلاف ما لو أبرأه منه نظير ما يأتي في الصداق ولو أداه أصل عن محجوره رجع بالفسخ للمحجور لقدرته على تمليكه وقبوله له أو أجنبي رجع للمؤدي؛ لأن القصد إسقاط الدين مع عدم القدرة على التمليك وإنما قدر الملك لضرورة السقوط عن المؤدى عنه. "ولو علم بالعيب" في المبيع "بعد زوال ملكه" عنه بعوض أو غيره "إلى غيره" وهو باق بحاله في يد الثاني أو بعد نحو رهنه أو إباقه والعيب الإباق أو إجارته ولم يرض البائع بأخذه مؤجرا "فلا أرش" له "في الأصح" لأنه لم ييأس من الرد لأنه قد يعود له وقيل لأنه استدرك الظلامة وروج كما روج عليه وعبارة بعض الأصحاب وغبن كما غبن وكل من العلتين فاسد لإيهامه جواز قصد ذلك الذي لا قائل به كما هو واضح خلافا لمن وهم فيه لأن المظلوم لا رجوع له إلا على ظالمه ثم رأيت الفارقي قال إن إطلاق ذلك فاسد وعلله بنحو ما ذكرته "فإن عاد الملك" له فيه "فله الرد" لإمكانه سواء أعاد إليه بالرد بالعيب ولا خلاف فيه لزوال كل من العلتين أم بغيره كبيع أو هبة أو وصية أو إرث أو إقالة لزوال المانع "وقيل إن عاد إليه بغير الرد بعيب فلا رد" له لأنه استدرك الظلامة ومر أنه ضعيف، "والرد على الفور" إجماعا ومحله في المبيع المعين فإن قبض شيئا عما في الذمة بنحو بيع أو سلم فوجده معيبا لم يلزمه فور لأن الأصح أنه لا يملكه إلا بالرضا بعيبه ولأنه غير معقود عليه ولا يجب فور في طلب الأرش أيضا كما بحثه ابن الرفعة لأن أخذه لا يؤدي إلى فسخ العقد ولا في حق جاهل بان له الرد وعذر بقرب إسلامه وهو ممن يخفى عليه بخلاف من يخالطنا من أهل الذمة أو بنشئه بعيدا عن العلماء أو بان الرد على الفور إن كان عاميا يخفى على مثله. قال السبكي أو جهل ولا بد من يمينه في الكل ولا في مشتر شقصا مشفوعا والشفيع حاضر فانتظره هل يشفع أو لا ولا في مبيع آبق تأخر مشتريه لعوده فله رده إذا عاد وإن صرح بإسقاطه ومر أنه لا أرش له ولا إن قال له البائع أزيل عنك العيب وأمكن في مدة لا تقابل بأجرة كما يأتي في نقل الحجارة المدفونة ولا في مشتر زكويا قبل الحول فوجد به عيبا قديما ومضى حول من الشراء فله التأخير لإخراج الزكاة من غيره لعدم تمكنه من الرد قبله لأن تعلق الزكاة به عنده عيب حدث ولا في مشتر آجر ثم علم بالعيب ولم يرض

 

ج / 2 ص -141-      البائع به مسلوب المنفعة فله التأخير إلى انقضاء مدة الإجارة أو شرع في الرد بعيب لعجز عن إثباته فانتقل للرد بعيب آخر فله لعذره باشتغاله بالأول وإذا وجب الفور "فليبادر على العادة" ولا يؤمر بعدو ولا ركض "فلو علمه وهو يصلي" ولو نفلا "أو" وهو "يأكل" ولو تفكها فيما يظهر أو وهو في نحو حمام أو خلاء أو قبل ذلك وقد دخل وقته "فله" الشروع فيه عقب ذلك وإلا بطل رده كما أفهمه قولهم لو علمه وقد دخل وقت هذه الأمور واشتغل بها وبعد شروعه فيه له "تأخيره" أي الرد "حتى يفرغ" من ذلك على وجهه الكامل لعذر كالشفعة ولأجل ذلك أجري هنا ما قالوه ثم وعكسه ولا يضر سلامه على البائع بخلاف محادثته ولا لبس ما يتجمل به ولا التأخير لنحو مطر شديد على الأوجه ويظهر أنه يكفي ما يبل الثوب "أو" علمه "ليلا " فله التأخير "حتى يصبح" لعذره بكلفة السير فيه ومن ثم لو أمكنه السير فيه من غير كلفة لزمه "فإن كان البائع بالبلد رده" المشتري "عليه بنفسه أو وكيله" ما لم يحصل بالتوكيل تأخير مضر ولولي المشتري ووارثه الرد أيضا كما هو ظاهر "أو" رده "على" موكله أو وارثه أو وليه أو "وكيله" بنفسه أو وكيله كما أفاده سياقه فساوت عبارته عبارة أصله خلافا لمن فرق وذلك لأنه قائم مقامه "ولو تركه" أي المشتري أو وكيله من ذكر من البائع ووكيله الحاضرين "ورفع الأمر إلى الحاكم فهو آكد" في الرد لأنه ربما أحوجه إلى الرفع إليه ومحل التخيير بين البائع ووكيله والحاكم ما لم يمر على أحدهم قبل وإلا تعين نعم لو مر على أحد الأولين قبل ولم يكن ثم من يشهده جاز له التأخير إلى الحاكم لأن أحدهما قد يجحده ولا يدعي عنده لأن غريمه بالبلد بل يفسخ بحضرته ثم يطلب غريمه ويفعل ذلك ولو عند من لا يرى القضاء بالعلم لأنه يصير شاهدا له على أن محله لا يخلو غالبا عن شهود "وإن كان" البائع "غائبا" عن البلد ولا وكيل له بها "رفع" الأمر "إلى الحاكم" ولا يؤخره لحضوره فيقول اشتريته من فلان الغائب بثمن كذا ثم ظهر به عيب كذا ويقيم البينة على ذلك كله ويحلفه أن الأمر جرى كذلك؛ لأنه قضاء على غائب ثم يفسخ ويحكم له بذلك فيبقى الثمن دينا عليه إن قبضه ويأخذ المبيع ويضعه عند عدل ويعطيه الثمن من غير المبيع إن كان وإلا باعه فيه وليس للمشتري حبس المبيع بعد الفسخ إلى قبضه الثمن بخلافه فيما يأتي لأن القاضي ليس بخصم فيؤتمن بخلاف البائع واستثنى السبكي كابن الرفعة هذا من القضاء على الغائب فجوزاه مع قرب المسافة كما اقتضاه إطلاقهم هنا وخالفهما الأذرعي فقال وتبعه الزركشي يرفع حينئذ للفسخ عنده لا للقضاء وفصل الأمر "والأصح أنه" إذا عجز عن الإنهاء لمرض مثلا أو أنهى وأمكنه في الطريق الإشهاد "يلزمه الإشهاد" ويكفي واحد ليحلف معه على الأوجه "على الفسخ" ولا يكفي على طلبه وإن اقتضاه كلام الرافعي واعتمده جماعة لقدرته على الفسخ بحضرة الشهود فتأخيره حينئذ يشعر بالرضا به وإنما لم يلزم الشفيع الإشهاد على الطلب إذا سار إلى أحدهما لأنه لا يستفيد به الأخذ وإنما القصد منه إظهار الطلب والسير يغني عنه وهنا لقصد رفع ملك الراد وهو يستقل به بالفسخ بحضرة الشهود فإذا تركه أشعر برضاه ببقائه في ملكه ويلزمه الإشهاد عليه أيضا حال توكيله أو عذره لنحو مرض أو غيبة عن بلد

 

ج / 2 ص -142-      المردود عليه وخوف من عدو. وقد عجز عن التوكيل في الثلاث وعن المضي إلى المردود عليه والرفع إلى الحاكم أيضا في الغيبة وإنما يلزمه الإشهاد في تلك الصور "إن أمكنه" وحينئذ يسقط عنه الفور لعوده لملك البائع بالفسخ فلا يحتاج إلى أن يستمر "حتى ينهيه إلى البائع أو الحاكم" إلا لفصل الأمر وحينئذ لا يبطل رده بتأخيره ولا باستخدامه لكنه يصير به متعديا وإنما حملت المتن على ما قررته تبعا لجمع محققين؛ لأنه صحح أنه يشهد على الفسخ لا طلبه وبعد الفسخ لا وجه لوجوب فور ولا إنهاء وزعم أن الاكتفاء بالإشهاد إنما هو عند تعذر الخصم والحاكم ممنوع وحينئذ فمعنى إيجاب الإشهاد في حالتي العذر وعدمه أنه عند العذر يسقط الإنهاء ويجب تحري الإشهاد إن أمكنه وعند عدمه هو مخير بينه وبين الإنهاء وحينئذ يسقط الإشهاد أي تحريه فلا ينافي وجوبه لو صادفه شاهد، هذا ما يظهر في هذا المقام والجواب بغير ذلك فيه نظر ظاهر للمتأمل "فإن عجز عن الإشهاد لم يلزمه التلفظ بالفسخ في الأصح" لأنه يبعد لزومه من غير سامع فيؤخره إلى أن يأتي به عند المردود عليه أو الحاكم لعدم فائدته قبل ذلك بل فيه ضرر عليه فإن المبيع ينتقل به لملك البائع فيتضرر ببقائه عنده، "ويشترط" أيضا لجواز الرد "ترك الاستعمال" من المشتري للمبيع بعد الاطلاع على العيب "فلو استخدم العبد" أي طلب منه أن يخدمه كقوله اسقني أو اغلق الباب وإن لم يطعمه أو استعمله كأن أعطاه الكوز من غير طلب فأخذه ثم أعاده إليه بخلاف مجرد أخذه منه من غير رده لأن وضعه بيده كوضعه بالأرض "أو ترك" من لا يعذر بجهل ذلك "على الدابة سرجها أو إكافها" المبيعين معها أو اللذين له أو في يده في مسيره للرد أو في المدة التي اغتفر له التأخير فيها والإكاف بكسر الهمزة أشهر من ضمها ما تحت البرذعة وقيل نفسها وقيل ما فوقها والمراد هنا واحد مما ذكر فيما يظهر "بطل حقه" لإشعاره بالرضا لأنه انتفاع إذ لو لم يتركه لاحتاج لحمله أو تحميله ولو كان تركه لإضرار نزعه لها لم يؤثر إذ لا إشعار حينئذ ومثله فيما يظهر أخذا مما يأتي ما لو تركه لمشقة حمله أو لكونه لا يليق به ونقل الروياني حل الانتفاع في الطريق مطلقا حتى بوطء الثيب ضعيف والفرق بينه وبين الحلب الآتي غير خفي وخرج بالسرج والإكاف العذار واللجام فلا يضر تركهما لتوقف حفظهما عليهما.
تنبيه: مقتضى صنيع المتن وظاهر قول الروضة كما أن تأخير الرد مع الإمكان تقصير فكذا الاستعمال والانتفاع والتصرف لإشعارها بالرضا أنه لو علم بالعيب وجهل أن له الرد به وعذر بجهله ثم استعمله سقط رده لتقصيره باستعماله الدال على الرضا به فإن قلت لا نسلم الاقتضاء والظاهر المذكورين لأنه لا يتصور منه الرضا إلا باستعماله بعد علمه بأن له الرد وأما مع جهله فهو يقول إنما استعملته ليأسي من ردي له لا لرضائي به قلت ما ذكرت ظاهر مدركا وإن أمكن توجيه مقابله بأن مبادرته إلى الاستعمال قبل تعرف خبر هذا النقص الذي اطلع عليه تقصير فعومل بقضيته.
"ويعذر في ركوب جموح" للرد "يعسر سوقها وقودها" للحاجة إليه وهل يلزمه سلوك أقرب الطريقين حيث لا عذر، للنظر فيه مجال ولعل اللزوم أقرب لأنه بسلوك الأطول مع

 

ج / 2 ص -143-      عدم العذر يعد عبثا كما دل عليه كلامهم في القصر بخلاف ركوب غير الجموح واستدامته بعد علمه بالعيب بخلاف ما لو علم عيب الثوب في الطريق وهو لابسه لا يلزمه نزعه لأنه غير معهود. قال الإسنوي ويتعين تصويره في ذوي الهيئات أو فيما إذا خشي من نزعه انكشاف عورته ومثله النزول عن الدابة ا هـ ويلحق به ما لو تعذر رد غير الجموح إلا بركوبها لعجزه عن المشي وله نحو حلب لبنها الحادث حال سيرها فإن أوقفها له أو لإنعالها وهي تمشي بدونه بطل رده ويظهر تصديق المشتري في ادعاء عذر مما ذكر وقد أنكره البائع لأن المانع من الرد لم يتحقق والأصل بقاؤه ويشهد له ما يأتي قبيل قوله والزيادة.
فرع: مؤنة رد المبيع بعد الفسخ بعيب أو غيره إلى محل قبضه على المشتري وكذا كل يد ضامنة يجب على ربها مؤنة الرد بخلاف يد الأمانة.
"وإذا سقط رده بتقصير" منه كأن صولح عنه بمال وهو يعلم فساد ذلك "فلا أرش" له لتقصيره "ولو حدث عنده" حيث لا خيار أو والخيار للبائع "عيب" لا بسبب وجد في يد البائع واطلع على عيب قديم وضابط الحادث هنا هو ضابط القديم فيما مر غالبا. فمن غيره نحو الثيوبة فهي حادث هنا بخلافها ثم في أوانها وكذا عدم نحو قراءة أو صنعة فإنه ثم لا رد به وهنا لو اشترى قارئا ثم نسي امتنع الرد وتحريمها على البائع بنحو وطء مشتر هو ابنه ليس بحادث ولو تبايعا ثمرا لم يبد صلاحه بلا خيار أو به وانقضى ثم بدا ثم علم عيبا ولم يؤد الزكاة من غير المبيع لم يرد به قهرا لأن شركة المستحقين له بقدر الزكاة كعيب حدث بيده إذ للساعي أخذها من عين المال وإن رجع للبائع وبه يتجه بحث الزركشي أنه لو بدا قبل القبض وبعد اللزوم كان كعيب حدث بيد البائع قبله فيتخير المشتري "سقط الرد قهرا" أي الرد القهري فهو حال من الرد أو تمييز له لا ل "سقط" لفساده وذلك لأنه أخذه بعيب فلا يرده بعيبين والضرر لا يزال بالضرر ومن ثم لو زال الحادث رد وكذا لو كان الحادث هو التزويج من البائع أو من غيره فقال قبل الدخول إن ردك المشتري بعيب فأنت طالق فله الرد لزوال المانع به ولا أثر مع ذلك لمقارنته للرد لأن المدار على زوال ضرر البائع بعد دخوله في ملكه فاندفع التوقف فيه بذلك والجواب عنه بإصلاح التصوير بأن يقول فأنت طالق قبيله. أما إذا كان الخيار للمشتري أو لهما فللمشتري الفسخ من حيث الخيار وإن حدث العيب في يده فيرده مع الأرش ولو أقاله بعد حدوث عيب بيده فللبائع طلب أرشه لصحتها بعد تلف المبيع بالثمن فكذا بعد تلف بعضه ببعض الثمن ويؤخذ من صحتها بعد التلف صحتها بعد بيع المشتري كما أفتى به بعضهم أخذا من قولهم: تغلب فيها أحكام الفسخ مع قولهم يجوز التفاسخ بنحو التحالف بعد تلف المبيع أو بيعه أو رهنه أو إجارته وإذا جعل المبيع كالتالف فيسلم المشتري الأول مثل المثلي وقيمة المتقوم وأخذ البلقيني من ذلك صحة الإقالة بعد الإجارة علم البائع أم لا والأجرة المسماة للمشتري وعليه للبائع أجرة المثل "ثم" إذا سقط الرد القهري بحدوث العيب "إن رضي به البائع" بلا أرش عن الحادث "رده المشتري" عليه "أو قنع به" بلا أرش له عن القديم لعدم
 

 

ج / 2 ص -144-      الضرر حينئذ "وإلا" يرضى البائع به معيبا "فليضم المشتري أرش الحادث إلى المبيع ويرده" على البائع "أو يغرم البائع" للمشتري "أرش القديم ولا يرد" لأن كلا من المسلكين فيه جمع بين المصلحتين ورعاية للجانبين. "فإن اتفقا على أحدهما فذاك" واضح لأن الحق لهما لا يعدوهما ومن ثم تعين على ولي أو وكيل فعل الأحظ نعم الربوي المبيع بجنسه لو اطلع فيه على قديم بعد حدوث آخر يتعين فيه الفسخ مع أرش الحادث لأنه لما نقص عنده فلا يؤدي لمفاضلة بين العوضين بخلاف إمساكه مع أرش القديم ومر ما لو تعذر رده لتلفه ومتى زال القديم قبل أخذ أرشه لم يأخذه أو بعد أخذه رده أو الحادث بعد أخذ أرش القديم أو القضاء به امتنع فسخه بخلاف مجرد التراضي "وإلا" يتفقا على واحد من ذينك بأن طلب أحدهما الرد مع أرش الحادث والآخر الإمساك مع أرش القديم "فالأصح إجابة من طلب الإمساك" والرجوع بأرش القديم سواء البائع والمشتري لما فيه من تقرير العقد، نعم لو صبغ الثوب بما زاد في قيمته ثم اطلع على عيبه فطلب أرش العيب وقال البائع بل رده وأغرم لك قيمة الصبغ إن لم يمكن فصله جميعه أجيب البائع وإن كان الصبغ وإن زادت به القيمة من العيوب كما صرح به القفال ووجهه السبكي بأن المشتري هنا إذا أخذ الثمن وقيمة الصبغ لم يغرم شيئا وثم لو ألزمناه الرد وأرش الحادث غرمناه لا في مقابلة شيء وبه رد قول الإسنوي هذا مشكل خارج عن القواعد وحيث أوجبنا أرش الحادث لا ننسبه إلى الثمن بل نرد ما بين قيمة المبيع معيبا بالعيب القديم وقيمته معيبا به وبالحادث بخلاف أرش القديم فإنا ننسبه إلى الثمن كما مر، "ويجب أن يعلم المشتري البائع على الفور بالحادث" مع القديم "ليختار" شيئا مما مر كما يجب الفور في الرد حيث لا حادث نعم تقبل دعواه الجهل بوجوب فورية ذلك لأنه لا يعرفه إلا الخواص "فإن أخر إعلامه بلا عذر فلا رد" له به "ولا أرش" لإشعار التأخير بالرضا به نعم إن كان الحادث قريب الزوال غالبا كالرمد والحمى لم يضر انتظاره ليرده سالما على الأوجه ويظهر ضبط القرب بثلاثة أيام فأقل وأن الحادث لو كان هو الزواج فعلق الزوج طلاقها على مضي نحو ثلاثة أيام فانتظره المشتري ليردها خلية لم يبطل رده.
تنبيه: قوله هنا فلا رد إما أن يريد به فلا رد قهرا فيكون مكررا لأنه يستغنى عنه بقوله سقط الرد قهرا أو اختيارا فينافي قوله رده المشتري وقوله فذاك والذي يتجه في الجواب أن قوله ويجب إلخ قيد لقوله ثم إلخ أفاد أن محل ذلك التخيير إن لم يوجد تقصير بتأخير الإعلام وإلا فلا رد له به على تلك الكيفية المشتملة على التخيير السابق بعد ثم التي من جملتها أخذ الأرش وحينئذ فلا ينافي هذا جواز الرد بالرضا من غير أرش كما صرحا به بقولهما في باب الإقالة لو تفاسخا ابتداء بلا سبب جاز أي جزما وقيل فيه وجهان وكان إقالة ا هـ لإمكانها هنا بخلافها فيما نحن فيه لأنها إما بيع فشرطها أن تقع بما وقع به العقد الأول وهنا بخلافه وإما فسخ فموردها مورد العقد وليس الأرش موردا حتى يقع العقد عليه ولم أر أحدا من الشراح نبه على شيء من ذلك.
"ولو حدث عيب لا يعرف القديم إلا به ككسر بيض" لنحو نعام لأن قشره متقوم "و"

 

ج / 2 ص -145-      كسر "رانج" بكسر النون وهو الجوز الهندي حيث لم تتأت معرفة عيبه إلا بكسره فزعم تعين عدم عطفه على ما قبله. وذكر ثقب قبله غير صحيح إذ غاية الأمر أنه يمكن معرفة عيبه بالكسر تارة وبالثقب أخرى فيحمل على الأول "وتقوير بطيخ" بكسر الباء أشهر من فتحها "مدود" بعضه بكسر الواو وكل ما مأكوله في جوفه كالرمان والجوز "رد" ما ذكر بالعيب القديم "ولا أرش عليه في الأظهر" لأن البائع سلطه على كسره لتوقف علم عيبه عليه أما بيض نحو دجاج مذر ونحو بطيخ مدود كله فإنه يوجب فساد البيع لأنه غير متقوم فيرجع المشتري بكل ثمنه وعلى البائع تنظيف المحل من قشوره لاختصاصها به وبحث بعضهم أن محله إن لم ينقلها المشتري إلى المحل التي هي به وإلا لزمه نقلها منه أي إلى محل العقد أخذا مما مر في فرع مؤنة رد المبيع "فإن أمكن" أي بالنظر للواقع لا لظنه كما يصرح به كلامهم "معرفة القديم بأقل مما أحدثه" عذر به بأن قامت قرينة تحمله على مجاوزة الأقل أو لا كما اقتضاه إطلاقهم لتقصيره في الجملة "فكسائر العيوب الحادثة" فيمتنع رده به لعدم الحاجة إليه وذلك كتقوير البطيخ الحامض وكسر الرانج وقد أمكن الوقوف على عيبه بغرز شيء فيه وكتقوير كبير يغني عنه أصغر منه والتدويد لا يعرف غالبا إلا بالتقوير وقد يعرف بالشق فمتى عرف به كان التقوير عيبا حادثا ولو شرطت حلاوة الرمان فبان حامضا بالغرز رد إذ لا يعرف حمضه بدون الغرز أو بالشق فلا لمعرفته بدونه وعند الإطلاق ليست الحموضة عيبا لأنها مقصودة فيه ولو اشترى نحو بيض أو بطيخ كثير فكسر واحدة فوجدها معيبة لم يتجاوزها لثبوت مقتضى رد الكل بذلك لما يأتي من امتناع رد البعض فقط وإن كسر الثانية فلا رد له مطلقا على الأوجه لأنه وقف على العيب المقتضي للرد بالأول فكان الثاني عيبا حادثا ويظهر أنه لو اطلع على العيب في واحدة بعد كسر أخرى كان الحكم كذلك.
فرع: "اشترى" من واحد "عبدين" أو نحوهما من كل شيئين لم تتصل منفعة أحدهما بالآخر أو اتصلت كمصراعي باب "معيبين صفقة ردهما" إن شاء لا أحدهما قهرا لإضرار البائع بتفريق الصفقة عليه من غير ضرورة "ولو ظهر عيب أحدهما ردهما" إن شاء "لا المعيب وحده" فلا يرده قهرا عليه "في الأظهر" لذلك وقضيته أن ما لا ضرر بتفريقه كالحبوب وغيرها من المثليات يجوز رد المعيب منه وحده إذ لا ضرر فيه وهو أحد وجهين أطلقهما الشيخان وهو الأوجه الذي نص عليه في الأم والبويطي وأما تأويله بحمله على تراضي العاقدين به ففي غاية البعد لأنه مع الرضا لا خلاف فيه والكلام فيما فيه خلاف ولو ظهر عيب أحدهما بعد تلف الآخر أو بيعه لم يرد الباقي إلا إن كان البيع من البائع كما قاله القاضي واعتمده الإسنوي وكذا السبكي في شرح المنهاج وإن تناقض كلامه فيه في شرح المهذب لانتفاء التفريج المضر حينئذ وخالفه صاحباه المتولي والبغوي.
 "ولو اشترى عبد رجلين" منهما لا من وكيلهما "فبان معيبا فله رد نصيب أحدهما" لتعدد الصفقة بتعدد البائع دون موكله كما مر "ولو اشترياه" أي المعيب من واحد كما في أصله كالروضة وغيرها لأنفسهما أو موكلهما "فلأحدهما الرد" لحصته على البائع "في

 

ج / 2 ص -146-      الأظهر" لتعدد الصفقة بتعدد المشتري لنفسه أو لغيره كما مر أو من اثنين ولا يصح حمل المتن عليه بجعل الضمير عائدا على قوله عبد رجلين لأن هذه لا خلاف فيها للتعدد بتعدد البائع قطعا فله رد الربع "ولو اختلفا في قدم العيب" واحتمل صدق كل "صدق البائع" في دعواه حدوثه "بيمينه" لأن الأصل لزوم العقد وقيل لأن الأصل عدم العيب في يده وينبني عليهما ما لو باع بشرط البراءة من العيوب فإنه لا يبرأ مما حدث بعد العقد وقبل القبض فلو ادعى المشتري هذا والبائع قدمه على العقد صدق البائع على الأول كما شمله المتن والمشتري على الثاني بيمينه لاحتمال صدق المشتري، أما إذا قطع بما ادعاه أحدهما كشجة مندملة والبيع أمس فيصدق المشتري بلا يمين وكجرح طري والبيع والقبض من سنة فيصدق البائع بلا يمين ولو ادعى المشتري قدم عيبين فصدقه البائع ففي أحدهما فقط صدق المشتري بيمينه لثبوت الرد بإقرار البائع فلا يسقط بالشك ولا يرد على المتن خلافا لمن زعمه لأن الرد إنما نشأ مما اتفقا عليه وكلامه فيما اختلفا فيه كما ترى. فإن قلت هما قد اختلفا في الثاني وصدق المشتري في قدمه حتى لا يمتنع رده قلت تصديقه ليس إلا لقوة جانبه بتصديق البائع له على موجب الرد فلم تقبل إرادته رفعه عنه بدعوى حدوث الثاني فالحامل على تصديقه سبق إقرار البائع لا غير فلم يصدق أن المشتري صدق في القدم على الإطلاق ولو نكل المشتري عن اليمين سقط رده ولم ترد على البائع لأنه لا يثبت لنفسه بحلفه حقا وحينئذ فظاهر مما مر أنه يأتي هنا ما سبق في قوله ثم: إن رضي به البائع إلخ ولو اشترى ما كان رآه وعيبه قبل ثم أتاه به فقال زاد العيب وأنكر البائع صدق المشتري لأن البائع يدعي عليه علمه به وهو خلاف الأصل ولا ترد عليه هذه أيضا خلافا لمن زعمه أيضا لأنهما لم يختلفا في القدم بل في الزيادة المستلزمة له وهو إنما ذكر الاختلاف في القدم نصا ثم تصديق البائع في عدم القدم إنما هو لمنع رد المشتري لا لتغريمه أرشه لو عاد للبائع بفسخ وطلبه زاعما أن حدوثه بيده ثبت بيمينه لأن يمينه إنما صلحت للدفع عنه فلا تصلح لإثبات شيء له، نظير ما يأتي في التخالف في الجراح فللمشتري الآن أن يحلف أنه ليس بحادث وكيفية حلف البائع تكون "على حسب جوابه" فإن أجاب بلا يلزمني قبوله أو بلا رد له علي به حلف كذلك ولا يكلف التعرض لحدوثه لاحتمال علم المشتري به عند القبض أو رضاه به بعده ولو ذكره كلف البينة أو ما بعته أو ما أقبضته إلا سليما حلف كذلك ولم يكفه: لا يستحق علي الرد به ولا لا يلزمني قبوله لأنه ليس مطابقا لجوابه، وقضية كلامهم أنه لو أجاب بلا يلزمني قبوله ثم أراد الحلف على أنه ما أقبضه إلا سليما لا يمكن وهو محتمل لاحتمال الجواب الأول علم المشتري ورضاه به والثاني نص في عدمه فتناقضا احتمالا وهو كاف هنا ومن ثم لم يكتفوا في اليمين باللوازم بل اشترطوا كونها على وفق الدعوى بطريق المطابقة لا التضمن والالتزام ولا يكفيه الحلف على نفي العلم ويجوز له الحلف على البت إذا اختبر خفايا أمر المبيع وكذا إن لم يختبرها اعتمادا على ظاهر السلامة حيث لم يظن خلافها ولا يثبت العيب إلا بشهادة عدلي شهادة فإن فقدا صدق البائع ويصدق المشتري بيمينه في عدم تقصيره في الرد وفي

 

ج / 2 ص -147-      جهله بالعيب إن أمكن خفاء مثله عليه عند الرؤية وإلا كقطع أنف صدق البائع وفي أنه ظن أن ما رآه به غير عيب وكان ممن يخفى عليه مثله، وفي أنه إنما رضي بعيبه لأنه ظنه العيب الفلاني وقد بان خلافه وأمكن اشتباهه به وكان العيب الذي بان أعظم ضررا فيثبت له الرد في الكل.
"والزيادة" في المبيع أو الثمن "المتصلة كالسمن" وكبر الشجرة وتعلم الصنعة ولو بمعلم بأجرة كما اقتضاه إطلاقهم هنا لكنهم في الفلس قيدوه بصنعة بلا معلم فيحتمل أن يقال به هنا بجامع أن المشتري غرم مالا في كل منهما فلا يفوت عليه ولا ينافيه الفرق الآتي بينهما في الحمل لأن من شأنه أنه لا يغرم مال في مقابلته فحكم به لمن لم ينشأ الرد عنه "تتبع الأصل" لتعذر إفرادها ولو باع أرضا بها أصول نحو كراث فنبتت ثم ردها بعيب فالنابت للمشتري بخلاف الصوف الحادث بعد العقد فإنه يرده تبعا ما لم يجز وكذا اللبن الحادث في الضرع لأنهما كالسمن بخلاف تلك ومن ثم كان الظاهر منهما في ابتداء البيع لا يدخل فيه وجرى جمع على أن نحو الصوف الحادث للمشتري مطلقا ولو جز بعد أن طال ثم علم عيبا ورد اشتركا فيه لأن الموجود عند العقد جزء من المبيع فيرد وإن جز وقياس نظائره أنه يصدق ذو اليد حيث لا بينة وأنه لا رد ما داما متنازعين وأن ذلك عيب حادث وعلى هذا يحمل قول السبكي وقد يقع نزاع في مقدار ما لكل منهما وهو عيب مانع من الرد. "و" الزيادة "المنفصلة" عينا ومنفعة "كالولد والأجرة لا تمنع الرد" عملا بمقتضى العيب نعم ولد الأمة الذي لم يميز يمنع الرد بناء على ما مر من حرمة التفريق بينهما به فيجب الأرش وإن لم يحصل يأس لأن تعذر الرد بامتناعه ولو مع الرضا صيره كالمأيوس منه "وهي للمشتري" في المبيع وللبائع في الثمن "إن رد بعد القبض" للحديث الصحيح: أن رجلا ابتاع غلاما واستعمله مدة ثم رأى فيه عيبا وأراد رده فقال البائع يا رسول الله قد استعمل غلامي فقال صلى الله عليه وسلم
"الخراج بالضمان" ومعناه أن ما يخرج من المبيع من غلة وفائدة تكون للمشتري في مقابلة أنه لو تلف لكان من ضمانه أي لتلفه على ملكه فالمراد بالضمان في الخبر الضمان المعتبر بالملك إذ آل فيه لما ذكره البائع له صلى الله عليه وسلم وهو ما ذكر فقط فخرج البائع قبل القبض والغاصب فلا يملك فوائده لأنه لا ملك له وإن ضمنه لأنه لوضع يده على ملك غيره بطريق مضمن "وكذا" تكون الزيادة له إن رد "قبله في الأصح" بناء على الأصح أن الفسخ يرفع العقد من حينه لا من أصله "ولو باعها" أي البهيمة أو الأمة "حاملا فانفصل" الحمل ولم تنقص أمه بالولادة أو كان جاهلا بالحمل واستمر جهله إلى الوضع وإن نقصت بها لما مر أن الحادث بسبب متقدم كالمتقدم "رده" لأن الحمل يعلم ويقابله قسط من الثمن "معها في الأظهر" لوجود المقتضي بلا مانع بخلاف ما إذا نقصت بها وعلم بالحمل فلا يردها قهرا بل له الأرش كسائر العيوب الحادثة وخرج بباعها حاملا ما لو باعها حائلا ثم حملت ولو قبل القبض فإن الولد للمشتري بخلاف نظيره في الفلس فإن الولد للبائع والفرق أن سبب الفسخ هناك نشأ من المشتري وهو تركه توفية الثمن وهنا من البائع وهو ظهور العيب الذي كان موجودا عنده. قال الماوردي وغيره:

 

ج / 2 ص -148-      وللمشتري حبس الأم حتى تضعه، وحمل الأمة بعد القبض يمنع الرد القهري لأنه عيب فيها وكذا حمل غيرها إن نقصت به، ونحو البيض كالحمل وبانفصل ما لو كانت بعد حاملا فإنه يردها جزما والطلع كالحمل والتأبير كالوضع فلو أطلعت في يده ثم ردها بعيب كان الطلع للمشتري على الأوجه "ولا يمنع الرد الاستخدام" قبل علم العيب من المشتري أو غيره للمبيع ولا من البائع أو غيره للثمن إجماعا "ووطء الثيب" كالاستخدام وإن حرمها على البائع لكونه أباه مثلا نعم إن كان بزنا منها بأن مكنته ظانة أنه أجنبي، وإطلاق الزنا على هذا مجاز كما يعلم مما يأتي أول العدد، منع لأنه عيب حدث "وافتضاض" الأمة بالفاء والقاف "البكر" المبيعة من مشتر أو غيره يعني زوال بكارتها ولو بوثبة "بعد القبض نقص حدث" فيمنع الرد ما لم يستند لسبب متقدم جهله المشتري كما مر "وقبله جناية على المبيع قبل القبض" فإن كان من المشتري منع رده بالعيب ثم إن قبضها لزمه اليمين بكماله وإن تلفت قبل قبضها لزمه من الثمن قدر ما نقص من قيمتها أو من غيره وأجاز هو البيع فله ردها به ثم إن كان المزيل البائع أو آفة أو زوجا زواجه سابق فهدر أو أجنبيا لزمه الأرش إن لم يطأ أو كانت زانية وإلا لزمه مهر بكر مثلها فقط وهو للمشتري ما لم يفسخ وإلا استحق البائع منه قدر الأرش وفرق بين وجوب مهر بكر هنا ومهر ثيب وأرش بكارة في الغصب والديات ومهر بكر وأرش بكارة في المبيعة بيعا فاسدا بأن ملك المالك هنا ضعيف فلا يحتمل شيئين بخلافه ثم ولهذا لم يفرقوا ثم بين الحرة والأمة وبأن البيع الفاسد وجد فيه عقد اختلف في حصول الملك به كما في النكاح الفاسد بخلافه فيما مر ويوجه بأن الجهة المضمنة هنا لما اختلفت بسبب جريان الخلاف في الملك لم يلزم عليه إيجاب مقابل للبكارة مرتين إذ الموجب لمهر البكر وطء الشبهة لأنه استمتع بها بكرا ولأرش البكارة إزالة الجلدة بخلاف جهة الغصب فإنها واحدة فلو أوجبت مهر بكر لتضاعف غرم البكارة مرتين من جهة واحدة وهو ممتنع فاندفع ما يقال الغاصب الذي لم يختلف في عدم ملكه أولى بالتغليظ ممن اختلف في ملكه.
 

فصل في القسم الثاني، وهو التغرير الفعلي بالتصرية، أو غيرها
اجتماع "التصرية" من صرى الماء في الحوض جمعه وجوز الشافعي رضي الله عنه أن تكون من الصر، وهو الربط، واعترضه أبو عبيدة بأنه يلزمه أن يقال: مصررة، أو مصرورة لا مصراة، وليس في محله؛ لأنهم قد يكرهون اجتماع مثلين فيقلبون أحدهما ألفا كما في دساها؛ إذ أصله دسسها "حرام" للنهي الصحيح عنها، وهي أن تربط أخلاف البهيمة، أو يترك حلبها مدة قبل بيعها حتى يجتمع اللبن فيتخيل المشتري غزارة لبنها فيزيد في الثمن، ولا فرق في التحريم بين مريد البيع وغيره ومن قيد بالأول مراده حيث لم يضر البهيمة "تثبت الخيار" للمشتري كما في الحديث الصحيح "على الفور" كالرد بالعيب، وقضية كلامه أنه يتخير، وإن استمر لبنها على ما أشعرت به التصرية، والذي يتجه خلافه، وهو ما اقتضاه كلام الروضة وأصلها، ومن ثم قال أبو حامد: لا وجه للخيار هنا، وإن نازعه الأذرعي بأن ما كان على

 

ج / 2 ص -149-      خلاف الجبلة لا وثوق بدوامه، أو تصرت بنفسها أو لنسيان حلبها، وهو الأوجه من وجهين أطلقاهما ورجحه أيضا الأذرعي وقال: إنه قضية نص الأم ا هـ ويؤيده أن الخيار بالعيب لا فرق فيه بين علم البائع به وعدمه فاندفع ترجيح الحاوي كالغزالي مقابله لعدم التدليس "وقيل يمتد" الخيار، وإن علم بالتصرية "ثلاثة أيام" من العقد وقيل من التفرق كما صرح به الحديث، ومن ثم صححه كثيرون واختاره جمع متأخرون وأجاب الأكثرون بحمل الخبر على الغالب من أن التصرية لا تظهر فيما دون الثلاث لاحتمال إحالة النقص على اختلاف العلف والمأوى مثلا، "فإن رد" اللبون المصراة أو غيرها بعيب، أو غيره كتحالف، أو تقايل فيما يظهر "بعد تلف اللبن" أي: حلبه وعبر به عنه؛ لأنه بمجرد حلبه يسري إليه التلف "رد معها صاع تمر" ما لم يتفقا على رد غيره للحديث الصحيح بذلك، وإن اشتراها بصاع تمر، أو بدونه ويتعين كونه من تمر البلد الوسط كذا عبر به جمع، ولا ينافيه تعبير غيرهم بالغالب كالفطرة إما؛ لأن المراد الوسط هذا، أو أن الوسط يعتبر بالنسبة لأنواع الغالب فإن فقده أي: بأن تعذر عليه تحصيله بثمن مثله في بلده ودون مسألة القصر إليها فيما يظهر أخذا مما يأتي في فقد إبل الدية فقيمته بأقرب بلد تمر إليه كما اقتضاه النص ورجحه السبكي وغيره واقتصرا عن الماوردي على قيمته بالمدينة النبوية على مشرفها أفضل الصلاة والسلام، واعترضا بأنه لم يرجح شيئا وإنما حكى وجهين فقط، ويرد بأن من حفظ حجة، ويمكن توجيهه بأن التمر موجود منضبط القيمة بالمدينة غالبا فالرجوع إليها أمنع للنزع فتعين، وعليهما العبرة بقيمة يوم الرد لا أكثر الأحوال "وقيل: يكفي صاع قوت" لرواية صحيحة بالطعام ورواية بالقمح فإن تعدد جنسه تخير وردوه برواية مسلم "رد معها صاع تمر لا سمراء" أي: حنطة فإذا امتنعت، وهي أعلى الأقوات عندهم فغيرها أولى، ورواية القمح ضعيفة والطعام محمولة على التمر لما ذكر، وإنما تعين، ولم يجز أعلى منه بخلاف الفطرة؛ لأن القصد بها سد الخلة، وهنا قطع النزاع مع ضرب تعبد إذ الضمان بالتمر لا نظير له لكن لما كان الغالب التنازع في قدر اللبن قدر الشارع بدله بما لا يقبل تنازعا قطعا له ما أمكن، ومن ثم لم يتعدد الصاع بتعدد المصراة على ما صرح به الحديث، واقتضى سياق بعضهم نقل الإجماع فيه لكن المنقول عن الشافعي التعدد، وهو المعتمد، ومن ثم قال ابن الرفعة: لا أظن أصحابنا يسمحون بعدم التعدد "والأصح أن الصاع لا يختلف بكثرة اللبن" وقلته لما تقرر، ونظيره الغرة في الجنين، والخمس من الإبل في نحو الموضحة مع اختلافها كما يأتي وظاهر أنه لا بد من لبن متمول؛ إذ لا يضمن إلا ما هو كذلك. "وأن خيارها" أي: التصرية "لا يختص بالنعم بل يعم كل مأكول والجارية والأتان" وهي أنثى الحمر الأهلية لرواية مسلم: "من اشترى مصراة" وكون نحو الأرنب لا يقصد لبنه إلا نادرا إنما يرد لو أثبتوه قياسا، وليس كذلك لما علمت من شمول لفظ الخبر له؛ إذ النكرة في حيز الشرط للعموم فذكر شاة في رواية من ذكر بعض أفراد العام، والتعبد هنا غالب فمن ثم لم يستنبط من النص معنى يخصصه بالنعم وبهذا يتضح اندفاع ما أطال به جمع من الانتصار لاختصاصه بالنعم، ولا يؤثر كون لبن الأخيرين لا يؤكل؛ لأنه تقصد غزارته لتربية الولد

 

ج / 2 ص -150-      وكبره وكالأتان كما هو ظاهر غيرها مما لا يؤكل ويصح بيعه، وله لبن "و" لكن "لا يرد معهما شيئا"؛ لأن لبن الأمة لا يعتاض عنه غالبا، ولبن الأتان نجس "وفي الجارية وجه" أنه يرد بدله لصحة بيعه وأخذ العوض عنه "وحبس ماء القناة و" ماء "الرحى المرسل" كل منهما "عند البيع"، أو الإجارة حتى يتوهم المشتري، أو المستأجر كثرته فيزيد في ثمنه، أو أجرته "وتحمير الوجه وتسويد الشعر وتجعيده" في الأمة والعبد على الأوجه حرام "يثبت الخيار" بجامع التدليس، أو الضرر، ومن ثم تخير هنا، وإن فعل ذلك غير البائع إلا تجعد الشعر؛ لأنه مستور غالبا فلم ينسب البائع فيه لتقصير، وإلا إذا ظهر أن ذلك مصنوع لغالب الناس، وإن كان بفعل البائع لتقصير المشتري كما هو ظاهر نظير شراء زجاجة يظنها جوهرة بل قضية هذا أنه لا يشترط فيه ذلك الظهور، وهذا بالنسبة للخيار أما الإثم فسيأتي، والجعد هو ما فيه التواء وانقباض لا كمفلفل السودان، وفيه جمال ودلالة على قوة البدن "لا لطخ ثوبه" أي: الرقيق بمداد "تخييلا لكتابته"، أو إلباسه ثوب نحو خباز تخييلا لصنعته فأخلف فلا يتخير به "في الأصح"؛ إذ ليس فيه كبير غرر لتقصير المشتري بعدم امتحانه والبحث عنه بخلاف ما مر، ومن ثم قال الماوردي: لا يحرم على البائع فعل ذلك لكن نظر غيره فيه، والنظر واضح فيحرم كل فعل بالمبيع أو الثمن أعقب ندما لآخذه، ولا أثر لمجرد التوهم كما لو اشترى زجاجة يظنها جوهرة بثمن الجوهرة؛ لأنه المقصر، وإن استشكله ابن عبد السلام؛ لأن حقيقة الرضا المشترطة لصحة البيع لا تعتبر مع التقصير ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم علم من يخدع في البيع أن يقول: لا خلابة كما مر، ولم يثبت له خيارا، ولا أفسد شراءه فدل على ما ذكرناه.
 

باب في حكم المبيع ونحوه قبل قبضه وبعده والتصرف فيما له تحت يد غيره وبيان القبض والتنازع فيه وما يتعلق بذلك
"المبيع" دون زوائده المنفصلة ومثله في جميع ما يأتي الثمن كما سيذكره بقوله: والثمن المعين كالمبيع "قبل قبضه" الواقع عن البيع "من ضمان البائع" بمعنى انفساخ البيع بتلفه، أو إتلاف البائع والتخيير بتعيبه، أو تعييب غير مشتر وإتلاف أجنبي لبقاء سلطنته عليه، وإن قال للبائع أودعتك إياه وقولهم إن إيداع من يده ضامنة يبرئه مفروض في ضمان اليد وما هنا ضمان عقد أو عرضه على المشتري فامتنع من قبوله ما لم يضعه بين يديه، ويعلم به، ولا مانع له منه، ومنه أن يكون بمحل لا يلزمه تسلمه فيه كما هو ظاهر. وبحث الإمام أنه لا بد من قربه منه بحيث تناله يده منه من غير حاجة لانتقال، أو قيام قال: ولو وضعه البائع عن يمينه، أو يساره، وهو تلقاء وجهه لم يكن قبضا ا هـ. وما ذكره أولا متجه وآخرا فيه نظر ظاهر؛ إذ لا فرق، والذي يتجه أنه متى قرب من المشتري كما ذكر، ولم يعد البائع مستوليا عليه مع ذلك حصل القبض، وإن كان عن يمينه مثلا ويأتي ذلك في وضع المدين الدين عند دائنه أما زوائده الحادثة في يد البائع فهي عنده أمانة؛ لأن ضمان الأصل بالعقد، وهو لم يشملها، ولا وجد منه تعد "فإن تلف" بآفة سماوية ويصدق فيه البائع بالتفصيل الآتي في الوديعة على الأوجه؛ لأنه كالوديع لا في عدم ضمان البدل، أو وقعت الدرة في بحر

 

ج / 2 ص -151-      لا يمكن إخراجها منه، أو انفلت ما لا يرجى عوده من طير، أو صيد متوحش، أو اختلط نحو ثوب، أو شاة بمثله للبائع، ولم يمكن التمييز بخلاف نحو تمر بمثله؛ لأن المثلية تقتضي الشركة فلا تعذر بخلاف المتقوم أو انقلب عصير خمرا ما لم يعد خلا لكن يتخير المشتري، أو غرقت الأرض بماء لم يتوقع انحساره، أو وقع عليها صخرة، أو ركبها رمل لا يمكن رفعهما كما جزما به في الشفعة واقتضاه كلامهما في الإجارة لكن رجحا هنا أنه تعيب، واعتمده بعضهم وفرق ببقاء عين الأرض، والحيلولة لا تقتضي فسخا كالإباق، والشفعة تقتضي تملكا، وهو متعذر حالا لعدم الرؤية والانتفاع، والإجارة تقتضي الانتفاع في الحال، وهو متعذر بحيلولة الماء، وترقب زواله لا نظر له لتلف المنافع، ولك رده بأنهم لو نظروا هنا لمجرد بقاء العين لم يقولوا بالانفساخ في وقوع الدرة، وما بعده إلا أن يفرق بأن العين في هذه لم يعلم بقاؤها بخلاف الأرض "انفسخ البيع" أي: قدر انفساخه المستلزم لتقدير انتقاله لملك البائع قبيل التلف فتكون زوائده للمشتري حيث لا خيار، أو تخير وحده، ويلزم البائع تجهيزه "وسقط الثمن" الذي لم يقبض، ووجب رده إن قبض لفوات التسليم المستحق بالعقد فبطل كما لو تفرقا في عقد الصرف قبل القبض. قيل: يستثنى من طرده وضعه بين يديه عند امتناعه، ويرده أن ذلك قبض له كما مر وإحبال أبي المشتري الأمة وتعجيز مكاتب بعد بيعه شيئا لسيده وموت مورثه البائع له، ويرده أن قبض المشتري وجد في الثلاثة حكما هو كاف على أنه يأتي في الأخيرتين ما يبطل ورودهما من أصلهما، ومن عكسه قبض المشترى له من البائع وديعة بأن كان له حق الحبس فتلفه بيده كتلفه بيد البائع كما صرحوا به، ويرده أنه لا أثر لهذا القبض، ومن ثم كان الأصح بقاء حبس البائع بعده، ووقع للزركشي في هذه آخر الوديعة ما يخالف ما ذكر فيها وكأنه سهو، وإن أقره شيخنا عليه ثم وما لو قبضه المشتري في زمن خيار البائع وحده فتلفه حينئذ كهو بيد البائع فينفسخ العقد به، وله ثمنه وللبائع عليه مثل المثلي وقيمة غيره يوم التلف، ويرد بأن الملك حينئذ للبائع فلم يوجد فيه المعنى الذي في البيع بعد الخيار وقبل القبض، ويؤيده تعليلهم الانفساخ هنا بقولهم؛ لأنه ينفسخ بذلك عند بقاء يده فعند بقاء ملكه أولى فالمراد ببقاء يده بقاؤها أصالة لتصريحهم في هذه بأن إيداع المشتري إياه له بعد قبضه كبقائه بيد المشتري، وخرج بوحده ما لو تخيرا والمشتري فلا فسخ بل يبقى الخيار ثم إن تم العقد غرم الثمن، وإلا فالبدل.
فرع: باع عصيرا وسلمه فوجده خمرا فقال البائع: تخمر عندك، وقال المشتري: بل عندك صدق البائع كما رجحه الشيخان. قال بعضهم: والصورة أن العصير مشاهد وأنه أقبضه بإناء موكوء عليه بعد مضي زمن يمكن فيه تخمره وقياسه أنه لو اشترى نحو زيت ثم أفرغه البائع في إنائه بأمره فوجد فيه فأرة ميتة فقال: هي فيه قبل إفراغه، وقال البائع: بل هي في ظرفك صدق البائع لا يقال: يلزم من تصديقه بطلان البيع أيضا لتنجسه بها قبل القبض أو معه؛ لأنا نقول: المائع إذا حصل في فضاء الظرف ثبت له حكم القبض جزءا جزءا قبل ملاقاته لها ذكره الإمام، قوله: أو معه ضعيف بل الأصح أن جعل البائع المبيع في ظرف

 

ج / 2 ص -152-      المشتري بعد أمره له غير قبض له؛ لأنه لم يستول عليه، ومن ثم لم يضمنه أيضا في أعرني ظرفك، واجعل المبيع فيه، ولا يضمن البائع الظرف؛ لأنه استعمله في ملك المشتري بإذنه، ومن ثم ضمنه المسلم إليه في نظير ذلك؛ لأنه استعمله في ملك نفسه.
"ولو أبرأه المشتري عن الضمان لم يبرأ في الأظهر"؛ لأنه إبراء عما لم يجب، وهو باطل، وإن وجد سببه "ولم يتغير الحكم" السابق، وفائدة هذا خلافا لمن زعم أنه لا فائدة له مع ما قبله نفي توهم عدم الانفساخ إذا تلف، وأن الإبراء كما لا يرفع الضمان لا يرفع الفسخ بالتلف، ولا المنع من التصرف "وإتلاف المشتري" الأهل للمبيع حسا، أو شرعا يعني: المالك، وإن لم يباشر العقد، ولا وكيله، وإن باشر بل هو كالأجنبي، وإن أذن له المالك في القبض وإتلاف قنه بإذنه "قبض" له "إن علم" أنه المبيع، ولم يكن لعارض يبيحه فخرج قتله لردته، أو نحو تركه للصلاة، أو زناه بأن زنى ذميا محصنا ثم حارب ثم أرق، أو قطعه الطريق، وهو إمام، أو نائبه، وإلا كان قابضا؛ لأنه لا يجوز له لما فيه من الافتيات على الإمام فلا نظر لكونه مهدرا وقتله لصياله عليه، أو لمروره بين يديه، وهو يصلي بشرطه أو لقتاله مع بغاة، أو مرتدين، أو قودا فهو في هذه الصور كلها غير قبض علم أنه المبيع أو جهل؛ لأنه لما أتلفه بحق كان تلفه واقعا عن ذلك الحق دون غيره "وإلا" يعلم أنه المبيع، وكان بغير حق أيضا "فقولان" في أن إتلافه قبض أو لا وهما "كـ" القولين في "أكل المالك طعامه المغصوب" حال كونه "ضيفا" للغاصب جاهلا أنه طعامه أظهرهما أنه يصير قابضا تقديما للمباشرة فكذا هنا أيضا، وفي معنى إتلافه كما مر ما لو اشترى أمة فأحبلها أبوه، أو سيد من مكاتبه، أو وارث من مورثه شيئا ثم عجز المكاتب، أو مات المورث أما غير الأهل كغير مكلف فإتلافه ليس قبضا بل ينفسخ به العقد ويلزمه بدله وعلى البائع رد ثمنه لوليه إن قبضه
"والمذهب أن إتلاف البائع" المبيع قبل قبضه، أو بعده، وهو فاسد كأن كان للبائع الحبس، ومن إتلافه نحو بيعه ثانيا لمن تعذر استرداده منه "كتلفه" بآفة ومر أنه ينفسخ فكذا هنا لتعذر الرجوع عليه بقيمته؛ لأنه مضمون عليه بالثمن فإذا أتلفه سقط الثمن، ولو استوفى منافعه لم يلزمه لها أجرة لضعف ملك المشتري وكونه من ضمان البائع وتنزيلا للمنافع منزلة العين التي لو أتلفها لم تلزمه قيمتها، وإنما ملك المشتري الفوائد الحادثة بيد البائع قبل القبض؛ لأنها أعيان محسوسة مستقلة فلا تبعية فيها لغيرها فاندفع ما أطال به الأذرعي هنا "والأظهر أن إتلاف الأجنبي" الملتزم بغير حق للمبيع في غير عقد الربا، وإن أذن له البائع، أو المشتري فيه لعدم استقرار ملكه، أو كان عبدا للبائع، ولو بإذنه، أو للمشتري لكن بغير إذنه، والفرق شدة تشوف الشارع لبقاء العقود "لا يفسخ" البيع لقيام بدل المبيع مقامه، وإنما انفسخت الإجارة بغصب العين إلى انقضاء المدة؛ لأن الواجب ثم المال، وهو من غير جنس المعقود عليه فلم يقم مقامه بخلافه هنا "بل يتخير المشتري" على التراخي لفوات العين المقصودة "بين أن يجيز" وحينئذ ففي رجوعه للفسخ خلاف والأوجه منه نعم "ويغرم الأجنبي" البدل "أو" يستعملها الفقهاء كثيرا في حيز بين بمعنى الواو لامتناع بقائها على أصلها لمنافاته لوضع بين "يفسخ" وحينئذ يقدر ملك البائع للمبيع قبيل الفسخ فيلزمه تجهيز القن نظير ما مر خلافا

 

ج / 2 ص -153-      لبعض الشارحين "ويغرم البائع الأجنبي" البدل أما إتلافه له بحق نظير ما مر في المشتري، أو وهو حربي فكالآفة، وأما إتلافه للربوي فينفسخ به العقد لتعذر التقابض والبدل لا يقوم مقامه فيه وإتلاف أعجمي يعتقد تحتم طاعة آمره وغير مميز كإتلاف آمره من بائع ومشتر وأجنبي.
تنبيه: لو أتلفته دابة مشتر لا يضمن إتلافها انفسخ لتقصير البائع فنزل منزلة إتلافه، أو يضمنه لكونه معها، أو قصر في حفظها لم يكن قبضا؛ لأنها لا تصلح له بل يتخير فإن فسخ طالبه البائع بما أتلفته لتقصيره أو دابة البائع انفسخ مطلقا؛ لأنه كإتلافه إن كان بتفريطه، وإلا فكالآفة.
"ولو تعيب" المبيع "قبل القبض" بآفة سماوية "فرضيه" المشتري "أخذه بكل الثمن" كما لو قارن العيب العقد، ولا أرش له لقدرته على الفسخ، وفهم من قوله: فرضيه ما قدمه من أن له الخيار، ويتخير أيضا بغصب المبيع وإباقه وجحد البائع للمبيع، ولا بينة "ولو عيبه المشتري فلا خيار" له لحصوله بفعله بل يمتنع به رده لو ظهر به عيب قديم كما مر، ويصير قابضا لما أتلفه فيستقر عليه حصته من الثمن، وهو ما بين قيمته سليما ومعيبا هذا إن اندمل فإن سرت الجناية للنفس استقر عليه الثمن كله، وفارق تعييب المستأجر وجب الزوجة بأن هذا منزل منزلة القبض لوقوعه في ملكه، وذانك لا يتخيل فيهما ذلك "أو" عيبه "الأجنبي"، وهو أهل للالتزام بغير حق "فالخيار" على التراخي ثابت للمشتري لكونه مضمونا على البائع "فإن أجاز غرم الأجنبي الأرش"؛ لأنه الجاني لكن بعد قبض المبيع لا قبله لجواز تلفه بيد البائع فينفسخ البيع قاله الماوردي، واعترض بما فيه نظر، والمراد بالأرش في الرقيق ما يأتي في الديات، وفي غيره ما نقص من قيمته ففي يد القن نصف القيمة لا ما نقص منها إن لم يصر غاصبا، وإلا لزمه الأكثر من نصفها، وما نقص منها "ولو عيبه البائع فالمذهب ثبوت الخيار" على التراخي للمشتري وهذا متفق عليه؛ لأنه إما كالآفة أو إتلاف الأجنبي، وكل منهما يثبت الخيار فقوله المذهب إنما هو في قوله "لا التغريم" بناء على الأصح أن فعله كالآفة لا كفعل الأجنبي فإن شاء المشتري فسخ، وإن شاء أجاز بجميع الثمن لما مر
"ولا يصح بيع المبيع قبل قبضه" إجماعا في الطعام ولحديث حكيم بن حزام بسند حسن
"يا ابن أخي لا تبيعن شيئا حتى تقبضه" وعلته ضعف الملك لانفساخه بتلفه كما مر وقيل اجتماع ضمانين على شيء واحد؛ إذ لو صح لضمنه المشتري أيضا للثاني قبل قبضه فيكون مضمونا له، وعليه، وخرج بالمبيع زوائده الحادثة بعد العقد فيصح بيعها لعدم ضمانها كما مر ويمتنع التصرف بعد القبض أيضا إذا كان الخيار للبائع أو لهما كما علم مما مر، ولا يصح - خلافا لمن زعمه - ورود الإحبال من أبي المشتري لأمته قبل القبض؛ لأنها به تنتقل لملك الأب فيلزم تقدير القبض قبله، ولا نفوذ تصرف الوارث، أو السيد فيما اشتراه من مكاتبه فعجز نفسه، أو مورثه، ولا وارث له غيره فمات قبل القبض لعوده له بالتعجيز والموت فلم يملكه بالشراء، ولا بيع العبد من نفسه؛ لأنه عقد عتاقة، ولا قسمته؛ لأنها، وإن كانت بيعا إلا أنها ليست على قوانين البيوع؛ لأن الرضا فيها غير معتبر فلا يعتبر القبض كالشفعة "والأصح

 

ج / 2 ص -154-      أن بيعه للبائع كغيره" لعموم النهي السابق وللعلة الأولى، ومحل الخلاف إن باعه بغير جنس الثمن، أو بزيادة، أو نقص، أو تفاوت صفة، وإلا بأن باعه بعين الثمن، أو بمثله إن تلف، أو كان في الذمة فهو إقالة بلفظ البيع على المعتمد، وزعم أن الصحيح مراعاة اللفظ في المبيع لا المعنى غير صحيح بل تارة يراعون هذا وتارة يراعون هذا بحسب المدرك "و" الأصح "أن الإجارة" للمبيع "والرهن والهبة" والصدقة والإقراض له "كالبيع" بناء على المعنى الأول، وكذا جعله نحو صداق، أو عوض خلع، أو سلم، والتولية فيه والإشراك، وأفهم إطلاقه منع الرهن أنه لا فرق بين رهنه من البائع وغيره، وهو ما اقتضاه كلام الروضة وأصلها أيضا لكن الذي نقله السبكي عن النص، واعتمده هو ومن تبعه أن محل منعه من البائع إن كان بالثمن حيث له حق الحبس؛ إذ لا فائدة في الرهن؛ لأنه محبوس بالدين، وإلا جاز، وقضية قولهم وإلا جاز صحته منه بغير الثمن، وإن كان له حق الحبس، وقضية العلة خلافه، وهو الأقرب، وخرج بإجارة المبيع إجارة المستأجر قبل قبضه فإنها صحيحة لكن من المؤجر فقط؛ لأن المعقود عليه فيها المنافع، وهي لا تصير مقبوضة بقبض العين فلم يؤثر فيها عدم قبضها فإن قلت: قضية العلة صحتها من غير المؤجر أيضا قلت: ما ذكر من نفي إمكان قبض المنافع المراد به ففي إمكان قبضها الحقيقي لتصريحهم كما يأتي في السلم بأن قبضها بقبض محلها ولقوة جانب المؤجر لم يشترط فيه هذا القبض التقديري بخلاف غيره "و" الأصح "أن الإعتاق بخلافه" فيصح، وإن كان للبائع حق الحبس لقوته، ومثله الاستيلاد والتدبير والتزويج والقسمة وإباحة نحو طعام اشتراه جزافا للفقراء والوقف ما لم نقل بتوقفه على القبول؛ لأنه حينئذ كالبيع وفارق كالإباحة التصدق بأنه تمليك بخلافهما لا الكتابة؛ إذ ليس لها قوة العتق، ولا العتق على مال؛ لأنه بيع، ولا عن كفارة الغير؛ لأنه هبة، ويكون قابضا بنحو العتق والوقف لا بالتدبير والاثنين بعده، وكذا الطعام المباح للفقراء قبل قبضهم له "والثمن المعين كالمبيع" في جميع ما مر فيه، ومنه فساد التصرف قبل قبضه المذكور ضمنا في قوله "فلا يبيعه البائع" يعني لا يتصرف فيه كما بأصله "قبل قبضه" لا من المشتري إلا في نظير ما مر من بيع المبيع للبائع، ولا من غيره لعموم النهي ولما مر من العلتين، وكل عين مضمونة في عقد معاوضة كأجرة وعوض صلح عن مال، أو دم وبدل خلع أو صداق كذلك "وله بيع ماله في يد غيره أمانة كوديعة" والحق بذلك ما أفرزه السلطان لجندي أي: تمليكا كما هو واضح فله بعد رؤيته بيعه، وإن لم يقبضه رفقا بالجند نص عليه، ومن ثم يملكه بمجرد الإفراز "ومشترك وقراض ومرهون بعد انفكاكه" مطلقا، وقبله بإذن المرتهن "وموروث" كان للمورث التصرف فيه ومثله ما يملكه الغانم من الغنيمة مشاعا باختيار التملك "وباق في يد وليه بعد رشده، أو إفاقته" لتمام الملك لا مستأجر لصبغه، أو قصارته مثلا وقد تسلمه الأجير كذا قالوه وحمل على أنه مجرد تصوير لا قيد فلا يجوز التصرف فيه قبل العمل مطلقا، أو بعده وقبل تسليم الأجرة؛ لأن له حبسه لتمام العمل ثم لقبض الأجرة، ولا ينافيه إطلاقهم أن له إبدال المستوفى به إما لتعين حمل ذاك بقرينة ما هنا على ما إذا لم يتسلمه الأجير، أو حمل هذا على ما إذا تصرف فيه بغير الإبدال، ولو استأجره

 

ج / 2 ص -155-      لرعي غنمه شهرا مثلا جاز له بيعها؛ لأن المستأجر له ليس عينا حتى يستحق حبس العين لأجله بخلاف نحو الصبغ فإنه عين فناسب حبس محله لأجله "وكذا" له بيع ماله المضمون على من هو بيده ضمان يد، ومنه "عارية ومأخوذ بسوم"، وهو ما يأخذه مريد الشراء ليتأمله أيعجبه أم لا ومغصوب يقدر على انتزاعه وما رجع إليه بفسخ عقد، ولو بإفلاس المشتري لتمام الملك في المذكورات، ومحله في الأخيرة إن أعطى المشتري ثمنه وإلا لم يصح تصرف البائع فيه؛ لأن للمشتري حبسه لاسترداد الثمن، وإن لم يخف فوته، وما أفهمه كلامه من أن المأخوذ بسوم مضمون كله محله إن سام كله وإلا كأن أخذ مالا من مالكه، أو بإذنه ليشتري نصفه فتلف لم يضمن إلا نصفه؛ لأن النصف الآخر في يده أمانة "ولا يصح بيع" المثمن الذي في الذمة نحو "المسلم فيه ولا الاعتياض عنه" قبل قبضه بغير نوعه لعموم النهي عن بيع ما لم يقبض ولعدم استقراره فإنه معرض بانقطاعه للانفساخ، أو الفسخ، والحيلة في ذلك أن يتفاسخا عقد السلم ليصير رأس المال دينا في ذمته ثم يستبدل عنه بشرطه الآتي "والجديد جواز الاستبدال" في غير ربوي بيع بمثله من جنسه لتفويته ما شرط فيه من قبض ما وقع العقد به ولهذا امتنع الإبراء منه، وما أوهمه كلام ابن الرفعة من جوازه فيه غلطه فيه الأذرعي "عن الثمن" النقد، أو غيره الثابت في الذمة، ولو قبل قبض المبيع لكن بعد لزوم العقد لا قبله للحديث الصحيح فيه وقيس بما فيه غيره وكالثمن كل دين مضمون بعقد كأجرة وصداق وعوض خلع وفارقت المثمن بأنه تقصد عينه، ونحو الثمن تقصد ماليته، ولا يصح هنا، وفيما يأتي استبدال مؤجل عن حال، ويصح عكسه، وكان صاحب المؤجل عجله فعلم جواز الاستبدال بدين حال ملتزم الآن لا بدين ثابت له قبل، وإلا كان بيع دين بدين، وشرط الاستبدال لفظ يدل عليه صريحا أي: أو كناية مع النية كأخذته عنه، والثمن النقد إن وجد في أحد الطرفين وإلا فما اتصلت به الباء وإلا من مقابله نعم الأوجه ما لو باع قنة مثلا بدراهم سلما أنه لا يصح الاستبدال عنها، وإن كانت ثمنا؛ لأنها في الحقيقة مسلم فيها فليقيد بذلك إطلاقهم صحة الاستبدال عن الثمن "فإن استبدل موافقا في علة الربا كدراهم عن دنانير اشترط قبض البدل في المجلس" حذرا من الربا "والأصح" أنه "لا يشترط التعيين" للبدل "في العقد" أي: عقد الاستبدال بأن يقول هذا لجواز الصرف عما في الذمة "وكذا" لا يشترط "القبض في المجلس إن استبدل مالا يوافق في العلة" للربا "كثوب عن دراهم" إذ لا ربا لكن يشترط تعيين الثوب في المجلس قيل كان ينبغي أن يقول كطعام عن دراهم؛ لأن الثوب غير ربوي فلا يصح أن يقال: إنه لا يوافق الدراهم في علة الربا ا هـ وليس بسديد لإطلاقهم على كل من ثوب، أو طعام بدراهم أنهما مما لم يتوافقا في علة الربا وكأنه غفل عما هو مشهور وأن السالبة تصدق بنفي الموضوع "ولو استبدل عن القرض" أي: دينه لا نفسه خلافا لمن زعمه؛ لأن المقترض ملكها، وإن جاز للمقرض الرجوع فيها ويلزم من ملكه لها كذلك ثبوت بدلها في ذمته فلم يقع الاستبدال إلا عن دين القرض دون عينه "و" عن "قيمة" يعني بدل "المتلف" من قيمة المتقوم، ومثل المثلي، وبدل غيرهما كالنقد في الحكومة حيث وجب "جاز" حيث لا ربا فلا تضر زيادة تبرع بها المؤدي بأن لم يجعلها في مقابلة شيء

 

ج / 2 ص -156-      وذلك لاستقراره ويكفي هنا العلم بالقدر، ولو بإخبار المالك أخذا مما قالوه في مسألة الكيس الآتية؛ لأن القصد الإسقاط لا حقيقة المعاوضة فاشتراط بعضهم نحو الوزن عند قضاء القرض، وإن علم قدره غير صحيح "وفي اشتراط قبضه" تارة وتعيينه أخرى "في المجلس ما سبق" من أنهما إن توافقا في علة الربا اشترط قبضه، وإلا اشترط تعيينه، قال السبكي: وكونه حالا، ورده الأذرعي بأن بدل هذين لا يكون إلا حالا، وأجيب بأن مراده أنه لا يجوز أن يستبدل عنهما مؤجلا.
تنبيه: أقرضه مثلا دراهم ودنانير ثم استبدل عنهما أحدهما، أو عكسه وقبض البدل في المجلس جاز كما هو ظاهر من كلامهم، ولا نظر إلى أن ذلك من قاعدة مد عجوة لما مر أنها لا تجري في الدين، وإن نازع فيه البلقيني وأطال؛ إذ لا ضرورة لتقدير المعاوضة فيه المستدعية اشتراط تحقق المماثلة، ومن ثم قالوا: لو صالح عن ألف درهم وخمسين دينارا في ذمة غيره بألفي درهم جاز؛ إذ لا ضرورة حينئذ في تقدير المعاوضة فيه فيجعل مستوفيا لأحد الألفين ومعتاضا عن الدنانير الألف الآخر بخلاف ما إذا كان الألف والخمسون معينين؛ لأن الاعتياض فيه حقيقي لا يحتاج لتقدير فكأنه باع ألف درهم وخمسين دينارا بألفي درهم، وهو ممتنع؛ لأنه من صور مد عجوة كما مر وإنما صح الصلح عن ألف بخمسمائة معينة كما اقتضاه كلامهم وصرح به جمع متقدمون؛ لأن الصلح من الدين على بعضه إبراء للبعض، واستيفاء للباقي فهو صلح حطيطة، وهو يعيد فيه الاعتياض، ووقع في كلامهما في الرهن فيما لو أعطاه كيس دراهم ليستوفي منها حقه والدراهم أقل منه وللكيس قيمة، أو أكثر، ولا قيمة له ما قد يخالف ذلك وعند التأمل الصادق لا يخالفه فتفطن له فإن قلت فلم اشترط القبض في المجلس ؟ قلت: ليخرج عن ربا اليد، وإنما راعوه دون ربا الفضل؛ لأنه في القاعدة إنما ينشأ عن المقابلة ومر أنه لا ضرورة لها، وأما ربا اليد فينشأ عن التمكن من القبض ثم تركه، وهذا لا يقتضي إسقاطه فتأمله.
"وبيع الدين"، ولو بعين "لغير من" هو "عليه باطل في الأظهر بأن" بمعنى كأن "يشتري عبد زيد بمائة له على عمرو" لعجزه عن تسليمها، والمعتمد ما في الروضة هنا وأصلها في الخلع من جوازه بعين، أو دين بشرطه السابق، واقتصار ابن يونس وغيره على العين مؤول كما أشار إليه السبكي ويدل لذلك قولهم لاستقراره كبيعه ممن هو عليه، وهو الاستبدال السابق، ومحله إن كان الدين حالا مستقرا والمدين مليا مقرا، أو عليه بينة به، ولم يكن في إقامتها كلفة لها وقع أخذا من كلام ابن الرفعة، وإلا لم يصح لتحقق العجز حينئذ ثم إن اتفقا في علة الربا اشترط قبض العوضين في المجلس، وإلا كفى تعيينهما في المجلس نظير ما مر في الاستبدال، وإطلاق الشيخين كالبغوي اشتراط القبض حملوه على الأول ليوافق تصريح ابن الصباغ ومقتضى كلام الأكثرين بما مر من التفصيل.
تنبيه: أراد بالبيع مطلق المقابلة، وإلا لم يوافق تمثيله فتأمله.
"ولو كان لزيد وعمرو دينان على شخص فباع زيد عمرا دينه بدينه"، أو كان له على

 

ج / 2 ص -157-      شخص دين فاستبدل عنه دينا آخر "بطل" اتحد الجنس وعين وقبض في المجلس أو لا "قطعا" وحكي فيه الإجماع والنهي عن ذلك صححه جمع وضعفه آخرون والحوالة جائزة إجماعا مع أنها بيع دين بدين –
"وقبض" غير المنقول من "العقار" ونحوه كالأرض وما فيها من نحو بناء ونخل، ولو بشرط قطعه وثمرة مبيعة قبل أوان الجذاذ، وإلا فهي منقولة فلا بد من نقلها، ومثلها الزرع حيث جاز بيعه في الأرض أي إقباض ذلك "تخليته للمشتري" بلفظ يدل عليها من البائع "وتمكينه من التصرف" فيه بتسليم مفتاح الدار إليه أي إن وجد ودخل في البيع كما هو ظاهر مع عدم مانع حسي، أو شرعي؛ لأن القبض لم يحد لغة، ولا شرعا فحكم فيه العرف، وهو قاض بهذا وما يأتي أي باعتبار ما ظهر لهم فلا ينافي ذلك جريان الخلاف فيه؛ لأنه مبني على الاختلاف هل العرف كذلك، أو لا وإنما يعتد بذلك "بشرط فراغه من أمتعة" غير المشتري من "البائع" والمستأجر والمستعير والموصى له بالمنفعة والغاصب كما اعتمده الأذرعي وغيره وغلط أعني الأذرعي من أخذ بمفهوم الاقتصار على البائع عملا بالعرف لتأتي التفريغ هنا حالا، وبه فارق قبض الأرض المزروعة بالتخلية مع بقاء الزرع، ولو جمع الأمتعة ببعضها حصل قبض ما عداه فإن حولها لغيره حصل قبض الجميع أما أمتعة المشتري، ويظهر أن المراد به من وقع له الشراء دون نحو وكيله فلا تضر كحقير متاع لغيره "فإن لم يحضر العاقدان المبيع" العقار، أو المنقول الذي بيد المشتري أمانة كان، أو ضمانا بأن غاب عن محل العقد وقلنا بالأصح: إن حضورهما عند المبيع "حالة القبض" غير شرط "اعتبر" في صحة قبضه إذن البائع فيه إن كان له حق الحبس. "ومضى زمن يمكن فيه المضي إليه" عادة مع زمن يسع نقله، أو تفريغه مما فيه لغير المشتري "في الأصح"؛ لأن الحضور إنما اغتفر للمشقة، ولا مشقة في اعتبار مضي ذلك أما عقار، أو منقول غائب بيد البائع، أو أجنبي فلا يكفي مضي زمن إمكان تفريغه ونقله بل لا بد من تخليته ونقله بالفعل، وأما مبيع حاضر منقول، أو غيره، ولا أمتعة فيه لغير المشتري، وهو بيده فيعتبر في قبضه مضي زمن يمكن فيه النقل، أو التخلية مع إذن البائع إن كان له حق الحبس.
تنبيه: ما ذكرته من إلحاق يد الأجنبي بيد البائع هو الذي يتجه؛ لأن المشتري إنما اكتفى بالتقدير فيما بيده لقوتها بخلاف يد البائع والأجنبي، وأما قول الإسنوي أن يد الأجنبي كيد المشتري كما ذكره الرافعي في الرهن فممنوع نقلا وتوجيها، وفي الحاضر بيد المشتري هو ما اقتضاه كلامهما في الرهن، واعتمده الأذرعي والزركشي وغيرهما، ولم يبالوا بكون المصنف في المجموع وابن الرفعة في الكفاية نقلا عن المتولي وأقراه أنه يصير مقبوضا بنفس العقد، وإن كان للبائع حق الحبس لكن الحق أن هذا المنقول هو الأحق بالاعتماد كما بينته في شرح العباب بما يعلم منه أن رجوع شيخنا عن اعتماده ليس في محله.
"وقبض المنقول" المتناول باليد عادة تناوله بها وغير المتناول بها كسفينة يمكن جرها "تحويله" أي: تحويل المشتري، أو نائبه له، وإن اشتري مع محله على الأوجه؛ إذ لا محوج للتبعية من محله إلى محل آخر مع تفريغ السفينة لا الدابة فيما يظهر ويفرق بأنها لا تعد ظرفا لما عليها المشحونة بالأمتعة التي لغير المشتري وتقدير ما بيع مقدرا كما يأتي

 

ج / 2 ص -158-      وكتحويل الحيوان أمره له بالتحول، وكذا ركوبه عليه وجلوسه على فرش بإذن البائع وذلك للنهي الصحيح عن بيع الطعام حتى يحولوه واحتيج في الأخيرين لإذنه، وإن لم يكن له حق الحبس على ما اقتضاه إطلاقهم لضعفهما بالنسبة لما قبلهما ويشترط في المقبوض كونه مرئيا للقابض كما في البيع نص عليه في الأم، واعتمده الزركشي وغيره ويتعين حمله على الحاضر دون الغائب؛ لأنه يتسامح فيه ما لا يتسامح في الحاضر كما مر ومر أن إتلاف المشتري قبض، وإن لم يجر نقل قال ابن الرفعة كالماوردي: والقسمة وإن جعلت بيعا لا يحتاج فيها إلى تحويل المقسوم؛ إذ لا ضمان فيها حتى يسقط بالقبض ا هـ وفيه نظر مأخذه ما مر أن علة منع التصرف قبل القبض ضعف الملك لا توالي ضمانين كما مر، ولو باع حصته من مشترك لم يجز له الإذن في قبضه إلا بإذن الشريك، وإلا فالحاكم فإن أقبضه البائع كان طريقا، والقرار على المشتري على الأوجه؛ لأن التلف في يده علم، أو جهل خلافا لمن خص الضمان بالبائع في حالة الجهل؛ لأن يد المشتري في أصلها يد ضمان فلم يؤثر بالجهل فيها "فإن جرى البيع بموضع لا يختص بالبائع ثم أريد القبض و البميع" يعني لا يتوقف حل الانتفاع به على إذنه كمسجد وشارع وموات وملك مشتر، أو غيره لكن إن ظن رضاه "كفى نقله إلى حيز منه" لوجود التحويل من غير تعد وقوله: لا يختص بالبائع قيد في المنقول إليه لا منه فلو كان بمحل يختص به فنقله لما لا يختص به كفى ودخول الباء على المقصور عليه لغة صحيحة، وإن كان الأكثر دخولها على المقصور "وإن جرى" البيع ثم أريد القبض والمبيع "في دار البائع" يعني في محل له الانتفاع به، ولو بنحو إجارة ووصية وعارية فإن قلت: يشكل على هذا قولهم: إن المستعير لا يعير مع ما يأتي أنه بالإذن معير للبقعة قلت: لا يشكل لما يأتي أن له إنابة من يستوفي له المنفعة؛ لأن الانتفاع راجع إليه، وما هنا من هذا؛ لأن النقل للقبض انتفاع يعود للبائع يبرأ به عن الضمان فكفى إذنه فيه، ولم يكن محض إعارة حتى يمتنع وحينئذ فتسميته في هذه معيرا الآتية باعتبار الصورة لا الحقيقة "لم يكف ذلك" أي: نقله لحيز منها في القبض المفيد للتصرف؛ لأن يد البائع عليه تبعا لمحله نعم لو كان يتناول باليد فتناوله ثم أعاده كفى؛ لأن قبض هذا لا يتوقف على نقل لمحل آخر فاستوت فيه المحال كلها "إلا بإذن البائع" في النقل للقبض "فيكون" مع حصول القبض به "معيرا للبقعة" التي أذن في النقل إليها، أو والمبيع في دار أجنبي لم يظن رضاه اشترط إذنه أيضا، أو في مشتركة بين البائع وغيره اشترط إذنهما أما إذنه في مجرد النقل أي: والحال أن له حق الحبس كما هو ظاهر، وبه صرح السبكي وغيره فلا يحصل به القبض المفيد التصرف وإن حصل به ضمان اليد، ولا يكون معيرا للحيز قال القاضي وتبعوه وكنقله بإذنه نقله إلى متاع مملوك له، أو معار في حيز يختص البائع به، ومحله أن وضع ذلك المملوك، أو المعار في ذلك الحيز بإذن البائع كما هو ظاهر، ووضع البائع المبيع بين يد المشتري بقيده السابق أول الباب قبض، وإن نهاه؛ نعم إن وضعه بغير أمره فخرج مستحقا لم يضمنه؛ لأنه لم يضع يده عليه، وضمان اليد لا بد فيه من حقيقة وضعها، وهذا هو المسوغ للحاكم إجبار المشتري على القبض، وإن كفى الوضع بين يديه؛ لأن البائع لا يخرج عن عهدة ضمان استقرار اليد إلا بوضع

 

ج / 2 ص -159-      المشتري يده عليه حقيقة، وقبض الجزء الشائع بقبض الجميع، والزائد أمانة.
فرع: للمشتري قبض "المبيع" من غير إذن البائع "إن" لم يكن له حق الحبس بأن "كان الثمن مؤجلا"، وإن حل، ولم يسلمه على المعتمد "أو سلمه" أي: الثمن الحال بدليل جعله قسيما للمؤجل ثم إن كان الحال كل الثمن اشترط تسليم جميعه، ولا أثر لبعضه إلا إن تعددت الصفقة فيستقل حينئذ بما يخص ما سلمه، أو بعضه اشترط تسليم ذلك البعض فقط وكالثمن عوضه إن استبدل عنه، وكذا لو صالح منه على دين، أو عين على الأوجه لمستحقه ولو بإحالته بشرطه، وإن لم يقبضه؛ إذ لا حق للبائع في الحبس حينئذ "وإلا" بأن كان حالا ابتداء، ولم يسلمه للمستحق "فلا يستقل به" أي: بقبضه من غير إذن البائع لبقاء حق حبسه فإن استقل رده، ولم ينفذ تصرفه فيه لكنه يدخل في ضمانه فيطالب به إن استحق ويستقر عليه ثمنه إن تلف، ولو في يد البائع بعد استرداده كما في الجواهر، والأنوار خلافه لمن زعم أن ما فيها سبق قلم، وقد بينت وجه غلطه وسند ما فيها ووجهه في شرح العباب وحاصله أن المتولي صرح بما فيها وأنه لا تنافي بين جعله كغير المقبوض من حيث إن المشتري لما تعدى بقبضه ضمنه ضمان عقد، وهو لا يرتفع إلا بالقبض الصحيح دون الرد على البائع فلذا استقر عليه الثمن بتلفه، ولو في يد البائع وكالمقبوض من حيث عدم الانفساخ بتلفه نظرا لصورة القبض وأن حق الحبس لا ينافيه من كل وجه؛ لأنه بمنزلة حق المرتهن فتأمله، ولو أتلفه البائع، وهو في يد المشتري حينئذ ففي قول يضمنه بقيمته، ولا خيار للمشتري، وبه جزم العمراني نظرا لصورة القبض كما تقرر، وفي قول هو مسترد له بإتلافه ورجحه في الروض وعلى هذا وجهان انفساخ العقد؛ لأن إتلافه كالآفة، ويرد بأنه إنما يكون مثلها حيث لم توجد صورة القبض وتخيير المشتري، وهو الأوجه، ومن ثم رجحه الإمام ويوجه بأنه لما تعذر الانفساخ تعين التخيير دفعا لضرر المشتري وبهذا يتضح رد قول السبكي وغيره تخييره إنما يجيء على الضعيف أن إتلاف البائع كإتلاف الأجنبي، والذي يجيء على الصحيح أن إتلافه كالآفة في الانفساخ ا هـ. ووجه رده ما قررته أن إتلافه إنما يكون كالآفة حيث لم توجد صورة القبض إلى آخره ولما لم يتضح هذا المحل للزركشي قال: الانفساخ مشكل، والتخيير أشكل منه، ووجه كلا بما يعلم رده مما قررته فتأمله.
"ولو بيع الشيء تقديرا كثوب وأرض ذرعا" بإعجام الذال "وحنطة كيلا، أو وزنا" ولبن عدا "اشترط مع النقل ذرعه" في الأول "أو كيله" في الثاني "أو وزنه" في الثالث، أو عده في الرابع لورود النص في الكيل وقيس به البقية، ويشترط وقوعها من البائع، أو وكيله فلو أذن للمشتري أن يكتال من الصبرة عنه لم يجز لاتحاد القابض والمقبض كما ذكراه هنا لكنهما ذكرا قبل ما يخالفه، ويمكن تأويله ومؤن نحو كيل توقف عليه القبض على موف، وهو البائع في المبيع والمشتري في الثمن، وكذا مؤنة إحضار مبيع أو ثمن غاب عن محلة العقد إليها بخلاف النقل المتوقف عليه القبض فيما بيع جزافا فإنه على المستوفي وكان الفرق بين هذا ونحو الكيل أن نحو الكيل الغرض الأعظم منه قطع العلقة بينهما بعد العقد فلزمت الموفي؛ لأنه به ينقطع عنه الطلب، ومن النقل إمضاء العقد لا غير فلزمت المستوفي؛ لأن

 

ج / 2 ص -160-      غرضه بإمضائه أظهر ومؤنة النقد على المستوفي؛ لأن الغرض منه إظهار العيب لا غير فالمصلحة فيه للمستوفي أكثر، ومحله في المعين، وإلا فعلى الموفي؛ لأن ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح، ولو أخطأ النقاد تبرعا أثم إن تعمد أو لم يضمن، أو بأجرة لم يستحقها وضمن إن تعذر الرجوع على المشتري؛ لأنها لما سميت له تعين عليه بذل الجهد حذرا من التغرير ووفاء بما يقابل الأجرة فكان التقصير هنا أظهر منه فيما إذا تبرع هذا ما بحثه الزركشي، وهو متجه كما علم مما وجهته به خلافا لمن نازع فيه، واعتمد ما أطلقه صاحب الكافي من عدم الرجوع لا يقال: النقد اجتهاد، وهو يختلف كثيرا، وما نيط بالاجتهاد لا تقصير فيه؛ لأنا نمنع ذلك بأنه مع كونه اجتهاديا يقع التقصير فيه بتساهل فاعله وعدم إفراغه لوسعه فيه فعومل بتقصيره. ولو استؤجر للنسخ فغلط أي بما لا يؤلف من أكثر نظرائه كما يفيده كلام الزركشي فلا أجرة له كالنقاد المقصر ويغرم أرش الورق لا يقال الناسخ معيب فضمن والنقاد غار، وهو لا يضمن كما هو القاعدة؛ لأنه إنما يكون غارا مع تبرعه لا مع أخذه الأجرة، وإن لم يتعمده كما لو تعمده، وإن لم يأخذها فإنه غار آثم "مثاله بعتكها" أي: الصبرة "كل صاع بدرهم، أو" بعتكها بكذا "على أنها عشرة آصع" ونظر في الأخيرة بأنه جعل الكيل فيه وصفا كالكتابة في العبد فينبغي أن لا يتوقف قبضه عليه، ويرد بأن كونه وصفا لا ينافي في اعتبار التقدير في قبضه؛ لأنه بذلك الوصف يسمى مقدرا بخلاف كتابة العبد ثم إن اتفقا على كيال فذاك، وإلا نصب الحاكم أمينا يتولاه. "ولو كان له" أي: لبكر "طعام" مثلا "مقدر على زيد" كعشرة آصع "ولعمرو عليه مثله فليكتل لنفسه" من زيد أي: يطلب منه أن يكيل له حتى يدخل في ملكه "ثم يكيل لعمرو"؛ لأن الإقباض هنا متعدد، ومن شرط صحته الكيل فلزم تعدده؛ لأن الكيلين قد يقع بينهما تفاوت، نعم الاستدامة في نحو المكيال كالتجديد فتكفي "فلو قال" بكر الذي له الطعام لعمرو "اقبض" يا عمرو "من زيد ما لي عليه لنفسك فالقبض فاسد" بالنسبة لعمرو؛ لأنه مشروط بتقدم قبض بكر، ولم يوجد، ولا يمكن حصولهما لما فيه من اتحاد القابض والمقبض فيضمنه عمرو؛ لأنه قبضه لنفسه، ولا يلزمه رده لدافعه، وصحيح بالنسبة لزيد فتبرأ ذمته لإذن دائنه بكر في القبض منه له بطريق الاستلزام؛ لأن قبض عمرو لنفسه متوقف على قبض بكر كما تقرر فإذا بطل لفقد شرطه بقي لازمه، وهو القبض لبكر فحينئذ يكيله لعمرو ويصح قبضه له.
فرع: قال "البائع" لمعين بثمن حال في الذمة بعد لزوم العقد "لا أسلم المبيع حتى أقبض ثمنه، وقال المشتري في الثمن مثله أجبر البائع" لرضاه بذمته ولأن ملكه مستقر لا منه من هلاكه ونفوذ تصرفه فيه بالحوالة والاعتياض، وملك المبيع للمشتري غير مستقر فعلى البائع تسليمه ليستقر، وقضية العلة الأولى أنه لو كان الثمن معينا، والمبيع في الذمة أجبر المشتري، وقضية الثانية إجبارهما؛ لأن ما في الذمة هنا لا يصلح للاعتياض عنه والمعين غير مستقر فلا مرجح، والأول أقرب أما المؤجل فيجبر البائع قطعا "وفي قول المشتري"؛ لأن حقه متعين في المبيع، وحق البائع غير متعين في الثمن فأجبر ليتساويا "وفي قول لا إجبار"؛ لأن كلا منهما يثبت له إيفاء واستيفاء فلا مرجح ورد بأن فيه ترك الناس يتمانعون الحقوق،

 

ج / 2 ص -161-      وعليه يمنعهما الحاكم من التخاصم وحينئذ "فمن سلم" منهما لصاحبه "أجبر الآخر" على التسليم إليه "وفي قول يجبران" لوجوب التسليم عليهما بأن يأمر الحاكم كلا منهما بإحضار ما عليه إليه، أو إلى عدل ثم يسلم كلا ما وجب له، والخيرة في البداءة إليه "قلت: فإن كان الثمن معينا" كالمبيع ويظهر أن يلحق بذلك ما لو كانا في الذمة "سقط القولان الأولان" من الأقوال الأربعة؛ إذ لا مرجح حينئذ "وأجبرا في الأظهر والله أعلم" لاستواء الجانبين في تعين كل، والمنع من التصرف فيه قبل القبض سواء الثمن النقد وغيره على المعتمد نعم البائع نيابة عن غيره كوكيل وولي وناظر وقف وعامل قراض لا يجبر على التسليم بل لا يجوز له حتى يقبض الثمن كما يعلم من كلامه في الوكالة فلا يتأتى هنا إلا إجبارهما، أو إجبار المشتري، ولو تبايع نائبا عن الغير لم يتأت إلا إجبارهما.
"وإذا سلم البائع" بإجبار، أو تبرع "أجبر المشتري" على التسليم في الحال "إن حضر الثمن" أي عينه إن تعين، وإلا فنوعه مجلس العقد لوجوب التسليم عليه بلا مانع ولإجباره عليه لم يتخير البائع، وإن أصر على عدم التسليم إليه، ويؤخذ منه أنه في الثانية بالإجبار عليه يصير محجورا عليه فيه فلا يصح تصرفه فيه بما يفوت حق البائع، وإلا لم يكن للإجبار فائدة، وظاهر المتن أنه يجبر على التسليم من عين ما حضر ولا يمهل لإحضار ثمن فورا ودفعه منه، وهو ظاهر إن ظهر للحاكم منه تسويف، أو عناد، وإلا ففيه نظر على ما قاله الأذرعي ويوجه إطلاقهم بأنه حيث حضر النوع فطلب تأخير ما عنه فيه نوع تسويف، أو عناد فإن قلت: ما وجه اعتبار مجلس العقد وهلا اعتبر مجلس الخصومة قلت: وجهه أنه الأصل فلم ينظر لغيره؛ لأنه قد لا تقع له خصومة. "وإلا" يكن حاضرا مجلس العقد "فإن كان معسرا" بأن لم يكن له مال يمكنه الوفاء منه غير المبيع ساوى الثمن أم زاد عليه "فللبائع الفسخ بالفلس" وأخذ المبيع لما يأتي في بابه وحينئذ يشترط فيه حجر القاضي، هذا إن سلم بإجبار الحاكم، وإلا لم يجز له استرداد، ولا فسخ إن وفت السلعة بالثمن؛ لأنه سلطه على المبيع باختياره، ورضي بذمته "أو" كان "موسرا، وماله بالبلد" التي وقع فيها البيع "أو بمسافة قريبة" منها، وهي دون مسافة القصر "حجر عليه" أي: حجر عليه الحاكم، وإن لم يكن محجورا عليه بالفلس "في أمواله" كلها "حتى يسلم" الثمن لئلا يتصرف فيها بما يفوت حق البائع، وهذا غير حجر الفلس؛ لأنه لا يعتبر فيه ضيق مال، ولا يتسلط به البائع على الرجوع لعين ماله، ولا يفتقر لسؤال الغريم فيه بخصوصه، ولا يحتاج لفك قاض على الأوجه وينفق على ممونه نفقة الموسرين، ولا يتعدى للحادث، ولا يباع فيه مسكن وخادم جزما في الكل، وكذا لا يحل به دين مؤجل جزما أيضا، ومن ثم يسمى الحجر الغريب "فإن كان" ماله "بمسافة القصر" من بلد البيع "لم يكلف البائع الصبر إلى إحضاره" لتضرره بتأخير حقه "والأصح أن له" بعد الحجر عليه لا قبله "الفسخ" وأخذ المبيع من غير مراجعة حاكم لما ذكر، وما ذكرته من اعتبار بلد البيع هو ما يظهر من كلامهم، وعليه فلو انتقل البائع منها إلى بلد آخر فهل العبرة ببلده، أو بلد البيع محل نظر. وظاهر تعليلهم بالتضرر بالتأخير أن العبرة ببلد البائع، فإن قلت: التسليم إنما يلزم بمحل العقد دون غيره فلتعتبر بلد العقد مطلقا قلت:

 

ج / 2 ص -162-      ممنوع فسيعلم مما يأتي في القرض أن له المطالبة بغير محل التسليم إن لم تكن له مؤنة، أو تحملها فإن كان لنقله مؤنة، ولم يتحملها طالبه بقيمته في بلد العقد وقت الطلب، وإذا أخذها كانت للفيصولة لجواز الاستبدال عنه بخلاف السلم "فإن صبر" البائع لإحضار المال "فالحجر" على المشتري "كما ذكرناه" قريبا لئلا يفوت المال "وللبائع حبس مبيعه حتى يقبض ثمنه" الحال أصالة، وكذا للمشتري حبس ثمنه حتى يقبض المبيع الحال كذلك، وإنما آثر البائع بالذكر؛ لأنه قدم تصحيح إجباره فذكر شرطه "إن خاف فوته" بهرب، أو تمليك ماله لغيره، أو نحوهما "بلا خلاف" لما في التسليم حينئذ من الضرر الظاهر نعم إن تمانعا وخاف كل من صاحبه وأجبرهما الحاكم كما هو ظاهر بالدفع له، أو لعدل ثم يسلم كلا ما له "وإنما الأقوال السابقة إذا لم يخف فوته وتنازعا في مجرد الابتداء" بالتسليم.
 

باب التولية
أصلها تقليد العمل ثم استعملت فيما يأتي "والإشراك" مصدر أشركه صيره شريكا "والمرابحة" من الربح، وهو الزيادة والمحاطة من الحط، وهو النقص، ولم يذكرها لدخولها في المرابحة؛ لأنها في الحقيقة ربح للمشتري الثاني، أو اكتفاء عنها بالمرابحة؛ لأنها أشرف إذا "اشترى" شخص "شيئا" بمثلي "ثم" بعد قبضه ولزوم العقد وعلمه بالثمن وبقائه، أو بقاء بعضه كما يعلم مما يأتي. "قال لعالم بالثمن" قدرا وصفة، وإن طرأ علمه له بعد الإيجاب وقبل القبول بإعلامه، أو غيره وظاهر أن المراد بالعلم هنا الظن "وليتك هذا العقد"، وإن لم يقل بما اشتريت أو وليتكه، وإن لم يذكر العقد كما صرح به الجرجاني، وهذا وما اشتق منه صرائح في التولية ونحو جعلته لك كناية هنا كالبيع "فقبل" بنحو قبلته وتوليته "لزمه مثل الثمن" جنسا وقدرا وصفة، ومن ثم لو كان مؤجلا ثبت في حقه مؤجلا بقدر ذلك الأجل من حين التولية، وإن حل قبلها على ما رجحه ابن الرفعة، ويرده أن المغلب فيها بناء ثمنها على العقد الأول فيحسب الأجل من حينه على الأوجه أما المتقوم فلا تصح التولية معه إلا بعد انتقاله للمتولي لتقع على عينه نعم لو قال المشتري بالعرض قام علي بكذا، وقد وليتك العقد بما قام علي، وذكر القيمة مع العرض جاز على الأوجه، وكذا لو ولت امرأة في صداقها بلفظ القيام، أو الرجل في عوض الخلع إن علم العاقدان في الصورتين مهر المثل على الأوجه لوجوب ذكره، وقولهم: مع العرض شرط للسلامة من الإثم؛ إذ يشدد في البيع بالعرض ما لا يشدد في البيع بالنقد كما يأتي لا لصحة العقد لما يأتي أن الكذب في المرابحة، أو في غيرها لا يقتضي بطلان العقد، وتصح التولية، وما معها في الإجارة كما هو ظاهر بشروطها ثم إن وقعت قبل مضي مدة لها أجرة فظاهر، وإلا فإن قال: وليتك من أول المدة بطلت فيما مضى؛ لأنه معدوم، وصحت في الباقي بقسطه من الأجرة، أو وليتك ما بقي صحت فيه بقسطه كما ذكر "وهو" أي: عقد التولية "بيع في شرطه" أي: شروطه كلها كقدرة تسليم وتقابض الربوي "وترتب أحكامه" كتجدد الشفعة إن عفا الشفيع في العقد الأول "لكن لا يحتاج" عقد التولية "إلى ذكر الثمن" لظهور أنها بالثمن الأول "ولو حط عن

 

ج / 2 ص -163-      المولي" بكسر اللام من البائع، أو وارثه، أو وكيله كما أفهمه بناؤه هنا للمفعول فقوله في الروضة: ولو حط البائع للغالب لا للتقييد خلافا للأذرعي نعم الظاهر أنه لا عبرة بحط موصى له بالثمن ومحتال؛ لأنهما أجنبيان عن العقد بكل تقدير، وبه يعلم رد ما قيل: التعبير بالسقوط أولى ليشمل إرثه للثمن، ووجه رده أن التعبير به كالحط يرد عليه حط ذينك فإنه سقط وحط عنه، ولم يسقط عن المتولي فكل من التعبيرين مدخول "بعض الثمن" بعد التولية، أو قبلها بعد اللزوم، أو قبله "انحط عن المولى" بفتحها؛ إذ خاصة التولية، وإن كانت بيعا جديدا التنزيل على الثمن الأول، أو جميعه انحط أيضا إن كان بعد لزوم التولية، وإلا بطلت؛ لأنها حينئذ بيع بلا ثمن، ومن ثم لو تقايلا بعد حطه بعد اللزوم لم يرجع المشتري على البائع بشيء والأوجه أن للمولي بالكسر مطالبة المولى، وإن لم يطالبه بائعه؛ لأن الأصل عدم الحط، وأنه ليس للبائع مطالبة المولى بالفتح؛ إذ لا معاملة بينهما وسيأتي في الإجارة صحة الإبراء من جميع الأجرة، ولو في مجلس العقد مع الفرق بينها وبين البيع وحينئذ فلا يلحق ذلك المتولي "والإشراك في بعضه" أي: المبيع "كالتولية في كله" في الأحكام المذكورة "إن بين البعض" كمناصفة، أو بالنصف، وإلا كأشركتك في بعضه، أو شيء منه لم يصح جزما للجهل فإن قال في النصف فله الربع ما لم يقل بنصف الثمن فإنه يكون له النصف وإدخال أل على بعض صحيح، وإن كان خلاف الأكثر "فلو أطلق" الإشراك كأشركتك فيه "صح" العقد "وكان" المبيع "مناصفة" بينهما؛ لأن ذلك هو المتبادر من لفظ الإشراك، وكما لو أقر بشيء لزيد وعمرو نعم لو قال: بربع الثمن مثلا كان شريكا بالربع فيما يظهر أخذا مما تقرر في أشركتك في نصفه بنصف الثمن بجامع أن ذكر الثمن في كل مبين للمراد من اللفظ قبله لاحتماله، وإن نزل لو لم يذكر هذا المخصص على خلافه وتوهم فرق بينهما بعيد، وقضية كلام الشيخين وغيرهما أنه لا يشترط ذكر العقد كما مثلناه، ويؤيده ما مر عن الجرجاني في التولية، وهو أوجه من قول جمع، وإن اعتمده صاحب الأنوار يشترط كفى بيع هذا، أو في هذا العقد فعليه أشركتك في هذا كناية "وقيل لا" يصح للجهالة – "ويصح بيع المرابحة" من غير كراهة لعموم قوله تعالى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] نعم بيع المساومة أولى منه فإنه مجمع على حله وعدم كراهته، وذاك قال فيه ابنا عمر وعباس رضي الله عنهم إنه ربا وتبعهما بعض التابعين، وقال بعضهم: إنه مكروه "بأن" هي بمعنى كأن "يشتريه بمائة ثم يقول" مع علمه بها لعالم بها "بعتك بما اشتريت" أي: بمثله ولمبادرة فهم المثل في نحو هذا لم يحتج فيه لذكره، ولا نيته "وربح درهم لكل عشرة"، أو فيها، أو عليها "أو ربح ده" بفتح المهملة، وهي بالفارسية عشرة "ياز" واحد "ده" فهي بمعنى ما قبلها فكأنه قال بمائة وعشرة فيقبله المخاطب إن شاء وآثروها بالذكر لوقوعها بين الصحابة رضي الله عنهم واختلافهم في حكمها كما علمت، ولا يصح ذلك في دراهم معينة غير موزونة كما يأتي بل في أحد عينين اشتراهما بثمن واحد وقسط الثمن على قيمتهما وقت الشراء ولا يقول اشتريت بكذا إلا إن بين الحال ودراهم الربح حيث أطلقت من نقد البلد الغالب وإن كان الأصل من غيره.

 

ج / 2 ص -164-      تنبيه: لو قال اشتريته بعشرة وبعته بأحد عشر، ولم يقل مرابحة، ولا ما يفيدها لم يكن عقد مرابحة كما قاله القاضي وجزم به في الأنوار حتى لو كذب فلا خيار، ولا حط كما يأتي، وهذا غير ما يأتي عنه؛ لأن ذاك فيه ما يفيد المرابحة، وهو وربح كذا ويأتي قبيل الباب ما يصرح بذلك.
"و" يصح بيع "المحاطة كبعتك بما اشتريت وحط" درهم لكل، أو في أو عن، أو على كل عشرة، أو حط "ده يازده" المراد من هذا التركيب أن الأحد عشر تصير عشرة "و" من ثم "يحط من كل أحد عشر واحد"؛ لأن الربح جزء من أحد عشر كما مر فليكن الحط كذلك "وقيل" يحط "من كل عشرة" واحد كما زيد ثم على كل عشرة واحد، فإن كان الثمن مائة، أو مائة وعشرة عاد على الأول لتسعين وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم أو لمائة وعلى الثاني لتسعين، أو لتسعة وتسعين، ولو قال من كل عشرة تعين هذا الثاني "وإذا قال: بعتك بما اشتريت" به، أو بثمنه، أو برأس مالي "لم يدخل فيه سوى الثمن"، وهو ما استقر عليه العقد عند اللزوم فيعتبر ما لحقه قبله من زيادة ونقص، وكذا يعتبر ذلك لو باع بلفظ القيام؛ لأن العقد لم يقع إلا بذلك أما الحط بعد اللزوم للبعض فمع الشراء لا يلحق ومع نحو القيام يخير بالباقي أو للكل فلا ينعقد بيعه مرابحة مع القيام؛ إذ لم يقم عليه بشيء بل مع الشراء، ولا يلحق حط بعد عقد المرابحة بخلاف ما مر؛ لأن ابتناءهما على العقد الأول أقوى؛ إذ لا يقبلان الزيادة بخلافها "ولو قال" بعتك "بما قام"، أو ثبت "علي"، أو بما وزنته فيه، وإن نازع فيه الأذرعي بأن المتبادر منه الثمن فقط "دخل مع ثمنه أجرة" حمال وختان وتطيين دار وطبيب إن اشتراه مريضا و "الكيال" للثمن المكيل "والدلال" للثمن المنادى عليه إلى أن اشتري به المبيع وعبرت بالثمن؛ لأن أجرة ذلك ونحوه على الموفي، وهو في المبيع البائع، وفي الثمن المشتري وصور أيضا في المبيع بأن يلزم المشتري بذلك فيه من يراه، أو يقول: اشتريته بكذا ودرهم دلالة مثلا، أو جدد نحو كيله ليرجع بنقصه، وما قيل: إن هذا لا يقصد للاسترباح مردود بأنه كالحارث وللزركشي هنا ما لا يصح فليحذر أو ليخرج عن كراهة بيعه جزافا، أو للقسمة ليتجر كل في حصته، ولو وزن أحدهما دلالة ليست عليه كان متبرعا ما لم يظن وجوبها عليه فيما يظهر فحينئذ يرجع بها على الدلال، وهو يرجع على من هي عليه، ولا يدخل ما تحمله عن بائعه إلا إن ذكره، وكذا ما تبرع به كأن أعطاه لمعروف بالعمل من غير استئجاره، ولا إجبار حاكم له بناء على الأصح الآتي أنه شيء له. قاله الأذرعي، واعترض بأن هذا معتاد معلوم لكل أحد فلا خديعة فيه، ويؤيده دخول المكس إلا أن يفرق بأنه مجبور على المكس دون ذاك "والحارس والقصار والرفاء" بالمد "والصباغ" كل من الأربعة للمبيع "وقيمة الصبغ" له، وكذا الأدوية والطين ونحوهما "وسائر المؤن المرادة للاسترباح" أي: طلب الربح كالعلف للتسمين بخلاف ما قصد به بقاء عينه فقط كنفقة وكسوة وعلف لغير تسمين وأجرة طبيب وقيمة دواء لمرض حدث عنده وفداء جناية، وما استرجع المبيع به إن غصب، أو أبق لوقوعه في مقابلة ما استوفاه من زوائد المبيع ومعنى دخول ذلك أنه يضمه للثمن، ويخبره بقدر الجملة ثم يقول بما قام علي وربح كذا

 

ج / 2 ص -165-      كما يفيده قوله: الآتي وليعلما ثمنه، وما قام به ومر الاكتفاء بعلمه قبل القبول فقياسه صحة بعتكه بما قام علي، وهو كذا فإن قلت: إذا شرطوا أنه لا بد من تعيين ما قام عليه به فما فائدة قولهم مع ذلك يدخل كذا إلا كذا قلت: فائدته لو أخبر بأنه قام عليه بعشرة ثم تبين أنها في مقابلة ما لا يدخل وحده أو مع ما يدخل حطت الزيادة وربحها كما يأتي، هذا إن لم ينص على دخول ما لا يدخل، وإلا كبعتك بما قام علي، وهو كذا، وما أنفقته عليه، وهو كذا جاز قطعا بل لو ضم للثمن، أو لما قام به أجنبيا عن العقد بالكلية ثم باعه مرابحة، أو محاطة كاشتريته بمائة، وقد بعتكه بمائتين وربح ده يازده صح وكأنه باعه بمائتين وعشرين.
"ولو قصر بنفسه، أو كال، أو حمل"، أو طين، أو صبغ، أو جعله بمحل يستحق منفعته "أو تطوع شخص به لم تدخل أجرته" مع الثمن في قوله بما قام علي؛ لأن عمله ومحله وما تطوع به غيره لم يقم عليه، وطريقه أن يقول: لي أو للمتبرع لي عمل، أو محل أجرته كذا ويضمه للثمن "وليعلما" أي: المتبايعان وجوبا "ثمنه" أي: المبيع قدرا وصفة في بعت بما اشتريت "أو ما قام به" في بما قام علي "فلو جهله أحدهما بطل" البيع "على الصحيح"، وخرج بقدر أو صفة المعاينة فلا تكفي هنا مشاهدة دراهم مثلا معينة غير معلومة الوزن، وإن كفت في نحو البيع والإجارة لعدم تأتي البيع مرابحة مع الجهل بقدرها، أو صفتها "وليصدق البائع" مرابحة ومحاطة وجوبا "في" كل ما يختلف الغرض به؛ لأن كتمه حينئذ غش وخديعة نحو "قدر الثمن" الذي استقر عليه العقد، أو قام به المبيع عليه عند الإخبار وصفته إن تفاوتت "والأجل" ظاهره أنه لا بد من ذكر قدره كأصله والثاني واضح والأول أطلق اشتراطه الأذرعي وقيده الزركشي بما إذا زاد على المتعارف أي: أو لم يكن هناك متعارف أي: أو تعدد المتعارف، ولا أغلب فيما يظهر وذلك؛ لأن بيع المرابحة مبني على الأمانة لاعتماد المشتري نظر البائع ورضاه لنفسه بما رضيه البائع مع زيادة أو حط، ولو واطأ صاحبه فاشترى منه بعشرين ما اشتراه بعشرة ثم أعاده بعشرين ليخير بها: كره، وقيل: يحرم واختاره السبكي؛ لأنه غش، ولا يتخير المشتري لكن قوى المصنف تخيره، واعترض بأن تخيره إنما يتأتى على التحريم لا الكراهة، وفيه نظر لما مر في تلقي الركبان وفصل التصرية مما يعلم منه أنه لا يلزم من الحرمة التخير، ولا من الكراهة عدمه بل قد يتخير معها دون الحرمة، ولو اشترى شيئا بمائة ثم خرج عن ملكه ثم اشتراه بخمسين أخبر بها وجوبا "والشراء بالعرض" فيقول بعرض قيمته كذا، ولا يقتصر على ذكر القيمة، وإن باعه بلفظ القيام كما قالاه، وإن نازع فيه الإسنوي؛ لأنه يشدد فيه فوق ما يشدد بالنقد، ولو اختلفت قيمته اعتبرت يوم الاستقرار لا العقد على الأوجه وجزم السبكي كالماوردي بأن المراد بالعرض التقوم فالمثلي يجوز البيع به مرابحة، وإن لم يقدره، وقال المتولي: لا فرق، وهو الأوجه للعلة المذكورة "وبيان" الغبن والشراء من محجوره، أو من مدينه المعسر، أو المماطل بدينه، وما أخذه من نحو لبن، أو صوف موجود حالة العقد و "العيب" الذي فيه مطلقا حتى "الحادث عنده" كتزوج الأمة، وترك الإخبار بشيء من ذلك حرام يثبت الخيار للمشتري –
"فلو" لم يبين نحو الأجل تخير المشتري لتدليس البائع عليه، ولا حط هنا على المعتمد لاندفاع الضرر

 

ج / 2 ص -166-      بالخيار، وإن "قال" اشتريته "بمائة" وباعه بها وربح ده يازده مثلا "فبان" بحجة كبينة أو إقرار أنه اشتراه "بتسعين فالأظهر أنه يحط الزيادة وربحها" بقي المبيع أو تلف لكذبه أي: يتبين انعقاد العقد بما عداهما فلا يحتاج لإنشاء حط "و" الأظهر على الحط أنه "لا خيار للمشتري" لرضاه بالأكثر فبالأقل أولى، ولا للبائع، وإن عذر قال جمع محققون نقلا عن القاضي، واعتمدوه وردوا ما يخالفه ومحل هذا في بعتك برأس مالي، وهو مائة وربح كذا لا في اشتريته بمائة وبعتكه بمائة وربح كذا؛ لأن المشتري فرط حيث اعتمد قوله لكنه عاص، وكذا لو قال أعطيت فيها كذا فصدقه واشتراه ثم بان خلافه، وفيه نظر أي: نظر بل الأوجه ما في النهاية مما يخالفه؛ لأنه صدقه أيضا في قوله: رأس مالي كذا فأي فرق بينهما على أنه معذور في تصديقه؛ لأن الناس موكولون إلى أماناتهم، ولو توقف الإنسان على ثبوت ما وقع الشراء به لعز البيع مرابحة؛ لأن الغالب أن ذلك لا يعرف إلا من البائع، فإن قلت: يمكن الفرق بأنه في الأولى أتى بلفظ يشمل ثمنه الذي بان الانعقاد به، قوله: وهو مائة وقع تفسيرا لما وقع به العقد فإذا خالف الواقع ألغي، وفي الثانية لم يأت بذلك بل أوقع العقد بالمائة فيتعذر وقوعه بالتسعين قلت: لو كان هذا هو المراد لم يختلف الشيخان في الصحة الآتية، ولما فرق بين حالتي التصديق والتكذيب بما يأتي فتأمله "ولو زعم أنه" أي: الثمن الذي اشترى به مرابحة "مائة، قوله: فلو قال: إلخ" هكذا في الأصول التي بأيدينا، ولعل فيها سقطا تاما، "وعشرة" وأنه غلط في قوله أولا أنه مائة "وصدقه المشتري" في ذلك "لم يصح البيع" الذي وقع بينهما مرابحة "في الأصح" لتعذر قبول العقد للزيادة بخلاف النقص بدليل الأرش "قلت الأصح الصحة، والله أعلم" كما لو غلط بالزيادة، وتعليل الأول يرده عدم ثبوت الزيادة لكن يتخير البائع، وإنما روعي هنا ما وقع به العقد الأول لا الثاني حتى يثبت النقص؛ لأنه ثم لما ثبت كذبه ألغي قوله: في العقد مائة، وإن عذر ورجع إلى التسعين وهنا لما قوي جانبه بتصديق المشتري له جبرناه بالخيار والمشترى بإسقاط الزيادة "وإن كذبه" المشتري "ولم يبين" البائع "لغلطه" الذي ادعاه "وجها محتملا" بفتح الميم أي: قريبا "لم يقبل قوله: ولا بينته" التي يقيمها على الغلط لتكذيب قوله الأول لهما، ويفرق بين هذا وما لو باع دارا ثم ادعى أنها وقف أو أنها كانت غير ملكه ثم ورثها فإن بينته تسمع إذا لم يكن صرح حال البيع بأنها ملكه، وكذا إذا أقام بينة الوقف غيره حسبة أنها وقف على البائع وأولاده ثم الفقراء، وتصرف له الغلة إن كذب نفسه وصدق الشهود بأن العذر هناك أوضح فإن الوقف والموت الناقل له ليسا من فعله فإذا عارضا قوله، وأمكن الجمع بينهما بأن لم يصرح حال البيع بالملك سمعت بينته، وأما هنا فالتناقض نشأ من قوله: فلم يعذر بالنسبة لسماع بينته بل للتحليف كما قال "وله تحليف المشتري أنه لا يعرف ذلك" أي: أن الثمن مائة وعشرة "في الأصح"؛ لأنه قد يقر عند عرض اليمين عليه فإن حلف فذاك، وإلا ردت على البائع بناء على الأصح أن اليمين المردودة كالإقرار وللمشتري الخيار بين إمضاء العقد بما حلف عليه وبين فسخه كذا أطلقوه ونازع فيه الشيخان بأن مقتضى الأظهر أن اليمين المردودة كالإقرار أن يأتي فيه ما مر في حالة التصديق أي: فلا يتخير المشتري بل البائع

 

ج / 2 ص -167-      لعدم ثبوت الزيادة، واعتمده في الأنوار ونقله عن جمع، وقد يوجه ما قالوه بأنها ليست كالإقرار من كل وجه كما يعلم من كلامهم الآتي في الدعاوى "وإن بين" لغلطه وجها محتملا كتزوير كتاب على وكيله، أو انتقال نظره من متاع لغيره في جريدته "فله التحليف" أي: تحليف المشتري كما ذكر؛ لأن ما بينه يحرك ظن صدقه فإن حلف فذاك، وإلا ردت وجاء ما تقرر "والأصح سماع بينته" بأن الثمن مائة وعشرة لظهور عذره وأفهم قوله: فلو قال تفريعا على ما قبله أن هذا كله إنما هو في بيع المرابحة فلو وقع ذلك في غيرها بأن لم يتعرض لها لم يكن فيه سوى الإثم إن تعمد الكذب والفرق ما مر أن بيع المرابحة مبني على الأمانة إلى آخره وبهذا فارق ما هنا أيضا إفتاء ابن عبد السلام فيمن باع بالغا مقرا له بالرق ثم ادعى أنه حر، وأقام بينة بأنه عتيق قبل البيع بأنها تسمع أي: وإن لم يذكر لإقراره له بالرق عذرا كما اقتضاه إطلاقه؛ لأن العتيق قد يطلق على نفسه أنه عبد فلان ومملوكه وقضيته أنه لا تقبل بينته بكونه حر الأصل ويتعين حمله بتقدير تسليمه على ما إذا لم يبد عذرا كسبيت طفلا.

باب بيع الأصول
وهي الأرض والشجر "والثمار" جمع ثمر، وهو جمع ثمرة، وذكر في الباب غيرهما بطريق التبعية.
إذا "قال بعتك هذه الأرض، أو الساحة، أو البقعة" أو العرصة وحذفها اختصارا لا لكون مفهومها يخالف ما قبلها؛ لأنه أمر لغوي، وليس المدار هنا إلا على العرف، وهي فيه متحدة مع ما قبلها "وفيها بناء"، ولو بئرا لكن لا يدخل ماؤها الموجود حال البيع إلا بشرطه بل لا يصح بيعها مستقلة وتابعة كما مر آخر الربا إلا بهذا الشرط، وإلا لاختلط الحادث بالموجود، وطال النزاع بينهما، وبهذا يعلم أنه لا فرق بين ماء بمحل يمنع أهله من استقى منها وغيره خلافا لمن فصل؛ لأن العلة الاختلاط المذكور، ومن شأنه وقوع التنازع فيه بكل من المحلين "وشجر" نابت رطب، ولو شجر موز على المعتمد، وخرج ب فيها ما في حدها فإن دخل الحد في البيع دخل ما فيه، وإلا فلا، وعلى الثاني يحمل إفتاء الغزالي بأنه لا يدخل ما في حدها، وفي زيادات العبادي باع أرضا، وعلى مجرى مائها شجر فإن ملكه البائع فهي للمشتري، وإن كان له حق الإجراء أي: فقط فهي باقية للبائع "فالمذهب أنه" أي ما ذكر من البناء والشجر "يدخل في البيع" لقوته بنقله الملك فاستتبع "دون الرهن" لضعفه وقضيته أنه يلحق بالبيع كل ناقل للملك كهبة ووقف ووصية وإصداق وعوض خلع وصلح، وبالرهن كل ما لا ينقله كإقرار وعارية وإجارة، وألحق بكل مما ذكر التوكيل فيه، وفيه نظر، والفرق المذكور ينازع فيه، فالذي يتجه أنه لا استتباع فيه، ولو قال بما فيها، أو بحقوقها دخل ذلك كله قطعا حتى في نحو الرهن، أو دون حقوقها، أو ما فيها لم تدخل قطعا أما المقلوع واليابس فلا يدخلان جزما كالشتل الذي ينقل؛ لأنهما لا يرادان للبقاء فأشبها أمتعة الدار، ومن ثم لو جعلت اليابسة دعامة لنحو جدار دخلت قيل قوله: فالمذهب غير سائغ عربية؛ إذ لم يتقدمه شرط،

 

ج / 2 ص -168-      ولا ما يقتضي الربط ا هـ وليس في محله؛ لأنه تقدمه شرط بالقوة كما قدرته، وهو كاف في نحو ذلك.
فرع: أفتى بعضهم في أرض لها مشرب من واد مباح باع مالكها بعضها لرجل ثم بعضها لآخر بأن المشرب يكون بينهما على قدر أرضيهما بالذرع قال: والجهالة في الحقوق حال البيع مغتفرة صرح به الرافعي وغيره في غير مظنته ا هـ وينافيه قول الشيخين: لا تدخل مسايل الماء في بيع الأرض، ولا شربها من النهر والقناة المملوكين إلا أن يشترط، أو يقول بحقوقها، والكلام في الخارج عنها ومر في البيع ما يعلم منه أنه لا يصح بيع حريم الملك وحده ومثله بيع شرب الماء وحده؛ لأن التابع لا يستقل وإنما صح عتق الحمل وحده لتشوف الشارع إليه، وبعضهم في أرض مشتركة ولأحدهم فيها نخل خاص به، أو حصته فيه أكثر منها فيها فباع حصته من الأرض بأنه يدخل جميع الشجر في الأولى، وحصته في الثانية؛ لأنه باع أرضا له فيها شجر، ورد بأن الظاهر في الزائد خلافه أي: وما علل به لا ينتج ما قاله؛ لأن الشجر ليس في أرضه وحده بل في أرضه وأرض غيره فليدخل ما في أرضه فقط، وهو ما يخص حصته في الأرض دون ما زاد عليه مما في حصة شريكه.
"وأصول البقل التي تبقى" في الأرض "سنتين" هو للغالب، وإلا فالعبرة بما يؤخذ هو أو ثمرته مرة بعد أخرى، وإن لم يبق فيها إلا دون سنة "كالقت" بقاف فوقية فمثناة، وهو علف للبهائم، ويسمى القضب بمعجمة ساكنة، وقيل مهملة مفتوحة "والهندباء" بالمد والقصر، والقصب الفارسي والسلق المعروف، ومنه نوع لا يجز إلا مرة والقطن الحجازي والنعناع والكرفس والبنفسج والنرجس والقثاء والبطيخ، وإن لم يثمر اعتبارا بما من شأنه "كالشجر" فيدخل في نحو البيع دون نحو الرهن على ما مر نعم جزته وثمرته الظاهرتان عند البيع للبائع كما أفهمه قوله: أصول البقل فيجب شرط قطعهما وإن لم يبلغا أوان الجز والقطع لكن إن غلب اختلاط الثمرة كما يعلم مما يأتي آخر الباب لئلا يزيد فيشتبه المبيع بغيره ويدوم التخاصم كذا ذكراه واستثنيا كالتتمة القصب أي الفارسي كما صرح به جمع متقدمون فلا يكلف قطعه حتى يبلغ قدرا ينتفع به قالوا: لأنه متى قطع قبل وقت قطعه تلف، ولم يصلح لشيء ومثله فيما ذكر شجر الخلاف وقول جمع: يغني وجوب القطع في غير القصب عن شرطه ضعيف إلا أن يؤول، ثم استثناء القصب اعترضه السبكي بأنه إما أن يعتبر الانتفاع في الكل أو لا يعتبر في الكل ورجح هذا، وفرق بينه وبين بيع الثمرة قبل بدو الصلاح بأنها مبيعة بخلاف ما هنا، واعترضه الأذرعي بأن ما ظهر، وإن لم يكن مبيعا يصير كبيع بعض ثوب ينقص بقطعه، وفرق شيخنا في شرح الروض بأن القبض هنا متأت بالتخلية وثم متوقف على النقل المتوقف على القطع المؤدي إلى النقص ثم أجاب عن اعتراض السبكي بأن تكليف البائع قطع ما استثني يؤدي إلى أنه لا ينتفع به من الوجه الذي يراد الانتفاع به بخلاف غيره، ولا بعد في تأخر وجوب القطع حالا لمعنى بل قد عهد تخلفه بالكلية وذلك في بيع الثمرة من مالك الشجرة ا هـ. والذي يتجه لي في تخصيص الاستثناء بالقصب أن سببه أن صغيره لا ينتفع به بوجه مناسب لما قصد منه فلا قيمة له ولا تخاصم

 

ج / 2 ص -169-      فيه فلم يحتج للشرط فيه لمسامحة المشتري بما يزيد فيه قبل أوان قطعه بخلاف صغير غيره ينتفع به لنحو أكل الدواب المناسب لما قصد منه فيقع فيه التخاصم فاحتيج للشرط فيه دفعا له وفهم الإسنوي أن القصب في كلام التتمة بالمعجمة، وعليه يتجه اعتراض السبكي "ولا يدخل" في مطلق بيع الأرض كما بأصله وإن قال بحقوقها بخلاف ما فيها "ما يؤخذ دفعة" بضم أوله وفتحه واحدة "كالحنطة والشعير وسائر الزروع" كجزر وفجل؛ لأنها لا تراد للدوام فكانت كأمتعة الدار "ويصح بيع الأرض المزروعة" هذا الزرع دونه إن لم يسترها الزرع، أو رآها قبله، ولم تمض مدة يغلب تغيرها فيها "على المذهب" كبيع دار مشحونة بأمتعة أما مزروعة ما يدخل فيصح جزما؛ لأنه كله للمشتري "وللمشتري الخيار" على الفور هنا، وفيما يأتي كما علم مما مر "إن جهله" أي: الزرع لحدوثه بعد رؤيته المذكورة، أو لظنه أنه ملكه لقرينة قوية فبان خلافه فيما يظهر، وبه يندفع ما يقال: كيف يصح بحث الأذرعي وأقروه أن رؤيتها مع عدم ستره لها كافية مع أن الفرض أنه جهله ثم رأيت بعضهم صوره أيضا بأن يظن حال البيع أنه حصد ثم تبين بقاؤه، وذلك لتأخر انتفاعه فإن علم ولم يظهر ما يقتضي تأخر الحصاد عن وقته المعتاد على ما بحثه ابن الرفعة لم يخير كما لو جهله وتركه مالكه له، أو قال: أفرغها منه في زمن لا أجرة له غالبا كيوم، أو بعضه على ما يأتي في الإجارة؛ إذ لا ضرر فيهما "ولا يمنع الزرع" المذكور "دخول الأرض في يد المشتري وضمانه إذا حصلت التخلية في الأصح" لوجود تسلم عين المبيع مع عدم تأتي تفريغه حالا، وبه فارقت الدار المشحونة بالأمتعة قال الإسنوي وزاد وضمانه بلا فائدة؛ إذ يلزم من دخوله في يده دخوله في ضمانه ا هـ وكأنه توهم أن نحو إيداع البائع إياه له يزيل حق حبسه وينقله لضمان المشتري، وقد مر رده بأنه خلاف المنقول فعليه لا تلازم وتعين ما زاده المصنف ثم رأيت الزركشي ذكر هنا نحو ما ذكرته مع جزمه في محل آخر بذلك التوهم فليتنبه له. "والبذر" بإعجام الذال "كالزرع" فيما ذكر ويأتي فإن كان مزروعه يدوم كنوى النخل دخل، وإلا فلا ويأتي ما مر من الخيار وفروعه، ومنها قوله: "والأصح أنه لا أجرة للمشتري مدة بقاء الزرع" الذي جهله وأجاز ولو بعد القبض لرضاه بتلف المنفعة تلك المدة فأشبه ما لو ابتاع دارا مشحونة بأمتعة لا أجرة له مدة التفريغ ويبقى ذلك إلى أول أزمنة إمكان قلعه أما العالم فلا أجرة له جزما نعم إن شرط القطع فأخر لزمته الأجرة لتركه الوفاء الواجب عليه، وظاهر كلامهم هنا أنه لا فرق في وجوب الأجرة بين أن يطالب بالقطع الواجب وأن لا، وينافيه ما يأتي في الشجرة أو الثمرة بعد أو قبل بدو الصلاح المشروط قطعهما أنها لا تجب إلا إن طولب بالمشروط فامتنع، وقد يفرق بأن المؤخر ثم المبيع، وهنا عين أجنبية عنه، والمبيع قد يتسامح فيه كثيرا بما لا يتسامح في غيره لمصلحة بقاء العقد بل ولغيرها، ألا ترى أن استعمال البائع له قبل القبض لا أجرة فيه، وإن طلب منه قبضه فامتنع تعديا، ولا كذلك غيره ثم رأيتني أجبت أول الفصل الآتي بما يوافق ذلك وعند قلعه تلزم البائع تسوية الأرض وقلع ما ضر بها كعروق الذرة.
"ولو باع أرضا مع بذر أو زرع" بها "لا يفرد" أفرد؛ لأن العطف بأو "بالبيع" أي: لا

 

ج / 2 ص -170-      يجوز وروده عليه كبذر لم يره، أو تغير بعد رؤيته، أو تعذر عليه أخذه كما هو الغالب وكفجل مستور بالأرض وبر مستور بسنبله "بطل" البيع "في الجميع" للجهل بأحد المقصودين الموجب لتعذر التوزيع بناء على الأصح السابق في تفريق الصفقة أن الإجازة بالقسط أما ما يفرد كقصيل لم يسنبل، أو سنبل ورآه كذرة وشعير وبذر رآه، ولم يتغير وقدر على أخذه فيصح جزما "وقيل في الأرض قولان" أحدهما يصح فيها بكل الثمن بناء على الضعيف ثم إن الإجازة بكل الثمن، والكلام في بذر ما لا يدخل في بيع الأرض والأصح البيع فيهما قطعا وكان ذكره تأكيدا وفارق بيع الأمة وحملها بأنه غير متحقق الوجود بخلاف هذا فاغتفر فيه ما لم يغتفر في الحمل، "ويدخل في بيع الأرض الحجارة المخلوقة" والمثبتة "فيها"؛ لأنها من أجزائها ثم إن قصدت الأرض لزرع أو غرس فقط فهي عيب "دون المدفونة" من غير إثبات كالكنوز "ولا خيار للمشتري إن علم" ها وإن ضر قلعها كسائر العيوب نعم إن جهل ضرر قلعها، أو ضرر تركها، ولم يزل بالقلع، أو كان لنقلها مدة لها أجرة تخير كما قالاه في الأولى والمتولي في الثانية قال في المطلب: وهو الذي لا يجوز غيره، وكلامهم يشهد له ا هـ وبه يقيد ما اقتضاه كلامهما أنه لو جهل ضرر تركها دون ضرر قلعها لم يتخير، وقول جمع قد يطمع في أن البائع يتركها له مردود بأن هذا الطمع لا يصلح علة لإثبات الخيار. "ويلزم البائع" حيث لم يتخير المشتري، أو اختار القلع "النقل" وتسوية الأرض بقيديهما الآتيين، وله النقل من غير رضا المشتري وللمشتري إجباره عليه، وإن وهبها له تفريغا لملكه بخلاف الزرع؛ لأن له أمدا ينتظر، ولا أجرة له مدة نقل طالت، ولو بعد القبض كدار بها أقمشة "وكذا" لا خيار للمشتري "إن جهل" ها "ولم يضره" قلعها بأن قصرت مدته ولم تتعيب به سواء أضره تركها أم لا لزوال ضرره بالقلع وللبائع النقل، وعليه التسوية وللمشتري إجباره عليه، وإن لم يضر تركها "وإن ضر" قلعها بأن نقصها، وإن طال زمنه مع التسوية مدة لها أجرة "فله الخيار" ضر تركها أو لا دفعا لضرره نعم لو رضي بتركها له ولا ضرر فيه سقط خياره، وهو إعراض حيث لم يوجد فيه شروط الهبة فله الرجوع فيها، ويعود خيار المشتري "فإن أجاز" العقد "لزم البائع النقل" على العادة فلا يكلف خلافها على الأوجه نظير ما مر في الرد بالعيب، وذلك ليفرغ ملكه "وتسوية الأرض"؛ لأنه أحدث الحفر لتخليص ملكه، وهي هنا وفيما مر أن يعيد التراب المزال بالقلع من فوق الحجارة إلى مكانه، ولا يلزمه أن يسويها بتراب منها؛ لأن فيه تغيير المبيع، ولا من خارجها؛ لأن فيه إيجاب عين لم تدخل في البيع "وفي وجوب أجرة المثل لمدة النقل" إذا خير المشتري "أوجه أصحها" أنها "تجب إن نقل بعد القبض" لتفويته على المشتري منفعة تلك المدة "لا قبله"؛ لأن جنايته قبله كالآفة كما مر، ومن ثم لو باعها لأجنبي لزمه الأجرة مطلقا؛ لأن جنايته مضمونة مطلقا قالا: وكلزوم الأجرة لزوم أرش عيب بقي فيها بعد التسوية "و" يدخل "في بيع البستان الأرض والشجر" والعرش وما له أصل ثابت من الزرع "لا نحو غصن يابس" وغصن خلاف وشجر وعروق يابسين "والحيطان" لدخولها في مسماه، وكذا الجدار المستهدم لإمكان البناء عليه "وكذا البناء" الذي فيه يدخل "على المذهب" لثباته "و" يدخل "في بيع القرية الأبنية" لتبعها لها

 

ج / 2 ص -171-      "وساحات" ومزارع "يحيط بها السور" والسور نفسه والأبنية المتصلة به وشجر وساحات في وسطها على الأوجه "لا المزارع" الخارجة عن السور والمتصلة به فلا تدخل "على الصحيح" لخروجها عن مسماها وما لا سور لها يدخل ما اختلط ببنائها ويدخل أيضا حريم القرية وما فيه قياسا على حريم الدار ولكون الملحظ هنا ما يشمله الاسم وعدمه، وفي القصر محل الإقامة المؤبدة وعدمه افترقا، والسماد بكسر أوله ما يفرش به الأرض من نحو زبل، أو رماد، وفي الجواهر البائع أحق به إلا إن بسط واستعمل ونظر بعضهم في اشتراط الاستعمال ويجاب بأن مجرد بسطه يحتمل أنه لتجفيفه فلم ينقطع حق البائع فيه إلا باستعماله "و" يدخل "في بيع الدار الأرض" إجماعا إن ملكها البائع، وإلا كمحتكرة وموقوفة فلا تدخل لكن يتخير مشتر جهل "وكل بناء"، ولو من نحو سعف وشجر رطب فيها ويابس قصد دوامه كجعله دعامة مثلا لدخوله في مسماها وأخذ منه بعضهم دخول بيوت فيها، وإن كان لها أبواب خارج بابها لا يدخل إليها إلا منها وخالفه غيره، والذي يتجه أن تلك البيوت إن عدها أهل العرف من أجزائها المشتملة هي عليها دخلت لدخولها حينئذ في مسماها حقيقة، وإلا فلا، والأجنحة والرواشن وساباط جذوعه من الطرفين على حائطها، وليس من البناء فيها نقض المنهدم منها؛ لأنه بمنزلة قماش فيها، ولو باع علوا على سقف له فهل يدخل السقف؛ لأنه موضع القرار كأرض الدار، أو لا يدخل ولكنه يستحق الانتفاع به على العادة أي: لأن نسبته إلى السفل أظهر منها للعلو أفتى بعضهم بالأول، وبعضهم بالثاني، وفصل بعضهم بين سقف على طريق فيدخل؛ لأنه لا يمكنه الانتفاع به هنا فقويت التبعية فيه وسقف على بعض دار البائع أي: أو غيره فلا يدخل؛ إذ لا مقتضى للتبعية هنا، وهذا أوجه. "حتى حمامها" المثبت فيها يدخل في بيعها؛ لأنه من مرافقها دون المنقول لكونه من نحو خشب وقدرت الخبر؛ لأن الأحسن أن حتى ابتدائية لا عاطفة؛ لأن عطف الخاص على العام إنما يكون بالواو كما ذكره ابن مالك ويصح جعله مغايرا بأن يراد بالحمام ما يشمل الخشب المسمر الذي لا يسمى بناء فيكون العطف صحيحا "لا المنقول كالدلو والبكرة" بفتح الكاف وسكونها مفرد بكر بفتحها "والسرير" والدرج والرفوف التي لم تسمر لخروجها عن اسمها "وتدخل الأبواب المنصوبة" دون "المقلوعة وحلقها" بفتح الحاء "والإجانات" المثبتة كما بأصله، وهي بكسر الهمزة وتشديد الجيم ما يغسل فيه "والرف والسلم" بفتح اللام "المسمران، وكذا الأسفل من حجري الرحا" إن كان مثبتا فيدخل "على الصحيح"؛ لأن الجميع معدود من أجزائها لاتصالها بها، واعترض قوله: كذا بجريان الخلاف في الثلاثة أيضا كما بأصله وأجيب بأنه فهم اختصاصه بما ذكره والأولى أن يجاب بأنه إنما فعل ذلك لينبه به على فائدة دقيقة هي أن ضعف الخلاف خاص بالأخير لا غير. "والأعلى" منهما "ومفتاح غلق" بفتح اللام "مثبت" فيدخلان "في الأصح"؛ لأنهما تابعان لمثبت، وفي معناهما كل منفصل توقف عليه نفع متصل كغطاء التنور وصندوق الطاحون والبئر ودراريب الدكان وآلات السفينة قال الدميري عن مشايخ عصره: ومكتوبها ما لم يكن للبائع فيه بقية حق ثم رده بأن المنقول أنه لا يلزم البائع تسليمه؛ لأنه ملكه وحجته عند الدرك، وخرج بالمثبت

 

ج / 2 ص -172-      الأقفال المنقولة فلا تدخل هي ومفاتيحها، ولا يدخل ماء بئر الدار إلا بالنص ومن ثم وجب شرط دخوله لئلا يختلط بماء المشتري فيقع تنازع لا غاية له كما مر وبحث بعضهم في دار مشتملة على دهليز به مخزنان شرقي وغربي باع مالكها الشرقي أولا وأطلق دخل فيه الجدار الذي بينه وبين الدهليز، أو الدهليز أولا دخل ذلك الجدار أي: وجدار الغربي أيضا، أو هما معا لرجلين وقبل كل ما بيع منه بطلا لاستحالة وقوع جميع ما أوجب لكل فلم يتوافق الإيجاب والقبول، وفيما ذكره آخرا نظر؛ إذ تفريق الصفقة لم يتوافقا فيه إلا لفظا وصح في الحل بقسطه فكذا هنا وحينئذ فالذي يتجه صحته لكل منهما فيما عدا ذلك الجدار تفريقا للصفقة فيه لتعذر وقوعه لأحدهما، ولا يدخل وتر في قوس ولؤلؤة وجدت ببطن سمكة بل هي للصياد إلا إن كان فيها أثر ملك كثقب فتكون لقطة أي: للصياد فيما يظهر؛ لأنه واضع اليد عليها أولا ويد المشتري مبنية على يده "و" يدخل "في بيع الدابة نعلها" ووبرتها لاتصالهما بها إلا إن كانا من نقد لعدم المسامحة بهما "وكذا ثياب العبد" يعني القن التي عليه حالة البيع تدخل "في بيعه في الأصح" للعرف "قلت الأصح لا تدخل ثياب العبد" في بيعه، ولو ساتر عورته "والله أعلم"؛ إذ لا عرف في ذلك مطرد وكما لا يدخل سرج الدابة في بيعها ولا تدخل نعله وحلقته وخاتمه قطعا ونازع السبكي في النعل بأنه كالثوب وظاهر دخول نحو أنفه وأنملته من النقد؛ لأنه من أجزائه كما علم مما مر في الوضوء.
فرع: إذا "باع شجرة" رطبة وحدها، أو مع نحو أرض صريحا، أو تبعا كما مر "دخل عروقها"، وإن امتدت وجاوزت العادة كما شمله كلامهم "وورقها" ولو يابسين على ما اقتضاه إطلاق الرافعي لكن قضية كلام الكفاية أن الورق كالغصن، وهو متجه بجامع اعتياد قطع يابس كل منهما بخلاف العروق وأوعية نحو طلع وقياسها العرجون تبعا لها ثم رأيت الزركشي بحث في الشماريخ أنها للبائع قال؛ لأن العادة قطعها مع الثمرة ا هـ وشيخنا قال: ومثلها أي: أوعية نحو الطلع العرجون فيما يظهر خلافا لمن قال إنه لمن له الثمرة ا هـ وما علل به الزركشي من أن قطعها مع الثمرة لما اعتيد صيرها مثله وجيه، وبه يعلم الفرق بينها وبين الأوعية؛ لأنها تنفصل عنها الثمرة عادة فتكون بالغصن أشبه بخلاف العرجون وشماريخه ويأتي في أن ذلك في المساقات للعامل، أو المالك ما يستأنس به لما هنا؛ إذ ما للعامل كالثمرة وما للمالك كالأصل فينبغي أن ما صرحوا فيه بأنه للعامل يدخل هنا وما لا فلا. "وفي ورق التوت" الأبيض الأنثى المبيعة شجرته في الربيع، وقد خرج "وجه" أنه لا يدخل؛ لأنه يقصد لتربية دود القز ويرد بأنه حيث كان للشجرة ثمر غير ورقها كان تابعا لا مقصودا فدخل في بيعها، ومن ثم دخل ورق السدر على الأصح، ويؤيد ذلك أحد احتمالي البيان المنقول عن الماوردي والروياني في ورق الحناء ونحوه عدم الدخول وعلله بأنه لا ثمر له غير الورق بخلاف الفرصاد، وبه يعلم أن ما له ثمر كالفاغية يدخل ورقه ولا يدخل ورق النيلة؛ إذ لا ثمر غيره.
تنبيه: نقل الحريري عن أهل اللغة أن التوت اسم للشجر والفرصاد اسم للثمر وغيره عن الجوهري أن الفرصاد التوت الأحمر فقول السبكي أنه التوت وعبر عنه به؛ لأنه أشهر

 

ج / 2 ص -173-      لا يوافق شيئا من ذلك إلا أن يثبت أنه مشترك ثم رأيت القاموس صرح بما يوافق هذا فإنه قال التوت الفرصاد وقال في الفرصاد هو التوت، أو حمله، أو أحمره ا هـ فكل منهما مشترك بين الثلاثة.
"وأغصانها إلا اليابس" منها وعوده للثلاثة الذي أوهمه المتن غير مراد وذلك لاعتياد الناس قطعه فكان كالثمرة أما الجافة فيتبعها غصنها اليابس، وفي الخلاف بتخفيف اللام، وهو البان وقيل الصفصاف خلاف منتشر ورجح ابن الأستاذ قول القاضي أن منه نوعا يقطع من أصله فتدخل أغصانه ونوعا يترك ساقه ويؤخذ غصنه فهو كالثمرة وكلام الروضة مشير لذلك "ويصح بيعها" رطبة ويابسة "بشرط القلع، أو القطع" ويتبع الشرط، فعروقها في الأول للمشتري، وفي الثاني باقية للبائع، ونحو ورقها وأغصانها يدخل مع شرط أحد هذين وعدمه، ولو أبقاها مدة مع شرط أحد ذينك لم تلزمه الأجرة إلا إن طالبه البائع بالمشروط فامتنع، ولو سقط ما قطعه، أو قلعه على شجر البائع فأتلفه ضمنه إن علم سقوطه عليه، وإلا فلا، كذا أفتى به بعضهم، وفيه نظر ظاهر؛ لأن التلف من فعله فليضمنه مطلقا، والعلم وعدمه إنما يؤثر في الاسم وعدمه، ولو أراد مشترط أحد ذينك استئجار المغرس ليبقيها فيه فللقفال فيه جوابان، والذي استقر رأيه عليه المنع بخلاف غاصب استأجر محل غرسه ليبقيه فيه؛ لأن المحل هنا بيد المالك وثم بيد البائع فلا يمكن قبضه عن الإجارة قبل أحد ذينك، وقياسه أنه لا يصح شراؤه له أيضا فإن قلت لم لم يكن شغله بالشجرة كشغل الدار بأمتعة المشتري قلت قد يفرق بأن تلك يتأتى التفريغ منها فلا تعد حائلا بخلاف هذه؛ لأن القصد باستئجار أو شراء محلها إدامة بقائها. "وبشرط الإبقاء" إن كانت رطبة كما يفهمه قوله: الآتي ولو كانت يابسة إلى آخره، وإلا بطل البيع بشرط إبقائها ما لم يكن غرض صحيح في بقائها لنحو وضع جذع عليها كما بحثه الأذرعي "والإطلاق يقتضي الإبقاء" في الرطبة كما يفهمه ذلك أيضا؛ لأنه العرف وإن كانت تغلظ عما هي عليه، وفيما تفرخ منها، ولو شجرة أخرى بناء على دخوله كما يأتي لكن لو أزيل المتبوع هل يزال التابع كما هو شأن التابع أو لا؛ لأنه بوجوده صار مستقلا رجح بعضهم الأول وبعضهم الثاني ولعله الأقرب؛ لأنه يغتفر في الدوام في مثل ذلك ما لا يغتفر في الابتداء ولأن البائع مقصر بعدم شرط القطع نظير ما يأتي هذا كله إن استحق البائع الإبقاء، وإلا كأن غصب أرضا وغرسها ثم باعه وأطلق فقيل يبطل البيع وقيل يصح، ويتخير مشتر جهل، وهو الأوجه واختلف جمع متأخرون في أولاد الشجرة الموجودة والحادثة بعد البيع هل تدخل في بيعها، والذي يتجه الدخول حيث علم أنها منها سواء أنبتت من جذعها، أو عروقها التي بالأرض؛ لأنها حينئذ كأغصانها بخلاف اللاصق بها مع مخالفة منبته لمنبتها؛ لأنه أجنبي عنها وإذا دخلت استحق إبقاءها كالأصل كما رجحه السبكي من احتمالات قال ابن الرفعة وما علم استخلافه كشجر الموز لا شك في وجوب إبقائه وتوقف فيه الأذرعي أي: من حيث الجزم لا الحكم كما هو ظاهر ثم قال وشجر السماق يخلف حتى يملأ الأرض ويفسدها، وفي لزوم هذا بعد ا هـ. ويرد بأن البائع بتركه شرط القطع مقصر "والأصح" فيما إذا استحق إبقاءها

 

ج / 2 ص -174-      "أنه لا يدخل" في بيعها "المغرس" بكسر الراء أي: محل غرسها؛ لأن اسمها لا يتناوله "لكن يستحق منفعته" بلا عوض، وهو ما سامتها من الأرض وما يمتد إليه عروقها فيمتنع عليه أن يغرس في هذا ما يضر بها، ولا يضر تجدد استحقاق للمشتري لم يكن له حالة البيع؛ لأنه متفرع عن أصل استحقاقه والممتنع إنما هو تجدد استحقاق مبتد فاندفع ما لجمع هنا من الإشكال، ولم يحتج لجواب الزركشي الذي قيل فيه إنه ساقط "ما بقيت الشجرة" حية هذا إن استحق البائع الإبقاء، وإلا جاء ما مر وبحث ابن الرفعة وغيره في بيع بناء في أرض مستأجرة معه، أو موصى بمنفعتها له أو موقوفة عليه أنه يستحق الإبقاء بقية المدة لكن بأجرة المثل لباقي المدة في الأول إن علم لا في الأخيرين؛ لأن المنفعة فيهما لم يبذل البائع فيها شيئا وأفهم قوله: ما بقيت أنها لو قلعت لم يجز له غرس بدلها بخلافها إن بقيت، ولا يدخل المغرس في شجرة يابسة قطعا لبطلان البيع بشرط إبقائها كما مر فلا يستحق إبقاءها, ومن ثم قال "ولو كانت" الشجرة المبيعة "يابسة"، ولم تدخل لكونها غير دعامة مثلا "لزم المشتري القلع" للعرف "وثمرة النخل" مثلا وذكر؛ لأنه مورد النص "المبيع" بعد وجودها وكالبيع غيره على ما يأتي في أبوابه مفصلا "إن شرطت" كلها أو بعضها المعين كالربع "للبائع أو للمشتري عمل به" تأبر أم لا، وكذا لو شرط الظاهر للمشتري وغيره، وقد انعقد للبائع وفاء بالشرط وإنما بطل البيع بشرط استثناء البائع الحمل، أو منفعة شهر لنفسه؛ لأن الحمل لا يفرد بالبيع، والطلع يفرد به ولأن عدم المنفعة يؤدي لخلو المبيع عنها، وهو مبطل "وإلا" يشرط شيء "فإن لم يتأبر منها شيء فهي للمشتري"، وإن كان طلع ذكر "وإلا" بأن تأبر بعضها، وإن قل، ولو في غير وقته كما اقتضاه إطلاقهم خلافا للماوردي، وإن تبعه ابن الرفعة "فللبائع" جميعها المتأبر وغيره حتى الطلع الحادث بعد خلافا لابن أبي هريرة وذلك لحديث الشيخين "من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع" أي: المشتري دل منطوقه على أن المؤبرة للبائع إلا أن يشترطها المشتري ومفهومه على أن غير المؤبرة للمشتري إلا أن يشترطها البائع وكونها لواحد ممن ذكر صادق بأن تشرط له، أو يسكت عن ذلك كما علم مما تقرر وافترقا بالتأبير وعدمه؛ لأنها في حالة الاستتار كالحمل، وفي حالة الظهور كالولد وإنما دخل قطن لا يتكرر أخذه، وقد بيع بعد تشقق جوزه على المعتمد خلافا للأذرعي ومن تبعه؛ لأنه المقصود بالبيع بخلاف الثمرة الموجودة فإن المقصود بالذات إنما هو شجرتها لثمار جميع الأعوام، ومن ثم كان ما يتكرر أخذه للبائع؛ لأنه حينئذ كالثمرة وألحق غير المؤبر به لعسر إفراده، ولم يعكس؛ لأن الظاهر أقوى، ومن ثم تبع باطن الصبرة ظاهرها في الرؤية والتأبير لغة وضع طلع الذكر في طلع الأنثى لتجيء ثمرتها أجود واصطلاحا تشقق الطلع، ولو بنفسه، وإن كان طلع ذكر كما أفاده تعبيره بتأبر خلافا لما توهمه عبارة أصله والعادة الاكتفاء بتأبير البعض والباقي يتشقق بنفسه وينبث ريح الذكور إليه، وقد لا يؤبر شيء ويتشقق الكل وحكمه كالمؤبر اعتبارا بظهور المقصود.
"وما يخرج ثمره بلا نور" بفتح النون أي: زهر بأي لون كان "كتين وعنب إن برز ثمره" أي: ظهر "فللبائع، وإلا فللمشتري" إلحاقا لبروزه بتشقق الطلع، ولو ظهر بعض التين كان للبائع

 

ج / 2 ص -175-      ما ظهر وللمشتري غيره وفارق النخل بأنه لا يتكرر حمله في العام عادة فكل ما ظهر من حمل الأول فإن فرض تحقق حمل ثان ألحق النادر بالأعم الأغلب والتين يتكرر وإلحاق العنب بالتين في ذلك الواقع في كلام الشيخين نقلا عن التهذيب ثم توقفا فيه حمله بعضهم على ما يتكرر حمله منه، وإلا فهو كالنخل، وفيه نظر فإن حمله في العام مرتين نادر كالنخل فليكن مثله وقال الماوردي منه ما يورد ثم ينعقد فيلحق بالمشمش وما يبدو منعقدا فيلحق بالتين "وما خرج في نور ثم سقط" نوره أي: كان من شأنه ذلك بدليل قوله الآتي، ولم يتناثر النور ثم قوله: وبعد التناثر وتعبير أصله بيخرج سالم من ذلك وحكمة عدوله عنه خشية إيهام اتحاد هذا مع ما قبله في أن لكل نورا قد يوجد، وقد لا، وليس كذلك؛ إذ نفي النور عن ذاك نفي له عنه من أصله كما تفهمه مغايرة الأسلوب "كمشمش" بكسر ميميه "وتفاح فللمشتري إن لم تنعقد الثمرة، وكذا إن انعقدت، ولم يتناثر النور في الأصح" إلحاقا لها بالطلع قبل تشققه "وبعد التناثر"، ولو للبعض تكون "للبائع" لظهورها.
"ولو باع" نخلة من بستان، أو "نخلات بستان مطلعة" بكسر اللام أي: خرج طلعها "وبعضها" من حيث طلعها "مؤبر" وبعضها غير مؤبر، ومؤبر هنا بمعنى متأبر كما علم مما قدمه "فللبائع" جميعها المؤبر وغيره وإن اختلف النوع لعسر التبع كما مر "فإن أفرد" بالبيع "ما لم يؤبر" من بستان واحد "فللمشتري في الأصح" لما مر قيل قضية قوله مطلعة أن غير المؤبر لا يتبع إلا بعد وجود الطلع والأصح أنه يتبع مطلقا متى كان من ثمر ذلك العام فحذف مطلعة بل المسألة من أصلها للعلم بها مما قدمه أحسن ا هـ ويرد بأن هذا تفصيل لإطلاق قوله السابق فإن لم يتأبر منها شيء إلخ وذاك لم يتعرض فيه للإطلاق فأفهم أنه غير شرط وفائدة ذكره بيان أن الاطلاع لا يستلزم التأبير "ولو كانت" النخلات المذكورة "في بستانين" المؤبرة بواحد وغيرها بآخر "فالأصح إفراد كل بستان بحكمه" وإن تقاربا؛ لأن من شأن اختلاف البقاع اختلاف وقت التأبير، وكذا لا تبعية إن اختلف العقد، أو الحمل، أو الجنس والحاصل أن شرط التبعية اتحاد بستان وجنس وعقد وحمل زاد شارح ومالك، وهو غير محتاج إليه؛ إذ يلزم من اختلافه في الصورة التي ذكرها، وهي أن يبيع نخله، أو بستانه المؤبر مع نخل، أو بستان لغيره لم يتأبر تفصيل الثمن، وهو مقتض لتعدد العقد ويستثنى الورد فلا يتبع ما لم يظهر منه الظاهر، وإن اتحدا فيما ذكر؛ لأن ما ظهر منه يجنى حالا فلا يخاف اختلاطه ومر أن التين والعنب على ما مر فيه مثله في ذلك وألحق به الياسمين أي: ونحوه "وإذا بقيت الثمرة للبائع" بشرط، أو تأبير "فإن شرط القطع لزمه" وفاء بالشرط قال الأذرعي وإنما يظهر هذا في منتفع به كحصرم لا فيما لا نفع فيه، أو نفعه تافه أي: فالقياس حينئذ بطلان البيع بهذا الشرط؛ لأنه يخالف مقتضاه "وإلا" يشترط القطع بأن شرط الإبقاء، أو أطلق "فله تركها إلى الجذاذ" نظرا للشرط في الأولى والعادة في الثانية، وهو القطع أي: زمنه المعتاد فيكلف حينئذ أخذها دفعة واحدة، ولا ينتظر نهاية النضج وقد لا تبقى إليه كأن تعذر السقي لانقطاع الماء وعظم ضرر النخل ببقائها وكأن أصابها آفة، ولم يبق في تركها فائدة على أحد قولين أطلقاهما ورجحه ابن الرفعة وغيره وكأن اعتيد قطعها قبل نضجها

 

ج / 2 ص -176-      لكن هذه لا ترد؛ لأن هذا وقت جذاذها عادة "ولكل منهما" أي: المتبايعين إذا بقيت "السقي إن انتفع به الشجر والثمر" يعني إن لم يضر صاحبه "ولا منع للآخر" منه؛ لأن المنع حينئذ سفه، أو عناد وقضيته أنه ليس للبائع تكليف المشتري السقي، وبه صرح الإمام؛ لأنه لم يلتزم تنميتها فلتكن مؤنته على البائع وظاهر كلامهم تمكينه من السقي بما اعتيد سقيها منه وإن كان للمشتري كبئر دخلت في العقد، وليس فيه أنه يصير شارطا لنفسه الانتفاع بملك المشتري؛ لأن استحقاقه لذلك لما كان من جهة الشرع، ولو مع الشرط اغتفروه نعم يتجه أنه لا يمكن من شغل ملك المشتري بمائه، أو استعماله لماء المشتري إلا حيث نفعه، وإلا فلا وإن لم يضر المشتري؛ لأن الشرع لا يبيح مال الغير إلا عند وجود منفعة به، وكذا يقال في ماء للبائع أراد به شغل ملك المشتري من نفع له به فإطلاقهم أنه لا منع مع عدم الضرر يحمل على غير ذلك "وإن ضرهما" كان لكل منع الآخر؛ لأنه يضر صاحبه من غير نفع يعود إليه فهو سفه وتضييع و "ولم يجز" السقي لهما، ولا لأحدهما "إلا برضاهما"؛ لأن الحق لهما، واعترضه السبكي بأن فيه إفساد المال، وهو حرام ثم أجاب بأن المنع لحق الغير ارتفع بالرضا ويبقى ذلك كتصرفه في خالص ملكه وأجاب غيره بحمل كلامهم على ما إذا كان يضرهما من وجه دون وجه، وهو أوجه؛ لأن الجواب الأول لا يدفع الإشكال لأن إتلاف المال لغير غرض معتبر حرام سواء ماله ومال غيره بإذنه "وإن ضر أحدهما" أي: الثمر دون الشجر، أو عكسه "وتنازعا" أي: المتبايعان في السقي "فسخ العقد" أي: فسخه الحاكم كما جزم به في المطلب ورجحه السبكي خلافا للزركشي لتعذر إمضائه إلا بضرر أحدهما، وليس أحدهما أولى من الآخر ويفرق بين هذا وما يأتي آخر الباب أنه لا يحتاج للحاكم بأن الاختلاط ثم أورث نقصا في عين المبيع فكان عيبا محضا بخلافه هنا فإن ذات المبيع سليمة وإنما القصد دفع التخاصم لا إلى غاية، وهو مختص بالحاكم فإن قلت يرد عليه ما يأتي في اختلاف المتبايعين أن الفاسح أحدهما كالحاكم فقياسه هنا كذلك قلت يفرق بأن التنازع هنا سببه ضرر متيقن، وهو إنما يزيله الحاكم وثم سببه مجرد اختلاف فمكن كل من الفسخ لاحتمال أنه الصادق، ويؤيده أن فسخ الكاذب لا ينفذ باطنا "إلا أن يسامح" المالك المطلق التصرف "المتضرر" فلا فسخ، وفيه ما مر من الإشكال والجواب ومنع بعضهم مجيء ذلك هنا لما في هذا من الإحسان والمسامحة، وواضح أن في رضاهما فيما مر ذلك أيضا، وبه يتضح ما قدمته "وقيل" يجوز "لطالب السقي أن يسقي"، ولا مبالاة بالضرر لدخوله في العقد عليه "ولو كان الثمر يمتص رطوبة الشجر لزم البائع أن يقطع" الثمر "أو يسقي" الشجر دفعا لضرر المشتري ولو كان السقي يضر أحدهما وتركه يمنع زيادة الآخر العظيمة فسخ العقد كما أفهمه كلام السبكي ورجحه غيره.
 

فصل في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما
"يجوز بيع الثمر بعد بدو صلاحه مطلقا" أي: من غير شرط قطع ولا تبقية، وهنا كشرط الإبقاء يستحق الإبقاء إلى أوان الجذاذ للعادة "وبشرط قطعه وبشرط إبقائه" للخبر المتفق

 

ج / 2 ص -177-      عليه أنه صلى الله عليه وسلم نهى المتبايعين عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها ومفهومه الجواز بعد بدوه في الأحوال الثلاثة لأمن العاهة حينئذ غالبا "وقبل" بدو "الصلاح" في الكل "إن بيع" الثمر الذي لم يبد صلاحه وإن بدا صلاح غيره المتحد معه نوعا ومحلا "منفردا عن الشجر"، وهو على شجرة ثابتة "لا يجوز" البيع؛ لأن العاهة تسرع إليه حينئذ لضعفه فيفوت بتلفه الثمن من غير مقابل "إلا بشرط القطع" للكل حالا للخبر المذكور فإنه يدل بمنطوقه على المنع مطلقا، خرج المبيع المشروط فيه القطع بالإجماع فبقي ما عداه على الأصل، ولا يقوم اعتياد القطع مقام شرطه وللبائع إجباره عليه ومتى لم يطالبه به فلا أجرة له ويوجه بغلبة المسامحة في ذلك أما بيع ثمرة على شجرة مقطوعة دونها فيجوز من غير شرط قطع؛ لأن الثمرة لا تبقى عليها فنزل ذلك منزلة شرط القطع ومثلها شجرة جافة عليها ثمرة بيعت دونها، وورق التوت قبل تناهيه كالثمر قبل بدو الصلاح وبعده كهو بعده، وخرج بقوله: إن بيع ما لو وهب مثلا فلا يجب شرط القطع فيه، وكذا الرهن كما يأتي قبيل بحث من استعار شيئا ليرهنه وبقوله الثمر بيع بعضه قبل بدو صلاحه، أو بعده لشريكه، أو غيره شائعا فيبطل بشرط قطعه إن قلنا القسمة بيع للربا، أو مع قطع الباقي لمنافاته لمقتضى العقد "و" يشترط "أن يكون المقطوع منتفعا به" كالحصرم واللوز "لا ككمثرى" وجوز، وذكر هذا هنا؛ لأنه قد يغفل عنه، وإلا فهو معلوم مما مر في البيع فإن قلت لا نسلم علمه منه؛ لأنه يكفي ثم المنفعة المترقبة كما في الجحش الصغير لا هنا قلت إنما لم يكف هنا لعدم ترقبها مع وجود شرط القطع فلذلك اشترطت حالا والحاصل أن الشرط هنا وثم أن يكون فيه منفعة مقصودة لغرض صحيح وأما افتراقهما في كون المنفعة قد تترقب ثم لا هنا فغير مؤثر للاستحالة التي ذكرناها فتأمله "وقيل إن كان الشجر للمشتري" والثمر للبائع كأن وهبه، أو باعه له بشرط القطع ثم اشتراه منه، أو باعه الموصى له به من الوارث "جاز" بيع الثمرة له "بلا شرط" للقطع لاجتماعهما في ملك شخص واحد فأشبه ما لو اشتراهما معا وصححه الشيخان في المساقاة ولكن الأصح ما هنا لعموم النهي والمعنى؛ إذ المبيع الثمرة، ولو تلفت لم يبق في مقابلة الثمن شيء "قلت فإن كان الشجر للمشتري وشرطنا القطع" أي: شرطه كما هو الأصح "لم يجب الوفاء به والله أعلم"؛ إذ لا معنى لتكليفه قطع ثمره عن شجره  "فإن بيع" الشجر دون الثمر وأمن الاختلاط، أو الثمر "مع الشجر" بثمن واحد "جاز بلا شرط"؛ لأن المبيع في الأول غير متعرض للعاهة والثمرة مملوكة له بحكم الدوام ولأن الثمر في الثاني تابع للشجر الذي لا تتعرض له عاهة، ومن ثم لو فصل الثمن وجب شرط القطع لزوال التبعية، ونحو بطيخ وباذنجان وقثاء كذلك على المنقول المعتمد فلا يجب شرط القطع فيه إن بيع مع أصله وإن لم يبع مع الأرض "ولا يجوز" بيعه "بشرط قطعه" عند اتحاد الصفقة؛ لأن فيه حجرا على المشتري في ملكه وفارق بيعها من صاحب الأصل بأنها هنا تابعة فاغتفر الغرر كأس الجدار "ويحرم"، ولا يصح "بيع الزرع الأخضر"، ولو بقلا لم يبد صلاحه "في الأرض إلا بشرط قطعه"، أو قلعه جميعه للنهي في خبر مسلم عن ذلك فإن باعه وحده من غير شرط قطع، أو قلع، أو بشرط إبقائه أو بشرط قطع أو قلع بعضه لم يصح البيع ويأثم

 

ج / 2 ص -178-      لتعاطيه عقدا فاسدا "فإن بيع معها" أي: الأرض "أو" بيع وحده بقل بعد بدو صلاحه، أو زرع "بعد اشتداد الحب"، أو بعضه، ولو سنبلة واحدة كاكتفائهم في التأبير بطلعة واحدة، وفي بدو الصلاح بحبة واحدة "جاز بلا شرط" كبيع الثمرة مع الشجرة في الأول وكبيع الثمرة بعد بدو الصلاح في الثاني وما أفهمه المتن من جواز بيعه معها بشرط قطعه، أو قلعه غير مراد كما علم من قوله قبيله، ولا يجوز بشرط قطعه وسيأتي أن ما يغلب اختلاطه أو تلاحقه لا بد في صحة بيعه من شرط قطعه مطلقا "ويشترط لبيعه" أي: الزرع بعد الاشتداد "وبيع الثمر بعد بدو الصلاح ظهور المقصود" منه لئلا يكون بيع غائب "كتين وعنب وشعير" وسلت وكل ما يظهر ثمره، أو حبه كنوع من الذرة لحصول الرؤية "وما لا يرى حبه كالحنطة" ونوع من الذرة، وكذا الدخن نوعان أيضا قال بعضهم والمرئي إنما هو بعض حباته ومع ذلك القياس الصحة كما يصح بيع نحو بصل ظهر بعضه ذكره القاضي، وفيه وقفة بل القياس فيهما تفريق الصفقة فيصح في المرئي فقط إن عرف بقسطه من الثمن، وكون رؤية البعض هنا تدل على الباقي غالب ممنوع نعم إن فرض ذلك في نوع بخصوصه لم تبعد الصحة في الكل نظير ما يأتي في قصب السكر "والعدس" بفتح الدال "في السنبل" وجوز القطن قبل تشققه "لا يصح بيعه دون سنبله" لاستتاره "ولا معه في الجديد" لاستتار المقصود بما ليس من مصلحته والنهي عن بيع السنبل حتى يبيض أي: يشتد كما في رواية محمول على سنبل نحو الشعير جمعا بين الأدلة، وفي الأنوار لا يجوز بيع الجوز في القشرة العليا مع الشجر وقياسه امتناع بيع القطن قبل تشققه، ولو مع شجره. "ولا بأس بكمام"، وهو بكسر أوله وعاء نحو الطلع "لا يزال إلا عند الأكل" بفتح الهمزة وأما مضمومها فهو المأكول كرمان وطلع نخل وموز وبطيخ وباذنجان؛ لأن بقاءه فيه من مصلحته ومثل ذلك ما يكون بقاؤه فيه سببا لادخاره كأرز وعلس ومن زعم أن الأرز كالشعير إنما هو باعتبار نوع منه كذلك وإنما لم يصح السلم في الأرز والعلس في قشرته لما يأتي فيه "وما له كمامان" مثنى كمام استعمالا له في المفرد مجازا؛ إذ هو جمع كمامة، أو كم بكسر أوله فقياس مثناه كمان، أو كمامتان "كالجوز واللوز والباقلا" أي: الفول "يباع في قشره الأسفل"؛ لأن بقاءه فيه من مصلحته "ولا يصح في الأعلى" على الشجر أو الأرض لاستتاره بما ليس من مصلحته وفارق صحة بيع قصب السكر في قشره الأعلى بأن قشره ساتر لكله، وقشر القصب لبعضه غالبا فرؤية بعضه دالة على باقيه وأيضا فقشره الأسفل كثيرا ما يمص معه فصار كأنه في قشر واحد كالرمان ويظهر أن الكلام في باقلا لا يؤكل معه قشره الأعلى، وإلا جاز كبيع اللوز في قشره الأعلى قبل انعقاد الأسفل؛ لأنه مأكول كله "وفي قول يصح" بيعه في الأعلى "إن كان رطبا" لحفظه رطوبته فهو من مصلحته ورجحه كثيرون في الباقلا بل نقله الروياني عن الأصحاب والأئمة الثلاثة والإجماع الفعلي عليه وحكاية جمع أن الشافعي أمر الربيع بشرائه له ببغداد معترضة بأن الربيع لم يصحبه بها وبفرض صحته فهو مذهبه القديم، وقد بالغ في الأم في تقرير عدم صحة بيعه وسيأتي في إحياء الموات الكلام على الإجماع الفعلي قيل ومثله اللوبيا ورد بأنها مأكولة كلها كاللوز قبل انعقاد الأسفل "وبدو صلاح الثمر

 

ج / 2 ص -179-      ظهور مبادئ النضج والحلاوة" بأن يتموه ويلين أي: يصفو ويجري الماء فيه "فيما" متعلق ببدو وظهور "لا يتلون، وفي غيره"، وهو ما يتلون بدو صلاحه "بأن يأخذ في الحمرة، أو السواد"، أو الصفرة نعم يؤخذ مما قرروه أن المدار على التهيؤ لما هو المقصود منه أن نحو الليمون مما يوجد تموهه المقصود منه قبل صفرته يكون مستثنى مما ذكر في المتلون، وبدوه في غير الثمر باشتداد الحب بأن يتهيأ لما هو المقصود منه وكبر القثاء بحيث يجنى غالبا للأكل وتفتح الورد وتناهي نحو ورق التوت والضابط بلوغه صفة يطلب فيها غالبا وأصل ذلك تفسير أنس الراوي للزهو في خبر نهي عن بيع الثمرة حتى تزهى، بأن تحمر أو تصفر "ويكفي بدو صلاح بعضه" أي الجنس الواحد، وإن اختلفت أنواعه "وإن قل" كحبة واحدة؛ لأن الله تعالى امتن علينا بطيب الثمار على التدريج ليطول زمن التفكه فلو شرط طيب الكل لأدى إلى حرج شديد "ولو باع ثمر بستان، أو بستانين بدا صلاح بعضه فعلى ما سبق في التأبير" فلا يتبع ما لم يبد ما بدا إلا إن اتحد الجنس وإن اختلف النوع واتحد البستان والعقد والحمل، فإن اختلف واحد من هذه لم يصح فيما لم يبد صلاحه إلا بشرط قطعه "ومن باع ما بدا صلاحه" من ثمر، أو زرع من غير شرط قطعه، أو قلعه والأصل ملك للبائع "لزمه سقيه" إن كان مما يسقى إلى أوان الجذاذ "قبل التخلية وبعدها" قدر ما ينميه ويقيه التلف؛ لأنه من تتمة التسليم الواجب فشرطه على المشتري مبطل للبيع، أما مع شرط قطع أو قلع فلا يجب سقي كما بحثه السبكي إلا إذا لم يتأت قطعه إلا في زمن طويل يحتاج فيه إلى السقي فيكلفه على الأوجه أخذا من تعليلهم المذكور وإن نظر فيه الأذرعي، وأما إذا لم يملك الأصل بأن باع الثمرة لمالك الشجرة فلا يجب أيضا لانقطاع العلق بينهما "ويتصرف مشتريه بعدها" أي: التخلية لحصول القبض بها كما مر مع بيان أن بيعها بعد أوان الجذاذ يتوقف القبض فيه على نقلها. "ولو عرض مهلك"، أو معيب "بعدها" من غير ترك سقي واجب "كبرد" بفتح الراء وإسكانها كما بخطه "فالجديد أنه من ضمان المشتري" لما تقرر من حصول القبض بها لخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالتصدق على من أصيب في ثمر اشتراه ولم يسقط ما لحقه من ثمنها، فخبره أنه أمر بوضع الجوائح إما محمول على الأولى، أو على ما قبل القبض جمعا بين الدليلين أما إذا عرض المهلك من ترك البائع للسقي الواجب عليه فهو من ضمانه، ولو كان مشتري الثمر مالك الشجر ضمنه جزما كما لو كان المهلك نحو سرقة، أو بعد أوان الجذاذ بزمن يعد التأخير فيه تضييعا، أما ما قبلها فمن ضمان البائع فإن تلف البعض انفسخ فيه فقط "فلو تعيب" الثمر المبيع منفردا من غير مالك الشجر "بترك البائع السقي" الواجب عليه بأن كان ما يسقى منه باقيا بخلاف ما إذا فقد "فله" أي: للمشتري "الخيار"؛ لأن التعيب الحادث بترك البائع ما لزمه كالسابق على القبض ومن ثم لو تلف به انفسخ العقد كما تقرر "ولو بيع قبل"، أو بعد بدو "صلاحه بشرط قطعه، ولم يقطع حتى هلك فأولى بكونه من ضمان المشتري" مما لم يشرط قطعه لتفريطه، ومن ثم قطع بعضهم بكونه من ضمانه، وقطع بعض آخر بكونه من ضمان البائع قال الأذرعي لا وجه له إذا أخر المشتري عنادا "ولو بيع ثمر"، أو زرع بعد بدو الصلاح، وهو مما يندر
 

 

ج / 2 ص -180-      اختلاطه، أو يتساوى فيه الأمران أو يجهل حاله صح بشرط القطع والإبقاء ومع الإطلاق، أو مما "يغلب تلاحقه واختلاط حادثة بالموجود" بحيث لا يتميزان "كتين وقثاء" وبطيخ "لم يصح إلا أن يشترط المشتري" يعني أحد العاقدين ويوافقه الآخر "قطع ثمره"، أو زرعه عند خوف الاختلاط فيصح البيع حينئذ لزوال المحذور فإن لم يتفق قطع حتى اختلط فكما في قوله "ولو حصل الاختلاط فيما يندر" فيه الاختلاط، أو فيما يتساوى فيه الأمران، أو جهل فيه الحال "فالأظهر أنه لا ينفسخ البيع" لبقاء عين المبيع وتسليمه ممكن بالطريق الآتي فزعم المقابل تعذره ممنوع، وإن صححه المصنف في بعض كتبه وأطال جمع متأخرون في أنه المذهب "بل يتخير المشتري" إذا وقع الاختلاط قبل التخلية؛ لأنه كعيب حدث قبل التسليم، ومنه يؤخذ اعتماد ما دل عليه كلام الرافعي أنه خيار عيب فيكون فوريا، ولا يتوقف على حاكم لصدق حد العيب السابق عليه فإنه بالاختلاط صار ناقص القيمة لعدم الرغبة فيه حينئذ وقال كثيرون: على التراخي ويتوقف على الحاكم؛ لأنه لقطع النزاع لا للعيب "فإن سمح" بفتح الميم "له البائع بما حدث" بهبة، أو إعراض ويملك به أيضا هنا بخلافه عن الفعل لتوقع عودها للبائع، وإن طالت المدة "سقط خياره في الأصح" لزوال المحذور، ولا أثر للمنة هنا؛ لأنها في ضمن عقد، وفي مقابلة عدم فسخه. وقضية كلامه كأصله والروضة وأصلها تخيير المشتري أولا حتى تجوز له المبادرة بالفسخ فإن بادر البائع وسمح سقط خياره قال في المطلب، وهو مخالف لنص الشافعي والأصحاب على أن الخيار للبائع أولا ورجحه السبكي وغيره ويوجه بأن الخيار مناف لوضع العقد فحيث أمكن الاستغناء عنه لم يصر إليه، ووجبت مشاورة البائع أولا لعله يسمح فيستمر العقد، ويجري ما ذكر في شراء زرع بشرط القطع، ولم يقطع حتى طال ونحو طعام، أو مائع اختلط بمثله بما لا يتميز عنه قبل القبض بخلاف نحو ثوب أو شاة بمثله فإن العقد ينفسخ فيه؛ لأنه متقوم فلا مثل له يؤخذ بدله أما لو وقع الاختلاط بعد التخلية فلا انفساخ أيضا، ولا خيار بل إن اتفقا على شيء فذاك، وإلا صدق المشتري؛ إذ اليد بعدها له في قدر حق الآخر، ولو اشترى شجرة عليها ثمر للبائع ففي وجوب شرط القطع عند خوف أو وقوع الاختلاط ما مر نعم إن تشاحا هنا فسخ العقد ويوجه بأن اليد للبائع على ثمرته وللمشتري على ما حدث فتعارضتا، ولا مرجح فلم يصدق أحدهما في قدر حق الآخر هنا فتعين انفساخ العقد بخلافه فيما مر.
تنبيه: ما ذكر في الزرع إذا طال هو ما جزم به غير واحد تبعا للمتولي قال؛ لأن زيادة الزرع زيادة قدر لا صفة فكانت حتى السنابل للبائع بخلاف ما لو شرط القلع فإن الزيادة للمشتري؛ لأنه ملك الكل ا هـ وهو وجيه مدركا لكن الذي يصرح به كلام الإمام وغيره أن الزيادة للمشتري في شرط القطع أيضا، ويؤيده قول الشيخين أن القطن الذي لا يبقى أكثر من سنة كالزرع فإذا باعه قبل خروج الجوزق، أو بعده وقبل تكامل القطن وجب شرط القطع ثم إن لم يقطع حتى خرج الجوزق فهو للمشتري لحدوثه على ملكه قال الأذرعي، وهذا هو المختار وإن نازع فيه ظاهر النص.

 

ج / 2 ص -181-      "ولا يصح بيع الحنطة في سنبلها بصافيه" من التبن "وهو المحاقلة" من الحقل بفتح فسكون جمع حقلة، وهي الساحة التي تزرع سميت محاقلة لتعلقها بزرع في حقل "ولا" بيع "الرطب على النخل بتمر، وهو المزابنة" من الزبن، وهو الدفع سميت بذلك لبنائها على التخمين الموجب للتدافع والتخاصم وذلك لنهيه صلى الله عليه وسلم عنهما رواه الشيخان وفسرا في رواية بما ذكر، ووجه فسادهما ما فيهما من الربا مع عدم الرؤية في الأولى، ومن ثم لو باع زرعا غير ربوي بحب، أو برا صافيا بشعير وتقابضا في المجلس جاز؛ إذ لا ربا وصرح بهذين لتسميتهما بما ذكر، وإلا فقد علما مما مر في الربا وتوطئة لقوله "ويرخص في" بيع "العرايا" جمع عرية، وهي ما يفرد للأكل لعروها عن حكم باقي البستان "وهو" أي: بيعها المفهوم من السياق كما قدرته "بيع الرطب" وألحق به الماوردي وغيره البسر؛ لأن الحاجة إليه كهي إلى الرطب "على النخل بتمر" لا رطب "في الأرض، أو" بيع "العنب" وإلحاق الحصرم به الذي زعمه شارح قياسا على البسر غلط كما قاله الأذرعي لبدو صلاح البسر وتناهي كبره فالخرص يدخله بخلاف الحصرم فيهما ونقل الإسنوي له عن الماوردي مردود بأن الصواب عنه البسر فقط "في الشجر بزبيب" لخبر الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر أي: بالمثلثة، وهو الرطب بالتمر أي بالفوقية ورخص في بيع العرية أن تباع بخرصها. أي: بالفتح ويجوز الكسر مخروصها يأكلها أهلها رطبا وقيس به العنب بجامع أنه زكوي يمكن خرصه ويدخر يابسه، وزعم أن فيه نصا باطل ومنع القياس في الرخص ضعيف، وذكر الأرض للغالب لصحة بيع ذلك بتمر، أو زبيب بالشجر كيلا لا خرصا وأخذ شارح بمفهومه فقال وأفهم كلامه الامتناع إذا كان كل من الرطب، أو التمر على الشجر أو الأرض، وهو كذلك ا هـ وإنما يجوز بيع العرايا في تمر لم تتعلق به زكاة كأن خرص عليه وضمن، أو كان دون النصاب، أو مملوكا لكافر و "فيما دون خمسة أوسق" بتقدير جفافه المراد بخرصها السابق في الحديث بمثله تمرا مكيلا يقينا لخبرهما أيضا: رخص في بيع العرايا في خمسة أوسق، أو دون خمسة أوسق. ودونها جائز يقينا فأخذنا به؛ لأنها للشك مع أصل التحريم وأفهم الدون إجزاء أي نقص كان والأصح أنه لا بد من نقص قدر يزيد على ما يقع به التفاوت بين الكيلين غالبا كمد فلو بيع رطب، وهو دون ذلك باعتبار الخرص لم يجب انتظار تتمره؛ لأن الغالب مطابقة الخرص للجفاف فإن تتمر وظهر فيه التفاوت أكثر مما يقع بين الكيلين بان بطلان العقد. ومحل البطلان فيما فوق الدون المذكور إن كان في صفقة واحدة "و" أما "لو زاد" عليه "في صفقتين" وكل منهما دون الخمسة فلا بطلان وإنما "جاز" ذلك؛ لأن كلا عقد مستقل، وهو دون الخمسة وتتعدد الصفقة هنا بما مر فلو باع ثلاثة لثلاثة كانت في حكم تسعة عقود "ويشترط التقابض" في المجلس؛ لأنه بيع مطعوم بمثله ويحصل "بتسليم التمر"، أو الزبيب إلى البائع، أو تسلمه له "كيلا"؛ لأنه منقول، وقد بيع مقدرا فاشترط فيه ذلك كما مر في مبحث القبض "والتخلية في النخل" الذي عليه الرطب، أو الكرم الذي عليه العنب وإن لم يكن النخل بمجلس العقد لكن لا بد من بقائهما فيه حتى يمضي زمن الوصول إليه؛ لأن قبضه إنما يحصل حينئذ فإن قلت هذا

 

ج / 2 ص -182-      ينافيه ما مر في الربا أنه لا بد فيه من القبض الحقيقي قلت ممنوع بل هذا في غير المنقول، وهو قبضه الحقيقي وما وقع في أصل الروضة مما يوهم اشتراط حضورهما عند النخل غير مراد وذلك؛ لأن غرض الرخصة بقاء التفكه بأخذ الرطب شيئا فشيئا إلى الجذاذ فلو شرط في قبضه كيله فات ذلك "والأظهر أنه" أي: البيع المماثل لما ذكر "لا يجوز في سائر الثمار" لتعذر خرصها باستتارها غالبا، وبه فارقت العنب "وأنه" أي: بيع العرايا "لا يختص بالفقراء"، وإن كانوا هم سبب الرخصة لشكايتهم له صلى الله عليه وسلم أنهم لا يجدون شيئا يشترون به الرطب إلا التمر؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وبأن ذلك حكمة المشروعية، ثم قد يعم الحكم كالرمل والاضطباع وهم هنا من لا نقد بأيديهم.
 

باب اختلاف المتبايعين
ذكرا لأن الكلام في البيع الأغلب من غيره، وإلا فكل عقد معاوضة، ولو غير محضة وقع الاختلاف في كيفيته كذلك وأصل الباب الحديث الصحيح
"إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة فهو ما يقول رب السلعة أو يتتاركا" أي: يترك كل ما يدعيه وذلك إنما يكون بالفسخ وأو هنا بمعنى إلا وتقدير لام الجزم بعيد من السياق كما هو ظاهر وصح أيضا أنه صلى الله عليه وسلم أمر البائع أن يحلف، ثم يتخير المبتاع إن شاء أخذ وإن شاء ترك. ويأتي خبر "اليمين على المدعى عليه" المأخوذ منه التحالف.
"إذا اتفقا" أي: العاقدان ولو وكيلين، أو قنين أذن لهما سيداهما كما هو ظاهر، أو وليين، أو مختلفين ويأتي أن وارثيهما مثلهما. ومثلهما أيضا موكلاهما "على صحة البيع"، أو ثبتت باليمين كبعتك بألف فقال بل بخمسمائة وزق خمر فإذا حلف البائع على نفي الخمر تحالفا "ثم إذا اختلفا في كيفيته كقدر الثمن" وكان ما يدعيه البائع، أو وكيله أكثر أخذا مما يأتي في الصداق بل غير الولي والوكيل هنا كذلك كما هو ظاهر فيشترط أن يكون مدعى المشتري مثلا في المبيع أكثر والبائع مثلا في الثمن أكثر، وإلا فلا فائدة في التحالف "أو صفته"، أو جنسه، أو نوعه كذهب أو فضة، وكذهب كذا وكذا، وكصحيح أو مكسر، ومنه اختلافهما في شرط نحو رهن، أو كفالة، أو كونه كاتبا وقد يشمل ذلك كله قوله: صفته نعم إن اختلفا في العقد هل هو قبل التأبير، أو الولادة أو بعد أحدهما لم يتحالفا وإن رجع الاختلاف إلى قدر المبيع؛ لأن ما وقع الاختلاف فيه من الحمل والثمرة تابع لا يصح إيراد العقد عليه فصدق البائع فيه بيمينه؛ إذ الأصل بقاء ملكه، ومن ثم لو زعم المشتري أن البيع قبل الاطلاع أو الحمل صدق على الأوجه؛ لأن الأصل حينئذ عدمه عند البيع "أو الأجل" كأن ادعاه المشتري وأنكره البائع "أو قدره" كيوم، أو يومين "أو قدر المبيع" كصاع من هذا بدرهم فيقول بل صاعين منه به، ولو اشترى ثوبا على أنه عشرون ذراعا ثم قال البائع أردنا ذراع اليد وقال المشتري بل ذراع الحديد فإن غلب أحدهما عمل به أخذا مما مر في النقد، وإن استويا في الغلبة بطل العقد لما مر أن النية هنا لا تكفي، وإن اتفقا عليها، فإن اختلفا في

 

ج / 2 ص -183-      شرط ذلك اتجه التحالف، ووقع لبعضهم خلاف ما ذكرته فاحذره. ثم رأيت الجلال البلقيني ذكر بحثا ما يوافق ما ذكرته حيث قال ما حاصله إطلاق الذراع ببلد الغالب فيها ذراع الحديد ينزل عليه فإن اختلفا في إرادته وإرادة ذراع اليد، أو العمل صدق مدعي ذراع الحديد؛ لأنه الغالب، ولا تحالف؛ لأن دعوى الآخر مخالفة للظاهر فلم يلتفت إليها فإن انتفت غلبة أحدهما وجب التعيين، وإلا فسد العقد ا هـ. وقال في موضع آخر لو قال المشتري أردنا ذراع الحديد والبائع أردنا ذراع اليد لم يكن اختلافا في قدر المبيع؛ لأنه معين فلا تحالف وإنما هذا كما إذا باع أرضا على أنها مائة فخرجت ناقصة فيتخير المشتري كالعيب فإن أجاز فبكل الثمن ا هـ المقصود منه، وفيه نظر ظاهر والفرق بينه وبين ما نظر به أنهما ثم متفقان على شرط المائة ثم النقص عنها المنزل منزلة العيب فجاء التخيير، وأما هنا فهما مختلفان في أن المبيع عشرون بالحديد، أو باليد فلم يتفقا على شيء فكان مجهولا فبطل العقد. ولا ينافي ما ذكرته وذكره قول الماوردي والصيمري في السلم يشترط في المذروع أن يكون بذراع الحديد فإن شرط بذراع اليد لم يجز؛ لأنه مختلف ا هـ؛ لأن محل ما قالاه فيما في الذمة وما هنا في المعين وبفرض كونه في الذمة فمحله كما أفهمه التعليل في مختلف أما إذا علم بأن عين وعلم قدره فيصح كما في تعيين مكيال متعارف "ولا بينة" لأحدهما يعتد بها فشمل ما لو كان لكل بينة وتعارضتا لإطلاقهما، أو إطلاق إحداهما فقط، أو لكونهما أرختا بتاريخين متفقين وقد لزم العقد وبقي إلى حالة التنازع "تحالفا" لما في الخبر الصحيح "أن اليمين على المدعى عليه". وكل منهما مدع ومدعى عليه، وقد يشكل عليه الخبران السابقان إلا أن يجاب بأنه عرف من هذا الحديث زيادة عليهما هي حلف المشتري أيضا فأخذنا بها، وخرج باتفقا إلخ اختلافهما في الصحة أو العقد هل هو بيع أو هبة فلا تحالف كما يأتي وبقوله ولا بينة ما لو كان لأحدهما بينة فإنه يقضى له بها، أو لهما بينتان مؤرختان بتاريخين مختلفين فإنه يقضى بالأولى ويلزم ما لو اختلفا مع بقاء الخيار فلا تحالف على ما نقلاه وأقراه لإمكان الفسخ بغيره لكن الجمهور كما أفهمه كلامهما على أنه لا فرق، واعتمده جمع متأخرون كما أطبقوا على التحالف في القراض والجعالة مع جوازهما من الجانبين والكتابة مع جوازها من جانب القن ويبقى ما لو اختلفا في الثمن أو المبيع بعد القبض مع الإقالة أو التلف الذي ينفسخ به العقد فلا تحالف بل يحلف مدعي النقص؛ لأنه غارم وأورد على الضابط اختلافهما في عين المبيع والثمن معا كبعتك هذا العبد بهذه المائة الدرهم فيقول بل هذه الجارية بهذه العشرة الدنانير فلا تحالف جزما؛ إذ لم يتواردا على شيء واحد مع أنهما اتفقا على بيع صحيح واختلفا في كيفيته فيحلف كل على نفي ما ادعى عليه على الأصل، ولا فسخ. ولو اختلفا في عين المبيع، أو الثمن فقط تحالفا، أو في عين المبيع والثمن في الذمة واتفقا على صفته وقدره، أو اختلفا في أحدهما ويظهر أن مثل ذلك عكسه بأن يختلفا في عين الثمن والمبيع في الذمة تحالفا على المنقول المعتمد خلافا لقول الإسنوي ومن تبعه لا تحالف بل يحلف كل على نفي ما ادعى عليه، ولا فسخ فإن أقام البائع بينة أنه العبد والمشتري بينة أنه الأمة لم يتعارضا؛ لأن كلا أثبت

 

ج / 2 ص -184-      عقدا لا يقتضي نفي غيره فتسلم الأمة للمشتري ويقر العبد بيده إن كان قبضه، وله التصرف فيه ظاهرا بما شاء للضرورة نعم ليس له الوطء لو كان أمة احتياطا أما باطنا فالمدار فيه على الصدق وعدمه، وإلا جعل عند القاضي حتى يدعيه المشتري وينفق عليه حيث لم ير بيعه أصلح من كسبه إن كان، وإلا باعه وحفظ ثمنه إن رآه وما في الأنوار من تخريج هذا على من أقر لغيره بمال، وهو ينكره فيه نظر؛ لأن هذا ليس من ذاك؛ لأن إقرار البائع هنا بشراء الغير لملكه بمال يلزمه له فهو إقرار على الغير لا له، أما على التحالف فمحله حيث لم يختلف تاريخ البينتين، وإلا حكم بمقدمة التاريخ "فيحلف كل" منهما "على نفي قول صاحبه وإثبات قوله" لما مر أن كلا مدع ومدعى عليه فينفي ما يذكره غريمه ويثبت ما يدعيه هو ومعلوم أن الوارث يحلف في الإثبات على البت، وفي النفي على نفي العلم كما ذكروه في الصداق. "ويبدأ بالبائع"؛ لأن جانبه أقوى بعود المبيع الذي هو المقصود بالذات إليه بالفسخ الناشئ عن التحالف ولأن ملكه قد تم على الثمن بالعقد وملك المشتري لا يتم على المبيع إلا بالقبض؛ لأن الصورة أن المبيع معين والثمن في الذمة، ومن ثم بدئ بالمشتري في عكس ذلك؛ لأنه أقوى حينئذ ويخير الحاكم بالبداءة بأيهما أداه إليه اجتهاده فيما إذا كانا معينين، أو في الذمة "وفي قول بالمشتري" لقوة جانبه بالمبيع "وفي قول يتساويان"؛ لأن كلا مدع ومدعى عليه، وعليه "فيتخير الحاكم" فيمن يبدأ به منهما "وقيل يقرع" بينهما فمن قرع بدأ به والخلاف في الندب لحصول المقصود بكل تقدير "والصحيح أنه يكفي كل واحد" منهما "يمين تجمع نفيا وإثباتا" لاتحاد الدعوى ومنفي كل في ضمن مثبته، وينبغي ندب يمينين خروجا من الخلاف؛ لأن في مدركه قوة خلافا لما يوهمه المتن، ومن ثم اعترض بأنه كان ينبغي التعبير بالمذهب، وإشعار كلام المتن كالماوردي بمنع يمينين غير معول عليه "ويقدم النفي" ندبا؛ لأنه الأصل في اليمين؛ إذ حلف المدعي على إثبات قوله إنما هو لنحو قرينة لوث، أو نكول ولإفادة الإثبات بعده بخلاف العكس وإنما لم يكف الإثبات وحده، ولو مع الحصر كما بعت إلا بكذا؛ لأن الأيمان لا يكتفى فيها باللوازم بل لا بد من الصريح؛ لأن فيها نوع تعبد "فيقول البائع" إذا اختلفا في قدر الثمن والله "ما بعت بكذا ولقد"، أو إنما وحذفه من أصله لإيهامه اشتراط الحصر "بعت بكذا" ويقول المشتري والله ما اشتريت بكذا ولقد اشتريت بكذا، ولو نكل أحدهما عن النفي فقط، أو الإثبات فقط قضي للحالف، وإن نكلا معا وقف الأمر وكأنهما تركا الخصومة "وإذا تحالفا" عند الحاكم وألحق به المحكم فخرج تحالفهما بأنفسهما فلا يؤثر فسخا ولا لزوما "فالصحيح أن العقد لا ينفسخ" بنفس التحالف للخبر الثاني فإن تخييره فيه بعد الحلف صريح في عدم الانفساخ به ولأن البينة أقوى من اليمين، ولو أقام كل منهما بينة لم ينفسخ فالتحالف أولى "بل إن" أعرضا عن الخصومة أعرض عنهما، ولا يفسخ، وإن "تراضيا" على ما قاله أحدهما أقر العقد وينبغي للحاكم ندبهما للتوافق ما أمكن، ولو رضي أحدهما بدفع ما طلبه صاحبه أجبر الآخر عليه قال القاضي، وليس له الرجوع عن رضاه كما لو رضي بالعيب "وإلا" يتفقا على شيء ولا أعرضا عن الخصومة "فيفسخانه، أو أحدهما"؛ لأنه

 

ج / 2 ص -185-      فسخ لاستدراك الظلامة فأشبه الفسخ بالعيب "أو الحاكم" لقطع النزاع ثم فسخ القاضي والصادق منهما ينفذ ظاهرا وباطنا كما لو تقايلا وغيره ينفذ ظاهرا فقط ورجح ابن الرفعة أنه لا يجب هنا فور في الفسخ ويشكل عليه ما تقرر من إلحاقه بالعيب إلا أن يفرق بأن التأخير هنا لا يشعر بالرضا للاختلاف في وجود المقتضي بخلافه ثم ونازع الإسنوي في القياس على الإقالة الذي نقله الشيخان وأقراه بأن كلا لو قال ولو بحضرة صاحبه بعد البيع فسخته لم ينفسخ ولم يكن إقالة، وإنما تحصل الإقالة إن صدرت بإيجاب وقبول بشرط أن يكون المتأخر جوابا متصلا. ورد بأن تمكين كل بعد التحالف من الفسخ كتراضيهما به من غير سبب وقد مر أنه في معنى الإقالة فصح القياس.
تنبيه: ظاهر قوله بل إلخ أنه لو بادر أحدهما عقب التحالف بالفسخ لم ينفذ ويوافقه اشتراط غيره للفسخ إصرار أحدهما بعد التحالف على تنازعهما وقضية تعبير بعضهم بأن لهما الفسخ ما لم يتراضيا نفوذه، ويؤيده ما تقرر في أن الفسخ هنا كهو بالعيب، وفي رد كلام الإسنوي، وهو متجه، وعليه فقد يقال المتن لا ينافي هذا؛ لأنه يصدق مع تلك المبادرة أنهما لم يتراضيا على شيء وإذا جاز الفسخ فلكل الابتداء به كما أفهمته، أو، وبه صرح الرافعي ونازع فيه السبكي وكأنه أخذ نزاعه مما مر في الابتداء بأحدهما في التحالف ويفرق بأن التحالف هو السبب المجوز للفسخ فاختلف الغرض في الابتداء به بخلاف الفسخ المتفرع عليه.
"وقيل إنما يفسخه الحاكم"؛ لأنه مجتهد فيه كالفسخ بالعنة كذا قاله الرافعي وقضية تشبيهه له بالعنة أنه يأتي هنا ما يأتي فيها من اشتراط فسخه، أو الفسخ بحضرته وحينئذ فالحصر فيه تجوز وكأنهم إنما اقتصروا في الكتابة على فسخ الحاكم احتياطا لتسبب العتق المتشوف إليه الشارع "ثم" بعد الفسخ "على المشتري رد المبيع" وعلى البائع رد الثمن بزوائده المتصلة دون المنفصلة إن قبضه وبقي بحاله ولم يتعلق به حق لازم، وإن نفذ الفسخ ظاهرا فقط واستشكله السبكي بأن فيه حكما للظالم ثم أجاب بأن الظالم لما لم يتعين اغتفر ذلك ويؤخذ من أن على كل منهما رد ما قبضه أن عليه مؤنة الرد، وهو كذلك إذ القاعدة أن من كان ضامنا لعين كانت مؤنة ردها عليه "فإن كان" قد تلف شرعا كأن "وقفه" المشتري ومثله البائع في الثمن "أو أعتقه أو باعه، أو" حسا كأن "مات لزمه قيمته" لقيامها مقامه سواء أزادت على الثمن الذي يدعيه البائع أم لا هذا إن كان متقوما، وإلا فمثله وقول الماوردي قيمته؛ لأنه لم يضمنه وقت القبض بالمثل بل بالعوض أطال السبكي في تزييفه، ولو تلف بعضه رد الباقي وبدل التالف ويرد قيمة الآبق للحيلولة "وهي" أي: القيمة حيث وجبت "قيمة يوم" أي وقت "التلف" الشرعي، أو الحسي "في أظهر الأقوال" لا حين قبضه، ولا حين العقد؛ لأن مورد الفسخ العين والقيمة بدلها فتعين النظر لوقت فوات المبدل إذ الفسخ إنما يرفع العقد من حينه لا من أصله، وهو أولى بذلك من المستام والمعار قيل يحتاج للفرق بين هذا وما لو باع عينا فردت عليه بعيب، وقد تلف الثمن المتقوم بيد البائع فإنه يضمنه بالأقل من العقد إلى القبض ا هـ. وكالرد

 

ج / 2 ص -186-      بالعيب ثم مطلق الفسخ بإقالة، أو نحوها وكالثمن ثم المبيع لو تلف عند المشتري ففيهما يعتبر الأقل المذكور لا قيمة يوم التلف ويفرق بأن سبب الفسخ هنا حلف العاقد فنزل منزلة إتلافه فتعين النظر ليوم التلف، وثم الموجب للقيمة هو مجرد ارتفاع العقد من غير نظر لفعل أحد فتعين النظر لقضية العقد وما بعده إلى القبض وعجيب من الرافعي كيف أغفل هذا الفرق مع خفائه ودقته وتعرض لما هو واضح، وهو الفرق بين اعتبار القيمة هنا بما ذكر وبالأقل فيما مر بالنسبة للأرش بأن النظر إليها ثم لا لتغرم بل ليعرف بها الأرش، وهنا لتغرم فاعتبر وقت وجوبها؛ لأنه الأليق "وإن تعيب رده مع أرشه"، وهو ما نقص من قيمته؛ لأن كل ما ضمن بها ضمن بعضه ببعضها إلا في نحو خمس صور على ما فيها منها الزكاة المعجلة والصداق، ولو رهنه، أو كاتبه كتابة صحيحة خير البائع بين أخذ قيمته للفيصولة بخلاف ما مر في الإباق؛ لأنه لا يمنع تملك المبيع بخلاف الرهن والكتابة فأشبها البيع وانتظار فكاكه وإنما لم يخير الزوج في نظيره من الصداق؛ لأن جبر كسره لها بالطلاق اقتضى إجباره على أخذ البدل حالا، أو آجره فله أخذه لكن لا ينتزعه إلا بعد المدة، وله أجرة مثل باقيها والمسمى للمشتري، أو دبره لم يمنع رجوعه أخذا من أنه لا يمنع الرجوع في الفلس "واختلاف ورثتهما كهما" أي: كاختلافهما فيما مر فيحلف الوارث لقيامه مقام المورث، وكذا اختلاف أحدهما ووارث الآخر، أو وكيله، أو وليه كما مر "ولو قال بعتكه بكذا فقال بل وهبتنيه فلا تحالف"؛ لأنهما لم يتفقا على عقد واحد "بل يحلف كل على نفي دعوى الآخر" كسائر الدعاوى، وهذا، وإن علم مما قدمه لكنه ذكره توطئة لرد الزوائد الخفي المشكل فقال "فإذا حلفا رده" وجوبا "مدعي الهبة بزوائده" المتصلة والمنفصلة فإن فاتت غرمها؛ لأنه لا ملك له واستشكلت المنفصلة باتفاقهما على حدوثها بملكه وقد يثبت الفرع دون الأصل وأجاب عنه الزركشي بأن دعوى الهبة وإثباتها لا يستلزم الملك لتوقفه على القبض بالإذن، ولم يوجد، وفيه نظر لتأتي ذلك فيما لو ادعى الهبة والقبض فالوجه الجواب بأنه ثبت بيمين كل أن لا عقد فعمل بأصل بقاء الزوائد بملك مالك العين نعم في الأنوار لا أجرة له أي: عملا باتفاقهما أنه إنما استعمل ملكه وكان الفرق أنه يغتفر في المنافع ما لا يغتفر في الأعيان لما مر أن البائع قبل القبض يضمن الزوائد دون المنافع ويجري ذلك فيما لو قال لآخر دابتي تحت يدك ببيع فأنكر وحلف فلا أجرة له عليه لاعترافه بأنها ملكه ونظير ذلك ما لو طالبه بائعه بالثمن فقال المبيع لزوجتك فله أخذه منه ثم لها انتزاع المبيع منه لإقراره، ولا رجوع له بالثمن على البائع؛ لأنه بشرائه منه مصدق له، ولو قال نعم لها لكنها وكلتني أجبر المشتري على دفع الثمن إليه؛ لأنه بشرائه منه مقر بصحة قبضه قاله القاضي قال الغزي والقياس أن للمشتري إجبار البائع على إثبات وكالته على القبض منه، ولو اشترى شجرا واستغله سنين ثم طالبه بائعه بالثمن فأنكر الشراء حلف عليه كما هو القاعدة ثم رد المبيع، ولا يغرمه البائع ما استغله؛ لأنه يزعم أنه استغل ملكه من غير أن يوجد رافع لزعمه، وبه فارق مسألة المتن وإنما يدعي عليه الثمن وقد تعذر يحلف المشتري فللبائع حينئذ فسخ البيع الذي اعترف به.

 

ج / 2 ص -187-      "ولو ادعى" أحد العاقدين "صحة البيع"، أو غيره من العقود "و" ادعى "الآخر فساده" باختلال ركن، أو شرط على المعتمد كأن ادعى أحدهما رؤيته وأنكرها الآخر على المعتمد أيضا "فالأصح تصديق مدعي الصحة بيمينه" غالبا؛ لأن الظاهر في العقود الصحة وأصل عدم العقد الصحيح يعارضه أصل عدم الفساد في الجملة، ولو أقر بالرؤية لم تقبل دعواه عدمها للتحليف؛ لأنه لم يعتد فيها إقرار على رسم القالة ويستحيل شرعا تأخرها عن العقد كما لو أقر بإتلاف مال ثم قال إنما أقررت به لعزمي عليه بخلافه بنحو القبض؛ لأنه اعتيد فيه التأخير عن العقد، ومن غير الغالب ما لو باع ذراعا من أرض معلومة الذرع ثم ادعى إرادة ذراع معين ليفسد البيع وادعى المشتري شيوعه فيصدق البائع بيمينه لأن ذلك لا يعلم إلا منه وما لو زعم أحد متصالحين وقوع صلحهما على إنكار فيصدق بيمينه أيضا؛ لأنه الغالب أي مع قوة الخلاف فيه وزيادة شيوعه ووقوعه. وبه يندفع إيراد صور الغالب فيها وقوع المفسد المدعى ومع ذلك صدقوا مدعي الصحة فيها وما لو زعم أنه عقد، وبه نحو صبا أمكن، أو جنون، أو حجر وعرف له ذلك فيصدق فيما عدا النكاح بيمينه أيضا وإن سبق إقراره بضده لوقوعه حال نقصه كذا قيل، ورد بقول البيان لو أقر بالاحتلام لم يقبل رجوعه عنه ويؤخذ من ذلك أن من وهب في مرضه شيئا فادعت ورثته غيبة عقله حال الهبة لم يقبلوا إلا إن علم له غيبة قبل الهبة وادعوا استمرارها إليها وجزم بعضهم بأنه لا بد في البينة بغيبة العقل إن تبين ما غاب به أي: لئلا تكون غيبته بما يؤاخذ به كسكر تعدى به وما لو اشترى نحو مغصوب وقال كنت أظن القدرة فبان عجزي فيصدق بيمينه لاعتضاده بالغصب وما لو ادعت أن نكاحها بلا ولي، ولا شهود فتصدق بيمينها؛ لأن ذلك إنكار لأصل العقد، ومن ثم يصدق منكر أصل نحو البيع، ولو أتى المشتري بخمر، أو بما فيه فأرة وقال قبضته كذلك فأنكر المقبض صدق بيمينه، ولو فرغه في ظرف المشتري فظهرت فيه فأرة فادعى كل أنها من عند الآخر صدق البائع بيمينه إن أمكن صدقه؛ لأنه مدع للصحة ولأن الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن والأصل أيضا براءة البائع كما في نظيره من السلم إذا اختلفا هل قبض المسلم إليه رأس ماله قبل التفرق، أو بعده فإن أقاما بينتين في المسألتين قدمت بينة مدعي الصحة وقول ابن أبي عصرون إن كان مال كل بيده حلف المنكر، وإلا فصاحبه ضعيف ويجري هذا في الاختلاف في قبض العوضين في الربا قبل التفرق، أو بعده "ولو اشترى عبدا" معينا "فجاء بعبد معيب" مثلا "ليرده فقال البائع ليس هذا المبيع صدق البائع" بيمينه؛ لأن الأصل السلامة وبقاء العقد "وفي مثله في" البيع في الذمة و "والسلم" بأن قبض المشتري، أو المسلم المؤدى عما في الذمة ثم أتى بمعيب ليرده فقال البائع، أو المسلم إليه ليس هذا المقبوض "يصدق" المشتري و "المسلم" بيمينه "في الأصح" أنه المقبوض لأصل بقاء شغل ذمة البائع والمسلم إليه حتى يوجد قبض صحيح ومثل ذلك في الثمن فيحلف المشتري في المعين والبائع فيما في الذمة.

 

ج / 2 ص -188-      باب في معاملة الرقيق
وذكره هنا تبعا للشافعي رضي الله عنه أولى من تقديمه على الاختلاف الواقع للحاوي كالرافعي؛ لأنه تبع للحر فأخرت أحكامه عن جميع أحكامه ولو تأتى فيها بعضها، وإن أمكن توجيه ذلك بأن فيه إشارة لجريان التحالف في الرقيقين كما قدمته، ومن تعقيبه للقراض الواقع في التنبيه؛ لأنه، وإن أشبهه في أن كلا فيه تحصيل ربح بإذن في تصرف لكنه إنما يتضح على الضعيف أن إذن السيد لقنه توكيل والأصح أنه استخدام، ومن ثم لم يحتج لقبوله بل لم يؤثر رده فيما يظهر، وتصرفه إما غير نافذ ولو مع الإذن كالولاية والشهادة وإما نافذ، ولو بلا إذن كالعبادة والطلاق ولو بمال، وإما نافذ بالإذن كالتصرفات المالية لا بغيره كما قال.
"العبد" يعني القن، أو جرى على رأي ابن حزم أنه يشمل الأمة "إن لم يؤذن له في التجارة"، أو التصرف "لا يصح شراؤه" اقتصر عليه؛ لأن الكلام فيه وإلا فكل تصرف مالي كذلك، ولو في الذمة "بغير إذن سيده" الكامل فيه "في الأصح" للحجر عليه لحق سيده، ولو اشترى بعين ماله بطل جزما.
تنبيه: تبين بقولي فيه أنه إنما احتاج لقوله بغير إذن سيده مع قوله لم يؤذن له في التجارة؛ لأن من لم يؤذن له فيها تحته قسمان من اشترى، ولم يؤذن له في خصوص الشراء فلا يصح وقيل يصح إن كان في الذمة ومن اشترى وأذن له في خصوص الشراء فيصح بلا خلاف وأنه لو حذف بغير إذن سيده لشمل الثاني؛ لأنه يصدق عليه أنه لم يؤذن له في التجارة فإن قلت هذا تطويل بلا فائدة؛ إذ لو حذف إن لم يؤذن له في التجارة استغنى عنه قلت مثل هذا لا يعترض به المنهاج على أن ضرورة التقسيم أحوجته إليه أما سيده المحجور عليه فيصح تصرفه بإذن وليه وتشترط أمانته إن دفع له مالا للسيد قال الأذرعي وغيره بحثا، وقد يصح تصرفه بغير إذن كأن امتنع سيده من إنفاقه أو تعذرت مراجعته، ولم يمكنه مراجعة الحاكم فيصح شراؤه وما تمس حاجته إليه، وكذا لو بعثه في شغل لبلد بعيد، أو أذن له في حج، أو غزو، ولم يتعرض لإذنه له في الشراء وشراء المبعض في نوبته صحيح، وكذا في غيرها إن قصد نفسه على الأوجه.
"ويسترده" أي: ما اشتراه بلا إذن "البائع سواء كان" فيه حذف همزة التسوية، وهو جائز، وقد قرئ
{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ} [البقرة: 6] بحذفها "في يد العبد، أو" وضعها موضع أم في نحو هذا جائز كما حكاه الجوهري وغيره "سيده"، أو غيرهما؛ لأنه باق على ملكه، ولو أدى الثمن من مال سيده استرد أيضا  "فإن تلف في يده" أي: العبد وبائعه رشيد "تعلق الضمان بذمته" وإن رآه معه سيده وأقره فيتبع به بعد العتق لا قبله لثبوته برضا صاحبه من غير إذن السيد؛ إذ القاعدة أن ما لزمه بغير رضا مستحقه كتلف بغصب يتعلق برقبته فقط أو برضاه مع إذن السيد يتعلق بذمته وكسبه وما بيده، ولا يلزمه الكسب إلا إن عصى نظير ما يأتي في

 

ج / 2 ص -189-      المفلس أو لا معه يتعلق بذمته فقط وفارق ما هنا ضمان السيد بإقراره له على ما التقطه كما يأتي بتفصيله في بابه؛ لأن المالك ثم لما لم يأذن كان السيد مقصرا بسكوته عليه "أو" تلف "في يد السيد فللبائع تضمينه، وله مطالبة العبد" لوضع كل منهما يده عليه بغير حق لكن إنما يطالب العبد "بعد العتق"، ولو لبعضه؛ لأنه لا مال له قبل ذلك "واقتراضه" وغيره من سائر تصرفاته المالية "كشرائه" في عدم صحته منه بغير إذن كما مر "وإن أذن له" بالبناء للمفعول؛ لأنه قسيم إن لم يؤذن له "في التجارة" من السيد الكامل، أو وليه "تصرف" إجماعا لكن إن صح تصرف لنفسه لو كان حرا بأن يكون مكلفا رشيدا، أو سفيها مهملا وإن لم يدفع إليه مالا بأن قال له اتجر في ذمتك، نعم ما مر جوازه له لحاجة لا يشترط فيه ذلك لجوازه للسفيه، فإن قلت قضية ما مر أنه استخدام عدم اشتراط رشده قلت ممنوع؛ لأنه ليس استخداما مقتصرا أثره على السيد بل متعديا لغيره فشرط فيه مع ذلك الرشد رعاية لمصلحة معامليه وقضيته أنه لا يشترط رشده في شرائه نفسه من سيده والأوجه اشتراطه وإن كان عقد عتاقه؛ لأنه يعطى حكم البيع في أكثر أحكامه، وإذا أذن له سيده لزمه أن لا يتصرف إلا "بحسب الإذن" بفتح السين أي: بقدره "فإن أذن له في نوع"، أو زمن، أو محل "لم يتجاوزه" كالوكيل ولأنه قد يعرف نجحه في شيء دون شيء نعم يستفيد بالإذن له في التجارة ما هو من توابعها كنشر وطي ورد بعيب ومخاصمة في العهدة أي الناشئة عن المعاملة فلا يخاصم نحو غاصب وسارق لا نحو اقتراضه وتوكيله أجنبيا ولو دفع له مالا يتصرف في عينه، وفي الذمة لا في أزيد منه إلا إن قال اجعله رأس مال وأفهمت إن الموضوعة لجواز وقوع شرطها وعدمه بخلاف إذا صحة الإذن وإن لم يعين له نوعا، ولا غيره "وليس له" بالإذن في التجارة "النكاح" كعكسه؛ لأن اسم كل منهما غير متناول للآخر "ولا يؤجر" بالإذن له في التجارة إلا نحو عبيدها لا "نفسه"، ولا يتصرف فيها رقبة ومنفعة ككسبه بشيء؛ لأنها لا تتناول ذلك نعم إن نص له على شيء فعله، أو تعلق بكسبه نحو نكاح، أو ضمان بإذن جاز له إجارة نفسه فيه لاستلزام إذنه في سببه الإذن فيه، ولا يتوكل عن غيره فيما فيه عهدة كبيع لا كقبول نكاح إلا بإذن سيده، وله التصرف في عبيد التجارة "و" لكن "لا يأذن لعبده" أضيف إليه لجواز تصرفه فيه "في التجارة"؛ لأن السيد لم يرفع الحجر إلا عنه فقط، وخرج بها إذنه له في تصرف معين فيجوز "ولا" يجوز له أن يتبرع بشيء مطلقا فلا "يتصدق"، ولو بشيء من قوته على الأوجه، ولا يهب، ولا ينفق على نفسه من مالها إلا إن تعذرت مراجعة السيد على الأوجه فيراجع الحاكم إن سهل بخلاف ما إذا شق فيما يظهر، ولا يبيع نسيئة، ولا بدون ثمن المثل، ولا يسلم المبيع قبل قبض ثمنه، ولا يسافر بمالها إلا بإذن نعم له الشراء نسيئة، ولو قال له اتجر بجاهك جاز له البيع والشراء، ولو في الذمة بالأجل والرهن والارتهان ثم ما فضل بيده مما ربحه كالذي دفعه له السيد قال الزركشي عن النص وشرط ذلك أن يحد له حدا كاشتر من دينار إلى مائة ا هـ. وفيه نظر؛ لأنه لا ضرر عليه في الإطلاق المؤذن برضاه بما يحدث عن ذلك، ولا يتمكن من عزل نفسه؛ لأن المغلب في الإذن له الاستخدام لا

 

ج / 2 ص -190-      التوكيل، ولا من شراء من يعتق على سيده إلا بإذنه ويعتق حيث لا دين، وكذا إن كان والسيد موسر كالمرهون ومن له مالكان مثلا تتوقف صحة تصرفه على إذنهما نعم إن كان بينهما مهايأة كفى إذن صاحب النوبة.
"ولا يعامل سيده"، ولا مأذونا لسيده ببيع، أو غيره؛ لأن تصرفه له بخلاف المكاتب  "ولا ينعزل بإباقه"؛ لأنه معصية لا توجب الحجر، وله حيث لم يتقيد الإذن بغير ما أبق إليه التصرف فيه ولو باعه، أو أعتقه انعزل "ولا يصير" العبد "مأذونا له بسكوت سيده على تصرفه"؛ إذ لا ينسب لساكت قول، نعم إن باع المأذون مع ماله لم يشترط تجديد إذن من المشتري وظاهر أن الصورة أنه عالم بأنه المأذون له ويوجه ذلك بأن شراءه مع ما في يده وعلمه بحاله ثم عدم منعه قرينة ظاهرة برضاه بتصرفه وانعزاله على البائع بالبيع لا يؤثر في ذلك لاختلاف الملحظين كما هو واضح مما قررته، ولا بقوله لا أمنعك من التصرف؛ لأن عدم المنع أعم من الإذن، ولا قرينة "ويقبل إقراره" أي: المأذون "بديون المعاملة" لقدرته على الإنشاء ويؤدي مما يأتي وأعاد هذه في الإقرار لكن لضرورة تقسيم ويقبل ممن أحاطت به الديون في شيء بيده أنه عارية.
"ومن عرف رق عبد" فيه دور لتوقف علم الرق على علم كونه عبدا وعكسه إلا أن يريد بالعبد الإنسان كما هو مفهومه لغة وكان حكمة ذكره لهذا الإشارة إلى أنه لا يكتفى بقرينة كونه على زي العبيد وتصرفاتهم ومن هنا كان الأصح جواز معاملة من لم يعرف رقه، ولا حريته كمن لم يعرف رشده ومفهومه إلا الغريب فيجوز جزما للحاجة "لم يعامله" أي: لم تجز له معاملته بعين، ولا دين لأصل عدم الإذن "حتى يعلم الإذن" أي: يظنه "بسماع سيده أو بينة" والمراد بها إخبار عدلين، وإن لم تكن عند حاكم، وكذا رجل وامرأتان أخذا مما يأتي في قسم الصدقات بل يتجه وفاقا للسبكي وغيره وكلام ابن الرفعة بعد أن أبدى فيه ثلاث احتمالات يقتضيه الاكتفاء بواحد كما في الشفعة؛ لأن المدار هنا على الظن، وقد وجد، ومن ثم لم يبعد الاكتفاء بفاسق اعتقد صدقه "أو شيوع بين الناس" حفظا لما له ويظهر أنه لا يشترط وصوله لحد الاستفاضة الآتي في الشهادات لما تقرر أن المدار على الظن "وفي الشيوع وجه" أنه لا يكفي لتيقن الحجر، ويرد بأن البينة لا تفيد غير الظن فكذا الشيوع وكون الشارع نزل الشهادة منزلة اليقين محله في شهادة عند الحاكم لا في مجرد الإخبار المكتفى به هنا ولعامله أن لا يسلم إليه المال حتى يثبت الإذن، وإن صدقه فيه كالوكيل "ولا يكفي في"  جواز المعاملة "قول العبد" إنه مأذون له، وإن ظننا صدقه خلافا لابن عجيل لاتهامه مع أنه لا يد له، وبه فارق الاكتفاء بقول مريد تصرف وكلني فلان فيه بل، وإن لم يقل شيئا بناء على ظاهر الحال أن له يدا، وأما قوله: حجر علي فيكفي، وإن أنكر السيد؛ لأنه العاقد والعقد باطل بزعمه ويفرق بينه وبين عدم نفوذ عزله لنفسه بما مر أنه مستخدم لا وكيل والحجر مبطل فيهما فإذا ادعاه العاقد عومل بقضيته بخلاف العزل بالنسبة للأول على أن مجرد إنكار السيد لا يستلزم الإذن، ومن ثم لو قال كنت أذنت له وأنا باق جازت معاملته وإن أنكر وكقوله

 

ج / 2 ص -191-      ذلك سماع الإذن له منه فلا يفيد إنكار القن مع ذلك بخلاف ادعائه الحجر ويفرق بأنه رافع لما مر من الإذن بخلاف مجرد إنكاره الإذن، ولا تسمع دعوى قن على سيده أنه أذن له في التجارة إذا لم يشتر شيئا فإن اشترى شيئا فطلب البائع ثمنه فأنكر السيد الإذن فله تحليفه فإذا حلف فللقن أن يدعي على سيده مرة أخرى رجاء أن يقر فيسقط الثمن عن ذمته. "فإن باع مأذون" له في التجارة "وقبض الثمن فتلف في يده"، أو غيرها "فخرجت السلعة مستحقة رجع المشتري ببدلها"، وهو الثمن المذكور أي: مثله في المثلي وقيمته في المتقوم فساوى قول أصله ببدله أي: الثمن على أنه في نسخ لكن المحكي عن خطه الأول، وليس بسهو خلافا لمن زعمه "على العبد"؛ لأنه المباشر للعقد فتتعلق به العهدة حتى يؤدي مما يأتي وللمستحق مطالبته بهذا كدين التجارة بعد عتقه أيضا كوكيل وعامل قراض بعد عزلهما لكنهما يرجعان لا هو "وله مطالبة السيد أيضا"، وإن كان بيد العبد وفاء؛ لأن العقد له فكأنه البائع والقابض "وقيل لا"؛ لأنه بالإذن صار كالمستقل "وقيل إن كان في يد العبد وفاء فلا" لحصول الغرض بما في يده ومحل الخلاف إن لم يأخذ المال منه، وإلا طولب جزما "ولو اشترى" المأذون له "سلعة" شراء فاسدا لم يطالب السيد؛ لأن الإذن لا يتناول الفاسد فيتعلق بذمته لا بكسبه أو صحيحا "ففي مطالبة السيد بثمنها هذا الخلاف" للمعاني المذكورة والأصح مطالبته لما مر وطولب ليؤدي مما في يد الرقيق إن كان لا من غيره ككسبه بعد الحجر عليه لا لتعلقه بذمته؛ إذ لا يلزم من المطالبة بشيء ثبوته في الذمة ألا ترى أن القريب يطالب بنفقة قريبه والموسر بإطعام المضطر مع عدم ثبوتهما في ذمتهما فإن لم يكن بيده شيء فلاحتمال أدائه عنه؛ لأن له به علقة، وإن لم يلزم ذمته فإن أدى برئ القن، وإلا فلا، وقد لا يطالب بأن أعطاه مالا ليتجر فيه فاشترى في ذمته ثم تلف ذلك المال قبل تسليمه للبائع بل يتخير البائع إن لم يؤده السيد وذلك لانقطاع العلقة هنا بتلف ما دفعه السيد من غير أن يخلفه شيء من كسب المأذون ولك أن تقول هذا إنما يتأتى إن أريد بمطالبة السيد إلزامه بما يطالب به أما إذا كان المراد العرض عليه لاحتمال أن يؤدي عن العبد لما بينهما من العلقة فلا مانع من ذلك "ولا يتعلق دين التجارة برقبته"؛ لأنه وجب برضا مستحقه "ولا ذمة سيده"، وإن أعتقه، أو باعه؛ لأنه المباشر للعقد ومر آنفا الجمع بين هذا ومطالبته فزعم غير واحد أن هذا تناقض مردود وجمع بغير ذلك مما فيه نظر "بل يؤدى من مال التجارة" الحاصل قبل الحجر ربحا ورأس مال لاقتضاء العرف والإذن ذلك "وكذا من كسبه" الحاصل قبل الحجر عليه لا بعده "بالاصطياد ونحوه في الأصح" كما يتعلق به المهر ومؤن النكاح ولاقتضاء العرف والإذن ذلك ثم ما بقي بعد الأداء في ذمة الرقيق يؤخذ منه بعد عتقه كما مر، وفي الجواهر لو باع السيد العبد قبل وفاء الدين وقلنا بالأصح أن دينه يتعلق بكسبه تخير المشتري، واعترض بأن الأصح أن دينه لا يتعلق بكسبه بعد البيع فلا خيار، وفيها لو أقر المأذون أنه أخذ من سيده ألفا للتجارة أو ثبت ببينة، وعليه ديون ومات فالسيد كأحد الغرماء يقاسمهم ا هـ وفيه نظر ظاهر بل الوجه أنه لا يحصل للسيد إلا ما فضل؛ لأنه

 

ج / 2 ص -192-      المفرط  "ولا يملك العبد" أي: القن كله بسائر أنواعه ما عدا المكاتب، ولو "بتمليك سيده"، أو غيره "في الأظهر" لقوله تعالى {مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75] وكما لا يملك بالإرث وإضافة الملك إليه في خبر الصحيحين "من باع عبدا، وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع" للاختصاص لا للملك، وإلا لنافاه جعله لسيده.