تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 2 ص -193-      كتاب السلم
ويقال له السلف وأصله قبل الإجماع - إلا ما شذ به ابن المسيب - آية الدين فسرها ابن عباس رضي الله عنهما بالسلم. والخبر الصحيح
"من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم".
"هو" شرعا "بيع" شيء "موصوف في الذمة" بلفظ السلف أو السلم كما سيعلم من كلامه فلا اعتراض عليه. وأجاب الشارح بأن هذا تعريف له بخاصته المتفق عليها وقد يستشكل تعبيره بالخاصة لأنها توجد في غيره وهو البيع في الذمة ويجاب بمنع ذلك. وبيانه أن من الظاهر أن الشارع وضع لفظ البيع لمطلق المقابلة من غير اعتبار قيد زائد من تعيين أو وصف في الذمة نظير وضع اسم الجنس، ووضع لفظ السلم لمقابلة بقيد الثاني نظير علم الجنس سواء أعقد بلفظ سلم ولا خلاف فيه أو بيع على القول الآتي أنه سلم فالوصف في الذمة خاصة لماهية السلم اتفاقا واشترط لفظ السلم خاصة لها على الأصح واقتصر المصنف في التعريف على المتفق عليه دون المختلف فيه لأن الغالب في التعاريف ولو الناقصة ذلك. قيل ليس لنا عقد يختص بصيغة واحدة إلا هذا والنكاح، وأراد بواحدة مع كونها ثنتين هنا وثم اتحاد المعنى لا اللفظ فهما من حيز الترادف، وعرف بغير ذلك مما هو غير مانع ويعلم من كونه بيعا امتناع إسلام الكافر في نحو مسلم خلافا للماوردي. قال في الأنوار ما حاصله وكذا لو كان المسلم مسلما والمسلم إليه كافرا والعبد المسلم فيه غير حاصل عنده ا هـ. وفي تقييده بغير حاصل عنده نظر ظاهر وإن نقله شارح وأقره ؛ لأنه إن نظر لعزة تحصيله للمسلم لتعذر دخوله في ملكه اختيارا إلا في صور نادرة فلا فرق كما لو أسلم في لؤلؤة كبيرة فالذي يتجه عدم الصحة مطلقا. أما بلفظ البيع فهو بيع وإن أعطي حكم السلم في منع الاستبدال عنه نظرا للمعنى كما مر ويأتي.
"يشترط له" ليصح "مع شروط البيع" لغير الربوي ما عدا الرؤية وقيل المراد شروط المبيع في الذمة فلا يحتاج لاستثناء الرؤية ويؤيده ما قدمه من صحة سلم الأعمى "أمور" أخرى سبعة اختص بها فلذا عقد لها هذا الكتاب.
"أحدها تسليم رأس المال" الذي هو بمنزلة الثمن في البيع وأخذ غير واحد من قولهم تسليم أنه لا يكفي استبداد المسلم إليه بالقبض لأنه في المجلس مما لا يتم العقد إلا به فاشترط فيه اختيار المتعاقدين كالصيغة لكن رددته عليهم في شرح الإرشاد بأن القبض في الربويات كذلك. وقد صرحوا بأنه لا يشترط الإقباض فيها فهنا أولى وحينئذ فالتعبير بالتسليم جرى على الغالب والفرق بين البابين في ذلك بعيد جدا فلا يلتفت إليه لاتفاقهم على أنه يحتاط للربا ما لا يحتاط لغيره "في المجلس" الذي وقع به العقد قبل التفرق منه وإن قبض فيه المسلم فيه، ولو بعد التخابر نظير ما مر في الربا ومن ثم امتنع

 

ج / 2 ص -194-      التأجيل في رأس المال واشترط حلوله فإن فارقه أحدهما بطل فيما لم يقبض لأنه عقد غرر فلا يضم إليه غرر التأخير وثبت الخيار فيما إذا قبض البعض فقط على الأوجه خلافا للسبكي كابن الرفعة لتفريق الصفقة.  "فلو أطلق" رأس المال عن التعيين في العقد كأسلمت إليك دينارا في ذمتي في كذا "ثم عين وسلم في المجلس جاز" أي حل العقد وصح؛ لأن لمجلس العقد حكمه إذ هو حريمه ويشترط في رأس المال الذي في الذمة بيان وصفه وعدده ما لم يكن من نقد البلد الذي مر في البيع تنزيله عليه فلا يحتاج لبيان نحو عدده. "ولو أحال" المسلم "به" المسلم إليه على ثالث له عليه دين أو المسلم إليه ثالثا به على المسلم فالحوالة باطلة بكل تقدير كما يعلم مما يأتي في بابها "و" في الصورة الأولى إذا "قبضه المحال" وهو المسلم إليه "في المجلس" ذكر ليفهم أن ما لم يقبض فيه كذلك بالأولى "فلا" يجوز ذلك أي لا يحل ولا يصح لأن المحال عليه يؤديه عن جهة نفسه لا عن جهة المسلم ومن ثم لو قبضه المحيل من المحال عليه أو من المحتال بعد قبضه بإذنه وسلمه له في المجلس صح بخلاف ما لو أمره المسلم بالتسليم للمسلم إليه؛ لأن الإنسان في إزالة ملكه لا يصير وكيلا لغيره لكن المسلم إليه حينئذ وكيل للمسلم في القبض فيأخذ منه ثم يرده إليه كما تقرر ولا يصح قبضه من نفسه خلافا للقفال نعم لو أسلم وديعة للوديع جاز من غير إقباض؛ لأنها كانت ملكا له قبل السلم بخلاف ما ذكر. "ولو قبض" المسلم إليه "وأودعه المسلم" وهما في المجلس "جاز"، ولو رده إليه قرضا أو عن دين فقد تناقض فيه كلام الشيخين وغيرهما والمعتمد جوازه؛ لأن تصرف أحد العاقدين مع الآخر لا يستدعي لزوم الملك ولو أعتقه المسلم إليه قبل قبضه أو كان ممن يعتق عليه فإن قبضه قبل التفرق بانت صحته ونفوذ العتق وإلا بان بطلانهما. وفي الصورة الثانية إن تفرقا قبل القبض بطل لأن المعتبر هنا القبض الحقيقي والحوالة ليست كذلك ولهذا لا يكفي فيه الإبراء أو بعده وقد أذن المسلم إليه للمسلم في التسليم للمحتال كان وكيلا عنه في القبض فيصح؛ لأن القبض حينئذ وقع عن جهة المسلم. "ويجوز كونه" أي رأس المال "منفعة" كأسلمت إليك منفعة هذا أو منفعة نفسي سنة أو خدمتي شهرا أو تعليمي سورة كذا في كذا كما يجوز جعلها ثمنا وغيره "وتقبض بقبض العين" الحاضرة ومضي زمن يمكن فيه الوصول للغائبة وتخليتها "في المجلس"؛ لأنه الممكن في قبضها فيه فاعتبار القبض الحقيقي محله إن أمكن. وزعم الإسنوي أن الحر لو سلم نفسه ثم أخرجها عن التسليم بطل؛ لأنه لا يدخل تحت يد اليد مردود لتعذر إخراجه لنفسه كما في الإجارة ويتجه في رأس المال أنه لا يشترط فيه عدم عزة الوجود ويفرق بينه وبين المسلم فيه بأنه لا غرر هنا؛ لأنه إن أقبضه في المجلس صح وإلا فلا بخلافه ثم، ثم رأيتهم صرحوا بذلك. "وإذا فسخ المسلم" بسبب من أسباب الفسخ كانقطاع المسلم فيه الآتي "ورأس المال باق" لم يتعلق به حق ثالث وإن تعيب "استرده بعينه" وإن عين في المجلس فقط إذ المعين فيه كهو في العقد "وقيل للمسلم إليه رد بدله إن عين في المجلس دون العقد"؛ لأنه لم يتناوله أما إذا تلف فيرجع بمثل المثلي وقيمة المتقوم وظاهر أنه يأتي هنا جميع ما مر في الثمن بعد الفسخ بنحو رد بعيب

 

ج / 2 ص -195-      أو إقالة أو تحالف. "ورؤية رأس المال" في سلم حال أو مؤجل "تكفي عن معرفة قدره" جزما في المتقوم الذي انضبطت صفاته بالرؤية وقيل على الخلاف ويفرق على الأول بأن الغرر فيه أقل منه في المثلي و "في الأظهر" في المثلي كالثمن ولا أثر لاحتمال الجهل بالرجوع به، لو تلف كما لا أثر له ثم لأن ذا اليد مصدق في قدره لأنه غارم، ولو علماه قبل التفرق صح جزما ويوجه بأن علة القول بالبطلان هنا لا ترجع لخلل في العقد للعلم به تخمينا برؤيته بل فيما بعده وهو الجهل به عند الرجوع لو تلف وبالعلم به قبل التفرق زال ذلك المحذور وبهذا يتبين أن استشكاله بأن ما وقع مجهولا لا ينقلب صحيحا بالمعرفة في المجلس كبعتك بما باع به فلان فرسه فعلماه قبل التفرق غير ملاق لما نحن فيه؛ لأن البطلان هنا لخلل في العقد وهو جهلهما به من كل وجه عنده فلم ينقلب صحيحا بعلمهما به بعد فتأمله.
"الثاني" من الشروط "كون المسلم فيه دينا" كما علم من حده السابق فالمراد بكونه شرطا أنه لا بد منه الشامل للركن "فلو قال أسلمت إليك هذا الثوب" أو دينارا في ذمتي "في" سكنى هذه سنة لم يصح بخلافه في منفعة نفسه أو قنه أو دابته كما قاله الإسنوي والبلقيني وغيرهما ويوجه بأن منفعة العقار لا تثبت في الذمة بخلاف غيره كما يعلم مما يأتي في الإجارة أو في "هذا العبد" فقبل "فليس بسلم" قطعا لاختلال ركنه وهو الدينية "ولا ينعقد بيعا في الأظهر" عملا بالقاعدة الأغلبية من ترجيحهم مقتضى اللفظ ولفظ السلم يقتضي الدينية، وقد يرجحون المعنى إذا قوي كجعلهم الهبة ذات ثواب معلوم بيعا نعم لو نوى بلفظ السلم البيع فهل يكون كناية فيه كما اقتضته قاعدة ما كان صريحا في بابه؛ لأن هذا لم يجد نفاذا في موضوعه فجاز كونه كناية في غيره أولا لأن موضوعه ينافي التعيين فلم يصح استعماله فيه، وما في القاعدة محله في غير ذلك كل محتمل والثاني أقرب إلى كلامهم ولا ينافيه ما يأتي أواخر الفرع من صحة نية الصرف بالسلم؛ لأنه لا تعيين ثم ينافي مقتضاه. "ولو قال اشتريت منك ثوبا صفته كذا بهذه الدراهم" أو بدينار في ذمتي "فقال بعتك انعقد بيعا" عملا بمقتضى اللفظ "وقيل" وأطال المتأخرون في الانتصار له "سلما" نظرا للمعنى فعلى الأول يجب تعيين رأس المال في المجلس إذا كان في الذمة ليخرج عن بيع الدين بالدين لا قبضه ويثبت فيه خيار الشرط، ويجوز الاعتياض عنه، وعلى الثاني ينعكس ذلك ومحل الخلاف إذا لم يذكر بعده لفظ السلم وإلا كان سلما اتفاقا لاستواء اللفظ والمعنى حينئذ.
"الثالث" بيان محل التسليم على تفصيل فيه حاصله "المذهب أنه إذا أسلم" سلما حالا أو مؤجلا وهما "بموضع لا يصلح للتسليم أو" سلما مؤجلا وهما بمحل "يصلح" له "و" لكن "لحمله" أي المسلم فيه "مؤنة" أي عرفا كما هو واضح "اشترط بيان محل" بفتح الحاء أي مكان "التسليم" للمسلم فيه لتفاوت الأغراض فيما يراد من الأمكنة في ذلك "وإلا" بأن صلح للتسليم والسلم حال أو مؤجل لا مؤنة لحمل ذلك عليه "فلا" يشترط ما ذكر ويتعين محل العقد للتسليم للعرف فيه فإن عينا غيره تعين بخلاف المبيع المعين؛ لأن السلم لما

 

ج / 2 ص -196-      قبل التأجيل قبل شرطا يقتضي تأخير التسليم ولو خرج المعين للتسليم عن الصلاحية تعين أقرب محل صالح له، ولو أبعد منه بلا أجرة على الأوجه؛ لأنه من تتمة التسليم الواجب ولا خيار للمسلم ولا يجاب المسلم إليه لو طلب الفسخ ورد رأس المال، ولو لغا برهن وخلاص ضامن على المعتمد وللإسنوي والبلقيني هنا ما فيه نظر، ولو انهدمت دار عينت للرضاع المستأجر له ولم يتراضيا بمحل غيرها فسخ كما أفتى به البلقيني ويفرق بينه وبين ما نحن فيه بأن المدار هنا على ما يليق بحفظ المال ومؤنة والغالب استواء المحلة فيهما ومن ثم قالوا المراد بمحل العقد هنا محلته لا خصوص محله وقالوا لو قال تسلمه لي في بلد كذا وهي غير كبيرة كبغداد كفى إحضاره في أولها وإن بعد عن منزله أو في أي محل شئت منه صح إن لم تتسع وثم على حفظ الأبدان وهو مختلف باختلاف الدور ومن ثم لو عينا دارا للرضاع تعينت. "ويصح" السلم مع التصريح بكونه "حالا" إن وجد المسلم فيه حينئذ وإلا تعين المؤجل "و" كونه "مؤجلا" إجماعا فيه وقياسا أولويا في الحال؛ لأنه أقل غررا وإنما تعين الأجل في الكتابة لعدم قدرة القن عندها على شيء وكون البيع يغني عنه سيما إن كان في الذمة لا يقتضي منعه على أن العرف اطرد بالرخص في مطلق السلم دون البيع "فإن أطلق" العقد عن التصريح بهما فيه "انعقد حالا" كالثمن في البيع "وقيل: لا ينعقد"؛ لأن العرف فيه التأجيل فالسكوت عنه يصيره كالتأجيل بمجهول ويرد بمنع ذلك كما هو واضح "ويشترط" في المؤجل "العلم بالأجل" للعاقدين أو لعدلين غيرهما أو لعدد التواتر ولو من كفار ولكون الأجل تابعا لم يضر جهل العاقدين به كما يأتي. أما إذا لم يعلم فلا يصح كإلى الحصاد أو قدوم الحاج أو طلوع الشمس أو الشتاء ولم يريدا وقتها المعين وكإلى أول أو آخر رمضان لوقوعه على نصفه الأول أو الآخر كله. هذا ما نقلاه عن الأصحاب وإن أطال المتأخرون في رده أو في يوم كذا أو في رمضان مثلا لأنه كله جعل ظرفا فكأنهما قالا محله جزء من أجزائه وهو مجهول وإنما جاز ذلك في الطلاق؛ لأنه لما قبل التعليق بالمجهول كقدوم زيد قبله بالعام ثم تعلق بأوله لتعينه للوقوع فيه لا من حيث الوضع أي لما يأتي في وضع الظرف المعلوم منه رد قول غير واحد وإن استحسنه الرافعي. تعلقه بأوله يقتضي أن الإطلاق يقتضيه أي وحده وضعا ولا من حيث العرف؛ لأنه يقتضي صدق الظرف على جميع أزمنته صدقا واحدا بل من حيث صدق الاسم به كما هو القاعدة في التعليق بالصفات أنه حيث صدق وجود اسم المعلق به وقع المعلق ومن ثم لو علق طلاقها بقبل موته وقع حالا لصدق الاسم أو بتكليمها لزيد في يوم الجمعة وقع بتكليمها له أثناء يومها لذلك ولم يتقيد بأوله وأما السلم فلما لم يقبل التأجيل بالمجهول لم يقبله بالعام وإنما قبله بنحو العيد لأنه وضع لكل من الأول والثاني بعينه فدلالته على كل منهما أقوى من دلالة الظرف على أزمنته؛ لأنه لم يوضع لكل منها بعينه بل لزمن مبهم منها كذا قاله ابن الرفعة. وقضيته أن دلالة الظرف على أزمنته من حيز دلالة النكرة أو المطلق على الخلاف فيهما وقضية ما مر من قبله بالعام ولم يقبله به الذي عبر به إسماعيل الحضرمي وتبعه السبكي والزركشي وغيرهما أنه من حيز دلالة العام المقتضية لوضعه لكل فرد فرد من

 

ج / 2 ص -197-      أفراده فإن قلت فما الحق من ذلك قلت الحق ما قاله ابن الرفعة كما علم من قولنا تبعا للمصنف لا من حيث الوضع ولو كان عاما لكانت دلالته على الأول من حيث الوضع لما تقرر في وضع العام فتأمله.، وعجيب قول ابن العماد عما تقرر من الفرق أنه ليس بشيء مع ما بان في تقريره أنه في غاية التحقيق والظهور ثم زعم أنه لا جامع بين الحل والعقد حتى يستشكل هذا بهذا "فإن عين شهور العرب أو الفرس أو الروم جاز"؛ لأنها معلومة مضبوطة وكذا النيروز والمهرجان وفصح النصارى "وإن أطلق" الشهر "حمل على الهلالي" وإن اطرد عرفهم بخلافه؛ لأنه عرف الشرع. هذا إن عقدا أوله "فإن انكسر شهر" بأن عقدا أثناءه والتأجيل بالشهور "حسب الباقي" بعد الأول المنكسر "بالأهلة وتمم الأول ثلاثين" مما بعدها ولا يلغي المنكسر لئلا يتأخر ابتداء الأجل عن العقد نعم لو عقدا في يوم أو ليلة آخر الشهر اكتفي بالأشهر بعده بالأهلة وإن نقص بعضها ولا يتمم الأول مما بعدها؛ لأنها مضت عربية كوامل هذا إن نقص الشهر الأخير وإلا لم يشترط انسلاخه بل يتمم منه المنكسر ثلاثين يوما لتعذر اعتبار الهلال فيه حينئذ "والأصح صحة تأجيله بالعيد وجمادى" وشهر ربيع والنفر "ويحمل على الأول" فيحل بأول جزء منه لتحقق الاسم به ومن ثم لو كان العقد بعد الأول وقبل الثاني حمل عليه لتعينه.

فصل في بقية الشروط السبعة
وقد مر منها أربعة الثلاثة التي في المتن وحلول رأس المال والخامس القدرة على تسليمه فحينئذ "يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه" من غير مشقة كبيرة "عند وجوب التسليم" وهو بالعقد في الحال والحلول في المؤجل فإن أسلم في منقطع عند العقد أو الحلول كرطب في الشتاء لم يصح وكذا لو ظن حصوله عند الوجوب لكن بمشقة عظيمة كقدر كثير من الباكورة وصرح بهذا مع دخوله في قوله مع شروط البيع ليرتب عليه ما بعده وليبين به محل القدرة المفترقين فيها فإن بيع المعين يعتبر فيه عند العقد مطلقا وهنا تارة يعتبر هذا مطلقا وتارة يعتبر الحلول كما تقرر "فإن كان يوجد ببلد آخر" وإن بعد "صح" السلم فيه "إن اعتيد نقله" إلى محل التسليم "للبيع" للقدرة عليه حينئذ قيل لا بد من زيادة كثير أو يرد بأن الاعتياد يفهمه "وإلا" يعتد نقله للبيع بأن نقل له نادرا أو لم ينقل أصلا أو نقل لنحو هدية "فلا" يصح السلم فيه إذ لا قدرة عليه "ولو أسلم فيما يعم" وجوده "فانقطع" كله أو بعضه لجائحة أفسدته وإن وجد ببلد آخر لكن إن كان يفسد بالنقل أو لا يوجد إلا عند من لا يبيعه أو كان ذلك البلد على مسافة القصر من بلد التسليم "في محله" بكسر الحاء أي وقت حلوله وكذا بعده وإن كان التأخير لمطله "لم ينفسخ في الأظهر" كما إذا أفلس المشتري بالثمن وليس هذا كتلف المبيع قبل القبض؛ لأن ذاك في معين وهذا فيما في الذمة "فيتخير المسلم" وإن قال له المسلم إليه خذ رأس مالك "بين فسخه" في كله لا بعضه المنقطع فقط وإن قبض ما عداه وأتلفه فإذا فسخ لزمه بدله ورجع برأس ماله "والصبر حتى يوجد" فيطالب به وخياره على التراخي فله الفسخ وإن أجاز وأسقط حقه منه "ولو علم قبل

 

ج / 2 ص -198-      المحل" بكسر الحاء "انقطاعه عنده فلا خيار له قبله" ولا ينفسخ بنفسه حينئذ "في الأصح" فيهما لأن وقت وجوب التسليم لم يدخل. أما إذا وجد عند من لا يبيعه إلا بأكثر من ثمن مثله فيلزمه تحصيله بذلك الأكثر وفارق الغاصب بأنه التزم التحصيل بالعقد باختياره وقبض البدل فالزيادة في مقابلة ما حصل له من نماء ما قبضه بخلاف الغاصب وأيضا فالسلم عقد وضع للربح فلزم المسلم إليه تحصيل هذا الغرض الموضوع له العقد وإلا لانتفت فائدته والغصب باب تعد والمماثلة مطلوبة فيه بنص {بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}.
"و" الشرط السادس التقدير فيه بما ينفي الغرر عنه فحينئذ "يشترط كونه" أي المسلم فيه "معلوم القدر كيلا" فيما يوزن "أو عدا" فيما يعد كالحيوان واللبن "أو ذرعا" فيما يذرع أو عدا وذرعا فيما يعد ويذرع كبسط للخبر السابق أول الباب مع قياس ما ليس فيه بما فيه "ويصح في المكيل وزنا وعكسه" إن عد الكيل ضابطا فيه كجوز وما جرمه كجرمه أو أقل وفارق هذا الربوي بأن الغالب فيه التبعد ومن ثم كفى الوزن بنحو الماء هنا لاثم كما مر أما ما لا يعد ضابطا فيه لعظم خطره كفتات المسك والعنبر فيتعين وزنه؛ لأن ليسيره المختلف بالكيل والوزن مالية كثيرة بخلاف اللآلئ الصغار لقلة تفاوتها فإن فرض فهو يسير جدا وما علم وزنه بالاستفاضة كالنقد يكفي فيه العد عند العقد لا الاستيفاء بل لا بد من وزنه حينئذ ليتحقق الإيفاء. وقول الجرجاني لا يسلم في النقدين إلا وزنا يحمل على ما لم يعرف وزنه. "ولو أسلم في مائة" ثوب أو "صاع حنطة على أن وزنها كذا لم يصح" لعزة الوجود قيل الصاع اسم للوزن فلو قال في مائة صاع كيلا لاستقام ا هـ. ويرد بأن الأصل في الصاع الكيل كما دل عليه كلامهم في زكاة الفطر وإنما قدروه بالوزن؛ لأنه الذي يضبطه ضبطا عاما. "ويشترط الوزن في البطيخ والباذنجان والقثاء والسفرجل والرمان" ونحوها من كل ما لا يضبطه الكيل لتجافيه فيه لكونه أكبر جرما من الجوز كبيض نحو الدجاج لا نحو الحمام أو لغير ذلك كالبقل وقصب السكر وسائر الفواكه فلا يكفي فيها كيل ولا عد لكثرة تفاوتها ولا عد مع وزن لكل واحدة لعزة وجوده ومن ثم امتنع في نحو بطيخة أو بيضة واحدة لاحتياجه إلى ذكر حجمها مع وزنها وذلك لعزة وجوده نعم إن أراد الوزن التقريبي اتجه صحته في الصورتين لانتفاء عزة الوجود حينئذ وكذا يقال فيما لو جمع في ثوب بين ذرعه ووزنه بخلاف نحو خشب لإمكان نحت ما زاد ولا ينافيه وجوب ذكر طوله وعرضه وثخنه؛ لأن الوزن فيه تقريبي.
تنبيه: في اشتراط قطع أقماع الباذنجان احتمالان للماوردي رجح الزركشي منهما المنع قال؛ لأنه العرف في بيعه لكن يشهد للاشتراط قول الأم إذا أسلم في قصب السكر لا يقبل أعلاه الذي لا حلاوة فيه ويقطع مجامع عروقه من أسفله ويطرح ما عليه من القشور أي الورق ا هـ. وعلى الأول يفرق بأن التفاوت فيما ذكر في القصب أعلى منه في الأقماع فسومح هنا لاثم.
"ويصح" السلم "في الجوز" وألحق به بعضهم البن المعروف الآن وهو واضح بل

 

ج / 2 ص -199-      الوجه صحته في لبه وحده؛ لأنه لا يسرع إليه الفساد بنزع قشره عنه كما قاله أهل الخبرة "واللوز" والفستق والبندق في قشرها الأسفل لا الأعلى إلا قبل انعقاده "بالوزن في نوع يقل" أو يكثر خلافا للرافعي كالإمام وكذا المصنف في غير شرح الوسيط "اختلافه" بغلظ القشر ورقته لسهولة الأمر فيه ومن ثم لم يشترطوا ذلك في الربا فهذا أولى "وكذا" يصح السلم فيه "كيلا في الأصح" لذلك لا عدا لعدم انضباطه فيه "ويجمع في اللبن" بكسر الباء وهو الطوب غير المحرق "بين العد والوزن" ندبا كألف لبنة وزن كل كذا؛ لأنه يضرب اختيارا فلا عزة فيه ووزنه تقريب والواجب فيه العد بشرط ذكر طول كل وعرضها وثخنها وأنه من طين كذا. وشرطه أن لا يعجن بنجس كما علم مما مر في البيع ويصح السلم في آجر كمل نضجه. وظاهر أنه يشترط فيه ما شرط في اللبن وفي خزف إن انضبط كما يعلم مما يأتي في الكوز والمنارة "ولو عين مكيالا" أو ميزانا أو ذراعا أو صنجة أي فردا من ذلك "فسد" السلم الحال والمؤجل "إن لم يكن" ما عين "معتادا" كأن شرط بذراع يده أي المجهول قدره؛ لأنه قد يتلف قبل قبض ما في الذمة فيعظم الغرر والتنازع ومن ثم بعتك ملء ذا الكوز من هذه لانتفاء الغرر حينئذ كما مر "وإلا" بأن اعتيد ذلك أي عرف مقداره لمن يأتي "فلا" يفسد السلم "في الأصح" ولغا ذلك الشرط لعدم الغرض فيه فيقوم غيره مقامه فإن شرط عدم إبداله بطل العقد أما تعيين نوع نحو الكيل بالنص عليه فهو شرط إلا أن يغلب نوع أو يعتاد كيل مخصوص في حب مخصوص ببلد السلم فيما يظهر فيحمل الإطلاق عليه ولا بد من علم العاقدين وعدلين معها بذلك كما يأتي في أوصاف المسلم فيه. "ولو أسلم في" قدر معين من "ثمر قرية صغيرة لم يصح" لاحتمال تلفه فلا يحصل منه شيء "أو عظيمة صح في الأصح"؛ لأن ثمرها لا ينقطع غالبا فالمدار على كثرة ثمرها بحيث يؤمن انقطاعه عادة وقلته بحيث لا يؤمن كذلك لا على كبرها وصغرها أما السلم في كله فلا يصح قيل هذا إنما يناسب شرط القدرة لا شرط معرفة القدر ويرد بأن هذا ذكر كالتتمة والرديف لما بين الشرطين من التناسب.
"و" الشرط السابع "معرفة الأوصاف" المتعلقة بالمسلم فيه للعاقدين مع عدلين كما يأتي فخرج قولهما مثل هذا بخلاف ما لو أسلم إليه في ثوب مثلا ووصفه ثم قال أسلمت إليك في ثوب آخر بتلك الصفة فإنه يجوز إن كانا ذاكرين لتلك الصفات. والفرق أن الأول فيه إشارة إلى العين وهي لا تعتمد الوصف "التي" ينضبط بها المسلم فيه و "يختلف بها الغرض اختلافا ظاهرا" وليس الأصل عدمها إذ لا يخرج عن الجهل به إلا بذلك بخلاف ما يتسامح بإهماله كالكحل والسمن وما الأصل عدمه ككتابة القن وزيادة قوته على العمل. واعترضه شارح باشتراط ذكر البكارة أو الثيوبة مع أن الأصل عدم الثيوبة ويرد بأنه لما غلب وجودها صارت بمنزلة ما الأصل وجوده ويصح شرط كونه زانيا أو سارقا مثلا لا كونه مغنيا أو عوادا أو قوادا مثلا والفرق أن هذه مع خطرها تستدعي طبعا قابلا وصناعة دقيقة فيعز وجودها مع الصفات المعتبرة بخلاف الأول "وذكرها في العقد" ليتميز المعقود عليه حينئذ فلا يكفي ذكرها بعده ولو في مجلسه "على وجه لا يؤدي إلى عزة

 

ج / 2 ص -200-      الوجود" أي قلته؛ لأن السلم غرر فامتنع فيما لا يوثق بتسليمه وبه يعلم أن هذا تصريح بما أفهمه شرط القدرة على تسليمه بمعناه السابق. "فلا يصح فيما لا ينضبط مقصوده كالمختلط المقصود الأركان" الذي لا ينضبط "كهريسة" وكشك ومخيض فيه ماء كذا مثل به شارح وهو سبق قلم؛ لأن الماء فيه غير مقصود مع عدم منعه لمعرفة المقصود وإنما سبب عدم الصحة فيه ما ذكروه من عدم انضباط حموضته وإنها عيب فيه وفرقوا بينه وبين خل نحو التمر بأن ذاك لا غنى له عنه فإن قوامه به بخلاف هذا إذ لا مصلحة له فيه ومثله المصل قيل يرد على المتن اللبن المشوب بالماء فإنه لا يصح السلم فيه مع قصد بعض أركانه فقط ويرد بأن الماء وإن لم يقصد لكنه يمنع العلم بالمقصود كما يصرح به قولهم لا يصح بيعه للجهل بالمقصود منه وهو اللبن "ومعجون" مركب من جزأين أو أكثر "وغالية" وهي مركبة من دهن معروف مع مسك وعنبر أو عود وكافور "وخف" ونعل مركبين من بطانة وظهارة وحشو لأن العبارة لا تفي بذكر انعطافاتها وأقدارها ومن ثم صح كما قاله السبكي ومن تبعه في خف أو نعل مفرد إن كان جديدا من غير جلد ثوب مخيط جديد لا ملبوس "وترياق" بفوقية أو دال أو طاء مهملة ويجوز كسر أوله وضمه "مخلوط" بخلاف النبات أو الحجر "والأصح صحته في المختلط" بالصنعة "المنضبط" عند أهل تلك الصنعة المقصود الأركان كما بأصله "كعتابي" من قطن وحرير "وخز" من إبريسم ووبر وصوف بشرط علم العاقدين بوزن كل من أجزائه على المعتمد وعليه يظهر الاكتفاء بالظن "و" في المختلط خلقة أو بغير مقصود لكنه من مصلحته فمن الثاني نحو "جبن وأقط" وما فيهما من الملح والإنفحة من مصالحهما لكن قيل يختلف الغرض بقلتهما وكثرتهما وعليه يجاب بأن هذا تفاوت سهل غير مطرد فلم ينظروا إليه. قيل لا بد من تقييد الجبن بالجديد لمنعه في القديم أو العتيق كما نص عليه في الأم وعلله بأن أقل ما يقع عليه اسم العتيق أو القديم غير محدود وجرى عليه جمع متقدمون ا هـ وفيه نظر فسيأتي صحته في التمر العتيق ولا يجب بيان مدة عتقه فكذا هنا إلا أن يفرق بأن من شأن العتيق هنا عدم الانضباط وسرعة التغير ثم رأيت من حمل النص على ما فيه تغير؛ لأنه معيب وفيه نظر وإن جريت عليه في شرح الإرشاد؛ لأن تعليل الأم المذكور يرد هذا الحمل كما هو واضح "و" من الأول نحو "شهد" بفتح أوله وضمه وهو عسل النحل بشمعه خلقة فهو شبيه بالتمر وفيه النوى "و" من الثاني أيضا نحو "خل تمر أو زبيب" ولا يضر الماء؛ لأنه من مصلحته فعلم أن جبن وما بعده ليس عطفا على عتابي لفساد المعنى بل على المختلط كما تقرر فإن أريد بالمنضبط ما انضبط مقصوده اختلط بمقصوده أو لا كان الكل معطوفا على عتابي "لا الخبز" فلا يصح السلم فيه "في الأصح عند الأكثرين" لاختلاف تأثير النار فيه. "ولا يصح" السلم "فيما ندر وجوده كلحم الصيد بموضع العزة" أي بمحل يعز وجوده به، ولو بأن لم يعتد نقله إليه للبيع إذ لا وثوق بتسليمه حينئذ "ولا" يصح أيضا "فيما لو استقصى وصفه" الذي لا بد منه لصحة السلم فيه "عز وجوده" لما ذكر "كاللؤلؤ الكبار" بكسر أوله فإن ضم كان مفردا وحينئذ تشدد الباء، وقد تخفف "واليواقيت" إذ لا بد فيهما من ذكر الشكل

 

 

ج / 2 ص -201-      والحجم والصفاء مع الوزن واجتماع ذلك نادر بخلاف صغير اللؤلؤ وهو ما يطلب للتداوي أي غالبا وضبطه الجويني بسدس دينار ولعله باعتبار ما كان من كثرة وجود كباره في زمنهم أما الآن فهذا لا يطلب إلا للزينة لا غير فلا يصح السلم فيه لعزته "وجارية" وبهيمة كأوزة أو دجاجة على الأوجه وإن قلت صفاتها كالزنجية "وأختها أو ولدها" مثلا لندرة اجتماعهما مع الصفات المشترطة وإنما صح شرط نحو الكتابة مع ندرة اجتماعها مع تلك الصفات لسهولة تحصيلها بالتعلم ويصح في البلور لا العقيق لاختلاف أحجاره.
"فرع: يصح" السلم "في الحيوان" غير الحامل لثبوته في الذمة فرضا نصا في الإبل وقياسا في غيرها وتصحيح الحاكم النهي عن السلف في الحيوان مردود بأنه لم يثبت وروى أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم أمر عمرو بن العاص رضي الله عنه أن يأخذ بعيرا ببعيرين إلى أجل. وهذا سلم لا قرض؛ لأنه لا يقبل تأجيلا ولا زيادة.
"ويشترط في الرقيق ذكر نوعه كتركي" أو حبشي وصفة المختلف كرومي أو خطائي "و" ذكر "لونه" أي النوع إن اختلف "كأبيض" وأسود "ويصف بياضه بسمرة أو شقرة" وسواده بصفاء أو كدرة أما إذا لم يختلف لون النوع أو الصنف كالزنج فلا يجب ذكره "و" ذكر "ذكورته وأنوثته"  وثيابته وبكارته والواو في هذا على ما في كثير من النسخ ونحوه من كل ضدين مما يأتي بمعنى أو "وسنه" كابن ست أو محتلم ويظهر أن المراد احتلامه بالفعل إن تقدم على الخمسة عشر وإلا فهي وإن لم ير منيا فلا يقبل ما زاد عليها؛ لأن الصغر مقصود في الرقيق ولا ما نقص عنها ولم يحتلم؛ لأنه لم يوجد وصف الاحتلام الذي نص عليه ولا نظر لدخول وقته بتسع؛ لأنه مجاز ولا قرينة عليه فإن قلت نزلوا منزلة البالغ ابن عشر في الضرب على ترك نحو الصلاة وابن نحو ثلاث عشرة سنة في الاحتجاب منه فلم لم يقل بذلك هنا قلت لأن هنا شرطا لفظيا وهو المحتلم وهو لا ينصرف عند الإطلاق إلا إلى حقيقته وهي الاحتلام بالفعل أو بلوغ خمسة عشر فلم يعدل لغيرها . وفي ذينك المعتبر المعنى فقضوا به في كل باب بما يناسبه فتأمله ليندفع به ما لشارح هنا "وقده" أي قامته "طولا وقصرا" وربعة "وكله" أي ما ذكر مما يختلف كالوصف والسن والقد بخلاف نحو الذكورة "على التقريب" فلو شرط كونه ابن سبع مثلا تحديدا لم يصح لندرته ويقبل قول القن العدل في احتلامه وكذا سنه إن بلغ وإلا فقول سيده العدل أيضا إن علمه وهو المراد من قولهم إن ولد في الإسلام وإلا فقول بائعي الرقيق بظنهم ويظهر الاكتفاء بعدل منهم؛ لأن المدار على حصول الظن "ولا يشترط ذكر الكحل" بفتحتين وهو سواد يعلو جفن العين "والسمن ونحوهما" كدعج وهو شدة سواد العين مع سعتها وتكلثم وجه وهو استدارته ورقة خصر وملاحة "في الأصح" لتسامح الناس  بإهمالها "وفي" الماشية كالبقر و "الغنم والإبل والخيل والبغال والحمير الذكورة" وظاهر كلامهم بل صريحه أن لا يجب التعرض هنا لكونه فحلا أو خصيا وعليه فلا يلزمه قبول الخصي؛ لأن الخصاء عيب كما مر وبه يفرق بين هذا وما يأتي في اشتراط ذكره في اللحم؛ لأنه ليس عيبا ثم مع اختلاف

 

ج / 2 ص -202-      الغرض به "والأنوثة والسن واللون" إلا الأبلق إذ لا يجوز السلم فيه لعدم انضباطه "والنوع" والصنف إن اختلف كبخاتي أو عراب في الإبل أو كعربي أو تركي في الخيل وكمصري أو رومي في البقية ويجوز من نعم أو ماشية نحو طي مما العادة كثرتهم ولا يجب هنا ذكر القد وقيل يجب وانتصر له الأذرعي وغيره ولا وصف اللون لكن يسن في نحو خيل ذكر غرة وتحجيل "وفي الطير" والسمك ولحمهما "النوع والصغر وكبر الجثة" أي أحدهما , ولون طير لم يرد للأكل وكذا سنه إن عرف وذكورته وأنوثته إن أمكن التمييز وتعلق به غرض وكون السمك نهريا أو بحريا طريا أو مالحا "وفي اللحم" من غير صيد وطير , ولو قديدا مملحا "لحم بقر" عراب أو جواميس  "أو ضأن أو معز ذكر خصي رضيع" هزيل لا أعجف؛ لأن العجف عيب "معلوف أو ضدها" أي المذكورات أي أنثى فحل فطيم راع سمين , والرضيع والفطيم في الصغير وأما الكبير فمنه الجذع والثني ونحوهما فيذكر أحد ذلك وذلك لاختلاف الغرض بذلك إذ لحم الراعية أطيب والمعلوفة أدسم ولا بد فيها من علف يؤثر في لحمها نعم إن لم يختلف بها وضدها بلد لم يجب ذكر أحدهما وكذا في لحم الصيد ويشترط فيه بيان عين ما صيد به "من فخذ" بإعجام الذال "أو كتف أو جنب" أو غيرها لاختلاف الغرض بها أيضا "ويقبل" وجوبا "عظمه على العادة" عند الإطلاق كنوى التمر ويجوز شرط نزعه وحينئذ لا يجب قبوله لا شرط نزع نوى التمر على الأوجه من وجهين فيه والفرق أن التمر يدخر غالبا ونزع نواه يعرضه للإفساد بخلاف العظم ويجب قبول جلد يؤكل عادة مع اللحم لا رأس ورجل من طير وذنب أو رأس لا لحم عليه من سمك "وفي الثياب الجنس" كقطن أو كتان والنوع وبلد نسجه إن اختلف به غرض , وقد يغني ذكر النوع  عن غيره "والطول والعرض والغلظ والدقة" بالدال وهما صفتان للغزل "والصفاقة" وهي انضمام بعض الخيوط إلى بعض "والرقة" وهي ضدها وهما يرجعان لصفة النسج فما هنا أحسن مما في الروضة وأصلها من إسقاطهما نعم قد يستعمل الدقيق موضع الرقيق وعكسه "والنعومة والخشونة" وكذا اللون في نحو حرير ووبر وقطن وإطلاقهم محمول على ما لا يختلف من كتاب أو قطن "ومطلقه" عن ذكر قصر وعدمه "يحمل على الخام"؛ لأنه الأصل دون المقصور نعم يجب قبوله لكن إن لم يختلف الغرض. "ويجوز" السلم "في المقصور" لانضباطه لا الملبوس وإن لم يغسل لعدم انضباطه بخلاف جديد وإن غسل , ولو قميصا وسراويل إن أحاط بهما الوصف وإلا فلا وعليه يحمل تناقض الشيخين في ذلك. "و" يجوز السلم في الكتان لكن بعد دقه لا قبله وفي "ما صبغ غزله قبل النسج كالبرود" إذا بين الصبغ ونوعه وزمنه ولونه وبلده "ولأقيس صحته في" الثوب "المصبوغ بعده" أي النسج كالغزل المصبوغ "قلت الأصح منعه وبه قطع الجمهور والله أعلم"؛ لأن الصبغ بعده يسد الفرج فلا يظهر فيه نحو صفاقة أو رقة ويجوز في الحبرة وعصب اليمن إن وصفه حتى تخطيطه نص عليه في الأم وقول شارح إلا عصب اليمن غلط فيه والأولى حمله على ما لا يضبطه الوصف "وفي التمر" والزبيب "لونه ونوعه" كمعقلي أو برني "وبلده وصغر الحبات أو كبرها وعتقه وحداثته" وكون جفافه  بأمه أو الأرض لا مدة جفافه إلا في

 

ج / 2 ص -203-      بلد يختلف بها ولا يصح في التمر المكنوز بالقواصر لتعذر استيفاء صفاته المشترطة حينئذ وظاهر أنه لو لم يعترض لكنزه فيها جاز قبول ما فيها ويذكر في الرطب والعنب غير الأخيرين "والحنطة وسائر الحبوب كالتمر" فيما ذكر فيه حتى مدة الجفاف بتفصيلها نعم لا يصح خلافا لما في فتاوى المصنف كالبحر في أرز في قشرته إذ لا يعرف حينئذ لونه وصغر حبه وكبرها لاختلاف قشره خفة ورزانة وإنما صح بيعه فيه؛ لأنه يعتمد المشاهدة والسلم يعتمد الصفات ومن ثم صح بيع نحو المعجونات دون السلم فيها وبحث صحته في النخالة والتبن ومثله قشر البن فيذكر في كل ما يختلف به الغرض فيه "وفي العسل" وهو حيث أطلق عسل النحل "جبلي أو بلدي" وناحيته ومرعاه لتكيفه بما رعاه من داء كنور الفاكهة أو دواء كالكمون "صيفي أو خريفي"؛ لأن الخريفي أجود "أبيض أو أصفر" قوي أو رقيق ويقبل ما رق لحر لا لعيب "ولا يشترط" فيه "العتق والحداثة" أي ذكر أحدهما؛ لأنه لا يتغير أبدا بل كل شيء يحفظ به.  "ولا يصح" السلم "في" كل ما تأثير النار فيه غير منضبط كالخبز "والمطبوخ والمشوي" لاختلاف الغرض باختلاف تأثير النار فيه ومن ثم لو انضبطت ناره أو لطفت صح فيه على المعتمد وفارق الربا بضيقه وذلك كسكر وفانيد وقند خلافا لمن نازع فيه زاعما أنه متقوم، ودبس ما لم يخالطه ماء، ولبأ وصابون لانضباط ناره وقصد أجزائه مع انضباطها وجص ونورة ونيلة وزجاج وماء ورد وفحم وآجر وأواني خزف انضبطت كما يعلم مما يأتي "ولا يضر تأثير الشمس" أو النار في تمييز نحو عسل أو سمن لعدم اختلافه. "والأظهر منعه" أي السلم "في رءوس الحيوان" والأكارع لاشتمالها على أجناس مقصودة لا تنضبط ولأن غالبها غير مقصود وهو العظم "ولا يصح" السلم "في مختلف" أجزاؤه "كبرمة" من نحو حجر "معمولة" أي محفورة بالآلة واحترز بها عن المصبوبة في قالب وهذا قيد أيضا فيما بعد ما عدا الجلد كما يأتي "وجلد" ورق "وكوز وطس" بفتح أوله وكسره ويقال في طست "وقمقم ومنارة" بفتح الميم من النور ومن ثم كان الأشهر في جمعها مناور لا مناير "وطنجير" بكسر أوله وفتحه خلافا لمن جعل الفتح لحنا وهو الدست "ونحوها" كإبريق وحب ونشاب لعدم انضباطها باختلاف أجزائها ومن ثم صح في قطع أو قصاصة جلد دبغ واستوت جوانبه وزنا "ويصح في الأسطال المربعة" مثلا والمدورة وإن لم تصب في قالب لعدم اختلافها بخلاف الضيقة الرءوس ومحله إن اتحد معدنها لا إن خالطه غيره "فيما صب منها" أي المذكورات ما عدا الجلد أي من أصلها المذاب "في قالب" بفتح اللام إذ مكسورها البسر الأحمر وقيل يجوز هنا الكسر أيضا وذلك لانضباطها بانضباط قوالبها وفي نقد إن كان رأس المال غيره لا مثله ولا السلم حيث لم ينويا به الصرف لأحد النقدين في الآخر كمطعوم في مثله ولو غير جنسه ولو حالا؛ لأن وضع السلم على التأخير وفي دقيق ودهن وبقل وشعر وصوف وقطن وورق ومعدن وعطر وأدوية وبهار وسائر ما ينضبط. "ولا يشترط ذكر الجودة والرداءة" فيما يسلم فيه "في الأصح ويحمل مطلقه" منهما "على الجيد" للعرف ويصح شرط أحدهما إلا رديء العيب لعدم انضباطه ومن ثم لو أسلم في معيب بعيب مضبوط صح ويظهر هنا وجوب

 

ج / 2 ص -204-      قبول السليم ما لم يختلف به الغرض وإلا شرط الأجودية؛ لأن أقصاها غير معلوم ويقبل في الجودة أقل درجاتها وفي الرداءة والأردئية ما حضر؛ لأن طلب غيره عناد. واستشكل شارح هذا بصحة سلم الأعمى قبل التمييز أي لأنه لا يعرف الأجود من غيره ويرد بأنه إن صح سلمه لا يصح قبضه بل يتعين توكيله فيه. نعم الإشكال وارد على اشتراطهم معرفة العاقدين في الصفات فلو أورده عليه لأصاب ويجاب بأن المراد بمعرفتها تصورها، ولو بوجه والأعمى المذكور يتصورها كذلك. "ويشترط معرفة العاقدين الصفات" المشترطة "وكذا غيرهما" أي عدلان آخران يشترط معرفتهما لها "في الأصح" ليرجع إليهما عند التنازع والمراد أن يوجد غالبا بمحل التسليم ممن يعرفها عدلان أو أكثر ومن لازم معرفة من ذكر لها ذكرها في العقد بلغة يعرفها العاقدان وعدلان قيل ولا تكرار هنا مع ما قدمه من اشتراط معرفتهما؛ لأن المراد ثم أن تعرف في نفسها لتضبط بها ا هـ وفيه ما فيه الأولى أن هذا تفصيل لبيان ذلك الإجمال وأخره ليقع الختم به بعد الكل؛ لأنه المرجع عند وقوع التنازع في شيء من ذلك.
 

فصل في بيان أخذ غير المسلم فيه عنه ووقت أدائه ومكانه
"لا يصح أن يستبدل عن المسلم فيه" ومثله المبيع في الذمة "غير" بالرفع "جنسه" كبر عن شعير "ونوعه" كبرني عن معقلي وتركي عن هندي وتمر عن رطب ومسقى بمطر عن مسقى بعين ومسقى بماء السماء عن مسقى بماء الوادي على ما نقله الريمي واعتمده هو وغيره وفيه نظر؛ لأن ماء الوادي إن كان من عين فقد مر أو من مطر فهو ماء السماء أيضا اللهم إلا أن يعلم اختلاف ما ينبت منه اختلافا ظاهرا وكذا فيما زعمه بعضهم أن اختلاف المكانين بمنزلة اختلاف النوعين وذلك؛ لأنه بيع للمبيع قبل قبضه والحيلة فيه أن يفسخا السلم بأن يتقايلا فيه ثم يعتاض عن رأس المال ومن ذلك ما لو أسلم لآخر ثوبا في دراهم فأسلم الآخر إليه ثوبا في دراهم واستويا صفة وحلولا فلا يقع تقاص على المنقول المعتمد؛ لأنه كالاعتياض عن المسلم فيه وهو ممتنع.
تنبيه: جعلوا اختلاف النوع هنا كاختلاف الجنس وفي الربا كاتفاقه ولعله للاحتياط فيهما أما ثم فواضح وأما هنا فلأن فيه غررا وهو يكثر مع اختلاف النوع دون الصفة.
"وقيل: يجوز في نوعه" كما لو اتحد النوع واختلفت الصفة ويرد بقرب الاتحاد هنا، ولو اعتبرنا جمع الجنس لاعتبرنا جمع جنس آخر فوقه كالحب ولم يمتنع في شيء فاندفع ما أطال به جمع لترجيحه "و" على الجواز "لا يجب" القبول لاختلاف الغرض "ويجوز أردأ من المشروط" أي دفعه بتراضيهما؛ لأن فيه مسامحة بصفة "ولا يجب" قبوله وإن كان أجود من وجه؛ لأنه دون حقه "ويجوز أجود" منه من كل وجه لعموم خبر:
"خياركم أحسنكم قضاء" "ويجب قبوله في الأصح"؛ لأن زيادته غير متميزة. والظاهر أنه لم يجد غيره فخف أمر المنة فيه وأجبر على قبوله نعم إن أضره قبوله ككونه زوجه أو بعضه لم يلزمه كما لو تميزت الزيادة كأحد عشر عن عشرة وفي نحو عمه كأخيه وجهان؛ لأن من الحكام

 

ج / 2 ص -205-      من يعتقه عليه والذي يتجه أنه إن كان هناك حاكم يرى عتقه عليه بمجرد دخوله في ملكه لم يلزمه قبوله وأنه لا يلزم قبول من شهد أو أقر بحريته، ولو قبض بعضه جاهلا فهل يفسد قبضه أو يصح ويعتق عليه وجهان والذي يتجه الأول؛ لأن كونه بعضه بمنزلة العيب فيه وقبض المعيب عما في الذمة لا يصح إلا إن رضي القابض به ويجب تسليم نحو البر نقيا من تبن وزؤان فإن كان فيه قليل من ذلك، وقد أسلم كيلا جاز أو وزنا فلا وما أسلم فيه كيلا لا يجوز قبضه وزنا وعكسه؛ لأنه يشبه الاستبدال الممنوع ويجب تسليم التمر جافا ما لم يتناه جفافه؛ لأن ذلك عيب فيه والرطب غير مشدخ. ويقبل قول المسلم في لحم هو ميتة كما قاله جمع متقدمون استصحابا لأصل الحرمة في الحياة حتى يتيقن الحل بالذكاة الشرعية.  "ولو أحضره" أي المسلم إليه أو وارثه أو أجنبي عن ميت أخذا مما يأتي ثم رأيت الزركشي صرح بذلك المسلم فيه ومثله فيما يأتي جميعه كل دين مؤجل "قبل محله" بكسر الحاء أي وقت حلوله "فامتنع المسلم من قبوله لغرض صحيح بأن" بمعنى كأن "كان حيوانا" يحتاج لمؤنة قبل المحل لها وقع أي عرفا أو غيره واحتاج لها في كراء محله أو حفظه أو كان يترقب زيادة سعره عند المحل على الأوجه "أو وقت غارة" الأفصح إغارة وإن وقع العقد وقتها على الأوجه أو يريد أكله عند محله طريا "لم يجبر" على قبوله وإن كان للمؤدي غرض للضرر "وإلا" يكن له غرض صحيح في الامتناع "فإن كان للمؤدي غرض صحيح كفك رهن" أو براءة ضامن أو خوف انقطاع الجنس عند الحلول "أجبر"؛ لأن امتناعه حينئذ تعنت "وكذا" يجبر إن أتى إليه به "لمجرد غرض البراءة في الأظهر" أو لا لغرض أصلا على الأوجه لتعنته وأفهم اعتباره لغرض المؤدي إليه عند عدم غرض المؤدى إليه أنه لو تعارض غرضا هما قدم الثاني، ولو أصر على الامتناع بعد الإجبار أخذه الحاكم أمانة عنده له وبرئ المدين، ولو أحضر المسلم فيه الحال في مكان التسليم لغرض غير البراءة أجبر المسلم على قبوله أو لغرضها أجبر عليه أو على الإبراء؛ لأن امتناعه، وقد وجد زمان التسليم ومكانه محض عناد فضيق عليه بالإجبار على ما ذكر بخلاف المؤجل والحال المحضر في غير محل التسليم. وقضية إطلاقهم هنا أنه لا فرق بين زمن الخوف وغيره ويخالفه اعتماد جمع متأخرين أنه لا يلزمه القبول في القرض إلا حيث لا خوف أي وإن كان العقد فيه على الأوجه خلافا للأذرعي ويفرق بأن القرض مجرد معروف وإحسان وهو يقتضي عدم إضرار المقرض بوجه فلم يلزم بالقبول، ولو في محل القرض إلا حيث لا ضرر عليه فيه وما هنا محض معاوضة وقضيتها لزوم قبضها المستحق في محل تسليمها من غير نظر لإضرار المسلم أو لا وإنما روعي غرضه فيما مر؛ لأن ذاك القبض فيه غير مستحق بمقتضى المعاوضة لأن الفرض أنه قبل الحلول أو في غير محل التسليم فنظر فيه لإضرار القابض وعدمه فتأمله. "ولو وجد المسلم المسلم إليه بعد المحل" بكسر الحاء "في غير محل التسليم" بفتحها أي مكانه المعين بالشرط أو العقد عليه فله الدعوى عليه بالمسلم فيه وإلزامه بالسفر معه لمحل التسليم أو يوكل ولا يحبس لأنه لو امتنع "لم يلزمه الأداء إن كان لنقله" من محل التسليم إلى محل الظفر "مؤنة" ولم يتحملها المسلم لتضرر المسلم إليه

 

ج / 2 ص -206-      بذلك بخلاف ما لا مؤنة لنقله كيسير نقد وما له مؤنة وتحملها المسلم إذ لا ضرر حينئذ ولا نظر لكونه في ذلك المحل أغلى منه بمحل التسليم "ولا يطالبه بقيمته" ولو "للحيلولة على الصحيح" لمنع الاستبدال عن المسلم فيه نعم له الفسخ وأخذ رأس ماله وإلا فبدله كما لو انقطع. "وإن امتنع" المسلم "من قبوله هناك" أي في غير محل التسليم، وقد أحضر فيه "لم يجبر" عليه "إن كان لنقله مؤنة" إلى محل التسليم ولم يتحملها المسلم إليه "أو كان الموضع" أو الطريق "مخوفا" للضر فإن رضي بأخذه لم يجب له مؤنة النقل "وإلا" يكن له غرض صحيح في الامتناع كأن لم يكن لنقله مؤنة ولا كان نحو الموضع مخوفا "فالأصح إجباره" على قبوله؛ لأنه متعنت نظير ما مر، ولو اتفق كون رأس مال المسلم بصفة المسلم فيه فأحضره وجب قبوله.
تتمة: يجبر الدائن على قبول كل دين حال أو الإبراء عنه حيث لا غرض له نظير ما مر آنفا، وقد أحضره من هو عليه أو وارثه لا أجنبي عن حي بخلافه عن ميت لا تركة له فيما يظهر لمصلحة براءة ذمته وسيأتي أن الدين يجب بالطلب أداؤه فورا لكن يمهل المدين لما لا يخل بالفورية في الشفعة أخذا من مثلهم ما لم يخف هربه أو تستره فبكفيل أو ملازم.

فصل في القرض
يطلق اسما بمعنى المقرض ومصدرا بمعنى الإقراض ولشبهه بالسلم في الضابط الآتي جعله ملحقا به فترجم له بفصل بل هو نوع منه إذ كل منهما يسمى سلفا.
"الإقراض" الذي هو تمليك الشيء برد بدله "مندوب" إليه ولشهرة هذا أو تضمينه لمستحب حذفه فهو من السنن الأكيدة للآيات الكثيرة والأحاديث الشهيرة كخبر مسلم:
"من نفس عن أخيه كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه" وصح خبر "من أقرض لله مرتين كان له مثل أجر إحداهما لو تصدق به" وفي خبر في سنده من ضعفه الأكثرون أنه صلى الله عليه وسلم رأى ليلة أسري به مكتوبا على باب الجنة أن درهم الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر وأن جبريل علل له ذلك بأن القرض إنما يقع في يد محتاج بخلاف الصدقة. وروى البيهقي خبر "قرض الشيء خير من صدقته". وبينت ما في هذه الأحاديث في شرح الإرشاد وجزم بعضهم أخذا من الخبرين الأخيرين بأنه أفضل من الصدقة غير صحيح؛ لأن الأول المصرح بأفضليتهم ا صحيح دونهما فوجب تقديمه عند التعارض على أنه يمكن حملهما على أنه من حيث الابتداء لما فيه من صون وجه من لا يعتاد السؤال عنه أفضل وحمل الأول على أنها من حيث الانتهاء لما فيها من عدم رد المقابل أفضل ومحل ندبه إن لم يكن المقترض مضطرا وإلا وجب وإن لم يعلم أو يظن من آخذه أنه ينفقه في معصية وإلا حرم عليهما أو في مكروه وإلا كره ويحرم الاقتراض والاستدانة على غير مضطر لم يرج الوفاء من جهة ظاهرة فورا في الحال وعند الحلول في المؤجل ما لم يعلم المقرض بحاله وعلى من أخفى

 

ج / 2 ص -207-      غناه وأظهر فاقته عند القرض كما يأتي نظيره في صدقة التطوع ومن ثم لو علم المقترض أنه إنما يقرضه لنحو صلاحه وهو باطنا بخلاف ذلك حرم الاقتراض أيضا كما هو ظاهر. وأركانه أربعة عاقدان ومعقود عليه وصيغة في غير القرض الحكمي وبدأ بها لأنها أهمها للخلاف القوي في أصلها وتفاصيلها فقال:
"وصيغته" الصريحة متعددة منها "أقرضتك أو أسلفتك" كذا أو هذا، وقد ينظر فيه بأنه مشترك بين القرض والسلم إلا أن يقال المتبادر منه القرض لا سيما وذكر المتعلق في السلم يخرج هذا "أو خذه بمثله" أو ببدله؛ لأن ذكر المثل أو البدل فيه نص في مقصود القرض إذ وضعه على رد المثل صورة وبه فارق جعلهم خذه بكذا كناية بيع واندفع ما للغزي وغيره هنا واتضح أنه صريح كما هو ظاهر كلام الشيخين لا كناية خلافا لجمع. وبحث بعض هؤلاء أن خذه بمثله كناية بيع ويرده ما قررته مما يعلم منه أن القصد من الثمن مطلق العوضية لا المثلية حقيقية ولا صورة، وهنا بالعكس فلم يصلح للكناية ثم. نعم بحث السبكي وغيره إن أخذه بكذا كناية هنا كالبيع وفي شرح الإسنوي في ملكتك هذا الدرهم بمثله أو بدرهم هل هو بيع فيترتب عليه أحكام الصرف أو قرض فيه نظر والمتجه الأول ويؤيده أنهم لم يذكروا هذا المثال هنا ا هـ وما قاله محتمل في خصوص هذا المثال؛ لأنه صالح للصرف والقرض إذ المثلية مقصودة في كل منهما وإن اختلف المراد بها فيهما فلذا استوى قوله بمثله وقوله بدرهم واحتمل في كل البيع والقرض. وحينئذ فالذي يتجه أنهما إن نويا به أحدهما تعين لما تقرر من صلاحيته لهما وإلا كان في بمثله صريح قرض وفي بدرهم صريح بيع عملا بالمتبادر فيهم، وقد يستشكل هذا بأنه لا نظير له وهو صراحته في بابين مختلفين ويتخصص بالنية إن وجدت وإلا فبالمتبادر ويجاب بالتزام ذلك لضرورة اقتضاء النظر له فتأمله "أو ملكتكه على أن ترد بدله" أو خذه ورد بدله أو اصرفه في حوائجك ورد بدله فإن حذف ورد بدله فكناية كخذه فقط أي إن سبقه أقرضني وإلا فهو كناية قرض أو بيع أو هبة أو اقتصر على ملكتكه ولم ينو البدل فهبة وإلا فكناية، ولو اختلفا في ذكر البدل صدق الآخذ وإنما صدق مطعم مضطر أنه قرض حملا للناس على هذه المكرمة التي بها إحياء النفوس إذ لو أحوجوا للإشهاد لفاتت النفس أو في نيته صدق الدافع كما في بع هذا وأنفقه على نفسك بنية القرض كذا قيل وقولهم لا ثواب في الهبة المطلقة وإن نواه الواهب صريح في أنه لا عبرة بنيته ويفرق بينه وبين ما ذكر بأن هنا لفظا صريحا مملكا فلم يقبل الرفع بالنية. وثم لفظا محتملا فقبل نية القرض به وبهذا يعلم أنه حيث كان اللفظ المأتي به كناية صدق الدافع في نيته به أو صريحا في التمليك بلا بدل صدق الآخذ في نفي ذكر البدل أو نيته وفي قواعد الزركشي ما حاصله قالوا هنا اختلفا في ذكر القرض صدق الآخذ وفي الهبة قال وهبتك بعوض فقال مجانا صدق المتهب، ولو قال أعتقتك بألف أو طلقتك بألف فقالا مجانا صدقا بيمينيهما؛ لأن المالك في الكل يدعي زيادة لفظ ملزم على اللفظ المملك المتفقين عليه والأصل عدمه وبراءة الذمة ومر أنه لو قال بعتك فقال بل وهبتني حلف كل على نفي قول الآخر، لأنهما هنا اختلفا في

 

ج / 2 ص -208-      أصل اللفظ المملك فصدق المالك؛ لأنه أعرف باللفظ الصادر منه فصدق في عود العين إليه لا في إلزام ذمة الآخر بالثمن عملا بأصل براءتها منه أو في أن المأخوذ قرض أو قراض مثلا فسيأتي تفصيله آخر القراض ويأتي آخر الصداق ما له تعلق بما هنا، ولو أقر بالقرض وقال فورا أو لا لم أقبض لم يقبل كما أفهمه كلام الرافعي وغيره نعم له تحليفه أنه أقبضه كما يعلم مما يأتي في الرهن وقال الماوردي يصدق المقترض بيمينه وابن الصباغ إن قاله فورا ويظهر فيما اشتهر من استعمال لفظ العارية هنا أنه فيما لا تصح إعارته كناية؛ لأنه لم يجد نفاذا في موضوعه وفي غيره ليس كناية؛ لأنه صريح في بابه ووجد نفاذا في موضوعه ثم رأيت بعضهم أطلق صراحتها هنا إن شاعت ويرده ما ذكرته من التفصيل الذي لا بد منه فإن قلت الشيوع لا يعتد به إلا فيما لا يصلح للعارية قلت بتسليمه هو لا دخل له في الصراحة؛ لأن الذي له دخل فيها الشيوع على ألسنة حملة الشرع لا في ألسنة العوام كما هنا. "ويشترط قبوله في الأصح" كالبيع ومن ثم اشترط فيه شروط البيع السابقة في العاقدين والصيغة كما هو ظاهر حتى موافقة القبول للإيجاب فلو قال أقرضتك ألفا فقبل خمسمائة أو بالعكس لم يصح واعترض بوضوح الفرق بأن المقرض متبرع فلم يضر قبول بعض المسمى ولا الزيادة عليه ويرد بمنع إطلاق كونه متبرعا. كيف ووضع القرض أنه تمليك للشيء برد مثله فساوى البيع إذ هو تمليك الشيء بثمنه، فكما اشترط ثم الموافقة فكذا هنا وكون القرض فيه شائبة تبرع كما يأتي لا ينافي ذلك لأن المعاوضة فيه هي المقصودة والقائل بأنه غير معاوضة وهو مقابل الأصح ومن ثم قال جمع إن الإيجاب منه غير شرط أيضا. واختاره الأذرعي وقال قياس جواز المعاطاة في البيع جوازها هنا واعترض الغزي له بأنه سهو؛ لأن شرط المعاطاة بذل العوض أو التزامه في الذمة وهو مفقود هنا هو السهو لإجرائهم خلاف المعاطاة في الرهن وغيره مما ليس فيه ذلك فما ذكره شرط للمعاطاة في البيع دون غيره أما القرض الحكمي فلا يشترط فيه صيغة كإطعام جائع وكسوة عار وإنفاق على لقيط ومنه أمر غيره بإعطاء ما له غرض فيه كإعطاء شاعر أو ظالم أو إطعام فقير أو فداء أسير وعمر داري واشتر هذا بثوبك لي ويأتي آخر الضمان ما لم يعلم منه أنه لا بد في جميع ذلك ونحوه من شرط الرجوع بخلاف ما لزمه كدين وما نزل منزلته كقول الأسير لغيره فادني، ومن الأول أد لمن ادعى علي ما ادعى به أي قبل ثبوته وأد زكاتي أي قبل تعلقها بالذمة وإلا فهي من جملة الديون كما هو ظاهر وإذا رجع كان في المقدر والمعين بمثله صورة كالقرض. ولو قال اقبض ديني وهو لك قرضا أو مبيعا صح قبضه لا قوله وهو إلى آخره نعم له أجرة مثل تقاضيه أو اقبض وديعتي مثلا وتكون لك قرضا صح وكانت قرضا وحصل لي ألفا قرضا ولك عشرة جعالة فيستحق الجعل إن اقترضها له لا إن أقرضه وقرض الأعمى واقتراضه كبيعه. "و" يشترط في المقرض "أهلية التبرع" المطلق؛ لأنه المراد حيث أطلق وهي تستلزم رشده واختياره فيما يقرضه فلا يرد عليه خلافا لمن زعمه صحة وصية السفيه وتدبيره وتبرعه بمنفعة بدنه الخفيفة وذلك؛ لأن فيه شائبة تبرع ومن ثم امتنع تأجيله إذ التبرع يقتضي تنجيزه ولم يجب التقابض فيه وإن كان ربويا فلا

 

ج / 2 ص -209-      يصح من محجور عليه وكذا وليه إلا لضرورة بالنسبة لغير القاضي إذ له ذلك مطلقا لكثرة أشغاله وإن نازع فيه السبكي نعم لا بد من يسار المقترض منه وأمانته وعدم الشبهة في ماله إن سلم منها مال المولى والإشهاد عليه وكذا أخذ رهن منه إن رأى القاضي أخذه وله أيضا إقراض مال المفلس بتلك الشروط إذا رضي الغرماء بتأخير القسمة أما المستقرض فشرطه الرشد والاختيار وسيعلم مما يأتي صحة تصرف السفيه المهمل قرضا وغيره وكذا السكران. "ويجوز إقراض" كل "ما يسلم فيه" أي في نوعه فلا يرد امتناع السلم في المعين وجواز قرضه كالذي في الذمة فلو قال أقرضتك ألفا وقبل وتفرقا ثم أعطاه ألفا جاز إن قرب الفصل عرفا وإلا فلا وإن نازع فيه السبكي. ويجوز قرض كف من نحو دراهم ليتبين قدرها بعد ويرد مثلها ولا أثر للجهل بها حالة العقد. وقضية الضابط حل إقراض النقد المغشوش وهو ما اعتمده جمع متأخرون خلافا للروياني؛ لأنه مثلي تجوز المعاملة به في الذمة وإن جهل قدر غشه لكن في غير الربا لضيقه كما مر بسطه في البيع فتقييد السبكي وغيره ما هنا بما عرف قدر غشه مردود، ولو رد من نوعه أحسن أو أزيد وجب قوله وإلا جاز ولا نظر للمماثلة السابقة في الربا لضيقه والمسامحة في القرض لأنه إرفاق ومزيد إحسان فإن اختلف النوع كان استبدالا فتجب المماثلة والقبض كما مر في الاستبدال وفي الروضة هنا عن القاضي منع قرض المنفعة لامتناع السلم فيها وفيها كأصلها في الإجارة جوازهما وجمع الإسنوي وغيره أخذا من كلامهما بحمل المنع على منفعة محل معين والحل على منفعة في الذمة وهي منفعة غير العقار كما مر أوائل السلم. "إلا الجارية التي تحل للمقترض في الأظهر" ولو غير مشتهاة فلا يجوز قرضها له وإن جاز السلم فيها؛ لأنه قد يطؤها ويردها فتصير في معنى إعارة الجواري للوطء وهو ممتنع كما نقله مالك عن إجماع أهل المدينة وما نقل عن عطاء من جوازه رد بأنه مكذوب عليه وليس في محله فقد نقله عنه أئمة أجلاء فالوجه الجواب بأنه شاذ بل كاد أن يخرق به الإجماع ولا ينافيه جواز هبتها للولد مع جواز الرجوع فيها لجواز القرض من الجانبين ولأن موضوعه الرجوع، ولو في البدل فأشبه الإعارة بخلاف الهبة فيهما وخرج بتحل محرمة عليه بنسب أو رضاع أو مصاهرة وكذا ملاعنة ونحو مجوسية ووثنية لا نحو أخت زوجة لتعلق زوال مانعها باختياره ويتجه خلافا لجمع أن مثلها مطلقة ثلاثا لقرب زوال مانعها بالتحليل الذي لا يستبعد وقوعه على قرب عرفا بخلاف إسلام نحو المجوسية ورتقاء وقرناء ومقرضة لنحو ممسوح؛ لأن المحذور خوف التمتع وهو موجود ومن عبر بخوف الوطء فقد جرى على الغالب وبحث الأذرعي حل إقراضها لبعضه؛ لأنه إن وطئها حرمت على المقرض وإلا فلا محذور وهو بعيد؛ لأن المحذور وهو وطؤها ثم ردها موجود وتحريمها على المقرض أمر آخر لا يفيد إثباتا ولا نفيا وقرضها لخنثى جائز لأن اتضاحه بعيد ولا يجوز تملك الملتقطة التي تحل؛ لأن ظهور مالكها أقرب من اتضاح الخنثى. هذا هو المنقول فيهما ووجهه ما ذكرته خلافا لمن عكس ذلك فإن اتضح ذكرا بان بطلان القرض؛ لأن العبرة في العقود بما في نفس الأمر وقرض الخنثى المشكل للرجل قيل يحل لتعذر وطئه ما دام خنثى ورد بأنه سهو

 

ج / 2 ص -210-      لامتناع السلم فيه. "وما لا يسلم فيه" أي في نوعه "لا يجوز إقراضه في الأصح"؛ لأن ما لا ينضبط أو يعز وجوده يتعذر أو يتعسر رد مثله إذ الواجب في المتقوم رد مثله صورة نعم يجوز قرض الخبز والعجين، ولو خميرا حامضا للحاجة والمسامحة ويرده وزنا. قال في الكافي أو عددا وفهم اشتراطه الجمع بينهما بعيد وجزء شائع من دار لم يزد على النصف لأن له حينئذ مثلا لا الروبة على الأوجه وهي خميرة لبن حامض تلقى على اللبن ليروب لاختلاف حموضتها المقصودة وعلم من الضابط أن القرض لا بد أن يكون معلوم القدر أي، ولو مآلا لئلا يرد ما مر في نحو كف الدراهم وذلك ليرد مثله أو صورته. ويجوز إقراض المكيل موزونا وعكسه، ولو قال أقرضني عشرة مثلا فقال خذها من فلان فإن كانت له تحت يده جاز وإلا فهو وكيل في قبضها فلا بد من تحديد قرضها كما مر "ويرد" وجوبا حيث لا استبدال "المثلي في المثلي"، ولو نقدا أبطله السلطان لأنه أقرب إلى حقه "وفي المتقوم" ويأتي ضابطهما في الغصب يرد "المثل صورة" لخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم استسلف بكرا أي وهو الثني من الإبل ورد رباعيا أي وهو ما دخل في السنة السابعة وقال: "إن خياركم أحسنكم قضاء" ومن لازم اعتبار المثل الصوري اعتبار ما فيه من المعاني التي تزيد بها القيمة فيرد ما يجمع تلك كلها حتى لا يفوت عليه شيء ويصدق المقترض فيها بيمينه. والذي يتجه في النقوط المعتاد في الأفراح أنه هبة ولا أثر للعرف فيه لاضطرابه ما لم يقل خذه مثلا وينوي القرض ويصدق في نية ذلك هو أو وارثه وعلى هذا يحمل إطلاق جمع أنه قرض أي حكما ثم رأيت بعضهم لما نقل قول هؤلاء وقول البلقيني أنه هبة قال ويحمل الأول على ما إذا اعتيد الرجوع به والثاني على ما لم يعتد قال لاختلافه بأحوال الناس والبلاد ا هـ وحيث علم اختلافه تعين ما ذكرته ويأتي قبيل اللقطة تقييد هذا الخلاف بما يتعين الوقوف عليه ووقع لبعضهم أنه أفتى في أخ أنفق على أخيه الشريد وعياله سنين وهو ساكت ثم أراد الرجوع عليه بأنه يرجع أخذا من القول بالرجوع في مسألة النقوط وفيه نظر بل لا وجه له أما أولا فلأن مأخذ الرجوع ثم اطراد العادة به عندهم ولا عادة في مسألتنا فضلا عن اطرادها بذلك، وأما ثانيا فلأن الأئمة جزموا في مسائل بما يفيد عدم الرجوع منها أدى واجبا عن غيره كدينه بلا إذنه صح ولا رجوع له عليه بلا خلاف والنفقة على ممون الأخ واجبة عليه فكان أداؤها عنه كأداء دينه وبهذا يتبين أنها مصرح بها في كلامهم وأن الإفتاء فيها بما مر غفلة عن هذا وبفرض أنها غير واجبة فهي لا رجوع بها بالأولى لأنه إذا لم يرجع بأداء ما لزم فما لم يلزم أولى فإن قلت صرحوا في مسائل بالرجوع قلت تلك إما لكونه أنفق بإذن الحاكم أو مع الإشهاد للضرورة كما في هزب الجمال ونحوها وإما لظنه أن الإنفاق لازم له كما إذا أنفق على مطلقته الحامل فبان أن لا حمل أو نفى حمل الملاعنة ثم استلحقه فترجع بما أنفقته عليه لظنها الوجوب فلا تبرع. ولو عجل حيوانا زكاة ثم رجع لسبب رجع عليه الآخذ بما أنفقه على الأوجه لإنفاقه بظن الوجوب لظنه أنه ملكه، وعجيب قول الزركشي لم يصرحوا به ثم نقل عن ابن الأستاذ في هذه ما يقتضي عدم الرجوع وكذا يقال في لقطة تملكها ثم جاء

 

ج / 2 ص -211-      مالكها وعجيب توقفه كابن الأستاذ في هذه أيضا. نعم لا أثر لظن وجوب في مبيع اشتراه فاسدا فلا يرجع بما أنفق عليه "وقيل" يرد "القيمة" يوم القبض وأداء المقرض كأداء المسلم فيه في جميع ما مر فيه صفة وزمنا ومحلا. "و" لكن "لو ظفر" المقرض "به" أي بالمقترض "في غير محل الإقراض وللنقل" من محله إلى محل الظفر "مؤنة" ولم يتحملها المقرض "طالبه بقيمة بلد الإقراض" يوم المطالبة لجواز الاعتياض عنه لا بالمثل استوت قيمة بلد الإقراض والمطالبة أم لا كما قاله الشيخان خلافا لابن الصباغ وجماعة للضرر وهي للفيصولة فلو اجتمعا ببلد الإقراض لن يترادا أما إذا لم تكن له مؤنة أو تحملها المقرض فيطالبه به نعم النقد الذي يعسر نقله أو تفاوتت قيمته بتفاوت البلاد كالذي لنقله مؤنة قاله الإمام وقوله أو تفاوتت قيمته إنما يأتي على ما مر عن ابن الصباغ.
"ولا يجوز" قرض نقد أو غيره إن اقترن "بشرط رد صحيح عن مكسر أو" رد "زيادة" على القدر المقرض أو رد جيد عن رديء أو غير ذلك من كل شرط جر منفعة للمقرض كرده ببلد آخر أو رهنه بدين آخر فإن فعل فسد العقد لخبر
"كل قرض جر منفعة فهو ربا" وجبر ضعفه مجيء معناه عن جمع من الصحابة ومنه القرض لمن يستأجر ملكه أي مثلا بأكثر من قيمته لأجل القرض إن وقع ذلك شرطا إذ هو حينئذ حرام إجماعا وإلا كره عندنا وحرم عند كثير من العلماء قاله السبكي. "ولو رد"، وقد اقترض لنفسه من ماله "هكذا" أي زائدا قدرا أو صفة "بلا شرط فحسن" ومن ثم ندب ذلك ولم يكره للمقرض الأخذ كقبول هديته ولو في الربوي وكذا كل مدين للخبر السابق وفيه  "إنخياركم أحسنكم قضاء" ولو عرف المستقرض برد الزيادة كره إقراضه على أحد وجهين ويتجه ترجيحه إن قصد ذلك وظاهر كلامهم ملك الزائد تبعا وهو متجه خلافا لبعضهم وحينئذ فهو هبة مقبوضة فيمتنع الرجوع فيه كما أفتى به ابن عجيل. "ولو شرط مكسرا عن صحيح أو أن يقرضه" شيئا آخر "غيره لغا الشرط" فيهما ولم يجب الوفاء به؛ لأنه وعد تبرع "الأصح أنه لا يفسد العقد" إذ ليس فيه جر منفعة للمقرض "ولو شرط أجلا فهو كشرط مكسر عن صحيح إن لم يكن للمقرض غرض" صحيح أو له والمقترض غير مليء فيلغو لأجل امتناع التفاضل فيه كالربا ويصح العقد لأنه زاد في الإرفاق بجر المنفعة للمقترض ولا أثر لجرها له في الأخيرة؛ لأن المقترض لما كان معسرا كان الجر إليه أقوى فغلب وفارق الرهن بقوة داعي القرض فإنه سنة وبأن وضعه جر المنفعة للمقترض فلم يفسد باشتراطها له ويسن الوفاء بالتأجيل ونحوه؛ لأنه وعد خير ولا يتأجل الحال لا بالوصية والنذر على ما فيه مما يأتي في بابه فبأحدهما تتأخر المطالبة به مع حلوله. "وإن كان" للمقرض غرض "كزمن نهب" والمقترض مليء "فكشرط" رد "صحيح عن مكسر" فيفسد العقد "في الأصح" لأن فيه جر منفعة للمقرض "وله" أي المقرض "شرط رهن وكفيل" عينا قياسا على ما مر في البيع وإقرار به وحده عند حاكم وإشهاد عليه؛ لأنه مجرد توثقه فله إذا اختل الشرط الفسخ وإن كان له الرجوع بلا شرط؛ لأن الحياء والمروءة يمنعانه منه.
"ويملك القرض بالقبض" السابق في المبيع كما هو ظاهر وإلا لامتنع عليه التصرف فيه وكالهبة "وفي قول بالتصرف" المزيل

 

ج / 2 ص -212-      للملك رعاية لحق المقرض؛ لأن له الرجوع فيه ما بقي فبالتصرف يتبين حصول ملكه بالقبض وتظهر فائدة الخلاف في النفقة ونحوها وكذا في الإبراء فيصح على الأول لأنه بملكه له انتقل بدله لذمته لا الثاني لبقاء العين بملك المقرض فلم يصح الإبراء منها "وله" بناء على الأول "الرجوع في عينه ما دام باقيا" في ملك المقترض "بحاله" بأن لم يتعلق به حق لازم "في الأصح" وإن دبره أو زال عن ملكه ثم عاد كما هو قياس أكثر نظائره؛ لأن له طلب بدله عند فواته فعينه أولى وللمقترض رده عليه قهرا وخرج بحاله رهنه وكتابته وجنايته إذا تعلقت برقبته فلا يرجع فيه حينئذ نعم لو أجره رجع فيه كما لو زاد ثم إن اتصلت أخذه بها وإلا فبدونها أو نقص فإن شاء أخذه مع أرشه أو مثله سليما فإن قلت يأتي في لقطة تملكت ثم ظهر مالكها، وقد نقصت بعيب فطلب المالك بدلها والملتقط ردها مع الأرش أجيب الملتقط وهذا يشكل على ما هنا قلت لا يشكل عليه بل يفرق بأن المقرض محسن فناسب تخييره على خلاف القاعدة الآتية بخلاف المالك ثم فإن التملك قهر عليه فأجري به على الأصل في الضمان أنه في الناقص يرده مع أرشه حتى في المغصوب منه فهذا أولى ويصدق في أنه قبضه بهذا النقص على ما أفتى به بعضهم وكأنه راعى أصل براءة ذمته لكن يعارضه أن الأصل السلامة وأن الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن وهذان خاصان فليقدما على الأول العام ثم رأيتهم صرحوا في غاصب رد المغصوب ناقصا وقال غصبته هكذا فكذبه المالك صدق الغاصب؛ لأن الأصل براءته من الزيادة وهذا صريح في ترجيح الأول بل أولى وإذا رجع فيه مؤجرا فإن شاء صبر لانقضاء المدة ولا أجرة له وإن شاء أخذ بدله وأفتى بعضهم في جذع اقترضه وبنى عليه وحب بذره أنه كالهالك فيتعين بدله. نعم إن حجر على المقترض بفلس يأتي فيه ما يأتي فيما اشتراه آخر التفليس.