تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 2 ص -213-      كتاب الرهن
هو لغة الثبوت ومنه الحالة الراهنة أو الحبس ومنه الخبر الصحيح: "نفس المؤمن مرهونة بدينه حتى يقضى عنه دينه" أي محبوسة عن مقامها الكريم ولو في البرزخ إن عصى بالدين أو ما لم يخلف وفاء قولان، لكن المنقول عن جمهور أصحابنا أنه لا فرق بين أن يخلف وفاء وأن لا، قيل والتفصيل إنما هو رأي تفرد به الماوردي والكلام في غير الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وشرعا جعل عين مال وثيقة بدين يستوفى منها عند تعذر وفائه. وأصله قبل الإجماع آية {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] أي فارهنوا واقبضوا ورهنه صلى الله عليه وسلم درعه عند أبي الشحم اليهودي وآثره ليسلم من نوع منة أو تكلف مياسير أصحابه بإبرائه أو عدم أخذ الرهن منه على ثلاثين صاعا من شعير لأهله متفق عليه. والصحيح أنه مات ولم يفكه وأركانه عاقد ومرهون ومرهون به وصيغة وبدأ بها لأهميتها فقال:
"لا يصح" الرهن "إلا بإيجاب وقبول" أو استيجاب وإيجاب بشروطهما السابقة في البيع لأنه عقد مالي مثله ومن ثم جرى هنا خلاف المعاطاة، ويؤخذ من هذا أنه لا بد من خطاب الوكيل هنا نظير ما مر في البيع وبحث صحة رهنت موكلك، والفرق بأن أحكام البيع تتعلق بالوكيل دون أحكام الرهن فيه نظر بل تحكم ولو قال دفعت إليك هذا وثيقة بحقك علي فقال قبلت أو بعتك هذا بكذا على أن ترهنني دارك به فقال اشتريت ورهنت كان رهنا. "فإن شرط فيه مقتضاه كتقدم المرتهن به" أي المرهون عند تزاحم الغرماء "أو" شرط فيه "مصلحة للعقد كالإشهاد" بالمرهون به وحده نظير ما مر آنفا "أو" شرط فيه "ما لا غرض فيه" كأن لا يأكل المرهون إلا كذا "صح العقد" كالبيع ولغا الشرط الأخير. "وإن شرط ما يضر المرتهن" وينفع الراهن كأن لا يباع عند المحل أو إلا بأكثر من ثمن المثل "بطل" الشرط "والرهن" لمنافاته لمقصوده "وإن نفع" الشرط "المرتهن وضر الراهن كشرط منفعته" من غير تقييد "للمرتهن بطل الشرط وكذا الرهن" يبطل "في الأظهر" لما فيه من تغير قضية العقد وكونه تبرعا فهو نظير ما مر آخر القرض لا نظر إليه لما مر آنفا من الفرق بينهما أما لو قيدها بسنة مثلا وكان الرهن مشروطا في بيع فهو جمع بين بيع وإجارة فيصحان. "ولو شرط أن تحدث زوائده" كثمرة ونتاج "مرهونة فالأظهر فساد الشرط" لعدمها مع الجهل بها "و" الأظهر "أنه متى فسد" الشرط "فسد العقد" أي عقد الرهن بفساده لما مر.
تنبيه: قد يقال لا حاجة لهذه الجملة الشرطية لأنه بين حكم الشرط والعقد فيما قبل هذه الصورة فلو قال فساد الشرط والعقد لسلم من إيهام أن العقد في الصورة السابقة لم يبين حكمه. على أن هذه الملازمة غير صحيحة إذ قد يفسد الشرط ولا يفسد العقد كما مر فيما لا غرض فيه ويجاب بأن الذي ذكره قبل شروط معينة وهنا قاعدة كلية ولذا تعين أن

 

ج / 2 ص -214-      ضمير فسد ليس لعين الشرط قبله بل للشرط الأعم لكن بقيد كونه مخالفا لمقتضى العقد فتأمله.
"وشرط العاقد" الراهن والمرتهن الاختيار "وكونه مطلق التصرف" لأنه عقد مالي كالبيع ولكون الولي مطلق التصرف في مال موليه بشرط المصلحة وليس من أهل التبرع فيه كان المراد بمطلقه هنا كونه أهلا للتبرع فيه بدليل تفريعه عليه بقوله "فلا يرهن الولي" بسائر أقسامه "مال" موليه كالسفيه "والصبي والمجنون" لأنه يحبسه من غير عوض إلا لضرورة كما لو اقترض لحاجة ممونه أو ضياعه مرتقبا غلتها أو حلول دين له أو نفاق متاعه الكاسد أو غبطة ظاهرة كأن يشتري ما يساوي مائتين بمائة نسيئة ويرهن بها ما يساوي مائة له لأن المرهون إن سلم فواضح وإلا كان في البيع ما يجبره فلو امتنع البائع إلا برهن ما يزيد على المائة ترك الشراء خلافا لجمع وفي هذه الصورة لا يرهن إلا عند أمين يجوز إيداعه زمن أمن أو لا يمتد الخوف إليه "ولا يرتهن لهما" أو للسفيه لأن في حال الاختيار لا يبيع إلا بحال مقبوض ولا يقرض إلا القاضي كما مر "إلا لضرورة" كما إذا أقرض ماله أو باعه مؤجلا لضرورة كنهب، والمرهون عنده لا يمتد الخوف إليه أو تعذر عليه استيفاء دينه أو كان مؤجلا بسبب آخر كإرث "أو غبطة ظاهرة" بأن يبيع ماله عقارا كان أو غيره مؤجلا بغبطة فيلزمه الارتهان بالثمن. والمكاتب - على تناقض فيه - كالولي فيما ذكر ومثله المأذون إن أعطي مالا أو ربح. "وشرط الرهن" أي المرهون "كونه عينا" يصح بيعها ولو موصوفة بصفة السلم خلافا للإمام "في الأصح" فلا يصح رهن المنفعة لأنها تتلف شيئا فشيئا ولا رهن الدين ولو ممن هو عليه لأنه قبل قبضه لا وثوق به وبعده لم يبق دينا. نعم بدل نحو الجناية على المرهون محكوم عليه في ذمة الجاني بأنه رهن فيمتنع على الراهن الإبراء منه ومن مات مدينا وله منفعة أو دين تعلق الدين بتركته ومنها دينه ومنفعته تعلق رهن ولا رهن وقف ومكاتب وأم ولد. "ويصح رهن المشاع" من الشريك وغيره وقبضه بقبض الجميع على الوجه الذي مر في قبض المبيع ولا يحتاج لإذن الشريك إلا في المنقول فإن لم يأذن ورضي المرتهن كونه بيده جاز وناب عنه في القبض وإلا أقام الحاكم عدلا يكون في يده لهما فعلم صحة رهن نصيبه من بيت معين من دار مشتركة بلا إذن شريكه كما يجوز بيعه فلو اقتسماها قسمة صحيحة برضا المرتهن بها أو لكونها إفرازا أو لحكم حاكم يراها فخرج المرهون لشريكه لزمه قيمته رهنا لأنه حصل له بدله أي من غير تعيين فمن ثم نظروا إليه في غرم القيمة ولم يجعلوه رهنا لعدم تعيينه. "و" يصح رهن "الأم" القنة "دون ولدها" القن ولو صغيرا "وعكسه" لبقاء الملك فيهما فلا تفريق "وعند الحاجة" إلى توفية الدين من ثمن المرهون "يباعان" معا إذا ملكهما الراهن والولد في سن يحرم فيه التفريق لتعذر بيع أحدهما حينئذ "ويوزع الثمن" عليهما ثم يقدم المرتهن بما يخص المرهون منهما ثم ذكر كيفية ذلك التوزيع بقوله "والأصح أنه" أي الشأن "تقوم الأم" إذا كانت هي المرهونة "وحدها" مع اعتبار كونها فيما إذا قارن وجود الولد لزوم الرهن ذات ولد حاضنة له لأنها رهنت كذلك فإذا ساوت حينئذ مائة "ثم" تقوم "مع الولد" فإذا ساويا مائة وخمسين فالخمسون

 

ج / 2 ص -215-      قيمة الولد وهي ثلث المجموع فيوزع الثمن عليهما بهذه النسبة فيكون للمرتهن ثلثاه ولا تعليق له بالثلث الآخر فإن كان الولد مرهونا دونها انعكس الحكم فيقوم وحده محضونا مكفولا ثم معها  "فالزائد قيمتها" وكالأم من ألحق بها في حرمة التفريق كما مر. وفائدة هذا التوزيع مع وجوب قضاء الدين بكل حال تظهر فيما إذا تزاحم الغرماء. "ورهن الجاني والمرتد كبيعهما" السابق في البيع صريحا في الأول وفي الخيار ضمنا في الثاني فيصح رهن جان لم يتعلق برقبته مال ومرتد مطلقا كقاطع طريق وإن تحتم قتله وإذا صححنا رهن الجاني لم يكن برهنه مختارا لفدائه لبقاء محل الجناية ويفرق بين هذين ومسرع الفساد الذي لا يمكن تجفيفه حيث فرقوا ثم بين المؤجل والحال لا هنا بأن المانع ثم الذي هو الإسراع إلى الفساد موجود حال العقد ولا يمكن تداركه لو وقع فأثر احتمال وجوده ويلزم من تأثيره رعاية الحلول والأجل على ما يأتي وأما المانع هنا وهو القتل فمنتظر ويمكن بل يسهل تداركه بالإسلام أو العفو لم ينظر لاحتمال وجوده ولا ترد صحة رهن المحارب بحال ومؤجل مع تحتم قتله نظرا إلى أن مانعه متعلق باختيار القاتل وقد لا يوجد بخلاف مسرع الفساد المذكور. "ورهن المدبر" باطل وإن كان الدين حالا لاحتمال عتقه كل لحظة بموت السيد فجأة "و" رهن "المعلق عتقه بصفة يمكن سبقها حلول الدين" يعني لم يعلم حلوله قبلها بأن علم حلوله بعدها أو معها أو احتمل الأمران فقط أو احتمل حلوله قبلها أو بعدها ومعها "باطل على المذهب" لفوات غرض الرهن بعتقه المحتمل قبل الحلول ولو تيقن وجودها قبل الحلول بطل جزما ما لم يشترط بيعه قبلها في جميع الصور لزوال الضرر وأفهم المتن صحة رهن الثاني إذا علم الحلول قبلها وكذا إذا كان الدين حالا وفارق المدبر بأن العتق فيه آكد منه في الثاني وإن كان التدبير تعليق عتق بصفة بدليل اختلافهم في جواز بيع المدبر دون المعلق عتقه بصفة.
"ولو رهن ما يسرع فساده فإن أمكن تجفيفه كرطب" وعنب يجيء منهما ثمر وزبيب ولو على أمهما ولو قبل بدو الصلاح وإن لم يشرط القطع على تفصيل في ذلك في الروضة وغيرها وفارق هذا بيعه بأن تقدير الجائحة الغالب وقوعها حينئذ يبطل سبب البيع وهو المالية دون سبب الرهن وهو الدين وكلحم صح الرهن مطلقا، وإن لم يشرط التجفيف إذ لا محذور ثم إن رهن بمؤجل لا يحل قبل فساده بأن كان يحل بعده أو معه أو قبله بزمن لا يسع البيع "فعل" ذلك التجفيف عند خوف فساده أي فعله المالك ومؤنته عليه حفظا للرهن فإن امتنع أجبر عليه فإن تعذر أخذ شيء منه باع الحاكم جزءا منه وجفف بثمنه ولا يتولاه المرتهن إلا بإذن الراهن إن أمكن وإلا راجع الحاكم، أما إذا كان يحل قبل فساده بزمن يسع البيع فإنه يباع "وإلا" يمكن تجفيفه "فإن رهنه بدين حال أو مؤجل يحل قبل فساده" بزمن يسع بيعه على العادة "أو" يحل بعد فساده أو معه لكن "شرط" في هذه الصورة "بيعه" أي عند إشرافه على الفساد لا الآن وإلا بطل قاله الأذرعي كالسبكي واعترضا بأنه مبيع قطعا وبيعه الآن أحظ لقلة ثمنه عند إشرافه وقد يجاب بأن الأصل في بيع المرهون قبل المحل المنع إلا لضرورة وهي لا تتحقق إلا عند الإشراف "وجعل الثمن رهنا" مكانه قال

 

ج / 2 ص -216-      الإسنوي قضية هذا أنه لا بد من اشتراط هذا الجعل وفيه نظر ا هـ. ويرد بأنه من مصالح المرتهن لئلا يتوهم من شرط بيعه انفكاك رهنه فوجب لرد هذا التوهم "صح" الرهن في الصور الثلاث لانتفاء المحذور مع شدة الحاجة للشرط في الأخيرة، وبه فارق ما يأتي أن الإذن في بيع المرهون بشرط جعل ثمنه رهنا لا يصح "ويباع" المرهون في تلك الثلاث وجوبا أي يرفعه المرتهن للحاكم عند نحو امتناع الراهن ليبيعه "عند خوف فساده" حفظا للوثيقة فإن أخره حتى فسد ضمنه "ويكون ثمنه" في الأخيرة "رهنا" من غير إنشاء عقد عملا بالشرط ويجعل ثمنه رهنا في الأوليين بإنشاء العقد "فإن شرط منع بيعه" قبل الفساد "لم يصح" الرهن لمنافاة الشرط لمقصود التوثق "وإن أطلق" فلم يشرط بيعا ولا عدمه "فسد" الرهن "في الأظهر" لتعذر استيفاء الحق من المرهون عند المحل لفساده قبله، والبيع قبله ليس من مقتضيات الرهن والثاني يصح ويباع عند الإشراف على الفساد؛ لأن الظاهر أن المالك لا يقصد إتلاف ماله ونقله في الشرح الصغير عن الأكثرين ومن ثم اعتمده الإسنوي وغيره "وإن لم يعلم هل يفسد" المرهون "قبل" حلول "الأجل صح" الرهن المطلق "في الأظهر" إذ الأصل عدم فساده قبل الحلول وفارقت هذه نظيرتها السابقة في المعلق عتقه بصفة يحتمل سبقها الحلول وتأخرها عنه بتشوف الشارع للعتق. "وإن رهن" بمؤجل "مالا يسرع فساده فطرأ ما عرضه للفساد" قبل الحلول "كحنطة ابتلت"، وإن تعذر تجفيفها "لم ينفسخ الرهن بحال" وإن طرأ ذلك قبل قبضه؛ لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء فيباع فيهما عند تعذر تجفيفه قهرا على الراهن إن امتنع وقبض المرهون ويجعل ثمنه رهنا مكانه حفظا للوثيقة. "ويجوز أن يستعير شيئا ليرهنه" إجماعا، وإن كانت العارية ضمنا كما لو قال لغيره ارهن عبدك على ديني ففعل فإنه كما لو قبضه ورهنه "وهو" أي عقد العارية بعد الرهن لا قبله خلافا لما يوهمه بعض العبارات "في قول عارية" أي باق على حكمها، وإن بيع؛ لأنه قبضه بإذنه لينتفع به "والأظهر أنه ضمان دين في رقبة ذلك الشيء"؛ لأن الانتفاع هنا إنما يحصل بإهلاك العين ببيعها في الدين فهو مناف لوضع العارية ومن ثم صح هنا فيما لا تصح فيه كالنقد ولأن الأعيان كالذمم والضمان يكون بدين وبعين كما يأتي فيه، وأفهم قوله في رقبته أنه لا يتعلق شيء من الدين بذمة المعير وإذا ثبت أنه ضمان "فيشترط ذكر جنس الدين وقدره وصفته" كحلوله وتأجيله وصحته وتكسيره كما في الضمان. نعم في الجواهر لو قال له ارهن عبدي بما شئت صح أن يرهنه بأكثر من قيمته ا هـ. ويؤيده ما يأتي في العارية من صحة: انتفع به بما شئت وبه يندفع التنظير فيه بأنه لا بد من معرفة الدين "وكذا المرهون عنده" وكونه واحدا أو متعددا "في الأصح" لاختلاف الغرض بذلك فإن خالف شيئا من ذلك ولو بأن يعين له زيدا فيرهن من وكيله أو عكسه على ما بحثه بعضهم أو يعين له ولي محجور فيرهن منه بعد كماله بطل كما لو عين له قدرا فزاد لا إن نقص وكما لو استعاره ليرهنه من واحد فرهنه من اثنين أو عكسه "فلو تلف في يد" الراهن ضمن؛ لأنه مستعير الآن اتفاقا أو في يد "المرتهن فلا ضمان" عليهما إذ المرتهن أمين ولم يسقط الحق عن ذمة الراهن نعم إن رهن فاسدا ضمن بالتسليم على ما قاله غير واحد؛ لأن المالك لم

 

ج / 2 ص -217-      يأذن له فيه ولأنه مستعير وهو ضامن ما دام يقبضه عن جهة رهن صحيح ولم يوجد ويلزم من ضمانه تضمين المرتهن لترتب يده على يد ضامنه ويرجع عليه إن لم يعلم الفساد وكونها مستعارة. وأفتى بعضهم بعدم ضمانه محتجا بأنه إذا بطل الخصوص وهو التوثقة هنا لا يبطل العموم وهو إذن المالك بوضعها تحت يد المرتهن وبإفتاء الجلال البلقيني في وكيل برهن بألف رهنه بألف وخمسمائة بعدم ضمانه؛ لأنه لم يتعد في عين الرهن وفي مستأجر شيء فاسدا آجره جاهلا بالفساد بأن الثاني لا يضمن وتردد في ضمان الأول فإذا لم يضمن الثاني مع أن المالك لم يأذن صريحا بوضعه تحت يده فالمرتهن في مسألتنا أولى؛ لأن المالك أذن في وضعه تحت يده ويرد بأنه لم أذن في وضعه تحت يده إلا بعقد صحيح ولم يوجد فالوجه ضمان المرتهن كما تقرر وأن ما قاله الجلال فيه نظر واضح "ولا رجوع للمالك" فيه "بعد قبض المرتهن" وإلا لغت فائدة هذا الرهن بخلافه قبل قبضه لعدم لزومه "فإن حل الدين أو كان حالا ورجع المالك للبيع"؛ لأنه قد يفدي ملكه. "ويباع إن لم يقض" بضم أوله "الدين" من جهة الراهن أو المالك أو غيرهما كمتبرع أي يبيعه الحاكم، وإن لم يأذن المالك ولو أيسر الراهن كما يطالب ضامن الذمة، وإن أيسر الأصيل "ثم" بعد بيعه "يرجع المالك" على الراهن "بما بيع به"؛ لأنه لم يقض من الدين غيره زاد ما بيع به عن القيمة أو نقص عنها لكن بما يتغابن به إذ بيع الحاكم لا يمكن فيه أقل من ذلك.
تنبيه: ألغز شارح فقال لنا مرهون يصح بيعه جزما بغير إذن المرتهن وصورته استعار شيئا ليرهنه بشروطه ففعل ثم اشتراه المستعير من المعير بغير إذن المرتهن وهذا الذي جزم به احتمال للبلقيني تردد بينه وبين مقابله من عدم الصحة ورجح هذا جمع ولم يبالوا بما قيل إن الجرجاني صرح بالأول لكن الحق أنه الأوجه؛ لأن شراءه لا يضر المرتهن بل يؤكد حقه؛ لأنه كان يحتاج لمراجعة المعير وربما عاقه ذلك وبشراء الراهن ارتفع ذلك ولو حكم شافعي برهن ثم استعاده الراهن فأفلس أو مات فحكم مخالف يرى قسمته بين الغرماء بها نفذ إن كان من مذهبه بطلانه بقبض الراهن حين أفلس أو مات بعد صحته؛ لأن هذه قضية طرأت لم يتناولها حكم الشافعي لاتفاقهما على الصحة أو لا ذكره أبو زرعة وإنما يتجه إن حكم شافعي بالصحة أما إذا حكم بموجبه فيتناول ذلك؛ لأنه مفرد مضاف فيعم الآثار الموجودة والتابعة.
 

فصل في شروط المرهون به ولزوم الرهن
"شرط المرهون به" ليصح الرهن "كونه دينا" ولو زكاة أو منفعة كالعمل في إجارة الذمة لإمكان استيفائه ببيع المرهون وتحصيله من ثمنه لا إجارة العين لتعذر استيفائه من غير العين، وإن بيع المرهون معينا معلوما قدره وصفته فلو جهله أحدهما أو رهن بأحد الدينين لم يصح الرهن وقد يغني العلم عن التعيين؛ لأن الإبهام ينافيه ولو ظن دينا فرهن أو أدى فبان عدمه لغا الرهن والأداء أو ظن صحة شرط رهن فاسد فرهن وثم دين في نفس الأمر صح لوجود مقتضيه حينئذ قال ابن خيران ولا يصح رهنتك هذا بما علي من درهم إلى

 

ج / 2 ص -218-      عشرة بخلاف الضمان وفيه نظر ظاهر، وإن أقره الزركشي إذ المؤثر هنا الجهل والإبهام وهما منتفيان إذ هذه العبارة مرادفة شرعا لقوله بتسعة مما علي وهذا صحيح بلا نزاع فكذا ما هو بمعناه "ثابتا" أي موجودا حالا ولا يغني لفظ الدين إذ لا يلزم من التسمية الوجود وإلا لم يسم المعدوم معدوما "لازما" في نفسه كثمن المبيع بعد الخيار دون دين الكتابة فاللزوم ومقابله صفات للدين في نفسه، وإن لم يوجد فحينئذ لا تلازم بين الثبوت واللزوم وسواء وجد معه استقرار كدين قرض وإتلاف أم لا كثمن مبيع لم يقبض وأجرة قبل استيفاء المنفعة "فلا يصح" الرهن "بالعين" المضمونة كالمأخوذة بالسوم أو البيع الفاسد و "المغصوبة والمستعارة" وألحق بها ما يجب رده فورا كالأمانة الشرعية "في الأصح"؛ لأنه تعالى ذكر الرهن في المداينة ولاستحالة استيفاء تلك العين من ثمن المرهون وذلك مخالف لغرض الرهن من البيع عند الحاجة وإنما صح ضامنها لترد لحصول المقصود بردها لقادر هو عليه بخلاف حصولها من ثمن المرهون فإنه متعذر فيدوم حبسه لا إلى غاية أما الأمانة كالوديعة فلا يصح بها جزما وبه علم بطلان ما اعتيد من أخذ رهن من مستعير كتاب موقوف وبه صرح الماوردي وإفتاء القفال بلزوم شرط الواقف ذلك والعمل به مردود بأنه رهن بالعين لا سيما وهي غير مضمونة لو تلفت بلا تعد وبأن الراهن أحد المستحقين وهو لا يكون كذلك. وقال السبكي إن عنى الرهن الشرعي فباطل أو اللغوي وأراد أن يكون المرهون تذكرة صح، وإن جهل مراده احتمل بطلان الشرط حملا على الشرعي فلا يجوز إخراجه برهن لتعذره ولا بغيره لمخالفته للشرط أو لفساد الاستثناء فكأنه قال لا يخرج مطلقا وشرط هذا صحيح؛ لأن خروجه مظنة ضياعه واحتمل صحته حملا على اللغوي وهو الأقرب تصحيحا للكلام ما أمكن ا هـ واعترض الزركشي ما رجحه بأن الأحكام الشرعية لا تتبع اللغة وكيف يحكم بالصحة مع امتناع حبسه شرعا فلا فائدة لها وأجيب عنه بأنه إنما عمل بشرطه مع ذلك لأنه لم يرض بالانتفاع به إلا بإعطاء الآخذ وثيقة تبعثه على إعادته وتذكره به حتى لا ينساه، وإن كانت ثقة؛ لأنه مع ذلك قد يتباطأ في رده كما هو مشاهد وتبعث الناظر على طلبه لأنه يشق عليه مراعاتها. وإذا قلنا بهذا فالشرط بلوغها ثمنه لو أمكن بيعه على ما بحث إذ لا يبعث على ذلك إلا حينئذ.
"ولا" يصح الرهن "بما" ليس بثابت سواء وجد سبب وجوبه كنفقة زوجته في الغد أم لا كرهنه على ما "سيقرضه" أو سيشتريه؛ لأنه وثيقة حق فلا تقدم عليه كالشهادة. "و" قد يغتفر تقدم أحد شقي الرهن على ثبوت الدين لحاجة التوثق كما "لو قال أقرضتك هذه لدراهم وارتهنت بها عبدك" هذا أو الذي صفته كذا "فقال: اقترضت ورهنت أو قال بعتكه بكذا وارتهنت" بثمنه هذا "الثوب" أو ما صفته كذا "فقال: اشتريت ورهنت صح في الأصح" لجواز شرط الرهن في ذلك فمزجه أولى لأن التوثق فيه آكد إذ قد لا يفي بالشروط وفارق بطلان كاتبتك بكذا وبعتك هذا بدينار فقبلهما بأن الرهن من مصالح البيع والقرض ولهذا جاز شرطه فيهما مع امتناع شرط عقد في عقد بخلاف البيع والكتابة. قال القاضي ويقدر في البيع وجوب الثمن وانعقاد الرهن عقبه كما يقدر الملك بالبيع للملتمس في البيع

 

ج / 2 ص -219-      الضمني ا هـ. والذي يتجه أنه لا يحتاج لذلك هنا لاغتفار التقدم فيه للحاجة كما تقرر بخلاف ذاك فإنه لا بد منه فيه واستفيد من صنيع المتن أن الشرط وقوع أحد شقي الرهن بين شقي نحو البيع والآخر بعدهما فيصح إذا قال بعني هذا بكذا ورهنت به هذا فقال بعت وارتهنت. "ولا يصح" الرهن بغير لازم ولا آيل للزوم، وإن كان ثابتا؛ لأنه لا فائدة في التوثق بدين يتمكن المدين من إسقاطه فلا يصح "بنجوم الكتابة ولا يجعل الجعالة قبل الفراغ"، وإن شرع في العمل بخلافه بعد الفراغ للزومه حينئذ "وقيل يجوز بعد الشروع" لانتهاء الأمر فيه إلى اللزوم كالثمن في مدة الخيار ويرد بأن الأصل في البيع اللزوم؛ لأن المقصود منه الدوام ولا كذلك الجعالة إذ لهما قبل تمام العمل فسخها فيسقط به الجعل، وإن لزم الجاعل بفسخه وحده أجرة المثل. "ويجوز" الرهن "بالثمن في مدة الخيار"؛ لأنه يئول إلى اللزوم مع أنه الأصل في وضعه كما تقرر ومحله إن ملك البائع الثمن لكون الخيار للمشتري وحده كما مر ولا يباع المرهون إلا بعد انقضاء الخيار. "و" يجوز "بالدين" الواحد "رهن بعد رهن"، وإن اختلف جنسهما واعترض الإسنوي تركيبه بما لا يصح إذ بتقدير تعلق الدين برهن هو جائز؛ لأنه ظرف وهو جائز تقديمه، وإن كان معمولا للمصدر "ولا يجوز أن يرهنه المرهون" مفعول ثان "عنده بدين آخر" موافق لجنس الأول أو لا "في الجديد"، وإن وفى الدينين وفارق ما قبله بأن ذاك شغل فارغ فهو زيادة في التوثقة وهذا شغل مشغول فهو نقص منها نعم لو فدى المرتهن مرهونا أو أنفق عليه بإذن الراهن أو الحاكم لنحو غيبة الراهن أو عجزه ليكون مرهونا بالفداء أو النفقة أيضا صح لأنه فيه مصلحة حفظ الرهن. "ولا يلزم" الرهن من جهة الراهن "إلا" بإقباضه أو "بقبضه" أي المرتهن نظير ما مرر في البيع مع إذنه له فيه إن كان المقبض غيره لقوله تعالى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283]، ولأنه عقد إرفاق كالقرض ومن ثم لم يجبر عليه وإنما يصح القبض والإذن والإقباض "ممن يصح عقده" أي الرهن فلا يصح من نحو صبي ومجنون ومحجور ومكره لانتفاء أهليتهم ولا من وكيل راهن جن أو أغمي عليه قبل إقباض وكيله ولا من مرتهن أذن له الراهن أو أقبضه فطرأ له ذلك قبل قبضه، وأورد عليه غير المأذون فإنه تصح وكالته في القبض مع عدم صحة عقده الرهن وكذا سفيه ارتهن وليه على دينه ثم أذن له في قبض الرهن ويجاب بأنه ذكر الأول بالمفهوم كما يعلم من قوله ولا عبده. والثاني إن سلم ما ذكره فيه تعين كونه بحضرة الولي وحينئذ فهو القابض في الحقيقة فلا يرد وقد لا يلزم، وإن قبض لكن لعارض فلا يرد كما لو شرط في بيع وأقبضه في المجلس فله حينئذ فسخ الرهن بفسخ البيع. "وتجري فيه النيابة" من الطرفين كالعقد "لكن لا يستنيب" المرتهن في القبض "راهنا ولا وكيله" في الإقباض كعكسه لامتناع اتحاد القابض والمقبض ومن ثم لو كان الراهن وكيلا في الرهن فقط فوكله المرتهن في القبض أو عقد ولي الراهن فرشد المولى ثم وكل المرتهن الولي في القبض جاز إذ لا اتحاد حينئذ أي لأن الرشد المقتضي لانعزاله أبطل تسميته الآن راهنا "ولا عبده" ولو مأذونا وأم ولد؛ لأن يده كيده "وفي المأذون" له في التجارة "وجه" لانفراده باليد والتصرف كالمكاتب ويرد باللزوم من جهة السيد في

 

ج / 2 ص -220-      المكاتب بخلاف المأذون "ويستنيب مكاتبه" كتابة صحيحة لاستقلاله باليد والتصرف كالأجنبي ومبعضا وقعت الإنابة في نوبته. "ولو رهن وديعة عند مودع أو مغصوبا عند غاصب" أو مستعيرا عند مستعير أو رهن أصل من فرعه أو ارتهن له "لم يلزم" هذا الرهن "ما لم يمض زمن إمكان قبضه" من وقت الإذن مع النقل أو التخلية نظير ما مر في البيع؛ لأن دوام اليد كابتداء القبض ولا يشترط ذهابه إليه كما قالاه، وإن أطال جمع في رده "والأظهر" في غير الولي إذ العبرة فيه بالقصد فقط "اشتراط إذنه" أي لراهن "في قبضه"؛ لأن اليد كانت عن غير جهة الرهن ولم يقع تعرض للقبض عنه "ولا يبرئه ارتهانه" ونحو إجارته وتوكيله وقراضه عليه وتزوجه إياها وإبرائه عن ضمانه قبل رده لمالكه "عن الغصب" ونحوه من كل ضمان يد كالعارية؛ لأن نحو الرهن توثق لا ينافي الضمان ومن ثم لو تعدى فيه المرتهن لم يرتفع.
تنبيه: يأتي في الوديعة أنه لو تعدى فيها فأبرأه المالك عن ضمانها برئ ويفرق بأن يد الغاصب ونحوه متأصلة في الضمان فلم يرتفع بمجرد القول ويد الوديع الضمان طارئ عليها فهي متأصلة في الأمانة فردت إليها بأدنى سبب.
"ويبرئه الإيداع" كاستأمنتك عليه أو أذنت لك في حفظه "في الأصح"؛ لأنه محض ائتمان فينافيه الضمان ومن ثم لو تعدى الوديع في الوديعة ارتفع عقد الإيداع واجتماع القراض والعارية يتصور في إعارة النقد للتزيين. "ويحصل الرجوع عن الرهن قبل القبض بتصرف يزيل الملك كهبة مقبوضة" وإعتاق وبيع "وبرهن" أعاد الباء لئلا يتوهم أنه من المزيل "مقبوض" لتعلق حق الغير به لا غير مقبوض على المعتمد وإنما استويا في الرجوع عن الوصية؛ لأنه لا قبول فيها حالا فضعفت بخلاف الرهن "وكتابة" صحيحة "وكذا" فاسدة "وتدبيره في الأظهر" لمنافاة ذلك لمقصود الرهن، وإن جاز الرجوع عنه "وبإحبالها" لامتناع بيعها "لا الوطء" فقط؛ لأنه استخدام "والتزويج" إذ لا تعلق له بمورد العقد ومن ثم جاز ابتداء رهن المزوجة. "ولو مات العاقد" الراهن أو المرتهن "قبل القبض أو جن" أو أغمي عليه أو طرأ عليه حجر سفه أو فلس أو خرس ولم تبق له إشارة مفهمة "أو تخمر العصير أو أبق العبد" أو جنى قبل القبض في الكل "لم يبطل" الرهن "في الأصح" أما غير الأخيرين فكالبيع في زمن الخيار بجامع أن مصير كل اللزوم فيقوم في الموت الوارث مقام مورثه في القبض والإقباض وفي غيره من ينظر في أمر نحو المجنون والمغمى عليه والأخرس المذكور فيعمل فيه بالمصلحة وبحث البلقيني أن المرتهن لا يتقدم به على الغرماء لأن حقهم تعلق بالتركة بالموت فإقباض الوارث تخصيص وهو ممنوع منه مردود لسبق التعلق قبل الموت بجريان العقد فلا تخصيص وأما فيهما كالجناية فلأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء فعاد بالانقلاب خلا وبعود الآبق وعفو المجني عليه ويمتنع القبض حال التخمر ولو دبغ جلد مرهون مات لم يعد رهنا؛ لأن ماليته بالمعالجة بخلاف الخل، ونحو نقله من شمس لظل قد لا يخلله.
"وليس للراهن المقبض" أي يحرم عليه ولا ينفذ منه "تصرف" مع غير المرتهن بغير إذنه "يزيل الملك" كالبيع والوقف؛ لأنه حجر على نفسه

 

ج / 2 ص -221-      بالرهن مع القبض نعم له قتله قودا ودفعا وكذا لنحو ردة إذا كان واليا كذا قالوه. وظاهر أن المالكية هنا لا تأثير لها ويوجه بأنه أبطل النظر إليها بحجره على نفسه فيه بالرهن ولم ينظر لذلك بالنسبة لنحو القود احتياطا لحق الآدمي "لكن في إعتاقه" وإعتاق مالك جانيا تعلقت الجناية برقبته عن نفسه تبرعا أو غيره "أقول أظهرها ينفذ" ويجوز كما اقتضاه كلام الرافعي في النذر ونص عليه في الأم لكنه جزم في هذا الباب بحرمته وحكاه القاضي عن القفال "من الموسر" بالقيمة في المؤجل وبأقل الأمرين من قيمته حالة الإعتاق والدين في الحال كما قاله البلقيني دون المعسر تشبيها بسراية إعتاق الشريك لقوة العتق حالا أو مآلا مع بقاء حق التوثق بغرم القيمة في المؤجل مطلقا وفي الحال إذا كانت هي الأقل وعليه يحمل قوله "ويغرم قيمته" وجوبا جبرا لحق المرتهن وتعتبر قيمته "يوم عتقه"؛ لأنه وقت الإتلاف وتصير حيث لم يقض بها الدين الحال "رهنا" مكانه بلا عقد لقيامها مقامه ومن ثم حكم برهنيتها في ذمة المعتق كالأرش في ذمة الجاني قاله السبكي ومن تبعه ويشترط قصد دفعها عن جهة الغرم كسائر الديون أي على ما يأتي آخر الضمان بما فيه فلو قال قصدت الإيداع صدق بيمينه ولو أيسر ببعضه نفذ فيما أيسر به أما عتقه عن كفارة غير المرتهن فيمتنع؛ لأنه بيع أو هبة وعتقه تبرعا عن غير المرتهن باطل لذلك أيضا ولو مات الراهن فأعتقه وارثه الموسر عنه صح لأنه خليفته فلا يرد وكذا في الرهن الشرعي بأن مات مدينا فأعتق وارثه عنه ولو رهن بعض قنه ثم أعتق باقيه سرى للمرهون إن أيسر وإلا فلا فما قيل إنه احترز بالإعتاق عن هذا غير صحيح إلا أن يراد بالنسبة للخلاف "فإن لم ينفذه" لإعساره "فانفك" الرهن بأداء أو غيره "لم ينفذ في الأصح" لأنه ألغى لوجود مانعه فلم يعد لضعفه نعم إن بيع في الدين ثم ملكه لم يعتق جزما وقد لا يرد عليه؛ لأنه إذا بيع في الدين لا يقال حينئذ إن الرهن انفك "ولو علقه" أي الراهن عتق المرهون "بصفة فوجدت وهو رهن فكالإعتاق" فينفذ من الموسر ويأتي فيه ما تقرر لأن التعليق مع وجود الصفة كالتنجيز لا من المعسر بل تنحل اليمين فلا يؤثر وجودها بعد الفك "أو" وجدت "بعده" أي الفك أو معه "نفذ" العتق ولو من معسر "على الصحيح" إذ لا يبطل به حق أحد ولا عبرة بحالة التعليق؛ لأنه بمجرده لا ضرر فيه "ولا رهنه" عطف على تصرف يزيل الملك "لغيره" أي المرتهن لمزاحمته له ومر امتناعه له أيضا "ولا التزويج" للعبد وكذا الأمة لكن لغير المرتهن كما علم مما قبله؛ لأنه ينقص قيمته. نعم تجوز الرجعة "ولا الإجارة إن كان الدين حالا أو يحل قبلها" أي قبل انقضاء مدتها؛ لأنها تقلل الرغبة فيه فتبطل من أصلها كسابقيها إلا من المرتهن أو بإذنه ولا يأتي فيها تفريق الصفقة لما مر فيه بخلاف ما يحل بعد انقضائها أو معه ولو احتمالا فيجوز إن لم تنقص بها قيمة المرهون ولم تمتد مدة تفريغه لما بعد الحلول زمنا له أجرة وكانت من ثقة إلا أن يرضى المرتهن بغيره ثم إن اتفق حلوله مع بقائها لنحو موت الراهن صبرا لانقضائها على أحد وجهين رجح جمعا بين الحقين "ولا الوطء" أو الاستمتاع به أو الاستخدام إن جر لوطء وذلك خوف الحبل فيمن يمكن حبلها وحسما للباب في غيرها ولو صغيرة، وإن نقل الأذرعي فيها وفي الاستمتاع خلاف ذلك واعتمده،

 

ج / 2 ص -222-      نعم بحث أنه لو خاف الزنا لو لم يطأها جاز. "فإن وطئ" راهنها المالك لها فأحبلها "فالولد حر" نسيب؛ لأنها علقت به في ملكه فلا حد ولا مهر نعم عليه في البكر أرش البكارة يقضيه من الدين، وإن لم يحل أو يجعله رهنا. "وفي نفوذ الاستيلاد" من الراهن للمرهونة ومثله سيد الجانية "أقوال الإعتاق" أظهرها نفوذه من الموسر فقط وتصير قيمتها لقيدها السابق وقت الإحبال أي وإن كانت أقل، نظير ما مر هنا مكانها "فإن لم ننفذه" لإعساره "فانفك" الرهن بلا بيع "نفذ" الاستيلاد "في الأصح" وفارق الإعتاق بأنه قول مقتض للعتق حالا فإذا رد لغا من أصله والإيلاد فعل لا يمكن رده وتعذر نفوذ أثره إنما هو لحق الغير فإذا زال نفذ أما إذا انفك ببيعها في الدين ثم عادت إلى ملكه فينفذ الاستيلاد لكن على الأظهر وقيل قطعا كذا في الروضة وأصلها وعبرا في الأولى بالمذهب ثم قالا وقيل هذه كالأولى أي في خلافها وعبارة المتن من حيث حكاية الخلاف لا توافق شيئا من ذلك وبعبارتهما المذكورة يعلم غلط الزركشي في قوله في شرحه فيما لو ملكها بعد البيع فيه طريقان أصحهما على ما يقتضيه كلامهما القطع بعدم النفوذ على أنه قبل ذلك بأسطر قال إنه ينفذ على الأصح "فلو" لم ننفذه لإعساره حالة الإحبال "وماتت" أو نقصت "بالولادة" ثم أيسر "غرم قيمتها" وقت الإحبال أو الأرش يكون "رهنا" مكانها من غير إنشاء رهن وإنما غرم قيمتها أو أرش نقصها "في الأصح" لتسببه لهلاكها أو نقصها بالاستيلاد بلا حق فالظرف متعلق بغرم؛ لأنه الأصل لا برهنا فلا اعتراض عليه ولا قيمة لمزني بها ولا دية لحرة موطوءة بشبهة ماتتا بالإيلاد بخلاف أمة موطوءة بشبهة ماتت به. "وله" أي الراهن "كل انتفاع لا ينقصه" أي المرهون "كالركوب" في البلد لامتناع السفر به، وإن قصر بلا إذن إلا لضرورة كنهب أو جدب "والسكنى" ولبس خفيف للخبر الصحيح "الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا" وصح خبر "الرهن محلوب ومركوب". "لا البناء والغراس" لنقصهما قيمة الأرض إلا إذا كان الدين مؤجلا وقال افعل واقلع عند الحلول نص عليه وجرى عليه جمع ومحله إن لم تنقص الأرض بالقلع ولا طالت مدته أي زمنا له أجرة نظير ما مر ومع ذلك هو مشكل؛ لأنه لو تعدى به قلع أيضا كما يأتي مع أنه وعد وأجاب عنه الأذرعي بما لا يشفي وحكم هذين، وإن عرف كالذي قبلهما مما مر لكن أعادهما هنا ليبني عليهما قوله "فإن فعل" ذلك "لم يقلع قبل" حلول "الأجل" لتحقق ضرر قلعه الآن مع إمكان أداء الدين من غيره أو وفاء قيمة الأرض به "وبعده" أي الحلول "يقلع" وجوبا "إن لم تف الأرض" أي قيمتها "بالدين وزادت به" أي القلع ولم يحجر على الراهن ولا إذن في بيعها مع ما فيها لتعلق حق المرتهن بأرض فارغة أما إذا وفت الأرض به أو لم تزد بالقلع أو حجر عليه بفلس أو أذن الراهن فيما ذكر ولم تكن قيمة الأرض بيضاء أكثر من قيمتها مع ما فيها فلا يقلع بل يباع معها ويوزع الثمن عليهما ويحسب النقص عليه.  "ثم إن أمكن الانتفاع" الذي يريده الراهن من المرهون "بغير استرداد" له كحرفة يمكن عملها وهو بيد المرتهن "لم يسترد" إذ لا ضرورة إليه "وإلا" يمكن الانتفاع به إلا بالاسترداد كالخدمة، وإن كان له حرفة يمكن عملها بيد المرتهن "فيسترد" للضرورة بالنسبة لما أراده المالك منه ويرد

 

ج / 2 ص -223-      وقت فراغه للمرتهن كالليل أي الوقت الذي اعتيد الراحة فيه منه وإنما ترد إليه أمة أمن منه وطؤها لكونه محرما أو ثقة وعنده خلوة "ويشهد" المرتهن عليه بالاسترداد للانتفاع شاهدين أو واحدا ليحلف معه كل مرة قهرا عليه "إن اتهمه"، وإن اشتهرت عدالته على الأوجه بخلاف غير المتهم بأن ثبتت عدالته فلا يلزمه إشهاد أصلا وبخلاف المشهور بالخيانة فإنه لا يسلم إليه، وإن أشهد "وله بإذن المرتهن" وأن رده على الأوجه كما إن الإباحة لا ترتد بالرد وفارق الوكالة بأنها عقد "ما منعناه" من التصرف والانتفاع لأن المنع لحقه ويبطل الرهن بما يزيل الملك أو نحوه كالرهن لغيره وقضيته صحته منه بدين آخر لتضمنه فسخ الأول وهو واضح إن جعلاه فسخا وإلا فلا لمنافاته للعقد الأول مع بقائه إذ من أحكامه كما مر أن لا يرهنه منه بدين آخر فاندفع ما للإسنوي وغيره هنا. "وله" أي المرتهن "الرجوع" عن الإذن "قبل تصرف الراهن" تصرفا لازما فله الرجوع بعد نحو الهبة وقبل القبض وبعد الوطء وقبل الحمل نعم لو أذن له في بيع فباع بشرط الخيار لم يصح رجوعه لأن وضع البيع اللزوم كما مر وكرجوعه خروجه عن الأهلية بنحو إغماء أو حجر "فإن تصرف" بعد إذنه فيما يتوقف عليه "جاهلا برجوعه فكتصرف وكيل جهل عزله" فلا ينفذ. "ولو أذن" له "في بيعه ليعجل" له المرهون به "المؤجل من ثمنه" أي بأن شرط عليه ذلك كما بأصله أو قال على أن تعجل أو ذكر ذلك مريدا به الاشتراط على الأوجه وإلا لم يضر ذكره "لم يصح البيع" لفساد الإذن بشرط التعجيل "وكذا لو شرط" في الإذن في بيعه "رهن الثمن" أي إنشاء رهنه مكانه فإنه لا يصح البيع، وإن حل الدين "في الأظهر" لفساد الشرط بجهالة الثمن عند الإذن أما إذا لم يرد والدين حال الإنشاء بل استصحاب الرهن على الثمن فيصح جزما؛ لأنه تصريح بالواقع إذ الإذن في الحال محمول على الوفاء فلا يتسلط الراهن على الثمن قاله السبكي.
 

فصل في الأمور المترتبة على لزوم الرهن
"إذا لزم الرهن" بالقبض السابق "فاليد فيه" أي المرهون "للمرتهن" غالبا؛ لأنها الركن الأعظم في التوثق وظاهر أنه مع ذلك ليس له السفر به إلا إذا جوزناه للوديع الوديعة في الصور الآتية في بابها "ولا تزال إلا للانتفاع" ثم يرد له وقت الفراغ "كما سبق" إيضاحه وقد لا تكون اليد له كرهن نحو مسلم أو مصحف من كافر أو سلاح من حربي فيوضع تحت يد عدل له تملكه ويستنيب الكافر مسلما في القبض أو أمة غير صغيرة، وإن لم تشته وليس المرتهن محرما ولا امرأة ثقة أو ممسوحا كذلك ولا عنده حليلة أو محرم أو امرأتان ثقتان ولا يشكل بحل خلوة رجل بامرأتين ؛ لأن المدة هنا قد تطول فيكون وجود الواحدة فقط معها مظنة للخلوة بها فتوضع عند محرم لها أو رجل ثقة عنده من ذكر أو امرأة أو ممسوح ثقة فإن وجد في المرتهن شرط مما مر أو كانت صغيرة لا تشتهى فعنده، وشرط خلاف ذلك مفسد والخنثى كالأنثى لكن لا يوضع عند أنثى أجنبية. "ولو شرطا" أي الراهن والمرتهن "وضعه عند عدل" مطلقا أو فاسق وهما يتصرفان لأنفسهما التصرف التام

 

ج / 2 ص -224-      "جاز" لأن كلا قد لا يثق بصاحبه فيتولى الحفظ والقبض فإن أراد سفرا فكالوديع فيما يأتي فيه نظير ما مر ولو اتفقا على وضعه عند الراهن جاز على المعتمد وكون يده لا تصلح للنيابة عن المرتهن إنما هو في ابتداء القبض دون دوامه أما نحو ولي ووكيل ومأذون له وعامل قراض ومكاتب جاز لهم الرهن أو الارتهان فلا بد من عدالة من يوضع عنده كما بحثه الأذرعي "أو عند اثنين ونصا على اجتماعهما على حفظه أو الانفراد به فذاك" واضح أنه يتبع فيه الشرط "وإن أطلقا فليس لأحدهما الانفراد" بحفظه "في الأصح" لعدم الرضا بيد أحدهما على الانفراد فيجعلانه في حرزهما وإلا ضمن من انفرد به نصفه إن لم يسلمه له صاحبه وإلا اشتركا في ضمان النصف. "ولو" اتفقا على نقله ممن هو بيده من مرتهن أو غيره جاز مطلقا فإن لم يتفقا وقد تغير حال من هو بيده من المرتهن أو غيره بأن "مات العدل" الموضوع عنده "أو فسق" أو زاد فسقه أو خرج عن أهلية الحفظ بغير ذلك كأن صار عدو أحدهما ندبناهما إلى الاتفاق وعدم المشاحة فإن امتثلا "جعلاه حيث يتفقان" أي عند من يتفقان عليه "وإن" أبيا "وتشاحا" فيه أو مات المرتهن ولم يرض الراهن بيد وارثه "وضعه الحاكم عند عدل" يراه؛ لأنه العدل، وإن لم يشترط في بيع أو كان وارث المرتهن أزيد منه عدالة لأن الفرض أنه لزم بالقبض ولا يلزم من الرضا بالمورث الرضا بالوارث أما لو تشاحا ابتداء فيمن يوضع عنده فإن كان قبل القبض لم يجبر الراهن بحال، وإن شرط الرهن في بيع لجوازه من جهته حينئذ فلا يطالبه بإقباضه ولا بالرجوع عنه، وزعم مطالبته بأحدهما لئلا يستمر عبثه يرد بأن من فعل جائزا له لا يقال له عابث، وإن كان بعده وقد وضع بيد عدل أو المرتهن بلا شرط لم ينزع قهرا عليه إلا بمسوغ أو فاسق وأراد أحدهما نزعه لم يجب على ما قاله جمع لأنه رضي بيده مع الفسق ونازع فيه الأذرعي بأن رضاه ليس بعقد لازم وقال آخرون يرفع الأمر للحاكم فإن رآه أهلا لحفظه لم ينقله وإلا نقله، "ويستحق بيع المرهون عند الحاجة" إليه بأن حل الدين ولم يوف أو أشرف الرهن على الفساد قبل الحلول وقضية هذا أنه لا يلزم الراهن التوفية من غير الرهن، وإن طلبه المرتهن وقدر عليه وبه صرح الإمام واستشكله ابن عبد السلام بأنه حينئذ يجب أداؤه فورا فكيف ساغ له التأخير ويجاب بحمل كلام الإمام على تأخير يسير عرفا للمسامحة به حينئذ أو يقال لما رضي المرتهن بتعلق حقه بالرهن كان رضا منه بتأخير حقه إلى تيسر بيعه واستيفائه من ثمنه ثم رأيت السبكي اختار وجوب الوفاء فورا من الرهن أو غيره وأنه من غيره لو كان أسرع وطلبه المرتهن وجب وهو متجه، ولا ينافيه أن المرتهن لو طلب البيع فأبي الراهن ألزمه القاضي قضاء الدين أو بيعه؛ لأن التخيير إنما هو لاحتمال أنه يبقي الرهن لنفسه فيلزم حينئذ بالوفاء من غيره فلا ينافي انحصار حقه فيه إذا تيسر بيعه كما قدمناه "ويقدم المرتهن" بعد بيعه "بثمنه" على سائر الغرماء لتعلق حقه به وبالذمة وحقهم مرسل فيها فقط "ويبيعه الراهن أو وكيله بإذن المرتهن" أو وكيله؛ لأن الحق له. "فإن لم يأذن" المرتهن في البيع الذي أراده الراهن أو نائبه ولا عذر له في ذلك "قال له الحاكم" ألزمك بأنك "تأذن" له في البيع "أو تبرئه" من الدين دفعا لضرر الرهن فإن أصر باعه الحاكم أو أذن للراهن في بيعه ومنعه

 

ج / 2 ص -225-      من التصرف في ثمنه إلا إذا أبى أيضا من أخذ دينه منه فيطلق للراهن في بيعه ومنعه من التصرف فيه ولو عجز الراهن عن استئذان المرتهن والحاكم فقضية كلام الماوردي تصحيح الصحة وهو مشكل إلا أن يكون المراد أنه يبيعه لغرض الوفاء ويحجر عليه في ثمنه إليه لا ضرر فيه حينئذ على المرتهن. "ولو طلب المرتهن بيعه فأبى الراهن ألزمه القاضي قضاء الدين" من محل آخر "أو بيعه ليوفي منه بما يراه من حبس أو غيره فإن أصر" على إبائه "باعه الحاكم" عليه وقضى الدين من ثمنه دفعا لضرر المرتهن.
تنبيه: قضية المتن وغيره هنا أن القاضي لا يتولى البيع إلا بعد الإصرار على الإباء وليس مرادا أخذا من قولهم في التفليس إنه بالامتناع من الوفاء يخير القاضي بين توليه للبيع وإكراهه عليه ولو غاب الراهن أثبت المرتهن الأمر عند الحاكم ليبيعه وحينئذ لا يتعين عليه بيعه إلا إذا لم يتيسر حالا وفاء من غيره وإلا أوفى منه كما بحثه السبكي؛ لأنه نائب الغائب فيلزمه العمل بالأصلح له من بيع المرهون أو الوفاء من غيره ومن ثم لو أحضر الراهن إليه لغيبة المرتهن الدين المرهون به لينفك الرهن لزمه قبضه منه فإن عجز لفقد البينة أو لفقد الحاكم تولاه بنفسه وكان ظافرا بخلاف ما إذا قدر عليها ويفرق بينه وبين الظافر بغير جنس حقه فإن له البيع ولو مع القدرة على البينة بأن هذا عنده وثيقة بحقه فلا يخشى فواته فاشترط لظفره العجز بخلاف ذاك يخشى الفوات لو صبر للبينة فجاز له مع القدرة عليها وقياس ما يأتي في الفلس أن الحاكم لا يتولى البيع حتى يثبت عنده كونه ملكا للراهن إلا أن يقال اليد عليه للمرتهن فكفى إقراره بأنه ملك للراهن.
"ولو باعه المرتهن" والدين حال "بإذن الراهن" له في بيعه بأن قال بعه لي أو أطلق ولم يقدر الثمن "فالأصح أنه إن باعه بحضرته صح" البيع إذ لا تهمة "وإلا" بأن باعه في غيبته "فلا" يصح؛ لأنه يبيع لغرض نفسه فيتهم في الاستعجال ومن ثم لو قدر له الثمن صح مطلقا وكذا لو كان الدين مؤجلا ما لم يأذن له في استيفاء حقه من ثمنه للتهمة حينئذ أما لو قال بعه لك فيبطل مطلقا لاستحالته فعلم أنه في بعه لي أو لنفسك واستوف لي أو لنفسك يصح ما للراهن فقط ويأتي ما ذكر في إذن وارث للغريم في بيع التركة وسيد المجني عليه في بيع الجاني. "ولو شرط" بضم أوله في عقد الرهن أي شرطا "أن يبيعه العدل" أو غيره ممن هو تحت يده عند المحل "جاز" هذا الشرط إذ لا محذور فيه. "ولا يشترط مراجعة الراهن" في البيع "في الأصح"؛ لأن الأصل بقاء إذنه بل المرتهن؛ لأنه قد يمهل أو يبرئ ولأن إذنه السابق وقع لغوا بتقدمه على القبض ويؤخذ منه أن إذنه لو تأخر عن القبض لم يشترط مراجعته وهو ظاهر لولا التعليل الأول ويصح عزل الراهن للمشروط له ذلك قبل البيع؛ لأنه وكيله دون المرتهن؛ لأن إذنه إنما هو شرط في الصحة. "فإذا باع" المأذون له وقبض الثمن "فالثمن عنده من ضمان الراهن" لبقائه بملكه "حتى يقبضه المرتهن" إذ هو أمينه عليه فيده كيده ومن ثم صدق في تلفه لا في تسليمه للمرتهن فإذا حلف أنه لم يتسلمه غرم الراهن وهو يغرم أمينه، وإن كان أذن له في التسليم للمرتهن؛ لأنه لم يثبت "ولو تلف ثمنه في يد" المأذون "العدل" أو غيره ولو المرتهن "ثم استحق المرهون" المبيع

 

ج / 2 ص -226-      "فإن شاء المشتري رجع على" المأذون "العدل" أو غيره؛ لأنه واضع اليد ومحله إن لم يكن نائب الحاكم لإذنه له في البيع لنحو غيبة الراهن وإلا لم يكن طريقا؛ لأن يده كيد الحاكم "وإن شاء على الراهن"؛ لأنه الموكل "و" من ثم كان "القرار عليه" فيرجع مأذونه عليه ما لم يقصر في تلفه على الأوجه. "ولا يبيع" المأذون "العدل" أو غيره المرهون "إلا بثمن مثله" أو دونه بقدر يتغابن به وسيأتي بيانه "حالا من نقد بلده" وإلا لم يصح كالوكيل ومنه يؤخذ أنه لا يصح منه شرط الخيار لغير موكله وأنه لا يسلم المبيع قبل قبض الثمن وإلا ضمن ولا يبيع المرتهن إلا بذلك أيضا وكذا الراهن على الأوجه لتعلق حق الغير به نعم إن وفى دون ثمن المثل بالدين جاز لانتفاء الضرر حينئذ ولو رأى الحاكم بيعه بجنس الدين جاز كما لو اتفق العاقدان على بيعه بغير ما مر ولا يصح البيع بثمن المثل أو أكثر وهناك راغب بأزيد "فإن زاد" في الثمن "راغب" بعد اللزوم لم ينظر إليه أو زاد ما لا يتغابن به وهو ممن يوثق به "قبل انقضاء الخيار" الثابت بالمجلس أو الشرط واستمر على زيادته "فليفسخ" وجوبا "وليبعه" أو يبعه بلا فسخ ويكون بيعه مع قبول المشتري له ولا يقاس هذا بزمن الخيار لوضوح الفرق؛ لأنه ثم بالتشهي فأثر فيه أدنى مشعر بخلافه وهنا لسبب فاشترط تحققه وإنما يوجد إن قبل المشتري فسخا للأول وهو الأحوط؛ لأنه قد يفسخ فيرجع الراغب فإن تمكن من ذلك وترك تنفسخ البيع حتى لو رجع الراغب احتيج لتجديد عقده واختار السبكي أنه لو لم يعلم بالزيادة إلا بعد اللزوم وهي مستقرة بأن الانفساخ من حينها واستشكل بيعه ثانيا بأن الوكيل لو رد عليه المبيع بعيب أو فسخ البيع في زمن الخيار لم يملك بيعه ثانيا وأجيب بفرض ذلك فيما إذا أذن له في ذلك أي أو كان شرط الخيار له أو لهما ؛ لأن ملك الموكل هنا لم يزل بخلافه فيما إذا كان للمشتري فإنه زال ثم عاد فكان نظير الرد بالعيب وبه علم أن قول المستشكل في زمن الخيار مراده خيار المشتري فتأمله وقد يوجه إطلاقهم بأن زيادة الراغب تؤذن بتقصير الوكيل غالبا في تحري ثمن المثل فنزل بيعه الأول كلا بيع ولم يحتج للإذن في البيع الثاني وظاهر كلامهم هنا جواز الزيادة وعليه فلا ينافيه ما مر من حرمة الشراء على شراء الغير لإمكان حمل ذلك على المتصرف لنفسه لكن ظاهر كلامهم ثم أنه لا فرق وهو الذي يتجه وعليه فأنما أناطوا بها تلك الأحكام مع حرمتها رعاية لحق الغير ويأتي ذلك في كل بائع عن غيره. "ومؤنة المرهون" التي تبقى بها عينه ومنها أجرة حفظه وسقيه وجذاذه وتجفيفه ورده إن أبق "على الراهن" إن كان مالكا وإلا فعلى المعير أو المولى لا على المرتهن إجماعا إلا ما شذ به الحسن البصري أو الحسن بن صالح ومر خبر "الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا" "ويجبر عليها لحق المرتهن" لا من حيث الملك؛ لأن له ترك سقي زرعه وعمارة داره ولا لحق الله تعالى لاختصاصه بذي الروح وإنما لم يلزم المؤجر عمارة لأن ضرر المستأجر يندفع بثبوت الخيار له "على الصحيح" ولاختصاص الخلاف بهذا لم يفرعه على ما قبله ولم يغن عنه من حيث الخلاف بل ولا من حيث الحكم لما قررته أن رعاية حق المرتهن أوجبت عليه ما لم يوجبه عليه حق الملك وحق الله تعالى فاندفع ما للإسنوي ومن تبعه هنا.  "ولا يمنع الراهن من مصلحة المرهون

 

ج / 2 ص -227-      كفصد وحجامة" بخلافهما لغير مصلحة حفظا لملكه لكنه لا يجبر عليه كسائر الأدوية كما أفاده صنيعه؛ لأن البرء بالدواء غير متيقن وبه فارق وجوب النفقة، وكمعالجة بدواء قطع يد متآكلة وسلعة إن غلبت السلامة في القطع وختان ولو كبيرا وقت الاعتدال حيث لا عارض به يخاف من الختان معه وكان يندمل عادة قبل الحلول أو لا تنقص به القيمة وبهذه الشروط يجمع بين كلام الروضة وغيرها "وهو أمانة في يد المرتهن" فلا يضمنه إلا بالتعدي كالوديع للخبر الصحيح "لا يغلق الرهن على راهنه له غنمه وعليه غرمه". ومعنى لا يغلق لا يملكه المرتهن عند تأخر الحق أو لا يكون غلقا يتلف الحق بتلفه فوجب حمله عليهما معا والغلق ضد الفك من غلق يغلق كعلم يعلم وفي رواية صحيحة "الرهن من راهنه" أي من ضمانه كما هو عرف لغة العرب في قولهم الشيء من فلان ولو غفل عن نحو كتاب فأكلته الأرضة أو جعله في محل هو مظنتها ضمنه لتفريطه ومر أن اليد الضامنة لا تنقلب بالرهن أمانة "ولا يسقط بتلفه شيء من دينه" للحديث.
"وحكم فاسد العقود" إذا صدر من رشيد "حكم صحيحها في الضمان" وعدمه؛ لأن صحيحه إن اقتضى الضمان بعد القبض كالبيع والقرض ففاسده أولى أو عدمه كالمرهون والمستأجر والموهوب ففاسده كذلك؛ لأن إثبات اليد عليه بإذن المالك ولم يلتزم بالعقد ضمانا والمراد التشبيه في أصل الضمان لا الضامن فلا يرد كون الولي لو استأجر لموليه فاسدا تكون الأجرة عليه وفي الصحيحة على موليه ولا في القدر فلا يرد كون صحيح البيع مضمونا أي مقابلا فاندفع تنظير شارح فيه بالثمن، وفاسده بالبدل والقرض بمثل المتقوم الصوري، وفاسده بالقيمة، ونحو القراض والمساقاة والإجارة بالمسمى وفاسدها بأجرة المثل وخرج بالرشيد ما صدر من غيره فإنه مضمون، وإن لم يقتض صحيحه الضمان كما يعلم من كلامه في الوديعة ثم يستثنى من طرد هذه القاعدة ما لو قال قارضتك أو ساقيتك على أن الربح أو الثمرة كلها لي فهو فاسد ولا أجرة له إن علم كما يأتي؛ لأنه لم يدخل طامعا وكذا من حيث لم يطمع كأن ساقاه على غرس ودي أو تعهده مدة لا يثمر فيها غالبا ونظر في استثنائهما بأن المراد من القاعدة ما يقتضي فاسده ضمان العوض المقبوض ويرد بأن المنافع التي أتلفها العامل للمالك بمنزلة عوض مقبوض وما لو عقد الذمة غير الإمام فتفسد ولا جزية حسما لتصرف غير الإمام فيما هو من خواصه عن الاعتداد به ونوزع في استثناء هذه بأن القائل بعدم الوجوب يجعل ما صدر لغوا لا فاسدا ولا صحيحا وإتلاف الحربي غير مضمون فلم يلزم شيء ويرد بأن أصحابنا لم يفرقوا بين الفاسد والباطل إلا في أبواب أربعة وما ألحق بها وليس هذا منها وما لو امتنع المستأجر من تسليم العين بعد عرضها عليه إلى انقضاء المدة فتستقر بذلك الأجرة في الصحيحة دون الفاسدة ومن عكسها الشركة فإن عمل الشريكين فيها لا يضمن إلا مع فسادها ونوزع في استثنائها بما مر أولا ويرد بنظير ما رددت به ذاك وما لو رهن أو آجر نحو غاصب فتلفت العين في يد المرتهن أو المستأجر فللمالك تضمينه، وإن كان القرار على الراهن والمؤجل مع أن صحيح الرهن والإجارة لا ضمان فيه ونوزع فيه بنظير ما مر في عقد غير الإمام للذمة

 

ج / 2 ص -228-      ويرد بنظير ما رددت به ذاك. "و" من فروع القاعدة ما "لو شرط كون المرهون مبيعا له عند الحلول" فالمبيع من طردها والرهن من عكسها لكونهما قد "فسد" البيع لتعليقه والرهن لتأقيته لأنهما شرطا ارتفاعه بالحلول ومن ثم لو لم يؤقت بأن قال رهنتك وإذا لم أقض عند الحلول فهو مبيع منك كان الفاسد البيع وحده دون الرهن؛ لأنه لم يشرط فيه شيء "و" إذا تقرر أن هذين الفاسدين من فروع القاعدة أعطيا حكم صحيحها فحينئذ "هو" أي المرهون المبيع "قبل المحل" بكسر الحاء أي الحلول "أمانة" لأنه رهن فاسد وبعده مضمون؛ لأنه بيع فاسد نعم بحث الزركشي أنه لو لم يمض بعد الحلول زمن يتأتى فيه القبض وتلف فإنه لا يضمن؛ لأنه الآن على حكم الرهن الفاسد وفيه تأمل؛ لأن القبض يقدر فيه في أدنى زمن عقب انقضاء الرهن من غير فاصل بينهما. "ويصدق المرتهن في دعوى التلف" حيث لا تفريط وجعل منه جمع ما لو رهنه قطع بلخش فادعى سقوط واحد من يده قالوا لأن اليد ليست حرزا لذلك "بيمينه" على التفصيل الآتي في الوديعة؛ لأنه أمين كالوديع والمراد تصديقه حتى لا يضمن وإلا فالمعتدي يصدق فيه أيضا لضمان القيمة "ولا يصدق في" دعوى "الرد" إلى الراهن "عند الأكثرين" لأنه قبضه لغرض نفسه كالمستأجر بخلاف الوديع والوكيل وسائر الأمناء.
"ولو وطئ المرتهن" الأمة "المرهونة بلا شبهة فزان" الأصل في جواب لو كان زانيا أو نحوه وعدل عنه كالفقهاء اختصارا أو إجراء لها مجرى أن أي فهو زان فيحد ويلزمه المهر إن لم تطاوعه أو جهلت التحريم وعذرت فيه "ولا يقبل قوله جهلت تحريمه" أي الزنا أو وطء المرهونة لظنه الارتهان مبيحا للوطء "إلا أن يقرب إسلامه" ولم يكن مخالطا لنا بحيث لا يخفى عليه ذلك كما هو ظاهر "أو ينشأ ببادية بعيدة عن العلماء" بذلك فيقبل قوله لدفع الحد ويلزمه المهر إن عذرت كما لو وطئها بشبهة كأن ظنها حليلته "وإن وطئ بإذن الراهن" المالك "قبل دعواه جهل التحريم" إن أمكن كون مثله يجهل ذلك كما هو ظاهر "في الأصح"؛ لأن هذا قد يخفى أما إذن راهن مستعير أو ولي راهن فكالعدم وإذا قبل "فلا حد" عليه بخلاف ما لو علم التحريم ولا يغتر بما نقل عن عطاء لما مر أنه مكذوب عليه وبفرض صحته فهي شبهة ضعيفة جدا فلا ينظر إليها "ويجب المهر إن أكرهها" أو عذرت بنحو نوم أو جهل؛ لأنه لحق الشرع فلم يؤثر فيه الإذن ومن ثم وجب للمفوضة بالدخول أما إذا طاوعته غير معذورة فلا مهر لها "والولد" عند قبول قوله في جميع ما مر "حر نسيب" للشبهة "وعليه قيمته للراهن" المالك وإلا فللمالك لأنه فوت رقه عليه.  "ولو أتلف" بغير حق أو تلف تحت يد عادية "المرهون بعد القبض وقبض بدله" أو لم يقبض "صار رهنا" مكانه من غير إنشاء عقد، وإن امتنع رهن الدين ابتداء لقيامه مقامه ولأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء ويجعل بيد من كان الأصل بيده وإنما احتاج بدل الموقوف المتلف إلى شراء مثله به؛ لأن القيمة لا يصح وقف عينها بخلاف رهنه واحتاج بدله لإنشاء وقف دون بدل أضحية اشترى بعين قيمتها أو بما في الذمة بنيتها؛ لأن الوقف يتضمن ملك الفوائد ويحتاج فيه لبيان المصرف وغيره فاحتيط له أكثر، وإتلاف بعض المرهون كذلك نعم إن لم

 

ج / 2 ص -229-      تنقص قيمته كقطع مذاكيره أو نقصت وزاد الأرش على نقص القيمة فاز المالك بالزائد ولو أتلفه المرتهن كان ما وجب عليه رهنا له ولا محذور فيه كما هو ظاهر إذ فائدته صونه عن تعلق الغرماء به ويشمل كلامه ما لو كان المتلف هو الراهن لكن بحث الزركشي وغيره أن بدله عليه لا يصير رهنا قبل قبضه وعليه لا يكفي مجرد قبضه بل لا بد من قصد دفعه عن جهة الغرم كسائر الديون أي نظير ما مر في قيمة العتيق. كذا ذكره في موضع من الخادم وناقضه بعده بقليل فقال لا بد من قبضه، وإنشاء عقد الرهن وعلله بما فيه نظر وناقض ذلك كله في مبحث العتق فقال سيأتي لنا خلاف في الإتلاف الحسي من الراهن أو أجنبي هل يكون رهنا أو لا حتى يتعين بالقبض وجهان أصحهما في الروضة الأول أي أخذا بإطلاق عبارتها ثم قال وهذا يجب جريانه في القيمة إذا وجبت على الراهن بعتق المرهون فإن حكمنا بأنها مرهونة وهي دين قبل استيفائها استصحب وإلا لم تصر رهنا إلا بالتعيين ا هـ ملخصا وجرى شيخنا في شرح الروض في قيمة العتيق على أنها لا تصير رهنا إلا بالقبض وكذا هنا إذا كان الجاني الراهن وفرق بأنه لا فائدة للحكم عليه في ذمته بأنه رهن بخلافه في ذمة غيره وناقض ذلك في شرح منهجه فجري ثم على ما مر عن السبكي وهنا على الإطلاق فلم يفرق بين الراهن وغيره وهذا هو الأوجه؛ لأن سبق الرهن اقتضى وجوب رعاية وجوده لوجود بدله ويلزم من وجوده في الذمة الحكم عليه بالرهنية ليتم التوثق المقصود وفرقه المذكور ممنوع بل للحكم عليه بالرهنية في ذمة الراهن هنا وثم فائدة أي فائدة وهي أنه إذا مات وليس له إلا قدر القيمة فإن حكمنا بأن ما في ذمته رهن قام ما خلفه مقامه فيقدم به المرتهن على مؤن التجهيز وبقية الغرماء وإلا قدمت مؤن التجهيز واستوى هو والغرماء، وكان الشيخ ظن انحصار الفائدة في عدم صحة إبراء الراهن الجاني مما في ذمته وهذا لا يتأتى إذا كان الجاني هو الراهن وليست منحصرة في ذلك كما علمت فاتضح ما قررته فتأمله. "والخصم في البدل الراهن" إن كان مالكا أو وليه وإلا فالمالك ومع كونه الخصم فيه لا يقبضه وإنما الذي يقبضه المرتهن أو العدل وإن منعا من الخصومة "فإن لم يخاصم" الراهن في ذلك "لم يخاصم المرتهن في الأصح" كما لا يخاصم مستأجر ومستعير نعم له حضور خصومة الراهن لتعلق حقه بالمأخوذ ومحل ذلك كله حيث لم يكن المتلف الراهن وإلا طالبه المرتهن لئلا يفوت حقه من التوثق ثم رأيت شارحا قال والثاني يطالب كما لو كان الخصم هو الراهن وهو صريح فيما ذكرته ومما يصرح به قول جمع من الشراح محل ذلك إذا تمكن الراهن من المخاصمة أما لو باع المالك العين المرهونة فللمرتهن المخاصمة جزما كما أفتى به البلقيني وهو ظاهر ا هـ ووجه عدم تمكنه من المخاصمة هنا أنه يدعي حقا لغيره وهو المرتهن فلم يقبل منه على أن بيعه يكذب دعواه وإذ ثبتت المطالبة للمرتهن هنا ففي مسألتنا وهي ما إذا كان المتلف هو الراهن أولى وبحث أن الراهن لو غاب وقد غصب الرهن جاز للقاضي أن ينصب من يدعي على الغاصب؛ لأن له إيجار مال الغائب لئلا تضيع المنافع ولأنا نعلم أن العاقل يرضى بحفظ ماله. "فلو وجب قصاص" في نفس المرهون المتلف كالعبد "اقتص الراهن"

 

ج / 2 ص -230-      المالك إن شاء أو عفا بلا مال "وفات الرهن" لفوات محله بلا بدل أما إذا وجب في طرفه فهو في الباقي باق بحاله وله العفو مجانا ولا يجبر على قود ولا عفو "فإن وجب المال بعفوه" عن القود عليه "أو" بجناية على نحو فرعه أو "بجناية خطأ" أو شبه عمد "لم يصح عفوه" أي الراهن "عنه" أي المال الواجب لتعلق حق المرتهن به "ولا" يصح "إبراء المرتهن الجاني" لأنه غير مالك ولا يسقط بإبرائه حقه من الوثيقة إلا إذا أسقطه منها. "ولا يسري الرهن إلى زيادته" أي المرهون "المنفصلة كثمرة وولد" وبيض؛ لأنها أجنبية عنه بخلاف المتصلة كسمن وكبر شجرة "فلو رهن حاملا وحل الأجل وهي حامل" أو مست الحاجة لبيعها قبل الحلول "بيعت" كذلك لأنه إما معلوم أو صفة تابعة وعلى كل منهما يشمله الرهن "وإن ولدته بيع معها في الأظهر" لما ذكر "إن كانت حاملا عند البيع دون الرهن فالولد ليس برهن في الأظهر" لحدوثه بعده وهو بمنزلة المنفصلة لأنه يعلم ويقابل بقسط من الثمن ولا تباع حتى تضعه لتعذر استثنائه والتوزيع عليه وعلى الأم للجهل بقيمته نعم لو سأل الراهن في بيعها وتسليم الثمن للمرتهن جاز بيعها كما نص عليه في الأم ومن هذا وقولهم يجبر المدين على بيعها إذا لم يكن له غيرها استشكل الإسنوي ما مر من التعذر ثم حمله على ما إذا تعلق بالحمل حق ثالث بفلس أو موت أو وصية به.
 

فصل في جناية الرهن
إذا "جنى المرهون" على أجنبي بما يوجب القود في نفس أو طرف ولا ينافيه قوله بطل الموجب للشارح إيثار الأول لما يأتي في معناه بل ظاهر قوله قدم المجني عليه وقوله اقتص الثاني ولم يكن بأمر غيره وهو يعتقد الطاعة أو تحت يده تعديا وإلا فالجاني الغير "قدم المجني عليه" لتعلق حقه بالرقبة فقط فلو قدم غيره فات حقه من أصله بخلاف المرتهن لتعلق حقه بالذمة أيضا "فإن اقتص" مستحق القود ويصح هنا ضم التاء بل هو الأولى على ما يأتي "أو بيع" المرهون أي ما يفي بالواجب من كله أو بعضه "له" أي لحقه بأن وجب له مال ابتداء أو بالعفو "بطل" الرهن فيما فات بقود أو بيع ما لم تجب قيمته لكونه تحت يد نحو غاصب؛ لأنها رهن بدله فلو عاد المالك الراهن لم يعد الرهن. "وإن جنى" المرهون "على سيده" فقتله أو قطعه "فاقتص" بضم تائه بأن اقتص سيده في نحو القطع أو وارثه في القتل فضمها المفيد لذلك أولى من فتحها الموهم لتعين الأول فزعم تعين الفتح وهم ولا يلزم عليهما حذف منه ؛ لأنه يكفي تقديره لدلالة السياق عليه ولا على الفتح تعين الاقتصاص بالنفس كما هو واضح خلافا لمن زعمه؛ لأنه يقال في اقتصاص وكيله إن الموكل اقتص "بطل الرهن" فيما وقع فيه القود لفوات محله بلا بدل "وإن عفي" بضم أوله كما بخطه فيشمل السيد وارثه لكن الخلاف في وارثه قولان "على مال" أو كانت الجناية خطأ مثلا "لم يثبت على الصحيح"؛ لأن السيد لا يثبت له على عبده مال ابتداء "فيبقى رهنا" لازما كما كان وخرج بابتداء ما لو جنى غير عمد أو عمدا أو عفى على مال على طرف مورثه أو مكاتبه ثم انتقل المال للسيد بموت أو عجز فإنه يثبت له عليه فيبيعه فيه ولا

 

ج / 2 ص -231-      يسقط إذ يحتمل في الدوام ما لا يحتمل في الابتداء أو قتل المورث أو قنه أو المكاتب غير عمد أو عمدا وعفا السيد على مال فكذلك. "وإن قتل" المرهون "مرهونا لسيده عند" مرتهن "آخر فاقتص" منه السيد "بطل الرهنان" أي كل منهما لفوات محلهما "وإن وجب مال" ابتداء أو يعفو، وإن لم يطلبه المرتهن "تعلق" برقبة القاتل وحينئذ يتعلق "به" أي بهذا المال المتعلق برقبة القاتل "حق مرتهن القتيل"؛ لأن السيد لو أتلف الرهن غرم قيمته للمرتهن فإذا أتلفه عبده كأن تعلق الغرم به أولى فالوجوب هنا رعاية لحق الغير، وإن استلزم وجوب شيء للسيد على عبده "فيباع" كله إن طلب بيعه مرتهن القتيل وأبى الراهن وكذا عكسه لكن جزما وساوى الواجب قيمته أو زاد "وثمنه" إن لم يزد على الواجب وإلا فقدر الواجب منه "رهن" من غير إنشاء عقد نظير ما مر؛ لأن حق مرتهن القتيل في مالية العبد القاتل لا في عينه؛ لأنه قد يزيد فيه راغب فيتوثق بها مرتهن القاتل "وقيل يصير" نفسه "رهنا" أي من غير عقد على ما اقتضاه سياقه واعترض فينقل ليد مرتهن القتيل ولا يباع إذ لا فائدة في البيع ويرده التعليل الثاني. أما إذا نقص الواجب عن قيمة القاتل فلا يباع منه إلا قدره فقط إن أمكن ولم ينقص بالتبعيض وإلا بيع الكل والزائد لمرتهن القاتل ولو اتفق الراهن والمرتهنان على النقل نقل أو الراهن ومرتهن القتيل على النقل وأبى مرتهن القاتل إلا البيع لم يجب وبحث فيه الشيخان بأن مقتضى التوجيه بتوقع زيادة راغب أنه يجاب وعلى الأول المنقول فكان سبب عدم النظر لذلك التوقع أنه لم يثبت له حق بفرض عدم الزيادة حتى يراعى إذ الأصل عدم ذلك بخلاف مرتهن القتيل فيما مر ثم رأيت ما يأتي فيما لو طلب الوارث أخذ التركة بالقيمة والغريم بيعها رجاء الزيادة وهو صريح فيما فرقت به. "فإن كانا" أي القاتل والمقتول "مرهونين عند شخص" أو أكثر "بدين واحد" وقد عفا السيد عن القاتل وكذا في الصورة التي عقب هذه "نقصت" بفتح النون والصاد المهملة "الوثيقة" إذ لا جابر كما لو مات أحدهما "أو بدينين" عند شخص واحد ووجب مال يتعلق برقبة القاتل "وفي نقل الوثيقة" به إلى دين القتيل "غرض" أي فائدة للمرتهن "نقلت" بأن يباع القاتل فيصير ثمنه رهنا مكان القتيل وحيث لا غرض بأن اتفق الدينان تأجيلا وحلولا وقدرا واتفقت قيمتا العبدين فلا نقل بل يبقى القاتل بحاله وسقطت وثيقة المقتول بخلاف ما إذا حل أحدهما وتأجل الآخر فينقل؛ لأنه إن كان الحال دين القتيل ففائدته الاستيفاء من ثمن القاتل حالا أو دين القاتل ففائدته تحصيل الوثيقة بالمؤجل والمطالبة حالا بالحال وكذا لو تأجلا وأحدهما أطول أجلا وما إذا اختلفا قدرا وتساوت قيمة العبدين أو كان القتيل أكثر قيمة فإن كان القتيل مرهونا بالأكثر فله التوثق بالقاتل ليصير ثمنه مرهونا بالأكثر أو بالأقل فلا فائدة في النقل أو جنسا واختلفا قيمة أيضا فكاختلاف القدر وإلا فلا غرض وما إذا اختلفت قيمة العبدين فإن كان الأكثر القاتل نقل منه بقدر قيمة القتيل إلى دينه أو القتيل أو مساويا فلا نقل وما إذا كان بأحدهما ضامن فطلب المرتهن نقل الوثيقة من الدين المضمون إلى الآخر ليحصل له التوثق فيهما فإنه يجاب كما اقتضاه كلامهم وحيث لا نقل فقال المرتهن لا آمن جنايته مرة أخرى فتؤخذ رقبته فيها فبيعوه وضعوا ثمنه مكانه لم يجب على

 

ج / 2 ص -232-      أحد وجهين يتجه ترجيحه كما اقتضاه المتن وغيره لأن الأصل خلاف ذلك فلم يتحقق الغرض الحامل على البيع. "ولو تلف" المرهون "بآفة" سماوية أو بفعل من لا يضمن كحربي وكضرب راهن له بإذن المرتهن "بطل" الرهن لفواته ومر أنه لو تخمر ثم تخلل عاد رهنه وأن يضمن المرهون المغصوب يضمن، وإن تلف بآفة فالرهن باق في بدله. "وينفك" الرهن "بفسخ وأن أبى الراهن لا عكسه المرتهن" لجوازه من جهته دون الراهن نعم التركة المرهونة بالدين لا تنفك بفسخ المرتهن لأن الرهن لمصلحة براءة ذمة الميت "وبالبراءة من الدين" جميعه بأي وجه كانت ولو بإحالة المرتهن على الراهن ولو اعتاض عن الدين ثم تقايلا أو تلف العوض قبل قبضه بطل الاعتياض وعاد الرهن، وإن قلنا إن الفسخ إنما يرفع العقد من حينه لعود الدين الذي هو سببه وإنما لم يعد ضمان غاصب أذن له المالك في البيع ثم انفسخ؛ لأن الغصب الذي هو سبب الضمان لم يعد أي مع تضمن إذنه له في البيع براءته من ضمانه وبه يفرق بينه وبين وكيل باع ما تعدى فيه ثم رد إليه بالفسخ "فإن بقي شيء منه" أي الدين "لم ينفك شيء من الرهن" إجماعا؛ لأنه كله وثيقة على كل جزء من الدين ومن ثم أبطل شرط أنه كلما قضى منه شيئا انفك بقدره من الرهن نعم إن تعدد العقد أو مستحق الدين أو المدين أو مالك المعار انفك بعضه بالقسط "و" من مثل ذلك أنه "لو رهن نصف عبد بدين ونصفه بآخر فبرئ من أحدهما انفك قسطه" لتعدد الصفقة بتعدد العقد، وإن اتحد العاقدان. "ولو رهناه" عبدهما بدينه عليهما "فبرئ أحدهما" مما عليه أو أعاراه عبدهما ليرهنه بدين فرهنه به وأدى أحدهما ما يقابل نصيبه أو أداه المستعير وقصد فكاك نصف العبد أو أطلق ثم جعله عنه "انفك نصيبه" لتعدد الصفقة بتعدد العاقد ولو رهنه من أثنين بدينهما عليه فبرئ من دين أحدهما بأداء أو إبراء انفك قسطه لذلك اتحدت جهة الدينين أو لا قال شيخنا وهذا يشكل بأن ما أخذه أحدهما من الدين لا يختص به بل هو مشترك بينهما فكيف تنفك حصته من الرهن بأخذه ويجاب بأن ما هنا محله ما إذا لم تتحد جهة دينيهما أو إذا كانت البراءة بالإبراء لا بالأخذ ا هـ وأقول لا إشكال في صورة الأخذ وأن اتحدت الجهة؛ لأن قولهم انفك نصيبه معناه ما يقابل ما خصه مما قبضه وانفك حينئذ على قياس ما مر رعاية لصورة التعدد ولو تعدد الوارث انفك بأداء كل نصيبه ما لم يكن المورث هو الراهن في حياته والعبرة هنا بتعدد الموكل واتحاده لا الوكيل.
فرع: له دين به رهن فأقر به لغيره فأفتى المصنف بأنه لا ينفك الرهن والتاج الفزاري بانفكاكه قال لأنه إذا أقر بأن الدين صار لغيره بوجه صحيح تعين حمل ذلك على الحوالة إذ لا طريق سواها قيل وهو منقول ا هـ والذي يتجه أن صيغه إقراره إن كانت صار هذا الدين لفلان فالحق الثاني لكن قوله لا طريق سواها ممنوع بل له طرق أخرى كالنذر والهبة بناء على صحتها فيه إن كانت هذا لفلان وأسمى فيه عارية أو نحو ذلك فالحق الأول؛ لأن هذا لا يشعر بانتقاله من المرتهن لغيره في حالة الرهن والانفكاك لا يحصل بمحتمل بل لا بد فيه من تحقق سببه.

 

ج / 2 ص -233-      فصل في الاختلاف في الرهن وما يتبعه
إذا "اختلفا في" أصل "الرهن" كرهنتني كذا فأنكر "أو" في "قدره" أي المرهون كرهنتني الأرض بشجرها فقال بل وحدها أو عينه كهذا العبد فقال بل الثوب أو قدر المرهون به كألف أو ألفين "صدق" وإن كان الرهن بيد المرتهن وإن لم يبين الراهن جهة كونه في يده على الأوجه "الراهن" أو مالك العارية. وتسميته راهنا في الأولى باعتبار زعم المدعي "بيمينه"؛ لأن الأصل عدم ما يدعيه المرتهن هذا "إن كان رهن تبرع" بأن لم يشترط في بيع "وإن شرط" الرهن "في بيع" باتفاقهما واختلفا في شيء مما مر غير الأولى أو بزعم المرتهن وخالفه الآخر "تحالفا" لرجوع الاختلاف حينئذ إلى كيفية عقد البيع، ولو اختلفا في الوفاء بما شرطاه صدق الراهن بيمينه فيأخذ الرهن لإمكان توصل المرتهن إلى حقه بالفسخ ولا ترد هذه على المتن؛ لأن ترتيبه التحالف على الشرط يفيد أنه لا يكون إلا فيما يرجع للشرط وهذه ليست كذلك ولو ادعى كل من اثنين أنه رهنه كذا أو أقبضه له فصدق أحدهما فقط أخذه وليس للآخر تحليفه كما في أصل الروضة هنا؛ إذ لا يقبل إقراره له لكن الذي ذكراه في الإقرار والدعاوى واعتمده الإسنوي وغيره أنه يحلف؛ لأنه لو أقر أو نكل فحلف الآخر غرم له القيمة لتكون رهنا عنده، واعتمد ابن العماد الأول وفرق بأنه لو لم يحلف في هذين لبطل الحق من أصله بخلاف ما هنا؛ لأن له مردا وهو الذمة ولم يفت إلا التوثق ا هـ وفيه نظر وكفى بفوات التوثق محوجا إلى التحليف كما هو ظاهر.
"ولو ادعى أنهما رهناه عبدهما بمائة" وأقبضاه "وصدقه أحدهما فنصيب المصدق رهن بخمسين" مؤاخذة له بإقراره "والقول في نصيب الثاني قوله بيمينه"؛ لأنه ينكر أصل الرهن "وتقبل شهادة المصدق عليه"؛ إذ لا تهمة فإن شهد معه آخر أو حلف معه المدعي ثبت رهن الكل ولو زعم كل أنه ما رهن بل شريكه وشهد عليه قبلا وإن تعمد الإنكار؛ لأن الكذبة الواحدة لا تفسق ولا نظر لتضمنها جحد حق واجب أو دعوى لما لم يجب لاحتمال أن تعمده لشبهة عرضت له نعم بحث البلقيني أن محل ذلك ما لم يصرح المدعي بظلمهما بالإنكار بلا تأويل وإلا ردا؛ لأنه ظهر منه ما يقتضي تفسيقهما وهو ظاهر؛ لأن مراده أنه صرح بظلمهما بهذا الإنكار لا مطلقا فاندفع ما قيل "ليس كل ظلم خال عن التأويل مفسقا بدليل الغيبة ومحل كون الكذبة لا تفسق ما لم ينضم إليها تعمد إنكار حق واجب عليه ".
"ولو اختلفا في قبضه" أي: المرهون "فإن كان في يد الراهن أو في يد المرتهن وقال الراهن غصبته" أنت مني "صدق" الراهن "بيمينه"؛ لأن الأصل عدم اللزوم وعدم الإذن في القبض عن الرهن بخلاف ما لو كان بيد المرتهن ووافقه الراهن على إذنه له في قبضه لكنه قال: إنك لم تقبضه عنه أو رجعت عن الإذن فيحلف المرتهن، ويؤخذ من ذلك أن من اشترى عينا بيده فأقام آخر بينة أنها مرهونة عنده لم تقبل إلا إن شهدت بالقبض وإلا صدق المشتري بيمينه؛ لأن الأصل بقاء يده ولأنه مدع لصحة البيع والآخر مدع لفساده "وكذا إن قال أقبضته عن جهة أخرى" كإيداع أو إجارة أو إعارة "في الأصح"؛ لأن الأصل عدم ما

 

ج / 2 ص -234-      ادعاه المرتهن ويكفي قول الراهن لم أقبضه عن جهة الرهن على الأوجه. "ولو أقر" الراهن "بقبضه" أي المرتهن للمرهون وجعل شارح الضمير للراهن ثم زعم أن الأولى التعبير بإقباضه وليس بجيد "ثم قال لم يكن إقراري عن حقيقة فله تحليفه" أي: المرتهن أنه قبض المرهون قبضا صحيحا وإن كان إقرار الراهن في مجلس الحاكم بعد الدعوى عليه ولم يذكر لإقراره تأويلا؛ لأنا نعلم أن الوثائق يشهد فيها غالبا قبل تحقيق ما فيها ويأتي ذلك في سائر العقود وغيرها على المنقول المعتمد كإقرار مقترض بقبض القرض وبائع بقبض الثمن. "وقيل لا يحلفه إلا أن يذكر لإقراره تأويلا كقوله أشهدت على رسم" أي: كتابة "القبالة" بفتح القاف بالموحدة أي الورقة التي يكتب فيها الحق والتوثق لكي أعطي أو أقبض بعد ذلك وكقوله اعتمدت في ذلك كتاب وكيلي فبان مزورا أو ظننت حصول القبض بالقول؛ لأنه إذا لم يذكر تأويلا يكون مكذبا لدعواه بإقراره السابق ومحل ذلك في قبض ممكن وإلا كقول من بمكة رهنته داري اليوم بالشام وأقبضته إياها فهو لغو نص عليه قال القاضي أبو الطيب وهذا يدل على أنه لا يحكم بما يمكن من كرامات الأولياء ولهذا قلنا من تزوج امرأة بمكة وهو بمصر فولدت لستة أشهر من العقد لا يلحقه الولد قال الزركشي نعم إذا ثبتت الولاية وجب ترتب الحكم على الإمكان على طريق الكرامة قاله في المطلب ا هـ وهو إنما يأتي فيما بين الولي وبين الله في أمر موافق للشرع مكنه منه خرقا للعادة وفعله فيترتب عليه أحكامه باطنا أما ظاهرا فلا نظر لإمكان كرامة مطلقا.
 "فرع" هل دفع الراهن الرهن للمرتهن يكفي من غير قصد إقباضه عن الرهن وجهان والذي يتجه منهما نعم؛ لأنه سبق له مقتض وإن لم يجب فاشترط عدم الصارف فقط ولو رهن وأقبض ما اشتراه ثم ادعى فساد البيع سمعت دعواه للتحليف وكذا بينته إلا إن كان قال هو ملكي غير معتمد على ظاهر العقد.
 "ولو قال أحدهما" أي الراهن أو المرتهن "جنى المرهون" بعد القبض أو قال المرتهن جنى قبل القبض "وأنكر الآخر صدق المنكر بيمينه" على نفي العلم بالجناية إلا أن ينكرها الراهن فعلى البت؛ لأن الأصل عدمها وبقاء الرهن، وإذا بيع للدين فلا شيء للمقر له على الراهن المقر ولا يلزمه تسليم الثمن إلى المرتهن المقر مؤاخذة له بإقراره ولو نكل المنكر هنا جرى فيه ما يأتي من حلف المجني عليه ثم يباع العبد وبعضه للجناية. "ولو قال الراهن جنى" على زيد "قبل القبض" بعد الرهن أو قبله وأنكر المرتهن وادعى زيد ذلك "فالأظهر تصديق المرتهن بيمينه في إنكاره" الجناية صيانة لحقه فيحلف على نفي العلم "ولا صح أنه إذا حلف" المرتهن "غرم الراهن للمجني عليه"؛ لأنه حال بينه وبين حقه برهنه "و" الأصح "أنه يغرم له الأقل من قيمة العبد" المرهون "وأرش الجناية" كجناية أم الولد بجامع امتناع البيع "و" الأصح "أنه لو نكل المرتهن" عن اليمين "ردت اليمين على المجني عليه"؛ لأنه الحق له "لا على الراهن"؛ لأنه لا يدعي لنفسه شيئا "فإذا حلف" المردود عليه "بيع" العبد "في الجناية" لثبوتها باليمين المردودة إن استغرقت قيمته وإلا بيع منه بقدرها ولا يكون الباقي رهنا؛ لأن اليمين المردودة كالبينة أو الإقرار بجناية ابتداء فلا يصح رهن شيء منه.

 

ج / 2 ص -235-      "ولو أذن" المرتهن "في بيع المرهون فبيع ورجع عن الإذن وقال" بعد بيعه "رجعت قبل البيع وقال الراهن" بل "بعده فالأصح تصديق المرتهن" بيمينه؛ لأن الأصل أن لا بيع قبل الرجوع وأن لا رجوع قبل البيع فيتعارضان ويبقى أصل استمرار الرهن وبهذا يفرق بين هذا وما يأتي في دعوى الموكل أنه عزل وكيله قبل بيعه؛ لأن الأصل عدم الانعزال قبله من غير معارض وفي الرجعة أن العبرة بالسابق؛ لأنه ليس هناك أصل بعد التعارض يرجعان إليه فانحصر الترجيح في السبق وأفهم المتن أن الغرض أن الراهن صدق على الرجوع فإن أنكره من أصله صدق بيمينه كما لو أذن الراهن في البيع ثم ادعى الرجوع وأنكره المرتهن من أصله فإنه المصدق بيمينه. "ومن عليه ألفان" مثلا "بأحدهما رهن" أو كفيل مثلا "فأدى ألفا وقال أديته عن ألف الرهن صدق" بيمينه سواء اختلفا في لفظه أو نيته؛ لأنه أعرف بقصده وكيفية أدائه ومن ثم لو أدى لدائنه شيئا وقصد أنه عن دينه وقع عنه وإن ظنه الدائن وديعة أو هدية كذا قالوه وقضيته أنه لا فرق بين أن يكون الدائن بحيث يجبر على القبول وأن لا لكن بحث السبكي أن الصواب في الثانية أنه لا يدخل في ملكه إلا برضاه وواضح أن مثل ذلك ما لو كان المدفوع من غير جنس الدين وقد يشمله كلام السبكي. "وإن لم ينو حالة الدفع شيئا جعله عما شاء" منهما؛ لأن التعيين إليه ولم يوجد حالة الدفع، فإن مات قبل التعيين قام وارثه مقامه كما أفتى به السبكي فيما إذا كان بأحدهما كفيل قال فإن تعذر ذلك جعل بينهما نصفين وإذا عين فهل ينفك الرهن من وقت اللفظ ؟ أو التعيين يشبه أن يكون كما في الطلاق المبهم "وقيل يقسط" بينهما؛ إذ لا أولوية لأحدهما على الآخر ولو نوى جعله عنهما فالأوجه أنه يجعل بينهما بالسوية كما قاله جمع متقدمون لا بالقسط وإن جزم به الإمام؛ لأن تشريكه بينهما حالة الدفع اقتضى أنه لا تميز لأحدهما على الآخر ولو تنازعا عند الدفع فيما يؤدي عنه تخير الدافع نعم لو كان للسيد على مكاتبه دين معاملة فله الامتناع من إقباضه عن النجوم حتى يوفي غيرها فإن أعطاه ساكتا ثم عينه المكاتب للنجوم صدق لنقصه السيد بسكوته عن التعيين الذي جعل لخيرته في الابتداء.

فصل في تعلق الدين بالتركة
"من مات وعليه دين" لله تعالى أو لآدمي غير الوارث قل أو كثر ما عدا لقطة تملكها؛ لأن صاحبها قد لا يظهر فيلزم دوام الحجر لا إلى غاية وألحق بها ما إذا انقطع خبر صاحب الدين لذلك وقد يفرق بأن شغل الذمة في اللقطة أخف، ومن ثم صرح في شرح مسلم بأنه لا مطالبة بها في الآخرة؛ لأن الشارع جعلها من جملة كسبه بخلاف الدين ولا يلزم فيه ذلك لإمكان رفع أمره للقاضي الأمين فإنه نائب الغائبين نعم قبوله لا يلزمه فلو امتنع منه أو لم يكن ثم قاض أمين ودام انقطاع خبر الدائن اتجه ذلك الإلحاق بعض الاتجاه ثم رأيت الإسنوي صرح بأنها لا تكون مرتهنة بدين من أيس من معرفة صاحبه وفيه نظر بل هو غفلة عما في الروضة أن ما أيس من معرفة صاحبه يصير من أموال بيت المال وحينئذ فرهن التركة باق فللوارث ومن عليه دين كذلك رفع الأمر لقاض أمين ليأذن

 

ج / 2 ص -236-      في البيع والدفع إن لم يفعلهما بنفسه لمتولي بيت المال العادل وإلا فلقاض أمين أو ثقة عارف أخذه ليصرفه في مصارفه أو يتولى الوارث ذلك إن عرفه ويغتفر اتحاد القابض والمقبض هنا للضرورة وبما تقرر علم أنه ليس لوارث ولا وصي إفراز قدر الدين الذي للغائب ثم التصرف في الباقي لما علمت أن القاضي الأمين نائبه فلا يستقل غيره بشيء من حقوقه حتى يتحقق الضرورة لفقد الأمين وخوف تلف التركة فحينئذ لا يبعد تخريج ما هنا على مال نحو يتيم لا ولي له خاص وخشي من القائم عليه فإن التصرف فيه يتولاه من يأتي للضرورة على مسألة التحكيم الآتية في النكاح؛ لأن الضرورة إذا أثبتت الولاية فيه لغير ولي مع تميزه بمزيد احتياط فما هنا أولى وكالدين فيما ذكر الوصية المطلقة فيمتنع التصرف في قدر الثلث وكذا التي بعين معينة فيمتنع فيما يحتمله الثلث منها كذا قيل والقياس امتناع التصرف في الأولى في الكل وفي الثانية في تلك العين فقط حتى يرد الموصى له أو يمتنع من القبول كما يعلم ذلك كله مما يأتي في الوصية. وللموصي له فداء الموصى به كالوارث كما هو ظاهر "تعلق بتركته" الزائدة على مؤن التجهيز التي لم ترهن في الحياة لكن معنى عدم تعلق غير المرهون به أنه لا يزاحمه لانتفاء أصل التعلق لو زادت قيمته أو أبرأ مستحقه كما هو ظاهر، فإن رهن بعضها تعلق الدين بباقيها أيضا على الأوجه خلافا لجمع ولا بعد في تعلق شيء واحد بخاص وعام وإن وفى به الرهن؛ لأنه ربما تلف فتبقى ذمة الميت مرهونة هذا ما اقتضاه إطلاقهم وهو وجيه وإن قال البلقيني أقرب منه أن من له دين به رهن يفي به بعيد عن التلف لا يتعلق بباقي التركة فللوارث التصرف فيه وفي كلام السبكي ما يشهد لذلك ومن ثم اعتمده جمع متأخرون وسيأتي بيان التركة أول الفرائض وأفتى بعضهم بأنه ليس منها منفعة عين أوصى له بها أبدا؛ لأنه يقدر انتقالها لوارثه بالموت ا هـ وفيه نظر. وما المحوج إلى هذا التقدير نعم إن كان الفرض أن الموصى له مات قبل القبول فممكن؛ لأنه حال موته لا ملك له فيها فإذا قبل وارثه بعد ذلك لم يتعلق بها الدين؛ لأنها حينئذ تنزل منزلة كسب الوارث لكن صريح ما يأتي في مبحث قبول الوارث للوصية أنه لا فرق في تعلق الدين بما قبله بين العين والمنفعة وتوهم فرق بينهما لا يجدي؛ لأن ملحظ التعلق أن ملك الوارث إنما هو بطريق التلقي عن مورثه الموصى له لا غير "تعلقه بالمرهون". وإن ملكها الوارث كما يأتي أو أذن له الدائن في أن يتصرف فيها لنفسه كما اقتضاه إطلاقهم وذلك؛ لأنه أحوط للميت وأقرب لبراءة ذمته؛ إذ يمتنع على هذا تصرف الوارث فيها جزما بخلافه على ما بعده واغتفرت هنا جهالة المرهون به لكون الرهن من جهة الشرع وشمل كلامهم من مات وفي ذمته حج فيحجر على الوارث حتى يتم الحج عنه وبذلك أفتى بعضهم وأفتى بعض آخر بأنه بالاستئجار وتسليم الأجرة للأجير ينفك الحجر وفيه نظر لبقاء التعلق بذمته بعد ولو باع لقضاء الدين بإذن الغرماء لا بعضهم إلا إن غاب وأذن الحاكم عنه بثمن المثل صح وكان الثمن رهنا رعاية لبراءة ذمة الميت؛ إذ لا تبرأ إلا بالأداء أو التحمل السابق آخر الجنائز أو إبراء الدائن. وعلى ذلك أعني تقييد النفوذ بإذن الغريم بما إذا كان لوفاء الدين يحمل إطلاق من أطلق صحته بإذنه ولتلك

 

ج / 2 ص -237-      الرعاية أفتى بعضهم بمنع القسمة فيما إذا كانت التركة شائعة مع حصة شريك الميت وإن رضي الدائن قال لما في القسمة من التبعيض وقلة الرغبة كما صرحوا به قال ولا ينافي ذلك ما ذكره الشيخان قبيل رابع أبواب الرهن لما ذكرناه من رعاية حق الميت ا هـ. وقيده غيره بما إذا كانت القسمة بيعا وبما إذا لم تحصل بها الرغبة في اشتراء ما يتميز أي فحينئذ تجوز القسمة لكن برضا الدائن كما هو ظاهر، وأفتى بعضهم بأنه لا يصح إيجار شيء من التركة لقضاء الدين وإن أذن الغرماء ويوجه بأن فيه ضررا على الميت ببقاء رهن نفسه إلى انقضاء مدة الإجارة. "وفي قول كتعلق الأرش بالجاني"؛ لأن كلا منهما ثبت شرعا بغير رضا المالك "فعلى الأظهر يستوي الدين المستغرق وغيره" وما علمه الوارث وما جهله في رهن جميع التركة به فلا يصح تصرف الوارث في شيء منها ولو بالرهن "في الأصح" مراعاة لبراءة ذمة الميت كما مر ولأن ما تعلق بالحقوق لا يختلف بالعلم والجهل نعم لو زاد الدين عليها ولم ترهن به في الحياة لم تكن رهنا إلا بقدرها منه كما بحثه السبكي وتبعوه فإذا وفى الوارث ما خصه أو الورثة قدرها انفك في الأول وانفكت في الثاني عن الرهنية، ويفرق بينها وبين الرهن الجعلي بأنه أقوى من وجه ومما يصرح بذلك قولهم: لو أدى وارث قسط ما ورث انفك نصيبه بخلاف ما لو رهن عينا ثم مات لا ينفك شيء منها إلا بوفاء جميع الدين.
"تنبيه" اعترض قوله فعلى الأظهر بأن الخلاف يأتي على مقابله وهو تعلق الجناية ورد بأنه وإن تأتى عليه لكن المرجح عليه التعلق بقدره فقط فخالف المرجح على الأول وحينئذ صح بل تعين قوله فعلى الأظهر نعم ترجيحهم عليه التعلق بالكل هنا قد ينافيه ترجيحهم عليه في الزكاة التعلق بالقدر فقط فسووا بين الجناية والرهن ثم وفرقوا بينهما هنا وقد يوجه بأن ذاك تعلق في الحياة، وهذا تعلق بعد الموت الموجب لحبس النفس فاقتضت المصلحة على قول الرهن هنا التعلق بالكل ليبادر الوارث ببراءة ذمة الميت ولا كذلك ثم على أن حق الله تعالى من حيث هو يتسامح فيه أكثر أما دين الوارث الحائز فيسقط إن ساوى التركة أو نقص وإلا سقط منه بقدرها ودين أحد الورثة يسقط منه قدر ما يلزمه أداؤه منه لو كان لأجنبي.
"ولو تصرف الوارث ولا دين ظاهر" ولا خفي "فظهر" يعني طرأ بدليل ما بعده "دين برد مبيع بعيب" أو خيار وقد تلف ثمنه أو بترد ببئر حفرها تعديا قبل موته "فالأصح أنه لا يتبين فساد تصرفه"؛ لأنه وقع سائغا ظاهرا وباطنا خلافا لاقتصار الشراح على الظاهر إلا أن يكونوا رأوا أن تقدم السبب كتقدم المسبب باطنا وهو بعيد؛ إذ تقدم السبب بمجرده لا يكفي في رفع العقد أما إذا كان ثم دين مقارن للتصرف ظاهرا أو خفي فيتبين بطلانه من أصله "لكن إن لم يقض" بضم أوله "الدين" من وارث أو أجنبي ولم يسقط بإبراء "فسخ" تصرفه ليصل المستحق إلى حقه ويظهر أن الفاسخ هنا هو الحاكم ويفرق بينه وبين ما مر من التحالف بأن العاقد ثم هو الفاسخ بخلافه هنا نعم لو أعتق الوارث عبد التركة أو أولد أمتها وهو موسر نفذ وإن كان الدين موجودا حال العتق فيلزمه قيمته ولا ينفذ تصرفه في شيء

 

ج / 2 ص -238-      غير هذين. "ولا خلاف أن للوارث إمساك عين التركة وقضاء الدين" الذي يلزمه قضاؤه وهو الأقل من القيمة والدين فإن استويا تخير أو نقصت القيمة لم يلزمه أكثر منها فاللازم له هو الأقل منهما كما علم مما مر عن السبكي ومن تبعه بل هو معلوم من قوله تعلقه بالمرهون؛ إذ الراهن لا يلزمه الوفاء من حيث الرهن إلا بالأقل المذكور فإيراد أن له إمساكها بقيمتها الأقل من الدين عليه غير صحيح "من ماله"؛ لأن المورث الذي هو خليفته له ذلك ومن ثم لم يجز لوصي ولا لقاض بيعها إلا بإذن الوارث الحاضر نعم لو أوصى بدفع عين إليه عوضا عن دينه أو على أن تباع ويوفي دينه من ثمنها أو أوصى ببيع عين من ماله لفلان عمل بوصيته وامتنع على الوارث إمساكها والقضاء من غيرها؛ لأنها قد تكون أحل من بقية أمواله وكذا لو اشتملت على جنس الدين؛ لأن للمستحق الاستقلال بأخذها ذكره الرافعي وسبقه إليه البندنيجي في الأولى والروياني في الثانية، وأما الأخيرة فلم أر من وافقه ولا من خالفه وإنما يتجه ما ذكره إن قال بدون ثمن المثل أو بغير نقد البلد أو بمؤجل ونحو ذلك مما يظهر فيه أن للتخصيص معنى يعود نفعه على المشتري، ومنه أن يكون له غرض في خصوص تلك العين ولو بأزيد من ثمن مثلها، أما لو قال بثمن المثل الحال من نقد البلد أو أطلق ولم يعرف له غرض في تلك العين فالذي يظهر عدم صحة هذه الوصية؛ لأنها كالعبث وقوله وكذا إلى آخره المراد منه كما دل عليه السياق أن محل قولهم للوارث إمساك التركة والقضاء من ماله حيث لم يكن الدين من جنس التركة وإلا فإن أراد إعطاءه من غير التركة ما هو من جنس دينه فورا أجبر الدائن على القبول كما في نظيره من الرهن الجعلي؛ لأن امتناعه حينئذ تعنت وتعلق حقه بعين التركة لكونها مرهونة فيه لا يمنع الإعطاء من غيرها المساوي لها؛ لأن تعلق حقه إنما هو بالذمة حقيقة وبالتركة توثقا. وإذا كان بالذمة تخير الوارث في قضائه من أي محل شاء حيث لا ضرر على الدائن بوجه وإذا وجبت إجابة الراهن في الرهن الجعلي في نظير ذلك بشروطه مع كونه أقوى بالنظر لما نحن فيه فأولى هذا فإن قلت: قرروا في الوصايا وغيرها أن الأغراض تختلف باختلاف الأعيان فقياسه إجابة دائن له غرض في عين التركة قلت لم يطلقوا ذلك الاختلاف حتى يتأتى ما ذكر وإنما خصوه بما إذا كان حقه متعلقا بأعيان التركة ملكا كأن أوصى لكل وارث بعين هي قدر حصته لا بد من الإجازة حينئذ لاختلاف الأغراض باختلاف الأعيان. وأما من حقه في الذمة أصالة وليس له في الأعيان إلا التوثق فلا يجاب إلى تعيين عين دون عين مساوية لها لظهور تعنته حينئذ كما تقرر وإن أراد إعطاءه من غير الجنس أو مع تأخير لغير ضرورة فله الأخذ، لكن إن وجدت شروط الظفر لتعديه بمنع الجنس أو بالتأخير وقد صرحوا بجريان الظفر بشروطه فيما فيه جنس الدين وغيره وبهذا الذي ذكرته ودل عليه كلامهم يرد على من زعم أن للمستحق هنا الاستقلال بالأخذ ثم استشكله بأن الإنسان لا يتعاطى البيع والاستيفاء لنفسه إلا في مسألة الظفر والوالد مع الطفل وبأن الرافعي ذكر في خلط المغصوب بمثله وقلنا الخلط إهلاك أن للغاصب أن يعطيه من غير المخلوط مع كونه أقرب إلى حقه ولعل الفرق أن ذمة الميت خربت وانتقل الحق إلى عين التركة بخلاف الغاصب فإن العين

 

ج / 2 ص -239-      قد تلفت بالخلط وانتقل الحق إلى ذمته فالذمة هنا كالتركة ثم ا هـ ووجه رده أنه ليس هنا بيع؛ لأن الفرض في مجرد أخذ من التركة وأنه يوهم أنه لا يأتي هنا ظفر مطلقا وليس كذلك لما علمت من تأتيه في بعض الصور، وأما ما ذكره من استشكال ما هنا بمسألة الخلط والفرق بينهما فسهو منشؤه عدم تأمل كلامهم هنا وثم وبيانه أنهما على حد سواء؛ لأن الغاصب بالخلط ملك المخلوط وصار هنا بحق المالك فلا يصح تصرف الغاصب فيه إلا بعد إعطاء المالك للبدل وحينئذ فهذا كالتركة هنا ملك للوارث ومرهونة بالدين فلا يصح تصرفه فيها قبل وفاء الدين، وإذا تقرر أنهما على حد سواء فما تقرر هنا من التفصيل يأتي ثم فإذا أراد الغاصب إعطاءه من غير المخلوط فامتنع فإن كان البدل الواجب له من جنس المخلوط أو من غير جنسه تأتى جميع ما ذكر وإطلاق الرافعي ثم الإعطاء من غير المخلوط مقيد بما قاله هنا من التفصيل لما علمت من اتحادهما في أن كلا من التركة والمخلوط ملك الوارث والغاصب ومرهون بما في ذمة الميت المنزل منزلته وارثه وبما في ذمة الغاصب فالتعلق بالذمة باق فيهما وزعم خراب ذمة الميت لا يصح هنا؛ لأن الأصح أن له ذمة صحيحة وأن قولهم ذمة الميت خربت محمول على أن خرابها إنما هو بالنسبة للالتزام دون الإلزام. ألا ترى أنه لو تعدى بحفر ضمن من تردى فيه بعد موته ثم رأيت آخر كلام ذلك الزعم أنه لا فرق بين المسألتين لكنه استنتجه من تكلف حمله الإعطاء من الغير فيهما على ما إذا حصل تأخير وليس كما زعم بل الحق ما ذكرته فتأمله، وقضية المتن بل صريحه أن للوارث الحائز الاستقلال بقضاء الدين وقبض دين الميت ووديعته من غير إذن القاضي؛ إذ لا ولاية له عليها حينئذ، وقولهم إذا لم يوص بقضائه فهو للقاضي مفروص فيما إذا كان في الورثة محجور عليه أو غائب وبهذا يندفع إطلاق بعضهم أن المنقول أنه لا يباع شيء من التركة إلا بإذن القاضي الأهل؛ لأن ولاية قضاء الدين إليه؛ لأنه ولي الميت، والحاصل أن شرط استقلال الوارث بما مر على ما ذكرناه كونه مستغرقا وقصده البيع للوفاء وإذن الغريم له فيه صريحا فلو باعه له بلا إذن لم يصح فيما يظهر؛ لأن إيجابه وقع بإطلاق فلم يصح قبوله له ولا ينافيه اغتفار ذلك في الرهن الجعلي على ما يقتضيه كلامهم؛ لأنه يحتاط هنا أكثر؛ إذ لو أذن الدائن للراهن أن يتصرف في الرهن لنفسه صح ولو أذن للوارث هنا في ذلك لم يصح كما مر ولو زاد الدين على التركة فطلب الوارث أخذها بالقيمة ولا شبهة في ماله أي: والتركة ومال الغريم لا شبهة فيه وقال الغريم تباع رجاء الزيادة أجيب الوارث على الأصح فإن الظاهر والأصل عدم الراغب وللناس غرض في إخفاء تركة مورثهم عن إشهارها بالبيع واختار الأذرعي إجابة الغريم نظرا لنفع الميت؛ إذ النداء يثير الرغبات فإن قلت يؤيده إجابة الغريم فيما لو قال الغريم أنا آخذهما بكل الدين قلت يفرق بأن هنا نفعا محققا للميت وهو سقوط الدين عن ذمته وخلاص نفسه من حبسها بخلاف ذاك فإنها إذا اشتهرت في النداء قد يحصل ذلك وقد لا فأجيب الوارث كما تقرر ونقل الزركشي عن الكفاية عن البحر أنه لو تعلق الدين بعين التركة لم يكن للوارث إمساكها وفيه نظر وإطلاقهم أوجه.
"والصحيح أن تعلق الدين بالتركة لا يمنع الإرث" وإلا لورث من أسلم أو عتق قبل

 

ج / 2 ص -240-      قضائه ولم يرث من مات قبل ذلك ولأن تعلق الرهن أو الأرش لا يمنع الملك في المرهون والعبد الجاني وقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] غاية للمقادير لا للمقدر أي: لا تعتقدوا أن الثمن من أصل المال وإنما هو بعد الفاضل عن ذينك، وقضية كونها ملكه إجباره على وضع يده عليها وإن لم تف بالدين ليوفي ما ثبت منه؛ لأنه خليفة مورثه ولأن الراهن يجبر على الوفاء من رهن لا يملك غيره فإن امتنع ناب عنه الحاكم وكلامهم في وارث عامل المساقاة ظاهر في ذلك "ولا يتعلق" الدين "بزوائد التركة" المنفصلة الحادثة بعد الموت كذا عبروا به وظاهره أن ما حدث مع الموت تركة ويظهر أن المراد به آخر الزهوق؛ لأن الأصل بقاء ملك الميت حتى يتحقق الناقل ولا يتحقق إلا بتمام خروج الروح ولا أثر لشخوص البصر لما مر أنه بعد خروجها وأنه من آثار بقايا حرارتها الغريزية ولذا تجد المذبوح يتحرك حركة شديدة كالكسب والنتاج بأن كان الموجب للأجرة كالصنعة من عبيد التركة مثلا أو كان العلوق بالحمل من أمة أو بهيمة من التركة واقعا بعد الموت ويلحق بذلك ما لو مات عن زرع طول السنبلة منه ذراع فطالت بعد الموت ذراعا آخر فهذا الذراع للوارث؛ لأنه زيادة متميزة فكانت كالمنفصلة وأما الحب المنعقد بعد ذلك فيأتي حكمه ويدل على أن تلك الزيادة المتميزة في الطول لها اعتبار قول المتولي وغيره في أصول نحو البطيخ إن بيعت بشرط قلع فهي كأصلها للمشتري أو بشرط قطع فهي للبائع وما لو مات عن نحو نخل وقد برز طلع أو نحوه كالنور أو علقت بالحمل قبل الموت أو معه وجد تأبر أم لا فالثمرة والحمل تركة فيتعلق به الدين بناء على الأصح أن الحمل يعلم. وإذا ثبت هذا في الحمل ثبت في نحو الطلع المذكور بالأولى ومثله إسبال الزرع فإن وقع بعد الموت فاز بحبه الوارث أو معه أو قبله فتركة ثم ما حكم بأنه للوارث وتعذرت قسمته وبيعه لعدم رؤيته مثلا ينتظر وضعه وحصاده وما لا يتعذر فيه ذلك كالطائل من السنابل وكالثمر الذي لم يؤبر يقومان بعد الموت وقبله فما خص الزائد للوارث وما عداه تركة هذا ما يظهر من متفرقات كلامهم. ثم رأيت الأذرعي قال لو مات عن زرع لم يسنبل فهل الحب تركة أو للورثة ؟ الأقرب الثاني وهو موافق لقولي فاز بحبه الوارث إلخ قال فلو برزت السنابل فمات ثم صارت حبا فهذا موضع تأمل ا هـ. وسبب توقفه كما هو ظاهر ما أشعر به كلامه أنه متوقف في السنابل نفسها هل هي تركة لوجودها قبل الموت أو لا؛ لأن المقصود منها وهو الحب إنما وجد بعد الموت، أما على ما قدمته أن السنبلة بعضها الذي طال بعد الموت للوارث وما قبله تركة فالحب للوارث؛ لأنه لم يبرز إلا بعد الموت ولا نظر للسنابل؛ لأن كلا من الميت والوارث ملك بعضها فتعارضا وتساقطا وحينئذ يتعين أن المدار على البروز كما في الطلع وهو إنما برز بعد الموت فليفز به الوارث فتأمل ذلك كله فإنه مهم ثم رأيت ما يؤيد ما ذكرته بل يصرح به وهو قولهم ما قارن عقد الرهن من نحو طلع وحمل مرهون بناء على الأصح أن الحمل يعلم والطلع أولى منه لظهوره وقولهم ما حدث بعد عقد الرهن من نخيل مرهونة أي: والموت هنا كالعقد ثم من نحو سعف ووعاء طلع وليف وأصول سعف وأولاد نبتت من

 

ج / 2 ص -241-      عروق النخلة بجنبها غير مرهون اعتيد قطع ذلك كل سنة أم لا وقول ابن الرفعة في ورق يترك إلى أن يسقط وفي جريد وأغصان غير مقصودة أنها مرهونة مردود فإن قلت ينافي قياس ما هنا على الرهن الجعلي أن الذي عليه جمع متقدمون ثم إن المقارن للعقد مما ذكر غير مرهون أيضا وقد ذكرتم هنا أنه مرهون قلت ليس ذلك متفقا عليه فقد قال المتولي ثم بنظير ما قلناه هنا أنها مرهونة وبتسليم أن المعتمد الأول يفرق بما أشرت إليه آنفا أن الأصل بقاء ملك الميت فاستصحبناه على ما وجد قبل تمام خروج روحه والأصل هنا بقاء ملك الراهن من غير تعلق به حتى يتحقق وجود العقد الموجب لتعلق الحق به ولا يتحقق ذلك إلا فيما وجد بعد العقد لا معه وذكروا ثم أن الحمل إذا كان غير مرهون لم تبع أمه قبل الوضع بغير رضا الراهن لتعذر توزيع الثمن وتباع نخلة مرهونة حدث طلعها بعد الرهن دخل طلعها في البيع أم لا، وفيما إذا أراد بيع ما حدث طلعها استثناه عند بيعها وإن صح معها كما تقرر ا هـ. وهو يؤيد بعض ما ذكرته في البيع وفي زيادة المبيع إذا رد بنحو عيب تفصيل يأتي كثير منه هنا كما يعلم بالتأمل الصادق ومنه قولهم وطلع وثمرة حادثان بعد عقد الشراء للمشتري كالحمل الحادث حينئذ بخلاف الصوف عند الشيخين؛ لأنه لما اتصل باللحم أشبه السمن والنابت عند المشتري من أصول ما لا يدخل في البيع كالكراث للمشتري؛ لأن الحادث منها ليس تبعا للأرض والبيض كالحمل وإنما أطلت هنا؛ لأني لم أر من نبه على شيء من ذلك مع مسيس الحاجة إليه فتعين إمعان النظر في كلامهم الذي استنبطت منه ما ذكرته هنا فإنه نفيس مهم.
فرع: ما قبضه أحد الورثة من دين مورثه يشاركه فيه البقية نعم لو أحال وارث على حصته من دين مورثه فقبضها المحتال فلا يشاركه أحد فيها؛ لأنه قبضها عن الحوالة لا الإرث ويأتي قبيل الوكالة ما له تعلق بهذا فراجعه.