تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 2 ص -242-      كتاب التفليس
هو لغة النداء على المدين الآتي وشهره بصفة الإفلاس المأخوذ من الفلوس التي هي أخس الأموال وشرعا حجر الحاكم على المدين بشروطه الآتية وصح أنه صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ في ماله وباعه في دينه وقسمه بين غرمائه فأصابهم خمسة أسباع حقوقهم فقال لهم صلى الله عليه وسلم: "ليس لكم" أي: الآن "إلا ذلك" والمفلس لغة المعسر وشرعا من لا يفي ماله بدينه كما قال ذاكرا حكمه:
"من عليه" دين أو "ديون" لله تعالى إن كان فوريا أو لآدمي "حالة" لازمة "زائدة على ماله" الذي يتيسر الأداء منه ولو دينا حالا على مليء مقر أو عليه به بينة بخلاف نحو منفعة ومغصوب وغائب ودين ليس كذلك فلا تعتبر زيادة الدين عليها؛ لأنها بمنزلة العدم وأفهم قوله على ماله أنه إذا لم يكن له مال لا حجر عليه، وبحث الرافعي الحجر عليه منعا له من التصرف فيما عساه يحدث مردود بأن الأصح أن الحجر إنما هو على ماله دون نفسه وما يحدث إنما يدخل تبعا لا استقلالا، وبحث ابن الرفعة أنه لا حجر على ماله المرهون؛ لأنه لا فائدة له وردوه بأن له فوائد كمنع تصرفه فيه بإذن المرتهن وفيما عساه يحدث بنحو اصطياد وبهذه فارق ما مر في التركة المرهونة في الحياة؛ لأن ما يحدث منها ملك الورثة فلا فائدة للحجر فيها ما دام الرهن متعلقا بها "يحجر عليه" من الحاكم بلفظ حجرت وكذا منعت من التصرف على الأوجه وجوبا في ماله إن استقل وإلا فعلى وليه في مال المولى "بسؤال الغرماء" أو ولي المحجور منهم للخبر المذكور ولئلا يخص بعضهم بالوفاء فيتضرر الباقون. "ولا حجر" بدين لله تعالى غير فوري كنذر مطلق وكفارة لم يعص بسببها ولا بدين غير لازم كمال كتابة ولا "بالمؤجل"؛ إذ لا مطالبة بذلك مطلقا أو حالا "وإذا حجر" عليه "بحال لم يحل المؤجل في الأظهر" لبقاء الذمة بحالها وبه فارق الموت ومثله الاسترقاق لا الجنون على الأصح من تناقض للمصنف فيه ولا الردة إلا إن اتصلت بالموت ويؤخذ مما تقرر في الحلول به أن من استأجر محلا بأجرة مؤجلة ومات قبل حلولها وقبل استيفاء المنفعة حلت بالموت كما أفتى به شيخ الإسلام الشرف المناوي وأما إفتاء الشارح بعدم حلولها نظرا إلى أنه هنا لم يستوف المقابل بخلاف بقية صور الحلول بالموت فمردود بما تقرر أن سبب الحلول بالموت خراب الذمة وهو موجود هنا وبقول البلقيني تحل الديون المؤجلة بموت المدين إلا في صورة على مرجوح وبقول الزركشي إلا في ثلاث صور مسلم تحمل عنه بيت المال فمات لا يحل على بيت المال وثنتين على مرجوح والاستثناء معيار العموم وفي فتاوى البلقيني ما يصرح بذلك وسأذكره آخر الإجارة وبأنه قد يحل والاستيفاء للمقابل في مسائل كثيرة كحلول دين الضامن بموته ودين الصداق بموت الزوج قبل وطئه. "ولو كانت الديون بقدر المال فإن كان كسوبا ينفق من

 

ج / 2 ص -243-      كسبه فلا حجر" لعدم الحاجة إليه بل يلزمه الحاكم بقضاء الدين فإن امتنع تولى بيع ماله أو أكرهه بالضرب والحبس إلى أن يبيعه ويكرر ضربه لكن يمهل في كل مرة حتى يبرأ من ألم الأولى لئلا يؤدي إلى قتله خلافا لما أطال به السبكي ومن تبعه. "وإن لم يكن كسوبا وكانت نفقته من ماله فكذا" لا حجر "في الأصح" لتمكنهم من مطالبته حالا نعم لو طلبه الغرماء في المساوي أو الناقص بعد امتناعه أجيبوا لكنه ليس حجر فلس بل من الحجر الغريب السابق قبيل التولية، كذا وقع في شرح المنهج لشيخنا وكأنه أخذه من قول الإسنوي فإن التمس الغرماء الحجر عليه حجر في أظهر الوجهين وإن زاده له على دينه كذا ذكره الرافعي في الكلام على الحبس وعلله بخوف إتلافه لما له ا هـ لكن اعترضه المنكت بأن الذي قالاه ثم إطلاق لا غير قال فليحمل على ما إذا زاد الدين ا هـ وأقول يجمع بحمل الأول على ما إذا كان الدين نحو ثمن؛ إذ قضية كلامهم في مبحث الحجر الغريب اختصاصه بذلك صونا للمعاملات عن أن تكون سببا لضياع الأموال والثاني على ما إذا كان نحو إتلاف؛ إذ قضية كلامهم هنا أنه لا حجر في الناقص والمساوي غريبا ولا غيره. "ولا يحجر" عليه "بغير طلب" من الغرماء؛ لأنه لمصلحتهم وهم أصحاب نظر نعم لو ترك ولي المحجور السؤال فعله الحاكم وجوبا نظرا لمصلحة المحجور ولا يحجر لدين غائب رشيد بلا طلب كما لا يستوفي دينه نعم إن كان غير ثقة مليء وعرضه على الحاكم لزمه قبضه إن كان أمينا وإلا حرم كما هو ظاهر ويؤخذ من لزوم قبضه له أن يحجر عليه حتى يقبض منه لئلا يضيعه قبل تيسر القبض منه، ويحتمل خلافه، وبحث شارح جواز الحجر على غريم مفلس محجور عليه ميت من غير التماس نظرا لمصلحته أو حي التمس غرماؤه وإن لم يلتمس هو وعليه مع ما فيه لا ينافيه قولهم لا يحلف غريم مفلس نكل وميت نكل وارثه ولا يدعي ابتداء؛ لأن ما نحن فيه أمر تابع وهو يغتفر فيه ما لا يغتفر في المقصود من الحلف وابتداء الدعوى. "فلو طلب بعضهم الحجر ودينه قدر يحجر به" بأن زاد على ماله "حجر" عليه لوجود شرطه ثم لا يختص أثره بالطالب "وإلا" يحجر به "فلا" يجاب؛ لأن دينه يمكن وفاؤه بكماله فلا ضرورة به إلى طلب الحجر. "ويحجر" وجوبا على ما وقع لشيخنا في شرح المنهج والذي صرح به الأذرعي وغيره الجواز "بطلب المفلس" أو وكيله بعد ثبوت الدين عليه ولو بعلم القاضي وقضية ذلك توقف ثبوته على دعوى الغريم وهو محتمل ثم رأيت السبكي قال صورة المسألة أن يثبت الدين بدعوى الغرماء وإقامة البينة مثلا ولم يطلبوا الحجر ويطلبه هو أما بدون ذلك فلا يكفي طلب المفلس ا هـ وهو صريح فيما ذكرته "في الأصح" لظهور غرضه فيه من وفاء ديونه بصرف ماله فيها. "فإذا حجر" عليه بطلب أو دونه "تعلق حق الغرماء بماله" عينا ودينا ولو مؤجلا على الأوجه فلا يصح إبراؤه منه ومنفعة ليحصل الغرض المقصود من الحجر فلا ينفذ تصرفه فيه بما يضرهم ولا يزاحمهم فيه دين حادث نعم يقدم عليهم مستأجر بمنفعة ما تسلمه قبل الفلس ولعاقد حجر عليه زمن الخيار فسخ وإجازة على خلاف المصلحة لعدم أو ضعف تعلق حقهم بالمعقود عليه حينئذ ويؤخذ منه أنه لا يشترط التسلم قبل الفلس في مسألة الإجارة بل يكفي سبق

 

ج / 2 ص -244-      عقدها عليه وخرج بحق الغرماء حق الله تعالى غير الفوري كزكاة وكفارة ونذر فلا يتعلق بمال المفلس "وليشهد" الحاكم ندبا "على حجره" أي المفلس ويسن أن يأمر بالنداء عليه بأن الحاكم حجر عليه "ليحذر" في المعاملة. "و" بالحجر يمتنع عليه التصرف في أمواله ولو ما اكتسبه بعد الحجر وحينئذ "لو باع أو وهب" أو أبرأ من دين له ولو مؤجلا كما مر "أو أعتق" أو وقف أو آجر "ففي قول يوقف تصرفه" المذكور وإن أثم به "فإن فضل ذلك عن الدين" لنحو إبراء أو ارتفاع قيمة "نفذ" حالا منه أي بان نفوذه "وإلا" يفضل "لغا" أي: بان إلغاؤه "والأظهر بطلانه" حالا لتعلق حق الغرماء بما يصرفه فيه نعم يصح تصرفه فيما يتقدم به عليهم كثياب بدنه وفيما يدفعه القاضي لنفقته ونفقة ممونه بأن يصرفه فيها كما بحثه الأذرعي وتدبيره ووصيته لتعلقهما بما بعد الموت وكذا إيلاده كما رجحه ابن الرفعة وخالفه السبكي كإيلاد الراهن المعسر وفرق غيره بأن الراهن هو الذي حجر على نفسه بخلاف المفلس وبأن حجر الرهن أقوى؛ لأنه يقدم به على مؤن التجهيز بخلاف المفلس يتقدم بها على الغرماء ويضمن مدين مفلس أقبضه دينه بعد الحجر وإن جهله أو أذن له فيه حاكم إلا إن كان مذهبه ذلك. "فلو باع ماله" كله أو بعضه "لغرمائه بدينهم" أو بعضه أو لغريم بدينه كما بأصله وحذفه؛ لأنه معلوم مما ذكره بالأولى "بطل" إن لم يأذن فيه الحاكم "في الأصح" وإن وجدت شروط البيع السابقة لبقاء الحجر عليه أما بإذنه فيصح جزما. "فلو" تصرف في ذمته كأن "باع" في ذمته غير سلم أو "سلما أو اشترى" أو استأجر أو اقترض شيئا "في الذمة فالصحيح صحته ويثبت" المبيع في الأولى والبدل فيما بعدها "في ذمته"؛ إذ لا ضرر على الغرماء فيه. "ويصح نكاحه" ورجعته "وطلاقه وخلعه" إن كان زوجا وإلا لم ينفذ من الزوجة والأجنبي بالعين "واقتصاصه" أي: طلبه استيفاء القصاص فيجاب إليه "وإسقاطه" القصاص ويصح أن يكون من إضافة المصدر لمفعوله ولو مجانا؛ لأنه الواجب عينا واستلحاقه النسب ونفيه ولعانه وإجازة وصية زادت على الثلث. "ولو أقر بعين" مطلقا "أو دين وجب" ذلك الدين أو نحو كتابة سبقت "قبل الحجر" بنحو معاملة وإن لم يلزم إلا بعد الحجر فتعبيره يوجب المفيد لذلك أولى من تعبير أصله وغيره يلزم "فالأظهر قبوله في حق الغرماء" فيأخذ المقر له العين ويزاحم في الدين؛ لأن الضرر في حقه أكثر منه في حقهم فتبعد التهمة بالمواطأة لكن اختير المقابل لغلبتها الآن ولو طلبوا تحليفه لم يجابوا؛ لأنه لو رجع لم يقبل بخلاف المقر له فيجابون لتحليفه وإن لم يكن المقر محجورا عليه وظاهر كلام الشيخين أنه لو ادعى عليه بمال لزمه قبل الحجر فنكل وحلف المدعي زاحمهم؛ لأن اليمين المردودة كالإقرار "وإن أسند وجوبه إلى ما بعد الحجر" إسنادا مقيدا "بمعاملة أو" إسنادا "مطلقا" عن التقييد بمعاملة أو غيرها "لم يقبل في حقهم" فلا يزاحمهم المقر له لتقصير معامله ولأن الإطلاق ينزل على أقل المراتب وهو دين المعاملة ويصح على بعد أن يريد أو أقرا إقرارا مطلقا عن التقييد بما قبل الحجر أو بعده فإنه لا يقبل هنا أيضا تنزيلا على الأقل هنا أيضا وهو إسناده لما بعد الحجر ومحله كما في الروضة إن تعذرت مراجعته وإلا عمل بتفسيره وقياسه العمل به في مسألة المتن أيضا. "وإن قال عن

 

ج / 2 ص -245-      جناية" ولو بعد الحجر "قبل في الأصح" لعدم تفريط المقر له ومثله ما حدث بعد الحجر وتقدم سببه عليه كانهدام ما آجره قبل إفلاسه والحاصل أن ما وجب عليه بعد الحجر إن كان برضا مستحقه لم يقبل وإلا قبل وزاحم الغرماء فإن قلت قوله لم يقبل ينافيه إفتاء ابن الصلاح بأنه لو أقر بدين وجب بعد الحجر واعترف بقدرته على وفائه قبل وبطل ثبوت إعساره قلت يتعين حمل قوله قبل على أنه بالنسبة لحق المقر له لا لحق الغرماء ويترتب على ذلك قوله عقبه وبطل ثبوت إعساره لأن قدرته على وفائه شرعا تستلزم قدرته على وفاء بقية الديون.
"وله أن يرد بالعيب ما كان اشتراه" قبل الحجر "إن كانت الغبطة في الرد" أو استوى الأمران على ما صرح به الإمام؛ لأنه من توابع البيع السابق مع أنه أحظ له وللغرماء ولم يجب على المعتمد؛ لأنه لا يلزمه الاكتساب كما يأتي بقيده الظاهر جريانه هنا أيضا وإنما لزم الولي الرد؛ لأنه يلزمه رعاية الأحظ لموليه وإنما عد إمساك مريض ما اشتراه في صحته والغبطة في رده تفويتا حتى يحسب النقص من الثلث؛ لأنه لا جابر فيه والخلل هنا قد ينجبر بالكسب وأيضا فحجر المرض أقوى فإن كانت الغبطة في إمساكه امتنع الرد وفارق ما مر آنفا من جواز فسخه وإجازته في زمن الخيار مع عدم الغبطة بأن العقد مزلزل فضعف تعلقهم به ولا أرش هنا مطلقا؛ لأن الرد غير ممتنع في نفسه وأفهم قوله ما كان اشتراه أنه لا يرد ما اشتراه بعد الحجر بثمن في ذمته واعتمده أبو زرعة لتعلق حقهم به والرد يفوته عليهم مجانا بخلاف ذاك؛ لأن رده يحصل لهم ثمنه لكن اعتمد الإسنوي وابن النقيب عدم الفرق. "والأصح تعدي الحجر" بنفسه "إلى ما حدث بعده بالاصطياد" وغيره من سائر الأكساب وإن زاد المال على الديون "والوصية والشراء" في الذمة "إن صححناه" وهو الراجح كما مر وإن زاد دينه بانضمام هذا إليه على ماله كما اقتضاه إطلاقهم وإن نظر فيه الإسنوي وذلك؛ لأن مقصود الحجر وصول الحقوق إلى أهلها وذلك لا يختص بالموجود نعم لو وهب له بعضه أو أوصى له به وتم العقد عتق عليه ولا يرد على المتن خلافا لمن زعمه لزوال ملكه عنه قهرا عليه. "و" الأصح "أنه ليس لبائعه" أي: المفلس في الذمة "أن يفسخ ويتعلق بعين متاعه إن علم الحال" لتقصيره "وإن جهل فله ذلك" وله أن يزاحمهم بثمنه لعذره "و" الأصح أنه "إذا لم يمكن التعلق بها" لعلمه "لا يزاحم الغرماء بالثمن"؛ لأنه دين حادث بعد الحجر برضا مستحقه فإن فضل شيء عن دينهم أخذه وإلا انتظر اليسار أما ما وجب لا برضا مستحقه فيزاحمهم به وفي نسخ يكن قيل وفي كل نقص؛ إذ التقدير يمكنه أو يكن له ا هـ ولا يحتاج لدعوى النقص في يمكن كما هو واضح.
 

فصل في بيع مال المفلس و قسمته وتوابعهما
"يبادر" ندبا "القاضي" أي: قاضي بلد المفلس إذ الولاية على ماله ولو بغير بلده له تبعا للمفلس "بعد الحجر" على المفلس "ببيع ماله" بقدر الحاجة "وقسمه" أي: ثمن المبيع الدال عليه ما قبله "بين الغرماء" بنسبة ديونهم أو بتمليكه لهم كذلك إن رآه مصلحة لتضرر

 

ج / 2 ص -246-      المفلس بطول الحجر والغريم بتأخير الحق لكن لا يفرط في الاستعجال خشية من بخس الثمن ويجب كما يأتي البدار لبيع ما يخشى فساده أو فواته بالتأخير ولا يتولى بنفسه أو مأذونه بيع شيء له حتى يثبت عنده كما اعتمده ابن الرفعة وغيره ولو بعلمه أنه ملكه ويؤيده قولهم لو طلب شركاء منه قسمة ما بأيديهم لم يقسمه بينهم حتى يثبت عنده أنه ملكهم ولا تكفي اليد؛ لأن تصرفه حكم أي: فيما رفع إليه وطلب منه فصله نعم الوجه حمل هذا على يد مجردة وترجيح السبكي كابن الصلاح الاكتفاء باليد على ما إذا انضم إليها تصرف طالت مدته وخلا عن منازع ولو كانت العين بيد المرتهن أو الوارث كفى إقراره بأنه له أي؛ لأن قول ذي اليد حجة في الملك كما صرحوا به ويشترط ما ذكر من ثبوت الملك والحيازة أو الحيازة بشرطها المذكور لجواز تصرف القاضي في غير هذا المحل أيضا ومر أن غير المفلس لا يتعين فيه تولي الحاكم للبيع بل له بيعه وإجباره عليه ولو عين المدعي أحدهما لم يتعين على الأوجه ويستثنى من قسمه بين الغرماء مكاتب حجر عليه وعليه دين معاملة وجناية ونجوم فيقدم الأول؛ لأن لغيره تعلقا آخر بتقدير العجز وهو الرقبة ثم الثاني؛ لأنه مستقر، ومرتهن فيقدم بالمرهون ومجني عليه فيقدم بأرش الجناية من رقبة العبد الجاني وألحق بهما الزركشي من له حبس لنحو قصارة وخياطة حتى يقضي الأجرة، ومستحق حق فوري كزكاة فيقدم عليهم كما بعد الموت ويؤخذ منه أن جميع الحقوق المتعلقة بعين التركة المقدمة على ذوي الديون المرسلة في الذمة تقدم هنا على الغرماء.
"ويقدم" في البيع "ما" يسرع ثم ما "يخاف فساده" كهريسة وفاكهة ثم ما تعلق بعينه حق كمرهون "ثم الحيوان" إلا المدبر فيؤخره ندبا عن الكل احتياطا للعتق وذلك؛ لأنه معرض للتلف وله مؤنة "ثم المنقول"؛ لأنه يخشى ضياعه "ثم العقار" بفتح عينه ويجوز ضمها مقدما البناء على الأرض وأطلق في الأنوار ندب هذا الترتيب والأوجه وفاقا للأذرعي أنه في غير ما يسرع فساده وغير الحيوان مستحب وفيهما واجب وقد يجب تقديم نحو عقار للخوف عليه من ظالم. "وليبع" بالبناء للمفعول أو الفاعل ندبا "بحضرة" بتثليث الحاء "المفلس" أو وكيله "وغرمائه" أو نوابهم؛ لأنه أنفى للتهمة وليبين المفلس ما في ماله من مرغب ومنفر وهم قد يزيدون في الثمن والأولى توليه للبيع بإذن الحاكم لتطيب نفس المشتري وليستغنى عن بينة بملكه على ما مر وندبا أيضا "كل شيء في سوقه" وقت قيامه؛ لأن طالبيه فيه أكثر فإن بيع في غيره بثمن مثله جاز كما لو استدعى أهل السوق إليه لمصلحة كتوفر مؤنة الحمل نعم لو تعلق بالسوق غرض ظاهر وجب وإنما يجوز بيع مال المفلس "بثمن مثله حالا من نقد البلد" أي: محل البيع؛ لأنه المصلحة ومن ثم لو رآها الحاكم في البيع بمثل حقوقهم جاز ولو رضي المفلس والغرماء بمؤجل أو غير نقد البلد جاز على ما قال المتولي ومثلهما الغبن الفاحش ونظر فيه السبكي لاحتمال غريم آخر ويرده أن الأصل عدمه وما يأتي في عدم احتياجهم لبينة بأن لا غريم غيرهم قيل ولو قلنا بما قاله المتولي لا يجوز للحاكم أن يوافقهم على ذلك أخذا مما يأتي في فرض مهر المثل للمفوضة، ولو ظهر

 

ج / 2 ص -247-      راغب هنا زمن الخيار فكما مر في عدل الرهن ولو تعذر مشتر بذينك وجب الصبر بلا خلاف كما أفتى به المصنف واعترض بقول ابن أبي الدم يباع المرهون أي: ولو شرعا كتركة المدين بالثمن الذي دفع فيه بعد النداء والإشهار وإن شهد عدلان أنه دون ثمنه بلا خلاف لئلا يتضرر المرتهن بناء على أن القيمة وصف قائم بالذات فإن قلنا إنها ما تنتهي إليه الرغبات بعد إشهاره الأيام المتوالية في ذلك الوقت بحكم العادة الغالبة فيه وهو الأظهر فواضح؛ لأن الذي دفع فيه هو ثمن مثله وهذا الخلاف قريب من الخلاف أن الملاحة صفة قائمة بالذات وجنس يعرف بنفسه أو مختلفة باختلاف ميل الطباع ا هـ وأجيب بأن الراهن عرض ملكه للبيع بخلاف المفلس ويرد بأن هذا لا ينتج بيع ماله بدون ثمن مثله بل الوجه استواؤهما وحمل إفتاء المصنف على ما إذا لم يدفع فيه شيء أو دفع فيه شيء ورجيت الزيادة. وكلام ابن أبي الدم على ما إذا دفع فيه شيء بعد النداء والإشهار بحيث لا ترجى فيه زيادة الآن؛ لأن هذا هو ثمن مثله؛ إذ الظاهر بناء على الأظهر أن القيمة ليست وصفا ذاتيا أن المعتبر فيها هو ما يرغب به وقت إرادة البيع لا مطلقا ويجري ذلك في بيع مال ممتنع، ويتيم، وغائب لوفاء ما عليه نعم الأوجه في قن كافر أسلم أنه لا يباع إلا بما يساويه في غالب الأوقات لاندفاع الضرر بالحيلولة بينهما ولأن الحق فيه لله تعالى فسومح بالتأخير وهنا الحق للآدمي الطالب لحقه وأفتى السبكي بجواز بيع مال يتيم لنفقته بنهاية ما دفع فيه وإن رخص لضرورته ثم رأيت شيخنا اعتمد ما ذكرته من استوائهما، فقال بعد أن نقل عن الغزي اعتماد الفرق والأوجه أن غير الرهن كالرهن كما جرى عليه السبكي فيه وفي بيع مال اليتيم المحتاج بما ذكر أي: بما ينتهي إليه ثمنه في النداء وإن كان دون ثمن مثله دفعا للضرر في الجميع ويشترط في ذلك أن لا يوجد للمدين نقد أو مال آخر رائج يقضي منه وإلا تعين، ومن ثم لم يبع عقار غائب مدين له نض أو حيوان أو عرض بل يقضي من النض فالحيوان فالعرض فالعقار ومر أن الدين لا يمنع الإرث فمن ثم اشترط في بيع الحاكم المرهون على الميت عرضه على الورثة أو أوليائهم، وتخييرهم بعد انتهاء قيمته إلى ثمن معلوم إما بالإشهار والنداء عليه وعرضه على ذوي الرغبات الأيام المتوالية وإما بتقويم عدلين خبيرين بين الوفاء من مالهم وبيعه بما انتهى إليه.
تنبيه: استشكل السبكي تصور ثبوت القيمة قبل البيع بأنه لا بد من تقدم دعوى على الشهادة بها؛ لأنه حق آدمي وكيف يدعي بها ولا إلزام فيها وأجيب بأنها إن كانت مغصوبة ادعى مالكها قيمتها للحيلولة وإلا نذر شخص التصدق على معين بقدر عشر قيمة هذه مثلا فيدعي على الناذر بدرهم مثلا بحكم أنه نذر عشر قيمتها وأنه لزمه له النذر فينكر فيقيم البينة.
"ثم إن كان الدين غير جنس النقد" الذي بيع به "ولم يرض الغريم إلا بجنس حقه اشتري" له جنس حقه وجوبا؛ لأنه واجبه والمراد بالجنس هنا ما يشمل النوع بل والصفة كما هو ظاهر "وإن رضي" بغير جنس حقه وهو مستقل أو ولي والمصلحة للمولى في التعويض كما هو ظاهر "جاز صرف النقد إليه إلا في" نحو "السلم" والمبيع والمنفعة في الذمة لامتناع الاعتياض عنها كما مر وفي جواز الاعتياض عن نجوم الكتابة تناقض يأتي في الشفعة إن

 

ج / 2 ص -248-      شاء الله تعالى. "ولا يسلم" الحاكم أو نائبه "مبيعا قبل قبض ثمنه" وإلا أثم وضمن وقيده السبكي بما إذا لم يكن باجتهاد، أو تقليد صحيح وعليه إفتاء البلقيني مرة بعدم ضمان أمين الحاكم وأخرى بضمانه وذلك؛ لأنه متصرف لغيره فيحتاط كالوكيل فإن تنازعا أجبر المشتري على التسليم أولا ما لم يكن نائبا لغيره فيجبران على الأوجه واستثنى الأذرعي ما لو باع لغريم يحصل له مثل ثمن المثل عند القسمة فالأحوط بقاؤه في ذمته لا أخذه وإعادته إليه ونازعه الزركشي بأنه إن كان من جنس دينه تقاصا وإلا ورضي حصل الاعتياض فلم يحصل تسليم قبل قبض المبيع بكل تقدير ويرد بأن الأحوط بقاؤه في ذمته وإن لم يحصل تقاص ولا اعتياض فصح الاستثناء على أن تعبيره بالمبيع وهم والموافق لما تقرر قبل قبض الثمن.
فرع: لا يجوز لغريم مفلس ولا ميت الدعوى على مدينه وإن ترك المفلس والوارث الدعوى عليه كما يعلم مما يأتي في الدعاوى.
"وما قبضه قسمه" ندبا إن لم يطلبوا وإلا فوجوبا "بين الغرماء" بنسبة ديونهم مسارعة للبراءة "إلا أن يعسر" قسمه "لقلته" وكثرة الديون "فيؤخر ليجتمع" وإن أبى الغرماء وفاقا لهما وإن اعترضا دفعا للمشقة كما لو ظهرت المصلحة في التأخير ويقرضه أي: ندبا لا وجوبا فيما يظهر لموسر أمين غير مماطل وجده وقد ارتضاه الغرماء ولا يجب هنا رهن؛ لأن الحظ للمفلس بخلافه في مال المحجور الآتي وإلا أودعه أمينا يرتضونه؛ لأن ببقائه بيده تهمة ما وبحث الأذرعي أن إبقاءه بذمة مشتر أمين موسر أولى من أخذه منه وإقراضه لمثله وعليه فهذه مستثناة من المتن أيضا. "ولا يكلفون" عند القسمة "بينة" عبر بها للغالب، والمراد عدم تكليفهم الإثبات "بأن لا غريم غيرهم"؛ لأن الحجر يشتهر فلو كان لظهر وإنما كلف الورثة بينة أن لا وارث غيرهم؛ لأنهم أضبط من الغرماء غالبا ولتيقن استحقاق الغريم لما يخصه في الذمة بفرض ظهور مشارك مع إمكان إبرائه ولا كذلك الوارث. "فلو قسم فظهر غريم شارك بالحصة"؛ لأن المقصود يحصل بذلك ولا تنقض القسمة فلو قسم ماله وهو عشرون على غريمين لكل مائة نصفين لكل عشرة فظهر غريم بمائة رجع على كل بثلث ما أخذه فإن كان أحدهما أتلف ما أخذه وهو معسر أخذ الثالث من الآخر خمسة وكان ما أخذه كل المال فإذا أيسر المتلف أخذا منه ثلث ما أخذه واقتسماه نصفين وألحق بذلك أبو زرعة ما لو اقتسم الورثة التركة فظهر دين وقد أعسر بعضهم فيجعل ما مع الموسرين كأنه كلها فيأخذ الدائن كل دينه ثم إذا أيسر المعسر يرجع عليه بقدر حصته قال؛ لأن الدين لو علم اتحد حكمه في البابين فكذا إذا ظهر ا هـ وواضح أنها لو قسمت بين غرماء فظهر غريم فكما هنا أيضا ولو قبض الحاكم حصة غائب فتلفت تحت يده لم يرجع الغائب على بقية الغرماء بشيء ولم تنقض القسمة؛ لأن الحاكم نائب عنه في القبض وبه فارق ما لو أخذ ناظر بيت المال حقه من تركة ثم ظهر عاصب وتعذر رد ما وصل لبيت المال فيحسب على جميع التركة شائعا، وتنقض القسمة ويقسم ما بقي منها كما لو غصب أو سرق منها شيء قبل قسمتها لتبين عدم ولاية الناظر ومن ثم كان من أقبضه

 

ج / 2 ص -249-      طريقا في الضمان إلا أن يكون حاكما أو مأذونه "وقيل تنقض القسمة" كما لو قسمت التركة فظهر وارث وردوه بأن حقه في عين المال وحق الغريم في القيمة وهو يحصل بالمشاركة وخرج بظهر ما حدث بعد القسمة فلا يضارب صاحبه إلا إن تقدم سببه كما لو انهدم ما آجره بعد القسمة. وكما في قوله "ولو خرج شيء باعه قبل الحجر مستحقا والثمن" المقبوض "تالف" قبل الحجر أو بعده "فـ" ـهو أي: مثله في المثلي وقيمته في المتقوم "كدين ظهر" من غير هذا الوجه فيقاسم المشتري الغرماء بلا نقض للقسمة وذلك لثبوته قبل الحجر. أما غير التالف فيرده قيل لا معنى للكاف بل هو دين ظهر حقيقة ويرده ما تقرر في حله فتأمله.
تنبيه: هل المراد بنقضها على الثاني ارتفاعها من أصلها بناء على الضعيف أيضا أن الفسخ يرفع العقد من أصله أو هو في هذا كالأول وإنما المختلف فيه استرداد المقبوض بعينه إن وجد وإلا فبدله، فعلى الثاني يجب وعلى الأول لا كل محتمل وعلى الأول الأقرب فلو كان المقبوض حيوانا مثلا كأن ملكهم أعيان التركة إن رآه فحصلت منه زوائد بعد القبض فالظاهر أنها ترد فيملكها المفلس ثم تقسم.
"وإن استحق شيء باعه الحاكم" أو نائبه وثمنه المقبوض تالف "قدم المشتري بالثمن" أي بمثله أو قيمته على الغرماء رعاية لمصلحتهم لئلا يرغب الناس عن شراء ماله، وقضيته اختصاص ذلك بما باعه بعد الحجر وليس ببعيد "وفي قول يحاص الغرماء" كسائر الديون ولا يكون الحاكم وأمينه طريقين في الضمان. "وينفق" الحاكم وجوبا من مال المفلس "على من عليه نفقته" من نفسه وقريبه لكن بعد طلبه أو طلب وليه كما اشترطوه في إنفاق ولي نحو الصبي على قريبه ومن زوجاته لكن كمعسر ولا يلزم منه عدم نفقة القريب؛ لأن الإعسار فيهما مختلف كما يعلم مما يأتي في النفقات ومالكيه كأم ولده أي: يمونهم نفقة وكسوة وإسكانا وإخداما وتجهيزا لمن مات منهم "حتى يقسم ماله"؛ لأنه ما لم يزل ملكه عنه موسر أي: بالنسبة لنفقة نحو القريب فلا ينافي إعساره بالنسبة للزوجة ولا يعطيه إلا نفقة المعسرين كما مر يوما بيوم نعم لا ينفق منه على زوجة حادثة بعد الحجر وإنما أنفق على ولده منه مطلقا؛ لأنه لا اختيار له فيه وإن كان إنما استلحقه بعد الحجر على الأوجه؛ لأن الاستلحاق متحتم عليه وبهذا فارق شراءه لابنه في الذمة؛ لأن له اختيارا فيه عرفا ولا كذلك الولد وعلى ولد سفيه استلحقه من بيت المال لإلغاء إقراره بالمال من كل وجه بخلاف المفلس كما مر فإن قلت: المماليك بعد الحجر حدثوا باختياره ومع ذلك يمونهم قلت؛ لأن مؤنتهم من مصالح الغرماء؛ لأنهم يبيعونهم ويقتسمون ثمنهم وألحقت بهم مستولدة بعد الحجر بناء على نفوذ إيلاده؛ لأن أجرتها لهم "إلا أن يستغني بكسب" بأن حصل منه شيئا فيكلف صرفه لهؤلاء ولو كفى كسبه البعض تمم الباقي من ماله أو زاد رد الباقي لماله واختار السبكي أنه لو قصر بترك الكسب أي: الحلال الغير المزري به لم ينفق على هؤلاء من ماله والإسنوي خلافه وهو ظاهر المتن وكلام الأصحاب؛ لأنه بعد الفوات يصدق أنه لم يستغن بكسبه وحمله على الاستغناء بالقوة بعيد؛ إذ قاعدة الباب أنه لا يؤمر بالتحصيل وبه

 

ج / 2 ص -250-      يرد الجمع بحمل الأول على ما إذا وقع له ذلك ثلاثا فأكثر والثاني على ما إذا وقع له مرة أو مرتين.  "ويباع مسكنه" وإن احتاج إليه "وخادمه" ومركوبه "في الأصح وإن احتاج إلى" مركوب و "خادم لزمانته ومنصبه" لضيق حق الآدمي مع سهولة تحصيل ذلك بالأجرة فإن فقدها فعلى مياسير المسلمين كذا ذكره غير واحد وقضيته أنه يلزم المياسير أجرة الخادم والمركوب للمنصب وفيه وقفة؛ إذ لا يلزمهم إلا الضروري أو القريب منه وليس هذا كذلك إلا أن يقال إن أبهة المنصب بهما يترتب عليها مصلحة عامة فنزلت منزلة الحاجة. "ويترك له" أي: لمن عليه نفقته الشامل لنفسه ولمن مر "دست ثوب" أي: كسوة كاملة ولو غير جديدة بشرط أن يبقى فيها نفع عرفا فيما يظهر لرأسه وبدنه ورجليه؛ لأن الحاجة لها كهي للنفقة فتشترى له إن لم تكن بماله "يليق به" حال الفلس ما لم يعتد دونه "وهو" في حق الرجل "قميص" ودراعه فوقه "وسراويل وعمامة" وما تحتها منديل وطيلسان "ومكعب" وهو المداس وخف وليس كل ما ذكر يتعين إلا لمن تختل مروءته بترك شيء منه؛ إذ الواجب من ذلك ما تختل المروءة بفقده، وادعاء أن نحو الطيلسان والخف لا يخل فقده بالمروءة مردود "ويزاد في الشتاء جبة" محشوة وفي حق المرأة ما يليق بها من ذلك مع نحو مقنعة وإزار ويسامح بلبد وحصير تافهي القيمة، ويظهر أن إناء الأكل أو الشرب التافه القيمة كذلك وتترك للعالم كتبه على التفصيل الآتي في قسم الصدقات وكذا خيل وسلاح جندي مرتزق لا متطوع إلا إن تعين عليه الجهاد ولم يجد غيرهما لا آلة الحرفة كما رجحه في الأنوار وظاهر كلام البغوي خلافه ولا رأس مال وإن قل كما شمل كلامهم، وقول ابن سريج يترك له رأس مال إذا لم يحسن الكسب إلا به حمله الأذرعي على تافه كما حمل الدارمي عليه نص البويطي وكل ما قيل يترك له ولم يوجد بماله اشترى له كذا أطلقوه وظاهره أنه يشترى له حتى الكتب ونحوها مما ذكر وفيه نظر ظاهر، ومن ثم بحث أنه لا يشترى له ذلك لا سيما إذا استغنى عنه بموقوف بل لو استغنى عنه به بيع ما عنده وينبغي أن يحمل عليه اختيار السبكي أنها لا تبقى له وقول القاضي لا تبقى في الحج فهنا أولى يحمل على ذلك أيضا وإلا فهو ضعيف كما يعلم مما مر ويباع المصحف مطلقا كما قاله العبادي؛ لأنه تسهل مراجعة حفظته ومنه يؤخذ أنه لو كان بمحل لا حافظ فيه ترك له.
تنبيه: قال في القاموس الدست الدشت أي: الصحراء ومن الثياب والورق وصدر البيت معربات ا هـ وعليه فالإضافة في المتن بيانية وبمعنى من وتفسيره بالكسوة الكاملة موضوع له فارسي وهو المراد هنا كما مر لدلالة المقام عليه.
تنبيه آخر: قيل الغرماء يتعلقون بحسنات المفلس ما عدا الأيمان كما يترك له دست ثوب ويرد بأن هذا توقيفي فلا مدخل للقياس فيه وقيل ما عدا الصوم لخبر
"الصوم لي" ويرده خبر مسلم أنهم يتعلقون حتى بالصوم.
"ويترك قوت" ومؤن "يوم" أو ليلة "القسمة" بليلته التي بعده في الأول ونهاره كذلك في الثاني "لمن عليه نفقته" من نفسه وغيره ممن مر؛ لأنه موسر قبل القسمة هذا كله إن لم

 

ج / 2 ص -251-      يتعلق بجميع ماله حق لمعين وإلا كالمرهون لم ينفق عليه ولا على ممونه منه "وليس عليه بعد القسمة أن يكتسب أو يؤجر نفسه لبقية الدين"؛ لأنه تعالى أمر في المعسر بإنظاره ليساره ولم يأمره بكسب ولما مر في خبر معاذ "ليس لكم إلا ذلك" وإنما وجب الكسب لنفقة القريب؛ لأنها يسيرة والدين لا ينضبط ولأن فيها إحياء بعضه فكان كإحياء نفسه نعم إن وجب الدين بسبب عصى به لزمه الاكتساب كما اعتمده ابن الصلاح وغيره لتوقف صحة توبته على أدائه ومنه يعلم أنه لا يعتبر هنا كونه غير مزر به بل متى أطاق المزري لزمه فيما يظهر؛ إذ لا نظر للمروات في جنب الخروج من المعصية وأن الإيجاب ليس للإيفاء بل للخروج من المعصية ويوافقه ما في الإحياء أنه يجب على من أخر الحج مع قدرته عليه حتى أفلس أن يخرج ماشيا إن قدر فإن عجز اكتسب من الحلال قدر الزاد فإن عجز سأل ليصرف له من نحو زكاة أو صدقة ما يحج به فإن مات ولم يحج مات عاصيا فإذا وجب السؤال والكسب هنا مع أنه حق لله تعالى فأولى ذلك؛ لأنه حق آدمي ونظر بعضهم في كلام الإحياء بما لا يصح وقد يجب الاكتساب هنا وإن لم يعص به كمأذون قسم ما بيده للغرماء وبقي عليه دين فيتعلق بكسبه ويلزمه الاكتساب لوفاء ذلك قاله ابن الرفعة. وإنما يصح إن أريد الوجوب وإن لم يأمره به السيد وإلا فالقن يلزمه الاكتساب للسيد حيث أمكنه وطلبه منه "والأصح وجوب إجارة" نحو "أم ولده و" نحو "الأرض" الموصى له بمنفعتها أو "الموقوفة عليه" حيث لم يخالف شرط الواقف مرة بعد أخرى إلى قضاء الدين؛ لأن المنفعة كالعين نعم إن ظهر بإجباره على إجارة الوقف مدة تفاوت بسبب تعجيل الأجرة لحد لا يتغابن به في غرض قضاء الدين والتخلص من المطالبة لم يجبر وبه علم ضابط زمن كل مرة وهو ما لا يظهر به تفاوت بسبب تعجيل الأجرة وبحث الزركشي أن غلة ذلك لو لم يفضل منها شيء عن مؤنة ممونه قدم بها على الغرماء؛ لأنها تقدم في المال الخالص فالمنزل منزلته أولى ورد بأنها إنما تقدم إلى وقت القسمة فقياسه هنا أنه ينفق منها ما لم تؤجر للغرماء؛ لأن الإجارة حينئذ بمنزلة القسمة وفيه نظر ظاهر والظاهر ما قاله الزركشي؛ لأنه لا يعطي الغرماء منها إلا ما استقر ملكه له وهو ما مضت مدته سواء استأجره الغرماء أم غيرهم فحينئذ ما قبض منها قبل الصرف إليهم تعلق حقه وحق ممونه به فيقدمون به ثم يدفع للغرماء ما بقي فالحاصل أن أجرة كل مرة لا يعطى منها غرماؤه إلا ما فضل عنه وعن ممونه تلك المدة.
فرع: لا ينفك حجر المفلس بانقضاء القسمة ولا باتفاق الغرماء على رفعه لاحتمال غريم آخر بل برفع القاضي لا غيره ما لم يتبين له مال فتبين بقاؤه وله كما هو ظاهر فكه إذا لم يبق له غير المأجور والموقوف فيما عداهما.
"وإذا ادعى" المدين "أنه معسر أو قسم ماله بين غرمائه" أو أن ماله المعروف تلف "وزعم أنه لا يملك غيره وأنكروا فإن لزمه الدين في معاملة مال" يغلب بقاؤه "كشراء أو قرض" وادعى تلفه "فعليه البينة" بالتلف أو الإعسار في الصورتين؛ لأن الأصل بقاء ما وقعت عليه المعاملة وقضيته أن ما لا يبقى كاللحم من القسم الآتي ولو قال لي بينة

 

ج / 2 ص -252-      بذلك وطلب خصمه حبسه أمهل ثلاثة أيام أيضا ثم حبس إلى ثبوت إعساره، وله أن يدعي عليه أنه يعلم ذهاب ماله ويحلفه نعم لو أقر بالملاءة عند المعاملة لم يقبل منه إلا البينة على ذهاب ماله الذي أقر أنه مليء به كما أفتى به القفال ويوافقه ما مر آنفا عن ابن الصلاح المعلوم منه أنه متى أقر بقدرته على وفائه بطل ثبوت إعساره.
تنبيه: ظاهر كلامهم أنه لا بد من البينة بالتلف هنا من غير تفصيل بين ذكر سبب خفي أو ظاهر وهو مشكل بما يأتي في نحو الوديع من التفصيل وفي نحو الغاصب من تصديقه في التلف مع تعديه وقد يفرق بأنه سبق منه استئمان لنحو الوديع فخفف فيه وبأن الاحتياط للمعاملة اقتضى التشديد عليه بإقامته ما يقطع تعلق معامله بما في يده ونظيره ما مر من التشديد في المسلم فيه أكثر منه في الغاصب قيل استشكلت الثانية بأن الفرض أنه وجد له مال وقسم فكيف يحتاج لبينة بتلف ماله مع احتمال أن ما قسم هو مال المعاملة فينبغي أن لا يحتاج إلى البينة عند نقص المال الموجود عن مال المعاملة أشار إليه في الكفاية ا هـ ولك رده بأن الوجه ما اقتضاه كلامهم أنه لا بد من إقامة بينة بتلف مال المعاملة أو بقسمته بخصوصه بين الغرماء؛ إذ قسمته بينهم تلف له فهو داخل في قولهم لا بد من بينة بتلفه وحينئذ فلا وجه لقول من قال فينبغي إلخ ويثبت الإعسار أيضا باليمين المردودة بأن يدعي علم غريمه بإعساره أو بتلف ماله فينكل عن اليمين على نفي علمه بذلك فيحلف المدين ويثبت إعساره وله تكرير طلب يمين الدائن ما لم يظهر منه ما يأتي ويعلم القاضي به؛ لأن المراد به الظن المؤكد.
"وإلا" يلزمه في معاملة مال كذلك كصداق وضمان وإتلاف "فيصدق بيمينه في الأصح"؛ إذ الأصل العدم ومن ثم كان المنقول المعتمد فرض ذلك فيمن لم يعرف له مال وإلا حبس إلى ثبوت إعساره.  "وتقبل بينة الإعسار" وهي رجلان وإن تعلقت بالنفي لمسيس الحاجة كالبينة بأن لا وارث غير هؤلاء ولا يحلف معها إلا بطلب الخصم؛ لأنها قد لا تطلع على مال له باطن بخلاف طلبه لها بالتلف مع بينته؛ لأن فيه محض تكذيب لها "في الحال" إن اطلعت على أحواله الباطنة كما قال "وشرط شاهده" أي الإعسار "خبرة باطنه" لنحو طول جوار ومخالطة مع مشاهدة مخايل الضر والإضافة إلى أن يغلب على ظنه إعساره؛ لأن الأموال تخفى فلا يجوز الاعتماد على مجرد ظاهر الحال وشرط بعضهم في شاهدي المرأة كونها محرمين لها؛ لأن غيرهم لا يطلعون على باطن حالها وفيه نظر؛ إذ قد يستفيض عنده عنها ما يكاد يقطع بإعسارها لأجله وبتسليمه فيلحق بالمحرم نحو الزوج والممسوح ويعتمد قول الشاهد أنه خبير بباطنه وكان الفرق بينه وبين شاهد التزكية مسيس الحاجة هنا لذلك وخرج بشاهد الإعسار الشاهد بتلف ماله الذي لا يعرف له غيره فلا يشترط فيه خبرة باطنه. "وليقل" شاهد الإعسار "هو معسر" مع ما يأتي "ولا يمحض النفي كقوله لا يملك شيئا" بل يقيده كقوله لا يملك إلا ما يبقى له أو لممونه وينبغي أن لا يكتفي منه بالإجمال كالعجز الشرعي خلافا للبلقيني بل لا بد من بيان ذلك المبقى له وإن كان عالما موافقا للقاضي؛ لأن الإجمال ليس من وظيفة الشاهد بل وظيفته التفصيل ليرى

 

ج / 2 ص -253-      فيه القاضي ويحكم بمعتقده كما سيأتي مع ما فيه، ولو ادعى غريمه ولو بعد ثبوت إعساره أن له مالا باطنا لا تعلمه بينته وطلب حلفه لزمه الحلف على نفيه ونحو محجور وغائب وجهة عامة لا يتوقف التحليف لأجله على طلب وأفتى القفال بأن الشهادة باليسار لا بد فيها من بيان سببه وتبعه في الشامل ولو تعارضت بينة يسار وبينة إعسار قدمت الأولى عند جمع متقدمين وقيده آخرون بما إذا جهل حاله فإن عرف له مال قبل قدمت الثانية.
تنبيه: قال الزركشي قضية كلامهم هنا أنه لو محض النفي لا يقبل وبه صرح القاضي وغيره لكن نص في الشاهد بأن لا وارث له آخر على أنه يقول لا أعلم له وارثا آخر ولا يمحض النفي فإن محضه كلا وارث له آخر أخطأ المعنى ولم ترد شهادته ا هـ. وقد يفرق بأن الوارث يظهر غالبا فعدم ظهوره دليل لتمحيض النفي فلم يعد منه تهورا وليس الإعسار كذلك؛ لأنه يظهر على صاحبه غالبا أن له شيئا فتمحيضه النفي فيه تهور منه فلم يقبل ويؤخذ منه أنه لا يقبل منه تمحيضه وإن علم أنه الواقع وادعاه لما تقرر أن ذلك نادر جدا فعد به متهورا وإن فرض أن المفلس باطنا كذلك؛ لأن من هذا حاله لا يخفى أمره غالبا.
"وإذا ثبت إعساره" ولو في غيبة خصمه؛ إذ لا يتوقف ثبوته على حضوره "لم يجز حبسه ولا ملازمته بل يمهل" من غير مطالبة "حتى يوسر" للآية نعم له الدعوى عليه كل وقت أنه حدث له مال ويحلفه؛ لأنه محتمل وظاهر أن محله ما لم يظهر منه التعنت والإضرار وعلم من كلامه جواز حبس المدين ولو على زكاة أو عشر لا كفارة؛ لأنها تؤدى بغير المال قاله شريح لكن نظر فيه غيره والذي يتجه في كفارة فورية تعين فيها المال الحبس لا في زكاة تقبل السقوط بادعاء تلف أو نحوه وأن المراد بالعشر ما يشرط على من دخلوا دارنا بالتجارة أو الخراج المضروب بحق إلى ثبوت إعساره، نعم لا يحبس أصل لفرعه مطلقا ولا نحو من وقعت الإجارة على عينه إذا تعذر العمل في الحبس بل يقدم حق المستأجر على غيره ويستوثق القاضي عليه إن خاف هربه بما يراه. ولو قيل: إنه يجاب للحبس في غير وقت العمل كالليل لم يبعد ولا مريض لا ممرض له ولا مخدرة ولا ابن سبيل بل يوكل بهم ليترددوا ويتمحلوا ولا غير مكلف ولا ولي أو وكيل لم يجب المال بمعاملته وإلا حبس ولا قن جني ولا سيده حتى يؤدي أو يبيع بل يباع عليه إذا وجد راغب، وامتنع من البيع والفداء ولا مكاتب لنجم لتمكنه من إسقاطه متى شاء وللدائن ملازمة من لم يثبت إعساره ما لم يختر المدين الحبس فيجاب إليه وأجرة الحبس وكذا الملازمة على ما يأتي قبيل القسمة على المدين ولو لم يفد فيه زاد في تعزيره بما يراه من ضرب وغيره كذا قيل ويتعين فرضه فيمن عرف له مال وامتنع من الأداء منه كما مر ومن حبسه قاض لا يطلق إلا برضا غريمه أو بثبوت إعساره ولا يخرج بغير إذنه إلا لضرورة كدعوى أو رد جوابها والذي يتجه حيث لم يوجد حبس إلا ببلد بعيد حبسه فيه وإن لم يكن بعمله كالتغريب في الزنا وإنما لم يحضر من فوق مسافة العدوي؛ لأن الحق ثم لم يثبت وللحاكم منع المحبوس مما يرى المصلحة في منعه منه كتمتعه بحليلته ولا يلزم الزوجة إجابته إلى

 

ج / 2 ص -254-      الحبس إلا إن كان بيتا لائقا بها لو طلبها للسكنى فيه فيما يظهر وكترفهه بشم ريحان وبغيره كالاستئناس بالمحادثة وكغلق الباب عليه وكمنعه من الجمعة بخلاف عمل الصنعة ونحوه مما لا ترفه فيه.
فرع: حكم له بسفر زوجته معه فأقرت لآخر بدين قبل إقرارها ومنعت من السفر معه كما أفتى به ابن الصلاح وسبقه إليه شريح وقال ابن الفركاح وجمع لا يقبل وعلى الأول لا تقبل بينته أنها قصدت بذلك عدم السفر معه على الأوجه من وجهين في ذلك وإن توفرت القرائن بذلك، وعليه أيضا لو طلب الزوج من الزوجة أو المقر له الحلف على أن باطن الأمر كظاهره أجيب فيه أخذا مما يأتي في الإقرار لوارث أو غيره لا فيها؛ لأن إقرارها بأن ذلك حيلة لا يجوز سفرها معه بغير رضا المقر له ومر في عدم تحليف المفلس المقر ما يصرح بذلك ولو كان الإقرار صادرا عن حيلة كأن أقرضها دينارا ثم وهبته له فمحل تردد والذي يتجه أنه إن شهدت بذلك بينة أو اعترف به المقر له لم يؤثر ولو كان لكل من اثنين دين على الآخر حال ولم توجد شروط التقاص فلكل طلب حبس الآخر بشرطه.
"والغريب العاجز عن بينة الإعسار" لا يحبس بل "يوكل القاضي به" وجوبا "من" أي: اثنين فأكثر "يبحث عن حاله فإذا غلب على ظنه إعساره شهد به" لئلا يتخلد حبسه وظاهر المتن أنه يوكل به ابتداء ولا يحبسه كابن السبيل لكن ظاهر كلام الروضة وأصلها أنه يحبسه ثم يوكل من يبحث عنه.
 

فصل في رجوع نحو بائع المفلس عليه بما باعه له قبل الحجر ولم يقبض عوضه
"من باع" شيئا بثمن في الذمة "ولم يقبض الثمن" أي: شيئا منه "حتى" مات المشتري مفلسا كما يأتي أول الفرائض أو حتى "حجر على المشتري بالفلس" أي: بسبب إفلاسه بشروطه السابقة "فله" أي: البائع من غير حاكم حيث لم يحكم حاكم بمنع الفسخ "فسخ البيع" بنحو فسخته أو نقضته أو رفعته أو رددت الثمن أو فسخت البيع فيه لا بفعل ونحوه مما يأتي وقد يجب الفسخ بأن يتصرف عن موليه أو يكون سقط والغبطة في الفسخ "واسترداد المبيع" كله أو بعضه ويضارب بالباقي للخبر المتفق عليه
"إذا أفلس الرجل ووجد البائع سلعته بعينها فهو أحق بها من الغرماء" وفي رواية لهما "من أدرك ماله بعينه عند رجل وقد أفلس فهو أحق به من غيره" وسياقه قاض بأن الثمن لم يقبض وفي أخرى "أيما رجل أفلس أو مات فصاحب المتاع أحق بمتاعه". وأفهم كلامه أنه لا رجوع لو أفلس ولم يحجر عليه أو حجر عليه بسفه أو اشترى حال الحجر إلا إن جهل حاله كما مر فيثبت بشروطه الآتية أو اشترى شيئا بعين ولم يتسلمها البائع فيطالب بها ولا فسخ؛ لأن النص لم يرد إلا في المبيع وما ألحق به "والأصح أن خياره" أي: البائع أو الفسخ "على الفور" كخيار العيب؛ لأن كلا لدفع الضرر وبه فارق خيار الأصل في رجوعه في هبته لولده وساوى الرد بالعيب في الفرق بين علمه وجهله. "و" الأصح "أنه لا يحصل الفسخ بالوطء والإعتاق

 

ج / 2 ص -255-      والبيع" ونحوها وتلغو هذه التصرفات كالواهب وإنما انفسخ بذلك في زمن الخيار؛ لأن الملك فيه غير مستقر "وله" أي: الشخص "الرجوع" في عين ماله بالفسخ "في سائر المعاوضات" المحضة؛ إذ هي التي "كالبيع" في فساد كل بفساد المقابل فدخل نحو السلم والقرض والإجارة لعموم الخبر المذكور وخرج نحو الهبة لعدم العوض فيه ونحو سقط والنكاح والصلح عن دم لتعذر استيفاء المقابل وليس من هذا الفسخ بالإعسار الآتي في النفقات "وله" أي الرجوع في المبيع وما ألحق به "شروط منها كون الثمن" في البيع والعوض في غيره دينا "حالا" عند الرجوع وإن كان مؤجلا قبله ولو استمر الأجل لما بعد الحجر؛ لأن المؤجل لا يطالب به فيصرف المبيع لديون الغرماء ومن هذا أخذ ابن الصلاح وأقره الإسنوي وغيره أن الإجارة التي يستحق فيها أجرة كل شهر عند انقضائه لا فسخ فيها لامتناعه قبل انقضائه لعدم المطالبة بالأجرة وبعده لفوات المنفعة المعقود عليها كتلف المبيع وهكذا كل شهر فلا يتصور فسخ إلا إن كانت الأجرة حالة أي أو بعضها حال؛ إذ لمن أجر شيئا بأجرة بعضها مؤجل وبعضها حال فسخ في الحال بالقسط كما بحثه غيره "وأن يتعذر حصوله" أي: العوض "بالإفلاس فلو" لم يتعذر به كأن كان به رهن يفي بالثمن عادة ولو مستعارا أو ضامن بالإذن وهو مقر أو به بينة مليء وكذا بغيره على الأوجه. والمنة فيه ضعيفة لا نظر إليها أو تعذر بغيره كأن انقطع جنس الثمن أو "امتنع" المشتري مثلا "من دفع الثمن مع يساره أو هرب" مع يساره "فلا فسخ في الأصح" لجواز الاستيفاء من الرهن أو الضامن والاستبدال عن المنقطع ولا مكان التوصل إلى أخذه من نحو الممتنع بالسلطان فإن فرض عجزه فنادر.
تنبيه: ما ذكره في الامتناع تفريعا على ما قبله مشكل فإن صورة الامتناع خرجت بفرضه الكلام أولا في المحجور عليه سقط ولا يدفع ذلك قول الشارح فلو انتفى الإفلاس بأن امتنع؛ لأن هذا إنما يصلح مع النظر إلى قوله بالإفلاس وحده. أما مع كونه فرض هذا شرطا في المحجور عليه فلا يتأتى ذلك.
"ولو قال الغرماء لا تفسخ ونقدمك بالثمن" من مال المفلس أو مالنا "فله الفسخ" لما فيه من المنة وقد يظهر غريم آخر وبه يفرق بين هذا وما لو قال الغرماء للقصار لا تفسخ ونقدمك بالأجرة فإنه يجبر؛ لأنه لا ضرر عليه بفرض ظهور غريم آخر لتقدمه عليهم ولو مات المشتري مفلسا وقال الورثة لا تفسخ ونقدمك من التركة أجيب أو من مالنا أجيبوا واستشكل بأن التركة ملكهم فأي فرق وقد يفرق بأنه إذا أخذ من التركة يحتمل ظهور مزاحم له بخلاف ما إذا أخذ من مال الوارث مع أنه خليفة مورثه فلم ينظر للمنة فيه وإذا أجاب الغرماء أو الوارث فظهر غريم لم يرجع للعين لتقصيره ولم يزاحمه فيما أعطاه له المتبرع من ماله ؛ لأنه وإن قيل بدخوله في ملك المفلس لكنه تقديري والغرماء إنما يتعلقون بما دخل في ملكه حقيقة. "وكون المبيع باقيا في ملك المشتري" لرواية من أدرك ماله بعينه "فلو" باعه ثم حجر عليه في زمن خيار البائع أو خيارهما أو أقرضه أو وهبه لولده جاز له الرجوع تنزيلا لقدرته على رده لملكه منزلة بقائه بملكه أو زال ملكه عنه ثم عاد فلا رجوع

 

ج / 2 ص -256-      كما في الروضة واقتضاه كلام المتن وهو نظير ما يأتي في الهبة للولد وفارق الرد بالعيب ورجوع الصداق بالطلاق بأن الرجوع في الأولين خاص بالعين دون البدل وبالزوال زالت العين فاستصحب زوالها بخلافه في الأخيرين فإنه عام في العين وبدلها فلم يزل بالزوال وعلى الرجوع الذي انتصر له جمع لو زال ثم عاد بمعاوضة محضة قدم الثاني؛ لأن حقه أقوى؛ إذ لا خلاف في جواز رجوعه بخلاف الأول واستثني من هذا الشرط مسائل فيها نظر أو "فات" حسا بنحو موت أو شرعا بنحو عتق أو وقف "أو كاتب العبد" مثلا وكتابة صحيحة ولم يعد للرق أو استولد الأمة اتفاقا كما قاله المصنف وإن أفتى بما يخالفه "فلا رجوع" لخروجه عن ملكه حسا فيما عدا الأخيرين وحكما فيهما وليس للبائع فسخ هذه التصرفات وفارق الشفيع بقوة حقه بثبوته مقارنا لعقد الشراء ولا كذلك هنا "ولا يمتنع التزويج" ونحو التدبير الرجوع؛ لأنه لا يمنع البيع واستفيد منه خلافا لمن زعم الاستغناء عنه بما بعده إذ التزويج عيب أن نحو الإجارة كذلك؛ لأنها لا تمنع البيع أيضا فيأخذه مسلوب المنفعة أو يضارب وكون المبيع سليما من تعلق حق لازم لثالث كجناية أو رهن مقبوض أو شفعة فإن زال رجع ومن مانع لتملك البائع له كإحرامه وهو صيد فإذا حل رجع وفارق ما لو أسلم والبائع كافر فإن له الرجوع فيه بأنه قد يملك المسلم باختياره وبأن ملكه لا يزول عنه بنفسه بخلاف المحرم مع الصيد فيهما.
"ولو تعيب" المبيع بما لا يضمن كأن تعيب "بآفة" أو بجناية بائع قبل قبض أو بجناية مبيع أو حربي "أخذه ناقصا" بلا أرش "أو ضارب بالثمن" كما لو تعيب المبيع في يد البائع يأخذه المشتري ناقصا أو يتركه "أو" تعيب "بجناية أجنبي" يضمن جنايته ولو قبل القبض "أو البائع" بعد القبض "فله" إما المضاربة بثمنه أو "أخذه ويضارب من ثمنه بنسبة نقص القيمة" الذي استحقه المشتري إليها فإذا ساوى مع قطع يديه مائة وبدونه مائتين وقد كان اشتراه بمائة أخذه وضارب بنصف الثمن وهو خمسون ولم يعتبر المقدر في يديه وهو قيمته لئلا يلزم أخذه مع تمام قيمته أو مع تمام ثمنه وهو محال وألحق البائع هنا بالأجنبي؛ لأن جنايته حينئذ مضمونة مثله "وجناية المشتري" كان زوج الأمة أو العبد "كآفة في الأصح" لأنه وقع في ملكه قبل تعلق حق الغرماء به كذا وقع في عبارة شارح وقوله قبل إلخ لا مدخل له في التعليل بل يوهم خلاف المراد وهو أنه لو وقع بعد ثبوت الرجوع بأن تأخر الفسخ لعذر ضمنه نظرا لوقوعه بعد تعلق حقهم به وليس بصحيح كما هو واضح؛ لأن المبيع فائت على الغرماء فلا وجه لتضمينهم المفلس مطلقا ولو قال قبل تعلق حق الفسخ به ليفيد رجوع البائع بأرشه لو وقعت بعد تعلق حق الفسخ به فيضارب به لأمكن ذلك لكنه بعيد من كلامهم. "ولو تلف أحد العبدين" مثلا المبيعين صفقة واحدة ومثلهما كل عينين يفرد كل منهما بعقد "ثم أفلس" وحجر عليه أو تلف بعد الحجر ولم يقبض البائع شيئا من الثمن "أخذ" البائع "الباقي وضارب بحصة التالف"؛ لأنه ثبت له الرجوع في كل منهما ويعتبر نسبة كل من قيمة التالف وقيمة الباقي إلى مجموع القيمة حتى يأخذ الباقي بحصته من الثمن ويضارب بحصة التالف منه لكن العبرة في التالف بأقل قيمته يوم العقد والقبض دون ما

 

ج / 2 ص -257-      بينهما وفي الباقي بأكثرهما لما بينته بمثله في شرح الإرشاد. "فإن كان قبض بعض الثمن رجع في الجديد" كالفرقة قبل الوطء يرجع بها الكل تارة والبعض أخرى وخبر: "وإن كان قد قبض من ثمنه شيئا فهو أسوة الغرماء" مرسل وإيهام تفريعه هذا على ما قبله اختصاص القولين بالتلف غير مراد بل يجريان مع بقائهما وقبض بعض الثمن فعلى الجديد يرجع في بعض المبيع بقسط الباقي من الثمن فلو قبض نصفه رجع في نصفهما لا في أحدهما بكماله؛ لأن فيه ضررا عليهم والتلف فيما ذكر ليس بقيد فلو بقي جميع المبيع وأراد البائع الفسخ في بعضه مكن وإن حصل بالتفريق نقض؛ لأنه بالنسبة للغرماء أنفع من الفسخ في كله والضرر إنما هو على الراجع فقط فإن فرض أنه على المفلس لم ينظر إليه؛ لأن ماله مبيع كله فلم يبال بالتفريق فيه. "فإن تساوت قيمتهما وقبض نصف الثمن أخذ الباقي" بباقي الثمن ويكون ما قبضه في مقابلة التالف "وفي قول" مخرج "يأخذ نصفه بنصف باقي الثمن ويضارب بنصفه" أي: الباقي وهو ربع الجميع؛ لأن الثمن يتوزع على الجميع وسيأتي في هبة الصداق للزوج ترجيح نظير هذا ويفرق بأن حق البائع هنا يتعلق بالعين والإلفات عليه بعض الثمن بالمضاربة فانحصر حقه في الموجود منها وحق الزوج ثم متعلق بها أو ببدلها؛ إذ لها في صور إمساكها وإعطاؤه بدلها فلم ينحصر حقه في الباقي بل شاع فيه وفي بدله. "ولو زاد المبيع زيادة متصلة كسمن وصنعة" تعلمها المبيع بنفسه وكبر شجرة "فاز البائع بها" فيأخذه ولا شيء عليه في مقابلتها بخلاف ما لو علمها له المشتري فإنه كما يأتي في القصارة وهذا التفصيل هو محمل ما وقع للشيخين من التناقض هنا وثم على أنهما أشارا إليه بتعبيرهما هنا بالتعلم وثم بالتعليم "والمنفصلة كالثمرة والوالد" بأن حدثا بعد البيع وانفصلا قبل الرجوع "للمشتري"؛ لأنها تتبع الملك كما في الرد بالعيب "ويرجع البائع في الأصل فإن كان الولد" الذي أمه أمة "صغيرا" بأن لم يميز "وبذل" بالمعجمة "البائع قيمته أخذه مع أمه"؛ لأن التفريق ممتنع ومال المفلس مبيع كله وظاهر كلامهم أنه يستقل بأخذه من غير بيع ويوجه بأنه وقع تبعا لأمه في تملكها من غير عقد "وإلا" يبذلها "فيباعان" معا حذرا من التفريق المحرم "وتصرف إليه حصة الأم" وحصة الولد للغرماء فلو ساوت وحدها بصفة كونها حاضنة مائة ومعه مائة وعشرين كان سدس الثمن للمفلس "وقيل لا رجوع" إذا لم يبذل القيمة بل يضارب لما فيه من التفريق من حين الرجوع إلى البيع "فإن كانت حاملا عند" البيع والرجوع رجع فيها حاملا قطعا أو عند "الرجوع دون البيع أو عكسه" بالنصب أي حاملا عند البيع دون الرجوع بأن انفصل الولد قبله "فالأصح تعدي الرجوع إلى الولد" أما في الثانية فلأن الحمل يعلم، وأما في الأولى فلأنه لما تبع في البيع تبع في الرجوع وفارق هذا والثمر الآتي نظيرهما في الرهن بأنه ضعيف والفسخ قوي لنقله الملك وفي الرد بالعيب ورجوع الوالد بأن سبب الفسخ هنا وهو عدم توفية الثمن نشأ من المأخوذ منه فلم تراع جهته بخلافه فيهما فاندفع ما للإسنوي وغيره هنا وفرق شارح بغير ذلك مما لا يصح "واستتار الثمر بكمامه" وهو أوعية الطلع. "وظهوره بالتأبير" وهو تشققه "قريب من استتار الجنين وانفصاله" فإن وجدت عند البيع وتأبرت عند الرجوع فقط رجع فيها "و"

 

ج / 2 ص -258-      حينئذ هي "أولى بتعدي الرجوع" إليها من الحمل لرؤيتها دونه ومن ثم جرت هنا طريقة قاطعة بأنها للبائع ولم يجز نظيرها في الحمل ولو حدثت بعد البيع ولم تتأبر عند الرجوع رجع فيها فإن تأبرت عنده فهي للمشتري، وإن لم تتأبر عندهما فهي للبائع جزما وعبارته تشمل ببادئ الرأي هذه الصور الأربع واعترضت بأن الثانية ليست أولى بذلك بل بعدمه كما أشار إليه الرافعي كالغزالي ووجهه جريان طريقة قاطعة هنا بأنها للمشتري لحدوثها في ملكه، وكان وجه القطع هنا كونها مرئية فإذا لم يرجع الحمل الذي لا يرى للبائع نظرا لحدوثه في ملك المشتري وإن لم ير فما حدث في ملكه ورئي أولى منه بعدم رجوع البائع فيه ولك أن تقول عبارته مع صدق التأمل لا تشمل غير الأولى بالنسبة للأولوية فلا اعتراض وبيانه أنه شرط في القرب الذي ذكره مع الأولوية وجود الاستتار والظهور في المشبه والاستتار والانفصال في المشبه به واجتماعهما في كل إنما يتصور في الصورة الأولى من هذه الأربع وفي نظيرتها التي هي صورة العكس من الحمل، وأما ما عدا ذلك من بقية الصور الأربع فليس فيه إلا أحدهما كما تقرر وكالتأبير هنا ما ألحق به في باب بيع الأصول والثمار. "ولو غرس الأرض" التي اشتراها "أو بنى" فيها ثم حجر عليه أو فعل ذلك بعد الحجر خلافا لما يوهمه كلام شارح هنا وفي غيره واختار البائع الرجوع في الأرض "فإن اتفق الغرماء والمفلس على تفريغها" مما فيها "فعلوا"؛ لأن الحق لا يعدوهم وبحث الأذرعي أخذا من كلام جمع أنه لا يقلع إلا بعد رجوعه فيها وإلا فقد يوافقهم ثم لا يرجع فيحصل الضرر ومن ثم لو كانت المصلحة لهم لم يشترط تقدم رجوعه. "وأخذها" البائع؛ لأنها عين ماله وأفهم قوله اتفق أنه ليس له إلزامهم قبل الامتناع الآتي أخذ قيمة الغرس والبناء ليتملكهما معها ويجب تسوية الحفر وغرامة أرش نقص الأرض بالقلع من مال المفلس مقدما به على الغرماء وفاقا لجمع متقدمين ومتأخرين؛ لأنه لتخليص ماله وإنما لم يرجع البائع بأرش مبيع وجده ناقصا كما مر؛ لأن النقص هنا حدث بعد الرجوع "وإن امتنعوا" كلهم من قلع ذلك "لم يجبروا" لوضعه بحق فيحترم "بل له أن يرجع" في الأرض ذكره زيادة إيضاح "و" حينئذ يلزمه أن "يتملك الغراس والبناء بقيمته" وقت التملك غير مستحق القلع مجانا كما هو ظاهر لئلا يتحد هذا مع قوله ويبقى الغراس إلخ؛ لأنا لو قومناه هنا مستحق القلع ساوى ذاك وكان جواز الرجوع هنا ومنعه ثم كالتحكم وذلك تخليصا لما له وجمعا بين المصلحتين والذي يتجه من تردد للإسنوي أنه يصح اختياره لهذا القسم وإن لم يشترط عليه التملك نعم إن تركه بان بطلان رجوعه فيما يظهر أيضا هذا كله إن لم يختر القلع وإلا لم يلزمه تملك "و" جاز "له أن يقلع ويغرم أرش نقصه" وهو ما بين قيمته قائما ومقلوعا وجاز له كل من هذين؛ لأن مال المفلس مبيع كله والضرر يندفع بكل منهما بخلاف ما لو زرعها المشتري، وأخذها البائع لا يمكن من ذلك؛ إذ للزرع أمد ينتظر فسهل احتماله فإن اختلفوا عمل بالمصلحة "والأظهر أنه ليس له أن يرجع فيها" أي: في الأرض "ويبقى الغراس والبناء للمفلس" ولو بلا أجرة لما فيه من الضرر؛ لأن كلا منهما بلا مقر ناقص القيمة فيضارب البائع بالثمن أو يعود إلى التخيير السابق قاله الرافعي وأخذ منه

 

ج / 2 ص -259-      المصنف أنه لو امتنع من ذلك، ثم عاد إليه مكن وأشار ابن الرفعة إلى استشكاله بأن الرجوع فوري، ويجاب بأن تخييره كما ذكر يقتضي أنه يغتفر له نوع ترو لمصلحة الرجوع فلم يؤثر ما يتعلق به من اختيار شيء وعوده لغيره بقدر الإمكان وإنما رجع إذا صبغ المشتري الثوب فيه دون الصبغ ويكون شريكا؛ لأن الصبغ كالصفة التابعة.
"ولو كان المبيع حنطة فخلطها" المشتري "بمثلها أو دونها" قبل الحجر أو بعده "فله" أي: البائع بعد الفسخ "أخذ قدر المبيع من المخلوط"؛ لأن مثل الشيء بمنزلته ومن ثم جازت قسمة المختلط بمثله ولأنه سامح في الدون وأفهم قوله أخذ أنه لو طلب البيع وقسمة الثمن لم يجب أما إذا خلطها أجنبي فيضارب البائع بنقص الخلط كما في العيب "أو" خلطها "بأجود" منها "فلا رجوع في المخلوط في الأظهر" بل يضارب بالثمن فقط لتعذر القسمة؛ لأن أخذ قدر حقه ضررا بالمفلس ومساويه قيمة ربا لا يقال شرط الربا العقد ولا عقد هنا؛ لأنه ممنوع بأن ما أخذ من الأجود من غير النوع وهو لا بد فيه من لفظ الاستبدال وهو عقد والإجبار على بيع الكل والتوزيع على القيمتين بعيد؛ إذ لا ضرورة إليه نعم لو قل الخليط بأن كان قدرا يقع به التفاوت بين الكيلين فإن كان الأكثر للبائع فواجد عين ماله أو للمشتري فلفاقد لماله وكالحنطة فيما ذكر سائر المثليات ولو اختلط شيء بغير جنسه كزيت بشيرج ضارب به كالتالف. "ولو طحنها" أي الحنطة المبيعة له "أو قصر الثوب" المبيع له أو خاطه بخيط منه أو خبز الدقيق أو ذبح الشاة أو شوى اللحم أو راض الدابة أو ضرب اللبن من تراب الأرض أو بنى عرصة بآلات اشتراها معها ونحو ذلك من كل ما يصح الاستئجار عليه ويظهر به أثره عليه فخرج نحو حفظ دابة وسياستها ثم حجر عليه أو تأخر ذلك عن الحجر نظير ما قدمته آنفا "فإن لم تزد القيمة" بما ذكر "رجع ولا شيء للمفلس" فيه لوجوده بعينه من غير زيادة ولا شيء للبائع في مقابلة النقص؛ لأنه لا تقصير من المشتري في فعل ذلك "وإن زادت" بذلك "فالأظهر" أن الزيادة عين لا أثر محض فيشارك المفلس بها فللبائع أخذ المبيع ودفع حصة الزيادة للمفلس فإن أبى فالأظهر "أنه لا يباع وللمفلس من ثمنه نسبة ما زاد" بالعمل؛ لأنها زيادة حصلت بفعل محترم متقوم فوجب أن لا يضيع عليه فلو كانت قيمته خمسة وبلغت بما فعل ستة كان للمفلس سدس الثمن في صورة البيع أو سدس القيمة في صورة الأخذ ولنسبة ذلك لفعله عادة فارق كبر الشجرة بالسقي وسمن الدابة بالعلف؛ لأنهما محض صنع الله تعالى؛ إذ كثيرا ما يوجد السقي والعلف ولا يوجد كبر ولا وسمن ومن ثم امتنع الاستئجار عليهما. "ولو صبغه" المشتري "بصبغة فإن زادت القيمة" بسبب الصبغ "قدر قيمة الصبغ" كأن كان بدرهمين والثوب بأربعة فساوى ستة "رجع البائع في الثوب والمفلس شريك بالصبغ" فيباع الثوب أو يأخذه البائع والثمن أو القيمة بينهما أثلاثا وفي كيفية الشركة وجهان أوجههما أنها فيهما جميعا لتعذر التمييز كما في نظيره من الغصب وخرج بقولنا بسبب الصبغ ما لو زادت بارتفاع سوق أحدهما فالزيادة لمن ارتفع سعر سلعته فإن كانت بارتفاع سوقهما وزعت عليهما بالنسبة أو بارتفاع السوق لا بسببهما فلا شيء للمفلس ويأتي ذلك فيما مر من نحو

 

ج / 2 ص -260-      القصارة "أو" زادت القيمة "أقل" من قيمة الصبغ كأن ساوى خمسة "فالنقص على الصبغ" فيشارك بخمس الثمن أو القيمة لتفرق أجزائه ونقصها والثوب قائم بحاله فإن ساوى أربعة أو ثلاثة فالمفلس فاقد للصبغ كله ولا شيء للبائع عليه لما مر "أو" زادت القيمة "أكثر" من قيمة الصبغ كأن ساوى ثمانية "فالأصح أن الزيادة للمفلس" فالثمن أو القيمة بينهما نصفين. "ولو اشتري منه الصبغ والثوب" ثم حجر عليه "رجع" البائع "فيهما" أي: في الثوب بصبغه "إلا أن لا تزيد قيمتهما على قيمة الثوب" قبل الصبغ بأن ساوتها أو نقصت عنها "فيكون فاقدا للصبغ" فيرجع في الثوب ويضارب بثمن الصبغ بخلاف ما إذا زادت فإنه يرجع فيهما ثم إن كانت الزيادة أكثر من قيمة الصبغ فالمفلس شريك بها، فإن كانت أقل لم يضارب بالباقي من قيمة الصبغ بل إما يقنع به ويفوت عليه الباقي أو يضارب بثمن الثوب والصبغ.  "ولو اشتراهما" أي الصبغ والثوب "من اثنين" كلا من واحد فصبغه به ثم حجر عليه أو عكسه وأراد البائعان الرجوع "فإن لم تزد قيمته" أي: الثوب "مصبوغا على قيمة الثوب" قبل الصبغ "فصاحب الصبغ فاقد" له فيضارب بثمنه وصاحب الثوب واجد له فيرجع فيه من غير شيء لو نقصت قيمته "وإن زادت بقدر قيمة الصبغ اشتركا" في الرجوع فيهما كما بأصله وشركتهما في الصبغ كما مر فإن لم تزد بقدر قيمة الصبغ فالنقص عليه فإن شاء صاحبه رجع به ناقصا أو ضارب بثمنه وصاحب الثوب واجد له فيأخذه ولا شيء له وإن نقصت قيمته "وإن زادت على قيمتهما" أي: الثوب والصبغ جميعا كأن صارت قيمته في المثال السابق ثمانية. "فالأصح أن المفلس شريك لهما" أي: للبائعين "بالزيادة" وهي الربع وإن نقصت عن قيمة الصبغ فكما مر ولو كان المشترى هو الصبغ وحده وزادت قيمة الثوب مصبوغا على قيمته غير مغصوب فهو شريك به وإلا فهو فاقد له.
تنبيه: لم أر تصريحا بوقت اعتبار قيمة الثوب أو الصبغ ولا بوقت اعتبار الزيادة عليهما أو النقص عنهما في كل ما ذكر والذي يظهر اعتبار وقت الرجوع في الكل؛ لأنه وقت الاحتياج إلى التقويم ليعرف ما للبائع والمفلس فتعتبر قيمة الثوب حينئذ خلية عن نحو الصبغ وقيمة نحو الصبغ بها حينئذ وتعتبر الزيادة حينئذ هل هي لهما أو لأحدهما ؟ ولا يأتي هنا ما مر في تلف بعض المبيع أن العبرة في التالف بأقل قيمتيه يوم العقد والقبض وفي الباقي بأكثرهما؛ لأن ذاك فيه فوات بعض المبيع وهو مضمون على البائع وما هنا ليس كذلك؛ لأن الصبغ إن كان من المشتري فواضح أو من أجنبي فكذلك أو من بائع الثوب فهو في حكم عين مستقلة بدليل أن له حكما غير الثوب ومنه أنه متى ساوى شيئا لم يكن لبائعه إلا هو وإن قل إن أراده وإلا ضارب بقيمته فتأمله.

باب الحجر
هو لغة المنع وشرعا منع من تصرف خاص بسبب خاص وهو إما لمصلحة الغير "ومنه حجر المفلس لحق الغرماء والراهن للمرتهن والمريض للورثة" بالنسبة لتبرع زاد على الثلث أو لوارث وللغرماء مطلقا ولا ينافيه نفوذ إيفائه دين بعضهم في المرض وإن لم يف

 

ج / 2 ص -261-      الباقي بدين الباقين بل وإن لم يفضل شيء؛ لأنه مجرد تخصيص لا تبرع فيه "والعبد" أي: القن "لسيده والمرتد للمسلمين ولها أبواب" مر بعضها ويأتي باقيها وأفادت من أن له أنواعا أخر وقد أوصلها الإسنوي إلى ثلاثين نوعا وزاد غيره بضعة عشر وفي كثير من ذلك نظر ظاهر بينته مع ما يتعلق بالجميع في شرح العباب. وإما لمصلحة النفس "و" هو "مقصود الباب" وذلك "حجر الصبي والمجنون والمبذر" وإما لهما وهو حجر المكاتب قيل الأول حقيقة؛ لأنه منع مع وجود المقتضي بخلاف حجر الصبي والمجنون ويتردد النظر في حجر السفه والرق ا هـ والذي يتجه أن الكل حقيقة شرعية ونقلا عن التتمة أن من له أدنى تمييز ولم يكمل عقله كصبي مميز واعترضه السبكي وغيره بأنه إن زال عقله فمجنون وإلا فهو مكلف فيصح تصرفه ما لم يبذر وقولهم فيصح إلخ غير صحيح بإطلاقه فصوابه فينظر أبلغ رشيدا أم لا. على أن اعتراضهم من أصله غير وارد لتصريحهم في باب الجنايات وغيره بأن المجنون قد يكون له نوع تمييز وقد لا فحصرهم المذكور في غير محله "فبالجنون" ويتجه أن مثله خرس ليس لصاحبه فهم أصلا ثم رأيت الرافعي وجمعا متقدمين صرحوا بذلك في باب الخيار لكن جعلوا وليه هو الحاكم لا وليه في الصغر وجرى عليه الأذرعي وغيره هنا بحثا زاد شارح لم يتعرض الرافعي لذلك أي: هنا قال الزركشي فيتصرف هو أو نائبه في ماله بسائر وجوه التصرف وقال بعضهم: وليه في الصغر ويجمع بحمل الأول على من طرأ له ذلك بعد البلوغ ويوجه عدم إلحاقه بالمجنون في هذا بأنه حالة وسطى إذ لا يطلق عليه أنه مجنون، والثاني على من بلغ أخرس كذلك؛ إذ لا يرتفع حجره إلا ببلوغه رشيدا وهذا ليس كذلك ولا يلحق بهما النوم لأنه يزول عن قرب فصاحبه في قوة الفاهم ومثله الإغماء فيما يظهر في امتناع التصرف في ماله لقرب زواله أيضا أخذا مما يأتي في النكاح أنه لا يزيل الولاية نعم للقاضي حفظه كمال الغائب ثم رأيت المتولي والقفال ألحقاه بالمجنون وجزم به صاحب الأنوار والغزالي قال لا يولى عليه قال غيره وهو الحق ا هـ. وهو كما قال لما علمت من تصريحهم به في النكاح نعم إن حمل الأول على من أيس من إفاقته بقول الأطباء لم يبعد "تنسلب الولايات" الثابتة شرعا كولاية نكاح أو تفويضا كإيصاء وقضاء؛ لأنه إذا لم يدبر أمر نفسه فغيره أولى وآثر السلب؛ لأنه يفيد المنع ولا عكس؛ إذ نحو الإحرام يمنع ولاية النكاح ولا يسلبها ومن ثم زوج الحاكم لا الأبعد. "واعتبار الأقوال" له وعليه الدينية كالإسلام والدنيوية كالمعاملات لعدم قصده واعتبار بعض أفعاله كالصدقة بخلاف نحو إحباله وإتلافه إلا لصيد وهو محرم وتقريره المهر بوطئه وإرضاعه وثبوت النسب وغير المميز كالمجنون في ذلك وكذا مميز إلا في عبادة غير الإسلام ويثاب عليها كالبالغ ونحو دخول دار وإيصال هدية ودعاء عن صاحب وليمة "ويرتفع" حجر الجنون "بالإفاقة" من غير فك نعم ولاية نحو القضاء لا تعود إلا بولاية جديدة. "وحجر الصبي" الذكر والأنثى "يرتفع" من حيث الصبا بمجرد بلوغه ومطلقا "ببلوغه رشيدا" لقوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً} [النساء: 6] أي: أبصرتم أي: علمتم وزعم الإسنوي أن الصبا بكسر الصاد لا يستقيم وأنه بفتحها بعيد من كلامه مردود بأن

 

ج / 2 ص -262-      المحفوظ هو فتحها وبأنه لا بعد فيه وبما قررت به عبارته المفيد أن القصد ارتفاع الحجر المطلق لا المقيد اندفع اعتراضها بأن الأولى حذف رشيدا؛ لأن الصبا سبب مستقل بالحجر وكذا التبذير وأحكامهما متغايرة؛ إذ من بلغ مبذرا حكم تصرف حكم تصرف السفيه لا حكم تصرف الصبي.
فرع: غاب يتيم فبلغ ولم يعلم رشده لم يجز لوليه النظر في ماله معتمدا استصحاب الحجر للشك في الولاية عند العقد وهي شرط وهو لا بد من تحققه فإن تصرف أثم ثم إن بان غير رشيد نفذ التصرف وإلا فلا وقد ينافيه ما يأتي من تصديق الولي في دوام الحجر؛ لأن الأصل إلا أن يقال محل ذاك في حاضر؛ لأنه يعرف حاله غالبا بخلاف الغائب وليس قول الولي قبضت مهرها بإذنها ولا قوله له اضمني إقرارا بالرشد فلا ينعزل به.
"والبلوغ" في الذكر والأنثى إنما يتحقق بأحد شيئين: أحدهما ويسمى بلوغا بالسن "باستكمال خمس عشرة سنة" قمرية تحديدا من انفصال جميع الولد بشهادة عدلين خبيرين وشذ من قال بخلاف ذلك. قال الشافعي رضي الله عنه رد النبي صلى الله عليه وسلم سبعة عشر صحابيا وهم أبناء أربع عشرة سنة؛ لأنه لم يرهم بلغوا وعرضوا عليه وهم أبناء خمس عشرة سنة فأجازهم منهم زيد بن ثابت ورافع بن خديج وابن عمر رضي الله عنهم وقصة ابن عمر صححها ابن حبان وأصلها في الصحيحين ثانيهما ويسمى بلوغا بالاحتلام خروج المني كما قال "أو خروج مني" من ذكر أو أنثى لقوله تعالى
{وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ} [النور: 59]، مع خبر: "رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يحتلم" والحلم الاحتلام وهو لغة ما يراه النائم وكنى به هنا عن خروج المني ولو يقظة بجماع أو غيره ويشترط تحققه فلو أتت زوجة صبي بلغ تسع سنين بولد للإمكان لحقه؛ لأن النسب يكتفى فيه بمجرد الإمكان ولم يحكم ببلوغه؛ لأنه لا بد من تحقق خروج المني وخرج لخروجه ما لو أحس بانتقاله من صلبه فأمسك ذكره فرجع فلا يحكم ببلوغه كما لا غسل وبحث الزركشي ومن تبعه الحكم ببلوغه بعيد والفرق بأن مدار البلوغ على العلم بإنزال المني والغسل على حصوله في الظاهر بالتحكم أشبه على أنه لا يتصور العلم بأنه مني قبل خروجه إذ كثيرا ما يقع الاشتباه فيما يحس بنزوله ثم رجوعه "ووقت إمكانه" فيهما "استكمال تسع سنين" قمرية تقريبا نظير ما مر في الحيض. "ونبات العانة" الخشن بحيث تحتاج إزالته للحلق وظاهره أنها اسم للمنبت لا للنابت وفيه خلاف لأهل اللغة والأشهر أنها النابت وأن المنبت شعرة بكسر أوله ووقته وقت الاحتلام "يقتضي الحكم ببلوغ ولد الكافر" بالسن أو الاحتلام ومثله ولد من جهل إسلامه لا من عدم من يعرف سنه على الأوجه للخبر الصحيح: "أن عطية القرظي رضي الله عنه كان في سبي بني قريظة فكانوا ينظرون من أنبت الشعر قتل ومن لم ينبت لم يقتل وأنهم كشفوا عن عانته فوجدوها لم تنبت فجعلوه في السبي". وخرج بها نبات نحو اللحية فليس بلوغا كما صرح به في الشرح الصغير في الإبط وألحق به اللحية والشارب بالأولى فإن البغوي ألحق الإبط بالعانة دونهما وفي كل ذلك نظر بل الشعر الخشن من ذلك كالعانة في ذلك وأولى إلا أن يقال إن الاقتصار عليها أمر

 

ج / 2 ص -263-      تعبدي وأفهم قوله يقتضي الحكم أنه أمارة على البلوغ بأحدهما نعم إن ثبت أن سنه دون خمس عشرة سنة ولم يحتلم لم يحكم ببلوغه ويقبل قوله بيمينه وإن لم يحلف الصبي احتياطا لحقن الدم استعجلته بدواء إن كان ولد حربي سبي لا ذمي طولب بالجزية ويحل النظر للخبر. وأفهم قوله كالروضة ولد أنه لا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى وهو كذلك وإن كان قضية المحرر إخراج النساء؛ لأنهن لا يقتلن ونقله السبكي عن الجوري والخنثى لا بد أن ينبت على فرجيه معا "لا المسلم في الأصح" لسهولة مراجعة أقاربه المسلمين غالبا ولأنه متهم باستعجاله تشوفا للولايات بخلاف الكافر؛ لأنه يفضي به إلى القتل أو الجزية أو ضرب الرق في الأنثى وما مر عام في الذكر والأنثى كما تقرر "وتزيد المرأة" عليه "حيضا" في سنه السابق إجماعا "وحبلا" لكنه دليل على سبق الإمناء؛ لأن الولد يخلق من الماءين فبالوضع يحكم ببلوغها قبله بستة أشهر ولحظة ما لم تكن مطلقة وتأتي بولد يلحق المطلق فيحكم ببلوغها قبل الطلاق بلحظة، ولو حاض الخنثى بفرجه وأمنى بذكره حكم ببلوغه فإن وجد أحدهما فلا عند الجمهور ولا يشكل عليهم ما مر أن خروج المني من الزائد يوجب الغسل فيقتضي البلوغ؛ لأن محله مع انسداد الأصلي وهذا غير موجود هنا. وخالفهم الإمام ما لم يظهر خلافه فيغير قالا وهو الحق وقال المتولي إن تكرر فنعم وإلا فلا قال المصنف وهو حسن غريب.
"والرشد صلاح الدين والمال" معا كما فسر به ابن عباس وغيره الآية السابقة ووجه العموم فيه مع أنه نكرة مثبتة وقوعه في سياق الشرط قالوا ولا يضر إطباق الناس على معاملة من لا يعرف حاله مع غلبة الفسق؛ لأن الغالب عروض التوبة في بعض الأوقات التي يحصل فيها الندم فيرتفع الحجز بها ثم لا يعود بعود الفسق ويعتبر في ولد الكافر ما هو صلاح عندهم دينا ومالا. قال ابن الصلاح ولا يلزم شاهد الرشد معرفة عدالة المشهود له باطنا فلا يكفي معرفتها ظاهرا ولو بالاستفاضة وإذا شرطنا صلاح الدين "فلا يفعل محرما ما يبطل العدالة" بارتكاب كبيرة مطلقا أو صغيرة ولم تغلب طاعاته معاصيه وخرج بالمحرم خارم المروءة فلا يؤثر في الرشد وإن حرم ارتكابه لكونه تحمل شهادة؛ لأن الحرمة فيه لأمر خارج "و" إذا شرطنا صلاح المال لم يحصل إلا إن كان بحيث "لا يبذر بأن يضيع المال" أي: جنسه "باحتمال غبن فاحش" وسيأتي في الوكالة بخلاف اليسير "في المعاملة" كبيع ما يساوي عشرة بتسعة؛ لأنه يدل على قلة عقله ومن ثم لو أراد به المحاباة والإحسان لم يؤثر؛ لأنه ليس بتضييع ولا غبن ولو كان بغبن في بعض التصرفات لم يحجر عليه كما رجحه القمولي لبعد اجتماع الحجر وعدمه لكن الذي مال إليه الأذرعي اعتبار الأغلب "أو رميه" ولو فلسا وظاهر كلامهم أنه لا يلحق به الاختصاص في هذا وهو محتمل ويحتمل خلافه "في بحر" لقلة عقله "أو إنفاقه" ولو فلسا أيضا "في محرم" في اعتقاده ولو في صغيره والإنفاق هنا مجاز عن خسر أو غرم أو ضيع إذ هذا هو الذي يقال في المخرج في المعصية. "والأصح أن صرفه في الصدقة ووجوه الخير" عام بعد خاص "والمطاعم والملابس" والهدايا "التي لا تليق" به "ليس بتبذير"؛ لأن له فيه غرضا صحيحا هو الثواب أو

 

ج / 2 ص -264-      التلذذ ومن ثم قالوا لا سرف في الخير كما لا خير في السرف وفرق الماوردي بين التبذير والسرف بأن الأول الجهل بمواقع الحقوق والثاني الجهل بمقاديرها وكلام الغزالي يقتضي ترادفهما ويوافقه قول غيره حقيقة السرف ما لا يقتضي حمدا عاجلا ولا أجرا آجلا ولا ينافي ما هنا عد الإسراف في النفقة معصية؛ لأنه مفروض فيمن يقترض لذلك من غير رجاء وفاء من جهة ظاهرة مع جهل المقرض بحاله. "ويختبر" من جهة الولي ولو غير أصل "رشد الصبي" فيهما لقوله تعالى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] أما في الدين فبمشاهدة حاله في فعل الطاعات وتوقي المحرمات ومن زاد على ذلك توقي الشبهات أراد التأكيد لا الاشتراط كما عرف من شرط الرشد السابق وقد جوزوا للشاهد به اعتماد العدالة الظاهرة وإن لم يحط بالباطنة "و" أما في المال فهو "يختلف بالمراتب فيختبر ولد التاجر" والسوقي "بالبيع والشراء" أي: بمقدماتهما فعطفه ما بعدهما عليهما من عطف الرديف أو الأخص وذلك لما يذكره بعد من عدم صحتهما منه فلا اعتراض عليه خلافا لمن زعمه "والمماكسة فيهما" بأن يطلب أنقص مما يريده البائع وأزيد مما يريده المشتري ويكفي اختباره في نوع من أنواع التجارة عن باقيها. "وولد الزراع بالزراعة والنفقة على القوام بها" أي: بمصالحها كحرث وحصد وحفظ أي: إعطائهم الأجرة وولد نحو الأمير بالإنفاق على أتباع أبيه والفقيه بذلك ونحو شراء الكتب "والمحترف بما يتعلق بحرفته" يصح جره وعليه يرجع ضمير حرفته للمضاف إليه وهو سائغ وتكون فائدته أنه تعميم بعد تخصيص ويؤيده قول الكافي يختبر الولد بحرفة أبيه وأقاربه ورفعه وهو الأولى لإفادته أن ما مر في ولد نحو التاجر محله إذا لم يكن للولد حرفة واختبر حينئذ بحرفة أبيه؛ لأن الغالب حيث لا حرفة له أنه يتطلع لحرفة أبيه وإلا اختبر الولد بما يتعلق بحرفة نفسه ولم ينظر لحرفة أبيه؛ لأنه لا يتطلع إليها ولا يحسنها حينئذ "و" تختبر "المرأة" من جهة الولي أيضا كما هو ظاهر ولا ينافيه النص على أن النساء والمحارم يختبرونها؛ لأن الولي ينيبهم في ذلك وعليه قيل يكفي أحدهما وهو الأوجه وقيل لا بد من اجتماعهما. وقضية هذا النص أنه لا تقبل شهادة الأجانب لها بالرشد وبه أفتى ابن خلكان لكن خالفه التاج الفزاري. قال وإنما تعرض الشافعي للطريق الغالب في الاختبار دون الزيادة ا هـ ويؤيده ما يأتي في الشهادات أن الشاهد عليها لا يكلف السؤال عن وجه تحمله عليها إلا إن كان عاميا؛ لأنه قد يظن صحة التحمل عليها اعتمادا على صوتها "بما يتعلق بالغزل" أي: بفعله إن تخدرت وإلا فببيعه يطلق على المصدر والمغزول "والقطن" حفظا وبيعا كما تقرر فإن لم يليقا بها أو لم تعتدهما فيما يعتاده مثالها. قال الصيمري والمرأة المبتذلة بما يختبر به الرجل "وصون الأطعمة عن الهرة"؛ لأن بذلك يتبين الضبط وحفظ المال وعدم الانخداع وذلك قوام الرشد "ونحوهما" أي: الهرة كالفأرة والأطعمة كالأقمشة. وإذا ثبت رشدها نفذ تصرفها من غير إذن زوجها وخبر "لا تتصرف المرأة إلا بإذن زوجها" أشار الشافعي إلى ضعفه وبفرض صحته حملوه على الندب واستدل له بأن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أعتقت ولم تعلمه فلم يعبه عليها وفيه ما فيه، إذ قول مالك رضي الله عنه لا تعطى الرشيدة مالها حتى تتزوج وحينئذ لا

 

ج / 2 ص -265-      تتصرف فيما زاد على الثلث بغير إذنه ما لم تصر عجوزا لا ينافي ذلك والخنثى يختبر بما يختبر به النوعان "ويشترط تكرر الاختبار مرتين أو أكثر" حتى يغلب على الظن رشده؛ لأنه قد يصيب مرة لا عن قصد "ووقته" أي الاختبار "قبل البلوغ" لإناطة الاختبار في الآية باليتيم وهو إنما يقع حقيقة على غير البالغ فالمختبر هو الولي كما مر والمراد بقبله قبيله حتى إذا ظهر رشده وبلغ سلم له ماله فورا "وقيل: بعده" لبطلان تصرف الصبي أي: بالنسبة لنحو البيع "فعلى الأول" المعتمد "الأصح" بالرفع "أنه لا يصح بيعه بل يمتحن في المماكسة فإذا أراد العقد عقد الولي" لعدم صحته من المولى وعلى الوجهين يعطيه الولي مالا قليلا ليماكس به ولا يضمنه إن تلف عنده؛ لأنه مأمور بالتسليم إليه كذا أطلقوه ولو قبل بأنه تلزمه مراقبته بحيث لا يكون إغفاله له حاملا على تضييعه وإلا ضمنه لم يبعد.
فرع: لا يحلف ولي أنكر الرشد بل القول قوله في دوام الحجر ولا يقتضي إقراره به فك الحجر وإن اقتضى انعزاله وحيث علمه لزمه تمكينه من ماله وإن لم يثبت لكن صحة تصرفه ظاهرا متوقفة على بينة برشده أي: أو ظهوره كما صرح به بعضهم حيث قال يصدق الولي في دوام الحجر؛ لأنه الأصل ما لم يظهر الرشد أو يثبت.
"فلو بلغ غير رشيد" لفقد صلاح دينه أو ماله "دام الحجر" أي: جنسه؛ إذ حجر الصبي يرتفع بالبلوغ وحده فيليه من كان يليه "وإن بلغ رشيدا انفك" الحجر "بنفس البلوغ"؛ لأنه حجر ثبت من غير حاكم فارتفع من غير فكه كحجر الجنون وبه فارق حجر السفه الطارئ "وأعطى ماله" فائدته ذكر غاية الانفكاك وقيل الاحتراز عن مذهب مالك في المرأة وقد مر آنفا "وقيل يشترط فك القاضي" أو نحو الأب أو إذنه في دفع ماله إليه؛ لأنه محل اجتهاد فأشبه حجر السفه الطارئ ويرده ما تقرر "فلو بذر" أي زال صلاح تصرفه في ماله "بعد ذلك" أي: بعد رشده "حجر عليه" من جهة الحاكم فقط؛ لأنه محل اجتهاد فإن لم يحجر عليه القاضي أثم ونفذ تصرفه ويسمى السفيه المهمل ولهم سفيه مهمل لا يصح تصرفه وهو من بلغ مستمر السفه ولم يحجر عليه وليه والأول المراد بالمهمل عند الإطلاق غالبا. "وقيل يعود الحجر" بنفس التبذير "بلا إعادة" من أحد كالجنون ويرد بوضوح الفرق إذ الغالب فيه أنه لا يحتاج لنظر واجتهاد بخلاف التبذير وإذا رشد بعد هذا الحجر لم ينفك إلا بفك القاضي لاحتياجه للاجتهاد حينئذ "ولو فسق" بعد وجود رشده وبقي صلاح تصرفه في ماله "لم يحجر عليه في الأصح"؛ لأن السلف لم يحجروا على الفسقة بخلاف الاستدامة؛ لأن حجره كان ثابتا جنسه وفارق التبذير بأنه يتحقق معه إتلاف المال بخلاف الفسق. "ومن حجر عليه بسفه" أي: تبذير "طرأ فوليه القاضي"؛ لأنه الذي يحجر كما مر نعم يسن له إشهار حجره ورد أمره لأبيه فجده فسائر عصباته؛ لأنهم به أشفق "وقيل وليه" وليه "في الصغر" وهو الأب والجد كما لو بلغ سفيها ويرد بوضوح الفرق؛ إذ يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء "ولو طرأ جنون فوليه في الصغر" وفارق السفيه لما مر "وقيل" وليه "القاضي ولا يصح من المحجور عليه لسفه" حسا أو شرعا "بيع ولا شراء" لغير طعام عند الاضطرار ولو بغبطة وفي ذمته وإن توكل في ذلك عن غيره وبحث البلقيني أن مثله في

 

ج / 2 ص -266-      الشراء للاضطرار الصبي وقد يقال الاضطرار مجوز للأخذ ولو بعقد فاسد فلا ضرورة للصحة هنا فيهما وإن قطع بها الإمام في السفيه وإنما صح توكله في قبول النكاح لصحته منه لنفسه ولا إجارة نفسه. قال الماوردي والروياني إلا إذا لم يقصد عمله لاستغنائه عنه فيجوز؛ لأن له التبرع به حينئذ فالإجارة أولى وفيه نظر ملحظه قولهم وللولي إجباره على الاكتساب ولو غنيا وحينئذ فعمله يصح أن يقابل بمال ويجبر عليه فلا ينبغي أن يصح منه ما يفوت على الولي إجباره عليه، وحينئذ فهي ليست كالتبرع فضلا عن الأولوية التي ادعياها؛ لأن التبرع لا يفوت على الولي شيئا "ولا إعتاق" ولو بعوض في حال الحياة لصحة تدبيره ووصيته. قال جمع ويصوم في كفارة يمين أو ظهار لا قتل؛ لأن سببها فعل، وهو لا يقبل الرفع. وبحث البلقيني أن كفارة الظهار كالقتل وأطال في الرد على من ألحقها بكفارة اليمين وككفارة القتل كفارة الجماع وقضية قول المصنف الآتي بل صريحه ويتحلل بالصوم وعلله بأنه ممنوع من المال مع أن دمه دم ترتيب وسببه فعل وهو إحرامه؛ إذ القصد فعل القلب كما صرحوا به أنه يكفر بالصوم حتى في الكفارة المرتبة التي سببها فعل وهو متجه في كفارة مرتبة لا إثم فيها أما كفارة مرتبة فيها إثم فالوجه أنه يكفر فيها بالمال وبهذا يجمع بين تناقض المتأخرين في ذلك وكذا بين ما أفهمه قول الشيخين ويصوم في كفارة اليمين من اختصاص ذلك بالمخيرة وما يصرح به المتن الآتي من أنه لا فرق بين المخيرة والمرتبة. وأما النظر لكون السبب فعلا وهو لا يقبل الرفع فغير متضح المعنى؛ إذ لا فرق بين كفارة الظهار والجماع والقتل ولا بين كفارة اليمين ونحو إلحاق في النسك وسيأتي أن قتل الخطأ ملحق بغيره في وجوب الكفارة فيه على خلاف القياس فكذا يلحق به في وجوب الإعتاق فيها هنا أيضا "و" لا "هبة" لشيء من ماله بخلاف قبوله لما أوصى له به كما صرح به كثيرون بل الأكثرون لكن الذي اقتضاه كلامهما أنه لا يصح وكان الفرق بينه وبين صحة قبوله لما وهب له أن قبول الهبة ليس مملكا وإنما المملك القبض وهو لا يعتد به منه إن استقل به بخلاف قبول الوصية فإنه المملك فلم يصح منه ويجوز إقباضه الهبة بحضرة من ينتزعها منه من ولي أو حاكم ولا يضمن واهب سلم إليه؛ لأنه لا يملك قبل القبض بخلاف من سلم إليه الوصية؛ لأنه ملكها بالقبول فوجب تسليمها لوليه وعكس شارح لهذا غلط وكذا فرقه بأن ملك الهبة فوق ملك الوصية "و" لا "نكاح" يقبله لنفسه "بغير إذن وليه" قيد في الكل أما بإذنه فسيذكره. "فلو اشترى أو اقترض" مثلا "وقبض" من رشيد بأن أقبضه أو أذن له في قبضه "وتلف المأخوذ في يده أو أتلفه" في غير أمانة أو نكح فاسدا أو وطئ كما يأتي بقيده في النكاح "فلا ضمان" ظاهرا "في الحال ولا بعد فك الحجر سواء علم من عامله أو جهله"؛ لأنه مقصر بعدم بحثه عنه مع أنه سلطه على إتلافه بإقباضه إياه، أما باطنا فكذلك على ما اقتضاه كلام الرافعي وصرح به الغزالي كإمامه وضعفا الوجه المضمن له لكن رد بأن هذا هو نص الأم فهو المعتمد ويؤديه إذا رشد أما لو قبضه من غير مقبض أو أقبضه إياه غير رشيد فيضمنه قطعا وكذا لو رشد والعين بيده فتلفت بعد تمكنه من ردها لا قبله أو طالبه بها المالك فامتنع ثم تلف كما نقله الإسنوي

 

ج / 2 ص -267-      واستظهره وذكر شارح أن إتلافها هنا كتلفها وليس كما زعم كما هو ظاهر ولو زعم بائعه أنه أتلف بعد رشده صدق السفيه ما لم يثبت البائع ذلك وكالرشيد من بذر بعد رشده ولم يحجر عليه وقوله علم أو جهله لغة وإن كان الأفصح أعلم أم جهله. "ويصح بإذن الولي نكاحه" كما سيذكره بقيوده "لا التصرف المالي" الذي فيه معاوضة "في الأصح" فلا يصح بإذن الولي وإن عين له الثمن؛ لأن عبارته في الأموال مسلوبة نعم قضية كلامهما في الخلع ما صرح به جمع من صحة قبضه لدينه بإذن الولي ومال إليه ابن الرفعة وعلله السبكي بأنه يغتفر في الفعل ما لا يغتفر في القول وما علق بإعطائه كإن أعطيتني كذا فأنت طالق لا بد في الوقوع من أخذه له ولو بغير إذن وليه ولا تضمن الزوجة بتسليمه لاضطرارها إليه ولأنه لا يملكه إلا بالقبض نعم على الولي نزعه منه فإن تلف في يده بعد إمكانه ضمنه وكذا لو خالعها على عين فأقبضتها له فإن تلفت بيده قبل تمكن الولي ضمنتها ويجري ذلك في سائر ديونه وأعيانه التي تحت يد الغير أما نحو هبة وعتق فلا يصح مطلقا جزما ويستثنى من المتن لا بقيد الإذن صلحه على سقوط قود عليه ولو بأكثر من الدية وعقده للجزية بدينار لا أكثر وفارق الدية بأن مصلحة بقاء النفس يحتاط لها ومفاداته إذا أسر وعفوه عن القود ولو مجانا وشراؤه لطعام اضطر إليه ورده لآبق سمع من يقول من رده فله درهم فيستحقه ودلالته على قلعة سمع الإمام يقول من دلني على قلعة فله منها جارية. "ولا يصح إقراره" في حال الحجر بمال كأن أقر "بدين" عن معاملة أسند وجوبه إلى ما "قبل الحجر أو" إلى ما "بعده" أو بعين في يده لما مر من إلغاء عبارته ولا بما يوجب المال كنكاح "وكذا" لا يقبل إقراره "بإتلاف المال في الأظهر" لذلك فلا يطالب بذلك ولو بعد رشده لكن ظاهرا، أما باطنا فيلزمه إذا صدق قطعا أما إذا أقر بعد رشده أنه أتلف في سفهه فيلزمه الآتي قطعا كما في الروضة عن ابن كج "ويصح" إقراره "بالحد"؛ إذ لا مال ولا تهمة فيقطع في السرقة ولا يثبت المال "والقصاص" وسائر العقوبات كذلك فإن عفي عنه بمال ثبت؛ لأنه تعلق باختيار غيره "وطلاقه وخلعه" ولو بدون مهر المثل والكلام في الذكر لما يأتي في بابه. وإيلاؤه "وظهاره ونفيه النسب" يحلف في الأمة أو "بلعان" واستلحاقه ولو ضمنا بأن أقر باستيلاد أمته فإنه وإن لم ينفذ لكن إذا كانت ذات فراش وولدت لمدة الإمكان لحقه وصارت مستولدة وينفق على من استلحقه من بيت المال وذلك؛ لأنه لا مال في ذلك وإذا صح طلاقه بلا مال فبه وإن قل أولى لكن لا يسلم إليه كما يأتي. "وحكمه في العبادة" الواجبة "كالرشيد" لاجتماع شرائطها فيه نعم نذره لا يصح إلا في الذمة دون العين وتكفيره لا يكون إلا بالصوم على ما مر. أما المسنونة فماليتها كصدقة التطوع ليس هو فيه كرشيد "لكن لا يفرق الزكاة" ولا غيرها كنذر "بنفسه" فإنه تصرف مالي وقضية قوله بنفسه أنه يفرقها بإذن وليه واعتمده الإسنوي حيث قال صرح جمع متقدمون بأنه يجوز أن يوكله أجنبي فيه وبه يعلم بالأولى جوازه في مال نفسه بإذن وليه وقيد الروياني ذلك بتعيين المدفوع إليه والظاهر اشتراطه هنا أيضا وأن يكون بحضرة الولي لئلا يتلفه ا هـ.
"وإذا أحرم" أو سافر ليحرم "بحج فرض" ولو نذرا بعد الحجر وقضاء ولو لما أفسده

 

ج / 2 ص -268-      في حال سفهه أو عمرته أو بهما ومن الفرض ما لو أحرم بتطوع ثم حجر عليه قبل إتمامه؛ لأنه لما لزمه المضي فيه صار فرضا "أعطى الولي" إن لم يخرج معه بنفسه "كفايته لثقة" اللام فيه للتقوية لتعدي أعطى لمفعوليه بنفسه "ينفق عليه في طريقه" ولو بأجرة خوفا من تفريطه فيه كما مر في الحج فإن قصر السفر ورأى الولي دفعها له جاز على ما بحث "وإن أحرم" أو سافر ليحرم "بتطوع وزادت مؤنة سفره" لإتمام نسكه أو إتيانه به "على نفقته المعهودة" في الحضر "فللولي منعه" من الإتمام أو الإتيان كما يصرح به كلامهم خلافا لما مال إليه ابن الرفعة من أنه ليس له المنع من أصل السفر؛ لأنه لا ولاية له على ذاته ويرد ما علل به بأن له ولاية على ذاته بالنسبة لما يفضي لضياع ماله ولا شك أن السفر كذلك وظاهر المتن صحة إحرامه بغير إذن وليه وفارق الصبي المميز باستقلاله "والمذهب أنه كمحصر فيتحلل" بعمل عمرة؛ لأنه ممنوع من المضي. "قلت ويتحلل بالصوم" والحلق مع النية "إن قلنا لدم الإحصار بدل" كما هو الأصح "لأنه ممنوع من المال ولو كان له في طريقه كسب قدر زيادة المؤنة" على نفقة الحضر أو لم يكن له كسب لكنها لم تزد "لم يجز منعه والله أعلم"؛ إذ لا موجب لمنعه حينئذ ولا نظر إلى أنه فوت عملا له مقصودا بالأجرة وإن نظر إليه ابن الرفعة؛ لأنه لا يعد مالا حاصلا فلا يلزمه تحصيله مع غناه قاله الأذرعي وقول الغزي هذا عجيب منهما فإن الغرض أن الكسب في طريقه فقط فيه نظر؛ لأن ما قالاه متوجه مع ذلك الفرض أيضا فإن قلت إذا قلنا لا يمنعه فسافر وله كسب يفي كيف يحصله مع ما مر أنه لا تصح إجارته لنفسه مطلقا أو على تفصيل فيه قلت إذا لم تجوز للولي منعه يلزمه أن يسافر معه ليؤجره لذلك الكسب أو يوكل من يؤجره له ثم ينفق عليه منه ولو عجز أثناء الطريق فهل نفقته حينئذ في ماله أو على الولي لإذنه ؟ والذي يتجه الأول؛ لأن الولي حيث حرم عليه المنع لا يعد مقصرا.
 

فصل فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله
"ولي الصبي" المراد به الجنس ليشمل الصبية "أبوه" إجماعا قيل التعبير بالصغير أولى ا هـ وهو سهو؛ إذ هما مترادفان فالصواب أن يقول التعبير بالمحجور أولى ليشمل من بلغ سفيها فإنه لم يتقدم له بيان وليه صريحا بخلاف المجنون فإن كلامه السابق يفيد أنه كالصبي ومر أنه قد يكون أبا ولا يحكم ببلوغه لكن هذا نادر فلا يرد على أن أصل الإيراد سهو؛ لأن المراد الأب الجامع لشروط الولاية وإلا ورد أيضا الأب الفاسق ونحوه "ثم جده" أبو الأب وإن علا كولاية النكاح ولكمال نظر بقية الأقارب فيه لا هنا كانوا أولياء ثم لا هنا نعم للعصبة منهم أيضا العدل عند فقد الولي الخاص الإنفاق من مال المحجور في تأديبه وتعليمه؛ لأنه قليل فسومح به ذكره في المجموع في الصبي. ومثله المجنون والسفيه. وقضيته أن له ذلك ولو مع وجود قاض وهو متجه إن خيف منه عليه بل في هذه الحالة للعصبة وصلحاء بلده بل عليهم كما هو ظاهر تولي سائر التصرفات في ماله بالغبطة بأن يتفقوا على مرضى منهم يتولى ذلك ولو بأجرة وسيعلم مما يأتي في القضاء أن لذي شوكة

 

ج / 2 ص -269-      بناحية لا شوكة فيها لغيره تولية القضاة والنظار وغيرهما فيلزمه هنا تولية قيم على الأيتام يتصرف في أموالهم بالمصلحة، فإن تعدد ذو الشوكة ولم يرجعوا لواحد فكل في محل شوكته كالمستقل فإن لم يتميز واحد من تلك الناحية بشوكة فولي أهل حلها وعقدها واحدا منهم صارحا كما عليهم فتنفذ توليته وسائر أحكامه أشار لذلك ابن عجيل وغيره. قال أبو شكيل: ولو عم الفسق واضطر لولاية فاسق فلعل الأرجح نفوذ ولايته كما لو ولاه ذو شوكة لكن لا يقبل قوله في الإنفاق؛ لأنه ليس بولي حقيقة قال ويجوز تسليم نفقة الصبي لأمه الفاسقة بنحو ترك الصلاة المأمونة على المال لوفور شفقتها وشرطهما حرية وإسلام ولو في كافر عند الماوردي والروياني وحمل على ما إذا ترافعوا إلينا فلا نقرهم ونلي نحن أمرهم وفارق ولاية النكاح بأن القصد هنا الأمانة وهي في المسلم أقوى وثم الموالاة وهي في الكافر أقوى وخالفهما الإمام ومن تبعه وأيد بصحة وصية ذمي لذمي على أطفاله الذميين وعدالة ولو ظاهرة وينعزل بالفسق عن الحفظ والتصرف وتعود ولايته بتوبته وإفاقته بخلاف غيره وأخذ من اشتراط عدم العداوة في ولاية الإجبار عدمها هنا وأيد بقولهما عن جمع يشترط في الوصي عدم العداوة وفي التأييد بذلك نظر للفرق بين الأب والوصي وسيأتي في مبحث نكاح السفيه الفرق بين ما هنا وثم، ويسجل الحاكم ما باعاه أي: يحكم بصحته من غير ثبوت عدالة ولا حاجة أو غبطة بخلاف نحو الوصي كما اقتضاه كلامهما واعتمده الإسنوي وغيره ونوزع فيه بأنه لا يلزم من إبقاء الحاكم للأب والجد على ولايتهما اكتفاء بالعدالة الظاهرة اكتفاؤه بها عند التسجيل، ألا ترى أنه يقر من بأيديهم ملك على التصرف فيه ولو طلبوا قسمته منه لم يجبهم إلا ببينة تشهد لهم بالملك ؟ ا هـ. وقد يجاب بأن القسمة تقتضي حكمه بثبوت الملك لهم فتوقف على البينة بخلاف التسجيل هنا فإنه لا يلزم منه ثبوت العدالة للاكتفاء فيها بالظاهر "ثم وصيهما" أي: وصي من تأخر موته منهما أو وصي أحدهما حيث لم يكن الآخر بصفة الولاية وستأتي شروطه في بابه "ثم القاضي" أو أمينه للخبر الصحيح: "السلطان ولي من لا ولي له" والعبرة بقاضي بلد المولى أي: وطنه وإن سافر عنه بقصد الرجوع إليه كما هو ظاهر في التصرف والاستنماء وبقاضي بلد ماله في حفظه وتعهده ونحو بيعه وإجارته عند خوف هلاكه وخرج بالصبي الجنين فلا ولاية لهؤلاء على ماله ما دام مجتنا أي بالنسبة للتصرف فيه لا لحفظه ولا ينافيه ما يأتي من صحة الإيصاء عليه ولو مستقلا؛ لأن المراد كما هو ظاهر أنه إذا ولد بان صحة الإيصاء. "ولا تلي الأم في الأصح" كما في النكاح ومر أنه إذا فقد الأولياء تصرف صلحاء بلد المحجور في ماله كالقاضي وعليه يحمل قول الجرجاني إذا لم يوجد له ولي أو وجد حاكم جائر وجب على المسلمين النظر في مال المحجور وتولى حفظه له ا هـ وأخذ منه ومن مسائل أخرى أن من خاف على مال غائب من جائر ولم يمكن أن يخلصه منه إلا بالبيع جاز له بيعه لوجوب حفظه ومنه بيعه إذا تعين طريقا في خلاصه. "ويتصرف الولي بالمصلحة" لقوله تعالى: {إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[الاسراء: 34] فيمتنع تصرف لا خير فيه ولا شر كما صرح به جمع ويلزمه حفظ ماله واستنماؤه قدر النفقة والزكاة والمؤن

 

ج / 2 ص -270-      إن أمكنه لا المبالغة فيه وقال العراقيون إن الاستنماء كذلك مندوب ولا يلزمه أن يقدمه على نفسه وله السفر به في طريق آمن لمقصد آمن برا لا بحرا نعم إن كان الخوف في السفر ولو بحرا أقل منه في البلد ولم يجد من يقترضه سافر به ولو اضطر إلى سفر مخوف أو في بحر أقرضه أمينا موسرا وهو الأولى أو أودعه لمن يأتي في الوديعة فإن تعذر سافر به وفي الحضر عند خوف نحو نهب يقرضه لمن ذكر فإن تعذر أودعه وللقاضي الإقراض مطلقا؛ لأنه مشغول، ولو طلب منه ماله بأكثر من ثمن مثله لزمه بيعه إلا ما احتاجه وعقارا يكفيه بل شراء عقار غلته تكفيه أولى من التجارة، ولو أخر لتوقع زيادة فتلف لم يضمن ويأتي في زيادة راغب هنا في زمن الخيار ما مر في عدل الرهن ويضمن ورق توت أخره حتى فات وقته كسائر الأطعمة لا ما أخر إجارته وعمارته ولو مع تمكنه حتى تلف؛ لأن هذا تحصيل فهو كترك تلقيح النخل لكنه يأثم بخلاف ترك علف الدابة احتياطا للروح نعم ينبغي أنه لو أشرف مكانه على خراب ولو جعل تحته مرمة حفظ فتركها مع تيسرها أن يضمن؛ لأن هذا يعد تفويتا حينئذ كما هو ظاهر ثم رأيت الماوردي صرح بما يؤيده وهو أنه لو فرط في حفظ رقاب الأموال عن أن تمتد إليها اليد ضمن ما تلف منها ا هـ وعد في البحر مما لا يضمن بترك سقيه الشجر واعترض بأنها كالدواب ويرد بما تقرر من الفرق بين ذي الروح وغيره وله بل عليه كما هو ظاهر بذل شيء من ماله لتخليص بقيته من ظالم وله كما أفتى به ابن الصلاح إيجار أرض بستانه بما يفي بمنفعتها وقيمة الثمر ثم يساقيه على شجره بسهم من ألف لليتيم والباقي للمستأجر وسيأتي ما فيه في المساقاة قال الماوردي ولا يشتري ما يخاف فساده وإن كان مربحا.
تنبيه: أخذ الإسنوي من منعهم إركاب ماله البحر منع إركابه أيضا وإركاب الحامل قال بل أولى؛ لأن حرمة النفس آكد والبهائم والزوجة والقن البالغ بغير رضاهما ا هـ وردوه بأن المدار في ماله على المصلحة وهي منتفية في ذلك ولا كذلك في الصور المذكورة وإذا جوزوا إحضار المولى للجهاد ولم يروا لخوف قتله فكذا هنا، فإن قلت: ذاك فيه تمرين على تحمل الأخطار في العبادات وهذه مصلحة ظاهرة بخلاف ما هنا قلت ممنوع بل إركابه البحر فيه نظير ذلك كالتمرين على اكتساب الأموال وتحمل الأخطار في العبادة أيضا في نحو الركوب لحج أو جهاد، ويؤيد ذلك أنهم لم يشترطوا في تصرفه في بدن موليه بنحو قطع سلعة نظير ما اشترطوه هنا.
"ويبني دوره" مثلا "بالطين" لقلة مؤنته مع الانتفاع بنقضه "والآجر" وهو الطوب المحرق لبقائه "لا اللبن" وهو الطوب النيء لقلة بقائه "والجص" وهو الجبس لكثرة مؤنته مع عدم الانتفاع بنقضه فالواو هنا بمعنى أو التي في العزيز فيمتنع اللبن مع طين أو جص وجص مع لبن أو آجر هذا ما عليه النص والجمهور واختار آخرون عادة البلد كيف كانت وهو الأوجه مدركا، وأفهم قوله دوره أنه لا يبتدئ بناء له وليس كذلك لكن إن ساوى مصرفه ولم يجد عقارا يباع فإن وجده والشراء أحظ تعين الشراء. قال جمع واشتراط مساواته لمصرفه في غاية الندرة وهو في التحقيق منع للبناء.

 

ج / 2 ص -271-      "ولا يبيع عقاره"؛ لأنه أنفع وأسلم مما عداه "إلا لحاجة" كخوف ظالم أو خرابه أو عمارة بقية أملاكه أو لنفقته وليس له غيره ولم يجد مقرضا أو رأى المصلحة في عدم القرض أو لكونه بغير بلده ويحتاج لكثرة مؤنة لمن يتوجه لإيجاره وقبض غلته ويظهر ضبط هذه الكثرة بأن تستغرق أجرة العقار أو قريبا منها بحيث لا يبقى منها إلا ما لا وقع له عرفا "أو غبطة" كثقل خراجه مع قلة ريعه ولا يشتري له مثل هذا أو رغبة نحو جار فيه بأكثر من ثمن مثله وهو يجد مثله بأقل أو خيرا منه بذلك الثمن وكخوف رجوع أصله في هبته ولو بثمن المثل ودخول هذا في الغبطة ظاهر إذ هي لغة حسن الحال وأفتى القفال في ضيعة يتيم يستأصل خراجها ماله أن لوليه بيعها ولو بدرهم؛ لأنه المصلحة وأخذ منه الأذرعي أن له بيع كل ما خيف هلاكه بدون ثمن مثله للضرورة وألحق بذلك ما لو غلب على ظنه غصبه لو بقي "ظاهرة" قيد زائد على أصله وبقية كتبهما والذي فسراها به ما مر قال الإمام وضابط تلك الزيادة أن لا يستهين بها العقلاء بالنسبة لشرف العقار وألحق به البندنيجي الأواني المعدة للقنية من صفر وغيره وبقية أمواله لا بد فيها أيضا من حاجة أو غبطة لكن تكفي حاجة يسيرة وربح قليل بل بحث في التوشيح جواز بيع ما لا يعد للقنية ولم يحتج إليه بدون ربح وحاجة إذ بيعه بقيمته مصلحة وبحث البالسي أن مال التجارة كذلك قال بل لو رأى البيع بأقل من رأس المال ليشتري بالثمن ما هو مظنة الربح جاز. نعم له صوغ حلي لموليته وإن نقصت قيمته وجزء منه وصبغ ثياب وتقطيعها وكل ما يرغب في نكاحها أو إبقائه أي: مما تقتضيه المصلحة اللائقة بها وبمالها سواء في ذلك الأصل وهو ما صرحوا به والوصي والقيم كما بحثه غير واحد وجرى عليه أبو زرعة فقال والظاهر أن للقيم شراء جهاز معتاد لها من غير إذن القاضي فيقع لها ويقبل قوله فيه إذا لم يكذبه الحس وللولي خلط طعامه بطعام موليه حيث كانت المصلحة للمولى فيه ويظهر ضبطها بأن تكون كلفته مع الاجتماع أقل منها مع الانفراد ويكون المالان متساويين حلا أو شبهة أو مال المولى أحل وله الضيافة والإطعام منه حيث فضل للمولى قدر حقه وكذا خلط أطعمة أيتام إن كانت المصلحة لكل منهم فيه. "وله بيع ماله بعرض ونسيئة للمصلحة" كربح وخوف من نهب "وإذا باع نسيئة" اشترط يسار المشتري وعدالته ومن لازمها عدم مماطلة وزيادة على النقد تليق بالنسيئة وقصر الأجل عرفا "وأشهد" وجوبا "على البيع وارتهن" وجوبا أيضا "به" أي: بالثمن رهنا وافيا ولا تغني عنه ملاءة المشتري؛ لأنه قد يتلف احتياطا للمحجور فإن ترك واحدا مما ذكر بطل البيع إلا إذا ترك الرهن والمشتري موسر على ما قاله الإمام واقتضاه كلامهما. وقال السبكي لا استثناء وضمن نعم إن باعه لمضطر لا رهن معه جاز وكذا لو تحقق تلفه وأنه لا يحفظ إلا ببيعه من معين بأدنى ثمن قياسا على ما مر عن القفال ولو باع مال ولده من نفسه نسيئة لم يحتج لارتهان وبحث الأذرعي تقييده بالمليء ولا يحتاج إليه لما تقرر أن شرط البيع نسيئة يسار المشتري وإنما لم يجب الارتهان في إقراض ماله إذا رأى الولي تركه لتمكنه من المطالبة أي وقت شاء بخلافه هنا فإنه قد يضيع ماله قبل الحلول والأولى على ما قاله الصيدلاني أن لا يرتهن في البيع لنحو نهب إذا

 

ج / 2 ص -272-      خشي على المرهون؛ لأنه قد يرفعه لحنفي يضمنه له وأفتى بعضهم بأنه يلزم الولي بعد الرشد استخلاص ديون المولى كعامل القراض وإن لم يكن ربح بل أولى؛ لأن العامل مأذون له من المالك وهذا من جهة الشرع ويؤيده قول البلقيني في فتاويه على أمين الحاكم مطالبة من اشترى بالثمن ويطالب الولي بثمن ما اشتراه لموليه فإن تلف مال المولى فإن سمى المولى في العقد فهو في ذمته وإلا فعلى الولي إلا نائب الحاكم على ما جزم به بعضهم ولو عامل له فاسدا فوجبت أجرة مثل لزمت الولي لتقصيره. "ويأخذ له بالشفعة أو يترك بحسب المصلحة"؛ لأنه مأمور بفعلها فإن تعينت في الأخذ أو الترك وجب قطعا وإن استوت فيهما حرم الأخذ وإنما اختلفوا في وجوب شراء ما رآه يباع وفيه غبطة؛ لأن الإهمال هنا يعد تفويتا لثبوتها بخلافه ثم؛ لأنه محض اكتساب وما فعله منهما لمصلحة لا ينقضه المولى إذا رشد لكن على غير الأصل ثبوتها. "ويزكي ماله" وبدنه فورا وجوبا إن كان مذهبه ذلك وافق مذهب المولى أم لا؛ لأنه قائم مقامه فإن لم يكن ذلك مذهبه فالاحتياط كما أفتى به القفال أن يحسب زكاته حتى يبلغ فيخبره بها أو يرفع الأمر لقاض يرى وجوبها فيلزمه بها حتى لا يرفع بعد لحنفي يغرمه إياها وظاهر كلامهم أنه لا يرفع لحنفي في الحالة الأولى وهي ما إذا رأى الوجوب وهو بعيد لما فيه من الحظر عليه فالذي يظهر أنه فيها مخير بين الإخراج وإن كان فيه خطر التضمين وبين الرفع لمن يلزمه به أو بعدمه ويخرج عنه أيضا أجرة تعليمه وتأديبه كما مر أوائل الصلاة وما لزمه من الأموال بنحو كفارة ويؤدي أرش جنايته وإن لم يطلب وأفتى بعضهم بأن للولي الصلح على بعض دين الولي إذا تعين ذلك طريقا لتخليص ذلك البعض كما أن له أن يلزمه دفع بعض ماله لسلامة باقيه قوله أن لا يقال كذا بخط الشيخ رحمه الله ولعل القلم سها بلا والله أعلم ا هـ مصححه وفيه نظر؛ إذ لا بد في صحة الصلح من الإقرار اللهم إلا أن يفرض خشية ضياع البعض ولو مع الإقرار ويتعين الصلح لتخليص الباقي "وينفق عليه وعلى ممونه" أي يمونهم نفقة وكسوة وخدمة وغيرها مما لا بد منه "بالمعروف" مما يليق بيساره وإعساره قال شارح ويرجع في صفة ملبوسه إلى ملبوس أبيه ا هـ وفيه نظر لما تقرر أن النظر لما يليق بيساره وقد يكون موسرا وأبوه معسرا وعكسه وقد يكون أبوه يزري بنفسه فلا يكلف الولد ذلك. "فإن ادعى الولد بعد بلوغه" أو إفاقته أو رشده أو بعد زوال تبذيره "على الأب والجد بيعا" مثلا لعقار أو غيره أو أخذ شفعة أو تركها "بلا مصلحة" ولا بينة كما بأصله وحذفه لظهوره "صدقا باليمين"؛ لأنهما لا يتهمان لوفور شفقتهما "وإن ادعاه على الوصي والأمين صدق هو بيمينه"؛ لأنهما قد يتهمان ومن ثم لو كانت الأم وصية كانت كالأولين هنا وفيما يأتي وكذا آباؤها والمشتري من الولي كهو وظاهر المتن أن القاضي ليس كمن ذكر وهو كذلك كما اعتمده السبكي فقال بعد تردد له الحق أن قوله مقبول بلا يمين في أن تصرفه للمصلحة وإن كان معزولا؛ لأنه نائب الشرع عند تصرفه وسيعلم مما يأتي في الوديعة أن محله في قاض ثقة أمين وإلا كان كالوصي ويأتي آخر الوصايا أن الأوجه أن الثقة مثل الأصل وإلا فكالوصي وبحث الزركشي كالبلقيني قبول قول نحو الوصي في أن ما باع به ثمن المثل؛ لأنه من صفات البيع فإذا ثبت أنه جائز البيع قبل قوله في صفته؛ لأنه مدعي

 

ج / 2 ص -273-      الصحة وأما المصلحة فهي السبب المسوغ للبيع فاحتاج لثبوتها كما يحتاج الوكيل لثبوت الوكالة وقول البغوي لو قال الموكل باع بغبن فاحش صدق ردوه بأنه مبني على رأيه أن القول قول مدعي الفساد والأصح تصديق الوكيل؛ لأن موكله يدعي خيانته والأصل عدمها مع كونه سلطه على البيع بالإذن له فيه.
فرع: ليس للولي أخذ شيء من مال موليه إن كان غنيا مطلقا فإن كان فقيرا وانقطع بسببه عن كسبه أخذ قدر نفقته عند الرافعي ورجح المصنف أنه يأخذ الأقل منها ومن أجرة مثله وإذا أيسر لم يلزمه بدل ما أخذه. قال الإسنوي هذا في وصي أو أمين أما أب أو جد فيأخذ قدر كفايته اتفاقا سواء الصحيح وغيره واعترض بأنه إن كان مكتسبا لا تجب نفقته ويرد بأن المعتمد أنه لا يكلف الكسب فإن فرض أنه اكتسب مالا يكفيه لزم فرعه تمام كفايته وحينئذ فغاية الأصل هنا أنه اكتسب دون كفايته فيلزم الولد تمامها فاتجه أن له أخذ كفايته البعض في مقابلة عمله والبعض لقرابته وقيس بولي اليتيم فيما ذكر من جمع مالا لفك أسر أي: مثلا فله إن كان فقيرا الأكل منه كذا قيل. والوجه أن يقال فله أقل الأمرين وللأب والجد استخدام محجوره فيما لا يقابل بأجرة ولا يضربه على ذلك على الأوجه خلافا لمن جزم بأن له ضربه عليه وإعارته لذلك ولخدمة من يتعلم منه ما ينفعه دينا أو دنيا وإن قوبل بأجرة كما يعلم مما يأتي أول العارية وبحث أن علم رضا الولي كإذنه وأن للولي إيجاره بنفقته وهو محتمل إن علم أن له فيها مصلحة لكون نفقته أكثر من أجرته عادة وأفتى المصنف بأنه لو استخدم ابن بنته لزمه أجرته إلى بلوغه ورشده وإن لم يكرهه؛ لأنه ليس من أهل التبرع بمنافعه المقابلة بالعوض ومن ثم لم تجب أجرة الرشيد إلا إن أكره ويجري هذا في غير الجد للأم. قال الجلال البلقيني ولو كان للصبي مال غائب فأنفق وليه عليه من مال نفسه بنية الرجوع إذا حضر ماله رجع إن كان أبا أو جدا؛ لأنه يتولى الطرفين بخلاف غيرهما أي: حتى الحاكم بل يأذن لمن ينفق ثم يوفيه وأفتى القاضي بأن الأب لو حفظ مال الابن سنين فمات واشتبه على الحاكم أنه أنفق على الطفل من ماله أو مال نفسه حمل على أنه من مال الطفل احتياطا لئلا يضر باقي الورثة ا هـ وبمثله أفتى البلقيني وعلله بأن الوالد ولي متصرف والأصل براءة ذمته والظاهر يقتضي ذلك والأمين إذا مات وضمناه فذلك حيث لم يظهر ما يسقط التعلق بتركته ا هـ. نعم لذي المال أن يحلف بقية الورثة على أن أباه أنفق عليه ما كان له تحت يده وأفتى جمع فيمن ثبت له على أبيه دين فادعى إنفاقه عليه بأنه يصدق هو ووارثه أي: باليمين والبلقيني بجواز الشرب على وجه لا يحتفل به من نحو عين ونهر لقاصر فيه شركة ولقط سنابل من زرعه لا كسرة له ساقطة وخالفه الزركشي في الثانية أي:؛ لأنها كالثالثة القائل هو بامتناعها وخرج بما قيد به شرب يضر نحو زرعه فيمتنع وأفتى القاضي فيما لو اشترى ضيعة من قيم يتيم وسلمه الثمن فكمل المولى وأنكر كون ذلك القيم وليا له واستر الضيعة ثم اشتراها منه بأنه لا يرجع بالثمن على البائع؛ لأنه صدقه على الولاية كما لو اشترى من وكيل ودفع له الثمن فأنكر الموكل الوكالة وأخذ المبيع فاشتراه منه لا يرجع على الوكيل بالثمن؛ لأنه صدقه على

 

ج / 2 ص -274-      الوكالة واستشكله الغزي بأنه مخالف لقولهم إذا اشترى شيئا وصدق البائع على ملكه ثم استحق رجع عليه بالثمن؛ لأنه إنما صدقه بناء على ظاهر الحال فكذا هنا وأجاب شيخنا بأن البائع في تلك مقصر ببيعه ما هو مستحق ا هـ. وفيه نظر فإن الملحظ إنما هو التصديق على الملك وهو موجود في الكل فكما عذر في هذه باستناد تصديقه إلى الظاهر فكذا في تينك على أن القيم والوكيل مقصران أيضا ببيعهما قبل ثبوت ولايتهما ومن ثم جزمت بخلاف كلام القاضي قبيل الوديعة.
 

باب الصلح والتزاحم على الحقوق المشتركة
هو لغة قطع النزاع وشرعا عقد مخصوص يحصل ذلك وأصله قبل الإجماع قوله تعالى
{وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] والخبر الصحيح "الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا" وخصوا لانقيادهم وإلا فالكفار مثلهم.
"هو" أنواع صلح بين المسلمين والمشركين أو بين الإمام والبغاة أو بين الزوجين وصلح في معاوضة أو دين وهو المقصود هنا ولفظه يتعدى غالبا للمتروك بمن وعن وللمأخوذ بعلى والباء وهو "قسمان أحدهما يجري بين المتداعيين وهو نوعان أحدهما على إقرار" أو حجة أخرى "فإن جرى على عين غير" العين "المدعاة" كأن ادعى عليه بدار فأقر له بها ثم صالحه عنها بثوب معين "فهو بيع" للمدعاة من المدعي لغريمه "بلفظ الصلح تثبت فيه أحكامه" أي: البيع؛ لأن حده صادق عليه "كالشفعة والرد بالعيب" وخياري المجلس والشرط "ومنع تصرفه" في المصالح عليه وعنه "قبل قبضه واشتراط التقابض إن اتفقا" أي المصالح به والمصالح عليه "في علة الربا" واشتراط التساوي إن اتحدا جنسا ربويا والقطع في بيع نحو زرع أخضر والسلامة من شرط مفسد مما مر وجريان التحالف عند الاختلاف في شيء مما مر وقضية قوله على عين غير المدعاة الموافق لأصله والعزيز أن صلحه من عين مدعاة بدين موصوف ليس بيعا أي بل سلم. وقضية عبارة الروضة عكسه ولا تخالف؛ لأن الأول محمول على ما إذا كان الدين غير نقد ووصف بصفة السلم والثاني محمول على ما إذا كان الدين نقدا كالعين المدعاة لجواز بيع أحد النقدين بالآخر دون إسلامه فيه وحينئذ فلا ترد عليه مسألة الدين؛ لأن فيه تفصيلا كما علمت.
تنبيه: هل يأتي الصلح بمعنى السلم فيما إذا قال المقر صالحتك عن هذا الذي أقررت به لك بثوب صفته كذا في ذمتي أو قال له المقر له صالحتك عن هذا الذي أقررت لي به بثوب صفته كذا في ذمتك فالذي جرى عليه الإسنوي ومن تبعه كالشارح وقال إنما سكت الشيخان عنه لظهوره وشيخنا وغيرهما أنه يأتي بمعناه ونقله الإسنوي وغيره عن ابن جرير ولم يبالوا بكونه صار صاحب مذهب مستقل كالمزني حتى لا تعد تخريجاته وجوها والذي اقتضته عبارة الروضة كما اعترف به الإسنوي وغيره وقول الشارح سكتا عنه أي: عن التصريح به أنه في المثالين المذكورين بيع ويؤيده ما مر في السلم في بعتك ثوبا صفته كذا بهذا فالشيخان على أنه بيع لعدم لفظ السلم وأكثر

 

ج / 2 ص -275-      المتأخرين على أنه سلم نظرا للمعنى وللأولين أن يفرقوا بين لفظ الصلح والبيع بأن البيع حيث أطلق إنما ينصرف لمقابل السلم لاختلاف أحكامهما فهو أعنى البيع لا يخرج عن موضوعه لغيره فإذا نافى لفظه معناه غلب لفظه؛ لأنه الأقوى وأما لفظ الصلح فهو موضوع شرعا لعقود متعددة بحسب المعنى لا غير وليس له موضوع خاص ينصرف إليه لفظه حتى تغلبه فيه فتعين فيه تحكيم المعنى لا غير وبه اتضح الأول فتأمله.
"أو" جرى من العين المدعاة "على منفعة" لها مدة معلومة بثوب مثلا لغريمه أو لغيرها مدة كذلك بها أو بمنفعتها "فـ" ـهو "إجارة" للعين المدعاة بغيرها من المدعي لغريمه أو لغيرها بها أو بمنفعتها من غريمه له "تثبت" فيه "أحكامها" لصدق حدها عليه أو جرى منها على أن ينتفع بها مدة كذا فإعارة منه لغريمه ويتعين أن يحمل عليه قول السبكي يصح الصلح على منافع الكلاب مدة معلومة أي بغير عوض أو على أن يطلقها فخلع أو على أن يرد عبده فجعالة "أو" جرى من العين المدعاة "على بعض العين المدعاة" كنصفها "فهبة لبعضها" الباقي "لصاحب اليد" عليها "فتثبت" فيه "أحكامها" أي الهبة من إذن في قبض ومضي إمكانه بعد تقدم صيغة هبة لما ترك وقبولها "ولا يصح بلفظ البيع" له لعدم الثمن؛ لأن العين كلها ملك المقر له فإذا باعها ببعضها فقد باع ملكه بملكه والشيء ببعضه وهو محال "والأصح صحته بلفظ الصلح" كصالحتك منها على نصفها لوجود خاصة الصلح وهي سبق الخصومة ويكون هبة تنزيلا له في كل محل على ما يليق به كلفظ التمليك. "ولو قال من غير سبق خصومة صالحني عن دارك بكذا" فأجابه "فالأصح بطلانه"؛ لأن لفظ الصلح يستدعي سبق الخصومة ولو عند غير قاض كما هو ظاهر ثم رأيت الإسنوي صرح به وقال: إنه قضية إطلاق المتن وكأنه لم ينظر لقوله المتداعيين مع أن المتبادر منه الدعوى عند قاض؛ لأنهم أطلقوا آخر الرجعة أنه يكفي سبق الدعوى ولو عند غير قاض ولأن اشتراط كونها عنده لا معنى له هنا؛ لأن اشتراط سبق الخصومة إنما هو ليوجد مسمى الصلح عرفا وذلك لا بتقييد بالدعوى عنده نعم إن نويا به البيع كان بيعا؛ لأنه حينئذ كناية؛ إذ لا ينافي البيع وإنما لم يصح به من غير نية لفقد شرطه المذكور وبه فارق وهبتك بعشرة بناء على الضعيف أن النظر للفظ؛ لأن لفظ الهبة ينافي البيع. "ولو صالح من دين" مدعى به يجوز الاعتياض عنه لا كمثمن ودين سلم "على عين" أراد بها هنا ما يقابل المنفعة الشامل للعين والدين بدليل تقسيمه المصالح عليه إلى عين ودين فتغليظ وزعم أنه مصحف وأن الصواب على غيره هو الغلط؛ إذ غاية الأمر أنه استعمل العين في الأمرين تارة وفي مقابل الدين أخرى وأن ذلك مجاز عرفي دل عليه ما ذكره بعده من تقسيم المصالح عليه إلى عين ودين ومثل ذلك يقع في عباراتهم كثيرا فلا غلط فيه ولا تصحيف فإن قلت ما وجه المقابلة بالمنفعة مع الصحة فيها أيضا كما علم مما مر قلت؛ لأنه لا يتأتى فيها التفريع الذي قصده من التوافق في علة الربا تارة وعدمها أخرى "صح" بلفظ بيع أو صلح كما يجوز بيع الدين بالعين "فإن توافقا في علة الربا" كالصلح عن ذهب بفضة "اشترط قبض العوض في المجلس" حذرا من الربا فإن تفرقا حسا أو حكما قبل قبضه بطل الصلح ولا

 

ج / 2 ص -276-      يشترط تعيينه في العقد "وإلا" يتوافقا فيه كهو عن ذهب ببر "فإن كان العوض عينا لم يشترط قبضه في المجلس في الأصح" كما لو باع ثوبا بدراهم في الذمة لا يشترط قبض الثوب في المجلس "أو" كان العوض "دينا" ثبت بالصلح كصالحتك عن دراهمي عليك بصاع بر في ذمتك "اشترط تعينه في المجلس" ليخرج عن بيع الدين بالدين "وفي قبضه" في المجلس "الوجهان" أصحهما عدم الاشتراط وهذا كله علم مما قدمه في الاستبدال عن الثمن ولو صالح من دين على منفعة صح كما مر وتقبض هي بقبض محلها. "وإن صالح من دين على بعضه" كنصفه "فهو إبراء عن باقيه" فيغلب فيه معنى الإسقاط وإن قلنا: إنه تمليك حتى لا يشترط القبول ولا قبض الباقي في المجلس ولا يؤثر في ذلك امتناعه من أداء البعض "ويصح بلفظ الإبراء والحط ونحوهما" كالإسقاط والوضع نحو أبرأتك من نصف الألف الذي لي عليك وصالحتك على الباقي أو صالحتك منه على نصفه وأبرأتك من باقيه "و" يصح "بلفظ الصلح" وحده "في الأصح" كصالحتك منه على نصفه لكن يشترط هنا القبول؛ لأن اللفظ يقتضيه بوضعه ورعايته في العقود أكثر من رعاية معناها ولا يصح بلفظ البيع نظير ما مر في الصلح على بعض العين وهذا أعني الصلح على بعض العين وبعض الدين يسمى صلح حطيطة وما عداهما من سائر الأقسام السابقة غير صلح الإعارة يسمى صلح معاوضة، وخرج بقوله على بعضه ما لو صالح من ألف على خمسمائة معينة واتحد جنسهما الربوي فلا يصح على ما قاله جمع متقدمون واعتمده السبكي والإسنوي لاقتضاء التعيين العوضية فأشبه بيع الألف بخمسمائة وقضية كلام الشيخين الصحة وجرى عليها جمع متقدمون وهو المعتمد نظرا للمعنى فإنه في الحقيقة استيفاء للبعض وإسقاط للبعض. "ولو صالح من حال على مؤجل مثله" جنسا وقدرا وصفة "أو عكس" أي: من مؤجل على حال مثله كذلك "لغا" الصلح فلا يلزم الأجل في الأول ولا إسقاطه في الثاني؛ لأنهما وعد من الدائن والمدين "فإن عجل" المدين الدين "المؤجل" عالما بفساد الصلح "صح الأداء" وسقط الأجل بخلاف ما إذا جهل فيسترد ما دفعه كما نبه عليه ابن الرفعة والسبكي وغيرهما وقاسوه على ما لو ظن أن عليه دينا فأداه فبان خلافه فإنه يسترده قطعا "ولو صالح من عشرة حالة على خمسة مؤجلة برئ من خمسة وبقيت خمسة حالة"؛ لأنه سامحه بحط البعض من غير مقابل فصح ويتأجل الباقي الحال وهو لا يصح؛ لأنه مجرد وعد. "ولو عكس" بأن صالح من عشرة مؤجلة على خمسة حالة "لغا الصلح"؛ لأنه إنما ترك الخمسة في مقابلة حلول الباقي وهو لا يحل فسلم يصح الترك والصحة والتكبير كالحلول والتأجيل فيما ذكر وقضية ما تقرر أنه لا فرق فيه بين الربوي وغيره فقول الجواهر بعد كلام للجوري وهو يدل على فرض ذلك في الربوي فلو كان له عروض مؤجلة فصالحه على بعضها حالا جاز إذا قبض في المجلس الظاهر أنه ضعيف.
"النوع الثاني الصلح على الإنكار" أو السكوت ولا حجة للمدعي "فيبطل" خلافا للأئمة الثلاثة للخبر السابق:
"إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا" فإن المدعي إن كذب فقد استحل مال المدعى عليه الذي هو حرام عليه وإن صدق فقد حرم على نفسه ماله الذي

 

ج / 2 ص -277-      هو حلال له أي: بصورة عقد فلا يقال للإنسان ترك بعض حقه قيل فيه نظر فإن الصلح ثم لم يحرم الحلال ولا حلل الحرام بل هو على ما كان عليه من التحريم والتحليل ا هـ. ويرد بأن ما ذكر إلزام للقائلين بصحته وهو ظاهر؛ إذ يلزم عليها أن الصلح سبب في ذلك التحليل والتحريم وقد علم من الخبر امتناع كل صلح هو كذلك كأن يصالح على نحو خمر فهذا أحل الحرام وكأن يصالح زوجته على أن لا يطلقها فهذا حرم الحلال وقد اتفقوا على أن الخبر يشمل هذين وهما على وزان ما قلناه في صلح الإنكار فحينئذ لا وجه لذلك النظر فتأمله. أما إذا كانت له حجة كبينة فيصح لكن بعد تعديلها وإن لم يحكم بالملك على الأوجه ولا نظر إلى أن له سبيلا إلى الطعن؛ لأن له ذلك حتى بعد القضاء بالملك أيضا على المعتمد "إن جرى على" هي هنا بمعنى من أو عن لما مر أن كون على والباء للمأخوذ ومن وعن للمتروك أغلبي "نفس المدعي" على غيره كأن ادعى عليه بدار أو دين فأنكر ثم تصالحا على نحو قن ويصح كونها على بابها والتقدير إن جرى على نفس المدعي عن غيره ودل عليه ذكر المأخوذ؛ لأنه يقتضي متروكا ويصح مع عدم هذا التقدير أيضا وغايته أن البطلان فيه لأمرين كونه على إنكار وعدم العوضية فيه "وكذا إن جرى" الصلح من بعض المدعى "على بعضه في الأصح" كأن يصالحه من الدار على نصفها أما لو صالح من بعض الدين على بعضه فيبطل جزما؛ لأن الضعيف يقدر الهبة في العين وإيراد الهبة على ما في الذمة ممتنع على ما يأتي في بابها ومر في اختلاف المتبايعين أنهما لو اختلفا هل وقع الصلح على إنكار أو إقرار صدق مدعي الإنكار؛ لأنه الأغلب. وقد يصح الصلح مع عدم الإقرار في مسائل: منها ما لو أسلم على أكثر من أربع نسوة ومات قبل الاختيار أنه يجوز اصطلاحهن بتساو وتفاوت، وكذا ما لو طلق إحدى امرأتيه ومات قبل البيان لكن يأتي قبيل خيار النكاح خلافه أو ادعى اثنان وديعة بيد رجل فقال: لا أعلم لأيكما هي أو دارا بيدهما وأقام كل بينة وفي هذه كلها لا يجوز الصلح غلى غير المدعي؛ لأنه بيع وشرطه تحقق الملك وسيأتي لذلك مزيد آخر نكاح المشرك "وقوله" بعد إنكاره "صالحني عن الدار" مثلا "التي تدعيها ليس إقرارا في الأصح" قال البغوي وكذا قوله لمدع عليه ألفا صالحني منها على خمسمائة أو هبني خمسمائة أو أبرئني من خمسمائة لاحتمال أن يريد به قطع الخصومة لا غير ولأنه في الثانية بأقسامها لم يقر بأن ذلك يلزمه وقد يصالح على الإنكار أي: بل هو الأغلب كما تقرر. أما قوله ذلك ابتداء قبل إنكاره فليس إقرارا قطعا ولو قال هبني هذه أو بعنيها أو زوجني الأمه كان إقرارا بملك عينها أو أجرنيها أو أعرنيها فإقرار بملك المنفعة لا العين أو ادعى عليه دينا فقال أبرأتني أو أبرئني فإقرار أيضا وبحث السبكي تقييده بما إذا ذكر المال أو الدين أي: ولو بالضمير كأبرأتني منه؛ لأنه مع حذفه يحتمل أبرأتني من الدعوى.
فرع: صالح على إنكار ثم وهب أو أبرأ قبل قوله أنه إنما فعل ذلك ظانا صحة الصلح أو ثم أقر المنكر لم ينقلب الصلح صحيحا لفوات شرط صحته حال وجوده ومن ثم لم ينظر هنا لما في نفس الأمر؛ لأنه لا مملك إلا الصلح وهو لا يمكن صحته إلا إن سبقه إقرار

 

ج / 2 ص -278-      أو نحوه ولو صالحه بشيء ليقر فأقر بطل الصلح وكذا الإقرار على الأوجه وقد يشكل بأنه لو قال لاثنين أريد أن أقر بما لم يلزمني أقر أوخذ بإقراره ولمي ينظر لكلامه ويجاب بأن ما هنا جواب لقوله صالحتك بكذا على أن تقر لي والجواب منزل على السؤال فكأنه قال أقررت في مقابلة ذلك فبطل وقوله أريد إلى آخره أمر منفصل عن الإقرار لم تقم قرينة لفظية على تقييده به فوقع ذلك المتقدم لغوا ولو ترك وارث حقه من التركة لغيره بلا بدل لم يصح أو به صح بشرطه.
"القسم الثاني يجري بين المدعي وأجنبي فإن قال" الأجنبي للمدعي "وكلني المدعى عليه في الصلح" معك عن العين التي ادعيت بها ببعضها أو بهذه العين أو بعشرة في ذمته "وهو مقر لك" بها ظاهرا أو باطنا أو وهي لك أو وأنا أعلم أنها لك فصالحني عنه له بذلك فصالحه "صح" الصلح عن الموكل؛ لأن قول الإنسان في دعوى الوكالة مقبول في جميع المعاملات ثم إن صدق في أنه وكيل صارت ملكا لموكله وإلا فهو شراء فضولي وأما الدين فلا يصح الصلح عنه بدين ثابت قبل ذلك ويصح بغيره ولو بلا إذن إن قال الأجنبي ما ذكر أو قال عند عدم الإذن وهو مبطل في عدم إقراره فصالحني عنه بكذا؛ إذ لا يتعذر قضاء دين الغير بغير إذنه وأما لو لم يقل وكلني فلا يصح الصلح في العين لتعذر تمليك الغير عينا بغير إذنه وكذا لو لم يقل وهي لك ولا وهو مقر وإن قال هو مبطل في عدم إقراره؛ لأنه صلح على إنكار حينئذ. "ولو" كان المدعى به عينا و "صالح" الأجنبي عنها "لنفسه" بعين ماله أو بدين في ذمته "والحالة هذه" أي: أن الأجنبي قال هو مقر لك أو هي لك "صح" الصلح للأجنبي؛ لأنه ترتب على دعوى وجواب فلم يحتج لسبق خصومة معه "وكأنه اشتراه" مساو لقول الروضة وغيرها كما لو اشتراه خلافا لمن فرق وإنما وقع التشبيه في كل منهما؛ لأنه وإن كان شراء حقيقة إلا أنه خفي لكونه وقع بلفظ الصلح وعلم من ذلك أنه لا بد أن يكون بيد المدعى عليه بنحو وديعة أما لو كان بيعا قبل القبض فلا يصح. "وإن كان منكرا" والمدعى عين أيضا كما يشير إليه قوله الآتي فهو شراء مغصوب؛ إذ الغصب لا يتصور في الديون "وقال لأجنبي هو مبطل في إنكاره" وأنت الصادق فصالحني لنفسي بهذا أو بخمسة في ذمتي مثلا أو بديني وهو كذا على فلان بناء على صحة بيع الدين لغير من هو عليه وعبر شارح بأصالحك لنفسي ويتعين حمله على ما إذا احتفت به قرينة إنشاء صلح ونواه وإلا فموضوعه الوعد وهو لا يصح كما يأتي في أودى المال في الضمان "فهو شراء مغصوب فيفرق بين قدرته" ولو في ظنه "على انتزاعه" فيصح ويكفي فيها قوله ما لم يكذبه الحس فيما يظهر "وعدمها" فلا يصح كما مر في البيع. "وإن لم يقل هو مبطل" بأن قال هو محق أو لا أعلم أو لم يزد على قوله صالحني "لغا الصلح"؛ لأنه اشترى منه ما لم يعرف له بأنه ملكه وخرج بالعين فيما ذكر الدين فلا يصح الصلح عنه بدين ثابت قبل ذلك ويصح بغيره إن قال وهو مقر أو وهو لك أو وهو مبطل بناء على الأصح السابق من صحة بيع الدين لغير من هو عليه.

 

ج / 2 ص -279-      فصل في التزاحم على الحقوق المشتركة
"الطريق النافذ" بمعجمة وهو الشارع وقيل هو أخص مطلقا؛ لأنه لا يكون إلا نافذا في البنيان والطريق يكون نافذا وغير نافذ وببنيان وصحراء ويذكر ويؤنث ويصير شارعا باتفاق المحيين عليه أولا أو باتخاذ المارة موضعا من الموات جادة للاستطراق كما يصير المبني فيها بقصد أنه مسجد مسجدا من غير لفظ وبأن يقفه مالكه لذلك لكن لا بد هنا من اللفظ وفي بنيات طريق بموحدة أوله وغلط من صحفها بمثلثة لفساد المعنى المراد هنا يسلكها الخواص تردد والذي نقله القمولي ورجحه الأذرعي أنها لا تصير طريقا بذلك ويجوز إحياؤها؛ لأن أكثر الموات لا يخلو عن تلك البنيات "لا يتصرف" بضم أوله "فيه بما يضر" بفتح أوله فإن ضم عدي بالباء "المارة" وإن لم يطل المرور؛ لأن الحق فيه لجميعهم وسيعلم مما هنا وفي الجنايات أن الضرر المنفي ما لا يصبر عليه مما لم يعتد لا مطلقا. "ولا يشرع" أي: يخرج "فيه جناح" أي روشن سمي به تشبيها له بجناح الطائر "ولا ساباط" هو سقيفة بين حائطين "يضرهم" كل منهما كذلك ومن ذلك ما لو اكتنف الشارع داراه فحفر سردابا تحت الطريق من إحداهما إلى الأخرى فإن ضر منع منه وإلا فلا إذ الانتفاع بباطن الطريق كهو بظاهرها والمزيل لما أضر هنا هو الحاكم على ما رجحه ابن الرفعة ولعله مبني على ما رجحه مخالفا لهما في نحو شجرة خرجت لهوائه أما على ما رجحاه أن له القطع ولو بلا حاكم فيحتمل أن يقال هنا كذلك ويحتمل الفرق بأن الهواء هنا لكافة المسلمين فوجب تفويض أمره إلى نائبهم وهو الحاكم وثم له وحده فجاز له الاستبداد بإزالة الضرر عنه أما جناح وساباط لا يضر فيجوز لكن لمسلم لا ذمي في شوارعنا وكذا حفر بئر حشه بخلاف ذلك في محالهم وشوارعهم المختصة بهم ولو في دارنا وبخلاف فتح بابه إلى شارعنا؛ لأن له استطراقه تبعا لنا أو لما بذله من الجزية فلا محذور علينا فيه ولا يجوز إخراج جناح إلى مسجد وإن لم يضر ويظهر أن نحو الرباط والمدرسة كذلك وإن أذن ناظره ثم رأيت الأذرعي صرح به وتردد في الإشراع في هواء المقبرة والذي يتجه منعه إن سبلت ولو باعتياد أهل البلد الدفن فيها لما مر من حرمة البناء فيها حينئذ "بل" للانتقال إلى بيان مفهوم يضرهم "يشترط" لجواز فعله "ارتفاعه بحيث" ينتفي إظلام الموضع به حتى يسهل المرور به وبحيث "يمر تحته" الماشي "منتصبا" وعلى رأسه الحمولة بضم الحاء الغالبة؛ لأن انتفاء شرط من ذلك يؤدي إلى إضرار المارة إن كان ممرا لمشاة فقط. "وإن كان ممر الفرسان والقوافل" أي: يصلح لمرورهم "فليرفعه" وجوبا في الأول بحيث يمر تحته الراكب ويكلف وضع رمحه على كتفه وفي الثاني "بحيث يمر تحته المحمل" بفتح ثم كسر "على البعير مع أخشاب المظلة" فوق المحمل وهي بكسر الميم المسماة بالمحارة أي: ولا يتقيد الأمر بها بل بما قد يمر ثم وإن كان أكبر منها كما هو ظاهر وذلك؛ لأن ذلك قد يتفق وإن ندر وأفهم إطلاقه أن له إخراج نحو جناحه ولو فوق جناح جاره إن لم يضر بالمار عليه وإن أظلمه وعطل هواء ما لم يبطل انتفاعه بل وفي محله إذا انهدم وإن عزم على إعادته

 

ج / 2 ص -280-      ما لم يسبقه بالإحياء وفارق مقاعد الأسواق حيث لا يزول حقه إلا بإعراضه بأن هذا أضعف لتعلقه بالهواء الذي لا يقبل الملك فلا مكان له ولا تمكن منه وتلك لها تعلق بالأرض التي من شأنها أن تملك بالإحياء قصدا فكان لها مكان وتمكن وأيضا فاستحقاق هذا تبع لاستحقاق الطروق فاستحقه السابق واستحقاق تلك قصد لا تبع فلم يسقط حق من سبق إليها إلا بالإعراض.
تنبيه: قال الغزي فإن قيل إذا جاز الجناح فله نصفه وإن أخذ أكثر هواء السكة وقالوا في الميزاب له تطويله إلا أن يزيد على نصف السكة فللجار المقابل منعه كما ذكره في الكافي قيل الفرق أن الجار محتاج إلى الميزاب فكان حقه فيه كحق الجار فليس له إبطاله عليه بخلاف نصب الجناح فإنه قد لا يحتاج إليه هكذا ظننته ا هـ وما ذكره في الجناح واضح وفي الميزاب بعيد من كلامهم؛ لأنهم لم يعللوا ما تقرر في الجناح إلا بكونه سبق إلى مباح فاستحقه وذلك يأتي في الميزاب فالتحديد فيه بما ذكر عن الكافي بعيد جدا وقوله في الفرق فليس له إبطاله فيه نظر أيضا فإنه لا يلزم من مجاوزته نصف الطريق إبطال حق الجار بل قد يبطل حقه وإن لم يجاوز النصف وقد لا يبطله وإن جاوز الثلثين فالوجه جواز إخراجه ما لم يترتب عليه ضرر لمال الجار سواء أجاوز النصف أم لا.
"ويحرم الصلح على إشراع" أي: إخراج "الجناح" أو الساباط بعوض ولو في دار الغير؛ لأن الهواء تابع للقرار فلا يفرد بعقد كالحمل مع الأم ولأنه إذا لم يضر في الشارع يجوز إخراجه فيمتنع أخذ عوض عليه ولو من الإمام كالمرور وكما يمتنع إخراج الضار يمتنع إرسال ماء البواليع فيه إذا أضر بالمارة أيضا "و" يحرم "أن يبني في الطريق" النافذ وإن اتسع "دكة" هي المسطبة العالية والمراد هنا مطلق المسطبة ولو بفناء داره كما صرح به البندنيجي؛ لأن المارة قد تزدحم فتتعثر بها ولأن محلها يشتبه بالأملاك عند طول المدة قال بعضهم ومثلها ما يجعل بالجدار المسمى بالكبش إلا إن اضطر إليه لخلل بنائه ولم يضر المارة؛ لأن المشقة تجلب التيسير ا هـ "أو يغرس" فيه "شجرة" لذلك نعم إن قصد بها عموم المسلمين فكحفر البئر فيما يأتي فيه في الجنايات على ما بحث وقياسه جوازها لنفسه بإذن الإمام وفيه نظر ويفرق بأن البئر ثم لها حد فكان للإمام أو قصد المسلمين دخل فيه وأما الشجرة فلا حد لها تنتهي إليه بل هي دائمة النمو أغصانا وعروقا وما هو كذلك لا يؤمن ضرره فلم يجز مطلقا ويفرق بينها هنا وفي المسجد بشرطه بأن الضرر هنا أعظم، نعم الذي يشبه البئر المسجد ومن ثم صرحوا بجواز بنائه فيه حيث لا يضر المارة وإن لم يأذن فيه الإمام كحفر البئر فيه للمسلمين قال الأذرعي وقضيته أن البقعة تصير مسجدا وهو بعيد؛ لأن شرطه كونه في موات أو ملكه فالمراد بالمسجد مكان الصلاة لا غير ومنه يؤخذ أنه لو جعل الدكة للصلاة مثلا ولا ضرر بوجه جازت "وقيل إن لم يضر" كل منهما المارة "جاز" كإشراع الجناح ويرده ما مر من التعليل. "وغير النافذ" الذي ليس به نحو مسجد "يحرم الإشراع إليه لغير أهله بغير رضاهم" كما أفاده قوله إلا إلى آخره تغليبا أو بقياس الأولى؛ لأن الشريك إذا توقف على ذلك فالأجنبي أولى ومن ثم لم يجر هنا خلاف

 

ج / 2 ص -281-      وجرى فيما بعده فلا اعتراض عليه "وكذا" يحرم ذلك "لبعض أهله" وإن لم يضر "في الأصح إلا برضا الباقين" من أهله وأجملهم هنا للعلم مما سيذكره أنه لا يمنعه إلا من بابه بعده أو مقابله كسائر الأملاك المشتركة. ومر أنه بعوض ممتنع مطلقا ويشترط رضا موصى له بالمنفعة ومستأجر تضررا وليس لهم كما اعتمده ابن الرفعة وغيره الرجوع بعد الإخراج بالإذن وطلب قلعه مجانا؛ لأنه وضع بحق ولا مع غرم أرش النقص؛ لأنه شريك والشريك لا يكلف ذلك كما يأتي في العارية؛ لأن فيه إزالة ملكه عن ملكه فاندفع قول الأذرعي لم لا يقال لهم قلعه وبذل أرشه ولا إبقاؤه بأجرة؛ لأن الهواء لا أجرة له ويظهر في غير الشريك أن لهم الرجوع وعليهم أرش النقص أخذا مما يأتي في العارية أما ما به مسجد قديم أو حادث فالحق فيه لعموم المسلمين فيكون كالشارع في تفصيله السابق فلا يجوز إخراج جناح ولا فتح باب فيه عند الإضرار وإن أذنوا بخلافه عند عدمه وإن لم يأذنوا ولا الصلح بمال مطلقا نعم ليس ذلك عاما في كله بل من رأس الدرب إلى نحو المسجد كما بحثه ابن الرفعة وبحث أيضا في حادث بعد الإحياء أي: يقينا كما هو ظاهر بقاء حقهم أي: فلهم المنع من الإشراع وإن لم يضر؛ إذ ليس لأحد الشركاء إبطال حق البقية من ذلك وهو متجه معنى ومن ثم تبعه غيره لكن تسويتهما بين العتيق والجديد تخالف ذلك وكالمسجد فيما ذكر كل موقوف على جهة عامة كرباط وبئر. أما ما وقف على معين فلا بد من إذنه لكن يتجدد المنع لمن استحق بعده ولو كان بها دار لنحو طفل توقف الإشراع على كماله وإذنه بخلاف الدخول لسكة بعض أهلها محجور فإنه يجوز على الأوجه كالشرب من نهره لكن الورع خلافه والجلوس فيه يتوقف على إذنهم أي: إن لم يتسامح به عادة فيما يظهر ولهم الإذن فيه بمال على الأوجه وقول القاضي لا يجوز لهم أن يأذنوا فيه بأجرة كما لا يجوز لهم بيعه مع أنه ملكهم إنما يأتي على قول الماوردي الضعيف معنى كونه ملكهم أنه تابع لملكهم ويجوز المرور بملك الغير إذا اعتيد المسامحة به ولم يصر بذلك طريقا "وأهله" أي: غير النافذ "من نفذ باب داره" يعني ملكه كفرن وحانوت وبئر "إليه لا من لاصقه جداره" من غير باب له فيه؛ لأن ذلك هو العرف "وهل الاستحقاق في كلها" أي الطريق؛ إذ هو يجوز تذكيره وتأنيثه فزعم أن هذا سهو هو السهو "لكلهم" أي: لكل منهم فالمراد بالكل هنا الكل الإفرادي بقرينة قوله كل واحد لا المجموعي؛ إذ لا نزاع فيه "أم" يأتي نظيره قبيل فصل أوصى بشاة مع ما فيه "تختص شركة كل واحد" منهم "بما بين رأس الدرب وباب داره وجهان أصحهما الثاني"؛ لأن هذا المقدار هو محل تردده ومروره وما بعده هو فيه كالأجنبي فعلم أن من بابه آخرها يملك جميع ما بعد آخر باب قبله فله تقديم بابه وجعل ما بعده دهليزا لداره. "وليس لغيرهم فتح باب إليه للاستطراق" بغير إذنهم سواء هنا المتأخر عن المفتوح والمتقدم عليه؛ لأنه يمر في حق كل منهم ولهم الرجوع ولو بعد الفتح ولا يغرمون شيئا بخلاف ما لو أعار أرضا للبناء لا يقلع مجانا قاله الإمام واعترضه الرافعي بأنه لا فارق بينهما وفرق ابن الرفعة بما رده غير واحد نعم يفرق بأن ما تصرف فيه هنا وهو الفتح لا يتوقف على إذن لما يأتي أن له رفع جداره وإنما المتوقف على إذنهم استطراقه

 

ج / 2 ص -282-      فإذا رجعوا فيه لم يفوتوا عليه شيئا غروه فيه بخلافهم في إعارتهم الأرض للبناء فإنهم غروه بوضع ما يتوقف على إذنهم الظاهر في دوام بقائهم عليه فإذا رجعوا غرموا له نظير ما يأتي في إعارة الجدار لوضع الجذوع. "وله فتحه إذا" لم يستطرق منه سواء "سمره" بتشديد الميم وتخفيفها أم لا كما في البيان "في الأصح"؛ لأنه له رفع الجدار فبعضه أولى وكذا فتح باب للاستضاءة وإن لم يجعل عليه نحو شباك ورجح في الروضة المنع مطلقا "ومن له فيه باب ففتح" أو أراد فتح باب "آخر" لم يكن له قبل ليستطرق منه وحده أو مع القديم "أبعد من رأس الدرب" من بابه الأول "فلشركائه" وهم من بابه بعد القديم بخلاف من بابه قبله أو مقابله وهذا هو مراد الروضة بناء على ما فهمه المحققون من عبارتها وفهم البلقيني إجراء عبارتها على ظاهرها أن المراد بالمفتوح في هذه الحادث فتحه فاعترضها بأنه مشارك في القدر المفتوح فيه فجاز له المنع وهو متجه بناء على فرض أن ذلك الظاهر هو المراد وقد اختلف الناس في فهم عبارتها أولا وآخرا حتى وقع لشيخنا في شرح الروض ما يفهم أن المراد أولا وآخرا هو الحادث فتحه وليس كذلك كما تقرر ووجه اتجاهه بناء على ذلك أن كلا منهم كما هو ظاهر يستحق من رأس السكة إلى جانب بابه مما يلي آخرها لا أولها ورد بعضهم على البلقيني بما لا طائل تحته فاحذره "منعه" وإن سد الأول؛ لأنه أحدث استطراقا في ملكهم وإن لم يتوقف على إذنهم في أصل المرور بل لا يؤثر نهيهم للضرورة الحاقة بخلاف بقية المشتركات "وإن كان أقرب إلى رأسه ولم يسد الباب القديم" أي: ولم يترك التطرق منه "فكذلك" أي: لكل من بابه بعد المفتوح الآن أو بإزائه على ما مر المنع؛ لأن انضمام الثاني للأول يضرهم بتعدد المنفذ الموجب للتميز عليهم وبه فارق جواز جعله داره خانا وحماما وإن كثرت بسببه الزحمة والاستطراق فاندفع أخذ جمع من هذا ضعف الأول "وإن سده" أي: القديم "فلا منع"؛ لأنه ترك بعض حقه ومر أن لمن بابه آخر الدرب تقديمه وجعل الباقي دهليزا ولو كان آخرها بابان متقابلان فأراد أحدهما تأخير بابه فللآخر منعه حتى على ما مر عن الروضة كما هو ظاهر؛ لأن ما بعد بابيهما مشترك بينهما فقد يؤدي ذلك إلى ضرر الشريك بالحكم بملك بقيتها لذي الباب المتأخر ولو اتسع باب أحد المتقابلين إلى آخرها اختص بملك الآخر على تردد فيه بينته في شرح الإرشاد.
"ومن له داران تفتحان" بفتح الفوقية أوله "إلى دربين مسدودين" مملوكين "أو مسدود" مملوك "وشارع ففتح بابا" أو أراد فتحه "بينهما" للاستطراق مع بقاء بابيهما "لم يمنع في الأصح"؛ لأنه يتصرف في ملكه ومن ثم لو أراد رفع الحاجز بينهما وجعلهما دارا واحدة مع بقاء بابيهما بحالهما لم يمنع جزما؛ لأنه قصد هنا اتساع ملكه فقط وفي الروضة أنه يمنع وأطالوا في الانتصار له ومع ذلك الأوجه ما في المتن "وحيث منع فتح الباب فصالحه أهل الدرب" أي: المالكون له بأن لا يكون فيه نحو مسجد "بمال صح"؛ لأنه انتفاع بالأرض ثم إن قدروا مدة فهو إجارة وإن أطلقوا أو شرطوا التأبيد فهو بيع جزء شائع من الدرب له فينزل منزلة أحدهم. "ويجوز" لمالك جدار "فتح الكوات" بفتح الكاف أشهر من ضمها أي الطاقات فيه علت أو سفلت وإن أشرفت على دار جاره وحريمه كما صرح به الشيخ أبو حامد كما
 

 

ج / 2 ص -283-      أن له له إزالة بعضه أو كله كما مر "والجدار" الكائن "بين المالكين" لدارين "قد يختص به" أي بملكه "أحدهما" ويكون ساترا للآخر فقط "وقد يشتركان فيه فالمختص" به أحدهما "ليس للآخر" ولا لغيره المفهوم بالأولى تصرف فيه بما يضر مطلقا فيحرم عليه "وضع الجذوع" أي: الأخشاب ووضع جذع واحد "عليه بغير إذن" من مالكه ولا ظن رضاه "في الجديد و" على الجديد "لا يجبر المالك عليه" للخبر الحسن "لا ضرر ولا ضرار في الإسلام" وللخبر الصحيح "لا يحل لأحد من مال أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس" وفي رواية صحيحة "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه" وبذلك يعلم أن الضمير في الخبر المتفق عليه "لا يمنعن جار جاره أن يضع خشبه في جداره" لصاحب الخشب ولأنه الأقرب أي: لا يمنعه الجار أن يضع خشبه على جدار نفسه وإن تضرر به لنحو منع ضوء فإن جعل الضمير للأول كان النهي للتنزيه بقرينة ذينك الخبرين نعم روى أحمد وأبو يعلى مرفوعا "للجار أن يضع خشبه على جدار غيره" وإن كره فإن صح أشكل على الجديد؛ لأنه صريح لا يقبل تأويلا فإن قلت لو سلمنا عدم صحة هذا فذاك الدليل ظاهر في القديم؛ لأن غاية ما يلزمه تخصيص واللازم للجديد مجاز والتخصيص خير منه كما هو مقرر في محله قلت إنما يظهر ذلك إن لم يوجد مرجح آخر وهو هنا كثرة العمومات المانعة من ذلك لا سيما وأحدها كان يوم حجة الوداع المختوم بها بيان الحلال والحرام إلا ما شذ وذلك ظاهر في تأخره عن ذلك الخصوص ويؤيده قول من قال إنما جاز ذلك لما استجاز أكثر أهل العلم مخالفة ذلك الخصوص وخرج ببين المالكين ساباط أراد وضع جذوعه على جدار جاره المقابل له فلا يجبر قطعا.
وعلى الجديد "فلو رضي" المالك بوضع جذوع أو بناء على جداره "بلا عوض فهو إعارة" لصدق حدها عليه ومن ثم لم يستفد وضعها ثانيا لو سقطت إلا بإذن جديد خلافا لما في الأنوار ولو لم يعلم أصل وضع نحو جذع كان لمالكه إعادته قطعا لأنا تيقنا وضعه بحق وشككنا في مجوز الرجوع وليس لذي الجدار هنا نقضه إلا أن تهدم "و" على أنه إعارة "له الرجوع قبل البناء عليه" أي: الجدار أو الموضوع عليه قطعا "وكذا بعده في الأصح" كسائر العواري "وفائدة الرجوع تخييره بين أن يبقيه" أي الموضوع "بأجرة أو يقلعه ويغرم أرش نقصه" وهو ما بين قيمته قائما ومقلوعا ولا يجيء هنا التملك بالقيمة بخلاف إعارة الأرض للبناء؛ لأنها أصل فجاز أن تستتبعه والجدار تابع فلم يستتبع "وقيل فائدته طلب الأجرة" في المستقبل "فقط"؛ لأن قلعه يضر المستعير. "ولو رضي بوضع الجذوع والبناء عليها" أو بوضعها فقط أو بالبناء عليه بلا وضع جذوع "بعوض فإن آجر رأس الجدار للبناء" عليه "فهو إجارة" لصدق حدها عليه لكن لا يشترط فيها بيان المدة فتتأبد للحاجة نعم لو كانت وقفا عليه وجب بيانها كما قطع به القاضي واعتمده الزركشي لامتناع شائبة البيع فيه "وإن قال بعته للبناء" أو الوضع "عليه أو بعت حق البناء" أو الوضع "عليه" أو صالحتك على ذلك ولم يقدرا مدة "فالأصح أن هذا العقد فيه شوب بيع" نظرا للفظه المقتضي لكونه مؤبدا "و" شوب "إجارة" نظرا لمعناه؛ لأن المستحق به منفعته فقط وجاز ذلك هنا كحق الممر ومجرى الماء لمسيس الحاجة إليه

 

ج / 2 ص -284-      والقول بأنه إجارة محضة ردوه بأنها لا تنفسخ بتلف الجدار بل يعود حقه بعوده اتفاقا أما إذا قدرا مدة فهو إجارة محضة وأما إذا باعه أو صالحه ولم يتعرض للبناء أو بشرط أن لا يبني عليه فإنه ينتفع بما عدا البناء من مكث وغيره وأصل الشوب الخلط ويطلق على المخلوط به وهو المراد هنا ومثله الشائبة خلافا لمن زعم تخطئة التعبير بها. "فإذا" أراد أن يبني لم يكن للبائع منعه ولا هدم بناء نفسه وإذا "بنى" بعد البيع أو الإجارة المؤبدة "فليس لمالك الجدار نقضه" أي: بناء المشتري أو المستأجر "بحال" أي: مجانا أو مع أرش نقصه؛ لأنه استحق دوام البناء عليه بعقد لازم نعم لمالك الجدار شراء حق البناء من المشتري كما صرح به جمع وإن استشكله الأذرعي وحينئذ يمكن من الخصلتين السابقتين في الإعارة. "ولو انهدم الجدار" بهدم هادم يضمن ولو المالك طالبه المشتري أو المستأجر بقيمة حق الوضع للحيلولة وبأرش نقص جذوعه أو بنائه إن كان لا بإعادة الجدار وإن كان الهادم له المالك تعديا كما شمله إطلاقهم ثم رأيت الزركشي قال قضية كلام المتن الجزم بأن المالك لا يجبر على إعادته وحكى الدارمي فيه القولين في إجبار الشريك على العمارة وهو ظاهر ا هـ فهو مصرح بأن ما هنا يجري فيه ما يأتي في الشريك وأصح القولين فيه عدم الإجبار وإن تعدى بالهدم فكذلك هنا فقول شيخنا في شرح الروض لم يصرحوا بوجوب إعادة الجدار على مالكه وينبغي أن يقال إن هدمه مالكه عدوانا فعليه إعادته وإن هدمه أجنبي أو مالكه وقد استهدم لم تجب لكن يثبت للمشتري الفسخ إن كان ذلك قبل التخلية ا هـ فيه نظر لما علمت أن كلام الدارمي الذي استظهره الزركشي مصرح بأنه لا تجب على المالك إعادته مطلقا كما لا يجبر الشريك على العمارة وإن هدم تعديا ثم إن كان هدمه أو انهدم قبل بناء المستحق أو وضعه فله بعد إعادته ابتداء الوضع أو البناء أو بعد ذلك "فأعاد مالكه" باختياره أو بإجبار قاض يراه "فللمشتري" أو المستأجر "إعادة البناء" أو الوضع بتلك الآلة أو بمثلها؛ لأنه حق ثابت له ولو لم يبنه المالك فأراد صاحب الجذوع إعادته من ماله مكن وأفهم كلامه أن المستعير ليس له الإعادة إلا بالإذن وقول الأنوار يعيد مردود بأن قياس العارية المطلقة منعه كما في التهذيب هناك. "وسواء كان الإذن" في وضع البناء "بعوض أو بغيره" ومر أن هذا لغة صحيحة فلا اعتراض عليه "فيشترط بيان قدر الموضع المبني عليه" بعد تعيينه "طولا" وهو الامتداد من زاوية إلى أخرى "وعرضا" وهو ما بين وجهي الجدار "وسمك" بفتح أوله "الجدران" أي: ارتفاعها إذا أخذ من أسفل فصاعدا فإن أخذ من أعلى فنازلا فهو عمق بضم أوله المهمل "وكيفيتها" هي مجوفة أو منضدة أي: ملتصق بعضها ببعض وكون البناء بنحو حجر أو طوب "وكيفية السقف المحمول عليها" أهو عقد أو نحو خشب؛ لأن الغرض يختلف بكل ذلك نعم لا يشترط ذكر الوزن وتكفي مشاهدة الآلة عن وصفها. "ولو أذن في البناء على أرضه" بإجارة أو إعارة أو بيع وفي التعبير بإذن وأرضه تجوز؛ إذ المراد بالأول الرضا وبالثاني إضافتها إليه باعتبار ما كان "كفى بيان قدر محل البناء" من طول وعرض ولا يجب ذكر سمك وصفة البناء والسقف لأن الأرض تحمل كل شيء نعم بحث السبكي وغيره اشتراط بيان قدر ما يحفر من الأساس؛ لأن المالك قد

 

ج / 2 ص -285-      يريد حفر قناة تحت البناء فيزاحمه قالوا بل ينبغي أن لا يصح ذلك إلا بعد حفره ليرى ما يؤجره أو يبيعه.
"وأما الجدار المشترك" بين اثنين "فليس لأحدهما وضع جذوعه عليه بغير إذن" ولا ظن رضا "في الجديد" نظير ما مر في جدار الأجنبي وبإذنه يجوز لكن لو سقطت لم يعدها إلا بإذن جديد على الأوجه خلافا للقفال "وليس له" ومثله الجار بل أولى "أن يتد فيه وتدا" بكسر التاء فيهما "أو يفتح" فيه "كوة" أو يترب منه كتابا "بلا إذن" إلا إن ظن رضاه كما قاله الماوردي في الأخير وقياسه ما قبله ولا يجوز الفتح بعوض؛ لأن الضوء والهواء لا يقابلان به وإذا فتح بإذن لم يجز له السد إلا بإذن وقد يعارض ما ذكر في التتريب إطلاقهم جواز أخذ خلال وخلالين من مال الغير إلا أن يقال إنه مثله فإن ظن رضاه جاز وإلا فلا توهم فرق بينهما بعيد "وله أن يستند إليه ويسند متاعا لا يضر وله ذلك في جدار الأجنبي" وإن منعه منه فيهما؛ لأنه عناد محض ومن ثم حكى في المحصول الإجماع فيه وكأنه لم يعتد بما فيه من الخلاف لشذوذه وبحث امتناع إسناد خشبة إليه يطلع منها إلى داره وامتناع جلوس الغير إذا أدى إلى اجتماع يؤذيه ويرد الأول بأن تلك الخشبة إن أضرت ولو على بعد منع منها وإلا فلا فهي داخلة في كلامهم والثاني بأنه ليس مما نحن فيه على أن الظاهر أن ذلك المحل إن كان من الحريم المملوك والمستحق امتنع الجلوس فيه بعد المنع مطلقا وقبله إن أضر وإن لم يكن كذلك فلا وجه للمنع. "وليس له إجبار شريكه على العمارة" لنحو جدار أو بيت أو بئر وإن تعدى بهدمه ولا على سقي زرع أو شجر "في الجديد"؛ لأن في ذلك إضرارا له وقد مر خبر
"لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس" قال الرافعي وغيره وكما لا يجبر على زرع الأرض المشتركة ونازع الإسنوي في القياس باندفاع الضرر هنا بإجبار الشريك على إجارتها قال إلا أن يفرع على اختيار الغزالي أنه لا يجبر ا هـ. وظاهر كلام الإسنوي اختصاص الإجبار على الإجارة بالزرع ولا يبعد أن يلحق به ما في معناه مما أمده قصير مثله دون نحو العمارة لطول أمدها ويأتي في القسمة ما له تعلق بذلك نعم الشريك في الوقف يجبر على العمارة على ما جزم به شارح؛ لأن بقاء عين الوقف مقصود وبحث الزركشي تقييد القولين بمطلق التصرف فلو كان لمحجور عليه ومصلحته في العمارة وجب على وليه الموافقة ا هـ ولا يحتاج لذلك؛ لأن القولين في الإجبار لحق الشريك الآخر وهنا إجبار الولي لحق المولى لا لحق الشريك الآخر. "فإن أراد" الشريك "إعادة منهدم بآلة لنفسه لم يمنع" كذا قطعوا به وأطال جمع في استشكاله وأنه مخالف للقواعد من غير ضرورة؛ إذ العرصة مشتركة فكيف يستبد أحدهما بها ولقوة الإشكال فرض جمع ذلك فيما إذا اختص المعيد بالأرض ولم يبالوا بأن ذلك خلاف المنقول وأجاب آخرون بأنه لا تخلص عن ذلك لا بفرض أن للطالب عليه حملا كما صور به القفال وغيره وقد يقال كما جوزتم له ذلك لغرض الحمل عليه فجوزوه له لغرض آخر توقف على البناء ككونه ساترا له مثلا؛ إذ لا فرق بين غرض وغرض على أنه قد يوجه إطلاقهم بأن امتناعه من العمارة بآلة نفسه والقسمة عناد منه فمكن شريكه من الانتفاع به للضرورة فعلم توقف جواز الإعادة على امتناع الشريك منها وإلا فللشريك تملك قدر

 

ج / 2 ص -286-      حصته منه بالقيمة أخذا من قولهم في دار علوها لواحد وسفلها لآخر وانهدمت لا يجبر أحدهما الآخر ولذي العلو بناء السفل بماله ويكون ملكه نظير ما مر فله هدمه ولذي السفل السكن في المعاد؛ لأن العرصة ملكه وهدمه إن بنى قبل امتناعه نعم إن بنى الأعلى علوه امتنع هدم الأسفل للسفل لكن له تملكه بقيمته أما إذا بنى السفل بعد امتناعه فليس للأسفل تملكه ولا هدمه مطلقا لتقصيره ا هـ فامتناع غير الباني مجوز للإعادة ومانع له من الهدم والتملك وعدمه محرم لها ومجوز لهما "ويكون المعاد" بآلة نفسه "ملكه يضع عليه ما شاء وينقضه إذا شاء"؛ لأنه بآلته ولا حق لغيره فيه ومن ثم لو كان للممتنع عليه حمل خبر الباني بين تمكينه ونقضه ليعيداه ويعود حقه خلافا لما وقع لشارح من بقاء حقه كما كان وقد يستشكل بأن الممتنع قد يوافقه على ذلك ثم يمتنع بعد الهدم من إعادته فيضره بهدمه وحينئذ فينبغي إجباره هنا دفعا لذلك الضرر الناشئ عنه "ولو قال الآخر لا تنقضه وأغرم لك حصتي لم تلزمه إجابته" على الجديد كما لا يلزمه ابتداء العمارة. "وإن أراد إعادته بنقضه" بكسر النون وضمها "المشترك فللآخر منعه" كسائر الأعيان المشتركة وقيل لا وأطال جمع في الانتصار له وأنه المنقول ويفرق على الأول بين هذا وما مر أن الامتناع من الإعادة معه يجوز له البناء في العرصة بأن تلك فيها تفويت منفعة لا غير وهنا تفويت عين فسومح ثم ما لم يسامح هنا. "ولو تعاونا" ببدنهما أو بأجرة خرجاها بحسب ملكيهما "على إعادته بنقضه عاد مشتركا كما كان" ولا يصح هنا شرط زيادة لأحدهما؛ لأنه شرط عوض من غير معوض "ولو انفرد أحدهما" بإعادته بنقضه "وشرط له الآخر" الآذن له "زيادة" تكون في مقابلة عمله في نصيب الآخر "جاز وكانت في مقابلة عمله في نصيب الآخر" فإذا كان بينهما نصفين وشرط له سدس النقض أي: قدره من حصته أو العرصة أو سدسهما كان له ثلثا ذلك نعم يشترط أن يشرط له ما ذكر حالا لا بعد البناء؛ لأن الأعيان لا تؤجل ويجوز أن يعيده بآلة لنفسه ليكون للآخر فيما أعيد بها جزء ويشرط له الآخر زيادة تكون في مقابلة عمله مع جزء من آلته فإذا شرط له سدس العرصة في مقابلة عمله وثلث آلته كان له ثلثاهما وفي هذا جمع بين بيع وإجارة، ومر جوازه وحينئذ فيشترط العلم بالآلة وصفة الجدار ولو قال لأجنبي عمر داري بآلتك لترجع علي لم يرجع لتعذر البيع أو بآلتي لترجع علي بما صرفته رجع به كأنفق على زوجتي أو غلامي وينبغي أن له مثل أجرة عمله في الصورتين؛ لأنه عمل طامعا.
"ويجوز أن يصالح" جاره "على إجراء الماء" أي: ماء المطر من سطحه إلى سطحه لينزل إلى الطريق مثلا بشرط أن لا يكون له ممر للطريق غير سطح الجار أو ماء النهر أو العين ليجري من أرضه إلى أرضه ثم إن ملك المجرى أجرى فيه ما شاء وكذا إن ملك حق الإجراء فقط لكن على سبيل العموم بخلاف ما إذا قيد ببئر أو مقدار فلا يتعداه "وإلقاء الثلج" من سطحه "في ملكه" غير السطح "على مال" فيكون في معنى الإجارة فيصح بلفظها ويغتفر الجهل بقدر ذلك لتعذر معرفته ويشترط بيان السطوح الذي يجري عليه الماء والمجرى بعينه؛ لأن ماء المطر يقل بصغره ويكثر بكبره والذي يجري إليه وقوته وضعفه فإنه

 

ج / 2 ص -287-      قد لا يحمل إلا قليل الماء وخرج بماء المطر ماء الغسالة فلا يجوز الصلح على إجرائها بمال في أرض أو سطح وماء نحو النهر من سطح إلى سطح للجهل بذلك مع عدم مس الحاجة إليه وإن أطال البلقيني في النزاع في ذلك واختار خلافه وبقولي غير السطح إلقاء الثلج على السطح فلا يجوز لعدم الحاجة إليه مع ما فيه من الضرر الظاهر وفيما إذا أذن في إجراء الماء في أرضه بمال إن كان بصيغة عقد إجارة وجب بيان محل الساقية وطولها وعرضها وعمقها وكذا قدر المدة إن ذكرت وكون الساقية محفورة فيما إذا استأجر لإجراء الماء في ساقية؛ لأن المستأجر لا يملك الحفر أو عقد بيع فإن قال بعتك إجراء الماء أو حق مسيله فكبيع حق البناء فيما مر أو مسيله أو مجراه ملك محل الجريان كما اقتضاه كلام الأصحاب فيشترط بيان طوله وعرضه لا عمقه ولو صالحه على أن يسقي زرعه من مائه لم يجز؛ لأن الماء وإن ملك فإنما يملك منه الموجود لا ما نبع فالحيلة بيع قدر من النهر ليكون الماء تابعا وقوله في ملكه ألحق به المتولي وغيره الوقف أي: إذا كان النظر للموقوف عليه والمؤجر لكن يشترط التأقيت ووجود ساقية فيها محفورة؛ لأنه لا يملك إحداث حفر فيها.
فرع: باع دارا يصب ماء ميزابها في عرصة بجنبها ثم باع العرصة فللمشتري منعه منه إن كان مستنده اجتماعهما في ملك البائع بخلاف ما إذا كان سابقا على الاجتماع؛ لأنه يوجب كون ذلك من حقوق الدار فيمنع المشتري من المنع ولو كان جماعة يمرون إلى أملاكهم في وسط ملك إنسان فطلبوا منه أن يقر لهم بحقهم ويشهد عليه به لزمه ذلك وله أن يمتنع حتى يقروا أنه شريكهم خوفا من أن ينكروه المشاركة تمسكا بأن يدهم باقية عليه بالمرور فيه وإنما لم يلزم مدينا إشهاد طلبه منه دائنه كما قطعوا به؛ لأن الطروق هنا في ملك الغير يؤدي إلى إنكاره غالبا بخلاف الدين ولو خرجت أغصان أو عروق شجرته أو مال جداره إلى هواء مشترك بينه وبين جاره أو ما يستحق جاره منفعته بناء على أنه يخاصم وسيأتي ما فيه في الإجارة وإن رضي مالك العين أجبره على تحويلها عنه فإن امتنع ولم يمكن تحويلها فله قطعها وهدمه ولو بلا إذن حاكم خلافا لابن الرفعة ولو أوقد تحتها نارا فاحترقت لم يضمنها على ما قاله البغوي ويتعين حمله على ما إذا لم يقصر كأن عرضت ريح أوصلتها إليها ولم يمكنه طفؤها ولو اختلفا في ممر وميزاب ومجرى ماء ونحوها في ملك الغير أهو إعارة أو إجارة أو بيع مؤبد فإن علم ابتداء حدوثه في ملكه صدق المالك أنه لا حق للآخر في ذلك وإلا صدق خصمه أنه يستحق ذلك وكلام البغوي الموهوم لخلاف ذلك من إطلاق تصديق المالك حمله الأذرعي على ما إذا علم حدوثه في زمن ملك هذا المالك.
"ولو تنازعا جدارا بين ملكيهما فإن اتصل ببناء أحدهما بحيث يعلم أنهما" بالفتح وزعم كسرها؛ لأن حيث لا تضاف إلا إلى جملة غفلة عن كونها معمولة ليعلم لا لحيث وبفرض كونها معمولة لحيث لا يتعين الكسر؛ لأن الجملة التي تضاف إليها حيث لا يشترط ذكر جزأيها على أنها قد تضاف للمفرد "بنيا معا" بأن دخل بعض لبن كل منهما في الآخر

 

ج / 2 ص -288-      في زواياه لا أطرافه لإمكان الإحداث فيها بنزع لبنة وإدراج أخرى أو كان عليه عقد أميل من مبدإ ارتفاعه عن الأرض قال في التنبيه وأقره المصنف في تصحيحه وكذا لو كان مبنيا على تربيع أحدهما وسمكه وطوله دون الآخر ومثل ذلك ما لو كان مبنيا على خشبة طرفها في بناء أحدهما فقط "فله اليد" لظهور أمارة الملك بذلك فيحلف ويحكم له بالجدار ما لم تقم بينة بخلافه "وإلا" يتصل كذلك كأن اتصل بهما سواء أو بأحدهما اتصالا يمكن إحداثه أو انفصل عنهما "فلهما" أي: لكل منهما اليد عليه كما أفاده قول أصله فهو في أيديهما "فإن أقام أحدهما بينة" أنه له "قضي له به وإلا" يكن لأحدهما بينة أو أقام كل بينة "حلفا" أي: حلف كل منهما للآخر على النصف الذي سلمه له أن صاحبه لا يستحقه وإن كان ادعى الجميع؛ لأن كلا منها مدعى عليه ويده على النصف فقبل قوله فيه "فإن حلفا أو نكلا" عن اليمين "جعل بينهما" بظاهر اليد فينتفع كل به مما يليه على العادة "وإن حلف أحدهما" ونكل الآخر "قضي له" أي للحالف بالجميع ثم إن كان المبدوء به هو الحالف حلف ثانيا المردودة ليقضي له بالكل أو الناكل فقد اجتمع على الثاني يمين النفي للنصف الذي ادعاه صاحبه ويمين الإثبات للنصف الذي ادعاه هو فيكفيه يمين تجمعهما بأن يحلف أن الجميع له لا حق للآخر فيه أو لا حق له في النصف الذي يدعيه والنصف الآخر لي وبحث السبكي أنه يكفيه أن الجميع لي لتضمنه النفي والإثبات معا وقد ينازع فيه بقولهم لا يكتفى في الأيمان باللوازم. "ولو كان لأحدهما" فيه نحو نقش أو طاقة ووجه البناء أو تعقد الحبال التي يشد بها الجريد ونحوه أو "عليه جذوع لم يرجح" بها؛ لأنها أسباب ضعيفة لا تدل على الملك فإن ثبت لأحدهما لم تنزع ولم تجب على مالكها أجرة كما يصرح به قولهم الذي جرى عليه في الروضة وإن وجدنا جذعا موضوعا على جدار ولم نعلم كيف وضع فالظاهر أنه وضع بحق فلا ينقض ويقضى له باستحقاقه دائما حتى لو سقط الجدار وأعيد أعيدت وليس لمالكه نقضه إلا أن يستهدم ا هـ فقول الفوراني ينزل على الإعارة؛ لأنها أضعف الأسباب فلمالكه قلعها بالأرش أو تبقيتها بالأجرة ضعيف كما أشار إليه جمع متأخرون أي: وإن بحثه في المطلب وأفتى به أبو زرعة كالبغوي لمخالفته لصريح كلامهم الذي ذكرته وتوهم فرق بينهما ليس في محله كما هو ظاهر بأدنى تأمل وعلى الأول الوجه أنه لا ينزل على خصوص إجارة؛ لأن الأصل عدم العوض ثم رأيت بعضهم صرح بأنه لا أجرة وعليه فلو تنازعا في مجرى ماء وحكمنا بأنه بحق لازم فهل يجعل ذلك الحق اللازم مقتضيا للملك فله أن يعمقه أو لا؛ لأنه يكفي في الحق اللازم ملك المنفعة مؤبدة دون العين كل محتمل والأوجه الثاني ثم رأيت بعض المحققين قال الظاهر أنه كبيع حق البناء فلا يملك العمق ولا يزيد على إجراء الماء المعتاد اقتصارا على أحد معنى الحق اللازم وهو المعهود من حال استحقاق الاستطراق في ملك الغير بالماء وغيره فليحمل عليه ولا يعدل لما فوقه أو دونه إلا لمخصص ا هـ. "والسقف بين علوه" أي: الشخص "وسفل غيره كجدار بين ملكين فينظر أيمكن إحداثه بعد العلو" لإمكان نقب وسط الجدار ووضع جذوع فيه ويوضع عليها نحو ألواح فيصير البيت الواحد بيتين "فيكون" السقف "في يدهما"

 

ج / 2 ص -289-      لاشتراكهما في الانتفاع به أرضا للأعلى وستره للأسفل "أو لا" يمكن ذلك كالعقد بقيده السابق "ف" اليد "لصاحب السفل" لاتصاله ببنائه.
فرع: أفتى ابن الصلاح فيمن له أرض وبها غراس يتصرف فيه غيره تصرف الملاك مدة طويلة بلا منازع بأنه يصدق في دعوى ملكه بيمينه كما لو تنازع صاحب العلو والسفل سلما منصوبا في السفل فإن اليد فيه للأول لكونه المتصرف فيه وإن كان في ملك الثاني أي: إن لم يسمر وإلا فهو للأسفل على المعتمد وليس لذي الأرض تملك غراس بقيمته قهرا؛ لأن صاحبه يستحق إبقاءه دائما ظاهرا والتملك إنما هو في غير ذلك بانقضاء الإجارة أو الإعارة ا هـ. قال بعضهم نعم لو ادعى ذو الأرض أحد هذين حلف وجرى عليه حكمه ا هـ وفيه نظر؛ إذ الأصل بقاء احترام ذلك الغراس فلا نزيله بمجرد قول الخصم ومر آنفا ما يصرح بذلك.

باب الحوالة
هي بفتح الحاء، وحكي كسرها لغة التحول والانتقال وشرعا عقد يقتضي تحول دين من ذمة إلى ذمة وقد يطلق على هذا الانتقال نفسه وأصلها قبل الإجماع خبر الشيخين
"مطل الغني ظلم وإذا أتبع أحدكم على مليء" أي بالهمز "فليتبع" أي بتشديد التاء أو سكونها وتفسره رواية البيهقي: "وإذا أحيل أحدكم على مليء فليحتل" ويؤخذ منه أن المطل كبيرة لأنه جعله ظلما فهو كالغصب فيفسق بمرة منه قاله السبكي مخالفا للمصنف في اشتراطه تكرره نقلا عن مقتضى مذهبنا وأيده غيره بتفسير الأزهري للمطل بأنه إطالة المدافعة أي فالمرة لا تسمى مطلا ويخدشه حكاية المصنف اختلاف المالكية هل يفسق بمرة منه أو لا فاقتضى اتفاقهم على أنه لا يشترط في تسميته مطلا تكرره وإلا لم يتأت اختلافهم وقد يؤيد هذا تفسير القاموس له بأنه التسويف بالدين وبه يتأيد ما قاله السبكي وصراحة ما في الحديث في الحوالة لأنه رديفها والأصح أنها بيع دين بدين جوز للحاجة لأن كلا ملك بها ما لم يملكه قبل فكان المحيل باع المحتال ما له في ذمة المحال عليه بما للمحتال في ذمته أي الغالب عليها ذلك وقضية كونها بيعا صحة الإقالة فيها وبه أفتى البلقيني أخذا من كلام الخوارزمي ورد بتصريح الرافعي أول الفلس في أثناء تعليل بامتناعها فيها وقضيته أيضا أنه لا بد من إسنادها لجملة المخاطب نظير ما مر في البيع وإن كانت لمحجوره مثلا كأحلتك لبنتك على ذمتك بما وجب لها علي فيما إذا طلقها على مبلغ في ذمته بخلاف أحلت ابنتك بكذا إلى آخره كبعت موكلك وشرط في صحة الحوالة على أبيها أو غيره أن يكون لها مصلحة في ذلك ومنها أن يعلم منه أنه يصرف عليها من لزمه لها بالحوالة وأركانها سبعة محيل ومحتال ومحال عليه ودين للمحيل على المحال عليه وللمحتال على المحيل وإيجاب وقبول كأحلتك على فلان بكذا بالدين الذي لك علي أو نقلت حقك إلى فلان أو جعلت ما استحقه على فلان لك أو ملكتك الدين الذي عليه بحقك وكذا أتبعتك للعارف به وبعتك كناية على الأوجه فإن لم يقل بالدين في الأولى ولا بحقك فيما بعدها فكناية.

 

ج / 2 ص -290-      "يشترط لها" أي لصحتها "رضا المحيل" لأن الحق مرسل في ذمته فلم يتعين لقضائه محل معين "والمحتال" لأن حقه في ذمة المحيل فلا ينتقل لغيره إلا برضاه لتفاوت الذمم والخبر المذكور للندب بل قيل للإباحة لأنه وارد بعد الحظر أي للإجماع على امتناع بيع الدين بالدين إنما يعرف رضاهما بالإيجاب والقبول وشرطهما أهلية التبرع كسائر المعاملات وعبروا بالرضا هنا إشارة إلى عدم وجوب قبولها الدال عليه ظاهر الحديث لولا ما مر وتوطئة لقولهم "لا المحال عليه في الأصح" لأنه محل الاستيفاء فلم يتعين استيفاء المحل بنفسه كما أن له أن يوكل "و" شرطها وجود الدينين المحال به وعليه فحينئذ "لا تصح" ممن لا دين عليه ولا "على من لا دين عليه" وإن رضي لعدم الاعتياض بناء على أنها بيع "وقيل تصح برضاه" بناء على الضعيف أنها استيفاء "وتصح بالدين اللازم وعليه" وإن اختلف سبب وجوبهما ككون أحدهما ثمنا والآخر أجرة وأراد باللازم ما يشمل الآيل للزوم بدليل قوله الآتي وبالثمن في مدة الخيار دعوى أنه إنما حذفه لئلا يشمل حوالة السيد على مكاتبه بالنجوم أو عكسه لا يحتاج إليها لأنه سيصرح بحكمهما وزعم أن مال الكتابة لا يلزم بحال فاسد إلا إن أريد من جهة العبد ولا بد مع كونه لازما وهو ما لا يدخله خيار من كونه مستقرا وهو ما يجوز الاستبدال عنه فلا تصح بدين سلم أو نحو جعالة ولا عليه لا ما لا يتطرق إليه انفساخ بتلف أو تعذر لصحتها بالأجرة قبل مضي المدة وبالصداق قبل الدخول أو الموت وبالثمن قبل قبض المبيع ونقل جمع عن المتولي واعتمدوه عدم صحتها بدين الزكاة وكذا عليه إن قلنا بيع وهو متجه لامتناع الاعتياض عنها في الجملة خلافا لمن جوز حوالة الساعي على المالك به لأن الحوالة بيع والساعي له بيع مال الزكاة وأما الزكاة فنقلا عن المتولي امتناع حوالة المالك للساعي بها إن قلنا بيع وهو متجه أيضا وإن نازع فيه شارح بأنها مع تعلقها بالعين تتعلق بالذمة لأن تعلقها بالذمة أمر ضعيف لا يلتفت إليه مع وجود العين كيف والمستحق ملك جزء منها وصار شريكا للمالك به فالوجه عدم صحة الحوالة بها وعليها لذلك؛ ثم وصف الدين ولم يبال بالفاصل لأنه غير أجنبي بقوله "المثلي" كالنقد والحبوب وقيل لا تصح إلا بالأثمان خاصة "وكذا المتقوم" بكسر الواو "في الأصح" لثبوته في الذمة ولزومه "و" تصح "بالثمن في مدة الخيار" بأن يحيل المشتري البائع على ثالث "وعليه" بأن يحيل البائع إنسانا على المشتري "في الأصح" لأنه آيل إلى اللزوم بنفسه إذ هو الأصل في البيع وتصح فيما ذكر وإن لم ينتقل عن ملك المشتري إذا تخيرا أو البائع لأن الحوالة متضمنة للإجازة من البائع ولتوسعهم هنا في بيع الدين بالدين فلا يشكل بإبطالهم بيع البائع الثمن المعين في زمن خياره وفي الثانية يبقى خيار المشتري كما رجحه ابن المقري وعليه فلو فسخ بطلت الحوالة لي ما رجحه أيضا ويعارضه عموم ما يأتي أن الحوالة على الثمن لا تبطل بالفسخ وله أن يوجه استثناء هذا بأن الحوالة هنا ضعيفة بقوة الخلاف فيها ويتزلزل العقد مع الخيار فلم تقو هنا على بقائها مع الفسخ "والأصح صحة حوالة المكاتب سيده بالنجوم" لأن الدين لازم من جهة المحتال والمحال عليه مع تشوف الشارع إلى العتق "دون حوالة السيد عليه" بالنجوم لأن له إسقاطها

 

ج / 2 ص -291-      متى شاء لجواز الكتابة من جهته من حيث كونها كتابة بخلاف دين المعاملة تصح حوالة السيد به وعليه للزومه من حيث كونه معاملة وبه يسقط ما قيل هو قادر على إسقاط كل منهما بتعجيزه لنفسه "ويشترط العلم" من كل منهما "بما يحال به وعليه قدرا وصفة" وجنسا كما يفهم بالأولى أو أراد بالصفة ما يشمله كرهن وحلول وصحة وجودة وأضدادها لأن المجهول لا يصح بيعه فلا تصح بإبل الدية ولا عليها للجهل بها ومن ثم لم يصح الاعتياض عنها "وفي قول تصح بإبل الدية وعليها" بناء على الضعيف أنه يجوز لاعتياض عنها "ويشترط تساويهما" أي الدين المحال به والدين المحال عليه في نفس الأمر وظن المحيل والمحتال، وكان وجه اعتبار ظنهما هنا دون نحو البيع الاحتياط للحوالة لخروجها عن القياس "جنسا" فلا تصح بدراهم على دنانير وعكسه لأنها معاوضة إرفاق كالقرض "وقدرا" فلا يحال بتسعة على عشرة وعكسه كذلك ويصح أن يحيل من له عليه خمسة بخمسة من عشرة له على المحال عليه "وكذا حلولا وأجلا" وقدر الأجل "وصحة وكسرا" وجودة ورداءة وغيرها من سائر الصفات "في الأصح" إلحاقا لتفاوت الوصف بتفاوت القدر وأفهم اقتصاره على ما ذكر أنه لا يضر التفاوت في غيره فلو كان له ألف على اثنين متضامنين فأحال عليهما ليطالب من شاء منهما بالألف صح عند جمع متقدمين ويطالب أيهما شاء واختاره السبكي وصحح أبو الطيب خلافه لأنه كان يطالب واحدا فصار يطالب اثنين. أما لو أحاله ليأخذ من كل خمسمائة فيصح ويبرأ كل منهما عما ضمن ولا يؤثر في صحة الحوالة وجود توثق برهن أو ضامن لأحد الدينين نعم ينتقل إليه الدين لا بصفة التوثق على المنقول المعتمد وإنما انتقل للوارث بها لأنه خليفة مورثه في حقوقه وتوابعها بخلاف غيره ويؤخذ مما تقرر عن جمع متقدمين ما صرح به بعضهم أن محل الانتقال لا بصفة التوثق أن لا ينص المحيل على الضامن أيضا وإلا لم يبرأ بالحوالة فإذا أحال الدائن ثالثا على المدين وضامنه فله مطالبة أيهما شاء وإن لم ينص له المحيل على ذلك وفي المطلب إن أطلق الحوالة ولم يتعرض لتعلق حقه بالرهن فينبغي أن تصح وجها واحدا وينفك الرهن كما إذا كان له به ضامن فأحال عليه به من له دين لا ضامن به صحت الحوالة وبرئ الضامن لأنها معاوضة أو استيفاء وكل منهما يقتضي براءة الأصيل فكذا يقتضي فك الرهن فإن شرط بقاء الرهن فهو شرط فاسد فتفسد به الحوالة إن قارنها ومن ثم لو شرط عاقد الحوالة رهنا أو ضامنا لم تصح كما رجحه الأذرعي وغيره. بناء على الأصح أنها بيع دين بدين "ويبرأ بالحوالة المحيل عن دين المحتال والمحال عليه عن دين المحيل ويتحول حق المحتال إلى ذمة المحال عليه" بالإجماع لأن هذا فائدتها وأفهم ذكره التحول بعد البراءة المذكورة المقتضية لسقوط حق المحتال أن المراد بتحول حقه إلى ما ذكر تحول طلبه إلى نظير حقه وهو ما بذمة المحال عليه لما تقرر أنها بيع فلا اعتراض على المتن لأنه أومأ إلى دفعه بذكره التحول بعد البراءة الدال على المراد كما تقرر وأفهم هذا ما مر أنه لا تنتقل إليه صفة التوثق لأنها ليست من حق المحتال ولو أحال من له دين على ميت صحت كما في المطلب كالبيان وغيره. واعتمده جمع وإن لم يكن له تركه على الأوجه وقولهم الميت لا ذمة له، أي بالنسبة

 

ج / 2 ص -292-      للالتزام لا للإلزام ولا يشكل بأن من أحال بدين به رهن انفك الرهن لأن ذاك في الرهن الجعلي لا الشرعي كما هو ظاهر لأن التركة إنما جعلت رهنا بدين الميت نظرا لمصلحته فالحوالة عليه لا تنفيه أو على تركة قسمت أولا لم تصح كما قاله كثيرون وإن خالف في ذلك بعض المتأخرين لأن الحوالة لم تقع على دين بل على عين هي التركة ومن ثم لو كان للميت ديون فللزركشي احتمالان أوجههما عدم الصحة أيضا لانتقالها للوارث وله الوفاء من غيرها نعم إن تصرف في التركة صارت دينا عليه فتصح الحوالة عليه وفيما إذا أحال على الميت لكل من المحيل والمحتال إثبات الدين عليه أما الأول فلأنه مالك الدين في الأصل وأما الثاني فلأنه يدعي مالا لغيره منتقلا منه إليه فهو كالوارث فيما يدعيه من ملك مورثه فعلم صحة ما أفتى به بعضهم أن المحيل لو مات بلا وارث فادعى المحتال أو وارثه على المحال عليه أو على وارثه بالدين المحال به فأنكر دين المحيل ومعه به شاهد واحد حلف معه المحتال أن دين محيله ثابت في ذمة الميت ويجب تسليمه إلي من تركته أو ثابت في ذمته ولا أعلم أن محيلي أبرأه قبل أن يحيلني ويسمع قول المحال عليه أن الدين انتقل لغائب قبل الحوالة فيحلف المحتال على نفي العلم إن لم يقم المحال عليه بينة بما ذكره قال ابن الصلاح ولو طالب المحتال المحال عليه فقال أبرأني المحيل قبل الحوالة وأقام بذلك بينة سمعت في وجه المحتال وإن كان المحيل بالبلد ا هـ. قال الغزي وهذا صحيح في دفع المحتال أما إثبات البراءة من دين المحيل فلا بد من إعادتها في وجهه ثم المتجه أن للمحتال الرجوع بدينه على المحيل إلا إذا استمر على تكذيب المحال عليه ا هـ وفارق ما يأتي من عدم الرجوع بنحو الفلس بأن دينه هنا تحول بخلافه في الأول لتبين بطلان الحوالة وقول ابن الصلاح قبل الحوالة صريح في أنه لا تسمع منه دعوى الإبراء ولا تقبل منه بينته إلا إن صرح بأنه قبل الحوالة بخلاف ما لو أطلق ومن ثم أفتى بعضهم بأنه لو أقام بينة بالحوالة فأقام المحال عليه بينة بإبراء المحيل له لم تسمع بينة الإبراء أي وليس هذا من تعارض البينتين لما تقرر أن دعوى الإبراء المطلق والبينة الشاهدة به فاسدان فوجب العمل ببينة الحوالة لأنها لم تعارض
"فإن تعذر" أخذ المحتال من المحال عليه "بفلس" طرأ بعد الحوالة "أو جحد وحلف ونحوهما" كموت "لم يرجع على المحيل" لأن الحوالة بمنزلة القبض وقبولها متضمن للاعتراف بشروطها كما في المطلب فلا أثر لتبين أن لا دين نعم له تحليف المحيل أنه لا يعلم براءة المحال عليه على الأوجه وعليه فلو نكل حلف المحتال كما هو ظاهر وبان بطلان الحوالة لأنه حينئذ كرد المقر له الإقرار وبهذا يتبين اتضاح رد ما أفتى به بعضهم أنه لو قامت بينة بأن المحال عليه وفى المحيل بطلت الحوالة إذ فرق واضح بين البينة ورد الإقرار لكن له تحليفه هنا أيضا ولو شرط الرجوع عليه بذلك فأوجه قيل قضية المتن أي فيما يأتي في اليسار صحة الحوالة لا الشرط والذي يتجه بطلانها هنا لأنه شرط ينافي مقتضاها ثم رأيت غير واحد جزم به ويؤيده قولهم لو أحال غيره بشرط أنه ضامن للحوالة أو أن يعطيه المحال عليه رهنا أو كفيلا لم تصح الحوالة "فلو كان مفلسا عند الحوالة وجهله المحتال فلا رجوع له" لأنه مقصر بترك البحث

 

ج / 2 ص -293-      "وقيل له الرجوع إن شرط يساره" ورد بأنه مع ذلك مقصر وأفهم المتن صحتها مع شرط اليسار وأن الشرط باطل وعليه يفرق بينه وبين ما مر آنفا بأن شرط الرجوع مناف صريح فأبطلها بخلاف شرط اليسار فبطل وحده.
"ولو أحال المشتري" البائع "بالثمن فرد المبيع بعيب" أو إقالة أو تحالف بعد القبض للمبيع ولمال الحوالة "بطلت" الحوالة "في الأظهر" لارتفاع الثمن بانفساخ البيع وإنما لم تبطل فيما لو أحالها بصداقها ثم انفسخ النكاح لأن الصداق أثبت من غيره ولهذا لو زاد زيادة متصلة لم يرجع في نصفه إلا برضاها بخلاف المبيع فيرد البائع ما قبضه من المحال عليه للمشتري إن بقي وإلا فبدله؛ فإن لم يقبضه امتنع عليه قبضه. "أو" أحال "البائع" على المشتري "بالثمن فوجد الرد" للمبيع بشيء مما ذكر "لم تبطل" الحوالة "على المذهب" لتعلق الحق هنا بثالث وهو الذي انتقل إليه الثمن فلم يبطل حقه بفسخ المتعاقدين كما لو تصرف البائع في الثمن ثم رد عليه المبيع بعيب لا يبطل تصرفه وللمشتري الرجوع على البائع إن قبض منه المحتال لا قبله.
"ولو باع عبدا" أي قنا ذكرا أو أنثى "وأحال بثمنه" آخر على المشتري "ثم اتفق المتبايعان والمحتال على حريته" وقت البيع "أو ثبتت" حريته حينئذ "ببينة" شهدت حسبة أو أقامها العبد ومحل إقامتها في هذين وقد تصادق المتبايعان على حريته ما إذا كان قد بيع لآخر لأن هذا وقت الاحتياج إليها أو أحد الثلاثة ولم يصرح قبل إقامتها بأنه مملوك على الأصح من تناقض لهما في مواضع "بطلت الحوالة" أي بأن عدم انعقادها لأنه بان أن لا بيع فلا ثمن وكذا كل ما يمنع صحة البيع ككونه مملوكا للغير فيرد المحتال ما أخذه على المشتري ويبقى حقه في ذمة البائع كما كان "وإن كذبهما المحتال" في الحرية "ولا بينة حلفاه" أي لكل منهما تحليفه وإن لم يجتمعا على الأوجه "على نفي العلم" بها ككل نفي لا يتعلق بالحالف وإذا حلفه أحدهما فللآخر تحليفه على الأوجه أيضا "ثم" بعد حلفه كذلك "يأخذ المال من المشتري" لبقاء الحوالة ثم بعد أخذ المال منه لا قبله يرجع المشتري على البائع كما اقتضاه كلامهما لأنه قضى دينه بإذنه الذي تضمنته الحوالة فلا نظر لقوله ظلمني المحتال بما أخذه مني وقال ابن الرفعة إنه الحق لأنه وإن لم يأذن فيه لكنه يرجع بطريق الظفر ورد تعليله بأن الكلام في الرجوع ظاهر بحيث يلزمه به الحاكم لا في الرجوع بالظفر أما إذا لم يحلف بأن نكل فيحلف المشتري على الحرية وتبطل بناء على الأصح أن اليمين المردودة كالإقرار.
"ولو" أذن مدين لدائنه في القبض من مدينه ثم "قال المستحق عليه" وهو المدين الآذن لم يصدر مني إلا أني قلت "وكلتك لتقبض لي وقال المستحق" وهو الدائن بل الصادر منك أنك "أحلتني" فصار الحق لي "أو قال" المستحق عليه "أردت بقولي" اقبض منه أو "أحلتك" بمائة مثلا على عمرو "الوكالة" بناء على الأصح من صحة الوكالة بلفظ الحوالة وكان وجه خروج هذا عن قاعدة ما كان صريحا في بابه احتماله ومن ثم لو لم يحتمل صدق مدعي الحوالة قطعا كما يأتي "وقال المستحق بل أردت الحوالة صدق المستحق

 

ج / 2 ص -294-      عليه بيمينه" لأن الأصل بقاء الحقين على ما كانا عليه مع كونه أعرف بنيته وبحلفه تندفع الحوالة وبإنكار الآخر الوكالة انعزل فيمتنع قبضه فإن كان قد قبض برئ الدافع له لأنه وكيل أو محتال ويلزمه تسليم ما قبضه للحالف وحقه عليه باق أي إلا أن توجد فيه شروط الظفر أو التقاص كما هو ظاهر وإن تلف المال في يده بلا تقصير لم يضمنه لأنه وكيل بزعم خصمه وليس له المطالبة بدينه لأنه استوفاه بزعمه وقال البغوي وتبعه الخوارزمي يضمن لثبوت وكالته والوكيل إذا أخذ لنفسه يضمن وظاهر كلامه أنه مع ضمانه لا يرجع وحينئذ فكان هذا هو وجه قول الروض وإن تلف بتفريط طالبه وبطل حقه. أما إذا قال أحلتك بالمائة التي لك علي على عمرو فيصدق المستحق بيمينه قطعا لأنه لا يحتمل غير الحوالة وصورة المسألة أن يتفقا على الدين كما أفاده تعبيره بالمستحق عليه والمستحق فلو أنكر مدعي الوكالة الدين صدق بيمينه في المسألتين "وفي الصورة الثانية وجه" أنه يصدق المستحق بيمينه بناء على الضعيف أنه لا تصح الوكالة بلفظ الحوالة لتنافيهما "وإن" اختلفا في أصل اللفظ الصادر كأن "قال" المستحق عليه "أحلتك فقال" المستحق بل "وكلتني" أو في المراد من لفظ محتمل كاقبض أو أحلتك "صدق الثاني بيمينه" لأن الأصل بقاء حقه في ذمة المستحق عليه ويحلف المستحق تندفع الحوالة ويأخذ حقه من المستحق عليه ويرجع هذا على المحال عليه ويظهر أثر النزاع فيما ذكر عند إفلاس المحال عليه.
فرع: أفتى بعضهم فيمن أقر أن مدينه أحاله على فلان فأنكر المدين الحوالة وحلف على نفيها بأنه لا يبرأ من الدين لأنه إن صدق فالدين باق بحاله وإن كذب فقد أحال بينه وبين حقه بجحده حلفه وذلك يقتضي الضمان ولا نظر إلى أن الدائن اعترف ببراءة المدين لأن اعترافه إنما صدر في مقابلة ما ثبت له على فلان فإذا لم يثبت رجع إلى حقه وقد نص في الأم على هذا في نظير مسألتنا فقال فيما إذا أقر أحد ابنين بأخ وكذبه الآخر لا يثبت الإرث كما لو قال اشتريت منك هذه الدار بألف وأنكر البائع لا يستحق عليه الألف لأنه إنما أثبتها في مقابلة ما يثبت له ولم يثبت ا هـ وفيه نظر أما أولا فلأنه لا نظر لإنكار المدين وإنما النظر لإقرار المحال عليه وإن كان إقراره لا يقبل على المحيل فله تغريمه أيضا ولا رجوع له على المحتال بشيء وإن فرض أنه بان أن لا حوالة أو لإنكاره فلم تقع الإحالة من المحيل وحده وأما ثانيا فما ذكر عن الأم لا شاهد فيه كما هو ظاهر لأن المقر ذكر المقابل في إقراره فكان قرينة ظاهرة على أنه إنما ذكر الألف ليأخذ مقابله وهنا لم يذكر مقابلا وإنما جزم بتحول حقه من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه فلم يكن له رجوع إلى مطالبة المحيل لأنه حينئذ يكون مكذبا لنفسه صريحا.

باب الضمان
الشامل للكفالة هو لغة الالتزام وشرعا يطلق على التزام الدين والبدن والعين الآتي كل منها وعلى العقد المحصل لذلك ويسمى ملتزم ذلك ضامنا وضمينا وحميلا وزعيما وكفيلا وصبيرا. قال الماوردي لكن العرف خصص الضمين بالمال أي ومثله الضامن

 

ج / 2 ص -295-      والحميل بالدية والزعيم بالمال العظيم والكفيل بالنفس والصبير يعم الكل وأصله قبل الإجماع الخبر الصحيح "الزعيم غارم" وأنه صلى الله عليه وسلم تحمل عن رجل عشرة دنانير.  ويؤخذ منه مع قولهم أنه معروف الآتي أنه سنة ويتجه أن محله في قادر عليه يأمن غائلته وأركان ضمان الذمة خمسة ضامن ومضمون ومضمون له ومضمون عنه وصيغة "شرط الضامن" ليصح ضمانه "الرشد" بالمعنى السابق في الحجر لا الصوم في قوله أو صبيان رشداء فإنه مجاز والاختيار كما يعلم مع صحة ضمان السكران من كلامه في الطلاق فلا يصح ضمان محجور عليه بصبا أو جنون أو سفه ومكره ولو قنا أكرهه سيده ومر أول الحجر ما يعلم منه حكم أخرس لا يفهم والمغمى عليه والنائم وإن من بذر بعد رشده ولم يحجر عليه ومن فسق في حكم الرشيد وسيذكر حكم ضمان المكاتب قريبا فلا يرد على عبارته شيء خلافا لمن أورد ذلك كله عليها ثم قال كان ينبغي له أن يزيد والاختيار وأهلية التبرع وصحة العبارة.
تنبيه: وقع لهما هنا ما يقتضي أن كتابة الأخرس المنضم إليها قرائن تشعر بالضمان صريحة وإن كان له إشارة مفهمة وفيه نظر ظاهر لإطلاقهم أن كتابته كتابة ولقولهم الكتابة لا تنقلب إلى الصريح بالقرائن وإن كثرت كأنت بائن محرمة علي أبدا لا تحلين لي وعلى ما اقتضاه كلامهما فهل يختص ذلك بالضمان أو يعم كل عقد وحل ويقيد بهذا ما أطلقوه ثم للنظر فيه مجال والأول بعيد المعنى لأن الضمان عقد غرر و غير محتاج إليه فلا يناسب جعل تلك الكتابة صريحة فيه دون غيره والثاني بعيد من كلامهم.
"وضمان محجور عليه بفلس كشرائه" بثمن في ذمته فيصح كضمان مريض نعم إن استغرق الدين مال المريض وقضي به بان بطلان ضمانه بخلاف ما لو حدث له مال أو أبرئ وإطلاق من أطلق البطلان عند الاستغراق يتعين حمله على ذلك ولو أقر بدين مستغرق قدم على الضمان وإن تأخر عنه وضمانه من رأس المال إلا عن معسر أو حيث لا رجوع فمن الثلث  "وضمان عبد" أي قن ولو مكاتبا "بغير إذن سيده باطل في الأصح" وإن أذن له في التجارة وإنما صح خلع أمة بمال في ذمتها بلا إذن لأنها قد تضطر إليه لنحو سوء عشرته نعم يصح ضمان مكاتب لسيده ومبعض في نوبته بغير إذن بخلافه في نوبة السيد ويفرق بينه وبين صحة شرائه لنفسه حينئذ بأن الضمان فيه التزام مال في الذمة على وجه التبرع وهو ليس من أهله حينئذ فإن قلت ظاهر كلامهم صحة هبته حينئذ قلت يفرق بأن التزام الذمة على وجه التبرع يحتاط له لأن فيه غررا فاشترط له عدم حجر بالكلية ولا يكون ذلك إلا والنوبة له لا غير ثم رأيت ابن الرفعة فرق بأنه في الشراء يدخل في ملكه ناجزا جابرا بخلافه في الضمان وهو موافق لقولي على وجه التبرع لكنه يقتضي بطلان هبته حينئذ وليس بالواضح فتعين أن يزاد في الفرق ما ذكرته مما يخرج نحو الهبة فتأمله. وبحث ابن الرفعة عدم صحة ضمان القن الموقوف جزما بناء على المشهور أنه لا يصح عتقه وبحث غيره صحته بإذن الموقوف عليه ويوجه بأن إذنه يسلط على التعلق

 

ج / 2 ص -296-      بكسبه المستحق له وهو قياس الأوجه من صحته من الموصى بمنفعته يأذن الموصى له وعليه ينبغي أن يقال متى انتقل الوقف لغيره بطل الضمان  "ويصح" ضمان القن "بإذنه" أي السيد بعد علمه بقدر ما يضمن لأن التعلق بماله وهل معرفة المضمون له الآتي اشتراطها معتبرة من السيد أو من العبد والذي يتجه اشتراطها منهما لأن كلا منهما مطالب ويأتي أن وجه اشتراطها اختلاف الناس في المطالبة تشديدا وضده والمطالبة هنا لهما فاتجه اشتراط علمهما به ولوما على سيده إذ لا محذور ولا يلزمه امتثال أمر السيد له به إذ لا تسلط له على ذمته بخلاف بقية الاستخدامات وإذا أدى بعد العتق فالرجوع له لأنه أدى ملكه بخلاف قبله "فإن عين" في إذنه في الضمان لا بعده إذ لا يعتبر تعيينه حينئذ كما هو ظاهر "للأداء كسبه أو غيره" كمال التجارة "قضى منه" عملا بتعيينه نعم إن لم يف مال التجارة ولو لتعلق دين به لتقدمه على الضمان ما لم يحجر عليه القاضي وإلا لم يتعلق به الضمان أصلا اتبع القن بالباقي إذا عتق كما اعتمده السبكي لأن التعيين قصر الطمع عن تعلقه بالكسب الذي اعتمده ابن الرفعة "وإلا" يعين في إذنه للأداء جهة "فالأصح أنه إن كان مأذونا له في التجارة تعلق" غرم الضمان "بما في يده" ربحا ورأس مال "وما يكسبه بعد الإذن وإلا" يكن مأذونا له فيها "ف" لا تعلق إلا "بما يكسبه" بعد الإذن كمؤن النكاح الواجبة بإذنه في الصورتين نعم هذه لا تتعلق إلا بكسبه بعد النكاح لأنها لا تجب إلا به بخلاف المضمون به فإنه ثابت حال الإذن فاندفع قول جمع بالتسوية بينهما.
تنبيه: يعلم مما مر في الرهن صحة ضمنت مالك على زيد في رقبة عبدي هذا أو في هذه العين فيتعلق بها لا غير.
"والأصح اشتراط معرفة" الضامن لعين "المضمون له" وهو صاحب الدين دون مجرد نسبه فلا يكفي ذلك لتفاوت الناس في المطالبة تشديدا وتسهيلا ولا معرفة وكيله كما أفتى به ابن عبد السلام وغيره والتعليل مصرح به لأنه قد يعزله فإفتاء ابن الصلاح بالاكتفاء بمعرفته لأن أحكام العقد تتعلق به ضعيف وإن بالغ الأذرعي في الانتصار له "و" الأصح "أنه لا يشترط قبوله و" لا "رضاه" لأن الضمان محض التزام لا معاوضة فيه وبه يعلم أنه لا يؤثر رده فنقل الزركشي عن المحاملي تأثيره إنما يأتي على الضعيف أنه يشترط رضاه والفرق بينه وبين الوكيل ظاهر "ولا يشترط رضا المضمون عنه قطعا" لجواز أداء دين الغير بغير إذنه فالتزامه أولى وفيه وجه لم يعتد به لشذوذه "ولا معرفته" حيا كان أو ميتا "في الأصح" كرضاه ولأن ضمانه معروف معه وهو يفعل مع أهله وغير أهله نعم يشترط كونه مدينا كما أفاده قوله "ويشترط في المضمون كونه" أشار بحذفه دينا هنا وذكره في الرهن إلى شموله للعين المضمونة ومنها الزكاة بعد التمكن والعمل الملتزم في الذمة بالإجارة أو المساقاة "ثابتا" حال الضمان لأنه وثيقة فلا يتقدم ثبوت الحق كالشهادة فلا يكفي جريان سبب وجوبه كنفقة الغد للزوجة ويكفي في ثبوته اعتراف الضامن به وإن لم يثبت على المضمون شيء كما صرح به الرافعي بل الضمان متضمن لاعترافه بوجود شرائطه نظير ما مر في قبول الحوالة وإنما أهملا رابعا ذكره الغزالي وهو كونه قابلا للتبرع به فخرج نحو قود

 

ج / 2 ص -297-      وحق شفعة لفساده إذ يرد على طرده حق القسم للمظلومة يصح تبرعها به ولا يصح ضمانه لها وعلى عكسه دين الله تعالى كالزكاة ودين مريض معسر أو ميت فإنه يصح ضمانه مع عدم صحة التبرع به. قال الإسنوي ولا بد من الإذن في أداء الزكاة لأجل النية إلا أن تكون عن ميت لجواز الاستقلال بها عنه ا هـ ومثلها الكفارة "وصحح القديم ضمان ما سيجب" وإن لم يجر سبب وجوبه كثمن ما سيبيعه لأن الحاجة قد تمس إليه ولا يجوز ضمان نفقة مستقبلة للقريب قطعا لأن سبيلها سبيل البر والصلة لا الديون ولو قال أقرض هذا مائة وأنا لها ضامن ففعل ضمنها على الأوجه نظير ما يأتي في ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه بجامع أن كلا يحتاج إليه فليس المراد بالضمان ما في هذا الباب "والمذهب صحة ضمان الدرك" ويسمى ضمان العهدة وإن لم يكن ثابتا لمس الحاجة إليه في غريب ونحوه ممن لو خرج مبيعه أو ثمنه مستحقا لم يظفر به على أنه ليس من ضمان ما لم يجب مطلقا لأن المقابل لو خرج عما شرط تبين وجوب رد المضمون والدرك بفتح الراء وسكونها التبعة أي المطالبة سمي به لالتزامه الغرامة عند إدراك المستحق عين ماله "بعد قبض" ما يضمن من "الثمن" في التصوير الآتي والمبيع فيما نذكره بعد لأنه إنما يدخل في ضمان البائع أو المشتري حينئذ وقبل القبض وكذا معه كما هو ظاهر من كلامهم لم يتحقق ذلك فخرج ما لو باع الحاكم عقار غائب للمدعي بدينه فلا يصح أن يضمن له دركه لعدم القبض ونحوه إفتاء ابن الصلاح بأنه لو آجر المدين وقفا عليه بدينه وضمن ضامن دركه فبان بطلان الإجارة لم يلزم الضامن شيء من الأجرة لبقاء الدين الذي هو أجرة بحاله فلم يفوت عليه شيئا "وهو أن يضمن للمشتري الثمن" وقد علم قدره وتسلمه البائع "إن خرج المبيع" المعين "مستحقا" كأن خرج مرهونا أو مأخوذا بشفعة ببيع سابق "أو معيبا" ورده المشتري "أو ناقصا لنقص" ما قدر به من الكيل أو الذرع أو الوزن كنقص "الصنجة" ورد أيضا وهي بفتح الصاد والسين أفصح منها كما في القاموس وفي نسخة جعل اللام كافا فيشمل نقص القدر ونقص الصفة المشروطة كما إذا باعه بشرط كون وزنه كذا أو من نوع كذا وضمن ضامن عهدة ذلك وبين بمستحقا وما بعده صحة ضمان درك فساد يظهر في العقد باستحقاق أو غيره ونحو رداءة جنس أو عيب أو تلف قبل قبض أو بعده وقد انفسخ بنحو تقايل أو نقصه عما قدر به مما يقتضي الخيار لا الفساد وأل في الثمن للجنس فيشمل كله كما تقرر وما لو ضمن بعضه المعين إن خرج بعض مقابله مستحقا أو معيبا أو ناقصا لنقص صنجة أو صفة وحينئذ اندفع الاعتراض عليه وتصوير غير واحد له بغير ذلك لخروجه عما الكلام فيه وهو الضمان للمشتري كما يعرف بتأمله ولو أطلق ضمان الدرك أو العهدة اختص بما خرج مستحقا لأنه المتبادر منه لا ما خرج فاسدا بغير الاستحقاق وذكره كالجمهور الضمان للمشتري فقط كأنه للغالب لصحته للبائع بأن يضمن له المبيع بعد قبض المشتري له إن خرج الثمن المعين ابتداء أو عما في الذمة مستحقا أو ناقصا لنقص نحو صنجة أو معيبا مثلا وصورة ذلك أن يقول ضمنت لك عهدة الثمن أو المبيع أو دركه أو خلاصك منه ولا يكفي قوله خلاص المبيع أو الثمن أو شرط كفيل بخلاص ذلك لأنه لا يستقل بتخليصه بخلاف شرط

 

ج / 2 ص -298-      كفيل بالثمن كما علم مما مر. ولو اختلف الضامن والبائع في نقص صنجة الثمن ولا بينة حلف الضامن لأصل براءة ذمته أو البائع والمشتري حلف البائع لأن ذمة المشتري كانت مشغولة وبحلف البائع يطالب المشتري وكذا الضامن إن أقر أو ثبت بحجة أخرى ويصح ضمان الدرك للمسلم إليه المسلم فيه بعد أدائه إن استحق رأس المال المعين لا للمسلم رأس المال إن استحق المسلم فيه لأنه لكونه في الذمة يستحيل فيه الاستحقاق بخلاف المقبوض ومن ثم لو اشترى أرضا ثم غرس أو بنى ثم استحقت لم يصح ضمان الأرش إلا بعد القلع ومعرفة قدره وللمستأجر أو الأجير أيضا على وزان ما ذكر ويصح أيضا ضمان درك دين قبض فإذا ضمن ابتداء أو عما في الذمة له آخر درك نحو زيفه أو نقص صنجته أبدل الزيف من المؤدي أو الضامن وطالب أحدهما بالنقص فإن طلب الضامن في الأولى أن يعطيه المؤدى ليبدله له لم يعطه قالها الماوردي. وتخييره بين المؤدي والضامن يحمل على ما إذا رد المؤدي وإلا لم يطالب الضامن بشيء ومن ثم قيدت ما مر بقولي ورده المشتري وقولي ورد أيضا لأنه الذي في البيان عن المسعودي وجزم به في الأنوار وغير واحد من الشراح ويوجه بأن المضمون هنا كما يعلم مما يأتي إنما هو المالية الفائتة ومع وجود نحو المعيب بيد المضمون له لا فوات عليه نعم لو رفع الأمر لقاض وفسخ بنحو العيب وأبقاه تحت يده إلى مجيء مالكه فهل له الآن مطالبة الضامن لارتفاع العقد وخروج المعيب عن ملكه أو لا لأنه ما دام تحت يده فتوثقه به باق كل محتمل والثاني أقرب إلى إطلاقهم قالا وفيما إذا استحق المبيع يطالب الضامن كالبائع أو بعض المبيع طولب الضامن أي أو البائع بقسط المستحق من الثمن فسخ المشتري أم لا.
تنبيه: التحقيق أن متعلق ضمان الدرك عين الثمن أو المبيع إن بقي وسهل رده وبدله أي قيمته إن عسر رده للحيلولة ومثل المثلي قيمة المتقوم إن تلف وتعلقه بالبدل أظهر لأنه ليس على قاعدة ضمان الأعيان من جهة أن ضامن الدرك يغرم بدل العين عند تلفها بخلاف ضامن العين المغصوبة والمستعارة وفي المطلب ليس المضمون هنا رد العين أي وحدها وإلا لزم أن لا تجب قيمتها عند التلف بل المضمون المالية عند تعذر الرد حتى لو بان الاستحقاق والثمن في يد البائع لا يطالب الضامن ببدله فعلم أن ضمان الثمن المعين الباقي بيد البائع ضمان عين فيبطل العقد بخروجه مستحقا لأن الرد هنا لم يتوجه لبدل أصلا بل للعين المتعينة بالعقد ومن ثم لو تعذر ردها لم يغرم الضامن بدلها كما تقرر وأن ضمان الثمن الذي ليس كذلك ضمان ذمة فلا بطلان بتبين استحقاقه لأن الرد هنا لم يتوجه للعين بل لماليتها عند تعذر ردها كما تقرر أيضا وبهذا اندفع ما قد يقال أي فرق بين المعين وغيره مع توقف صحة ضمانه على قبض البائع له وغير المعين يتعين بقبضه من غير نظر إلى عدم تعيينه في العقد ووجه اندفاعه ما علم من الفرق الواضح بينهما فتأمل ذلك كله فإن كلام المتأخرين أوهم تناقضا لهم فيه وهو لا يندفع إلا بما تقرر كما أفاده كلام شيخنا وغيره ولا يجري ضمان الدرك في نحو الرهن كما بحثه أبو زرعة لأنه لا ضمان فيه.

 

ج / 2 ص -299-      "وكونه لازما" وإن لم يستقر كثمن مبيع لم يقبض وكمهر قبل وطء "لا كنجوم كتابة" لقدرة المكاتب على إسقاطها متى شاء فلا معنى للتوثق به وكذا جعل الجعالة قبل الفراغ كما سيذكره.
تنبيه: اعترض المتن باقتضائه صحة ضمان الغير لديون السيد على المكاتب من نحوه معاملة والأصح وفاقا لأكثر المتأخرين عدم صحة ضمانها بناء على الأصح من تناقض فيه وهو سقوطها بتعجيزه وكلامهما هنا صريح في ذلك بخلاف ضمانها لأجنبي فإنه يصح إذ لا مانع ويرد بمنع اقتضائه ذلك إذ إدخاله الكاف عليها اقتضى عدم انحصار البطلان فيها فإن قلت مرت صحة الحوالة بها وعليها لما مر من التوجيه فهلا جرى ذلك هنا مع استواء البابين في اشتراط اللزوم قلت يفرق بأن الضمان فيه شغل ذمة فارغة فاحتيط له باشتراط عدم قدرة المضمون عنه على إسقاطه لئلا يغرم ثم يحصل التعجيز فيتضرر الضامن حينئذ بفوات ما أخذ منه لا لمعنى بخلاف الحوالة فإن الذي فيها مجرد التحول الذي لا ضرر على المحتال فيه لأنه إن قبض من المكاتب فذاك وإلا أخذ من السيد فلم ينظر لقدرة المحال عليه على ذلك فتأمله فإنه خفي والمراد باللازم ما لا تسلط على فسخه من غير سبب ولو باعتبار وضعه.
"و" من ثم "يصح ضمان الثمن" للبائع "في مدة الخيار" للمشتري "في الأصح" لأنه آيل للزوم بنفسه أما إذا كان الخيار لهما فالثمن موقوف أو للبائع فملك المبيع له وملك الثمن للمشتري فلا ثمن عليه حتى يضمن وبالإجازة يملكه البائع ملكا مبتدأ لا تبينا كما مر وقول الشيخين عن المتولي يصح الضمان هنا بلا خلاف مفرع على الضعيف أنه مع ذلك ملك للبائع نعم لو قيل فيما إذا تخيرا أن الضمان يوقف فإن بان ملك البائع له لوجود الإجازة بانت صحة الضمان وإلا فلا لم يبعد لأن العبرة في العقود بما في نفس الأمر "وضمان الجعل كالرهن به" فيصح بعد الفراغ للزومه لا قبله لجوازه مع كونه لا يئول للزوم بنفسه بل بالعمل وبه فارق الثمن في مدة الخيار.
تنبيه مهم: وقع لهم في مبحث اشتراط لزوم الدين في الرهن والحوالة والضمان ما يوهم التنافي وبيانه مع الجواب عنه وإن لم أر من تنبيه لذلك كله أنهم صرحوا بأن ما صح رهنه صح ضمانه وعكسه واستثنوا صورا يصح ضمانها لا رهنها لعدم الدين فيها كالدرك ورد الأعيان المضمونة وإحضار البدن وكذا من درهم إلى عشرة على مقالة يتعجب ممن نقلها موهما صحتها مع ما فيها من التحكم الصرف لاستواء الجميع في أن العلم به شرط فإن نافاه هذا فليبطل في الكل أو لا فلا ثم كلامهم في تلك الكلية قاض بأنه لا يشترط في هذين استقرار الدين كأجرة قبل انتفاع في إجارة العين ولا صحة الاعتياض عنه فيصح كل منهما بدين السلم وهو المسلم فيه وبالدية والزكاة بتفصيلهما نعم الرهن لزكاة تعلقت بالعين لا يصح بخلاف ضمانها لصحته برد الأعيان المضمونة وخالفوا هذا في الحوالة فاشترطوا صحة الاعتياض عن دينها المحال به وعليه فلا يصح بدين سلم ولا إبل دية ولا زكاة ولا

 

ج / 2 ص -300-      عليها وكأنهم نظروا إلى أنها معاوضة أو استيفاء وكل منهما يستدعي صحة الاعتياض بخلاف ذينك فإن كلا منهما وثيقة والتوثق يحصل بمجرد اللزوم لأنه لخشية لفوات وهي منتفية عند لزوم سببه. وأما قول ابن العماد هي أوسع منهما لأنها رخصة وجرى وجه بصحتها على من لا دين عليه بخلافهما فهو مما يتعجب منه لمخالفته لصريح كلامهم مع فساد استنتاجه لإطلاق الأوسعية مما علل به إلا على اعتبار بعيد لكن بفرضه إنما يعبر عنه بكونها أوسع منهما من حيثية لا مطلقا كما هو واضح وفرقوا أيضا بينها وبينهما ففصلوا فيها في نجوم الكتابة ودين المعاملة تفصيلا مخالفا لما فصلوه في الضمان الملحق به الرهن وكأنهم لمحوا في الفرق ما قدمته آنفا فتأمل ذلك كله فإنه نفيس مهم.
"وكونه معلوما" للضامن فقط جنسا وقدرا وصفة وعينا خلافا لقول الزركشي المذهب جواز ضمان ما علم قدره وإن جهل صفته "في الجديد" لأنه إثبات مال في الذمة لآدمي بعقد فلم يصح مع الجهل كالثمن نعم لو قال جاهل بالقدر ضمنت لك الدراهم التي على فلان كان ضامنا لثلاثة على الأوجه وكذا لو برأه من الدراهم ولا نظر لمن يقول أقل الجمع اثنان لأنه شاذ ومن ثم لو قال له علي دراهم لزمه ثلاثة وفارق آجرتك الشهور بأنه عقد معاوضة محضة فإن قلت قد يكون ما على الأصيل دون ثلاثة قلت يؤخذ الضامن بإقراره أنها على الأصيل وأيضا فمن ضمن ثلاثة ضمن دونها بالأولى "والإبراء" المؤقت والمعلق بغير الموت وإلا كإذا مت فأنت بريء أو أنت بريء بعد موتي كان وصية والذي لم يذكر فيه المبرأ منه ولا نوى "ومن المجهول" في واحد مما ذكر للدائن لا وكيله أو للمدين لكن فيما فيه معاوضة كأن أبرأتني فأنت طالق لا فيما عدا ذلك على المعتمد "باطل في الجديد" لأن البراءة متوقفة على الرضا ولا رضا بعقل مع الجهل نعم لا أثر لجهل تمكن معرفته أخذا من قولهم لو كاتبه بدراهم ثم وضع عنه دينارين مريدا ما يقابلهما من القيمة صح ويكفي في النقد الرائج علم العدد وفي الإبراء من حصته من مورثه علم قدر التركة وإن جهل قدر جهته ويأتي في الخلع ماله تعلق بذلك ولأن الإبراء ومثله الترك والتحليل والإسقاط تمليك للمدين ما في ذمته أي الغالب عليه ذلك دون الإسقاط على المعتمد ومن ثم لو قال لأحد مدينيه أبرأت أحدكما لم يصح بخلاف ما لو علمه وجهل من هو عليه فإنه يصح على ما جزم به بعضهم وإنما لم يشترط قبول المدين ولم يرتد برده نظرا لشائبة الإسقاط فإن قلت لم غلبوا في علمه شائبة التمليك وفي قبوله شائبة الإسقاط قلت لأن القبول أدون ألا ترى إلى اختيار كثيرين من أصحابنا جواز المعاطاة في نحو البيع والهبة ولم يختاروا صحة نحو بيع الغائب وهبته ولو أبرأ ثم ادعى الجهل لم يقبل ظاهرا بل باطنا ذكره الرافعي لكن في الأنوار أنه إن باشر سبب الدين لم يقبل وإلا كدين ورثة قبل وفي الجواهر نحوه فليخص به كلام الرافعي وفيها أيضا عن الزبيلي تصدق الصغيرة المزوجة إجبارا بيمينها في جهلها بمهرها. قال الغزي وكذا التكبيرة المجبرة إن دل الحال على جهلها وهذا أيضا يؤيد ما في الأنوار قال المتولي ويجوز بذل العوض في مقابلة الإبراء ا هـ وعليه فيملك الدائن العوض المبذول له بالإبراء

 

 

ج / 2 ص -301-      ويبرأ المدين وطريق الإبراء من المجهول أن يبرئه مما يعلم أنه لا ينقص عن الدين كألف شك هل دينه يبلغها أو ينقص عنها وإذا لم تبلغ الغيبة المغتاب كفى فيها الندم والاستغفار له. فإن بلغته لم يصح الإبراء منها إلا بعد تعيينها بالشخص بل وتعيين حاضرها فيما يظهر إن اختلف به الغرض ولو أبرأه من معين معتقدا أنه لا يستحقه فبان أنه يستحقه برئ "إلا" الإبراء "من إبل الدية" فإنه صحيح مع الجهل بصفتها لأنهم اغتفروا ذلك في إثباتها في ذمة الجاني فكذا هنا وإلا لتعذر الإبراء منها بخلاف غيرها لإمكان معرفته بالبحث عنه "ويصح ضمانها في الأصح" كالإبراء للعلم بسنها وعددها ويرجع في صفتها لغالب إبل البلد "ولو قال ضمنت مالك على زيد" أو أبرأتك أو نذرت لك مثلا وكذا أحلتك كما هو ظاهر "من درهم إلى عشرة فالأصح صحته" لانتفاء الغرر بذكر الغاية "و" الأصح "أنه يكون ضامنا لعشرة" ومبرئا منها وناذرا لها إدخالا للغايتين "قلت الأصح" أنه يكون ضامنا "لتسعة" ومبرئا منها وناذرا لها "والله أعلم" إدخالا للأول فقط لأنه مبدأ الالتزام ولترتب صحة ما بعده عليه بل قيل لثمانية إخراجا لهما لأنه اليقين فإن قلت مما يضعف هذين ويرجح الأول قولهم إذا كانت الغاية من جنس المغيا دخلت قلت هذا في غير ما نحن فيه لأنه في الأمور الاعتبارية وما نحن فيه في الأمور الالتزامية وهي يحتاط لها ويأتي ذلك في الإقرار كما سيذكره ويأتي ثم زيادة على ما هنا ولو لقن صيغة نحو إبراء ثم قال جهلت مدلولها وأمكن عادة خفاء ذلك عليه قبل وإلا فلا كما يأتي في النذر.
فرع: مات مدين فسأل وارثه دائنه أن يبرئه ويكون ضامنا لما عليه فأبرأه على ظن صحة الضمان وأن الدين انتقل إلى ذمة الضامن لم يصح الإبراء لأنه بناه على ظن انتقاله للضامن ولم ينتقل إليه لأن الضمان بشرط براءة الأصيل باطل ودليل بطلان الإبراء قول الأم وتبعوه لو صالحه من ألف على خمسمائة صلح إنكار ثم أبرأه من خمسمائة ظانا صحة الصلح لم يصح الإبراء عن الخمسمائة التي أبرأ منها وقولهم لو أتى المكاتب لسيده بالنجوم فأخذها منه وقال له اذهب فأنت حر ثم خرج المال مستحقا بأن عدم عتقه لأنه إنما أعتقه بظن سلامة العوض وقولهم لو أتى بالبيع المشروط في بيع على ظن صحة الشرط بطل أو مع علمه بفساده صح ولا ينافيه صحة الرهن بظن الوجوب لما مر في المناهي ولما ذكر البلقيني ذلك. قال وهذا يدل على أن باني الأمر في نحو ذلك على ما اعتقده مخالفا لما في الباطن لا يؤاخذ به وتزييف الإمام لقول القاضي الموافق لذلك مزيف ا هـ. ويؤخذ من قوله في نحو ذلك أنه لا بد في تصديقه من قرينة تقضي بصدق ما ادعاه من الظن ووقع لجمع مفتين وغيرهم اعتماد خلاف بعض ما قررناه فاحذره ولو أبرأه في الدنيا دون الآخرة برئ فيهما لأن أحكام الآخرة مبنية على الدنيا ويؤخذ منه أن مثله عكسه إلا أن يقال إنه إبراء معلق لكن مر صحة تعليقه بالموت فيمكن أن يقال هذا مثله ولو قال أبرأتك مما لي عليك وله عليه دين أصلي ودين ضمان برئ منهما.

 

ج / 2 ص -302-      فصل في قسم الضمان الثاني
وهو كفالة البدن وفيها خلاف أصله قول الشافعي رضي الله عنه إنها ضعيفة "والمذهب" منه "صحة كفالة البدن" وهي التزام إحضار المكفول أو جزء منه شائع كعشره أو ما لا بقاء بدونه كروحه أو رأسه أو قلبه إلى المكفول له لإطباق الناس عليها ومسيس الحاجة إليها ومعنى ذلك أنها ضعيفة من جهة القياس لأن الحر لا يدخله تحت اليد ويشترط تعيينه فلا يصح كفلت بدن أحد هذين "فإن كفل" بفتح الفاء أفصح من كسرها "بدن" عداه كغيره بنفسه لأنه بمعنى ضمن لكن قيل أئمة اللغة لم يستعملوه إلا متعديا بالباء ا هـ. ولعله لكونه الأفصح أما كفل بمعنى عال كما في الآية فمتعد بنفسه دائما أي وما ورد في حديث الغامدية الآتي الباء فيه زائدة تأكيدا "من عليه مال" أو عنده مال ولو أمانة "لم يشترط العلم بقدره" لما يأتي أنه لا يغرمه "ويشترط كونه" أي ما على المكفول "مما يصح ضمانه" فلا تصح ببدن مكاتب بالنجوم أما غيرها ففيه ما مر في شرح قوله وكونه لازما ولا ببدن من عليه نحو زكاة كذا أطلقه الماوردي ومحله إن تعلقت بالعين قبل التمكن بخلاف ما إذا كانت في الذمة أو تعلقت بالعين وتمكن منها لصحة ضمان الأولى ومثلها الكفارة وضمان رد الثانية. "والمذهب صحتها ببدن" كل من استحق حضوره مجلس الحكم عند الطلب لحق آدمي ككفيل وأجير وقن آبق لمولاه وامرأة لمن يدعي نكاحها ليثبته أو لمن أثبت نكاحها ليسلمها له وكذا عكسه كما هو ظاهر "ومن عليه عقوبة آدمي كقصاص وحد قذف" لأنه حق لازم فأشبه المال مع أن الأول يدخله المال ولذا مثل بمثالين "ومنعها في حدود الله تعالى" وتعازيره كحد سرقة لأنا مأمورون بسترها والسعي في إسقاطها ما أمكن ومعنى تكفل أنصاري بالغامدية بعد ثبوت زناها إلى أن تلد أنه قام بمؤنها ومصالحها على حد
{وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} وبه يرد استشكال تصور الكفالة هنا مع وجوب الاستيفاء فورا. وبحث الأذرعي في حد تحتم ولم يسقط بالتوبة صحة التكفل ببدن من هو عليه وينافيه إن لم يرد حد قاطع الطريق فقط جوابهم عن الخبر المذكور.
"ويصح ببدن صبي ومجنون" لأنه قد يستحق إحضارهما ليشهد من لم يعرف اسمهما ونسبهما عليهما بنحو إتلاف ويشترط إذن وليهما فيطالب بإحضارهما ما بقي حجره وبحث الأذرعي اشتراط إذن ولي السفيه وله احتمال بخلافه وهو الذي يظهر ترجيحه لصحة إذنه فيما يتعلق بالبدن كما يعلم مما مر فيه ثم رأيت غيره قال إن هذا هو ظاهر كلامهم ومثله القن فيعتبر إذنه لا إذن سيده ا هـ. وإنما يظهر فيما لا يتوقف على السيد كإتلافه الثابت بالبينة "ومحبوس" بإذنه لتوقع خلاصه كما يصح ضمان معسر المال "وغائب" كذلك وإن كان فوق مسافة القصر فيلزمه الحضور معه سواء أكان ببلد بها حاكم حال الكفالة أو بعدها طلب إحضاره بعد ثبوت الحق أو قبله للمخاصمة على المعتمد خلافا للزركشي وغيره لأجل إذنه في ذلك فهو المورط لنفسه "وميت ليحضره فيشهد" بضم أوله وفتح ثالثه "على صورته" لعدم العلم باسمه ونسبه لأنه قد يحتاج لذلك ومحله قبل الدفن لا بعده وإن لم

 

ج / 2 ص -303-      يتغير وعدم النقل المحرم وأن لا يتغير في مدة الإحضار وإذن الولي في مثل هذه الأحوال لغو ذكره الأذرعي وبحث في المطلب اشتراط إذن الوارث أي إن تأهل وإلا فوليه كناظر بيت المال ووافقه الإسنوي ثم بحث اشتراط إذن جميع الورثة وتعقبه الأذرعي بأن كثيرين صوروا مسألة المتن بما إذا كفله بإذنه في حياته ا هـ. ويجاب بحمل الأول على ما إذا لم يأذن أما من لا وارث له كذمي مات ولم يأذن فظاهر أنه لا تصح كفالته "ثم إن عين مكان التسليم" في الكفالة "تعين" إن صلح سواء أكان ثم مؤنة أم لا وبحث الأذرعي اشتراط رضا المكفول ببدنه به وفيه وقفة "وإلا" يعين "فمكانها" يتعين إن صلح أيضا كالسلم نعم كلامهم هنا يفهم أنه لا يشترط بيان محل التسليم وإن لم يصلح له موضع التكفل أو كان له مؤنة وهو مخالف لنظيره في السلم المؤجل فيحتمل التسوية ويحتمل الفرق. قال الدميري وهو أن وضع السلم التأجيل، والضمان الحلول وأن ذاك عقد معاوضة وهذا محض غرامة والتزام وفي كلا فرقيه نظر وإن جزم بثانيهما شيخنا وتبعته في شرح الإرشاد. أما أولا فلأنا نمنع أن وضع الضمان الحلول وأما ثانيا فكل منهما عقد غرر ومع الغرر لا تفارق المعاوضة الالتزام كما هو واضح وقد يفرق بأنه يحتاط للأموال لاختلاف حفظها باختلاف المحال ما لا يحتاط للأبدان لما مر من جواز إركاب البحر ببدن المولى لا بماله وحينئذ فما هناك مال فاحتيط له ببيان محل التسليم شرطه وما هنا بدن أذن صاحبه فلم يحتج لبيانه ولا نظر هنا لمؤنة المحضر لأنها ليست على الكفيل العاقد فلا غرر عليه بل على المكفول بخلاف المؤنة ثم أما إذا لم يصلح فأقرب محل صالح على الأوجه من تردد فيه "ويبرأ الكفيل بتسليمه" مصدر مضاف للفاعل أو المفعول أي بنفسه أو وكيله المكفول من بدن أو عين إلى المكفول له أو وارثه "في مكان التسليم" المتعين بما ذكر وإن لم يطالبه به. وقضية كلامهم أنه لو كفل واحد بدن اثنين لم يبرأ إلا بإحضارهما كانا متضامنين وهو ظاهر "بلا حائل" بينه وبين المكفول له ولو محبوسا بحق لإتيانه بما لزمه بخلاف ما إذا سلمه له بحضرة مانع "كمتغلب" يمنعه منه فلا يبرأ لعدم حصول المقصود نعم إن قبل مختارا برئ وخرج بمكان التسليم غيره فلا يلزمه قبوله فيه إن كان له غرض في الامتناع كأن كان بمحل التسليم بينته أو من يعينه على خلاصه وإلا أجبره الحاكم على قبوله فإن صمم تسلمه عنه فإن فقد الحاكم أشهد أنه سلمه وبرئ ويأتي هذا التفصيل فيما لو أحضره قبل زمنه المعين.
فرع: قال ضمنت إحضاره كلما طلبه المكفول له لم يلزمه غير مرة لأنه فيما بعدها معلق الضمان على طلب المكفول له وتعليق الضمان يبطله كذا اعتمده شارح كالبلقيني وفيه نظر بل مقتضى اللفظ تعليق أصل الضمان على الطلب وتعلقه مبطل له من أصله فهو الأوجه فإن قلت الأولى فيها تعليق بالمقتضى إذ لا يلزمه الإحضار إلا بالطلب قلت المعلق هنا الضمان لا الإحضار كما هو المتبادر فإن جعل كلما قيدا للإحضار فقط فقياسه التكرر فلم يصح القول بالمرة عليهما فإن قلت فما الراجح من ذلك قلت قضية ما يأتي في ضمنت إحضاره بعد شهر أن الظرف متعلق بإحضاره لا بضمنت تعلقه هنا به أيضا

 

ج / 2 ص -304-      فيصح ويتكرر كلما طلبه "وبأن يحضر المكفول" البالغ العاقل بمحل التسليم ولا حائل "ويقول" للمكفول له "سلمت نفسي عن جهة الكفيل" وكذا في غير محل التسليم أو زمنه حيث لا غرض له في الامتناع فيشهد أنه سلم نفسه عن كفالة فلان ويبرأ الكفيل كذا أطلقه الماوردي والأوجه أخذا مما قبله أنه لا يكفي إشهاده إلا إن فقد الحاكم أما الصبي والمجنون فلا عبرة بقولهما إلا إن رضي به المكفول له على الأوجه وتسليم أجنبي بإذن الكفيل كتسليمه وبدون إذنه لغو إلا إن قبل المكفول له.
تنبيه: ظاهر كلامهم اشتراط اللفظ هنا لا فيما قبله ويفرق بأن مجيء هذا وحده لا قرينة فيه فاشترط لفظ يدل بخلاف مجيء الكفيل به فلا يحتاج للفظ ونظيره أن التخلية في القبض لا بد فيها من لفظ يدل عليها بخلاف الوضع بين يدي المشتري كما مر نعم إن أحضره بغير محل التسليم فلا بد من لفظ يدل على قبوله له حينئذ فيما يظهر.
"ولا يكفي مجرد حضوره" بلا قوله المذكور أنه لم يسلمه إليه ولا أخذ من جهته "فإن غاب" المكفول من بدن أو عين "لم يلزم الكفيل إحضاره إن جهل مكانه" لعذره ويصدق في جهله بيمينه "وإلا" بأن عرف مكانه "فيلزمه" عند أمن الطريق ولم يكن ثم من يمنعه منه عادة ويظهر أنه لا يكتفى في هذين بقوله إحضاره ولو من دار الحرب ومن فوق مسافة القصر ولو في بحر غلبت السلامة فيه فيما يظهر وإن حبس بحق فيلزمه قضاء ما عليه من دين ذكره صاحب البيان وغيره وفيه نظر ظاهر إلا أن يراد أنه مع حبسه بحق في غير محل التسليم يلزم بإحضاره ويحبس ما لم يتسبب في تخليصه ولو ببذل ما عليه ومؤنة السفر في مال الكفيل ولو كان المكفول ببدنه يحتاج لمؤن السفر ولا شيء معه فيظهر أن يأتي فيه ما مر في الدين المحبوس عليه.
تنبيه: من الواضح أنه إنما يلزم بالسفر للإحضار ويمكن منه إن وثق الحاكم منه بذلك وثوقا ظاهرا لا يتخلف عادة وإلا فالذي يظهر أنه يلزم حينئذ بكفيل كذلك فإن تعذر حبس حتى يزن المال قرضا أو ييأس من إحضاره.
"ويمهل مدة ذهاب وإياب" عادة لأنه الممكن وبحث الإسنوي إمهاله مع ذلك أي في السفر الطويل ثلاثة أيام كاملة مدة إقامة المسافرين والأذرعي إمهاله لانتظار رفقة يأمن بهم وانقطاع نحو مطر وثلج ووحل مؤذ "فإن مضت" المدة المذكورة "ولم يحضره" وقد وجدت تلك الشروط ومنها أن تلزمه الإجابة إلى القاضي لإذنه أو لقول المكفول له للكفيل أحضره للقاضي ويقول له القاضي أحضره لأنه حينئذ رسول القاضي إليه ولم يكف قول ذي الحق لأن من طلب خصمه لقاض لا تلزمه إجابته من حيث طلبه له ومن ثم تقيد بمسافة العدوى وبقولي وقد إلخ يندفع اعتماد الزركشي قول جمع لا يحبس كمعسر بدين ووجه اندفاعه ظهور الفرق بأن هذا يعد قادرا على إحضار ما لزمه بخلاف ذاك "حبس" إن لم يؤد الدين إلى تعذر إحضار المكفول بموت أو نحو تغلب أو جهل بمحله لامتناعه مما لزمه. وبحث الإسنوي أنه إذا حضر المكفول بعد تسليمه الدين رجع به على من أداه إليه ورد أنه

 

ج / 2 ص -305-      تبرع بالأداء لتخليص نفسه وأجيب: يمنع تبرعه وإنما بذله للحيلولة وهو متجه ومن ثم استرده إن بقي وإلا فبدله والكلام حيث لم ينو الوفاء عنه وإلا لم يرجع بشيء لتبرعه بأداء دينه بغير إذنه ولو تعذر رجوعه على المؤدى إليه فهل يرجع على المكفول ؟ لأن أداءه عنه يشبه القرض الضمني له أو لا لأنه لم يراع في الأداء جهة المكفول بل مصلحة نفسه بتخليصه لها به من الحبس كل محتمل والثاني أقرب "وقيل إن غاب إلى مسافة القصر لم يلزمه إحضاره" لأنها بمنزلة الغيبة المنقطعة وردوه بأن مال المدين لو غاب إليها لزم إحضاره فكذا هو ولا فرق في جميع ما ذكر بين أن تطرأ الغيبة أو يكون غائبا وقت الكفالة نعم لا تصح ببدن غائب جهل مكانه.
تنبيه: وقع للشارح هنا ما قد يتعجب منه حيث مزج المتن بقوله فيلزمه إحضاره من مسافة القصر فما دونها وظاهره أن ما فوقها لا يلزمه الإحضار منه وهو خلاف مصحح الشيخين وغيرهما لا يقال هي وإن بعدت تسمى مسافة قصر لأن هذا إنما يحسن لو لم يقل فما دونها أما إذا قال ذلك فليس مراده بمسافة القصر إلا أقلها لأنها التي لها دون وقد يجاب بأن له فائدتين إحداهما الرد على من أشار إلى أنه ينبغي أن يفصل بين مسافة العدوى وغيرها والثانية بيان نكتة خلافية أومأ إليها المتن وأشار إليها في الخادم بقوله ما صححه الرافعي من إلحاقه مسافة القصر بما دونها خلاف ما صححه المتولي فعلمنا أن ما دونها لا خلاف فيه يعتد به بل فيها فالشيخان يلحقانها بما دونها والمتولي يفرق فقصد الشارح أن يبين الأصل المتفق عليه وأنه لا عبرة بمن شذ فأشار إلى تفصيل فيه ولم يبال بذلك الإيهام لأنه لا قائل بالفرق بين المسافة وما فوقها فيلزم من ثبوتها ثبوت ما فوقها ولا يلزم من ثبوت ما دونها ثبوتها فتعين ذكر الدون لتينك الفائدتين فتأمله.
"والأصح أنه إذا مات ودفن" أو هرب أو توارى ولم يدر محله "لا يطالب الكفيل بالمال" فالعقوبة أولى لأنه لم يلتزمه أصلا بل النفس وقد فاتت وذكر الدفن لأنه قبله قد يطالب بإحضاره للإشهاد على صورته كما مر لا لأنه يطالب قبله بالمال كما هو واضح "والأصح أنه لو شرط في الكفالة أنه يغرم المال" ولو مع قوله "إن فات التسليم بطلت" الكفالة لأنه شرط ينافي مقتضاها وإنما صح قرض شرط فيه نحو رد مكسر عن نحو صحيح وضمان بشرط الخيار للمضمون له أو حلول المؤجل لأن الغرم هنا مستقل يفرد بعقد فأثر شرطه كشرط عقد في عقد وغيره مما ذكر صفة تابعة لا تخل بمقتضى العقد من كل وجه فألغيت وحدها وليس من الشرط كفلت ببدنه فإن مات فعلي المال لأنه وعد فيلغو وتصح الكفالة ولا أثر لإرادة الشرط هنا فيما يظهر خلافا للزركشي لأن إن إنما وقعت شرطا لما بعدها المنفصل عن كفلت فلم يؤثر فيه وإن أراده ولو قال كفلت لك نفسه على أنه إن مات فأنا ضامنه بطلت الكفالة والضمان لأنه شرط ينافيها أيضا
"و" الأصح "أنها لا تصح بغير رضا المكفول" أو نحو وليه لأنه مع عدم إذنه لا يلزمه الحضور معه فتبطل فائدتها.

 

ج / 2 ص -306-      فصل في صيغتي الضمان والكفالة ومطالبة الضامن وأدائه ورجوعه وتوابع لذلك
"يشترط في الضمان" للمال "والكفالة" للبدن أو العين "لفظ" غالبا إذ مثله الخط مع النية وإشارة أخرس مفهمة كما يعلم من كلامه في مواضع "يشعر بالالتزام" كغيره من العقود ودخل في يشعر الكتابة فهو أوضح من قول الروضة كغيرها بدل لأنها ليست دالة أي دلالة ظاهرة ثم الصريح "كضمنت" لك كذا ذكراه والظاهر كما قال الأذرعي وغيره خلافا لمن اعتمد الأول أنه ليس بشرط "دينك عليه" أي فلان "أو تحملته أو تقلدته" أي دينك عليه "أو تكفلت ببدنه" لفلان أو نحوه مما يدل عليه فيما يظهر "أو أنا بالمال" الذي على زيد مثلا "أو بإحضار الشخص" الذي هو فلان وإنما قيدت المال والشخص بما ذكرته لما هو واضح أنه لا يكفي ذكر ما في المتن وحده فإن قلت يحمل على ما إذا قال ذلك بعد ذكرهما وتكون أل للعهد الذكري بل وإن لم يجر لهما ذكر حملا لها على العهد الذهني قلت لا يصح هذا الحمل وإن أوهمه قول الشارح المعهود بل الذي يتجه أنه فيهما كناية لما مر أول الباب أنه لا أثر للقرينة في الصراحة "ضامن أو كفيل أو زعيم أو حميل" أو قبيل أي لفلان كما هو واضح ولعلهم حذفوه لذلك وعلي ما على فلان، ومالك على فلان علي لثبوت بعضها نصا وبقيتها قياسا مع اشتهار لفظ الكفالة بين الصحابة فمن بعدهم وخل عنه والمال علي صريح لأن علي صيغة التزام صريحة في ضمان ماله عليه فمن ثم لم يحتج لقول شيخنا والمال الذي لك عليه إن أراد به الاشتراط وصح حذف الروض له ويفرق بينه وبين ما مر آنفا بأن القرينة ثم خارجية فضعفت عن أن تؤثر الصراحة إن أراد خل عنه الآن وكذا إن أطلق فيما يظهر لأخل عنه وأراد أبدا لأنه شرط مفسد وقول شيخنا بالإبطال مع الإطلاق أيضا فيه نظر لأن خل عنه لا عموم فيه فيصدق بالصور الصحيحة بل هي المتيقنة منه وما عداها مشكوك فيه ولا بطلان مع الشك على أن قاعدة صون كلام المكلف عن الإلغاء ما وجد له محمل صحيح غير بعيد من ظاهر لفظه صريح فيما ذكرته بل قاعدة أنه لا يضر إضمار المبطل كأنكحتك بنتي وأرادا يومين مثلا تؤيد إطلاقهم صراحته الشامل لإرادة أبدا أيضا فإن قلت لم حمل المال هنا على ما على الأصيل بخلافه في أنا بالمال إلى آخره قلت يفرق بأن "علي" لما كان صريح التزام ووقع خبرا عن المال كان صريحا في دفع الإيهام الذي فيه وفي حمله على ما يلتزم وهو ما في ذمة الأصيل وأما ثم فالمال باق على إيهامه لأنه لم يقترن به ما يخرجه عنه وكون أل عهدية أمر محتمل لا

 

ج / 2 ص -307-      يصلح مزيلا للإيهام اللفظي وبهذا يتضح لك أن قول شيخنا والمال الذي لك عليه على إن أراد به أن ذكر ذلك شرط للصراحة فبعيد لما علمت أن الإخبار عنه بعلي قائم مقام وصفه بالذي لك علي وإن أراد أنه تفسير مراد دل عليه اللفظ كان صريحا فيما ذكرته والكناية نحو دين فلان إلي أو عندي أو معي وخل عنه والمال إلي أو نحوه مما ذكر ولو تكفل فأبرأه المستحق ثم وجد ملازما لخصمه فقال خله وأنا علي ما كنت عليه من الكفالة صار كفيلا وظاهر كلامهم أنه لا بد في صراحة هذه الألفاظ من ذكر المال فنحو ضمنت فلانا من غير ذكر مال ينبغي أن يكون كناية كخل عن مطالبة فلان الآن فإنه كناية كما يدل عليه ما مر في إلي أو عندي "ولو قال أؤدي المال أو أحضر الشخص فهو وعد" بالالتزام كما هو صريح الصيغة نعم إن حفت به قرينة تصرفه إلى الإنشاء انعقد كما بحثه ابن الرفعة وأيده السبكي بكلام للماوردي وغيره وهو أنه لو قال إن سلم مالي أعتقت عبدي انعقد نذره وبحث الأذرعي أن العامي إذا قال قصدت به التزام ضمان أو كفالة لزمه وهو أوجه مما قبله ويؤيده ما يأتي أنه لو قال داري لزيد كان لغوا إلا إن قصد بالإضافة كونها معروفة به مثلا فيكون إقرارا وقد يقال البحثان متقاربان فإن الظاهر أن ابن الرفعة لا يريد أن القرينة تلحقه بالصريح بل تجعله كناية فحينئذ إن نوى لزمه وإلا فلا لكنه يشترط شيئين القرينة والنية من العامي وغيره والأذرعي لا يشترط إلا النية من العامي ويحتمل في غيره أن يوافق ابن الرفعة وأن يأخذ بإطلاقهم أنه لغو وقول الشيخين عن البوشنجي في طلقي نفسك فقالت أطلق لم يقع شيء حالا لأن مطلقه الاستقبال فإن أرادت به الإنشاء وقع حالا. قال الإسنوي ولا شك في جريانه في سائر العقود ظاهر في أنه يؤثر مع النية وحدها لا مع عدمها سواء العامي وغيره وجدت قرينة أم لا وبه يعلم أن محل ما مر عن الماوردي إن نوى به الالتزام وإلا لم ينعقد "والأصح أنه لا يجوز" شرط الخيار للضامن أو الكفيل أو أجنبي ولا "تعليقهما" أي الضمان والكفالة "بشرط" لأنهما عقدان كالبيع "ولا توقيت الكفالة" كأنا كفيل به إلى شهر وإن لم يقل وأنا بعده بريء كما هو ظاهر فذكره في كلامهم مجرد تصوير كما لا يجوز توقيت الضمان جزما كأنا ضامن له إلى شهر ولهذا أفردها وكان الفرق أن الإحضار يتعلق بالمسافات وهي يدخلها التوقيت ولا كذلك أداء الديون "ولو نجزها وشرط تأخير الإحضار شهرا" كضمنت إحضاره بعد شهر أي ونوى تعلق بعد بإحضاره فإن علقه بضمنت فواضح أنه يبطل وأن كلامهم في غير ذلك وإن أطلق فقضية كلامهم الصحة يوجه بما مر أن كلام المكلف يصان عن الإلغاء إلى آخره "جاز" لأنه التزام لعمل في الذمة فكان كعمل الإجارة يجوز حالا ومؤجلا ومن عبر بجواز تأجيل الكفالة أراد هذه الصورة وإلا فهو ضعيف وخرج بشهرا مثلا نحو الحصاد فلا يصح التأجيل إليه "و" الأصح "أنه يصح ضمان الحال مؤجلا أجلا معلوما" فيثبت الأجل في حق الضامن على الأصح لأن الضمان تبرع وتدعو الحاجة إليه فكان على حسب ما التزمه وفهم منه بالأولى جواز زيادة الأجل ونقصه وأسقط المال من قول أصله ضمان المال الحال ليشمل من تكفل كفالة مؤجلة ببدن من تكفل بغيره كفالة حالة وعلم من اشتراط معرفة الضامن لصفة

 

ج / 2 ص -308-      الدين اشتراط معرفة كونه حالا أو مؤجلا وقدر الأجل "و" الأصح "أنه يصح ضمان المؤجل حالا" لتبرعه بالتزام التعجيل فصح كأصل الضمان واستشكل ذلك السبكي بما لو رهن بدين حال وشرط في الرهن أجلا أو عكسه فإنه لا يصح مع أن كلا وثيقة ويفرق بأن التوثقة في الرهن بعين وهي لا تقبل تأجيلا ولا حلولا وفي الضمان بذمة لأنه ضم ذمة لذمة والذمة قابلة لالتزام الحال مؤجلا وعكسه "و" الأصح "أنه لا يلزمه التعجيل" كما لو التزم الأصيل التعجيل فيثبت الأجل في حقه أو حق وارثه تبعا على الأوجه فلو مات الأصيل حل عليه أيضا نعم فيما إذا ضمن مؤجلا لشهرين مؤجلا لشهر لا يحل بموت الأصيل إلا بعد مضي الأقصر "وللمستحق" الشامل للمضمون له ولوارثه قيل وللمحتال مع أنه لا يطالبه لبراءة ذمته بالحوالة كما مر ويرد بأنه لا يشمله لأن المحتال ليس مستحقا بالنسبة للضامن "مطالبة الضامن" وضامنه وهكذا وإن كان بالدين رهن واف "والأصيل" اجتماعا وانفرادا وتوزيعا بأن يطالب كلا ببعض الدين لبقاء الدين على الأصيل وللخبر السابق "الزعيم غارم" ولا محذور في مطالبتهما وإنما المحذور في تغريمهما معا كل الدين، والتحقيق أن الذمتين إنما اشتغلتا بدين واحد كالرهنين بدين واحد فهو كفرض الكفاية يتعلق بالكل ويسقط بفعل البعض فالتعدد فيه ليس في ذاته بل بحسب ذاتيهما ومن ثم حل على أحدهما فقط وتأجل في حق أحدهما فقط ولو أفلس الأصيل فطلب الضامن بيع ماله أولا أجيب إن ضمن بإذنه وإلا فلا لأنه موطن نفسه على عدم الرجوع.
فرع: أفتى السبكي وفقهاء عصره تبعا للمتولي واعتمده البلقيني بأنه لو قال رجلان لآخر ضمنا مالك على فلان طالب كلا بجميع الدين كرهنا عبدنا بألف يكون نصف كل رهنا بجميع الألف وقال جمع متقدمون يطالب كلا بنصف الألف كاشترينا هذا بألف ومال إليه الأذرعي قال البدر بن شهبة وبهذا أفتيت عند دعوى الضامنين أنهما لم يضمنا ذلك إلا على أن على كل النصف وحلفتهما على ذلك لأن اللفظ ظاهر فيما ادعياه ا هـ. وظاهر أن قياس الأولين على الرهن واضح والأخيرين على البيع غير واضح لتعذر شراء كل له بألف فتعين تنصيفه بينهما وإذا اتضح قياس الأولين اتضح ما قالوه ولا نسلم ظهور اللفظ فيما ادعياه وإلا لبطل ما ذكروه في الرهن وإنما تقسط الضمان في ألق متاعك في البحر وأنا وركاب السفينة ضامنون لأنه ليس ضمانا حقيقة بل استدعاء إتلاف مال لمصلحة فاقتضت التوزيع لئلا ينفر الناس عنها ثم رأيت شيخنا اعتمد ما اعتمدته. قال وبه أفتيت وعلله بأن الضمان وثيقة لا تقصد فيه التجزئة وأبا زرعة اعتمده أيضا وفرق بنحو ما فرقت به وهو أن الثمن عوض الملك فوجب بقدره ولا معاوضة في الضمان ثم رأيت المتولي نفسه فرق بذلك.
"والأصح أنه لا يصح" الضمان ومثله الكفالة "بشرط براءة الأصيل" لمنافاته مقتضاه "ولو أبرأ الأصيل" أو برئ بنحو أداء أو اعتياض أو حوالة وإنما آثر أبرأ لتعينه في صورة العكس "برئ الضامن" وضامنه وهكذا لسقوط الحق "ولا عكس" فلو برئ الضامن بإبراء لم يبرأ الأصيل ولا من قبله بخلاف من بعده وكذا في كفيل الكفيل وكفيله وهكذا وذلك

 

ج / 2 ص -309-      لأنه إسقاط وثيقة فلا يسقط بها الدين كفك الرهن بخلاف ما لو برئ بنحو أداء وشمل كلامهم ما لو أبرأ الضامن من الدين فيكون كإبرائه من الضمان وهو متجه خلافا للزركشي وقوله إن الدين واحد تعدد محله فيبرأ الأصيل بذلك يرده ما مر في التحقيق من تعدده الاعتباري فهو على الضامن من غيره على الأصيل باعتبار أن ذاك عارض له اللزوم وهذا أصلي فيه فلم يلزم من إبراء الضامن من العارض إبراء الأصيل من الذاتي.
تنبيه: أقال المضمون له الضامن فإن قصد إبراءه برئ من غير قبول وإن لم يقصد ذلك فإن قبل في المجلس برئ وإلا فلا كما بحثه شيخنا وقال إنه مقتضى كلامهم قال ويصدق المضمون له في أن الضامن لم يقبل لأن الأصل عدمه.
"ولو مات أحدهما" والدين مؤجل عليهما بأجل واحد "حل عليه" لوجود سبب الحلول في حقه "دون الآخر" لعدم وجوده في حقه وعند موت الأصيل وله تركة للضامن مطالبة المستحق بأن يأخذ منها أو يبرئه لاحتمال تلفها فلا يجد مرجعا إذا غرم وقضيته أنه لو ضمن بغير الإذن لم يكن له ذلك إذ لا رجوع له وهو قياس ما مر في إفلاس الأصيل ولو قيل له ذلك فيهما مطلقا حتى لا يغرم لم يبعد إلا أن يجاب بأنه مقصر بعدم الاستئذان وعند موت الضامن إذا أخذ المستحق ماله من تركته لا ترجع ورثته على الأصيل إلا بعد الحلول وأفتى ابن الصلاح بأنه لو أعار عينا ليرهنها ثم مات لم يحل الدين لتعلقه بها لما مر أنه ضمان في رقبتها دون الذمة وذكر العارية مثال والمدار على تعلق الدين بالعين بضمان فيها أو رهن لها.
"وإذا طالب المستحق الضامن فله مطالبة الأصيل" أو وليه "بتخليصه بالأداء إن ضمن بإذنه" لأنه الذي ورطه في المطالبة لكن ليس له حبسه وإن حبس ولا ملازمته ففائدتها إحضاره مجلس القاضي وتفسيقه بالامتناع إذا ثبت له مال "والأصح أنه لا يطالبه" بالدين الحال "قبل أن يطالب" كما لا يغرمه مثل الغرم "وللضامن" بعد أدائه من ماله كما أفاده السياق "الرجوع على الأصيل إن وجد إذنه في الضمان والأداء" لصرف ماله لغرض الغير بإذنه أما لو أدى من سهم الغارمين فلا رجوع له وكذا لو ضمن سيده ثم أدى بعد عتقه أو نذر ضامن الأداء وعدم الرجوع "وإن انتفى" إذنه "فيهما" أي الضمان والأداء "فلا" رجوع له لأنه متبرع "فإن أذن" له "في الضمان فقط" أي دون الأداء ولم ينهه عنه "رجع في الأصح" لأن الضمان هو الأصل فالإذن فيه إذن فيما يترتب عليه. أما إذ نهاه عنه بعد الضمان فلا يؤثر أو قبله فإن انفصل عن الإذن فلا رجوع عنه وإلا أفسده ذكره الإسنوي وقد لا يرجع بأن أنكر أصل الضمان فثبت عليه بالبينة مع إذن الأصيل له فيه فكذبها لأنه بتكذيبها صار مظلوما بزعمه والمظلوم لا يرجع على غير ظالمه وهو هنا المستحق "ولا عكس في الأصح" بأن ضمن بلا إذن وأدى بالإذن لأن وجوب الأداء سببه الضمان ولم يأذن فيه نعم إن أذن له في الأداء بشرط الرجوع رجع وحيث ثبت الرجوع فحكمه حكم القرض حتى يرد في المتقوم مثله صورة.

 

ج / 2 ص -310-      "ولو أدى مكسرا عن صحاح أو صالح عن مائة" ضمنها "بثوب قيمته خمسون فالأصح أنه لا يرجع إلا بما غرم" لأنه الذي بذله قال شارح التعجيز والقدر الذي سومح به يبقى على الأصيل إلا أن يقصد الدائن مسامحته به أيضا ا هـ. وفيه نظر ظاهر لأنه لم يسامح هنا بقدر وإنما أخذه بدلا عن الكل فالوجه براءة الأصيل منه أيضا وخرج بما ذكره صلحه عن مكسر بصحيح وعن خمسين بثوب قيمته مائة فلا يرجع إلا بالأصل فالحاصل أنه يرجع بأقل الأمرين من الدين والمؤدي وبالصلح ما لو باعه الثوب بمائة ثم وقع تقاص فيرجع بالمائة قطعا وكذا لو باعه الثوب بما ضمنه على الأصح. واستشكل السبكي هذا بما مر في الصلح ويفرق بأن الغالب في الصلح المسامحة بترك بعض الحق وعدم مقابلة المصالح به لجميع المصالح عنه فرجع بالأقل وفي البيع المشاحة ومقابلة جميع الثمن بجميع المبيع من غير نقص لشيء منهما فرجع بالثمن فاندفع ما يقال الصلح بيع أيضا ولو صالح من الدين على بعضه أو أدى بعضه وأبرئ من الباقي رجع بما أدى وبرئ فيهما وكذا الأصيل لكن في صورة الصلح لأنه يقع عن أصل الدين مع أن لفظه من حيث هو لا بالنظر لمن جرى معه يشعر بقناعة المستحق بالقليل عن الكثير دون صورة البراءة لأنها للضامن إنما تقع عن الوثيقة دون أصل الدين ولو ضمن ذمي لذمي دينا على مسلم ثم تصالحا على خمر لم يصح ولم يرجع وإن قلنا بالمرجوح وهو سقوط الدين لتعلقها بالمسلم ولا قيمة للخمر عنده.
"ومن أدى دين غيره" وليس أبا ولا جدا "بلا ضمان ولا إذن فلا رجوع" له عليه وإن قصده لتبرعه بخلاف ما لو أوجر مضطرا لأنه يلزمه إطعامه إبقاء لمهجته مع ترغيب الناس في ذلك. أما الأب أو الجد إذا أدى دين محجوره أو ضمنه بنية الرجوع فإنه يرجع "وإن أذن" له في الأداء "بشرط الرجوع" فأدى بقيده الآتي "رجع" عليه "وكذا إن أذن" له إذنا "مطلقا" عن شرط الرجوع فأدى لا بقصد التبرع كما بينته في شرح الإرشاد فإن قلت قال السبكي في تكملة شرح المهذب عن الإمام متى أدى المدين بغير قصد شيء حالة الدفع لم يكن شيئا ولم يملكه المدفوع إليه بل لا بد من قصد الأداء عن جهة الدين وكثير من الفقهاء يغلط في هذا ويقول أداء الدين لا تجب فيه النية ا هـ. وجرى عليه الزركشي وغيره وهذا ينافي ما ذكر أن الشرط أن لا يقصد التبرع قلت لا ينافيه لأن إذن المدين في الأداء عن دينه متضمن لنية الأداء عن الدين عند الدفع بل ينبغي جواز تقديم النية هنا عند عزل ما يريد أداءه كنظيره في الزكاة "في الأصح" كما لو قال اعلف دابتي أو قال أسير: فادني وإن لم يشرط الرجوع ويفرق بين هذين وأطعمني رغيفا بجريان المسامحة في مثله ومن ثم لا أجرة في نحو اغسل ثوبي لأن المسامحة في المنافع أكثر منها في الأعيان وقول القاضي لو قال لشريكه أو أجنبي عمر داري أو أد دين فلان على أن ترجع علي لم يرجع عليه إذ لا يلزمه عمارة داره لا أداء دين غيره بخلاف اقض ديني وأنفق على زوجتي أو عبدي ا هـ. ضعيف بالنسبة لشقة الأول لما مر أوائل القرض أنه متى شرط الرجوع هنا وفي نظائره رجع وفارق نحو أد ديني واعلف دابتي بوجوبهما عليه فيكفي الإذن فيهما وإن لم

 

ج / 2 ص -311-      يشرط الرجوع وألحق بهما فداء الأسير على خلاف ما مشى عليه القمولي وغيره أنه لا بد من شرط الرجوع فيه أيضا لأنهم اعتنوا في وجوب السعي في تحصيله ما لم يعتنوا به في غيره. قال القاضي أيضا ولو قال أنفق على امرأتي ما تحتاجه كل يوم على أني ضامن له صح ضمان نفقة اليوم الأول دون ما بعده ا هـ وفيه نظر والذي يتجه أنه يلزمه ما بعد الأول أيضا لأن المتبادر من ذلك كما هو ظاهر ليس حقيقة الضمان السابق بل ما يراد بقوله على أن ترجع علي أنه مر في كلام القاضي نفسه أن أنفق على زوجتي لا يحتاج لشرط الرجوع فإن أراد حقيقة الضمان فالذي يتجه أنه يصدق بيمينه ولا يلزمه إلا اليوم الأول وعليه يحمل كلام القاضي ولو قال بع لهذا بألف وأنا أدفعه لك ففعل لم يلزمه الألف خلافا لابن سريج وقياس ما يأتي في الصداق أنه لو ارتفع العقد الذي أدى به الدين بعيب ونحوه رجع للمؤدى إلا أن يكون أبا أو جدا فيرجع للمؤدى عنه.
تنبيه: محل ما ذكره المتن إن لم يضمن بعد الإذن في الأداء بلا إذن وإلا لم يرجع فيما يظهر لأنه أبطل الإذن بضمانه بلا إذن.
"والأصح أن مصالحته" أي المأذون له في الأداء "على غير جنس الدين لا تمنع الرجوع" لأن الإذن إنما يقصد البراءة وقد حصلت فيرجع بالأقل كما مر ويظهر أنه يأتي هنا ما مر ثم في البيع وحكوا خلافا هنا لإ ثم لأن الصلح ثم وقع عن حق لزمه بخلافه هنا وإحالة المستحق على الضامن وإحالة الضامن له قبض ومتى ورث الضامن الدين رجع به مطلقا "ثم إنما يرجع الضامن والمؤدي" بشرطهما السابق "إذا أشهدا بالأداء" من لم يعلم سفره عن قرب أي عرفا فيما يظهر ويحتمل ضبطه بمن لا يعلم سفره قبل ثلاثة أيام سواء أكان "رجلين أو رجلا وامرأتين" ولو مستورين وإن بان فسقهما لعدم الاطلاع عليه باطنا "وكذا رجل" يكفي إشهاده "ليحلف معه في الأصح" لأنه كاف في إثبات الأداء وإن كان حاكم البلد حنفيا كما اقتضاه إطلاقهم لكنه مشكل إذا كان كل الإقليم كذلك فينبغي هنا عدم الاكتفاء به وقوله ليحلف علة غائبة فلا يشترط عزمه على الحلف حين الإشهاد على الأوجه بل إن يحلف عند الإثبات فقول الحاوي إن لم يقصده كان كمن لم يشهد يحمل على ما إذا لم يحلف أصلا "فإن لم يشهد" أو قال أشهدت وماتوا أو غابوا أو هذين وكذباه أو قالا نسينا ولم يصدقه الأصيل وأنكر رب المال دفعه إليه "فلا رجوع" له "إن أدى في غيبة الأصيل وكذبه" لأن الأصل عدم الأداء وهو مقصر بترك الإشهاد "وكذا إن صدقه" على الأداء "في الأصح" لأنه لم ينتفع بأدائه ولو أذن له في ترك الإشهاد رجع إن صدقه على الدفع ولو لم يشهد أولا ثم أدى ثانيا وأشهد رجع بأقلهما لأن الأصل براءة ذمة الأصيل من الزائد "وإن صدقه المضمون له" أو وارثه الخاص على الأوجه وكذبه الأصيل ولا بينة "أو أدى بحضرة الأصيل" وأنكر المضمون له "رجع على المذهب" لسقوط الطلب في الأولى بإقرار ذي الحق ولأن المقصر هو الأصيل في الثانية حيث لم يحتط لنفسه وكالضامن فيما ذكر المؤدي نعم بحث بعضهم تصديقه في نحو أطعم دابتي وأنفق على محجوري في أصل الإطعام والإنفاق وفي قدره لرضاه بأمانته وهو قياس ما يأتي في نحو

 

ج / 2 ص -312-      تعمير المستأجر وإنفاق الوصي ومن ثم تقيد قبول قوله بالمحتمل.
فرع: قال جمع تقبل شهادة الأصيل لآخر بأنه لم يضمن ما لم يأذن له في الضمان عنه وللضامن باطنا إذا أدى للمستحق فأنكر وطالب الأصيل أن يشهد أنه استوفى الحق المدعى به كشهادة بعض قافلة على قطاع عليهم أنهم قطعوا الطريق ما لم يقولوا علينا ذكره القفال ولو ضمن صداق زوجة ابنه بغير إذنه فمات وله تركة فلها أن تغرم الأب وتفوز بإرثها من التركة لأنه لا رجوع له وقول التاج الفزاري وغيره له الامتناع من الأداء لأن الدين تعلق بالتركة تعلق شركة فقدم متعلق العين على متعلق الذمة كدين به رهن لا يلزم الأداء من غيره مردود وما علل به ممنوع والخبرة في المطالبة للمضمون له لا للضامن ولا نسلم أن الضمان كالرهن لأنه ضم ذمة إلى ذمة والرهن ضم عين إلى ذمة وشتان ما بينهما.